حرب الإثني عشر يومًا بين الكيان الصهيوني وإيران: الديناميات، والتداعيات، وسيناريوهات المستقبل القريب

مقدمة الملف
منذ غُرست بذور الكيان الصيهوني في قلب الأمة العربية والإسلامية، برزت موجات من مقاومته من فاعلين متنوعين؛ سواء انطلقوا من فلسطين نفسها أو الشام أو مصر أو الخليج واليمن أو المغرب العربي أو الجوار الحضاري للعرب مثل إيران وتركيا، ومن منطلقات أيديولوجية مختلفة، إلا أنها تجتمع على مبدأ واحد وغاية واحدة؛ وهي ضرورة العمل من أجل تحرير أرض فلسطين وبيت المقدس والمسجد الأقصى.
واليوم تشهد المنطقة العربية وجوارها الحضاري منعطفًا تاريخيًّا حادًّا مع تصاعد الصراع بين الكيان الصهيوني وإيران، ذلك الصراع المبني على عداء قديم، ويصل اليوم إلى مستوى المواجهة العسكرية المباشرة الثقيلة، ابتداءً من الضربات الجوية الإسرائيلية المدمرة التي استهدفت منشآت نووية وعسكرية إيرانية حيوية في فجر 13 يونيو 2025، واغتالت قيادات عسكرية وعلمية رفيعة المستوى، ثم الردّ الإيراني، فتبادل الضربات لمدة اثني عشر يوما، حتى وقف إطلاق النار أول ساعة من يوم الثلاثاء 24 يونيو 2025، بعد الضربة الأمريكية لأهم المنشآت النووية الإيرانية فجر الأحد 22 يونيو.
تعود جذور الصراع بين الطرفين إلى وقت الثورة الإيرانية 1979. فقد اتخذت إسرائيل موقفًا عدائيًا بشدة من الثورة الإسلامية في إيران حتى قبل نجاحها، خاصة مع عمق علاقتها السابقة بالشاه المخلوع ونظامه، وبعد انتصار الثورة أضحت إيران عدوًّا مركزيًّا لإسرائيل. فقد كانت طهران قبل ذلك –ضمن ما يُعرف بـ«عقيدة المحيط» الإسرائيلية[1]– حليفة غير عربية لإسرائيل ضد دول الشرق العربي. بيد أن انتصار الخميني وحلفائه في الثورة دمّر هذا التحالف فجأة؛ فقد قطعت إيران الجديدة علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وسمَّتها «الكيان الصهيوني المحتل»، و”الشيطان الأصغر” (على اعتبار أن الولايات المتحدة هي الشيطان الأكبر)، وصنَّفتها «عدوًا وجوديًا» يهدد أمن الثورة، مستخدمة لغة دينية أيديولوجية ضدها.
على الجانب الإسرائيلي، شكّلت الثورة الإيرانية مفاجأة استراتيجية، إلا أن إسرائيل سرعان ما عدّلت نظرتها: ففي الثمانينيات، وفي أثناء الحرب الإيرانية–العراقية، واصلت إسرائيل دعمها لطهران في التصدّي للعراق وأمدت طهران بالسلاح فيما عرف بفضيحة “إيران-كونترا”، لكن ذلك لم يطفئ الشكوك المتبادلة. ومع اختفاء التهديد العراقي بعد حرب الخليج 1991، أدركت إسرائيل أن إيران الصاعدة في التسعينيات تمثّل تهديدًا متصاعدًا، خصوصًا مع تطوّر برنامجها النووي، ونمو قوة حزب الله اللبناني المتحالف مع إيران.
من ناحية أخرى، اتخذت إيران بعد الثورة الإسلامية نهجًا نشطًا لدعم حركات المقاومة الموجهة ضد إسرائيل؛ سواء في لبنان أو فلسطين. فبوصفه قوة مقاومة لمواجهة الغزو الإسرائيلي للبنان، وفي الوقت نفسه حليفا قويا للجمهوية الإيرانية يؤمن بنظرية ولاية الفقيه، تأسس «حزب الله» اللبناني الشيعي في عام 1982، واستمر الدعم الإيراني للحزب طوال احتلال إسرائيل «حزام الأمان» جنوبي لبنان؛ حيث موّلت طهران الحزب وأمدته بالذخائر المتطورة والصواريخ بعيدة المدى. وفي العام 2000 بدأ انسحاب إسرائيل من جنوبي لبنان، لكنه لم يكن انسحابا كاملا ما أوقع اشتباكات بينها وبين حزب الله الذي أصر على انسحابها من مزارع شبعا. واستمر تبادل إطلاق نار متقطع بين الطرفين في صورة مناوشات بين الحين والآخر، حتى وقعت المواجهة الكبيرة بينهما يوليو 2006، واستمرت 33 يوما، وكانت يد إيران المساندة للحزب واضحة. وبعد عام 2006 أصبح حزب الله اللبناني أقوى، وأعاد تسليح مخازنه عبر دعم سوريا وإيران.
في الملف الفلسطيني، كانت إيران أيضًا حريصة على دعم فصائل المقاومة في الشتات والعواصم العربية. ففي التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتراجع العراق، أقبلت إيران على مواجهة إسرائيل بالانضمام إلى صفوف «المقاومة» العربية، وشجعت حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني، كما أمدّت حركة حماس بالسلاح والتدريب، ما أكدته تقارير عديدة. وخلال الحرب الأخيرة في غزة (منذ أكتوبر 2023) برز دور إيران في تأييد وتعزيز المقاومة الفلسطينية، ونفّذت إسرائيل ضربات جوية ضد شحنات أسلحة إيرانية في سوريا والعراق، واغتالت قادة مرتبطين بإيران في أنحاء عدة.
من ناحية ثالثة، وبالرغم من امتلاك إسرائيل ترسانة نووية ضخمة وعددا من المفاعلات غير المراقبة من وكالة الطاقة الذرية، فقد جعلت إسرائيل والولايات المتحدة من البرنامج النووي الإيراني محورًا رئيسيًّا للتصعيد ضد إيران، وذلك منذ الإعلان عن اكتشاف منشأة نطنز للتخصيب في 2002. ففي أغسطس 2002 كشفت الاستخبارات الغربية وحركة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة عن مجمع نطنز النووي السري، وحذّر مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة آنذاك من أن إيران تعمل على صنع قنبلة نووية. منذ ذلك الحين دخل الملف النووي الإيراني قنوات المفاوضات مع القوى الكبرى (الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة) التي توقّفت عدة مرات. وفي يوليو 2015 تم التوصل إلى الاتفاق النووي (JCPOA) بين إيران والقوى الغربية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة بقيادة باراك أوباما، وبموجبه قلّصت إيران تخصيبها لليورانيوم مقابل رفع العقوبات الدولية، غير أن هذا الاتفاق لم ينل ثقة إسرائيل، وتجدد التصعيد فور إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من ذلك الاتفاق عام 2018.
من ناحية رابعة، اشتركت عدة أطراف في معاداة إيران أو خصومتها إلى جانب إسرائيل؛ على رأسها الولايات المتحدة ودول غرب أوربا، ولكن مع توقيع اتفاقات السلام المعروفة بـ(اتفاقات أبراهام 2020) والشروع في إقامة علاقات مباشرة بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والمغرب، والحديث عن علاقات مع السودان؛ هذا الانفتاح الإسرائيلي مع دول عربية، بدا في غير صالح النفوذ الإيراني الإقليمي؛ إذ صار الإيرانيون يرون أن إسرائيل تحاول «إحاطتها» بشبكة تحالفات جديدة، خاصة مع سعي بعض دول الخليج إلى زيادة التعاون الدفاعي مع إسرائيل (مثلًا صفقة تصدير أسلحة إسرائيلية للإمارات) مع تجنب استفزاز إيران بشكل مباشر. لكن الحاصل أن صراعا تطور بين مشروعين إقليميين متقابلين، تقود أحدهما إيران (في العراق وسوريا ولبنان واليمن)، ويقود الكيان الصهيوني المشروع الآخر باسم التطبيع والتطويع؛ الأمر الذي تقع فلسطين وقضيتها في قلبه.
ومع شن المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023 وضربها العدو الصهيوني ضربة مدوية في خاصرة رخوة من قوته الأمنية والاستراتيجية، ورد الكيان بشن عدوان شامل وصل إلى مستوى الإبادة الجماعية لغزة وأهلها، وإعادة احتلال الضفة، أعلنت إيران عبر حلفائها ومحورها الاستراتيجي مساندة غزة ومقاومتها ضد العدوان الصهيوني، ثم باشرت المساندة بذاتها حين تعرض العدو الصهيوني لقادتها ومصالحها في سوريا ولبنان ثم في أرضها مباشرة. فمع ضرب إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق وقتل قادة عسكريين إيرانيين ردت إيران بعملية الوعد الصادق 1 في أبريل 2024، ثم مع اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران يوليو 2024، ثم اغتيالها الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في لبنان وعدد من قادة حزبه آخر سبتمبر من العام نفسه، ردت إيران بضربة أسمتها الوعد الصادق 2 في أكتوبر من العام نفسه. تراجعت التراشقات بين إيران والكيان الصهيوني، بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا ديسمبر 2024 ومجيء نظام جديد غير صديق لإيران وحزب الله وقطعه الطريق بينهما، ومن ثم أجبر حزب الله على التراجع عن مساندة المقاومة في غزة.
بعد ستة أشهر من هذه التطورات، وفي ظل هدوء الصراع نسبيا بين إسرائيل وإيران، وتصاعد الحديث عن مفاوضات أمريكية إيرانية بخصوص الملف النووي، والدخول الفعلي في مفاوضات مباشرة عبر سلطنة عمان، شنت إسرائيل ضربتها العنيفة على مفاعلات إيران النووية وقواعد صاروخية عديدة ومواقع عسكرية واغتالت عددا من كبار القادة العسكريين والعلماء كما اشرنا، وأظهرت سيطرة على الأجواء الإيرانية، لتبدأ حرب الاثني عشر يوما التي تدخلت الولايات المتحدة في آخرها بعملية ضخمة لضرب مفاعلات نووية إيرانية بقوة شديدة، قبل أن توقف هذه الحرب الأشبه بالخاطفة والتي يتناولها بالتفصيل والتحليل هذا الملف.
قبل أن تندلع هذه الحرب، كان واضحا أن ميزان القوة العسكري بين إسرائيل وإيران يميل كثيرًا إلى مصلحة إسرائيل؛ بينما تعاني إيران من قيد العقوبات الذي حرمها من تطوير أسلحتها، لكن مجريات وديناميات الحرب كشفت عن الكثير من نقاط القوة ونقاط الضعف في الطرفين، كما ألمحت إلى أن استمرار الصراع بوتائر مختلفة سيكون له آثاره الخطيرة على كل من: المستويات الداخلية للطرفين، ومشروعيهما الاستراتيجيين في الإقليم اللذين يتقدمان على حساب البلدان العربية، والأمن القومي العربي، والأمن الإقليمي الجماعي للمنطقة، والذي يمتد بين باكستان شرقا وتركيا غربا، فضلا عن المستوى الدولي والعالمي الذي يستدعي أدوار القوى الكبرى كلها شرقا وغربا.
فمن ناحية، يعاني النظام السياسي في الجانبين من ضغوط عديدة داخلية وخارجية؛ في إيران بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من دول الغرب باسم الضغوط القصوى لسنوات عديدة، والأشبه بالحصار، وفي الكيان الصهيوني بسبب أثر الطوفان وعدوان الكيان الوحشي على غزة وعموم فلسطين، وحربه على جبهات عديدة لقريب من العامين. وقد أتت هذه الحرب لتزيد من حدة هذه الضغوط واحتمالات الانفجار، أو استمرار الصراع لامتصاص تلك الضغوط وصناعة الاصطفاف القهري.
ومن ناحية أخرى، يتعرض الأمن القومي العربي، والحضاري الإسلامي، والأمن الإقليمي للمنطقة إلى تحديات وتهديدات خطيرة، على المستويات الجماعية والفردية، تستلزم مراجعة مواقف الدول الأركان في المنطقة، والوصل بين العرب في مصر والشام والعراق والخليج وجوارهم الحضاري الإسلامي في تركيا وإيران وباكستان، ورؤية مواقف المنظمات الجامعة كالجامعة العربية ومنظمة التعاون، ومنظمة التعاون الخليجي، والتبصر بمعطلات الفاعلية، والبدائل الخطيرة المتمثلة في التطبيع أو بالأحرى تطويع العرب للمشروع الصهيوني المندفع باتجاه فرض الهيمنة وفرض السلام الصهيوني الجديد بالعنوان الذي يكرره ترامب ونتنياهو: سلام تصنعه القوة، دون إتاحة السؤال: عن أي سلام وأي قوة يتحدثون؟
ومن ناحية ثالثة، يتجلى من المواقف العالمية اختلال التوازن التحالفي في صالح الكيان الصهيوني، فحلفاء هذا الكيان أقوياء شديدو الولاء والمساندة، متفقون معه في الهدف، مساندون له في الوسيلة ومنها الوسيلة الحربية، وخاصة الولايات المتحدة التي شاركت بنفسها في عملية “مطرقة منتصف الليل” (Operation Midnight Hammer) فجر 22 يونيو 2025؛ لتعلن بعدها بيومين وقف إطلاق النار؛ لأن الهدف من وجهة نظرها قد تحقق. في المقابل، لم تساند القوى الشرقية الكبرى: خاصة الصين وروسيا، إيران مساندة تذكر، ولا باكستان الإسلامية التي أخرجت تصريحا مؤيدا لإيران ثم صمتت، فآل الأمر إلى طرف مسنود عالميا بقوة وآخر لا صديق له إلا قوته الذاتية.
وفي النهاية، صبت هذه الحرب والمواقف الإقليمية والعالمية منها في المعركة الأم: فلسطين؛ لتضعها أمام مستقبل متعدد الاحتمالات، وسيناريوهات مختلفة، يحاول هذا الملف التحليلي الإشارة إليها.
***
يتناول هذا الملف الأبعاد المختلفة لحرب الاثني عشر يوما: الاستراتيجية العسكرية، والأمنية والاستخبارية، والأبعاد السياسية، وكذلك المستويين الإقليمي والدولي المحيطين بهذه الحرب: تغذية وتفاعلا، وتأثيرا وتأثرا، كما يتعرض لأثر هذه الحرب وسيناريوهات ما بعدها بالنسبة للقضية الرئيسة والمعركة الأم في فلسطين.
وأمام سرعة اندلاع هذه الحرب وسرعة توقفها، يلح سؤال المابعد خاصة على المستوى الإقليمي: كيف نتوقع ما سيكون عليه حال توازن القوى الإقليمي بعد هذه الحرب؟
- والحقيقة أننا في حالة من عدم التأكد، والحاجة إلى مواصلة التدبر والانتظار؛ وذلك بالنظر إلى خطابات إسرائيل وأفعالها وكذلك الولايات المتحدة وإيران. فالوضع معقد ومتداخل وكثير الأبعاد والفواعل والمتغيرات، والمعلومات الواردة من كل الأطراف كثيرة ومتدفقة وكثير منها متضارب أو غير موثوق، والأحداث فى المنطقة سريعة ومتداخلة، ليس اليوم وحسب ولكن على الأقل منذ عامين، ومنذ انطلق طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023، وكلها تؤثر بعضها في بعض، ومن ثم يحتمل الموقف عدة تقديرات، وتتأثر هذه التقديرات بالضرورة بالموقع الفكري والسياسي لمن يقدمها، فلا يوجد تقدير واحد واقعي وموضوعى، كما أن الآمال والمخاوف تغلب الآن على أكثر التحليلات.
- وفي هذا المضمار، لا يمكن أن ننظر إلى غزة وحدها رغم وطاة الكارثة فيها، فمعها لبنان وسوريا واليمن والعراق، وحولها يلعب أربعة كبار: إيران وأمريكا وإسرائيل، ويمكن أن نضيف تركيا بصعوبة الآن. ثم في الدائرة التالية تقف مصر ودول الخليج أشبه بالمراقبين أو ربما يتحركون من وراء الستار: بماذا؟ ولماذا؟ وكيف؟ لا ندري.
- تتشكل الآن بعض السيناريوهات التي يعبر كل منها عن طرف من الأطراف، لكن صورتها لم تكتمل. لكن نتذكر أنه حين ردت إيران لأول مرة على إسرائيل وضربت قلب الأرض المحتلة، وذلك في أبريل ثم في أكتوبر ٢٠٢٤ بدت ساعتها معالم صورة، ربما تتأكد الآن؛ وهي:
من طوفان الأقصى، إلى صمود المقاومة، إلى إسناد حلفاء إيران وايران ذاتها لغزة،
إلى ردع إيران إسرائيل وأمريكا عند الهجوم المباشر عليها.
- وطوال اثني عشر يوما هي مدة هذه الحرب بين إيران والكيان الصهيوني، أذاقته إيران ما لم يذقه من قبل؛ من تدمير لأول مرة يصل مدنه أو بالأحرى المدن الفلسطينية المحتلة من شمالها إلى جنوبها، لا سيما القلب حيث ما يسمى تل أبيب الكبرى. يكفي أن أسطورة الكيان الذي لا يقهر تنكسر كل يوم منذ 7 أكتوبر، ولو أن هذه الحرب استمرت مدة أطول نسبيا لربما تمكنت إيران من إدارة حرب استنزاف ضد إسرائيل، ولربما أمكنها أن تستغل مطلب وقف إطلاق النار على نحو يصب فى وقف إطلاق النار في غزة. وللأسف، أثار الصمود الإيراني غيظ وحقد المتواطئين على فلسطين وعلى إيران نفسها، فراحوا يحركون الحرب النفسية الإعلامية والدعاية الطائفية المضادة في غير وقتها، ويقارنون بين خطرين وظلمين وشرين.. وهكذا.
- لقد نفذت إيران خلال العالمين الماضيين استراتيجية ردع متعددة المراحل، تدريجية ولكن تصاعدية، وحددت أولويات لها على رأسها الحفاظ على نظامها الداخلي وقوته، حتى لو اضطرت إلى السكوت كثيرا عما يحيق بحلفائها فى لبنان واليمن، والأهم فى غزة. تحتاج هذه الاستراتيجية إلى نظرة كلية لخصائصها خلال العامين الماضيين، واستخراج الدلالات حول شكل توازن القوى الذي يتشكل الآن فى المنطقة، ومستقبل المقاومة فى غزة والضفة.
- واليوم نحتاج إلى الإجابة عن سؤالين أساسيين: أولهما أين غزة وفلسطين كلها فيما سيجري من مفاوضات مقبلة؟ وأين حزب الله والحوثيون وميلشيات العراق الشيعية أيضا: هل ستشتري بهم إيران برنامجها النووي…؟ ثانيا- هل سيتغير شكل العلاقة الإيرانية مع إسرائيل والخليج والولايات المتحدة لتشكيل نظام شرق أوسطي جديد بتوزيعة جديدة، بالطبع على حساب العرب وما تبقى من قوى مقاومة؟
لا ندري، لا نزال وسنظل نراقب ونرصد حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
في طيات هذا الملف الرصدي التحليلي، الكثير مما يسلط الضوء على هذه الحرب ودينامياتها وتداعياتها وسيناريوهات مستقبلها القريب المحتملة؛ ليظل السؤال العالق فوق رءوس العرب والمسلمين: ماذا نحن فاعلون؟
_______________
[1] تبنت إسرائيل منذ نشأتها سياسة تعرف بشد الأطراف تعمل من خلالها على تكوين علاقات مع الدول المحيطة بالعالم العربي في آسيا وأفريقيا، بغية ضغط الدول العربية من خارجها، والإفلات من الحصار الذي فرضه عليها العرب وحلفاؤهم بقيادة مصر. وفي هذا الإطار برزت سياسة تحالف المحيط –كما أسماها باروخ أوزيل في كتابه تحالف المحيط: سياسة مقترحة لإسرائيل المنشور عام 1959-، وأسماها جان سمعان عقيدة المحيط في كتاب بهذا العنوان- حيث وظفت إسرائيل سياسة الاحتواء الأمريكي للاتحاد السوفيتي في بناء علاقات سرية مع أقطاب إقليمية هي إثيوبيا وتركيا وإيران.
انظر: عقيدة المحيط الجديدة: ماذا تخشى إسرائيل؟ الجزيرة نت، 26 أبريل 2024، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/arjZy