تطور السياسة الخارجية المصرية في عهود (عبد الناصر – السادات – مبارك)

مقدمة

إن السياسة الخارجية لأي دولة لا تنفصل عن رؤية النخب، خاصة شخصية القائد -لاسيما إن كنا نتناول دولة من الدول بعالم الجنوب- والقائد في ذلك يتأثر بدوافعه الذاتية وإدراكاته لطبيعة المتغيرات. وفي هذه الحالة يكون لدراسة توجهات القائد السياسي أهميتها، فمن خلالها تتَّضح انتماءاته الفكرية وتعريفه لذاته وللآخر وللعالم، وفي هذا الإطار يعرف المصلحة الوطنية لبلاده، وعليه يتصوَّر دورها ويخطِّط سياستها الخارجية تجاه مختلف دوائر الحركة، ويرتِّب أولويَّات القضايا ويختار الأدوات التي من خلالها تتمكَّن السياسة الخارجية من تحقيق أهدافها.

وهذا بدوره ينطبق على الحالة المصرية، فكيف تطوَّرت السياسة الخارجية المصرية عقب ثورة يوليو 1952؟ تحديدًا كيف انعكست توجهات الرؤساء الثلاثة (جمال عبد الناصر، أنور السادات، حسني مبارك) على السياسة الخارجية المصرية؟ على سبيل المثال، كيف أثرت توجهات كل من الرؤساء الثلاثة على حركة السياسة الخارجية، فمع أي الدوائر تقاربت، وعن أيها ابتعدت وتجاهلت؟ فقد اختلفت رؤية كل منهم لأولوية الدائرة العربية، كما شهدت العلاقات المصرية بالأقطاب الدولية العديد من الأنماط ما بين التقارب والتباعد، حتى الأمر نفسه مع القارة الأفريقية.

لكن هذا لا يعني إن إدراكات وتوجهات هؤلاء القادة تأتي منفصلة عن الواقع، فثمة محددات للسياسة الخارجية المصرية لابد أن تؤخذ في الاعتبار سواء من قادة أو مؤسسات، وإن اختلفت التقديرات، ومنها: الموقع الجغرافي والإمكانيات والإشكاليات التي يطرحها، الدور التاريخي لمصر والقضايا الأساسية لديها في الإقليم أو العالم، مصادر التهديد للأمن التقليدية والجديدة، الوضع الاقتصادي لمصر ورؤية القادة عن كيفية التعامل معه.

وقد اختلفت رؤية كلٍّ من الرؤساء الثلاثة في تقييم تلك المحدَّدات وبناء عليه اختبار دوائر الحركة الخارجية وأدواتها. ويطلق الدكتور صلاح سالم زرنوقة على كلٍّ من الحقب الثلاث مسمى. إذ يرى في الحقبة الأولى الحقبة الثورية، والثانية يسميها الحقبة البراجماتية، أما الثالثة فيسميها الحقبة الاعتدالية، وذلك تبعًا لتوجُّهات وسلوك كل من الرؤساء الثلاثة[1]. ومن ثم، يتناول هذا التقرير ما يلي:

الملامح الأساسية لتوجهات كل من الرؤساء الثلاثة وتأثيرها في السلوك تجاه دوائر السياسة الخارجية المصرية الأساسية: العربية، الأفريقية، الأركان الإسلامية (تركيا، إيران)، فضلا عن السياسة الخارجية تجاه القوى الكبرى ممثلة في الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (روسيا لاحقًا).

أولًا- عهد جمال عبد الناصر

من أهم المرتكزات الفكرية لتوجهات جمال عبد الناصر، خاصة ذات الأثر في السياسة الخارجية، رؤيته للنظام الدولي، فإن عبد الناصر في نظرته للنظام الدولي الكائن آنذاك (ثنائي القطبية) كان يرى في طبيعة تفاعلاته أنه ذو طبيعة صراعية وعدوانية بصورة نهائية. فهكذا الأمر في ظل وجود نظام دولي قائم على الاستقطاب، حيث كانت السياسة الخارجية لدولة ما تجاه دولة أخرى لا تقاس فقط بالتفاعلات الثنائية بينهما، وإنما بتأثير تلك السياسات والتفاعلات بالنسبة لطرف ثالث. كما كان عبد الناصر يحمل مشاعر العداء للاستعمار وارتباطه بالغرب. وعليه، فإن السياسة الخارجية المصرية -التي يراها البعض أداة من أدوات الرئيس المصري وتابعة له- قد رأت في محاولات إقامة حركة عدم الانحياز طريقًا ثالثًا نحو تحقيق الاستقلال والاستقرار ودفع عجلة التنمية في مصر أولًا ثم العالم العربي فالعالم الثالث، (وإن كان هناك ملاحظات بشأن مدى عدم انحياز السياسة المصرية في مراحل تالية كما سنرى)[2].

أما رؤيته للعالم العربي، فقد تركَّزت حول فكرة القومية العربية، وما كانت تعنيه من شعارات الوحدة العربية، وما ارتبط بها من آمال في سوق عربية مشتركة وما إلى ذلك من سياسات استقلالية، وفي هذا السياق كانت مساندة عبد الناصر لحركات التحرر العربي كما سنرى.

ولم يكن الإسلام غائيًّا في هذا الإطار، فإن تعبئة المساندة الشعبية للقومية العربية وللاشتراكية العربية ما كانت لتتحقق بدون غطاء إسلامي. ومن ثَم فإن الخطاب حول العلاقة بين العروبة والإسلام، والخطاب حول العلاقة بين الإسلام والاشتراكية، أو الاشتراكية الإسلامية، قد اتًّضح في ظل رئاسة عبد الناصر وعلى ضوء خطابه في مواجهة التحديات الأساسية للسياسة الخارجية المصرية، فلقد وظَّف عبد الناصر الإسلام عند تحديده مجالات الحركة التي تحوز الاهتمام. وهنا دشَّن مفهوم الدائرة الإسلامية في تقاليد السياسة الرسمية المصرية، ولكنها لم تحظَ بالأولوية في الترتيب مقابل الدوائر الأخرى، فلقد كانت في نظر عبد الناصر مجرد الدائرة التي تضم مئات الملايين من المسلمين الذين يربطهم رباط العقيدة، ويجمعهم موسم الحج الذي يمكن أن يلعب دورًا سياسيًّا، فلم يتجاوز الأمر ذلك خاصة مع اختلاف التوجُّهات الخارجية لأركان الأمة الإسلامية (مصر، السعودية، تركيا، إيران) ،كما سنتناول على مستوى السلوك[3].

وبشأن رؤية عبد الناصر للدور المصري، فقد تمثَّلت في قيادة مصر للأمة العربية نحو وحدتها كحجر زاوية في استراتيجية عبد الناصر لقيادة العالم الثالث، ومن ثَمَّ القيام بدور عالمي تصحيحي للنظام الدولي القائم[4]، وقد تطوَّرت رؤيته لهذا الدور. ففي فترة الخمسينيات من القرن الماضي تمثَّلت في الدور الاستقلالي الإيجابي، بينما في فترة الستينيات ارتكزت رؤيته حول أن الدور العالمي لمصر هو دور الاستقلال النشيط، بينما دوره تجاه العالم العربي كان دور المحرِّر والمدافع عن الأمن العربي والمحقِّق للتكامل العربي[5].

في هذا السياق الفكري حول رفض الاستعمار والدعوة لدور مصري نشط كان اتجاه جمال عبد الناصر والعديد من زعماء العالم الثالث في أوائل النصف الثاني من القرن العشرين، تعبيرًا عن عدم رضائهم على إبقاء دولهم تابعين للقوى الكبرى، دون أي اعتبار لمصالح ورغبات شعوب هذه الدول، فكان الاتجاه لإطلاق حركة عدم الانحياز كتعبير عن رغبات دول العالم الثالث (الجنوب) في الاستقلال عن دول العالم الأول (الشمال)، والابتعاد عن شبح التبعية بصورها المختلفة الاقتصادية للكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة ودول الاستعمار الأوربي، والاجتماعية / العقائدية تحت لواء الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية([6]].

إلا أن واقع السياسة الخارجية المصرية -كما سنرى- حمل سمة انحيازية تجاه الكتلة الشرقية، بصورة أو بأخرى. حيث كان سلوكها الدولي والخارجي تجاه الكتلة الغربية يتَّسم بالصراع، بينما كان هناك ما يشبه التحالف مع الكتلة الشرقية وذلك لاعتبارات سياسية وثقافية أهمها الربط في المخيِّلة الرسمية المصرية بين الولايات المتحدة (الكتلة الغربية) وبين الاستعمار الأوروبي ممثلًا في بريطانيا وفرنسا[7].

وقد كان ذلك أيضًا نتاج خبرة واقعية سيئة مع الغرب، حيث كان من أهم أهداف الثورة: التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وبناء جيش قوي. وقد تبلور الهدف الأول في مشروع السد العالي، كما جاءت الغارة الإسرائيلية على غزة عام 1955 لكي تفصح عن انكشاف الجيش المصري، ولكي تؤكِّد الهدف الثاني وتزيده إلحاحًا. وحول هاتين القضيتين الرئيسيتين قوبلت التوقعات من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بالإحباط، فبعد مفاوضات طويلة سحب البنك الدولي والولايات المتحدة عرضهما لتمويل السد العالي، ومن ناحية أخرى عاد الوفد المصري الذي توجَّه إلى الولايات المتحدة للتفاوض حول المطالب العسكرية خالي اليدين. إزاء ذلك تحوَّل جمال عبد الناصر إلى الاتحاد السوفيتي لتحقيق هدفيه الرئيسيَّين، أملًا في نتائج بعيدة المدى، ليس فقط بالنسبة لسياسة مصر الخارجية وتوجهاتها وارتباطاتها الإقليمية والدولية المستقبلية، ولكن أيضًا بالنسبة لمجرى الأحداث في الشرق الأوسط كله([8]].

فهكذا يمكن فهم أسباب تقارب مصر مع الاتحاد السوفيتي منتصف الخمسينيات في سياق تصاعد الحرب الباردة الذي كان من أبرز علاماته صفقة الأسلحة المصرية التشيكية عام 1955، واستقدام الخبراء السوفيت سواء العسكريين منهم أو الفنيين لبناء السد العالي، وتزايد الأهمية الاستراتيجية والأيديولوجية للشرق الأوسط في الإطار الأوسع للمواجهة التي كانت قد تبلورت بين الشرق والغرب. كما جاء تأميم قناة السويس عام 1956 كرد فعل مباشر للرفض الأمريكي والغربي لتمويل السد العالي، وهو التطور الذي بلغ قمته في الغزو البريطاني الفرنسي الإسرائيلي لمصر عام 1956.

لكن تراجع الغزو والتأييد الشامل الذي تلقَّته مصر من العالم العربي والعالم الثالث دعم سلطة عبد الناصر داخليًّا وخارجيًّا، وعمَّقت سياسته حول القومية العربية. وقد أشار جمال عبد الناصر في كتابه “فلسفة الثورة” إلى حتمية ومسؤولية مصر كفاعل جوهري في نطاق ثلاث دوائر، هي: العربية، والأفريقية، والإسلامية. وبفعل هذه السياسات أصبحت القاهرة مركزًا للمؤتمرات الآسيوية والأفريقية ذات البرامج واللغة المعادية للغرب. ومن ناحية أخرى، تضمَّنت دعوة عبد الناصر للقومية العربية خصومة تجاه النظم المحافظة في العالم العربي والتي أدَّتْ إلى تأييد مصر للنظام الثوري في اليمن من 1963 إلى 1967[9]. وفيما يلي سنفصل السلوك المصري تجاه الدوائر المختلفة إزاء أبرز قضاياها، وأهم الأدوات المستخدمة في هذا الإطار.

بالنسبة للسلوك، عمل عبد الناصر -كما سلف الذكر- على مساندة مختلف حركات التحرُّر الوطني في كل أرجاء العالم الثالث، ما جعل مصر تلعب دورًا قياديًّا ومحوريًّا في قيادة حركة عدم الانحياز، رافعًا شعار العمل على تجميع قوى الجنوب لمواجهة حالات وصور التبعية للغرب([10]].

هذا الوضع تغيَّر جذريًّا بعد 5 يونيو 1967 فقد أدَّتْ هزيمة مصر أمام إسرائيل إلى اهتزاز صورة النظام المصري في الداخل وفي الخارج. على سبيل المثال، فقد كانت مصر (قبل 5 يونيو) أمام جميع أعضاء حركة عدم الانحياز بمثابة نموذج ورمز التقدُّم والرخاء الذي سيتحقَّق لها إذا سارت على الدرب المصري، إلا أن الهزيمة أضرَّتْ جدًّا بالإدراك الخارجي لصورة مصر، حتى بعد تحقيق مصر للانتصار العسكري على إسرائيل في حرب أكتوبر 1973 لأن النظام الذي جاء بعد عام 1970 كان لديه توجُّهًا خاصًّا بطبيعة واتجاهات السياسة الخارجية المصرية فيما بعد أكتوبر 1973 بصورة تختلف كلِّيًّا عن النظام السابق (كما سيجري التناول)([11]]. وفيما يلي سنفصل في سياسات عبد الناصر تجاه مختلف دوائر السياسة الخارجية المصرية.

1- الدائرة العربية:

كانت فكرة القومية العربية محورًا أساسيًّا في توجهات عبد الناصر تجاه الدائرة العربية، على سبيل المثال فيما يتَّصل بدعم ثورة الجزائر، فإن ساعة الصفر لانطلاق هذه الثورة كانت من إذاعة صوت العرب([12]].

لكن رغم ذلك كان هناك توتُّر ملحوظ مع الأنظمة المخالفة للتوجُّهات الثورية، خاصة المملكة العربية السعودية، وقد كانت بداية هذه التوتُّرات في عهد عبد الناصر، بسبب الخلاف الذي حدث نتيجة حرب اليمن، في 26 سبتمبر 1962 حيث أرسل عبد الناصر، قوة عسكرية إلى اليمن لدعم الثورة اليمنية التي قامت على غرار الثورة المصرية، بينما أيَّدت السعودية الإمام اليمني المخلوع، خوفًا من امتداد الثورة إليها، وهو ما أدَّى إلى توتُّر العلاقات المصرية-السعودية([13]]، وقد خاضت مصر والمملكة العربية السعودية حربًا بالوكالة في اليمن دامت ثماني سنوات([14]]، إلى أن انتهى الأمر بالصلح بين عبد الناصر والملك فيصل في مؤتمر الخرطوم، بعد نكسة 1967 عندما ساهمت السعودية في نقل الجيش المصري من اليمن، واستمرَّت فيما بعد العلاقات المستقرة بين البلدين خلال عهد عبد الناصر[15].

أيضًا مثَّلت القضية الفلسطينية محورًا أساسيًّا في سياسات عبد الناصر تجاه الدائرة العربية، لا سيما أن هزيمة 1948 كانت محركًا رئيسيًّا لثورة 1952. لذا كانت دعوته لعقد مؤتمر الخرطوم الذي رفع فيه شعار «لا اعتراف، لا صلح، لا تفاوض» مع إسرائيل، والذي سُمِّيَ بمؤتمر «اللاءات الثلاث» كما كان  لمصر بقيادة عبد الناصر دور كبير في توحيد الصف الفلسطيني من خلال اقتراح إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، كما ساندت مصر في القمة العربية الثانية التي عقدت في الإسكندرية (سبتمبر 1964) قرار المنظمة بإنشاء جيش للتحرير الفلسطيني، وفي عام 1969 أشرف عبد الناصر على توقيع اتفاقية «القاهرة» تدعيمًا للثورة الفلسطينية، واستمرَّ اهتمامه بالقضية إلى أن توفي عام 1970[16].

أمَّا ما ميَّز السياسة الاقتصادية تجاه الدائرة العربية في عهد عبد الناصر، رفع شعارات السوق المشتركة والوحدة الاقتصادية دون دراسة جادَّة لمقوِّماتها، هذا إلى جانب تكلفة الدعم العسكري والفني الذي قدَّمته مصر لحركات التحرُّر.

وقد مثَّل البعد الثقافي أداة مهمَّة للسياسة الخارجية المصرية تجاه الدائرة العربية في تلك الفترة، حيث إرسال المدرسين المصريِّين لتعليم أبناء هذه الدول، إذ كان يرى عبد الناصر أن مساعدة الدول العربية لتحقيق النهضة أمر يدعم الاستراتيجية المصرية، بينما استمرار تخلُّف الدول العربية ووقوعها في قبضة الاستعمار أمر يضعف مصر[17].

2- الدائرة الأفريقية:

تُعَدُّ هذه الفترة من أنشط فترات السياسة الخارجيَّة المِصْريَّة تجاه أفريقيا، حيث اتَّخذت أفريقيا خلالها أهميةً بالغةً في الدوائر الرئيسية الثلاثة للسياسة الخارجيَّة المِصْريَّة[18]، وعلى النهج نفسه تزعَّم جمال عبد الناصر حركات التحرُّر في أفريقيا، وكانت القاهرة المقر الدائم لزعماء هذه الحركات، حيث إنه في هذا الوقت كانت أفريقيا هي الفناء الخلفي الذي يجب الاستحواذ عليه. إذ يمكن تلخيص رؤية عبد الناصر لأهمية أفريقيا الاستراتيجية في كون استمرار وقوع دول القارة في قبضة الاستعمار يضعف مصر، لأن ثمة ضرورة لتأمين منابع النيل ومنع إسرائيل من الاقتراب من أفريقيا. ما يعبِّر عنه عبد الناصر في أحد خطاباته: «أما عن أفريقيا فلن نستطيع الفكاك منها، حتى لو أردنا ذلك، فنحن جزء من القارة الأفريقية، والنيل وهو سر وجودنا ينبع من قلب هذه القارة».

وقد تولَّى الوزير محمد فائق، مسؤولية ملف العلاقات الأفريقية في عهد عبد الناصر، وقال في تصريح له: «موضوع النيل كان يشغل المساحة الأعظم من اهتمام عبد الناصر ضمن القضايا الأفريقية الأخرى، وكنا في جميع مباحثاتنا مع السودان والدول الأفريقية نحرص دائمًا على إشراك وزارة الري التي كانت تضم علماء متخصِّصين، وكان عبد الناصر حريصًا على تأمين المياه، مع الحفاظ على علاقات دبلوماسية مميزة مع دول النهر وتأمين منابع النيل، ولم يكن ذلك يسيرًا في ظلِّ وجودٍ استعماري»[19].

وقد شاركت مصر عسكريًّا لأول مرة ضمن بعثة تابعة للأمم المتحدة لتحرير الكونغو في عهد عبد الناصر، وأرسلت كتيبة بقيادة الفريق سعد الدين الشاذلي، وكانت مصر وقتها تدعم 38 حركة تحرُّرية بالمال والسلاح والدعم السياسي.

كما دعمت مصر ليبيا وتونس والجزائر والمغرب شمال القارة، وفي شرق القارة كانت تدعم الصومال وكينيا وأوغندا وتنزانيا، وتوغَّلت في القلب لتساند غانا وغينيا ونيجريا والكونغو، كما قاوم عبد الناصر حركات الانفصال بعد الاستقلال خصوصًا في نيجيريا، ووقف ضد الاحتلال البريطاني الذي كان يسعى لفصل جنوب السودان[20]. وتشهد على ذلك الجمعية الأفريقية في الزمالك، والتي كانت تستضيف العديد من قادة حركات التحرُّر الوطني الأفريقية مثل لومومبا وكنياتا، وكانوا يجتمعون مع الوزير محمد فائق أو مع الرئيس عبد الناصر نفسه[21].

أيضًا عبد الناصر كان دائم الحضور في كل الفعاليات، كما أنه طالب بالإفراج عن الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا، وفي خطوة مفاجئة قرَّر إعطاء السودان حقّ تقرير المصير، والذي نتج عنه انفصالها عن مصر. وقد حصدت مصر ثمار سياستها الفعالة في الدائرة الأفريقية، حيث إنها حين قرَّرت بناء السد العالي، وواجهت اعتراضًا إثيوبيًّا، فشلت أديس أبابا في حشد الدول الأفريقية ضد القاهرة لما كانت تحظى به من نفوذ[22].

أيضًا بعدما لعبت مصر دورًا في إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، كانت القاهرة قد استعدَّت للدور الجديد، وزاد اهتمامها بالبُعد الاقتصادي، ويذكر الأستاذ محمد فائق المسؤول عن الملف الأفريقي في الستينيات، أنه بالرغم من المساعدات المصرية الكبيرة، إلا أنه كان هناك عائد اقتصادي كبير لمصر، حيث مثَّلت أفريقيا السوق الكبيرة لجميع المنتجات المصرية الصناعية والزراعية في هذه الفترة[23]. وقد أنشأ عبد الناصر عدَّة شركات مصرية في الجنوب الأفريقي أشهرها “شركة النصر للتعدين” و”شركة النصر للاستيراد” وشركة “مصر للاستيراد والتصدير”، وكانت مهمتهم الترويج للمنتجات المصرية، كما أسَّس المهندسون المصريون السدود والمشاريع التي تحمي دول حوض النيل من الجفاف، بما لا يتعارض مع المصالح المصرية[24].

ولم يغب أيضًا البعد الثقافي، فمع نهايات القرن الثامن عشر، كانت الثقافة المصرية تعرف كمًّا كبيرًا ومتنوعًا من المدونات والمؤلفات المكتوبة والروايات الشفهية عن المعاملات التجارية والممارسات السياسية والعسكرية للدولة المصرية مع دول الجوار الأفريقي، التي امتدَّت حتى سواحل المحيط الأطلنطي غرب القارة، ثم جنوبًا حتى مناطق الصحراء وبلاد السودان، بالمعنى الجغرافي والتاريخي.

وفي فترة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وحتى ثورة يوليو، توسَّعت العلاقات الدينية مع الدائرة العربية الأفريقية والدائرة الإسلامية الأفريقية، من خلال الجامع الأزهر والكنيسة الأرثوذكسية المصرية. لكن مع تقلُّص الدور الإقليمي المصري، تأثرت العلاقات الثقافية سلبًا في مجملها. ومع ثورة يوليو 1952، عملت الحكومة المصرية على استعادة الدور المصري على الساحة الأفريقية، لتؤدِّي دورها الطبيعي[[25])، لا سيما أنه في الستينيات كان النشاط الإسرائيلي متزايدًا في شرق أفريقيا، لذا حرصت مصر على إرسال البعثات الدينية والتعليمية[26]، أيضًا أطلقت مصر 25 إذاعة موجَّهة لأفريقيا بلغات ولهجات أفريقية مختلفة[27].  والخلاصة أن مصر في ذلك الوقت مثَّلت دور الزعامة السياسية والثقافية في القارة[28].

3- الدائرة الإسلامية (إيران وتركيا):

  • إيران:

بقيام ثورة يوليو 1952 جاء نظام جديد أكثر اقترابًا من أهداف حكومة مصدق الوطنية، حيث أصبحت الأهداف المشتركة لا تقتصر فقط على الكفاح المشترك ضدَّ بريطانيا بل أيضًا العداء للملكية أو محاولة تقييدها على الأقل (كما حاول مصدق). فقد كان عبد الناصر شديد الإعجاب بمصدق نظرًا لتوافق الرؤى حول عدد من القضايا السياسية في ذلك الوقت مثل فكرة القومية والاتحاد والنضال ضد الاستعمار والظلم. وهو ما جعل عبد الناصر يطلق اسم “مصدق” على أحد الشوارع الواقعة في قلب القاهرة كنوع من التكريم له ومازال هذا الشارع قائمًا حتى الآن([29]].

لكن في المقابل، يجدر بنا الإشارة إلى أثر حلف بغداد على العلاقات المصرية-الإيرانية، وكان هذا الحلف -برعاية الولايات المتحدة- يهدف إلى وقف المدِّ الشيوعي في منطقة الشرق الأوسط. وقد تعهَّدت الولايات المتحدة وقتها بتقديم العون الاقتصادي والعسكري للدول الأعضاء، ولكنها لم تشارك فيه بشكل رسمي، وأوكلت تلك المهمة لبريطانيا نيابة عنها، والمحصلة أنه قد أدَّى تأسيس حلف بغداد ودعم إيران له إلى توتُّر العلاقات بين القاهرة وطهران([30]].

حيث اختلفت رؤية الدولتين تجاه مشروعات الأحلاف الغربية، فبينما اعتبرت مصر أن الدفاع عن منطقة الشرق الأوسط مسؤولية دوله فحسب، وأن الاستعمار أشد خطرًا من الشيوعية، نجد أن إيران من جانب آخر، قد أكَّدت انحيازها للغرب بانضمامها لحلف بغداد، وفي مقابل ذلك قام عبد الناصر بتأسيس منظمة “عدم الانحياز” عام 1955[31].

من مواضع الخلاف الأخرى أنه في 5 من يوليو عام 1963 اندلعت مظاهرات حاشدة في إيران ما يعرف باسم “انتفاضة 15 خرداد” عقب اعتقال “الإمام الخميني” بسبب خطابه المناهض لإسرائيل والنظام الملكي، وكانت مصر من أوائل الدول التي اتهمها محمد رضا شاه بهلوي بالتدخُّل في الشؤون الإيرانية ودعم الثوار وتقديم المساعدات المالية لهم[32].

يضاف إلى ذلك، الموقف المصري من الاعتراف الإيراني بإسرائيل، حيث أقام الشاه علاقات قوية بإسرائيل على المستوى الاقتصادي والأمني والثقافي، في الوقت الذي كان الشاه ينظر فيه إلى عبد الناصر كيساري متطرِّف مفجِّر للثورات([33]]. ففي 24 من يوليو عام 1960 أعلن محمد رضا شاه بهلوي في مقابلة صحيفة أنه قد اعترف رسميًّا بدولة إسرائيل كأمر واقع ومسلَّم به. في ذلك الوقت هاجم عبد الناصر الشاه في خطاب له وقال: “إن شاه إيران قد باع نفسه للاستعمار”[34]. ونتيجه لما سبق تمَّ قطع العلاقات المصرية-الإيرانية([35]].

وقد اعتبر عبد الناصر الاعتراف الإيراني بإسرائيل أمرًا خطيرًا للأسباب الآتية:
– إسرائيل على هذا النحو تقفز فوق الطوق العربي المحيط إلى ما ورائه.
– التعاون الإيراني-الإسرائيلي خطر على الثورة العراقية التي ما زالت تواجة ظروفًا صعبة.
– اعتراف إيران بإسرائيل اعترافًا كاملًا سوف يكون سابقة خطيرة، إذ يعني أن إحدى الدول الإسلامية تعترف بها اعترافًا كاملًا لأول مرة([36]].

ولقد بُذلت مساعي لعودة العلاقات في السنوات التالية حتى تم الاتفاق على إعادة العلاقات على مستوى السفراء في 23 أغسطس 1970، كذلك شاركت إيران بوفد رفيع المستوى في جنازة الرئيس عبد الناصر.

  • تركيا:

عقب ثورة 1919، أصبح البريطانيون اللاعبين المهيمنين في مصر وفصلوها عن الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى. ثم مع انهيار الإمبراطورية العثمانية، تطلَّعت الجمهورية التركية نحو الغرب، ولم تتطلَّع نحو الشرق إلى مصر والعالم العربي، وهكذا سلك كل من البلدين طريقه الخاص. لكن في الوقت نفسه لجأ العديد من خصوم مصطفى كمال أتاتورك، مؤسِّس الجمهورية التركية، بمن فيهم الشاعر محمد عاكف آرصوي، إلى مصر هربًا من الإصلاحات العلمانية، وقاموا باتخاذ القاهرة مركزًا للأنشطة المعادية لتركيا في الفترة ما بين الحربين العالميَّتين.

وفي عام 1952، تصاعد التوتُّر في العلاقات التركية-المصرية بعد الإطاحة بالنظام الملكي في مصر. فقد أثارت الإطاحة بالملك فاروق، والنخبة ذات المصادر العثمانية التركية التي كانت لا تزال تدير البلاد، غضب أنقرة، لكن الأهم من ذلك انحياز جمال عبد الناصر، إلى السوفييت في الحرب الباردة، على نحو أدَّى إلى زيادة الهوَّة بين أنقرة والقاهرة، إذ كانت أنقرة قد انضمَّت إلى حلف بغداد وأخذت دورها على محمل الجد كركيزة للقوة الغربية في الشرق الأوسط وفي ضوء هذا التوجُّه التركي أنشأت أنقرة علاقات مع إسرائيل التي كانت قضية مركزية في الوجدان العربي[37].

وقد تخلَّل هذا الخط العام محاولات للتخفيف أو إنشاء العلاقات، إلا أنها حوادث طفيفة مثل تخفيض تركيا لتمثيلها الدبلوماسي مع إسرائيل عند وقوع العدوان الثلاثي على مصر (1956)، وكان ذلك في عهد عدنان مندريس، غير أن هذا التغيُّر لم يلبث أن انتكس مرة أخرى حين توتَّرت العلاقات السورية-التركية؛ فاندفعت سوريا للوحدة مع مصر، وأعلنت الجمهورية العربية المتحدة، وفي هذه الأثناء حرَّكت تركيا قوَّاتها إلى الحدود السورية، وكادت تقوم حرب سنة 1958[38].

4- القوى الكبرى:

اتَّسمت علاقات عبد الناصر بالاتحاد السوفيتي بالتوتُّر في بداية الأمر، حتي عام 1954 حين استخدم الاتحاد السوفيتي وللمرة الأولى حق النقض (الفيتو) لصالح العرب، حين دعا مجلس الأمن مصر إلى رفع القيود المفروضة على مرور بعض السفن التجارية عبر قناة السويس.

واستمرَّ هذا الشكل من العلاقات إلى أن قامت إسرائيل بالغارة الشهيرة على غزة في 28 فبراير 1955، وكانت هذه الغارة هي الدافع المباشر الذي جعل عبد الناصر يستدعي السفير الأمريكي قائلا: “إذا لم تقدِّم الولايات المتحدة لمصر ما تحتاجه من السلاح للدفاع عن الأمن القومي لمصر فسوف أطلب السلاح من الاتحاد السوفيتي”. وبالفعل تمَّت أول صفقة للأسلحة بين مصر والاتحاد السوفيتي في عام 1955-كما سبقت الإشارة- وسحبت الولايات المتحدة عرضها بالمساهمة في بناء السد العالي، لتدخل موسكو بدلًا منها، وتستمر حالة الشد والجذب وصولًا إلى عام 1956، حيث أعلن عبد الناصر تأميم شركة قناة السويس، وهو ما ساهم في التقارب المصري-السوفيتي.

كما لعب انتهاء فكرة الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا دورًا في التقارب بين القاهرة وموسكو عام 1962، حيث تشكَّل حزب سياسي وحيد جديد هو “الاتحاد الاشتراكي العربي”، بينما لم تكن المعارضة الشيوعية موجودة عمليًّا، ثم في عام 1964، قام خروتشوف بزيارة مصر بمناسبة اكتمال المرحلة الثانية من السد العالي، وقد اعترف خروتشوف بـ “السمة الاشتراكية” للنظام المصري[39].

وفي عام 1966 وقَّعت مصر اتفاقًا ينظِّم الوجود السوفيتي في المرافئ المصرية، واستمرَّ التقارب المصري-السوفيتي حتى وفاة عبد الناصر لتنتهي المرحلة الأولى من هذه العلاقات[40].

أما بالنسبة للعلاقات مع  الولايات المتحدة ، فإنه وعلى الرغم أنه في عهد عبد الناصر غلب طابع الاختلاف والصراع على السياسة المصرية تجاه الولايات المتحدة، إلا أن هذا الطابع لم يخل من لحظات تعاون وربما التقاء أهداف، كما بدأ في الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في مفاوضات الجلاء المصرية-البريطانية التي أدارها نظام ثورة يوليو، وفي الموقف الأمريكي من العدوان الثلاثي عام 1956[41]. أيضًا في 1959 عقدت الولايات المتحدة مع مصر اتفاقًا بمقتضاه تحصل الأخيرة على القمح الأمريكي بالجنيه المصري، وكانت مدة الاتفاق ثلاث سنوات، كما قدَّمت واشنطن ثلاثمئة منحة دراسية لطلبة مصريِّين يتلقون العلم في الولايات المتحدة([42]].

لكن في 1965 بدأ تدهور العلاقات المصرية-الأمريكية إلى حدِّ قطع العلاقات الدبلوماسية بعد المساندة الأمريكية لإسرائيل في عدوانها على مصر في 5 يونيو 1967[43]. وبذلك تتحوَّل الأمور مرةً أخرى عبر عملية من إعادة التقييم للأمور، ففي الوقت الذي تبنَّى فيه عبد الناصر مفهوم “ما أُخذ بالقوة لا يمكن استرداده إلا بالقوة” وشرع في عملية إعادة بناء الجيش ومواجهة إسرائيل من خلال حرب الاستنزاف، إلا أنه في الوقت نفسه ارتبط بالجهود الدبلوماسية، وأصلح علاقته مع النُّظم المحافظة في المنطقة، وبعث إشارات لرغبته في إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة، وقَبِلَ خطة “روجرز” لوقف إطلاق النار[44].

ثانيًا- عهد محمد أنور السادات

جاء الرئيس أنور السادات برؤية وتوجُّهات مختلفة كليًّا عن عبد الناصر لما ستكون عليه توجُّهات السياسة الخارجية المصرية في عهده. فسياسة عبد الناصر الخارجية كانت قائمة بالأساس على أسس أيديولوجية وعقائدية كفكرة القومية العربية، بينما رأى السادات أن الانتماء الأول للسياسة الخارجية المصرية يجب أن يكون مصريًّا، وعليه فإن السادات اتَّخذ سياساته الخارجية بناءً على ما يراه تحقيقًا للمصالح المصرية فقط[45].

قدَّر السادات أن الاهتمامات والمصالح المصرية تتقدَّم وتعلو على الاهتمامات العربية، حيث رأى أن مصر بمكانتها مؤهَّلة لأن تقود العالم العربي لا أن تُقاد إليه وفق حالته وظروفه، وأن لا تجعل خلافاته تحد من حركة السياسة الخارجية المصرية وبشكل خاص تجاه النزاع مع إسرائيل، وربما كان مقتنعًا أن ما سيفكِّر فيه، وحملة السلام التي سيطلقها سوف تخدم الأهداف والمصالح العربية مثلما تخدم أهداف مصر. أيضًا انتهج السادات فكرة التوجُّه غربًا، فكان الارتباط الثنائي بين مصر والولايات المتحدة منذ عام 1974 الذي اتَّخذتْ فيه إجراءات الانفتاح الاقتصادي، وهو ما رأى فيه البعض صورة من صور التبعية للولايات المتحدة[46].

لكن يجب الالتفات إلى أنه كان هناك شيء من المرحلية في تنفيذه، ففي بداية الأمر نجد أنه على الرغم من أن سياسة السادات داخليًّا وخارجيًّا قد تطوَّرت بشكل اختلف جذريًّا مع سياسات عبد الناصر، إلا أن كلًّا منهما قد بدأ عهده وهو يواجه مشكلة سيادة مصر على أراضيها. فمثلما كان اهتمام عبد الناصر ينصبُّ على تحرير مصر من الاحتلال البريطاني، كانت القضية الرئيسية التي واجهت السادات هي تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي، ومثلما دعم إنهاء الاحتلال البريطاني لمصر من شرعية نظام عبد الناصر، جاء شنُّ السادات لحرب أكتوبر وتحريره على الأقل لجزءٍ من سيناء، ليمنح الشرعية الحقيقية للسادات ويزوده بالثقة لتحويل المسرح الداخلي المصري وتوجيه السياسة الخارجية المصرية نحو منطلقات جديدة[47].

فمنذ تولِّيه السلطة في أكتوبر 1971 وحتى أكتوبر 1973 ظلَّ السادات ملتزمًا بالخطوط الرئيسية لسياسة عبد الناصر وبشكل خاص تجاه الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. بل إنه ذهب إلى حدٍّ أبعد في استمرار خصوصية العلاقة مع الاتحاد السوفيتي بتوقيعه لمعاهدة الصداقة والتعاون معه في مايو 1972، غير أن السادات أقدم على خطوتين لم تتَّضح معانيهما وتأثيراتهما إلا فيما بعد، كانت الخطوة الأولى هي إطاحته بمجموعة من السياسيِّين المعروفين بولائهم لعبد الناصر، وارتباطاتهم الأيديولوجية بالاتحاد السوفيتي، أما الخطوة الثانية فكانت مطالبته في يوليو 1972 الخبراء السوفيت العسكريِّين بمغادرة مصر، وهو القرار الذي اعتبره كسينجر خسارة للروس لم تكلِّفْ أمريكا شيئًا[48]. وقد جاء سلوك السادات انعكاسًا لهذه الرؤى بشأن طبيعة وأولويات المصالح المصرية، وكذلك خريطة التحالفات:

1- الدائرة العربية:

يمكن التمييز في هذا الإطار بين مرحلتين: المرحلة الأولى في بداية عهد السادات، حيث وصلت العلاقات إلى أبهى صورها خاصة بعد الدور الذى قامت به السعودية من رفع سعر البترول، خلال حرب أكتوبر. أما المرحلة الثانية فقد جاءت فيما بعد اتفاقية كامب ديفيد لتعصف بهذا الاستقرار بين البلدين، حيث قرَّرت السعودية في 23 أبريل 1979 قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر[49]. ولم يقف الأمر عند السعودية فقط، بل إن الدول العربية اتَّجهت لقطع علاقاتها مع مصر وتجميد عضويَّتها في جامعة الدول العربية، التي نُقل مقرُّها من القاهرة إلى تونس، والدعوة (لأول مرة) لسحب عضوية مصر من حركة عدم الانحياز[50].

ومن ثم فقد كان تطور سياسة مصر تجاه القضية الفلسطينية في قلب تلك التحولات، حيث تبلورت رؤية السادات بشأنها في المطالبة بالعودة إلى حدود ما قبل 1967 (وليس حدود 1948 وهو ما اعتبره البعض تراجعًا عن الحقوق الثابتة)، علمًا بأنه خلال مؤتمر القمة العربي السابع الذي عقد في 29 نوفمبر 1973 في الجزائر أقرَّ المؤتمر شرطين للسلام مع إسرائيل هما انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة وفي مقدِّمتها القدس[51].

ويمكن القول إن تلك التحولات أدَّت لأن تفقد مصر مكانتها عربيًّا، وليس ذلك نتيجة سياسة متعمَّدة معادية للدائرة العربية، وإنما انعكاسًا لتوجُّه يُعْلِي ما يعتبره أولوية للمصلحة الوطنية المصرية.

2- الدائرة الأفريقية:

تولَّى السادات الحكم، وكانت مصر تحظى بنفوذٍ كبير في القارة الأفريقية في عهد عبد الناصر، لذلك اتَّخذت أغلبية الدول الأفريقية ممثَّلة في منظمة الوحدة الأفريقية قرارها بقطع العلاقات مع إسرائيل عقب حرب أكتوبر 1973، وكان ذلك لعدَّة أسباب منها أن سيناء أرض أفريقية احتلَّت دون حق.

لكن لم يبق الحال كما هو عليه، فبعد حرب أكتوبر بثلاث سنوات زار وفد إثيوبي مصر فرفض السادات استقباله، فضلًا عن أنه لم يقمْ بزيارة واحدة أثناء حكمه إلى إثيوبيا التي تعد دولة فاعلة في السياسة الأفريقية، حيث يتمركز فيها مقر الاتحاد الأفريقي ومنظمة الوحدة الأفريقية، فضلا عمَّا يتَّصل بنهر النيل، بل في المقابل دعمت مصر الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا لانفصالها عن إثيوبيا، وعندما وقَّعت مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، قام الرئيس الإثيوبي، منجستو هيلا مريام، بتحطيم زجاجة مليئة بالدم معلنًا أن مصر انضمَّت للإمبريالية الغربية وأصبحت تتآمر على بلاده[52].

وبدأت مصر تضطلع بممارسة دَوْرٍ سلبيّ في القارة الأفريقية، بل كادت تخوض حروبًا بالوكالة في كلٍّ من إثيوبيا والكونغو وأنجولا في سبيل خدمة مصالحها مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن انضمَّت إلى المعسكر الغربي، في حين أن غالبية الدول الأفريقية حينها كانت تتبع المعسكر الشرقي[53].

ومع الطعنة التي تلقَّتها الدول الأفريقية بتوقيع اتفاقية السلام، وإعلان السادات تحويل جزء من مياه النيل لري 35 ألف فدان في سيناء، أعلنت إثيوبيا أن هذا المشروع ضد مصالحها، فتقدَّمت بشكوى إلى منظمة الوحدة الأفريقية تتَّهم فيها مصر بإساءة استخدام مياه النيل، وكان ذلك مبرِّرًا لأديس أبابا لتعيد مشروعها القومي لبناء السد[54].

3- الدائرة الإسلامية (إيران وتركيا):

  • إيران:

مع وصول السادات إلى الحكم في مصر، شهدت السياسة المصرية تجاه إيران، فيما بين عامي 1970-1978، تحوُّلًا كيفيًّا لم يكن مجرَّد تحوُّل مدفوع بحدود المصلحة أو محدِّدات البيئة الخارجية فحسب، بل كان تحوُّلًا يرتبط إلى حدٍّ كبير بالصداقة التي ميَّزت العلاقة بين السادات والشاه([55]]، وذلك يرتبط أيضًا بطبيعة التوجُّهات الأيديولوجية لا سيما على صعيد التوجُّهات الخارجية (التوجُّه غربًا مثلًا).

ومن مؤشِّرات متانة العلاقة كثرة الزيارات المتبادلة بين البلدين فيما بين عامي 1971-1978 فضلًا عن ارتفاع مستوياتها، الأمر الذي يعدُّ بدوره مؤشِّرًا على اهتمام كلٍّ من القاهرة وطهران بالتنسيق والتشاور فيما بينهما. وقد تبادل مسؤولو الدولتين خلال تلك الفترة أكثر من تسعين زيارة رسمية، منها واحد وأربعون زيارة إيرانية باتجاه مصر، وتسعة وأربعون زيارة مصرية باتجاه إيران. ولقد تكرَّست مظاهر المساندة الإيرانية للسادات في دعم مواقفه أمام الأمم المتحدة وتأييده فيما يتعلَّق بعملية التحول التي قادها باتجاه الكتلة الغربية حيث لم تخل أي صحيفة إيرانية، من متابعة دقيقة لتفاصيل عملية السلام المصرية-الإسرائيلية حتى أواخر عهد الشاه[56].

وهو ما انعكس على الصعيد الاقتصادي، حيث تم تنفيذ برنامج ضخم للتعاون الاقتصادي بين الجانبين[57]. فيمكن القول إن العلاقات الاقتصادية في تلك الفترة مرَّت بمرحلتين:

– مرحلة استطلاعية: وهي التي كانت فيما بين أعوام 1971-1974.

– مرحلة تنفيذية: حيث التعاون الفعلي فيما بين 1974-1978، وذلك نظرًا لتوافر العوامل المساعدة على تفعيل أوجه هذا التعاون بل والمؤهلة لنموِّه، خاصة في الجانب المصري، إذ إن القاهرة كانت قد أخذت تتبنى سياسة اقتصادية جديدة انفتاحية، وبالتالي العمل على إيجاد وحدة بين توظيف رأس المال الأجنبي وإمكانات مصر كأن تستعين مصر بايران من اجل تخطيط برامجها في مجال خبرات توسيع الإنتاج وتحسين التجارة الخارجية.

كما أن البعد الثقافي اعتبر واحدًا من أهم مرتكزات العلاقة بين البلدين، وفي سياق ذلك وقَّعت مصر وإيران ثلاثة برامج تنفيذية فيما بين عامي 1973و1978، فمثلًا البرنامج التنفيذي الأول 1973–1974 ينظم العلاقات الثقافية والتبادل العلمي بين إيران ومصر، وتنفيذًا لهذا البرنامج قدَّمت مصر ثلاث منح دراسية لطلاب إيرانيين بينما قدَّمت إيران خمس منح لطلاب مصريين، فضلًا عن عدد من الدورات التخصُّصية المتبادلة بين الجامعات في البلدين والمراكز التابعه لها أو لوزارة الزراعة أو التابعة لمنظمة الصحة العالمية أو في مجال الكمبيوتر، وذلك خلال عام 1974، وخلال هذا العام أيضًا تبادل البلدان الزيارات الطلابية، حيث قام وفد طلابي قوامه 23 طالبًا من جامعة القاهرة بزيارة لإيران وفي المقابل زار مصر 18 طالبًا من جامعة طهران لمدة أسبوع[58].

لكن مع قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، اتَّخذت السياسة الخارجية للسادات تجاه إيران منحًى مختلف، حيث برز العداء لها، وهو ما قد أرجعه البعض لصداقته للشاه الذي قرَّر السادات استضافته في مصر، وكانت دول الغرب قد رفضت بغير استثناء، أن تقدِّم له ملجأ.

وفعَّلت السياسة الخارجية المصرية البعد الثقافي للتعبير عن هذا الموقف، حيث إن الأزهر وغيره من المؤسسات الدينية أصدرت العديد من البيانات الرسمية التي تُدين الثورة الإسلامية، باعتبارها تقحم الدين في المجال السياسي، كما أنها عصيان لولي الأمر[59].

  • تركيا:

حدث تحول باتجاه التقارب بين مصر وتركيا، إذ اتَّخذت مصر مسارًا للتقارب مع الغرب والولايات المتحدة في عهد الرئيس أنور السادات وابتعدت عن المعسكر الشرقي، وأنشأت علاقات مع إسرائيل، ومن جهة تركيا، وقد كان ظهور النفط في البلاد العربية وبدء معاهدات سلام مع إسرائيل في مصر والأردن ما يسمح باستعادة العلاقات، وفي كلا البلدين كان صعود التيارات الإسلامية وبزوغ نجمها ما يمهد لهذا، لكن أغلب الظن أن المشكلات الداخلية لكلا الطرفين كان يحول دون اتخاذ خطوات جدية للتقارب، إذ قضى السادات عقد السبعينيات يحاول الوصول إلى معاهدة سلام ومعالجة الوضع الداخلي والإقليمي، فيما كان العقد ذاته مضطربًا بالنسبة للوضع الداخلي في تركيا، حيث عانى سليمان ديميريل مع قوة اليسار التركي ومعارك الشوارع والطلاب، وهو ما خُتِم في النهاية بانقلاب عسكري في تركيا واغتيال للسادات في العام نفسه 1981[[60]).

4-القوى الكبرى:

مثَّلت حرب أكتوبر 1973 نقطة محورية في سياسات مصر تجاه القوى الكبرى في تلك الحقبة الزمنية، وتأتي أهمية تلك الحرب في أنها جاءت بعد هزيمة 1967، وما فرضته من ضرورة إعادة النظر في السياسة الخارجية المصرية في إطار خريطة التفاعلات الدولية المحيطة بها[61].

وعلى ذلك توجَّهت السياسة الخارجية المصرية حينذاك لحماية توازن علاقاتها وفق المعطيات الداخلية والخارجية، وقد عمل السادات بداية الأمر (في إطار التحول المرحلي المشار إليه سلفًا) على الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية بما يسمح بإدارة العلاقات مع القطبين الدوليين في هذا الوقت، حيث أدار العلاقات مع الاتحاد السوفيتي بما يقلِّص مخاطر وفاقه مع الولايات المتحدة على توازن القوى وقرار الحرب[62].

علمًا أنه قد اتَّسم موقف السوفيت بالحرص على حفظ علاقاتهم بالقيادة الجديدة ولهذا جاء كوسيجين رئيس الوزراء لتشييع جنازة عبد الناصر مع وفد سوفيتى كبير، وبقي عدَّة أيام أمضاها في اجتماعات مع أنور السادات الذي كان قائمًا بأعمال رئيس الجمهورية آنذاك، وجاء في البيان الذي صدر عقب هذه الزيارة التعهُّد باستمرار التعاون المصري-السوفيتي.

وحين بدأت إرهاصات التحول في السياسة المصرية في مايو 1971 عندما أطاح السادات بما سُمِّيَ مراكز القوى كما أشير -وكان معروفا عنهم ميلهم تجاه الاتحاد السوفيتي- قام رئيس مجلس السوفيت الأعلى نيكولاي بودجورني بزيارة لمصر للوقوف على حقيقة الأحداث، ولكن السادات أكَّد أنها مسألة داخلية بحتة ولا شأن لها بالعلاقات المصرية-السوفيتية وأثناء الزيارة وقع بودجورني معاهدة الصداقة والتعاون السابق الإشارة إليها.

أخذت العلاقة بين الدولتين منحنى الهبوط حتى وصل الأمر إلى إصدار السادات قرارًا بطرد الخبراء الروس في يوليو 1972 بعد إعلان السادات أن عام 1971 هو عام الحسم اعتمادًا منه على السلاح الذي كان ينتظره حسب وعود السوفيت له أثناء زيارته لموسكو في مارس 1971،  إلا أن الأسلحة لم تصل بالرغم من سفر السادات مرة أخرى إلى موسكو في أكتوبر لطلب الأسلحة وإنقاذ موقفه، ومن ثم جاء قرار طرد الخبراء السوفييت ليمثِّل نقطة حاسمة في تدهور العلاقات المصرية-السوفيتية.

ولكن السادات وصف القرار بأنه وقفة موضوعية مع الصديق حفاظًا على العلاقة مع الاتحاد السوفيتي، وبعد القرار بعدَّة شهور جرى عقد صفقة أسلحة مع الاتحاد السوفيتي عندما سافر الفريق أحمد إسماعيل وزير الحربية إلى موسكو في فبراير 1973، ووردت بالفعل شحنات من هذه الأسلحة ثم تراخى الإرسال انتظارًا للقاء بريجنيف ونيكسون في واشنطن في مايو 1973 تنفيذًا لسياسة الوفاق ممَّا كان سببًا لاعتذار السادات عن الموافقة على الزيارة التى كان رئيس مجلس السوفيت بودجورنى يعتزم القيام بها للقاهرة في الشهر نفسه أثناء حرب أكتوبر[63].

حيث إنه عقب استنفاد جميع فرص الحل السلمي عبر الوساطة الأمريكية‏، توصَّل السادات إلى أن الطريق إلى السلام لا يمكن أن يتمَّ إلا من خلال الحرب مع إسرائيل[64]. ليترسَّخ اعتقاده في مرحلة تالية بأن الحرب كوسيلة لإنهاء هذا النزاع قد استنفدت نفسها، وأن أيًّا من طرفيه لم يَعُدْ قادرًا على فرض إرادته على الآخر بالقوة، وأن الولايات المتحدة بالتزاماتها وارتباطاتها مع إسرائيل هي القوة الدولية الوحيدة القادرة على تسوية سياسية. وكذلك بدأ السادات مقتنعًا بأن دور مصر ومكانتها بين العرب يجعل منها القائد الطبيعي لهم، وأنه أينما كانت ستتَّجه مصر فإن الآخرين سوف يتبعونها. وفي هذا الإطار من التفكير ظل السادات صارمًا حول قضيتين، الأولى هي السيادة المصرية وتكاملها الإقليمي، والثانية هي تأكيده على الحقوق الفلسطينية المشروعة[65].

وبناء على ذلك كان المسار الذي اتَّخذه السادات للحلِّ السلمي، فكان خطاب نوفمبر 1975 أمام الكونجرس الأمريكي حول قضية الشرق الأوسط، وفي سبتمبر 1976 تم توقيع أربع اتفاقيات اقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية تتلقَّى مصر بمقتضاها قرضين قيمتهما 89 مليون دولار إلى جانب منحتين قيمتهما 11 مليون دولار([66]]. وفي فبراير 1978 وافقت الولايات المتحدة على السماح لمصر بشراء 1500 ناقلة جنود مدرعة من طراز بي كي و1500 ناقلة أخرى من طراز إم 112، كما جرت في مارس 1978 مباحثات بين الرئيس السادات وألفريد آثرتون مبعوث الرئيس الأمريكي كارتر لبحث تطورات مشكلة الشرق الأوسط، ذلك وصولًا إلى توقيع اتقاقية كامب ديفيد في 1979، وما ارتبط بها من تحولات في توجُّهات مصر الإقليمية والدولية[67].

ثالثًا- عهد محمد حسني مبارك

تغيَّر الدور الإقليمي لمصر في عهد مبارك بدرجة كبيرة مقارنةً بالأدوار التي تبلورت في عقدي الستينيات والسبعينيات، بحيث برزت رؤية مختلفة[68]. ويمكن إجمال أهم سمات توجُّهات السياسة الخارجية المصرية خلال عهد مبارك، فيما يلي:

الانكفاء على الداخل، والاستمرار في التوجُّه غربًا، ورفع شعار “السلام كخيار استراتيجي” تحديدًا مع إسرائيل وهو ما وصفه البعض بأنه سلام بارد، وتجنُّب الدخول في مواجهات حتى بشأن الثوابت.

وبشكلٍ عام فقد شهدت السياسة الخارجية المصرية تراجعًا خلال العقد الأخير من القرن العشرين وحتى ثورة 25 يناير 2011. سواء على مستوى انغماسها في الأزمات والصراعات الإقليمية أو الدولية، التي قد تتعارض مع مصالحها الإقليمية والدولية، ومستوى فاعليَّتها في المشاركة في إدارة هذه الأزمات والصراعات[69].

أيضًا كان من أهم مرتكزات توجُّهات مبارك الخارجية ما يسمى سياسات “الاعتدال” تحت شعار الواقعية، وباتت مصر مصنَّفة ضمن محاور إقليمية تتبنَّى هذا التوجُّه، حيث صُنِّفَتْ دول المنطقة بين محورين بالأساس هما: محور الاعتدال ويشمل مصر والأردن والسعودية في مقابل محور التطرف ويضم إيران وسوريا إلى جانب حركتي حماس وحزب الله. وقد جاءت سياسة مبارك الخارجية تجاه مختلف الدوائر ترجمة لتلك الأسس والمرتكزات:

1- الدائرة العربية:

عادت مصر إلى العرب، لكنها عادت في ظل أوضاع جديدة تتَّسم فيها العلاقات العربية-العربية بالضعف والتمزُّق والتشتُّت والصراع. وتمكَّنت مصر من إعادة العلاقات العربية التي أصبحت في وضع جديد يختلف عن وضع العلاقات المصرية-العربية في الخمسينيات والستينيات والنصف الأول من السبعينيات. وشهدت سنوات 1987 و1988 و1989 خاصة بعد مؤتمر القمة الطارئ في عمان في نوفمبر 1987، محاولات مواجهة أوضاع الانفراط العربي الذي ظهر منذ غزو إسرائيل للبنان وحصار بيروت وتشتيت المقاومة الفلسطينية في عدَّة دول ونقل قيادتها إلى تونس 1982، ثم عادت مصر إلى الجامعة العربية بقرار من مؤتمر القمة الطارئة بالدار البيضاء في مايو 1989، بعد أن كانت قد تمكَّنت من إعادة علاقاتها بمعظم الدول العربية ثنائيًّا طوال الثمانينيات، وهي القمة التي استكملت مخطَّطَات المصالحة العربية التي بدأتها قمة عمان في نوفمبر 1987. كما أعلن عن إنشاء مجلس التعاون العربي في فبراير 1989 بين مصر والعراق والأردن والجمهورية العربية اليمنية([70]]. لكن مع ذلك، تضاءلت مكانة مصر ونفوذها الإقليمي، بينما صعدت قوى عربية أخرى مثل السعودية والإمارات، وذلك بحكم المقومات الاقتصادية بالأساس[71].

وفي حين تنافست القاهرة والرياض منذ ذلك الوقت بصورة دورية لتولِّي زمام القيادة في العالم العربي، إلا أنه أدَّتْ التطورات الإقليمية -ولا سيما صعود إيران- إلى قيام تعاون بين هاتين الدولتين، فوسط تنامي المخاوف الإقليمية، قامت السعودية ومصر بوضع التنافس بينهما جانبًا لصالح إقامة جبهة موحَّدة ضدَّ إيران خصوصًا في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية. لكن في الوقت ذاته، لا يمكن وصف هذا التعاون بأنه ذو طبيعة استراتيجية ناجحة. كما أنه في قضايا أخرى هناك إجماع أقل بين الدولتين فيما يتعلق بالأهداف المشتركة بينهما، وخصوصًا حول لبنان وسوريا([72]].

أما العلاقات مع سوريا، فقد ساءت للسبب ذاته الذي تحسَّنت لأجله مع السعودية، حيث 30 عامًا من علاقات دمشق الاستراتيجية مع طهران ودعمها لحزب الله فضلًا عن استمرار سوريا في تقويض إقامة حكومة وحدة وطنية بين «حماس» و«فتح» والتي سعت القاهرة إلى تشجيعها ورعايتها[73].

وكانت القضية الفلسطينية هي المرآة التي انعكست فيها سياسات مصر تجاه العالم العربي في هذا الحين، فعادت مصر إلى رهانها حول مشروع خط التسوية من أجل السلام الذي ما زال قائمًا، لكن مع الأسف في ظلِّ تراجع مقومات مكانتها الإقليمية، على نحو جعل الأمر وكأنه مجرَّد سعي لدمج إسرائيل في المنطقة في إطار من مشروع الشرق أوسطية، فقد قدَّمت مصر مبارك مشروعها العربي باسم الواقعية والاعتدال، بما يعنيه ذلك من التكيُّف مع العلاقات الدولية الجديدة، والتكيُّف مع نظام القطب الواحد، وإقامة علاقات خاصة مع الولايات المتحدة عبر إرضاء إسرائيل (وإن بقي الرفض الشعبي قيدًا)[74]. لذا نجد أن خط التسوية السياسية في رؤية الحكومة المصرية لحلِّ الصراع يتقدَّم باعتباره استراتيجية ثابتة، وهي استراتيجية تستبعد من طريقها أي خطوط تحمل شبهة المقاومة أو الصمود أو الرفض، أو نقد المسار[75].

فتحْت راية الاعتدال والواقعية استبعدت الرؤية المصرية توظيف عدَّة ظواهر إيجابية، مثل اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987) والثانية (2000) في الأراضي المحتلَّة، وتحرير جنوب لبنان. بينما راهن النظام المصري على التقدُّم في مسار التسوية عن طريق انتظار الضغوط الأمريكية على الحكومات الإسرائيلية، والضغط على الأطراف الفلسطينية لتقديم حسن النوايا والاعتراف بإسرائيل كمقدِّمة للسلام، فكان رهانًا خاسرًا أوصل التسوية السياسية إلى طريق مسدود، وفي المقابل استثمرت الدولة الصهيونية كل وقت لقضم وهضم الأراضي الفلسطينية المحتلة وزرعها بالمستوطنات، وزرع الشقاق بين الأطراف العربية والفلسطينية، ما أضاع ثوابت القضية وسط زحام الخلافات[76].

وعلى الصعيد الاقتصادي، استمرت الدعوة للتكامل الاقتصادي العربي ودعم العلاقات الاقتصادية البينية، عن طريق تأييد بناء التجمعات الاقتصادية العربية، كمجلس التعاون العربي، وتسويق تلك الدعوات على أنها تتناغم مع توجُّه الواقعية السياسية في ظلِّ تدهور وتراجع المشاريع الوحدوية القديمة، القائمة على مشاريع التوحيد القومي[77]. وقد أُسس مجلس التعاون العربي عام 1989 بين مصر والعراق والأردن والجمهورية العربية اليمنية. وكان من الواضح أن التجارة البينية بين هذه الأقطار الأربعة، خاصة بين الأردن ومصر لم تنقطع حتى في ظلِّ قطع العلاقات بعد توقيع اتفاقية الصلح مع إسرائيل، حيث تزايدت صادرات مصر إلى بلدان هذه المجموعة من 8.6 مليون دولار عام 1981 إلى 33.3 مليون دولار عام 1983، ثم وصلت إلى 56.57 مليون دولار عام 1987، بينما ارتفعت وارداتها من هذه الأقطار من 3.5 مليون دولار إلى 16.5 مليون دولار ثم إلى 56.2 مليون دولار في نفس الفترة[78].

وأدَّى التحسُّن في العلاقات الثنائية بين مصر والسعودية إلى التوسُّع في الروابط الاقتصادية المهمة القائمة بالفعل بين الدولتين. حتى اعتبر أنه بقدر ما تشكِّله السياسة، يشكِّل الاقتصاد أيضًا عاملًا مهمًّا يدعم العلاقات السعودية المصرية[79].

ووفقًا لوزير التجارة والصناعة المصري آنذاك رشيد محمد رشيد، فقد زاد حجم التبادل التجاري بين الدولتين منذ عام 2004 بنسبة 350 في المئة. وقد أصبحت المملكة العربية السعودية أكبر مقصد لصادرات مصر بين الدول العربية وأكبر مصدر للواردات على حدٍّ سواء. وفي عام 2008، وصلت صادرات مصر إلى السعودية إلى 926 مليون دولار أمريكي (زيادة عن الـ 600 مليون دولار أمريكي من عام 2007)، في حين أن الواردات من المملكة بلغت 2.6 مليار دولار أمريكي. وإذا جُمعت سوية، فإن حجم التجارة الثنائية بين البلدين -والذي بلغ 3.5 مليار دولار أمريكي عام 2008- يمثِّل أكثر من ثلث تجارة مصر مع العالم العربي، وفي عام 2008، أنشأت الرياض ثاني مؤسساتها الاستثمارية في القاهرة وهي “شركة مواد الإعمار القابضة”[80].

وثقافيًّا، فقد حدث تراجع على مستويات مختلفة خلال عهد مبارك، فقد تراجعت على سبيل المثال مكانة الجامعات المصرية في مقابل الصخب الإعلامي حول مؤسسات بحثية خليجية، فلم تعد مصر منبع التعليم في المنطقة العربية، وصار الإعلام المصري يواجه بمنافسة مراكز جديدة متعدِّدة.

2- الدائرة الأفريقية:

سعت مصر في بداية حكم مبارك إلى الاتجاه نحو الدول الأفريقية تعويضًا عن المقاطعة العربية، وبالفعل تمكَّنت مصر حينها من لعب دورٍ قياديٍّ إقليميًّا، من أبرز مؤشِّراته: انتخاب مصر مرتين لرئاسة منظمة الوحدة الأفريقية في عامي 1989 و1993، كما جرى توقيع عددٍ من اتفاقيات التعاون في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية[81].

ومع المتغيِّرات التي طرأت في التسعينيات، بأفول عصر القطبية الثنائية، وانتهاء الحرب الباردة، واجهت مصر أزمة تمثَّلت في تقلُّص هذا الدور الإقليمي بشكل عام، وأصبح موقع الدائرة الأفريقية غير محدَّد في اهتمامات السياسة الخارجية المصرية المرتبكة في تلك الفترة، ممَّا أدَّى إلى جمود الحركة المصرية الفاعلة في منطقة حوض النيل والبحر الأحمر، وقد تحوَّل الأمر إلى التجاهل المتعمَّد للقارة في أعقاب محاولة اغتيال مبارك في أثيوبيا عام 1995 لتتحكَّم أهواء شخصية في استراتيجية مصر تجاه واحدة من أهم دوائر أمنها القومي. وفي الوقت ذاته شهدت فترة التسعينيات نوعًا من التكالب الجديد على أفريقيا من قبل القوى الخارجية التقليدية، كفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى القوى الجديدة التي أخذت في الظهور على الساحة الدولية، مثل الصين، وإيران، وتركيا وعودة إسرائيل مرة أخرى إلى الساحة الأفريقية بقوة، وغيرها من القوى المتطلِّعة للمنافسة[82].

وبشأن مسألة مصيرية كقضية انفصال السودان، فرغم عدم إنكار المحاولات المصرية لرأب الصدع، إلا أنه لم تكن هناك فاعلية حقيقية للحفاظ على استقرار السودان، رغم ما كان لسيناريوهات التفكُّك من مخاطر عديدة على الأمن القومي المصري، ومنها بقاء وتزايد احتمالات تهريب الأسلحة عبر الحدود مع السودان لاستخدامها في عمليات عنف في الداخل المصري، فضلًا عن عمليات الهجرة المشروعة أو غير المشروعة، الأمر الذي انتهى بتقسيم السودان عام 2011 عبر استفتاء شعبي في جنوب السودان[83].

وبالتبعية فقد تراجع التواجد الاقتصادي المصري بالقارة الأفريقية، مقارنة بالقوى الإقليمية والدولية السابق الإشارة إليها، والأهم هو مآل هذا التراجع على قضية حيوية كقضية مياه النيل وأزمة سد النهضة، حيث لم تستطع مصر إحداث تأثير يوجِّه الأمور لصالحها.

فيما يخصُّ الواردات المِصْريَّة من أفريقيا، فقد كانت منخفضة تمامًا خلال الفترة ما بين (2009-2012)، وكان الاعتماد المصري على الدول الأفريقية كمستورد لمنتجاتها بنسبة 1.5% فقط، وهو ما أدَّى إلى تراجع الميزان التجاري بين مصر وأفريقيا مسجلًا قيمة سالبة، تقدَّر بحوالي 6,523 مليون جنيه فقط[84].

في الوقت نفسه توجد العديد من الشركات المِصْريَّة التي تمارس أنشطة اقتصادية في الدول الأفريقية، وتستثمر في المجالات المختلفة من أبرزها: شركة أوراسكوم تيليكوم، وكذلك شركة السويدي للكابلات التي بدأت نشاطها في أفريقيا عام 1999، وهي تعمل في مجال الطاقة والكهرباء في كلٍّ من (غانا وزامبيا وكينيا ونيجيريا وسيراليون وأوغندا)[85].

3- الدائرة الإسلامية (إيران وتركيا):

  • إيران:

كانت احتمالات امتلاك إيران أسلحة نووية، من أهمِّ المحدِّدات المؤثِّرة لسياسات دول المنطقة تجاه طهران بشكل عام. وقد اختلفت الآراء في الحالة المصرية حول الأمر، بين من يرون أن حدوث ذلك يمثِّل دعمًا للمصالح القومية فيما يتعلَّق بالأمن المصري، إذ إن إيران دولة إسلامية وامتلاكها لتلك الأسلحة يمثِّل عنصر توازن بالنسبة لإسرائيل، بما قد يقيِّد حريَّتها في التهديد بقوتها النووية، أو يدفعها إلى التفكير في نزع سلاحها النووي مقابل أسلحة إيران، وفي المقابل هناك اتجاه آخر يشير إلى أن حدوث ذلك يمثِّل تهديدًا للمصالح القومية المصرية، فسوف تكون القنبلة في النهاية إيرانية وليست إسلامية، كما أن إيران تستعرض قوتها بصورة تؤثِّر على المكانة المصرية[86]. ولكن كما سبقت الإشارة كان الأخذ بالرأي الثاني، حيث اعتبار إيران تهديد والتنسيق مع قوى إقليمية أخرى خاصة السعودية لمواجهة هذا التهديد، وذلك على النحو المشار إليه سلفًا.

أما على المستوى الثقافي، فقد استمرَّ الطابع المذهبي عائقًا دون تطوير العلاقات الثقافية مع إيران، كما استمرَّ موقف الأزهر كما هو عليه، وقد دعم من ذلك التوجُّه سياسات إيران الطائفية بالإقليم.

  • تركيا:

شهدت تركيا خلال فترة الثمانينيات العديد من المعارك السياسية والحكومات الائتلافية التي لا تلبث تتشكَّل حتى تنهار مما يمنع التفكير في استراتيجيات إنشاء العلاقة، وكانت فترة الاستقرار التي شهدتها تركيا في عهد تورجوت أوزال والذي امتدَّت من نهاية الثمانينات إلى أوائل التسعينيات[87].

وخلال هذه الفترة قامت تركيا بدورها بتغيير سياستها نحو الشرق الأوسط في ظل حكم رئيس الوزراء تورجوت أوزال. ولكن بدلًا من تسهيل العلاقات الجيدة بين البلدين، لم تؤدِّ هذه التطوُّرات سوى إلى الكشف عن المنافسة بينهما على شرقي البحر الأبيض المتوسط. على سبيل المثال، أصيبت تركيا بخيبة أمل من عدم دعم مصر لأنقرة بشأن القضايا المتعلِّقة بقبرص، ومن جانبها، استاءت القاهرة من شراكة تركيا الوثيقة مع إسرائيل، والتي فاقت العلاقات المصرية-الإسرائيلية[88].

ومع وفاة أوزال عام 1993 عادت تركيا إلى عصر الحكومات الائتلافية قصيرة العمر، وفي الأشهر المعدودة التي تولَّى فيها نجم الدين أربكان الحكومة حاول التقارب مع مصر ضمن مشروعه لتحالف الدول الإسلامية الثمان: تركيا، وإيران، وباكستان، وبنجلاديش، وإندونيسيا، وماليزيا، ونيجيريا، ومصر. وكما يبدو فإن مصر هي الدولة العربية الوحيدة ضمن هذا الحلف، وكان هذا المشروع يحمل أبعادًا مهمَّة في تغيُّر الموقف والموقع التركي، ولم يقدر له البدء لقصر الفترة التي قضاها أربكان قبل أن يطيح به انقلاب عسكري ناعم عام 1997. ومع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم تم طرح سياسات جديدة([89]]، وكانت العودة إلى الشرق وفتح آفاق للعلاقات التركية العربية والإسلامية من أبرز التحولات التي شهدتها السياسة التركية الخارجية.

قضى الحزب خمس سنوات قبل أن ينجح في تنفيذ زيارة لحسني مبارك إلى أنقرة (2007)، والتي شهدت “إقامة حوار وشراكة استراتيجيَّيْن” يركزان على التعاون في مجال الطاقة والأمن الإقليمي، وقد بلغ عدد الاتفاقيات الموقَّعة بين مصر وتركيا 14 اتفاقية تجارية، لكن الأمر لم يتطوَّر قط إلى تنسيق سياسي كامل، حيث مخاوف السياسة المصرية من المرجعية الإسلامية للعدالة والتنمية التي أدَّتْ لاختلاف في وجهات النظر تجاه العديد من الملفات الإقليمية.

ومن ثم فإن الملف الأخطر الذي شكَّل أزمة مكتومة بين تركيا ومصر هو ملف القضية الفلسطينية التي شهدت تطورًا جديدًا بفوز هائل لحركة حماس في الانتخابات 2006 ثم سيطرتها على قطاع غزة المتاخم لمصر 2007، وهو أمر أزعج الجانب المصري، ومنذ ذلك الحين أصبح ملف غزة والمعابر من أهم نقاط الخلاف بين الجانبين المصري والتركي.

هذا رغم تأكيد أنقرة الدائم أنها ليست بديلا لأحد ولا تحاول مزاحمة أحد في مساحات نفوذه، وأنها تدعم المجهود المصري والجامعة العربية في ملف المصالحة الفلسطينية أو ملف تثبيت الهدنة في قطاع غزة[90].

لكن على الصعيد الاقتصادي كانت العلاقات بين البلدين جيدة نسبيًا وتطوَّرت العلاقات وتوطَّدت في فترة التسعينيات خاصة بعد زيارة رئيس الوزراء التركي آنذاك نجم الدين أربكان لمصر عام 1996، وهي الزيارة التي سعى خلالها لتكوين مجموعة الثماني سالفة الذكر[91].

وبين عامي 2002 و2013، ارتفع حجم التجارة بين مصر وتركيا من 301 مليون دولار إلى 5 مليار دولار. كما أن الخطوط الجوية التركية، أضافت الإسكندرية والغردقة وشرم الشيخ إلى قائمة رحلاتها المباشرة من إسطنبول. وأتى النجاح الاقتصادي في تركيا ليجذب المصريين بصورة أكثر. فعلى الرغم من أن عدد السكان في مصر وتركيا مماثل تقريبًا -يُقدر بحوالي 88 مليون في مصر وبحوالي 78 مليون في تركيا- إلا أن نصيب الفرد من “الناتج المحلي الإجمالي” في تركيا، والذي يبلغ حوالي 18500 دولار، يفوق هذا النصيب في مصر، والذي يُقدَّر بحوالي 3800 دولار[92].

أما ثقافيًّا، فقد حدث تقارب ثقافي بين الجانبين المصري والتركي في السنوات الأخيرة من عهد مبارك، وإن كان لصالح الثقافة التركية، على سبيل المثال: اتجاه العديد من الطلاب للبحث عن المنح الدراسية التركية، وانتشار المسلسلات التركية في هذا الوقت، فضلا عن اتجاه العديد من المصريين إلى اعتبار تركيا وجهة سياحية مميزة بالنسبة لهم.

4-القوى الكبرى:

اتبع مبارك مع موسكو (وريث الاتحاد السوفيتي) ما يسمَّى سياسة “الباب الموارب” حيث اتَّسمت العلاقة بـ”التطبيع التدريجي”، كما جرى تتويجها بعد قطيعة استمرَّت نحو 20 عامًا بزيارة وفد روسي برئاسة نائب وزير الدفاع حينذاك، أندريه كوكوشين، ليفتح ملف التعاون العسكري مع مصر مجددًا بداية من عام 1995، ولتبدأ بعدها بنحو عامين عملية استيراد للدبابة الروسية “تي 8034″، إضافة لمروحيات ومعدات أخرى. وقام الرئيس فلاديمير بوتين في أبريل 2005 بزيارة عمل لمصر وأجرى مباحثات مع مبارك، وتمَّ التوقيع خلال هذه الزيارة علي بيان مشترك حول علاقات الصداقة بين البلدين والذي اتَّسم بالصفة الاستراتيجية، وجاءت الزيارة الرسمية الأولى لمبارك إلى روسيا في سبتمبر‏ 1997، وُقِّعَ خلالها البيان المصري الروسي المشترك وسبع اتفاقيات تعاون، ثم قام مبارك بعدها بزيارتين إلى روسيا عام 2001 و2006 وأعدَّتْ خلالهما البرامج طويلة الأمد للتعاون في كافَّة المجالات[93].

وبشأن الولايات المتحدة، فقد تطوَّرت السياسة المصرية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وإن ظلَّت العلاقات ودِّية في شكلها العام، إلا أنها لم تُخْفِ ما تتضمَّنه من إمكانية الاختلاف والتباين، فبعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 وما تبع ذلك من شكوك بعض الدول العربية حول مصداقية معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية، خاصة مع تزايد الوضع تعقيدًا بعد مجزرة صابرا وشاتيلا، قرَّرت القيادة المصرية سحب السفير المصري في تل أبيب، وهو التصرُّف الذي أغضب دوائر صنع السياسة الأمريكية[94].

أما قضية الديون العسكرية تجاه الولايات المتحدة والتي كانت قد بلغت عام 1985 خمسة بلايين دولار وحيث كانت تمثل عبئًا على الاقتصاد المصري، فلم تكن العروض الأمريكية لحلِّ هذه المشكلة كافية لتخفيض هذا العبء حيث كانت تقتصر على خفض نسبي لفائدة الديون، بينما كانت مصر تتوقَّع نوعًا من الإعفاء من هذا الدين.

وفي أبريل 1995 كانت مبادرة مبارك-آل جور، للمشاركة من أجل نمو العلاقات الثنائية بين البلدين في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتكنولوجيا والبيئة، وفي عام 2001 توتَّرت العلاقات بعض الشيء بين البلدين حيث تبنَّت إدارة بوش الابن أجندة نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط وتصاعد التوتر بالقبض علي الدكتور سعد الدين ابراهيم الذي تمَّ توجيه تهمة تشوية سمعة مصر له، ووصل الأمر لربط جزء من المعونة الأمريكية لمصر بالإفراج عنه.

وفي عام 2005 توتَّرت العلاقات مرة أخرى بعد سجن المرشح الرئاسي وأحد معارضي النظام الدكتور أيمن نور، وفي عام 2007 كانت موافقة الكونجرس علي مشروع قانون تجميد 100 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر بسبب مطالبات واشنطن للقاهرة بإغلاق الأنفاق مع قطاع غزة وإعادة تأهيل الشرطة المصرية للتعامل مع حقوق الإنسان.

لكن في يونيو 2009 بعد ثماني سنوات من العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، في أعقاب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، قام أوباما بإلقاء خطاب إلى العالم الإسلامي من قاعة الاحتفالات بجامعة القاهرة[95].

لكن لا يعني ما سبق من محطات توتُّر، أن السياسة المصرية قد اتَّخذت خطًّا عامًّا مخالفًا للأهواء الأمريكية، خاصة في الملفات الإقليمية الرئيسية، وتحديدًا ما يتَّصل بالقضية الفلسطينية والعلاقات مع إسرائيل.

وجاءت ثورة يناير 2011 لكى تمثل مرحلة جديدة في العلاقات المصرية الأمريكية، حيث واجهت السياسة الأمريكية وضعًا جديدًا لم نتوقعه. ففي الأيام المبكرة للثورة تردَّد الموقف الأمريكي في تأييدها، ولكن أمام ما لمسته واشنطن من قوة الدفع التي اكتسبتها الثورة، أعلنت تأييدها لها، بل طالب أوباما مبارك بالتخلِّي عن الحكم[96].

خاتمة:

مرَّت السياسة الخارجية المصرية منذ ثورة 1952 بأكثر من مرحلة، على نحو يعكس توجُّهات كل من الرؤساء الثلاثة الذين تعاقبوا عليها حتى ثورة 25 يناير 2011، فاختلاف التوجهات أدَّى إلى اختلاف تقييم دلالات وأولويات محدِّدات السياسة الخارجية. لنبدأ من توجُّه عبد الناصر الثوري الذي رأى من موقع مصر وتاريخها منطلقًا للعب دور نشط إقليميًّا انطلاقًا من شعارات القومية والاشتراكية، فنادى بالوحدة العربية وكانت تجربة الوحدة مع سوريا، فضلًا عن دعم الثورات وحركات التحرُّر ليس فقط في الدائرة العربية وإنما في أفريقيا وآسيا كذلك.

كما مثَّلت إسرائيل مصدر تهديد الأمن القومي الأساسي بالنسبة له، وعلى هذا الأساس حدَّد تحالفاته الإقليمية (وتأثَّرت سياسته تجاه تركيا وإيران بدرجة كبيرة بعلاقاتهما بإسرائيل)، قضلًا عن سياسته تجاه القوى الكبرى، حيث العداء مع المعسكر الغربي الداعم لإسرائيل والاتجاه شرقًا، وهنا كان للمحدِّد الاقتصادي أثره، حيث وجد عبد الناصر في المعسكر الشرقي داعمًا لأهدافه التنموية على النمط الاشتراكي. أيضًا أدرك عبد الناصر أهمية مياه النيل فانتهج سياسة فاعلة في أفريقيا على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، وهذا يحسب له، وإن كانت تلك السياسة افتقدت المؤسسية الضامنة لاستمراريَّتها.

أما بالنسبة لأنور السادات، فقد رأى الأمور بشكل براجماتي مختلف، فهو انطلاقًا من مكانة مصر التاريخية والجغرافية اعتبر أنها لا يجب أن تربط مصيرها بأحد، فقط تكون متبوعة، وعلى هذا انطلق في مسيرة السلام متغاضيًا عن الأصوات العربية والأفريقية الرافضة (ولم يعمل على تفادي العواقب)، كما أنه رأى في وضع مصر السياسي والاقتصادي ما يتطلَّب الاتجاه غربًا، فسياسيًّا لا سبيل للضغط على إسرائيل إلا عبر الولايات المتحدة، واقتصاديًّا اعتبر السادات أن الغرب هو الداعم لسياساته الرأسمالية الانفتاحية، أما بشأن سياساته تجاه إيران، فقد اختلفت تبعًا للنظام السياسي القائم هناك ومدى التقارب الفكري معه. ويمكن التفريق في الدور الخارجي لمصر بين عهدي عبد الناصر والسادات، أن الأول ذهب بالدور المصري إلى أبعد مدى، فتجاوز سريعًا النطاق الإقليمي إلى الدائرة العالمية سواء بتأييد حركات التحرير والاستقلال عمومًا، أو بالمشاركة في تزعُّم حركة عدم الانحياز ومحاولة إلباسها ثوب قطب عالمي ثالث. بينما قصر الثاني محددات السياسة الخارجية المصرية في المصلحة المصرية على أضيق نطاق لها.

وأتى مبارك برؤية تتَّسم بالسكون وعدم الحيوية في أغلب جوانبها، فهو وإن حرص على استعادة علاقات مصر بالدائرة العربية، إلا أنه هناك العديد من المآخذ على تلك العودة هزيلة الأثر في ظل غياب الاستراتيجية، وليتكامل مع ذلك إهمال متعمَّد لأسباب شخصية للدائرة الأفريقية، هذا مقابل سياسات تابعة ومتخبِّطة تجاه الولايات المتحدة خاصة ما يتصل بالقضية الفلسطينية ومجمل الصراع العربي الإسرائيلي، أما الدائرة الإسلامية ممثلة في تركيا وإيران فيمكن القول إن الجميع لم يحسن توظيفها فيما يخدم المصالح المصرية بل ومجمل مصالح دوائر الحركة الخارجية لمصر، حيث غلب الطابع التنافسي الأقرب للصراع، وبالتالي عدم التنسيق صوب القضايا الاستراتيجية كالقضية الفلسطينية ومسائل مصادر الطاقة.

وأصبح الدور الإقليمي لمصر برمَّته ليس مطروحًا على أولويات الرأي العام الداخلي، نتيجة لضغوط الحياة الاقتصادية والأوضاع المعيشية المباشرة، واستمرَّ هذا حتى ثورة 25 يناير 2011 حين تعاظمت التطلُّعات على مختلف المستويات. حيث إن قوة الدولة لا تتجزَّأ، بداية من القوة العسكرية وحتى وضع المؤسسة التعليمية، والحالة الصحفية والإعلامية، وهذا هو السبيل لتبنِّي سياسة خارجية على معيار من الرشادة، قوامه المأسسة والانحياز إلى القضايا الإنسانية[97].

*****

هوامش

[1] انظر: صلاح سالم زرنوقة، السياسة العربية لمصر: نقد واستشراف، مجلة السياسة الدولية، العدد 139، يناير 2000، ص87.

[[2]) أحمد محمد أبو زيد، لسياسة الخارجية المصرية منذ ثورة يوليو، جريدة الخليج، 25 يوليو 2008، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/l9jw4

[[3])  د.نادية مصطفى، الإسلام والسياسة الخارجية المصرية: دراسة في نمط العلاقة وتفسيرها وتقويمها، (في): د.نادية مصطفى، د.سيف الدين عبد الفتاح (محرران)، الأمة في قرن (عدد خاص من أمتي في العالم (كتاب غير دوري)، الكتاب الثالث (الإسلام في عالم المسلمين “نماذج وحالات”)، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، ودار الشروق الدولية، 2002. متاح على موقع مركز الحضارة للدراسات والبحوث:

https://cutt.us/hY3dI

[[4]) المرجع السابق.

[[5]) محمد هادي النجداوي، الدور الإقليمي لمصر (سيناريوهات ما بعد الثورة)، منشورات مؤسسة خالد الحسن، مركز الدراسات والأبحاث، 2013، ص5، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/1zV2d

 

[[6]) أحمد محمد أبو زيد، السياسة الخارجية المصرية منذ ثورة يوليو، مرجع سابق.

[7] المرجع السابق.

[[8]) السياسة الخارجية المصرية بين جمال عبد الناصر وأنور السادات ومحمد حسني مبارك، سلسلة أوراق رقم 11، موقع قاعة بحث دراسات سياسية مصرية نقلا عن موقع المركز المصري للشئون الخارجية،  يونيو 2010، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/VgVXz

[9] المرجع السابق.

[10] أحمد محمد أبو زيد، لسياسة الخارجية المصرية منذ ثورة يوليو، مرجع سابق.

[11] المرجع السابق.

[[12]) «الزعيم» حقق الريادة عربيًا وأفريقيا وحوّل الوطن قبلة لقادة حركات التحرر، المصري اليوم، 18 يناير 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/HYBU4

[13] العلاقات بين مصر والسعودية تاريخ من الشد والجذب.. بدأت في عهد جمال عبد الناصر بسبب حرب اليمن.. وانتهت بتوقيع السادات على اتفاقية “كامب ديفيد”.. والجيزاوى يعيد التوتر مرة أخرى، اليوم السابع، 28 أبريل 2012، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/Pp2pi

[[14]) جينز إسلاميك آفيرز آناليست، مفارقات العلاقات المصرية السعودية، معهد واشنطن، 8 ديسمبر 2009، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/HeOS6

[[15]) العلاقات بين مصر والسعودية تاريخ من الشد والجذب، مرجع سابق.

[[16]) مصر والقضية الفلسطينية، الهيئة العامة للاستعلامات، 13 يونيو 2016، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/APN3S

[[17]) «الزعيم» حقق الريادة عربيًا وأفريقيا، مرجع سابق.

[[18]) تيكواج فيتر، تطوُّر السياسة الخارجيَّة المصريَّة تجاه أفريقيا، موقع قراءات أفريقية، 9 يناير 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/LGVYn

[[19]) «الزعيم» حقق الريادة عربيًا وأفريقيا، مرجع سابق.

[[20]) من “ناصر” لـ”السادات”… علاقات مصر وأفريقيا في الستينيات والسبعينيات، الوطن،10 فبراير 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/Gb1dO

[[21]) «الزعيم» حقق الريادة عربيًا وأفريقيا، مرجع سابق.

[22] من “ناصر” لـ”السادات”… علاقات مصر وأفريقيا في الستينيات والسبعينيات، مرجع سابق.

[[23])  د. حاتم عبد المنعم أحمد، حضارة مصر والدور الإقليمي والدولي (2)، مرجع سابق.

[24] من “ناصر” لـ”السادات”… علاقات مصر وأفريقيا في الستينيات والسبعينيات، مرجع سابق.

[[25]) حمدي عابدين، متغيرات البعد الثقافي في علاقة مصر مع أفريقيا، 18 ديسمبر 2018، موقع الشرق الأوسط، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/CM0z6

[[26]) من “ناصر” لـ”السادات”.. علاقات مصر وأفريقيا في الستينيات والسبعينيات، مرجع سابق.

[27] «الزعيم» حقق الريادة عربيًا وأفريقيا وحوّل الوطن قبلة لقادة حركات التحرر، مرجع سابق.

[[28]) من “ناصر” لـ”السادات”.. علاقات مصر وأفريقيا في الستينيات والسبعينيات، مرجع سابق.

[[29]) محمد سيف الدين، عبد الناصر وإيران.. نحو فهم حقيقي للعلاقات المصرية بالبهلویة والخمينية، المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، 31 يوليو 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/wkZ0u

[30] المرجع السابق.

[31] المرجع السابق.

[[32]) عبد المنعم منصور على الحر، العلاقات المصرية الايرانية (الجزء الأول)، الحوار المتمدن، 29 نوفمبر 2009، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/CHauD

[[33])  المرجع السابق

[34] محمد سيف الدين، عبد الناصر وإيران، مرجع سابق.

[35] عبد المنعم منصور على الحر، العلاقات المصرية الإيرانية، مرجع سابق.

[[36]) المرجع السابق.

[37] سونر چاغاپتاي و مارك سيفرز، اللعبة الكبرى بين تركيا ومصر في الشرق الأوسط، معهد واشنطن، 8 مارس 2015، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/20gMg

[38] محمد إلهامي، العلاقات المصرية التركية: الجذور والثمار، المعهد المصري للدراسات الاستراتيجية، 10 ديسمبر 2017، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/jGP1P

[[39] ) العلاقات المصرية الروسية.. من عبد الناصر إلى السيسي، صوت الأمة، 11 ديسمبر 2017، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/ILVyt

[[40] ) المرجع السابق.

[41] القاهرة – واشنطن.. تعاون وشراكة استراتيجية.. محطات في العلاقات المصرية الأمريكية خلال 67 عاما، البلد، 6 أبريل 2019، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/P6z8B

[[42]) المرجع السابق.

[[43]) المرجع السابق.

[44] السياسة الخارجية المصرية بين جمال عبد الناصر وأنور السادات ومحمد حسني مبارك، مرجع سابق.

[45] أحمد محمد أبو زيد، لسياسة الخارجية المصرية منذ ثورة يوليو، مرجع سابق.

[46] المرجع السابق.

[47] المرجع السابق.

[48] المرجع السابق.

[[49]) العلاقات بين مصر والسعودية تاريخ من الشد والجذب، مرجع سابق.

[[50]) أحمد محمد أبو زيد، لسياسة الخارجية المصرية منذ ثورة يوليو، مرجع سابق.

[[51]) مصر والقضية الفلسطينية، مرجع سابق.

[52] من “ناصر” لـ”السادات”.. علاقات مصر وأفريقيا في الستينيات والسبعينيات، مرجع سابق.

[[53])  تيكواج فيتر، تطوُّر السياسة الخارجيَّة المصريَّة تجاه أفريقيا، مرجع سابق.

[[54]) من “ناصر” لـ”السادات”.. علاقات مصر وأفريقيا في الستينيات والسبعينيات، مرجع سابق.

[[55]) عبد المنعم منصور، العلاقات المصرية الايرانية (الجزء الأول)، مرجع سابق.

[56] المرجع السابق.

[57] المرجع السابق.

 

[58] المرجع السابق.

[[59]) المرجع السابق.

[60] محمد إلهامي، العلاقات المصرية التركية: الجذور والثمار، مرجع سابق.

[61] مصطفى صلاح، حرب أكتوبر … التحولات في بنية العلاقات المصرية بالقوى الدولية، المركز العربي للبحوث والدراسات، 15 أكتوبر 2018، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/BnIoy

[[62]) المرجع السابق.

[63]  العلاقات المصرية الروسية.. من عبد الناصر إلى السيسي، مرجع سابق.

[[64]) مصطفى صلاح، حرب أكتوبر … التحولات في بنية العلاقات المصرية بالقوى الدولية، مرجع سابق.

[65] السياسة الخارجية المصرية بين جمال عبد الناصر وأنور السادات ومحمد حسني مبارك، مرجع سابق.

[[66]) القاهرة – واشنطن.. تعاون وشراكة استراتيجية، مرجع سابق.

[67] المرجع السابق.

[68] محمد عز العرب، الدور الإقليمي المصري يحتاج إلى إعادة نظر، صحيفة الاتحاد، 9 يوليو 2007، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/2bOjB

[69] أحمد محمد أبو زيد، لسياسة الخارجية المصرية منذ ثورة يوليو، مرجع سابق.

[[70]) محمد فرج، العلاقات المصرية – العربية في عهد مبارك، مركز الجزيرة للدراسات، 13 أكتوبر 2011، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/dBRdx

[71] جينز إسلاميك آفيرز آناليست، مفارقات العلاقات المصرية السعودية، مرجع سابق.

[[72]) انظر: د.كمال محمد الشاعر، تطورات قضية أمن الخليج وأثرها في العلاقات المصرية –الإيرانية، مجلة جامعة فلسطين للأبحاث والدراسات، العدد 5، يوليو 2013، ص9، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/brvwO

[73] المرجع السابق.

[74] حول هذا الأمر انظر:

  • د.عبد العليم محمد، العلاقات المصرية الإسرائيلية في عهد مبارك، مركز الجزيرة للدراسات، 13 أكتوبر 2011، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/B0yoz

[75] محمد فرج، العلاقات المصرية – العربية في عهد مبارك، مرجع سابق.

[76] المرجع السابق.

[[77]) المرجع السابق.

[78] محمد فرج، العلاقات المصرية – العربية في عهد مبارك، مرجع سابق.

[[79]) جينز إسلاميك آفيرز آناليست، مفارقات العلاقات المصرية السعودية، مرجع سابق.

[[80]) المرجع السابق.

[[81]) تيكواج فيتر، تطوُّر السياسة الخارجيَّة المصريَّة تجاه أفريقيا، مرجع سابق.

[82] تغيرات البعد الثقافي في علاقة مصر مع أفريقيا، مرجع سابق.

[83] محمد عز العرب، الدور الإقليمي المصري يحتاج إلى إعادة نظر، مرجع سابق.

[84] تيكواج فيتر، تطوُّر السياسة الخارجيَّة المصريَّة تجاه أفريقيا، مرجع سابق.

[85] المرجع السابق.

[86] محمد عز العرب، الدور الإقليمي المصري يحتاج إلى إعادة نظر، مرجع سابق.

[87] محمد إلهامي، العلاقات المصرية التركية: الجذور والثمار، مرجع سابق.

 [88]سونر چاغاپتاي و مارك سيفرز، اللعبة الكبرى بين تركيا ومصر في الشرق الأوسط، مرجع سابق.

[[89]) حول تطور رؤية العدالة والتنمية لمصر انظر:

  • د.سعيد الحاج، محددات السياسة الخارجية التركية إزاء مصر، مركز إدراك للدراسات والاستشارات، أبريل 2016، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/IbXWh

[90] محمد إلهامي، العلاقات المصرية التركية: الجذور والثمار، مرجع سابق.

[[91])  بسام رمضان، تركيا ومصر في 250 عامًا «قلم الانفصال معلم على أردوغان» (تقرير) ، المصري اليوم، 29 سبتمبر 2014، متاح على الرابط التالي: https://cutt.us/hkdLA

[[92]) سونر چاغاپتاي و مارك سيفرز، اللعبة الكبرى بين تركيا ومصر في الشرق الأوسط، مرجع سابق.

[[93]) علاقات المصرية الروسية… من عبد الناصر إلى السيسي، مرجع سابق.

[[94]) القاهرة – واشنطن… تعاون وشراكة استراتيجية، مرجع سابق.

[95] المرجع السابق.

[96] المرجع السابق.

[97] د.أحمد يوسف، هوامش على دفتر الدور الإقليمي لمصر، مرجع سابق.

وحول سبل تفعيل السياسة الخارجية انظر:

عمرو عبد العاطي، السياسة الخارجية المصرية بعد ثورة يناير: بين الاستمرارية والتغيير، سياسات عربية، العدد 3، يوليو2013، ص90- 91.

  • فصلية قضايا ونظرات- العدد الخامس عشر ـ أكتوبر 2019

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى