تركيا وأزمة شرق المتوسط والتدخل في ليبيا: “الأهداف والمآلات”

مقدمة:

أصبحت الأوضاع الإقليمية سمتها العام التشابك المعقد، الذي ربما في كثير من الأحيان يجعلنا نبدو وكأننا ندور في حلقات مفرغة. ومن ذلك على سبيل المثال ما تعكسه الحالة التي تعيشها السياسة الخارجية التركية في الوقت الراهن، عبر تداخل تحركاتها في سوريا وشرق المتوسط وليبيا.

حيث يبدو جليًا التداخل بين التأزم بخصوص نزاع الطاقة في شرق المتوسط والتدخل التركي في ليبيا، فالحديث عن الحدود البحرية بين البلدين يتجاوز العلاقات الثنائية والصراعات الليبية الداخلية ليؤثر على مجمل التوازنات الإقليمية والدولية في منطقة شرق المتوسط، التي تشهد في السنوات الأخيرة تصاعدًا في التنافس الإقليمي للسيطرة على موارد الطاقة. كيف؟

فقد أتى الدعم التركي الأبرز لحكومة السراج عبر تصدّيق البرلمان التركي في 2 يناير 2020 على مشروع قانون لإرسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا دعمًا لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج في مواجهة قوات خليفة حفتر المدعوم من السعودية والإمارات ومصر[1]، وذلك بعد توقيع اتفاق أثار كثيرًا من الجدل في نوفمبر 2019 بين أنقرة وحكومة الوفاق الليبية يقضي بزيادة التعاون الأمني بين الطرفين وبترسيم الحدود البحرية بينهما، على نحو يحقق مصالح لتركيا في شرق المتوسط[2].”

ومن ثم يتم توظيف الصراع في ليبيا لمزيد من التمكين على طاولة المفاوضات حول خريطة الطاقة في المتوسط، التي باتت شغلًا شاغلًا للسياسة التركية ومنافسيها؛ فعلى سبيل المثال مطلع مايو 2019، أطلقت تركيا خطوات للتنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل قبرص في منطقة يدور حولها الخلاف؛ حيث تتمسك أنقرة بقول أنها تقع ضمن جرفها القاري، بينما أعلنت قبرص أنها تقع ضمن حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة، فضلًا عن اعتراضات أوروبية ودولية وإقليمية، مما أدى إلى إجراءات لتحجيم الحركة التركية[3].

ومن ثم تركز هذه الورقة على تناول السياسة التركية فيما يتصل بأزمة شرق المتوسط والتدخل في ليبيا على المستويات التالية: المستوى الأول: الدوافع والأهداف التركية، فيما يتعلق بشرق المتوسط بشكل عام والتدخل في ليبيا بشكل خاص. المستوى الثاني: السياسات والإجراءات التركية. المستوى الثالث: المآلات وردود الفعل.

المستوى الأول- الدوافع والأهداف

فيما يتصل بالتحركات في شرق المتوسط: تعتبر المواجهات والطموحات الناجمة عن اكتشاف حقول كبيرة من الغاز في السنوات الأخيرة في شرقي المتوسط من أبرز عوامل التوتر بين تركيا وأطراف إقليمية ودولية عدة… وإن كانت الدوافع التركية للاهتمام بتلك المنطقة لا تتوقف فقط على الأبعاد الاقتصادية وإنما هناك ما يتصل بالتنافسات الإقليمية وسياسات تركيا في هذا الإطار، وفيما يلي سنتناول مختلف الأهداف:

على صعيد القيمة الاقتصادية لتلك المنطقة، فإنه فضلًا عن الأهمية التجارية لكونها تؤمِّن الانتقال إلى المحيط الهندي عبر قناة السويس[4]، نجد أن القوى الإقليمية والدولية تحاول إعادة التموضع في شرق المتوسط بسبب الطاقة. فمن أهم تقديرات الأهمية الاقتصادية لهذه البقعة الجغرافية ما تشير إليه تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إلى أن حوض شرق المتوسط يحتوي على غاز طبيعي بقيمة 700 مليار دولار، وكان يعتبر في مرحلة ما هبة للمنطقة قد تدر إيرادات ضخمة وتساعد في صوغ حل للنزاع القبرصي، إلا أن الأمور باتت معقدة[5].

وبالنسبة لتركيا، فإنها تستهلك كميات هائلة من الطاقة سنويًا وليس لديها موارد كافية؛ فرغم عمليات التنقيب التي تقوم بها أنقرة[6]، إلا إنها تعتمد على استيراد الغاز، ويبلغ إجمالي فاتورة الاستيراد السنوي للطاقة حاليًا في تركيا حوالي 30 مليار دولار، مما يجعلها أكثر تلهفًا للتنقيب عن فرص الغاز في جميع أنحاء قبرص.

ونظرًا لأن تركيا لا تعترف بالحكومة القبرصية في نيقوسيا كرئيسة لدولة ذات سيادة، فإنها تعتبر أنه يحق للجزيرة الحصول على 12 ميلًا بحريًا فقط من المياه الإقليمية، مما يحرمها من “المنطقة الاقتصادية ” الطبيعية المخصصة للدول الأخرى، والتي عادة ما تمتد لأبعد من ذلك بكثير. علمًا بأن تركيا ليست من الدول الموقِّعة على “اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار”، وبالتالي فهي لا تعترف رسميًا بأي حدود للجرف القاري في المنطقة باستثناء تلك التي تفاوضت حولها مع الجمهورية التركية لشمال قبرص في عام 2011. وبناءً على ذلك، وبموافقة الجمهورية التركية لشمال قبرص، شرعت تركيا في أنشطة التنقيب والحفر والاستخراج المحتملة حول معظم أنحاء الجزيرة[7].

ومن ثم فإن العديد من صناع القرار في أنقرة ينظرون إلى قبرص على أنها امتداد للقوة البحرية التركية في البحر المتوسط[8]، وبالتالي تدعم تركيا قبرص الشمالية؛ فعلى سبيل المثال تعارض تركيا أي عملية تنقيب أو استثمار للمحروقات تستبعد الشطر الشمالي من قبرص حيث يقيم القبارصة الأتراك[9]، ومن ثم يمكن القول إن شمال قبرص بمثابة غاية ووسيلة للسياسة التركية في شرق المتوسط.

تنبع سياسة تركيا أيضًا من مخاوفها من أن يعمل خصومها في شرق المتوسط على عزلها وتضييق الخناق عليها​​، بعضهم قدماء (اليونان وقبرص)، وبعضهم جدد (إسرائيل ومصر). ويعتقد أردوغان -على ما يبدو- أنه قادر على إضعاف هذا “المحور “المناهض لتركيا” من خلال تحدّي المناطق البحرية المحيطة بقبرص[10].

ومن المؤشرات التي أشعرت أنقرة بهذا القلق، وتيرة التعاون الاستراتيجي الذي نشأ بين تلك الدول في السنوات الأخيرة، بما يشمل المبادرات الدبلوماسية والعسكرية المشتركة ومبادرات في شؤون الطاقة أيضًا. وقد كانت مصر والإمارات العربية المتحدة من أبرز الجهات الفاعلة التي شاركت في بعض هذه المبادرات، مدفوعة في المقام الأول بالمعارضة الشديدة لدعم أردوغان لـ”الإخوان المسلمين”؛ فنجد أن السيسي بعد فترة وجيزة من وصوله إلى السلطة بدأ محادثات مع اليونان لتحديد المناطق الاقتصادية البحرية بين البلدين، وفي نوفمبر 2014 عقد قمة ثلاثية مع نظرائه القبارصة واليونانيين للترويج لصفقة توريد الغاز من الحقول البحرية القبرصية إلى مصر[11].

كما أنه منذ 2015 بدأت مصر في المشاركة بتدريبات جوية مشتركة مع اليونان (تدريبات ميدوسا)، وأجريت أولى تلك التدريبات فوق جزيرة رودس اليونانية، على بعد 18 كيلومترًا من الساحل التركي، وبدأت قوات قبرص بالمشاركة في تدريبات ميدوسا في 2018، وأجرت بشكل منفصل ثلاث جولات من التمارين المشتركة مع إسرائيل، في بداية عام 2019[12].

وتتشكل الحلقة الأبرز في عام 2019 حيث تم إقصاء تركيا عن منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF) الذي يضم كلا من (مصر، واليونان، وقبرص، وإيطاليا، والأردن، وفلسطين، وإسرائيل)، وما تبع ذلك من التخوف التركي من إعطاء إسرائيل دورًا محوريًا في المنطقة، فضلًا عن تواجد قبرص اليونانية ضمن مؤسسي المنتدى وإقصاء قبرص التركية[13]. وقد رأى معارضو المنتدى –في هذا الإطار- أنه “منتدى سياسي بغلاف غازي”، لكونه يضم دولًا غير مطلة على حوض غاز شرق البحر الأبيض المتوسط، مثل اليونان وإيطاليا، أما الأردن فهو لا يطل على البحر المتوسط أصلاً، بينما تم إبعاد تركيا المطلة على الحوض من شماله[14].

ومثل هذا المنتدى يؤسس لسوق غاز إقليمية يمكن أن يكون لها دور رئيس في معروض وأسعار الغاز عالميًا، مع الأخذ في الاعتبار أن إسرائيل كانت السبّاقة لاستثمار الغاز في المياه الاقتصادية المقابلة لسواحلها، وهي توسع منطقتها على حساب منطقة لبنان ومنطقة قطاع غزة، كما تطمع إسرائيل في أن يكون منتدى الغاز بوابة سياسية لتوسيع التطبيع معها، بما يعني أنها تستهدف تحقيق أرباح هائلة، ودخول نسيج المنطقة من بوابة الغاز، وهو أمر يجب على أعضاء المنتدى خاصة العربية الانتباه إليه جيدًا[15].

لذا فإن التخوف التركي ينصرف أيضًا إلى ظهور إسرائيل على الساحة الدولية عبر مشروعها المطروح لنقل الغاز لأوروبا، وبالتالي، فإن وجود حدود مائية ممتدة من تركيا إلى ليبيا وتحديدها قانونيًا سيجعل تركيا إما جزءًا من هذا المشروع أو بديلًا عنه، في ظل وجود المسار التركي الأسهل والأرخص لنقل الغاز، وهو ما سعت إليه تركيا[16].

تلك السجالات التي عبَّر عنها أردوغان، قائلا: إن مصر وقبرص الرومية واليونان وإسرائيل بين الحين والآخر، تحاول فرض سيادتها على المنطقة بمعزل عن تركيا، وأوضح قائلًا، “أن الدول الأربعة تبنت بين الحين والآخر مواقف شكلت تهديدات خطيرة على تركيا وليبيا، عبر محاولة عزلهما عن شرق المتوسط، ومحاولة منع تركيا من التنقيب في المنطقة”[17].

أيضًا ترتبط السياسة التركية في شرق المتوسط بمكانة تركيا الإقليمية وما تشهده من تأزم؛ حيث تراجع الدور التركي في سوريا ومخاوف أنقرة من فقدان النفوذ هناك وفي العراق أيضًا -بسبب رفض بغداد تدخلها في الشمال العراقي ومعارضة إيران والولايات المتحدة لإجراءات أنقرة في هذا الصدد- وبالتالي تسعى تركيا إلى كسب -أو على الأقل التواجد في- محاور جديدة[18]، ومن بينها شرق المتوسط وخاصة عبر التوجه إلى البوابة الليبية لما تمثله من أهمية في هذا الإطار، وعليه باتت ليبيا اليوم تمثل ساحة نفوذ لتركيا ومحطة مهمة ضمن الأجندة التركية –كما سنرى[19].

التدخل العسكري في ليبيا:

هناك “أهداف معلنة لهذا التدخل؛ حيث أكد أردوغان أنّ هدف الوجود العسكري التركي في ليبيا ليس القتال، وإنما الحيلولة دون وقوع أحداث من شأنها التسبب في مآسٍ إنسانية وتقويض الاستقرار في المنطقة[20]. كما تؤكد أنقرة أنّ حكومة الوفاق المعترَف بها من قِبل الأمم المتحدة طلبت منها دعمًا عسكريًا “بريا وبحريا وجويا” بغية وضع حد لهجوم المشير خليفة حفتر[21].

لكن “الهدف الحقيقي” لتركيا ليس مجرد دعم حكومة طرابلس لكسب الحرب لمجرد تقارب أيديولوجي، ولكن “لمساعدتها على البقاء”، خاصة عقب الاتفاق الذي يتيح للسلطات التركية التمسك بمطالب سيادتها على مساحات في شرق المتوسط الغني بموارد الطاقة؛ فجيوبولتيك الطاقة هو البوصلة[22].

إذن لا ينفصل التدخل في ليبيا عن سياسات تركيا في شرق المتوسط وما جرى من تأزم (وإن كان هناك دوافع أخرى سنتطرق لها أيضًاحيث تعتبر تركيا ليبيا جزءًا من المناطق النائية الأوسع في شرق البحر المتوسط[23]، خاصة أن منطقة غرب ليبيا تمثل نقطة جغرافية قريبة من سواحل اليونان وقبرص، وبالتالي تسعى تركيا لاستثمار دعمها لحكومة الوفاق في هذه المنطقة لامتلاك شريك لها في الصراع الإقليمي والدولي على غاز المتوسط[24].

ولقد تناول رئيس أركان القوات البحرية التركية اللواء جهاد يايجي -المعروف بأعماله ودراساته التي تشكل مصادر للسياسات- في كتاب “ليبيا جارة تركيا من البحر” أهمية الدور الليبي في تحديد مناطق النفوذ البحري في منطقة شرق المتوسط، إذ رأى أنه: “من المهم والضروري التعجيل بعقد اتفاق تحديد مناطق النفوذ البحرية مع ليبيا لتسجيل وحماية حقوق الشعبين التركي والليبي الشقيق في شرق البحر المتوسط التي تعتبر منطقة ديناميكية تقع في بؤرة اهتمام العالم”[25].

وفي نوفمبر الماضي، بالفعل وقّعت أنقرة الاتفاقيتين المرتبطتين –المذكورتين سابقًا- بالتعاون الأمني وتعيين الحدود البحرية مع سلطات طرابلس، وقد أرادت تركيا إرسال إشارة إلى اللاعبين الآخرين في مجال الطاقة في المنطقة بأنه ما لم يتم ضمّ أنقرة إلى المعادلة، فإن وصول خطوط أنابيب الغاز إلى أوروبا سيكون معقدًا. ومن ثم، فهذا الاتفاق ربما سيفسد السيناريو الذي وضعته اليونان وقبرص اليونانية لتقاسم منطقة شرق المتوسط[26].

لكن تجدر الإشارة إلى أن الاهتمام التركي بليبيا لا يرجع فقط إلى ما يتصل بالطاقة في شرق المتوسط، فالصراع الليبي مجال خصب للعبة المساومة التركية على نطاق أوسع، لأنه متداخل مع قضايا ومصالح تعنيها (وتعني منافسيها في الآن ذاته) في الشرق الأوسط وإفريقيا. فليبيا تُعد معبرًا ومخزنًا جيوسياسيًّا للتهديدات والمخاطر المرتبطة بالمنطقتين، سواء المتعلقة بالإرهاب والهجرة غير الشرعية، والجريمة المنظمة[27].خاصة حين شعر الأتراك بالإحباط بسبب رغبة بعض حلفائهم في حلف شمال الأطلسي في محاولة الحصول على ما يريدونه في الاتجاهين، إذ توطد فرنسا -على سبيل المثال- العلاقات مع حفتر[28].

ترغب أنقرة أيضا من خلال انخراطها سياسيًا وعسكريًا في ليبيا في أن تكون قريبة من مصر عن طريق التواجد على حدودها الغربية[29]، خاصة في ظل التقارب المصري القبرصي لإدارة شئون الغاز في شرق المتوسط، والذي كان من أهم محطاته توقيع اتفاق لإنشاء خط أنابيب في سبتمبر 2018 لنقل الغاز الذي ينتج في حقل أفروديت القبرصي لمحطات الإسالة المصرية[30].

كما ترغب أنقرة في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية في ليبيا، خاصة في قطاع البناء؛ إذ ستكون مهددة في حال انتصار حفتر[31]. إذ كانت قد بلغت الاستثمارات التركية في مجالات البنية التحتية الليبية قرابة 9.8 مليار دولار في عام 2010، كما تواجدت 120 شركة تركية و30 ألف تركي في ليبيا[32]، وشاركت شركات الأعمال التركية في نحو 304 عقود تجارية في البلاد، إلى جانب وجود مشروعات معلقة لتركيا بقيمة 19 مليار دولار[33].

ذلك فضلًا عن الأهمية الاقتصادية للنفط الليبي ذاته، كون ليبيا تعد ثاني أكبر الدول الأفريقية إنتاجًا للنفط، وتمتلك الكثير من الاحتياطات النفطية[34] تقدر بحوالي 40 مليار برميل (الخامسة عربيًا، 3.76% من الاحتياطي العالمي)، إضافة إلى احتياطيات غاز تُقدَّر بحوالي 54.6 تريليون قدم مكعب، مما يضعها في المرتبة الـ21 عالميا في احتياطيات الغاز[35].

المستوى الثاني- السياسات التركية

بناءً على ما سبق من أهداف ودوافع تركية للتحرك شرق المتوسط، وتدعيم ذلك بالتدخل في ليبيا (متعدد الأسباب) فقد تعددت الإجراءات والمسارات التي اتخذتها أنقرة لتدعيم موقفها إقليميًا، وقد سبق الإشارة لبعضً منها وسنفصل فيها فيما يلي:

  • عمليات التنقيب: إذ أرسلت تركيا مرارًا سفن حفر وسفنًا عسكرية إلى حقول الغاز شرق المتوسط؛ منها على سبيل المثال: السفينة فاتح التي قامت بأعمال التنقيب عن الغاز في منطقة كارباز شرقي البحر المتوسط في مايو 2019، والسفينة يافوز التي تقوم بأعمال التنقيب في الطرف الجنوبي لحدود قبرص التركية، وتبلغ قيمة سفينتي فاتح ويافوز 417 مليون دولار[36]. فضلًا عن الإعلان التركي في وقت لاحق أن أربع سفن تركية أنهت البحث والتنقيب في أربع مناطق داخل شرق المتوسط، وتأكيد أن تركيا عازمة على الوصول إلى 3.5 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وملياري برميل من النفط في شرق البحر المتوسط.

وقد أعلن السفير أتشاتاي إرجيس، مدير عام العلاقات السياسية الثنائية والحدود البحرية في وزارة الخارجية التركية، أن: “الموارد التي يمكن استثمارها من الممكن العثور عليها في منطقة التنقيب 10، ونحن نقوم حاليا بأعمال التنقيب في المنطقة 4”[37]. الأمر الذي أثار إداناتٍ متكررة من أثينا ونيكوسيا والاتحاد الأوروبي (الذي يضم بين أعضائه اليونان وقبرص بالتبعية)، فضلًا عن الجهات الإقليمية الفاعلة في مجال الغاز مثل إسرائيل ومصر (وسنأتي إلى ذلك لاحقًا).

وردًا على ذلك، صرح أردوغان أن أنقرة ستواصل “بحزم” أعمال التنقيب هذه، حتى أنه أُعلن عن قيام مناطق في المياه المحلية يحظَّر على السفن اليونانية والقبرصية الإبحار فيها، وقد أدى هذا الوضع إلى قيام مواجهات بين سفن البحرية التركية وسفن التنقيب التي تعاقدت معها شركات الطاقة الدولية التي حصت على تراخيص من نيقوسيا[38].

واتساقًا مع تلك السياسات وما تفرضه من مواجهات فإن تركيا تدعم وجودها عسكريًا في شرق المتوسط؛ حيث إنه في ديسمبر 2019 وصلت طائرة عسكرية تركية مسيرة إلى قاعدة في شمال قبرص التركية، في مهمة تتعلق بالمساعدة في مشاريع التنقيب عن الغاز ولحراسة سفن التنقيب البحري التركية؛ حيث كانت توجد حينها سفينتان هما الفاتح ويافوز في المنطقة[39].

  • عقد الاتفاقات: ومنها الاتفاقين سالفا الذكر مع حكومة السراج الليبية، علمًا بأن أنقرة حاولت التوصل لمثل هذا الاتفاق مع ليبيا قبل عام 2011، وأن أردوغان حمل الخرائط بنفسه في زيارة لليبيا في نوفمبر 2010، لكن وقوع الثورة حال دون التوصل للاتفاق.

كما أن وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، قام خلال زيارة له لليبيا من أجل تفاهمات أمنية في نوفمبر 2018، بإعادة فتح ملف المباحثات حول اتفاقية السيادة البحرية، مما أكسب المباحثات سرعة أكبر فيما بعد، خاصة في ظل المحفزات والتفاعلات المذكورة آنفًا؛ إذ ترى أنقرة في اتفاقاتها مع حكومة السراج الوسيلة لإحباط أي خطط أو مشروعات تتجاوزها في شرق المتوسط[40].

ويمكن القول إن إحدى مذكرتي التفاهم تعد مقايضة من جانب تركيا على الأخرى؛ فقد ربطت تركيا الدعم العسكري للسراج بالحصول على الاتفاق البحري الذي يتيح لها التمدد في شرق المتوسط والمشاركة في عمليات ليبيا للتنقيب عن النفط والغاز، وقبلت حكومة السراج ذلك لسعيها لإيجاد حليف خارجي يساعدها في الخروج من حصارها في طرابلس[41].

وفي الوقت ذاته، فإن الهدف الرئيس لتركيا من الاتفاقية عدم سقوط طرابلس في يد خليفة حفتر لضمان عدم دخوله في أي مفاوضات وألا تكون له يد عليا على الأرض. كما أن تثبيت شرعية حكومة السراج يعني استمرار اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي يجعل من التفاوض مع تركيا بشأن الغاز في المتوسط أمرًا لا مفر منه من قِبل الأطراف الأخرى (يُفترض ذلك على المستوى النظري)[42]، وفق ما جاء في تصريحات المسئولين الأتراك، على نحو يعكس مدى أهمية الأمر بالنسبة لتركيا بشكل صريح؛ حيث صرَّح الرئيس التركي بأن “اليونان ومصر وإسرائيل وقبرص لن تتمكن من اتخاذ أي خطوة دون موافقتنا، بعد توقيعنا على مذكرة التفاهم مع ليبيا[43].

كما قال المتحدث باسم الخارجية التركية، حامي أقصوي، إن تركيا وليبيا لن تسمحا بـ”فرض سياسة الأمر الواقع”، بعد الاتفاقية المشتركة بين البلدين المتعلقة بتحديد مناطق النفوذ البحرية، خاصة بعد إعلان مصر واليونان رفضهما تلك الاتفاقية[44].

وفيما يتعلق بشكل خاص بالاتفاق الأمني، فإنه يعد امتدادً لاتفاقيات سابقة لكنه يشمل السماح لتركيا باستخدام الأجواء الليبية وإقامة قواعد عسكرية والدخول للمياه الإقليمية الليبية، ويضيف الاتفاق لتركيا شرعية في تزويد حكومة الوفاق بالأسلحة بما يمكِّنها من بسط سيطرة حكومة الوفاق خارج طرابلس، ومن ثم المزيد من التمكين لأهدافها في مجال الطاقة[45].

  • ومن ثم ارتبط الأمر بمزيد من الانخراط الفعلي في الشأن الليبي الداخلي (بروز الأبعاد العسكرية): وتجدر الإشارة إلى أن الاهتمام بالتطورات السياسية للشأن الليبي ليس بجديد على تركيا، ويمكن تتبع الأمر منذ اندلاع الثورة الليبية عام 2011؛ فقد رفضت أنقرة تدخل قوات حلف الناتو ضد القذافي وطرحت نفسها آنذاك كوسيط في الأزمة الليبية، وذلك على النقيض من موقفها الداعم آنذاك لثورتي مصر وتونس في ذات العام. لكن أنقرة عادت وببراجماتية سريعة، وأسهمت في دعم حملة حلف الأطلسي العسكرية كونها عضوًا فيه، لخشيتها من الانعزال عن الساحة الليبية فضلًا عن المصالح الاقتصادية، ومن ثم اعترفت بالمجلس الوطني الانتقالي ودعمته سياسيًّا[46].

ثم مرّت سياستها بعد ذلك بعدة مراحل، وهي:

المرحلة الأولى: استمرت حتى عام 2014، وحاولت خلالها تركيا استعادة علاقتها الاقتصادية مع ليبيا من بوابة دعم الاستقرار، وإنشاء حكومة مركزية تُنهي الفوضى، حرصا على المصالح التركية[47]. ومع انقسام ليبيا في صيف 2014، عمدت تركيا إلى تعزيز دورها السياسي، عبر إيفاد “إمر الله إيشلر” بصفته مبعوثا خاصا لأردوغان إلى ليبيا، في مسعى لحلّ الخلافات قبل أن تتفاقم، ولكن الاتهامات المتبادلة بين مختلف الأطراف صعّبت من مهمة إيشلر التي لم تنجح[48].

راهنت تركيا أكثر على قوى مصراتة والإسلاميين في تحالف “فجر ليبيا”، ودعمت المؤتمر الوطني العام وحكومة الإنقاذ في غرب ليبيا، في مقابل مجلس النواب الليبي في طبرق، وهو ما كان مقدمة لبروز أزمتها مع حكومة الشرق التي طردت آنذاك الشركات التركية في عام 2015[49].

المرحلة الثانية: دعمت تركيا الاتفاق السياسي الليبي الذي وُقِّع في “الصخيرات”، برعاية أممية في ديسمبر 2015 وجاء بحكومة الوفاق الوطني، ولكنّ الدول الحليفة لحفتر كثَّفت دعمها له ضدّ حكومة الوفاق، ما دفع دولا غربية إضافية للرهان على حفتر. وهنا تنامى الدور العسكري التركي الداعم لهذه الحكومة، خصوصًا بعد الهجوم الذي شنّه حفتر على طرابلس في أبريل 2019. وأبلغ أردوغان حينها السرّاج، باستعداد أنقرة لتقديم جميع أنواع المساعدة له.

بناءً عليه، بدأ الدعم العسكري التركي يأخذ طابعًا علنيًا، بعد أن كان محدودًا في بداية المعارك؛ حيث أُرسلت عربات عسكرية إلى حكومة الوفاق الوطني. وفي 19 يونيو 2019، أعلن أردوغان أنّ بلاده توفّر أسلحة لحكومة الوفاق بموجب “اتفاق تعاون عسكري”، ولم يحدّد آنذاك طبيعة هذا الاتفاق والتعاون.

المرحلة الثالثة: حيث الاتفاق سالف الذكر[50]، ولطالما كانت هناك مطالب من قبل مسؤولين في طرابلس ومصراتة لأنقرة بشأن الحصول على الدعم العسكري التركي في الفترة التي تلت اندلاع مواجهات عام 2014، لكن أنقرة لم تكن ترى ضرورة للتجاوب خاصة في ظل وجود مواقف دولية داعمة لحكومة الوفاق، فضلاً عن قلة المساحة التي كان يسيطر عليها حفتر؛ لكن تقدّم قوات الأخير إلى درنة وبنغازي، ومن ثمّ إطلاق معركة طرابلس وتغير المواقف الدولية، وما قيل عن التواجد الروسي عبر مرتزقة؛ كل هذا أشعر تركيا بالقلق على وضع حليفها الذي من شأنه التأثير على وضعها الإقليمي خاصة ما يتصل بشرق المتوسط[51].

وفعليًا، أعلن أردوغان، في مقابلة تلفزيونية، في يناير 2020 أنّ جنودًا من جيش بلاده بدأوا بالفعل التوجه تدريجيًا إلى ليبيا، فضلًا عن تأكيده التوجه لإنشاء مركز عمليات بقيادة جنرال برتبة فريق من الجيش التركي، وحديثه عن فِرق أخرى مختلفة كقوة محاربة، قال عنها “أفرادها ليسوا من جنودنا”، وهو ما اعتبر إعلانًا رسميًا عن دخول الدور التركي في ليبيا مرحلة جديدة[52].

وقد حرصت تركيا -رغم توجهها العسكري- إلى التأكيد على الحل السلمي؛ حيث أكد أردوغان أن ما أرسلته بلاده إلى ليبيا مستشارين ومدربين، معتبرًا أن الخطوات التي اتخذتها أنقرة بشأن ليبيا حققت توازنًا في المسار السياسي، وأضاف أن بلاده ستواصل دعم هذا المسار السياسي في الميدان وعلى طاولة المباحثات، مشيرًا إلى أنه في حال الالتزام بوقف إطلاق النار في ليبيا، فسيكون الطريق ممهدًا أمام الحل السياسي[53].

أيضًا صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إنه يجب على حفتر الامتثال للدعوات إلى حل سياسي للصراع في ليبيا واتخاذ خطوات للتهدئة على الأرض، مؤكدًا أن بلاده تهدف لإحلال وقف إطلاق نار دائم هناك، وأشار جاويش أوغلو إلى أهمية مؤتمر برلين حول ليبيا (سنشير إليه لاحقًا)، لكونه جمع بين العديد من الأطراف حول طاولة واحدة[54].

محاولة الحصول على دعم أو تحييد بعض الأطراف الإقليمية بشأن السياسات التركية في ليبيا وشرق المتوسط: بحكم الجوار بين ليبيا ودول المغرب من المحتمل أن تتأثر تلك الدول في حال ما اتسعت المعارك وأدت إلى فوضى، وهو ما قد يؤدي إلى انتشار عناصر إرهابية، وكذلك الخوف من موجة مهاجرين من ليبيا باتجاه الدول المغاربية، وهي بالتأكيد أمور من شأنها أن تجعل دول المغرب العربي تتوجس إزاء التواجد العسكري التركي، خاصة أن تلك الدول تلتزم الحياد في مواقفها ومن الصعب أن تنجر نحو معركة استقطاب[55].

على جانب آخر هناك بعض التخوفات التركية من أن حدود هذه الدول مع ليبيا يمكن أن تشكّل بابا لقوى منافسة للدخول إلى الأراضي الليبية، ومن ثم نشطت الدبلوماسية التركية في دول الجوار الجغرافي لليبيا، بهدف توضيح طبيعة الدور التركي في ليبيا، وأجرى وزير الخارجية “مولود تشاويش أوغلو” زيارة إلى الجزائر في 9 أكتوبر 2019 التقى خلالها نظيره الجزائري، واتفقا على الدعوة للحل السياسي للأزمة الليبية؛ لكنّ عقب الاتفاق التركي –الليبي عادت الجزائر لتؤكد على دورها الخاص في ليبيا، بعد تنامي الحديث عن إرسال قوات عسكرية تركية إليها؛ حيث عقد مجلس الأمن الوطني الجزائري اجتماعًا في 27 ديسمبر 2019، قرّر فيه اتخاذ إجراءات أمنية “احترازية” لحماية الحدود المشتركة مع ليبيا[56]. وفي محاولة تركية لطمأنة المخاوف الجزائرية كرر وزير الخارجية التركي زيارته للجزائر في يناير 2020 لتقديم شروحات تتعلّق بـ “الموقف التركي، وعرض ضمانات للجزائر فيما يتعلّق بأمنها”، تلك الزيارة التي تزامنت مع زيارة السراج أيضًا للجزائر، على رأس وفدٍ يضمّ وزير الخارجية محمد الطاهر سيالة ووزير الداخلية فتحي باشاغا ومرافقين عسكريين[57].

وبشأن تونس، قام الرئيس التركي في ديسمبر 2019 بزيارة قصيرة إلى تونس، استحوذ الصراع في ليبيا على أجوائها؛ حيث أُعلن عن إقامة تعاون بين البلدين لتقديم الدعم السياسي للحكومة الشرعية في ليبيا، وهو ما تم تأويله من طرف أحزاب تونسية (حزب التيار الشعبي، الحزب الدستوري الحر، حزب حركة مشروع تونس) على أنه موافقة تونسية على التدخّل العسكري التركي؛ ما دعا الرئاسة التونسية إلى إصدار بيان نفت فيه دخولها في أي تحالف أو اصطفاف[58]، وجاءت تصريحات المكلَّفة بالإعلام برئاسة الجمهورية “رشيدة النيفر” بأن الدعم المتفق عليه فيما يخص الملف الليبي يتعلق بإيجاد حل سلمي للأزمة دون التطرق إلى دعم طرف على حساب آخر، موضحةً أن رئيس الجمهورية قيس سعيد، أكد إثر لقائه بأردوغان تشبثه بما تضمنه “إعلان تونس”، مؤكدة أنه لم يتم التطرق إلى وجود أي اتفاق بدعم حكومة السراج في ليبيا، مشددة على أن الدعم السياسي لحكومة السراج يندرج في إطار تشبث تونس بالشرعية الدولية لكن هذا لا ينفي حرص تونس على تقريب وجهات النظر بين جميع الفرقاء[59].

أما المغرب، فأعلنت في بيان صادر عن وزارة خارجيتها في 7 يناير 2020 رفضها لأي تدخل أجنبي بما في ذلك التدخل العسكري في الملف الليبي مهما كانت دوافعه، ولا شك أن هذا الموقف لا ينفصل عن التوترات مع أنقرة على خلفية نشر إحدى القنوات التليفزيونية التركية تقريرًا للناشطة الانفصالية أمينتو حيدر تدعو فيه لانفصال الصحراء عن المغرب[60].

المستوى الثالث- المآلات وردود الفعل

يمكن القول إن تداعيات السياسات التركية كانت ذات وجهين:

على الجانب الأول، من شأن الانخراط التركي في شرق المتوسط في حال استمراريته ونجاحه تحسين وضع تركيا الإقليمي سياسيًا واقتصاديًا، لكن هذا ليس بالأمر اليسير في ظل تنامي عداءات تركيا مع أطرافٍ عدة. أما هذا الاتفاق مع ليبيا سيرسم الحدود الغربية للمنطقة الاقتصادية الخالصة التركية في شرق المتوسط، كما أن الاتفاق يمثل أول صفقة في تلك المنطقة لتركيا مع دولة ساحلية باستثناء قبرص التركية، ويعتقد أنه سيزيد الجرف القاري لتركيا في المنطقة المذكورة بحوالي 30%، والأهم أنه يوفر لتركيا مجموعة من المزايا التي قد تغيِّر قواعد اللعبة شرق المتوسط[61]؛ حيث إن اتفاق مناطق النفوذ البحري بين تركيا وليبيا سيحول دون توقيع اليونان اتفاق منطقة اقتصادية خالصة مع قبرص اليونانية ومصر وتوقيع قبرص اليونانية اتفاق مماثل مع ليبيا[62].

ووفق التقديرات التركية، فإن أردوغان أعلن بشكل صريح أن “إسرائيل لن تتمكن من نقل الغاز عبر البحر المتوسط دون موافقة أنقرة”، وبالفعل فهناك خشية إسرائيلية من تأثير الاتفاق الليبي التركي على خططها في البحر الأبيض المتوسط، وكان “مركز أبحاث الأمن القومي” الإسرائيلي قد دعا، في أغسطس 2019، لمراقبة الدور التركي في ليبيا، على اعتبار أن أنقرة ترى في تكريس نفوذها هناك وسيلة لمواجهة التعاون الإسرائيلي مع الأطراف المختلفة، في مجال استخراج الغاز واقتصاديات الطاقة، وأن التحولات التي قد تشهدها ليبيا يمكن أن تؤثر سلبًا على مصالح تل أبيب الإستراتيجية[63].

أيضًا أعلن أردوغان، إن تركيا وليبيا قد تعملان مع شركات دولية للتنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط في أعقاب إبرام الاتفاق[64].

على الجانب الآخر، تزايدت الضغوط على تركيا، وهو ما انعكس في مواقف مختلف الأطراف الإقليمية والدولية الرافضة للسياسات التركية في شرق المتوسط وليبيا.

بداية من إعلان المواقف والتصريحات تعليقًا على أنشطة التنقيب التركية المتوالية، خاصة إرسال سفينة الحفر “يافوز” بالإضافة إلى قطع عسكرية لبدء عمليات تنقيب قبالة السواحل القبرصية (في منطقة كانت حكومة نيقوسيا أعطت ترخيصا لشركتي توتال الفرنسية وإيني الإيطالية لإجراء عمليات التنقيب فيها)؛ حيث أعلن الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس في أكتوبر 2019 أن بلاده ستستخدم كل الوسائل المتاحة للدفاع عن حقوقها ومصالحها في وجه “الاعتداءات” التركية، مؤكدًا أن التصرفات الأحادية من جانب تركيا تشكل تهديدًا لاستقرار الأمن والسلام في منطقة شرق المتوسط[65].

كما أن حظر العديد من المسؤولين الأوروبيين والأميركيين تركيا من أن أنشطة الحفر غير القانونية، سيقوض علاقات حسن الجوار مع الاتحاد الأوروبي[66].

وامتدت المواقف الرافضة بالتبعية إلى التدخل التركي في ليبيا على خلفية الاتفاق المشترك ثم قرار البرلمان التركي بالتدخل في يناير 2020، وبالنسبة للولايات المتحدة فقد حذر رئيسها دونالد ترامب من مغبة التدخل التركي، مؤكدًا أنه سوف يعقِّد الوضع بليبيا، ودعت الخارجية الأمريكية إلى إطلاق حوار سياسى لتسوية الصراع، وبشكل عام أضحت الولايات المتحدة تتبع سياسة الاقتراب الحذر في التفاعل مع مستجدات الوضع الليبي[67].

كما أعرب الاتحاد الأوروبي عن “قلقه البالغ” بشأن قرار تركيا بالتدخل عسكريًا في الحرب الأهلية المتصاعدة في ليبيا[68]. وندد الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون في بيان له بالاتفاقات الموقعة بين تركيا وحكومة السراج “بشأن القضايا البحرية والأمنية”، وعبَّر عن قلقه من “مخاطر التصعيد” في ليبيا المرتبطة بتزايد التدخلات العسكرية الأجنبية[69].

أما روسيا ذات المصالح المتشابكة في شرق المتوسط وليبيا، فجاء موقفها من خلال مجلس الدوما الذي أبدى قلقه من مذكرة التفاهم الأمني والعسكري بين أنقرة وطرابلس، وقال رئيس لجنة الشؤون الدولية في المجلس “ليونيد سلوتسكي”: “إنّ إرسال تركيا قوات عسكرية إلى ليبيا قد يعمّق أزمة الأخيرة أكثر”، واعتبر أنّ قرار البرلمان التركي “مثير للقلق”، مؤكدًا أنّ روسيا تدفع نحو حل الأزمة الليبية عبر الطرائق السياسية والدبلوماسية[70]. غير أنّ الخطر الذي يخشاه البعض يكمن في تفجر صراع تركي روسي (خاصة مع تفاقم الخلافات بشأن سوريا أيضًا) يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الفوضى الإقليمية، فحتى إذا كانت روسيا تنفي وجود مرتزقة من مواطنيها يقاتلون إلى جانب قوات حفتر، فإنّ مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة وتركيا يشيران إلى وجود هؤلاء، وقد يفضي الأمر إلى اشتباكات بين قوات تركية ومرتزقة روس؛ لكن بشكل عام تشير التجربة السورية ذاتها في السنوات الأخيرة إلى إمكانية تعايش بين تركيا وروسيا رغم تناقض مواقفهما[71].

فروسيا تجيد لعبة المراوغة مع تركيا؛ حيث تعمل على الاستفادة من هذه الضغوط التي تتعرض لها أنقرة للإبقاء على احتياج تركيا إليها في سد غالبية احتياجاتها من الغاز الطبيعي، ومن ثم ترى موسكو أن من مصلحتها الاستمرار في توسيع الشرخ بين تركيا وحلفائها في حلف شمال الأطلسي، الذي بدأ مع إصرار أنقرة على إتمام صفقة صواريخ “إس 400 الروسية”، ثم إصرارها على الاستمرار في المواجهة مع عدد من دول المنطقة، من خلال تصرفاتها في البحر المتوسط، واندفاعها إلى الانخراط بشكل أكبر في الصراع الليبي[72].

وقد عكس لقاء موسكو بين حفتر والسراج، رغم ما حدث له من تأزم، مساحة للتقارب بين روسيا وتركيا يرغم القوى الإقليمية والأوروبية. فقد أرادت موسكو وضع أنقرة ضمن عملية إعادة محاصصة سياسية واقتصادية قد تفضي إلى تسوية لا تقتصر على الشأن الليبي، بل تتجاوزه لتشمل ملفات استراتيجية، كملف الغاز في البحر المتوسط[73]، ومن ثم فإن موسكو تعمد إلى خلق توازن يحافظ على مصالحها[74] من خلال توظيفها لحالة التنافس والصراع بين حلفاء واشنطن التقليديين لتحقيق مصالحها المتنوعة خاصة في ظل محاولات استغلال روسيا الفراغ الأميركي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا[75].

أما بالنسبة للقاهرة، فقد جاءت المواقف المصرية رافضة للتحركات التركية في شرق المتوسط، معتبرة أنها مثيرة للقلق، وفي هذا السياق جاء تأسيسها لمنتدى شرق المتوسط، وفي الإطار ذاته -وباعتبارها حليف حفتر الرئيس في الإقليم- فقد رفضت التدخّل التركي، ووصف السيسي حكومة الوفاق بأنها “أسيرة الميليشيات المسلحة”[76].

وبالطبع فإن كلا من هذه الأطراف حاول كل فترة اتخاذ رد الفعل الذي يراه مناسبًا بشكلٍ أو بآخر (وقد وصل الأمر للذروة مع توقيع الاتفاق التركي الليبي ثم قرار البرلمان التركي بالتدخل) من خلال سياسات أو قرارات معينة، سواء بشكل فردي أو جماعي:

تحركات دبلوماسية متفرقة: على خلفية الاتفاق التركي الليبي طردت اليونان السفير الليبي، وزار وزير خارجيتها القاهرة لإجراء محادثات مع نظيره المصري لتسريع المناقشات بين اليونان ومصر حول تعيين حدود المناطق الاقتصادية الخالصة بين البلدين، كما قدمت إسرائيل دعمها لليونان[77].

تصعيد عسكري مقابل: اتخذت مصر ردود أفعال متنوعة تجاه التصعيد التركي الأخير، وتراوحت بين خطوات ذات أبعاد عسكرية (فتح حدود الدعم العسكري واللوجستي لقوات حفتر) والتلويح بالتدخل العسكري المباشر في حال بادرت تركيا بالأمر ذاته، وبين فتح مسارات دبلوماسية وسياسية في مختلف الأطر الإقليمية والدولية[78].

وفرض العقوبات: في يوليو 2019 وافقت دول الاتحاد الأوروبي على وضع قائمة بعقوبات اقتصادية تستهدف عمليات التنقيب التركية عن النفط والغاز في المياه قبالة قبرص، واتفق وزراء خارجية الاتحاد حينها على “وضع إطار عمل لإجراءات عقابية تستهدف الأشخاص الطبيعيين والقانونيين المسؤولين عن أو المشاركين في أنشطة التنقيب غير المشروعة عن الهيدروكربونات في شرق البحر المتوسط”، لكنّ ذلك لم يدفع أنقرة للتراجع عن إكمال أعمالها[79]. ومن ثم في 18 أكتوبر 2019، وافق مجلس الاتحاد الأوروبي على تطبيق تدابير تقييدية تستهدف أشخاص ومؤسسات مسؤولة عن أنشطة التنقيب شرق البحر المتوسط [80]، وأعلن الاتحاد الأوروبي في مرحلة لاحقة فرض عقوبات على تركيين يعملان في شركة البترول، بسبب أعمال التنقيب التي تجريها تركيا في البحر المتوسط؛ لكن على الجانب المقابل أكد بيان الخارجية التركية أن أنقرة تعتبر قرار العقوبات هذا “بحكم العدم” و”لا قيمة له”
وشدد البيان على أن القرار المذكور، لن يثني عزيمة تركيا فيما يخص حماية حقوقها وحقوق القبارصة الأتراك في شرق البحر المتوسط، بل على العكس سيعزز عزيمتها[81].

عقد القمم المناهضة: استضافت القاهرة في أكتوبر 2019 القمة الثلاثية السابعة من نوعها في إطار آلية التعاون بين مصر وقبرص واليونان، وأعلنت القمة معارضة واضحة للسياسة التركية في شرق المتوسط[82]، وقد عكس بيان هذه القمة رفضًا للسياسة التركية في مجملها ومعارضة واضحة للسياسة التركية في شرق المتوسط، ورفض التهديدات التركية للشمال السوري، وصولًا إلى تلميحات أخرى بشأن “دعم وإيواء الإرهابيين” و”استغلال قضايا اللاجئين والمتاجرة بها وتسييسها”[83].

كما انعقد مؤتمر برلين حول ليبيا في يناير 2020، بمشاركة 12 دولة (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين وألمانيا وتركيا وإيطاليا ومصر والإمارات والجزائر والكونغو)، وأربع منظمات دولية وإقليمية (الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية)، وكان من أبرز بنود البيان الختامي للمؤتمر ضرورة الالتزام بوقف إطلاق النار، والالتزام بقرار الأمم المتحدة الخاص بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا، وتشكيل لجنة عسكرية لتثبيت ومراقبة وقف إطلاق النار، تضم خمسة ممثلين عن كل طرف من طرفي النزاع[84].

ورغم مشاركة تركيا في المؤتمر إلا أن التأويلات قد اختلفت حول دلالات تلك المشاركة، بين اعتبارها دليلًا على أن تركيا ليس بإمكانها التغريد حارج السرب كثيرًا، خاصة أن دوافع هذا المؤتمر ومخرجاته والقائمين عليه من المعروف أنها تخالف التوجهات التركية، وبين من يرى أن مشاركة تركيا إضعاف وإفساد للمؤتمر خاصة بعد خطواتها الأخيرة السابقة عليه التي لم تتراجع عنها، فتركيا جزء من المشكلة وليس الحل وفق هذا الاتجاه[85]. ويمكن القول إن مشاركة تركيا في مؤتمر برلين رغم اختلافها مع التوجه العام له، ربما تعود إلى عدة أسباب منها: الخوف من العزلة الدولية التي قد تؤدي إلى التصعيد ضدها، وإرسال رسائل طمأنة لمختلف الأطراف بأنها تتمسك بالمسار السياسي.

عقد اتفاقات: أبرمت الولايات المتحدة عدة اتفاقيات لاستخدام عدد من الموانئ والمطارات لأغراض عسكرية في قبرص واليونان، بالإضافة لاستخدام قواعد بحرية وجوية بخليج سودا وجزيرة كريت اليونانية[86].

كما وقَّعت اليونان وإسرائيل وقبرص في 2 يناير 2020، اتفاقًا لبناء خط أنابيب تحت البحر لنقل الغاز الطبيعي من الحقول البحرية في شرق المتوسط إلى أوروبا، والذي قد يقلل اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي. هذا الاتفاق أثار غضب تركيا لأنها كانت تطمح لأن تصبح دولة عبور رئيسية لإمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا مما كان يمنحها مصدرًا للضغط على أوروبا. ولكن هذا المشروع –الذي استبعدت منه- يضعف من تأثير تركيا ويحرمها من المقدرة على الضغط[87]. ما دفع تركيا إلى الإعراب عن استيائها من تلك الخطوة، فأعلنت إن “أي مشروع يتجاهل تركيا وكذلك الحقوق المتساوية للقبارصة الأتراك لن ينجح”، وكرد فعل على الاتفاق قام البرلمان التركي بالموافقة على قرار إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا رغم أنه كان يلقى رفضا من قبل المعارضة[88].

تشريعات مضادة: فعلى ضوء انتقاد كل من التحركات التركية شرق المتوسط والاتفاقات بين أنقرة وطرابلس للتعاون وبشأن الحدود البحرية في شرق المتوسط التي وصفتها الولايات المتحدة بأنها استفزازية وغير مفيدة، نجد أن الكونجرس سعى بكل قوة لمواجهة سياسات تركيا في شرق المتوسط عبر دعم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة مثل اليونان وقبرص وإسرائيل، فقد كان التشريع الذي أقره في ديسمبر 2019 ضمن حزمة الإنفاق الحكومي وصدّق عليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب رأس الحَربة الذي تدخل به واشنطن كلاعب رئيسي في معركة الصراع على الغاز الطبيعي عبر اتفاقات تشاركية في مجالي الأمن والطاقة مع دول شرق البحر المتوسط؛ حيث عزز تشريع الكونجرس العلاقات العسكرية بين اليونان والولايات المتحدة، كما رفع حظر تصدير السلاح الأميركي إلى قبرص المفروض منذ عشرة أعوام[89].

وقد شبّه البعض التشريع الأخير بالمطرقة ضد تركيا لكونه يفوِّض للوكالات الفيدرالية والهيئات الحكومية الإبلاغ عن أي انتهاكات تركية للمجال الجوي والمياه الإقليمية لكل من قبرص واليونان حلفاء حلف شمال الأطلسي، كما يمنع حلفاء الأطلسي من الانضمام إلى برنامج إنتاج الطائرة الشبحية الأميركية المتطورة (إف 35) طالما احتفظت بمنظومة الصواريخ الدفاعية الروسية (إس 400) ضمن تسليحها[90].

وذلك في مقابل التشكيك في الوضع القانوني للاتفاقية التركية –الليبية؛ حيث تؤكد تركيا أن ممارساتها إزاء ليبيا ممارسات مشروعة من الناحية القانونية، وذلك انطلاقًا من:

– إن ترسيم الحدود البحرية، والتعاون الأمني، والتدخل العسكري يأتي بموجب اتفاقات تم عقدها مع حكومة شرعية، معترف بها من جانب الأمم المتحدة، والدول الكبرى.

– حصول حكومة أنقرة على تأييد البرلمان التركي للتدخل العسكري، مع تفويض الرئيس أردوغان في تحديد موعد نشر القوات ومناطق تمركزها لمدة عام قابل للتجديد، وفق نص المادة 92 من الدستور التركي.

– إن القانون الدولي يجيز لأنقرة اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لصد المخاطر الأمنية التي تشكلها الجماعات المسلحة غير الشرعية في ليبيا.

على الجانب الآخر تُساق الحجج التالية:

– إن حكومة الوفاق الوطني لا تتمتع بالشرعية، فاتفاق الصخيرات الذى جاء بها في ديسمبر 2015 اشترط اعتمادها من جانب مجلس النواب الليبي ببنغازي حتى تكتسب الشرعية، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

– إن الجهة الوحيدة التي تملك صلاحية التشريع والتصديق على المعاهدات الدولية في ليبيا حاليا هي مجلس النواب المنتخب في أغسطس2014، وذلك وفق نصوص اتفاق الصخيرات (م8، م13).

– إن حكومة الوفاق الوطني لا تسيطر فعليًا على إقليم الدولة، وبالتالي ليس من حقها طلب التدخل الخارجي في تلك الحالة، وهذا هو الرأي الراجح لدى أغلب فقهاء القانون الدولي[91].

لكن ما حدود التأثير المفترضة لمختلف الأطراف؟ وإلى أي مدى يمكن للسياسة التركية تحقيق ما تتوقع نظريًا؟ وإلى أي مدى تستطيع الأطراف الدولية والإقليمية إعادة توجيه المسار؟

لا شك أن ليبيا قد صارت في ضوء التطورات الأخيرة في وضع أكثر تعقيدًا مما كانت، كما أن إدخال ليبيا في المعادلة يربك مختلف الأطراف بما في ذلك تركيا، لماذا؟

يمكن القول إن عدم وجود استراتيجيات واضحة لمختلف الأطراف قد آل بالأوضاع إلى ما هي عليه، إذ ظلّ الموقف الأميركي على تذبذبه كسمت عام مع إدارة ترامب، يقوم فقط على اتخاذ إجراءات وردود فعل جزئية[92].

أما الاتحاد الأوروبي، فعارض التحركات التركية شرق المتوسط، وتحفّظ على الاتفاقية الموقّعة بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني، وطالب بمزيد من الإيضاحات حولها، كما عارض التدخّل العسكري التركي، ولكنه لا يملك قدرة فعلية على التأثير في مسار الأزمة، نتيجة التنافس الفرنسي – الإيطالي، ما جعل دور مؤسسات الاتحاد يقتصر على تقديم الدعم المالي والفني المحدود نسبيًا لحكومة الوفاق، والتعاطي مع الأزمة باعتبارها تشكّل تهديدًا أمنيًا من بوابة الهجرة غير النظامية [93].

فها هي إيطاليا ذات التاريخ الاستعماري المعروف في ليبيا تجد وجودها في ليبيا مهددًا وهي التي دعمت حفتر؛ إذ وجدت في تركيا ندًا لها لا سيما بعد توقيع الاتفاق بين حكومة الوفاق والحكومة التركية، لهذا كانت زيارة رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي إلى أنقرة[94].

ذلك إضافةً إلى الضغوط التي تهدد وحدة الاتحاد الأوروبي؛ خصوصًا مع خروج بريطانيا المرتقب، ومحاولات ألمانيا وفرنسا الحفاظ على الوحدة الأوروبية، بجانب الضغوط الداخلية التي تتعرض إليها المستشارة الألمانية؛ بسبب سياسات قبول اللاجئين مع اندلاع الأزمة السورية والاضطرابات المستمرة التي تشهدها فرنسا.. فكل هذه الأمور تؤدي إلى ضعف رد الفعل الدولي، ويزداد الارتباك في ظل الخلاف الأمريكي- الأوروبي الواضح في السياسات منذ وصول ترامب إلى السلطة[95].

وبالنسبة لروسيا، فهي كذلك لها حساباتها التي تجعل المراوغة سمة تفاعلاتها الأساسية –كما سبقت الإشارة.

في المقابل، هل تستطيع تركيا التحرك في تلك المسارات المتداخلة؟

إن السياسة التركية بواقع حالها مثقلة ومتأزمة نتيجة التدخل في سوريا والعراق، فكيف يمكن أن تتحمل مزيدا من الأعباء الاقتصادية والعسكرية بل والدبلوماسية لعمليات التنقيب والتدخل في ليبيا، خاصة في ظل فرض العقوبات.

كما أنه إذا كانت العمليات التركية في السنوات الماضية في دول مجاورة، بهدف محاربة مقاتلين أكراد بشكل أساسي؛ فإنه في الحالة الليبية لا تتقاسم تركيا حدودًا برية مع ليبيا الواقعة على مسافة 1500 كلم، ما يطرح عدة إشكالات لوجستية لبلد قد يعاني ضعفا على مستوى قدراته في توسيع نطاق الأعمال العسكرية. ومن ثم “التحدي الأول يتمثل في إمداد القوات”، فيما يتمثل الثاني في “تحقيق التفوق الجوي” الضروري للتحكم بميادين القتال[96].

وإن كان دور القوات التركية في ليبيا سوف يركز –كما أُعلن- على مهام “التدريب والاستشارات”، فإنه يعتبر وصفا فضفاضا لهذا الدور. فإذا وجدت الحكومة الليبية نفسها في مأزق لا خلاص منه، فحتمًا ستجد تركيا نفسها مجبرة على الانخراط المباشر في القتال، لذلك يمكننا القول إن دور القوات التي نشرتها تركيا في ليبيا لم تتحدد ملامحه بعد[97].

خاتمة:

في ظل صخب الأفعال وردود الأفعال، أو لنقل السياسات والسياسات المضادة، فإن ما نحتاجه للوقوف على المعالم الأساسية لحاضر ومستقبل ما يتصل بالسياسة التركية في شرق المتوسط والتدخل في ليبيا التطرق إلى الآتي:

  • الدلالة بالنسبة للسياسة الخارجية التركية: ما يجري هو انعكاس لتغير في السياسة الخارجية التركية، التي كانت تعتمد على القوة الناعمة أكثر من القوة الصلبة عقب وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، كما كانت تقوم على تصفير المشكلات مع دول الجوار، وتوازن بين اعتبارات الأمن والحرية (وفق مبادئ رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو)، إلا إن الخلاف بين أوغلو وأردوغان تداخلت فيه الأبعاد الداخلية والخارجية.

فأضحت تركيا أكثر جنوحًا صوب نموذج القوة الإقليمية الصلبة، أي الاعتماد المكثف على الأداة العسكرية في سياستها الخارجية، وهو ما ظهر ليس فقط في شمال سوريا وإنما في ليبيا أيضًا، ويعزز ذلك توسع الصناعات العسكرية التركية؛ حيث ارتفعت الصادرات العسكرية بنسبة 20% ما بين عامي 2017 و2018 لتصل إلى 2.1 مليار دولار، بل إن ميزانية الإنفاق العسكري التركي كانت قد زادت بنسبة 24% في عام 2018، لتصل إلى 19 مليار دولار، وهي أعلى نسبة إنفاق سنوية بين أكبر 15 دولة إنفاقًا عسكريًّا في العالم. في الوقت نفسه، ليس أدل على غلبة التوجه العسكري من مخاطرة تركيا بشراء منظومة الدفاع الصاروخي (إس 400) من روسيا برغم الرفض الأمريكي[98].

هذه السياسة أو التوجه يواجه عددا من الصعوبات أهمها: الكلفة الاقتصادية الباهظة في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي العديد من الأزمات؛ حيث إن إرسال قوات تركية ربما يؤدي لوقوع خسائر في الأرواح، واستهداف مقار وممتلكات الشركات التركية بليبيا، ومن ثم تراجع القدرة على استمرار حشد التأييد في الداخل التركي من مختلف الأطراف؛ فرغم عدم الخلاف في كثير من الأحيان حول الخطوط العامة المتصلة بالأمن القومي، إلا أن هناك اتهامات للسياسة الخارجية التركية من المعارضة بأنها تختلق الأزمات؛ حيث يرى أردوغان طوبراك مستشار زعيم حزب الشعب الجمهوري أن الاتفاق التركي الليبي يضع حدًا لتجاوزات قبرص اليونانية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص الشمالية، إلا أنه في الوقت ذاته  يدعو إلى فتح الحوار مع مصر بشأن شرق المتوسط[99].

وهنا يشار إلى أن تركيا أعلنت أنها على استعداد لإبرام اتفاقات مماثلة لما أبرمته مع حكومة السراج مع كل دول المنطقة، باستثناء قبرص (حيث العداء التاريخي)[100]. فهل هذا ممكن؟

لا شك أن السياسة الخارجية التركية ستحاول ألا تضع نفسها في خانة العزلة، خاصة بعد ما شهدت علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية من توتر إثر حصولها على صفقة الصواريخ الروسية إس 400 بجانب توغلها في شمال سوريا، كما أن علاقتها بالاتحاد الأوروبي سيئة بسبب خلافات شرق المتوسط ومسائل أمن الطاقة، هذا بالإضافة إلى قرار تدخلها عسكريًا في ليبيا، بجانب الخلاف مع روسيا كونها تتخذ موقفًا مغايرًا للموقف الروسي الداعم لحفتر. وعلى المستوى الإقليمي، مازالت تركيا على خلاف مع المملكة العربية السعودية، ومصر حول قضايا عدة[101]، وانطلاقًا من ذلك ننتقل إلى التساؤل حول مستقبل المواجهات واتجاهها.

  • تصعيد أم تهدئة: هل من الممكن أن تتجه الأمور إلى حرب إقليمية وقودها غاز شرق المتوسط؟ أم أن الطاقة ستصبح الكعكة التي سيلتف حولها الجميع لاقتسامها في هدوء، وما نشهده من مواجهات متمثلة في اتفاقات وقمم ومنتديات وعقوبات وقرارات، ما هو إلا ساحات للمساومة؟!

إن مسألة الحرب الإقليمية مستبعدة بدرجة كبيرة، وما يرجِّح ذلك: عدم وجود رؤية واحدة تجمع معارضي السياسة التركية، العامل الروسي المراوغ، التكلفة الاقتصادية (من سيتحمل؟!)، عدم الاستقرار الإقليمي والتجارب السابقة من مواجهات في سوريا والعراق واليمن (وإن لم تصل إلى الحرب الإقليمية بمعناها التقليدي إلا أنها كانت أكثر فداحة)، خاصة أن الاضطراب بمنطقة شرق المتوسط وليبيا ستكون له تداعيات أمنية أكثر مباشرة على الولايات المتحدة وأوربا؛ حيث ما يتصل بأعداد اللاجئين، وإمكانية أن تصبح ليبيا ملجأ أكثر أمنًا لداعش[102].

كما أنه من المستبعد حدوث نزاع عسكري في شرق المتوسط بين تركيا وإسرائيل؛ حيث إن الولايات المتحدة لن تسمح بذلك بين حليفيها في المنطقة (فحتى إن كان هناك خلافات مع أنقرة، إلا أنها بمثابة خلافات تكتيكية لن تتجه بواشنطن لخسارة واحدة من أقدم حلفائها)[103].

 

خلاصة

 في هذا الأمر أن العامل الاقتصادي، وتحديدًا غاز المتوسط، ثم العوامل الأمنية يشكل محورًا أساسيًا في منطلقات الفاعلين الإقليميين والدوليين، وعلى رأسهم مصر وتركيا وروسيا؛ حيث تشكل ليبيا بوضعها الحالي متغيرًا لمعادلة تقاسم غاز المتوسط وخريطة الطاقة والملاحة إلى أوروبا، والتي تتلاقى فيها موسكو وأنقرة بمشاريع ضخمة آخرها “السيل التركي”[104]. ذلك بالطبع بجانب المنطلقات الأمنية والسياسية لهذه الدول؛ حيث التخوف من مزيد من أعمال الإرهاب والهجرة غير الشرعية التي قد تفوق كلفتها ثمن الغاز. وفي كل الأحوال من المهم أن تدرك كل من تركيا والأطراف العربية ذات الصلة ضرورة ألا تصب خلافاتها في صالح إسرائيل بما يضر بمصالح هذه الأطراف ذاتها اقتصاديًا وأمنيًا.

*****

هوامش

[1] حظي مشروع القانون في البرلمان التركي بتأييد 325 نائبًا، في حين عارضه 184 نائبًا.

[2] ماذا يريد أردوغان من وراء إرسال قواته إلى ليبيا؟، فرانس 24، 31 ديسمبر 2019، متاح على الرابط التالي:

https://cutt.us/1JSpq

[3] ماذا تريد تركيا في شرق المتوسط؟، الشرق الأوسط، 16 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/Ztaei

[4] إيمان زهران، تركيا وعسكرة التفاعلات في شرق المتوسط، ملف العدد (تركيا.. صناعة الأزمات!، السياسة الدولية، العدد 219، يناير 2020، ص164.

[5] تركيا وليبيا – دوافع وانعكاسات إقامة منطقة مياه اقتصادية تركية ليبية في البحر الأبيض، القنطرة، 29 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/Z68oN

[6] تركيا وغزو ليبيا.. لماذا تسعى أنقرة لدعم طرابلس عسكريا؟، سكاي نيوز العربية، 31 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/G7CkQ

[7] سونر چاغاپتاي، لماذا ترفع تركيا الرهان في شرق البحر المتوسط، معهد واشنطن، 4 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:   https://cutt.us/gte92

[8] المرجع السابق.

[9] مريم أوالي، تركيا وسياسة استعراض العضلات شرق المتوسط.. ضغوط على قبرص والسبب حقول الغاز، يورونيوز العربية، 20 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/G7CkQ

[10] سونر چاغاپتاي، لماذا ترفع تركيا الرهان في شرق البحر المتوسط، مرجع سابق.

[11] المرجع السابق.

[12] ميسون جحا، لماذا تستفز تركيا جيرانها في شرق المتوسط؟، موقع 24، 6 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/nPGfJ

[13] عدنان عبد الرزاق، دلالات إقصاء تركيا عن منتدى غاز شرق المتوسط، العربي، 23 يناير 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/E5Xv2

[14] المرجع السابق.

[15] المرجع السابق.

[16] بعد الاتفاق التركي الليبي.. هل باتت إسرائيل محاصرة في المتوسط؟، الجزيرة، 13 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/8ghvq

[17] تركيا تستهدف 3.5 ترليون متر مكعب من الغاز شرق المتوسط، وكالة نيوترك بوست، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/iIJCP

[18] وفاء العرفاوي، الدور التركي في ليبيا: بوابة لتعزيز وتثبيت أقدام تركيا في شمال أفريقيا، المغرب، 25 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:   https://cutt.us/LxEaD

[19] المرجع السابق.

[20] الدور التركي في ليبيا: من الدعم السياسي إلى العسكري، العربي،  7يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/E4YXC

[21] تدخل تركيا عسكريا في ليبيا ـ حسابات الربح والخسارة، موقع دويتشيه فيليه، 3 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/YJNjM

[22] المرجع السابق.

[23] جوناثان ماركوس، لماذا تخاطر تركيا بتورط أعمق في الصراع في ليبيا؟، بي بي سي العربية، 4 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/zLjrc

[24] انظر الآتي:

  • د.خالد حنفي علي، الدور التركي في ليبيا من منظور “لعبة المساومة”، 13 أغسطس 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/DaUss
  • د.خالد حنفي علي، الحسابات المتداخلة للانخراط التركي في النزاع الليبي، ملف العدد (تركيا.. صناعة الأزمات، مجلة السياسة الدولية، العدد 219، يناير 2020، ص143.

[25] اتفاقية بين تركيا وليبيا يمكن أن تقلب الموازين في شرق المتوسط، يني شفق، 29 صفر 1441، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/cPhE2

[26] المرجع السابق.

[27] د.خالد حنفي علي، الدور التركي في ليبيا من منظور “لعبة المساومة”، مرجع سابق.

[28] لماذا تخاطر تركيا بتورط أعمق في الصراع في ليبيا؟، مرجع سابق.

[29] ماذا يريد أردوغان من وراء إرسال قواته إلى ليبيا؟، مرجع سابق.

[30] إيمان زهران، تركيا وعسكرة التفاعلات في شرق المتوسط، مرجع سابق، ص168.

[31] تدخل تركيا عسكريا في ليبيا ـ حسابات الربح والخسارة، مرجع سابق.

[32] د.خالد حنفي علي، الدور التركي في ليبيا من منظور “لعبة المساومة”، مرجع سابق.

[33] تصاعد الدور التركي في ليبيا: الأسباب والخلفيات وردات الفعل، مركز الروابط، 21 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/WTHjH

[34] المرجع السابق.

[35] مصطفى صلاح، أبعاد ومآلات التدخل التركي في ليبيا، رؤى مصرية، مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية، العدد 82، مارس 2020، ص10.

[36] فاتح ويافوز وأوروك.. أذرع تركيا البحرية للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، صدى البلد، 16 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/5n2Ro

[37] تركيا تستهدف 3.5 ترليون متر مكعب من الغاز شرق المتوسط، مرجع سابق.

[38] سونر چاغاپتاي، لماذا ترفع تركيا الرهان في شرق البحر المتوسط، مرجع سابق.

[39] تحركات تركيا الأخيرة للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط “قد تشعل بؤرة توتر جديدة”، بي بي سي العربية، 17 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/aqGh9

[40] بعد الاتفاق التركي الليبي.. هل باتت إسرائيل محاصرة في المتوسط؟، مرجع سابق.

[41] ماذا تريد تركيا في شرق المتوسط؟، مرجع سابق.

[42] هل تصبح ليبيا ساحة مواجهة عسكرية مباشرة بين مصر وتركيا؟، دولشيه فيليه، 6 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/bl8U

[43] المرجع السابق.

[44] تركيا: لن نسمح بفرض الأمر الواقع في شرق المتوسط.. ومستعدون للتفاوض، سي إن إن العربية، 2 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/gbOIW

[45] بعد الاتفاق التركي الليبي.. هل باتت إسرائيل محاصرة في المتوسط؟، الجزيرة، مرجع سابق.

[46] د.خالد حنفي علي، الدور التركي في ليبيا من منظور “لعبة المساومة”، مرجع سابق.

[47] تصاعد الدور التركي في ليبيا: الأسباب والخلفيات وردات الفعل، مرجع سابق.

[48] الدور التركي في ليبيا: من الدعم السياسي إلى العسكري، العربي، 7يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/Ezqtn

[49] د.خالد حنفي علي، الدور التركي في ليبيا من منظور “لعبة المساومة”، مرجع سابق.

[50] تصاعد الدور التركي في ليبيا: الأسباب والخلفيات وردات الفعل، مرجع سابق.

[51] الدور التركي في ليبيا: من الدعم السياسي إلى العسكري، مرجع سابق.

[52] المرجع السابق.

[53] تركيا: يجب على حفتر اختيار الحل السياسي في ليبيا، الجزيرة، 21 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/fDb05

[54] المرجع السابق.

[55] ماذا يريد أردوغان من وراء إرسال قواته إلى ليبيا؟، مرجع سابق.

[56] تصاعد الدور التركي في ليبيا: الأسباب والخلفيات وردات الفعل، مرجع سابق.

[57] فتيحة زماموش، جاويش أوغلو في الجزائر تمهيدًا لزيارة مرتقبة للرئيس التركي طيب أردوغان، جزائر ألترا، 7 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/44caJ

[58] تصاعد الدور التركي في ليبيا: الأسباب والخلفيات وردات الفعل، مرجع سابق.

[59] تقرير يرصد موقف الصحف العربية من الأزمة الليبية والتدخل التركي، الوطن، 31 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/149ze

[60] مصطفى صلاح، أبعاد ومآلات التدخل التركي في ليبيا، مرجع سابق، ص11-12.

[61] بعد الاتفاق التركي الليبي.. هل باتت إسرائيل محاصرة في المتوسط؟، مرجع سابق.

[62] اتفاقية بين تركيا وليبيا يمكن أن تقلب الموازين في شرق المتوسط، مرجع سابق.

[63] بعد الاتفاق التركي الليبي.. هل باتت إسرائيل محاصرة في المتوسط؟، مرجع سابق.

[64] أردوغان: تركيا وليبيا قد تتعاقدان مع شركات للتنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط، المصري اليوم، 5 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/hP4tJ

[65] مصر واليونان وقبرص ترفض “استفزازات تركيا بالمتوسط” وتهديداتها للشمال السوري، اندبندنت العربية، 8 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/w7Hpr

[66] المرجع السابق.

[67] د. أيمن شبانة، التدخل التركي فى ليبيا .. الدوافع والتداعيات، مركز فاروس، 7 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/YvhCB

[68] تدخل تركيا عسكريا في ليبيا ـ حسابات الربح والخسارة، مرجع سابق.

[69] المرجع السابق.

[70] تصاعد الدور التركي في ليبيا: الأسباب والخلفيات وردات الفعل، مرجع سابق.

[71] تدخل تركيا عسكريا في ليبيا ـ حسابات الربح والخسارة، مرجع سابق.

[72] ماذا تريد تركيا في شرق المتوسط؟، مرجع سابق.

[73] إسلام أبو العز، مصر وتركيا في ليبيا.. تأجيل روسي للصدام؟، 180 بوست، 17 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/9Lj8n

[74] المرجع السابق.

[75] تدخل تركيا عسكريا في ليبيا ـ حسابات الربح والخسارة، مرجع سابق.

[76] تصاعد الدور التركي في ليبيا: الأسباب والخلفيات وردات الفعل، مرجع سابق.

[77] بعد الاتفاق التركي الليبي.. هل باتت إسرائيل محاصرة في المتوسط؟، مرجع سابق.

[78] إسلام أبو العز، مصر وتركيا في ليبيا.. تأجيل روسي للصدام؟، مرجع سابق.

[79] قائمة عقوبات أوروبية على تركيا لتنقيبها في المياه القبرصية، اندبندنت العربية، 14 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/sqYGI

[80] تركيا تتحدى العقوبات الأوروبية بمواصلة التنقيب شرق المتوسط، ميدل إيست أونلاين، 28 فبراير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/MGOBI

[81] المرجع السابق.

[82] قائمة عقوبات أوروبية على تركيا لتنقيبها في المياه القبرصية، مرجع سابق.

[83] مصر واليونان وقبرص ترفض “استفزازات تركيا بالمتوسط” وتهديداتها للشمال السوري، اندبندنت العربية، 8 أكتوبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/DpEiO

[84] تركيا: يجب على حفتر اختيار الحل السياسي في ليبيا، الجزيرة، 21 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/5R2VN

[85] حسين عبد الراضي، تركيا في مؤتمر برلين … توجيه أم تعطيل الحل السياسي، المرصد المصري، 18 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/pYeco

[86] مصر واليونان وقبرص ترفض “استفزازات تركيا بالمتوسط”وتهديداتها للشمال السوري، مرجع سابق.

[87] ريم عبد المجيد، اتفاق شرق المتوسط… الدلالات والتداعيات على تركيا، المركز العربي للبحوث والدراسات، 12 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/w2foy

  • أعلنت الدول الثلاث الموقعة للاتفاق أن هذا المشروع يهدف إلى جعلهم حلقة وصل مهمة في سلسلة إمدادات الطاقة إلى أوروبا ولإظهار مقدرتهم على مواجهة أنقرة، كما أشير إلى أن هذا الخط له أهمية جغرافية استراتيجية ويساهم في السلام والتعاون في المنطقة. ومن المقرر أن يكون طول الخط حوالي 1872 كيلومترًا، كما أنه سيسمح بنقل ما بين 9 و11 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا من قبرص وإسرائيل واليونان إلى إيطاليا.

[88] المرجع السابق.

[89] بين أميركا وتركيا جبهة ملتهبة عنوانها “شرق المتوسط”، اندبندنت العربية، 26 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/iXLyM

[90] المرجع السابق.

[91] د. أيمن شبانة، التدخل التركي في ليبيا.. الدوافع والتداعيات، مرجع سابق.

[92] تصاعد الدور التركي في ليبيا: الأسباب والخلفيات وردات الفعل، مرجع سابق.

[93] المرجع السابق.

[94] إيطاليا تسعى لاحتواء الدور التركي في ليبيا، أحوال تركية، 13 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/miw37

[95] الدور التركي في ليبيا.. قراءة للسياقات الداخلية والإقليمية، كيوبوست، 2 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/Mqn0L

[96] تدخل تركيا عسكريا في ليبيا ـ حسابات الربح والخسارة، مرجع سابق.

[97] جوناثان ماركوس، لماذا تخاطر تركيا بتورط أعمق في الصراع في ليبيا؟، مرجع سابق.

[98] د.خالد حنفي علي، الدور التركي في ليبيا من منظور “لعبة المساومة”، مرجع السابق.

[99] تركيا تستهدف 3.5 ترليون متر مكعب من الغاز شرق المتوسط، مرجع سابق.

[100] ماذا تريد تركيا في شرق المتوسط؟، مرجع سابق.

[101] ريم عبد المجيد، اتفاق شرق المتوسط .. الدلالات والتداعيات على تركيا، مرجع سابق.

[102] إيمان زهران، تركيا وعسكرة التفاعلات في شرق المتوسط، مرجع سابق، ص165.

[103] بعد الاتفاق التركي الليبي.. هل باتت إسرائيل محاصرة في المتوسط؟، مرجع سابق.

[104] إسلام أبو العز، مصر وتركيا في ليبيا… تأجيل روسي للصدام؟، مرجع سابق.

 

  • نشر التقرير في فصلية قضايا ونظرات – العدد السابع عشر- أبريل 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى