النظرية السياسية بين الواحدية والتعدد والمنظور الحضاري: قراءة في دليل أكسفورد للنظرية السياسية

مقدمة:
تحرص الجامعات الكبرى (مثل أوكسفورد – كامبريدج…) على إخراج الكتب المعروفة بالدليل “Handbook” في التخصصات العلمية المختلفة، بحيث تمثل مرجعًا أوليًا للطلاب والدراسين المقبلين على تخصص بعينه، وفيها يجد الطلاب أجندة القضايا والموضوعات التي تُدرس في هذا العلم، وأهم وأبرز المشكلات التي تشغل الجماعة العلمية والباحثين المختصين. والدليل الذي بين يدينا هنا هو دليل أوكسفورد للنظرية السياسية[1]، ويتكون من أحد عشر قسمًا، يحوي كل قسم منها أربعة فصول، تغطي جميعها الموضوعات والإشكاليات الأساسية في حقل النظرية السياسية كما يُدرس في الغرب. وتتغيا هذه المقالة الاشتباك النقدي مع هذا الدليل، وبالتحديد القسم الرابع منه، المعنون بـ”النظرية السياسية في العالم”؛ وهو القسم الذي عُنيَ بتقديم النظرية السياسية في العالم غير الغربي؛ وهو الموضوع الذي يهمنا في المقام الأول نظرًا لانتمائنا لهذا الجزء من العالم “غير الغربي”. غير أنه يحسن بنا في البداية استعراض المشكلات الرئيسة لحقل النظرية السياسية – بوصفه أحد فروع العلوم السياسية إلى جانب حقلي العلاقات الدولية والسياسة المقارنة- إذ إن مشكلة هذا الحقل العلمي في العالم هي جزء أو انعكاس لمشكلاته في الغرب بالأساس.
أولًا- الإشكاليات الرئيسة في النظرية السياسية: ماذا وكيف وأين؟
لا جدال بين دارسي العلوم السياسية أن حقل النظرية السياسية هو أكثر حقول العلوم السياسية إشكالًا وأكثرها إثارة للجدل والاختلاف؛ فهو التخصص الوحيد الذي أُعلنت وفاته؛ إذ شاعت مقولة “موت النظرية السياسية” مع طغيان السلوكية محددًا أساسيًّا لجوهر العلم وماهيته. على أي حال، يمكن عزو إشكالية النظرية السياسية المعاصرة إلى أسباب عديدة ومتنوعة، وعلى الإجمال يمكن تحديدها في ثلاثة مشكلات رئيسة: مشكلة “ماذا؟” أى ما الذي يُدرس في إطار حقل النظرية السياسية بوصفها تخصصًا علميًّا، مشكلة “كيف؟”؛ وهى مشكلة المنهج والمنهجية والعلمية التي أثيرت منذ الثورة السلوكية التي ظهرت في بدايات القرن العشرين وحتى الآن، ثم مشكلة “أين؟” التي ترتبط بتموضع هذا الحقل في إطار العلوم السياسية والاجتماعية ككل[2]. وعلى هذا نتناول فيما يلي كل مشكلة من هذه الثلاث بشئ من التفصيل:
أ) مشكلة ماذا: ماذا تدرس النظرية السياسية؟ (أجندة القضايا والموضوعات)
يمكن القول إن النظرية السياسية الغربية في تطورها المعرفي بدأت بالنظرية السياسية التقليدية في العصر اليوناني -التي كانت مرادفًا للفلسفة السياسية آنذاك- واهتمت في المقام الأول بالبحث عن الحياة الفاضلة التي تمكّن الجنس البشري من استيفاء حاجاته. كما اهتمت أيضًا بالحق السياسي وطبيعة الدستور والقانون والعدالة وبالشكل الأمثل للحكومة، وبحقوق الأفراد. وعلى هذا غلب على النظرية السياسية جانب الفلسفة والفكر السياسي التقليدي والاهتمام بتاريخ الفكر وتنظيرات الفلاسفة حول مفاهيم وقضايا معينة (أغلبها معياري وأخلاقي وقيمي). وذلك حتى بدايات القرن العشرين الذي شهدت فيه النظرية السياسية مرحلتها الثانية، وانجرافها الأول ومحاولتها الخروج من التقليد الفلسفي القديم للحاق بركب المفهوم الحديث للمنهج العلمي، ؛ذلك مع الثورة السلوكية والتحول إلى الدراسة الإمبريقية للظاهرة السياسية.
وقد أدى هذا الاتجاه إلى تطوير فروع علم السياسة، التي تتعامل مع الواقع مثل السياسة المقارنة، والتنمية السياسية، والرأي العام، والعلاقات الدولية …. الخ، إلا أن هذا التطور ذاته أدى إلى انهيار بعض الفروع الأخرى خصوصًا النظرية السياسية -التي هي محور علم السياسة وآلية تطويره وتقدمه- نتيجة لانتشار وسيادة مقولات الموضوعية، والحياد العلمي، والفصل بين الحقيقة والقيمة، وبين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، واعتبار أن العلم يتعامل مع الحقائق، أما القيم فليست فقط خارج إطار العلم بل هي أدنى، وكذلك القضايا الفلسفية الكبرى التي شكلت حقل النظرية السياسية تاريخيًا مثل: العدالة والحرية والمساواة والحكم الصالح ..الخ، قد تم إخراجها من دائرة النظرية السياسية وإلحاقها بالفكر السياسي أو الفلسفة. وتحول حقل النظرية السياسية ذاته بدلًا من أن يكون ذلك الفرع من علم السياسة الذي يشرح طبائع القضايا السياسية، ويتفلسف حول جوهرها وغاياتها وطبيعتها النهائية، وينشغل بنقد وتحليل الأيديولوجيات. بدلا من ذلك كله أصبح حقل النظرية السياسية مجرد طريقة لتنفيذ البحث السياسي أكثر منه محتوى لمجال دراسي معين، فقد تم تفريغ الحقل ليصبح مجرد نشاط (تنظير) وليس موضوعًا. ومن ثم، أصبحت النظرية السياسية هي السلوكية ذاتها، وقد أكد كبار رواد المرحلة السلوكية أمثال ديفيد ايستون والموند وترومان، على ضرورة أن تظل النظرية السياسية نشاطًا أكثر منها حقلا معرفيًا.
استعادت النظرية السياسية مكانتها مرة أخرى –في طورها الثالث- على يد الفلسفة التحليلية؛ وهو الطور الذي جاء في فترة ما بعد السلوكية. ثم انتهى الأمر بعد ذلك التطور أن أصبح للحقل مكونان أو وجهان متجاوران لا انفكاك عنهما: مكون معياري قيمي، ومكون امبريقي واقعي. ومن ثم يتحدث الدليل الذي بين أيدينا عن مدونة معتمدة أساسية يشار إليها في كثير من الأحيان بأنها من “أفلاطون إلى الناتو” (From Plato to NATO) (أي إنها مرتبطة بتطور الفكر السياسي الغربي منذ العصر اليوناني وحتى الآن). غير أن هذه المدونة غير مستقرة ويعاد ملؤها باستمرار، خاصة مع ظهور رموز جديدة تشغل الحقل وتُجري فيه الماء من جديد؛ فتجدد موضوعاته واهتماماته. ومن أبرز هذه الرموز حديثًا؛ حنة أرندت وجون رولز وميشيل فوكو وجيل دولوز ويورغن هابرماس. ويضاف إليهم مدارس واتجاهات متنوعة ومتعدد كالنسوية ومابعد الاستعمار والنقدية وما بعد البنيوية..إلخ. ولهذا ينتهي الدليل إلى القول بأن حقل النظرية السياسية كثيرًا ما يبدو أنه مفتقر إلى هوية مركزية، وأن طبيعته من طبيعة عالَم السياسة نفسه؛ أي يغلب عليه الاختلاف والتنوع والتعدد.
وهكذا فإن النظر في أقسام الدليل وفصوله المختلفة، يبين للباحث قائمة طويلة من الموضوعات والقضايا التي تشغل الحقل الآن، يهيمن عليها بالطبع قضايا الغرب ومشكلاته واهتماماته، ويمكن بإيجاز تصنيف هذه القضايا والمشكلات إلى:
1) قضية النظرية السياسية نفسها: تاريخها (ويشمل تاريخ الفكر السياسي والفلسفة السياسية)، وماهيتها ومكوناتها وعلميتها.
2) قضايا ومشكلات المجتمعات الغربية: العدالة، المساواة، الاعتراف، التعددية الثقافية، الحرية، الهوية، الاختلاف والتسامح، الجسد، التقنية، السلطة، النسوية، الديمقراطية، المجتمع المدني. وهى قضايا قديمة متجددة، أثارها فلاسفة محدثون ومعاصرون فأحدثت جدلا فكريًا واحتلت مكانًا في التنظير السياسي المعاصر، والملاحظ أنها تشغل المساحة الكبرى من الدليل، ويمكن القول إنها تشغل المساحة الكبرى من اهتمام المختصين في الحقل كذلك. كما أن تلك القضايا استوردت في كثير من دول العالم غير الغربي ومثلت أجندة وقضايا البحث والدراسة، بغض النظر عن مدى ارتباطها بالواقع في تلك البلدان.
3) قضايا ومشكلات تخص علاقة الغرب بالعالم: عالمية النظرية السياسية، العدالة العالمية، حقوق الإنسان، العلمانية السياسية.
4) قضايا ومشكلات الموضع والموقع أو علاقة النظرية السياسية بالعلوم والتخصصات الأخرى: النظرية السياسية والدراسات الثقافية، النظرية والبيئة، النظرية والاقتصاد، النظرية السياسية والنظرية الاجتماعية.
ب) مشكلة كيف: العلم والمنهج أو كيف نُنَظِر:
ظهرت مشكلة “علمية” علم السياسة بكليته في عشرينات القرن العشرين، مع تصدر تشارلز ميريام “رئيس الجمعية الأمريكية للعلوم السياسية آنذاك” للدعوة إلى الدراسة العلمية للظاهرة السياسية؛ أي –وفق رؤيته- باستخدام الأدوات الإحصائية لتطوير عمليات الملاحظة الإمبريقية والقياس، والعناية بفكرة “اتجاه” الحركة والسلوك السياسي. وقد أثار هذا التوجه الجديد جدلًا واسعًا في أوساط الباحثين ودارسي العلوم السياسية، وتمخض بعد فترة عن انقسام حاد بين فريقين؛ تبنى كل منهما توجهًا منهاجيًّا للنظرية السياسية: اتجاه النظرية القيمية واتجاه النظرية الإمبريقية. وباختصار وإيجاز، قامت دعاوى كل من الطرفين على ما يلي: قال الإمبريقيون[3]:
1) يمكن أن يصبح علم السياسة علمًا قادرًا على التنبؤ والتفسير، إلا أن طبيعته أقرب إلى علم الأحياء biology منها إلى علوم كالفيزياء أو الكمياء.
٢) يجب أن يهتم علم السياسة أولا -إن لم يكن كلية- بـالظواهر التى يمكن ملاحظتها -قولًا كانت أو عملًا- فيركز على سلوك الافراد و/أو الجماعات السياسية، وأن يتجاوز الاقتراب المؤسسى.
3) يجب أن يُعبر عن البيانات كميًا، وأن تُبنى النتائج وتُستخلص من بيانات كمية، وذلك لاكتشاف العلاقات والانتظامات ووضع تقارير دقيقة عنها، ومن المستحسن التعبير عن العلاقات بفروض رياضية، وتوظيف المعادلات الرياضية في اختبار الفروض.
4) يجب على علم السياسة أن يعتمد على البحث التطبيقي، الهادف إلى توفير حلول لمشكلات اجتماعية مباشرة ومحددة.
5) الابتعاد عن القيم مثل الحرية والعدالة والمساواة وغيرها؛ إذ لا يمكن تأسيسها على علم، ولا تأسيس علم عليها، وهي بذلك تخرج من مجال البحث العلمي المقبول. وعلى علماء السياسة أن يهجروا الموضوعات التي لا يمكن دراستها سلوكيًا وإمبريقيًا، ومن ثم لا ينبغي النظر إلى المسائل الأخلاقية أو المعنوية.
وفي المقابل رأى القيميون عكس هذه المقولات، فقالوا:
1) السياسة، ليست علما بالمعنى السلوكي ولن تكون، فالظواهر التي يدرسها علم السياسة لا تسمح بالدقة الإمبريقية؛ نظرًا لانغماس السلوك في العواطف؛ وهو أمر غير قابل للبحث التجريبى، ويصعب وضع “قوانين عامة وكلية” لمخلوق يغير ويعدل من تصرفاته.
2) السلوك السياسي العلني يخبرنا بجزء فقط من الحقيقة؛ ذلك أن أفرادًا مختلفين قد يقومون بنفس السلوك أو التصرف لأسباب مختلفة.
3) على الرغم من المزايا التنظيرية للمعالجة الكمية والرياضية؛ فإنها ما زالت هدفًا بعيد المنال في العلوم السياسية.
4) تتضمن الموضوعات السياسية المهمة جوانب أخلاقية ومعنوية، وكان علم السياسة تاريخيًا يهتم بتلك الجوانب بوصفها موضوعات أساسية، فإذا أدار ظهره لها فقَدَ مبرر استمراره في الوجود.
عُرف هذا الجدال في الأوساط العلمية بالجدل التقليدي- السلوكي؛ وهو جدل منهجي بالأساس؛ يدور حول المنهجية التي تحقق للسياسة علميتها. وقد تفتق هذا الجدل عن انقسامات وتيارات داخل التخصص ككل؛ فطور الإمبريقيون نظريات ونماذج تفسيرية وأطرًا تحليلية عديدة ركزت على المنهج والشكل أكثر من المحتوى، محاولين تحقيق الهدف الذي وضعه ديفيد إيستون (علم سياسة قائم على أساس الفروض المنهجية للعلوم الطبيعية)، بل إنهم طوروا حقولًا معرفية جديدة كفرع السياسات العامة. وطور القيميون دراسات اهتمت بالمفاهيم السياسية والفلسفة الأخلاقية ما جعلها تنحسر وتخبو في خضم الهوس بما هو علمي بالمعنى السلوكي في ذلك الوقت. ثم ما لبث هذا الجدال أن انحسر لصالح جدالات جديدة صعدت مع تيارات ما بعد السلوكية وما بعد الوضعية. وجدير بالذكر أن هذا الجدل المنهجي -والذي لازال مستمرًا ومتواصلًا حتى الآن- قد امتد إلى كافة حقول وفروع العلوم السياسية، ولم يقتصر على النظرية السياسية وحدها.
كانت العلامة الفارقة في تطور النظرية السياسية القيمية حين استنقذتها الفلسفة التحليلية على يد جون رولز ونظريته في العدالة عام 1971. والملاحظ في كتابات النظرية السياسية عامة، والمشاركين في هذا الدليل تحديدًا، أن هناك نوعًا من الإجماع على محورية ومفصلية إسهام رولز في إحياء النظرية السياسية القيمية مرة أخرى بثوب جديد. فعادت مكانة القيم في النظرية السياسية الغربية المعاصرة بشكلها الذي أُطلق عليه الإلزامي أو الإجرائي deontological بدلا من النظرية السياسية الغائية (الكلاسيكية) teleological، وأضحت وحدة التحليل الرئيسة هنا هي الخطاب، وليس الفرد أو السلوك. وقد أحيا هذا التحول بدوره مجموعة من القضايا والموضوعات التي شغلت حقل النظرية السياسية؛ فظهر ما عُرف بالجدال الليبرالي- الجماعاتي The liberal-communitarian debate، وظهرت معه جدالات الهوية والتعددية الثقافية والمساواة والعدالة والاختلاف والاعتراف..إلخ. والملاحظ أيضًا أن هذا التحول الجديد قد استصحب معه مناهج وأدوات بحثية جديدة ركزت على اللغة والمفاهيم وتحليل الخطاب.
ج) مشكلة أين: موقع النظرية السياسية في العلوم السياسية:
يرى الدليل الذي بين أيدينا أن النظرية السياسية مسعى متعدد التخصصات، يقع مركز ثقله في الجانب المتعلق بالإنسانيات من العلوم السياسية، التي ما زالت تتصف بعدم انضباطيتها. فتقاليد هذا الحقل ومقارباته وأساليبه متفاوتة، لكن يوحِّده الانكباب على التنظير والنقد والتشخيص المتعلق بمعايير العمل السياسي وممارساته وتنظيمه في الحاضر والماضي. وهكذا يمكن تحديد موقع النظرية السياسية -بعيدًا عن الجدل بشأن الكميّ والنوعيّ- في موقع ما بين مسلمات الفلسفة المعيارية وعالم السياسة التجريبي. وفي موضع آخر يرى مؤلفو الدليل أن النظرية السياسية فرع معرفي هجين لا تهيمن عليه منهجية أو مقاربة محددة، ولا أجندة قضايا وموضوعات معينة متفق عليها. فليس من السهل داخل حقل النظرية السياسية أن تجد التقسيم الشائع في العلاقات الدولية ما بين الواقعية والليبرالية والبنائية باعتبارها المدارس الكبرى المهيمنة على الحقل في الغرب.
من الصعب إذًا تحديد موقعٍ معين، أو تعيين حدود واضحة للنظرية السياسية، لشدة ما بينها وبين حقول العلم الأخرى من تداخل وتشابك وتأثير وتأثر. فكل حقل من حقول العلوم السياسية به نظريات، وكل حقل له مساحة تنظير؛ ففي العلاقات الدولية تجد مجال “نظرية العلاقات الدولية” ونظرياته الفرعية، وكذلك نظريات الدولة والمجتمع والنظام السياسي في حقل السياسة المقارنة، أو النظريات والنماذج التفسيرية والتحليلية من قبيل نظرية الاختيار العقلاني، ونظرية صنع القرار، ونظرية المباريات…إلخ. وهكذا تجد أن النظرية موجودة في كافة التخصصات الفرعية لعلم السياسة، بل في كافة فروع العلوم الاجتماعية والانسانية بتنوعها. وعلى هذا، اقترح الدليل في النهاية مفهوم المساكنة (Cohabitation) للتعبير عن علاقة النظرية السياسية بالعلوم السياسية؛ وهو مفهوم يحمل معاني عدة؛ منها: التضامن، والتسامح، والتحمل، والخصومة، والشعور بوجود مشروع مشترك.
إن الفصل والتمييز بين المشكلات الثلاث (ماذا وكيف وأين؟) ليس إلا لغرض الدراسة والبحث والفهم، وإلا فهذه المشكلات الثلاث شديدة التداخل والتآثر فيما بينها؛ وهو ما تسهُل ملاحظته من العرض السابق، فالمشكلات تولد بعضها بعضًا، وتتآثر فيما بينها، فمشكلة المنهج والعلمية ولدت موضوعات جديدة أضيفت لمشكلة القضايا والمحتوى، بل إن المشكلات الثلاث نفسها هى قضايا تشغل الباحثين والمختصين في النظرية السياسية.
وإلى جانب هذه الإشكاليات وما أفرزته من مشكلات، تواجه النظرية السياسية الغربية مشكلات أخرى ليس آخرها العلاقة مع الآخر غير الغربي، أو علاقة الغرب بالعالم. فالنظرية السياسية الغربية “الليبرالية” كثيرًا ما وُصفت بأنها إقصائية واستعلائية لا تستوعب الآخر ولا تنظر إليه نظرة الندية. وإن كان هذا الدليل قد حاول تجاوز هذه المشكلة ووضع قسمًا خاصًا سماه “النظرية السياسية في العالم”؛ تعرَّض فيه للتنظير والتفكير السياسي في الإسلام والكونفوشية، إلا أن استقراء هذا القسم قد كشف عن مشكلة أخرى؛ هى محل الجزء الثاني من هذا المقال.
لكن هذا لا يدفعنا لنفي أن هناك أصواتًا ظاهرة داخل الحقل في الغرب تنادي بالنظر فيما عند الآخر والاستفادة منه. فعلى سبيل المثال، يقول ويليام كونولي أستاذ كرسي كريجر-آيزنهاور في العلوم السياسية في جامعة جونز هوبكنز في مداخلته في الدليل:
“وبعد عشرة أعوام من الآن، ربما يخجل الكثيرون منا بسبب تقاعسنا عن الانخراط في النظريات الصينية والهندية والعربية واليابانية على نحو وثيق. ويدفعنا بعض المنظِّرين الآن إلى توسيع نظرنا الجيوسياسي في النظرية السياسية استجابة للتغيرات في ظروف السياسة العالمية”[4].
ثانيًا- النظرية السياسية في العالم: الغرب والبقية
يمكن أن تضاف مشكلة “الآخر” غير الغربي إلى المشكلات الثلاث الرئيسة التي تناولناها آنفًا، ليصبح أمامنا مشكلات أربع أساسية هي أهم وأبرز مشكلات النظرية السياسية المعاصرة. فالنظرية السياسية المعاصرة (ليبرالية الجوهر والشكل) لم تنشأ نشأة عالمية، وإنما نشأت في الغرب وانشغلت بمشكلاته وقضاياه كما بيَّنا سالفًا. وعلى هذا أثيرت قضية العالم أو الآخر أو ما يسمى بأصوات الجنوب في كثير من الدراسات، بوصفها مشكلة تبحث في ضرورة اتساع نطاق النظرية السياسية لتشمل أشكال التنظير غير الغربي، وتتخلص من الواحدية الغربية نحو تعددية عالمية حقيقية. وفي هذا الإطار، يتعرض الدليل الذي بين أيدينا في القسم الرابع إلى ما أسماه “النظرية السياسية في العالم”.
يشمل القسم الرابع أربعة فصول يتناول فصلان منها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بينما يتناول الفصلان الآخران الكونفوشية والإسلام. وبهذا انقسم العالم “نظريًا” في الدليل إلى أربعة أقسام: (الولايات المتحدة- الاتحاد الأوروبي- الصين وشرق آسيا- الدول الإسلامية). إلا أن نظرة كلية على الدليل تخبرنا أن هذا “العالم غير الغربي” قد احتل نصف قسم (القسم الرابع) من بين أحد عشر قسمًا شملت كافة موضوعات وقضايا ومشكلات النظرية السياسية الغربية، بواقع أقل من خمسة بالمئة من أقسام الدليل. وهذا أمر لا شك لافت؛ إذ حتى القسم الذي اختص بالعالم، قسم العالم بين حضارة الغرب وحضارتين أخريين (الكونفوشية والإسلام)، بما ينبئ عن مساحة الآخر/العالم غير الغربي في إطار النظرية السياسية المعاصرة “الغربية”.
وعليه، نتناول في هذا الجزء من المقال القسم الرابع بشئ من الاستعراض والنقاش، في نقطتين أساسيتين تتناول الأولى الفصلين الخاصين بالغرب، وتتعرض الثانية للكونفوشية والإسلام.
أ) الاستثنائية الأمريكية وتحدي الاتحاد الأوروبي:
جاء الفصل العاشر في الدليل بعنوان “تحدي الاتحاد الأوروبي” ويناقش فيه ريتشارد بيلامي مشكلات التنظير السياسي للاتحاد الأوروبي بوصفه كيانًا سياسيًّا فوق قومي، وما يدور حول هذا التركيب من مشكلات؛ كالمجتمع الأوروبي في ظل كيان غير تقليدي كهذا الاتحاد، وكذلك مشكلة التكامل الأوروبي وآلية الحكم والمواطنة والديمقراطية. والسبب الرئيس لهذه المشكلة أن الاتحاد الأوروبي قد تجاوز الشكل التقليدي للكيان السياسي الذي قامت عليه وفيه العلوم السياسية؛ ألا وهو الدولة القومية القطرية ذات الأركان المعروفة (شعب وحكومة وإقليم). وعلى هذا الأساس يخلص الفصل إلى أن الاتحاد الأوروبي قد فرض على المنظرين السياسيين التعامل مع وضع جديد غير مألوف، يتطلب إعادة التفكير والنظر خارج الإطار التقليدي لكيان الدولة- الأمة الذي يعرفه العالم الحديث.
أما الفصل الخامس عشر فكتبه رونالد شميت الابن، وجاء بعنوان “في البدء كان العالم كله أمريكيًا: الاستثناية الأميريكية في سياقات جديدة”، ويبحث الفصل عن إجابة لسؤال الاستثائية الأمريكية، أو لماذا أصبحت أمريكا “أمريكا”! وهو في ذلك يسرد التفسيرات التي طرحها العقل الأمريكي عبر مفكرين مختلفين؛ منهم من ربط الإجابة باللاهوت والاختيار الإلهي فوصفها بـ”إسرائيل الأولى”، فالطبيعة الاستثائية لأمريكا تُعرف بحروبها المقدسة؛ وبالعرق الأمريكي المميز الذي يحدد الحواجز بين الأمة المختارة وأعداؤها. بينما عزاها آخرون إلى استثنائية الشخصية الأمريكية وتاريخها الفريد الذي يميزها عن أوروبا؛ فهى أمة ليبرالية فريدة، ليس لديها الماضي الإقطاعي أو الخيال الماركسي اللذان كان يمكن أن يُشكلا البديل الثوري للخطاب السياسي لأميركا. وعلى هذا، فإن عبارة “الاستثنائية الأمريكية” أصبحت متداولة على نطاق واسع في العلوم الاجتماعية لتمايز التاريخ السياسي للولايات المتخدة عن أي أمة أخرى.
ب) النظرية السياسية الكونفوشية والقيم الآسيوية:
جاء الفصل الرابع عشر في الدليل بعنوان “شرق آسيا والغرب: تأثير الكونفوشية في النظرية السياسية الأنجلو-أمريكية”؛ حيث رأى فيه الكاتب (دانييل بيل، أستاذ الفلسفة في جامعة تسينغوا في بكين) أن عدم الاكتراث بالفكر السياسي الشرق الآسيوي –وبالفكر السياسي غير الغربي بشكل عام- هو النقطة العمياء في النظرية السياسية الغربية المعاصرة، وخصوصًا الأنجلو-أمريكية. وأن الكتب الجامعية المنشورة حديثًا في النظرية السياسية لا تولي النظريات السياسية الكونفوشية، والإسلامية، والهندوسية أي اهتمام بتاتًا. إلا أنه -ومن ناحية أخرى- ينوِّه الكاتب إلى أن أصواتًا متزايدة تنادي منذ أكثر من عقد بضرورة التشبيك مع التقاليد الفكرية السياسية غير الغربية، وذلك من خلال ما عرف بالنظرية السياسية عبر الثقافية أو المقارنة، في العالم الأكاديمي الأنجلو- أمريكي.
ثم يتطرق الفصل إلى مسألة القيم الآسيوية والخصوصيات الثقافية وتأثيرها على التظير السياسي، ويوضح التقاطعات التي يلتقي فيها الطرح الاسيوي في النظرية السياسية مع بعض التنظيرات الليبرالية التي يمثلها الاتجاه الجماعاتي الذي يعطي أولوية للمجتمع والخصوصية الثقافية. ويحدد الفصل ثلاث محاجات شرق آسيوية -يراها مقنعة- بشأن الخصوصية الثقافية تقابل المحاجات التقليدية المتعلقة بالليبرالية الغربية: المحاجاة الأولى: إمكانية أن تؤثر العوامل الثقافية في تحديد أولويات الحقوق. والثانية: إمكانية أن تؤثر العوامل الثقافية في تبرير الحقوق. والثالثة: أن توفر العوامل الثقافية أسسًا أخلاقية لممارسات ومؤسسات سياسية متميزة. ويختتم الكاتب الفصل بالتأكيد على ضرورة “النظرية السياسية المقارنة” التي تتيح إمكانية تنظير سياسي عبر ثقافي للتقدم نحو عالمية أكثر أصالة مبنية على أساس فهم مختلف التقاليد الأخلاقية والسياسية والتعاطي بينها، مقارنة بعالمية زائفة ادّعتها المدونة الفكرية الغربية المعتمدة، متجاهلة فيها مساهمات المفكرين غير الغربيين.
ج) النظرية السياسية الإسلامية
أما الفصل السادس عشر فجاء بعنوان “تفسيرات متغيرة للنظرية السياسية الإسلامية الحديثة والمعاصرة”، وتبدأ الكاتبة (روكسان يوبين، أستاذة علوم سياسية في جامعة ويزلي) الفصل، بالإقرار بأن النظرية -بما هي مجال تخصص ومشروع- أُنتجت في الغرب وتطابقت معه. ثم تؤكد على ضرورة تجاوز احتكار الغرب لهذا الحقل من أجل تحقيق شروط العيش معًا؛ حيث لا يكون العلم حكرًا على ثقافة بعينها. ثم تتطرق الكاتبة إلى التنظير السياسي الإسلامي الحديث، الذي بدأ وفقًا لها عند اصطدام العالم الإسلامي بأوروبا، ما دفع المنظرين السياسيين المسلمين للانخراط في عدة نقاشات (Debates) حول طبيعة السلطة السياسية، والعلاقة بين العقل والوحى، وكذلك مواجهة الحداثة الأوروبية وادعاءاتها. ذلك أن الحداثة الأوروبية قد فرضت مجموعة من الأسئلة على العقل المسلم استدعت ضرورة الاشتباك معها ومحاولة حلها، وذلك من قبيل: إلى أي مدى يمكن أن يعد الإسلام حداثيًا؟ وما هو التعريف المناسب للحداثة ومن الذي يحدده؟ وعلى هذا ظهرت تعددية وتنوع في الإجابات الإسلامية بما يضاهي التعددية الموجودة في الغرب بخصوص مشكلاته وقضاياه.
وهكذا أخذ الفصل في عرض إسهامات بعض المفكرين السياسين البارزين وفق تقسيم معين، فتحت عنوان “الحداثة الإسلامية” أشارت الكاتبة إلى محمد عبده والأفغاني، اللذين اعتقدا أن العلم الجديد والطرائق العقلانية الحديثة جيدة وضرورية لتقوية المجتمع الإسلامي وبقائه في وجه الصعود الأوروبي. وتمثل التحدي الرئيس أمامهما في محاولة فك الارتباط بين العلم والقوة الغربية، والاستناد إلى التاريخ الإسلامي لبيان أن العلم ليس محصورًا على أمة دون أخرى. وفي مقابل هذا التيار (الإصلاحي/ التحديثي) تضع الكاتبة التيار الأصولي الذي يمثله – وفقًا لها- سيد قطب والخوميني، اللذان يريان أن الحداثة كما تُعرفها الثقافة والقوة الغربية وتعممها على العالم، هي نوع من المرض العالمي، مرض يعمل على تآكل الجوهر الحقيقي للإسلام وقدرة المسلمين على إدراك حالتهم المرضية. والحل هو استعادة الإسلام الأصيل كما تجلى في المجتمع المسلم الأصلي من خلال بناء نظام اجتماعي إسلامي على الأرض، بتسييد الشريعة ونبذ الجاهلية. وبين هذين التيارين أو القطبين تتموضع أطروحات عديدة ومفكرون كثر يتبنون أطروحات تتراوح بين الحداثة والأصالة. والملاحظ أن الكاتبة لم تلتفت إلى التنظير السياسي الإسلامي، وإنما تناولت نماذج متباينة من الفكر السياسي الإسلامي.
خلاصة:
والحاصل أن المطلب الرئيس الذي يتجلى لنا من خلال هذا الاستعراض، هو ضرورة اتساع حقل النظرية السياسية ليغدو حقلًا عالميًا بحق يتجاوز الواحدية الغربية “الليبرالية” نحو تعددية تشمل كافة الأمم والثقافات، وكذلك التخلص من حالة الاحتكار التي تفرضها النظرية السياسية الليبرالية، نحو حالة من التنوع والتحاور الإيجابي القائم على الندية والاحترام المتبادل.
وفي هذا السياق، فإن الواجب على الباحث العربي أن يولِّي وجهه شطر تنظير تجديدي في العلوم السياسية، يؤسس لنموذج معرفي “باراديم” حضاري إسلامي يلتفت إلى مشكلات الواقع العربي وتفاعلاته ولا يعني ذلك أن يولي ظهره للغرب، وإن كان لا يركع أمامه.
وفي هذا السياق نشير في عجالة إلى إسهام لم يلق الاهتمام اللائق بعد في الأكاديميا العربية، بل وربما تتم مواجهته بشئ من العنف الإبستيمي؛ ما يعني التنكر له ورفض الاعتراف بما يقدمه من إسهام علمي، بالرغم من كونه إسهامًا جادًّا أصيلاً يحتاج إلى التفاعل والنقد والمراكمة.
ثالثًا- النظرية السياسية من منظور حضاري إسلامي: إطلالة موجزة*
المنظور الحضاري الإسلامي هو المسمى الذي أطلقته جماعة من الأساتذة المصريين المختصين بالعلوم السياسية على نموذج معرفي “باراديم” ناشئ في العلوم الاجتماعية، يسعى إلى المساهمة في إعادة بناء تلك العلوم في سياق حضاري وثقافي إسلامي يختلف عن السياق الغربي الذي نشأت فيه العلوم الاجتماعية الحديثة. وهو في ذلك يتأسس على رؤية كلية وأنطولوجية مختلفة عن الرؤية الغربية، يتبعها رؤية ابستمولوجية ونظام معرفي يختلف كذلك عن نظرية المعرفة الغربية، وأخيرًا يسعى لبناء منهجية إسلامية أصيلة تستند على الرؤيتين السابقين، وتتعامل مع الظواهرالإنسانية والاجتماعية المحلية والعالمية، وكذلك تمتلك منظورًا خاصًّا للتعامل مع التراث الإسلامي والتراث الإنساني العالمي (الغربي وغير الغربي)، وتؤسس لمجموعة من المفاهيم والاقترابات والمداخل (كالاقتراب المقاصدي والسنني والقيمي) يمكن توظيفها في البحث والنظر والتفكير.
إن التركيز الرئيس على المنظور “Paradigm” في طرح هذه المدرسة، راجع -وفق منى أبو الفضل- إلى أن الباردايم من شأنه تحديد ما الذي يقع في نطاق كل علم وما الذي لا يقع. حيث يشير المنظور إلى مجموعة من الأسئلة الكلية النهائية التني تنتظم في منظومة من عدة عناصر: الأنطولوجي (ماهية الوجود)، الإبستمولوجي أصول المعرفة والمعرفة الصحيحة وغير الصحيحة)، الإكسيولوجي (معايير القيم التي على أساسها تؤسس الأحكام على الصلاح والفساد)، الإسكاتولوجي (قضية الزمان، والحياة وما وراءها، والغيب والشهادة). ولذا، تشبه منى أبو الفضل عدم القدرة على تعريف المنظور في حقل ما بالذهاب في رحلة دون مرشد، فبدون هذه الخريطة التي يُحددها المنظور للعلم تضيع الكثير من الخبرات والجهود. ومن ثم فإن المنظور الحضاري عند منى أبو الفضل يشكل إطارًا معرفيًا تتولد ضمنه المناهج، ويمكن داخله توظيف مناهج قائمة واستنباط أخرى جديدة دون القيام بعملية تكييف ترقيعية من الخارج[5].
ومن ناحية أخرى، تسعى هذه المدرسة إلى إعادة الوصل بين العلوم السياسية بفروعها الثلاثة -وخاصة النظرية السياسية- وبين التراث السياسي الإسلامي؛ ذلك أن دخول علم السياسة في العالم العربي قد تأسس على قطيعة معرفية مع تراث الكتابات السياسية التي كانت تندرج تحت إطار “السياسة الشرعية”. فمنذ أن ترجم سليم عبد الأحد كتاب “مبادئ علم السياسة” لستيفن بتلر عام 1915، انتقلت أجندة موضوعات علم السياسة الغربي وقضاياه ومناهجه إلى العالم العربي. وحدثت القطيعة المعرفية مع موضوع السياسة التقليدي، والذي سُكِّن في ذلك الوقت ضمن موضوعات السياسة الشرعية. بدا هذا الانتقال أقرب ما يكون إلى تحول النماذج الذي قدمه توماس كون في كتابه بنية الثورات العلمية، وبهذا نشأ علم السياسة الحديث في العالم العربي موصولاً بتكويناته الغربية مفصولاً عن محاضنه في بيئته. وقد وضع هذا الكتاب أسس تدريس العلوم السياسية في الوطن العربي، وتشكلت كتب العلوم السياسية (مقدمات- مبادئ- مداخل) على منوال هذا الكتاب، ويأتي في مقدمتها الكتاب الأم الذي وضع لتدريس العلوم السياسية في الوطن العربي “المدخل في علم السياسة” الذي وضعه الدكتور بطرس غالي والدكتور خيري عيسى، والذي طبع طبعة جديدة عام 2024، ولا يعدو هذا الكتاب الأخير سوى نسخة من كتاب ستيفن بتلر[6].
ولقد تعاطى المنظور الحضاري الإسلامي مع المشكلات الثلاث سالفة الذكر التي تواجه النظرية السياسية، لكن من منطلقات مختلفة وعلى أسس نظرية مغايرة. وفيما يلي نتعرض لتعامله مع تلك المشكلات بشيء من الإيجاز ونترك التفصيل لموضع آخر:
أ) مشكلة ماذا: أجندة القضايا والموضوعات
تأثرت أجندة القضايا والموضوعات التي ركز عليه المنظور الحضاري بطبيعة السياق الذي نشأت فيه الجماعة العلمية التي أسست ودعت له. تنبثق أصول هذه المدرسة عن عطاء الدكتور حامد ربيع (١٩٢٥ – ١٩٨٩)، الذي عمل على تأصيل وتحديث الفكر السياسي الإسلامي، بطرح مداخل حضارية وقيمية لقضايا الأمة الإسلامية. وعلى هذا تولدت المدرسة حين أقدم حامد ربيع في مطالع السبعينيات على تدريس مقررات في الفكر السياسي الإسلامي والنظرية السياسية في الإسلام، فضلاً عن فتح جبهة الإشراف على رسائل ماجستير ودكتوراه في موضوعات نظرية سياسية ذات أبعاد إسلامية. ثم أتت د.منى أبو الفضل (1945-2008) لتضع الأسس المنهاجية لهذه المدرسة، وقالت بأن عدم تحديد منظور (باراديم) في حقل دراسي يشبه بداية رحلة بدون دليل أو خريطة؛ لأن المنظور هو الذي يحدد ما الذي يقع في نطاق الحقل أو خارجه، والقضايا الأكثر إلحاحًا وحاجة للتحليل، كما أنه هو الذي يحدد وحدة التحليل والعلاقة بين القيم والواقع[7].
تبرز المراجعة الأولية للأدبيات التي أنتجتها هذه المدرسة من رسائل علمية وكتب ومؤتمرات وأعمال جماعية، أن خريطة القضايا التي انشغل بها رواده هي[8]:
1) قضايا المنهج والمنهجية والنظام المعرفي وإعادة تعريف العلم وما يرتبط به من منظومة مفاهيم، وكذلك مسألة التراث السياسي الإسلامي ومنهجية التعامل معه.
2) المفاهيم؛ وذلك من حيث تناول مفاهيم سياسية معينة ودراستها من منظور إسلامي مقارن بالغربي ( المصلحة العامة – الشرعية – الأمن- الخلافة- أهل الحل والعقد- الدولة- التنمية)، أو العمل على إعادة بناء المفاهيم باعتبارها اللبنة التي تأسس عليها النظرية والمنهجية والعلم.
4) قضية التحرر من الهيمنة الغربية على العلم، وفي هذا الإطار تشترك المدرسة مع عديد المدارس النقدية الموجودة في العالم والتي يندرج أغلبها في إطار ما بعد الوضعية، وإن كانت المدرسة تتأسس على رؤية غير وضعية كما سبق إيضاحه.
5) قضايا مجتمعية وواقعية: الاستبداد- الفساد- حقوق الإنسان- المجتمع الأهلي- الأوقاف- التغريب والهيمنة الغربية- المقاومة- الحكم الصالح الرشيد- قضايا المرأة- السلطة السياسية.
ب) مشكلة كيف: المنهج والمنهجية من منظور حضاري إسلامي
يرتكز كل منهج على مجموعة من المقولات التي تمثل هيكله وأبعاده الحقيقية، والتي تحدد طرق استخدامه، ومسالك وصوله إلى الحقيقة، ومداخله المعرفية، وكيفية تحصيله للمعلومات وتنظيمها، والخروج بالنتائج والخلاصات. وهذه المقولات أو الأسس التي يرتكز عليها المنهج، وتمثل هيكله وبنيته الأساسية، تنبع من الأطر المرجعية التي ينبثق عنها المنهج. تقوم هذه المنهجية على أسس ومقولات أربع هى[9]:
1) تكامل مصادر التنظير والجمع بين الثابت منها والمتغير: في حين تقوم المناهج الغربية على أسس وضعية تنطلق من الواقع فقط؛ لتدرس الواقع وتتحكم فيه؛ مما يؤدي إلى تحكم المتغير في المتغير، وافتقاد عنصر الثبات والديمومة غير الخاضع لتحولات الواقع البشري المتغير بطبيعته، نجد المنظور الحضاري الإسلامي يقوم على تحقيق التكامل في مصادر التنظير بالربط بين الوحي والواقع؛ مما يؤدي إلى تحقيق التوازن بين الثابت والمتغير في الحياة البشرية.
وتتأسس هذه النظرة على طبيعة العلم في الإسلام؛ الذي يعني في جوهره الخبر اليقين؛ سواء جاء عن طريق الوحي، أو عن طريق اجتهاد العقل البشري في سياق نظره في الكون وتفكره فيه. فتعريف العلم في الإسلام يعطي الوحي البعد الأكبر في النموذج المعرفي، بوصفه محورًا للفكر البشري لا ينفي العقل أو الواقع، وإنما يحدد منهجية حركته وزوايا رؤيته، ومن ثم فإن مداخل العلم أو مسالك الوصول إلى الحقيقة في المنظور الحضاري الإسلامي تجمع بين مصادر ثلاث: الوحي- العقل- الحس (الواقع). وتتأسس هذه النظرة على الإيمان بوحدانية الله وألوهيته وقصور العقل الإنساني عن الإحاطة بكل قوانين الكونه وسننه وحقائقه. بل إن هذه الإحاطة يختص بها الله سبحانه، فالتوحيد المطلق يستلزم وحدة الحقيقة وعدم تعددها أو تعارضها.
2) النظرة الشاملة للظاهرة السياسية: تأسيسًا على قاعدة وحدة الحقيقة فإن المنظور الحضاري الإسلامي ينظر إلى الظاهرة البشرية كوحدة معقدة متعددة الأبعاد، لا تقبل التفتيت أو التجزئة، حتى على المستوى التحليلي، حيث يكون النظر إليها في شمولها والتوجه إلى جميع مظانّ الحقيقة المتعلقة بها؛ سواء ما تعلق منها بعالم الشهادة أو ما تعلق بعالم الغيب، بحيث يتناول الموضوع باستقصاء طبيعته وملابساته جميعًا. وحيث إن الظاهرة السياسية هي قمة الظاهرة الاجتماعية وإطارها، فإن التجزئة والتفتيت أكثر خطورة على سياق البحث العلمي ونتائجه، مما يجعل من شمول التناول ضرورة أكثر إلحاحًا واتساقًا مع طبيعة الظاهرة موضع الدراسة، حيث يشمل مفهوم السياسة في تعريفه الإسلامي الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية .. الخ؛ لأن السياسة هي القيام على الأمر بما يصلحه، أو هي إصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والآخرة. أما التحديد الغربي لمفهوم السياسة؛ فنجد أنه يحصره في ظاهرة القوة أو السلطة أو الدولة، أو التخصيص السلطوي للقيم، على الرغم من أن جميع هذه التعريفات لا تعدو أن تكون أحد أبعاد أو جوانب الظاهرة السياسية، وليست جوهرها أو فحواها.
3) البيئة الزمنية للظاهرة السياسية: ينطلق المنظور الحضاري الإسلامي من افتراض أن التاريخ وسُننه وتجاربه وخبراته مستبطنة في “ذاكرة الأمة”؛ فالأحداث التاريخية السابقة لا تنتهي بمجرد زوالها الوجودي، وإنما تظل حية في خبرة الأمة وذاكرتها. ومن هنا، فإن دراسة الظاهرة السياسية لا تقف فقط عند مجرد ظهورها الفعلي في الواقع الاجتماعي، وإنما تتبع امتدادها التاريخي وجذورها. وعليه، فإن حلقات الزمن الثلاث؛ الماضي والحاضر والمستقبل، تكون في حياة الأمة كُلًا لا يتجزأ. فالحاضر مفعم بالماضي مثقل بالمستقبل. وعلى هذا، يرفض المنظور التقسيم الأوروبي للتاريخ والزمن وما ينبني عليه من تقسيم للحضارات والشعوب والأمم من حيث التقدم والتأخر.
النظرة الإسلامية للزمن والتاريخ إذن تنطلق من التوحيد بوصفه حقيقة مطلقة، لا تتطابق مع حالة تاريخية دون غيرها. فالتاريخ ليس مقسمًا إلى حقب وفق منظومة تطورية تجعل من مقولة تاريخية جزئية نقطة القياس. بل أعطي الإنسان عبر التاريخ شرعيته الكاملة، دون تمييز مسبق وفق التسلسل الزمني، واعتبرت مفاهيم التوحيد والعدل والتقوى والاستخلاف والاستعمار والإيمان بالآخرة والعبادة مقاييس التقدم والتأخر. فنقطة القياس تبقى فيما حققه الناس في مسيرتهم التكاملية نحو الخالق بما اشترطه من شروط التوحيد والتنزيه والتقوى والعدل؛ حيث يطرح الإسلام نظمه وتشريعاته على أساس أنها الصورة النظرية الصالحة لجميع العصور، يأخذ كل عصر منها وفق معطياته وظروفه، ويطبقها ملتزمًا منهجها ومستلهمًا التجارب والخبرات السابقة، ومراعيًا الظروف التاريخية والمكانية التي يعيش فيها.
4) البيئة المكانية للظاهرة السياسية: يقوم المنظور الحضاري الإسلامي على مقولة تتخذ من المكان متغيرًا فرعيًا أو تابعًا للأبعاد الأخرى للظاهرة، رغم الإيمان بأهمية المكان ومحوريته في تحديد أبعاد الظاهرة السياسية وطرق التعامل معها، حيث يختلف الحكم أو التنزيل الشرعي باختلاف المكان كما يختلف باختلاف الزمان. لكن ليس للمكان دور مستقل إلا بمقدار ما يمثله من مؤشر على اختلاف الإطار العقيدي أو الثقافي؛ ومن ثم فلا يمكن التعويل على إطار الدولة القومية المعاصرة كإطار لتحليل الظاهرة السياسية. ومن هنا فإن تعامل المنظور الحضاري الإسلامي مع الظاهرة السياسية، ينطلق من قاعدة مكانية تحددها العقيدة بمفهوم الأمة؛ ذلك المفهوم الذي ينبثق عن الأم والوجهة والقصد والغاية، والأمة تفيد ذلك الكيان الذي يرتكز في تماسكه على عقيدة إيمانية شاملة مصدرها رباني، ومجالها كافة أوجه الحياة الدنيا من منظور أخروي؛ أو بعبارة أدق: منظور ممتد، يصل ما بين الحياة الدنيا والآخرة. فالعالم الإسلامي طبقا لهذا المفهوم لا يعني منطقة جغرافية معينة فقط، وإنما يعني الأخوة العالمية المنبثقة عن مفهوم الأمة التي تجمعها عقيدة التوحيد، وتخلق الوعي والانتماء لجماعة واحدة، وظيفتها الشهادة على الأمم الأخرى، ومحور رسالتها تحقيق الاستخلاف واستعمار الأرض، بما يعنيه هذا المفهوم من تعاضد وتناصر بين أطرافها وجماعاتها.
هذا التعريف المكاني للظاهرة السياسية الذي يتجاوز الحدود الإقليمية المصطنعة، وينطلق إلى رابطة العقيدة، وما تفرضه من حقوق وواجبات وتنظيمات تحقق التكامل الجماعي، المبني على أسس عقدية دائمة، وليست مصلحية مؤقتة فقط. وهنا لا نجد موضعًا لمفهوم الدولة القومية، أو النظام الإقليمي، أو أي رابطة تقتصر على معطيات الجغرافيا، حيث إن هناك رابطة أكثر قوة ومنظمة بشريعة آمرة، تمثل معيارًا وحكمَا مستقلًا بين جميع شعوب هذه الأمة؛ وهى رابطة دائمة منفتحة على الآخرين قابلة للتمدد. ولعل هذا الطرح يبرز التمايز بين التنظير من منظور حضاري إسلامي والتنظير من منظور وضعي واقعي، فبينما يعترف الأول بالواقع وبالأوضاع القائمة، إلا أنه لا يسلم بها ولا يقبلها باعتبارها مسلمة غير قابلة للتغيير؛ وهو ما يعني أن هذه النظرية تنطوي بالضرورة على أبعاد نقدية ومعيارية وتغييرية في تناولها لواقع الظاهرة السياسية. أما الثاني فيستسلم للواقع باعتباره المعيار لما يجب؛ ومن ثم فهو يفسر الواقع بالواقع ويُشرع ممارسات من يسيطر على الواقع بقصد أو بغير قصد.
ج) مشكلة أين: موقع النظرية السياسية في المنظور الحضاري
يتبنى المنظور رؤية مختلفة عن السائد الغربي فيما يخص العلوم الاجتماعية عامة والعلوم السياسية خاصة، وإن كان دليل أوكسفورد قال بأن النظرية السياسية حقل هجين يتقاطع مع الفروع الأخري، بل التخصصات من خارج العلوم السياسية، فإن المنظور الحضاري -وتأسيسًا على مبدأ النظرة الشاملة للظاهرة السياسية- يقول بعدم الانفصال بين حقول وتخصصات العلوم السياسية على مستوى المنهجية الكلية، بل وعن العلوم الاجتماعية ككل؛ وهو ما التفتت إليه منى أبو الفضل في دراستها الرائدة “النظرية الاجتماعية المعاصرة: نحو طرح توحيدي في أصول التنظير ودواعي البديل“[10]. وإنما يبرز التمايز في جانب المناهج ومستويات ووحدات التحليل والقضايا والموضوعات محل الاهتمام والدراسة. وقد طورت المدرسة التي تتبنى المنظور الحضاري دراسات في الحقول الثلاثة الأساسية للعلوم السياسية، وهي وفقًا لمدحت الليثي[11]:
1- النظرية السياسية: إذ يبدو الأمر فيها أكثر جذرية، والفواصل بين الرؤية الإسلامية والغربية كبيرة، ويتمثل ذلك في عالم المفاهيم، ثم عالم القيم. أما مساحتا السنن والمقاصد فثمة تقاطعات غير قليلة بين التنظير في الجهتين، خاصة مع اختصاص السنن بالتفسير الشرطي أو السببي، واختصاص المقاصد بالمصالح وموازينها وترتب الأوليات ورعاية المآلات. وتلتقي السياسة من منظور إسلامي مع الكتابات السياسية الحرة والحركية في مواجهة التغريب والمتغربين والرؤى العلمانية للسياسة.
2- النظم السياسية المقارنة: وفيه تواردت دراسات وتأصيلات مهمة لمفهوم الدولة ولوظائفها المختلفة (العقدية، الأمنية، الخارجية، والقضائية …)، ولمفاهيم المصلحة العامة والشورى والاستبداد والحزبية والمؤسسية والدور المجتمعي أو المجتمع الأهلي… وهكذا. لكنها لا تزال تراوح حالة المقارنة دون البناء والتفعيل إلا قليلا، نظرًا لعدم استجابة الواقع لها إلا قليلا.
3- في حقل العلاقات الدولية قطعت المدرسة شوطُا آخر ومتميزًا، وغلب على فريقها التكوين المعرفي الغربي أولا، ثم الاستناد إلى رؤية إسلامية متنامية؛ لطرح منظور حضاري إسلامي مقارن يقابل منظورات الحقل، ويتصل بنسق معرفي غير وضعي. هذا الحقل هو أكثر مسارات مدرسة المنظور الحضاري في العلوم السياسية تنظيمًا وتراكمًا، وينتقل من بناء تأسيسي للمنظور إلى مشروعات مفاهيمية وتطبيقات.
ختامًا:
لازال الباردايم المشار إليه في طور التطوير والبناء والسعي الحثيث لاستكمال مقومات الانتشار والفاعلية؛ وهو في أمسّ الحاجة إلى النقد والمراكمة والتفاعل الحي في الأوساط الأكاديمية العربية التي يهيمن عليها النموذج المعرفي الغربي (الوضعي السلوكي في الغالب). وإن كانت الأدبيات الحالية في النظرية السياسية الغربية –كما سبق وأوضحنا- تدعو للتفاعل والتعاطي مع الأطروحات الإسلامية والكونفوشية والهندية وغيرها، فإن المنظور الحضاري كذلك ينطلق من ضرورة الانفتاح على العلم الإنساني الواسع (الغربي وغير الغربي)؛ إذ لا مجال للانكفاء على الذات في عصر الانفتاح العالمي والعولمة المفرطة، ولا مجال أيضًا للاستسلام بالنقل والتبعية للعلم الغربي بلا قيد ولا شرط.
ولذلك تبنى المنظور “الحوار” وسيلة علمية قائمة على الاعتراف بالتعددية الثقافية والمعرفية (وهو اعتراف لم يلق نجاحًا واسعًا بعد في الغرب ذاته؛ إذ تشير قضية التعددية في النظرية السياسية الغربية إلى التعددية الثقافية داخل المجتمعات الغربية فقط في الغالب). وعلى هذا الأساس أسست منى أبو الفضل مجالا للدراسات الحضارية والحوار مع الغرب وطرحت فكرة الأنساق المعرفية المتقابلة[12]. وفي السياق ذاته ميز مدحت الليثي بين حواريات تفاهمية ومراسلات تعاونية، وحواريات اختلافية ومناظرات صراعية[13]، فتراجُع الحوار بين الحضارات على أساس من الاحترام والمساواة يدفع باتجاه الهيمنة والاستعمار وسحق الآخر وتدميره كما حدث مع صعود الحضارة الغربية الحديثة، وذلك على العكس من الحواريات القائمة على الاعتراف والاحترام والتي تدفع باتجاه نماء العلوم وتطورها كما حدث مع العلوم اليونانية والفارسية حين استيعابها في الحضارة الإسلامية قديمًا.
———————————-
الهوامش:
[1] John S. Dryzek, Bonnie Honig (ed), The Oxford Handbook of Political Theory, (New York: Oxford University Press Inc, 2006).
وانظر ترجمة عربية للكتاب: جون درايزك وبوني هونيغ (تحرير)، دليل أكسفورد للنظرية السياسية، ترجمة: بشير الخضرا، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2022).
[2] انظر: السيد عبدالمطلب غانم، التنظير في علم السياسية: البؤرة والموضع والمستقبل، في علي عبدالقادر (محرر)، اتجاهات حديثة في علم السياسة، جامعة القاهرة، مركز البحوث والدراسات السياسية، 1987. جون درايزك وبوني هونيغ وآن فيليبس، المقدمة، جون درايزك وبوني هونيغ (تحرير)، دليل أكسفورد للنظرية السياسية، ترجمة: بشير الخضرا، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 2022)، ص ص 15-61.
[3] السيد عبدالمطلب غانم، التنظير في علم السياسية: البؤرة والموضع والمستقبل، مصدر سابق، ص ص 17-18.
[4] وليام كونولي، حينذاك والآن: ملاحظات مشارك في النظرية السياسية، في جون درايزك وبوني هونيغ (تحرير)، دليل أكسفورد للنظرية السياسية، مصدر سابق، ص1107.
* لم يذكر دليل أوكسفورد المنظور الحضاري الإسلامي، حتى لا يتوهم القارئ أن هذا الجزء من ضمن القراء في الدليل، بل هو إضافة من الكاتب تبيانًا لاجتهاد تنظيري في مجال النظرية السياسية والعلوم السياسية يسترعي الانتباه والاهتمام.
[5] مدحت الليثي، د. منى أبو الفضل: الباحث السياسي في محراب القرآن الكريم شرعة ومنهاجًا، في نادية مصطفى وسيف عبدالفتاح (تحرير)، التحول المعرفي والتغيير الحضاري، (القاهرة: دار البشير، 2011)، ص ص206-205.
[6] نصر عارف، في مصادر التراث السياسي الإسلامي: دراسة في إشكالية التعميم قبل الاستقراء والتأصيل، (هرندن- فيرجينيا، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1994)، ص ص 231- 234.
[7] Mona Abul-Fadl, Paradigms in Political Science Revisited: Critical Options and Muslim Perspectives, The American Journal of Islamic Sciences, Vol.6, No.1, 1989, pp. 1-15.
[8] يمكن مراجعة استعراض لأبرز هذه الأدبيات في: مركز الحضارة للدراسات والبحوث (تحرير)، نحو دراسة النظم السياسية من منظور حضاري مقارن، ( القاهرة: مفكرون الدولية للنشر والتوزيع، 2018)، ص ص 7-11.
[9] نصر عارف، نظريات التنمية السياسية: دراسة نقدية مقارنة في ضوء المنظور الحضاري الإسلامي، ( هبرندن، فيرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، د.ت)، ص ص88-100.
[10] منى أبو الفضل، النظرية الاجتماعية المعاصرة: نحو طرح توحيدي في أصول التنظير ودواعي البديل، ترجمة: عارف عطاوي، مجلة إسلامية المعرفة، العدد6، 1996.
[11] مدحت ماهر الليثي، حوار المعارف والثقافات وبناء العلوم الاجتماعية، البحث الثاني الفائز بجائزة قطر العالمية لحوار الحضارات الدورة الرابعة، 2025، ص ص 409-410.
[12] أشرفت الدكتورة منى أبو الفضل على مشروع “التأصيل النظري للدراسات الحضارية”، وخرج في سبع كتب هي:
– منى أبوالفضل وأميمة عبود وسليمان الخطيب، الحوار مع الغرب: آلياته- أهدافه- دوافعه، (دمشق: دار الفكر، 2008).
– رقية العلواني وآخرون، مفهوم الآخر في اليهودية والمسيحية، (دمشق: دار الفكر، 2008).
– السيد عمر، الأنا والآخر من منظور قرآني، (دمشق: دار الفكر، 2008).
– فؤاد السعيد وفوزي خليل، الثقافة والحضارة: مقاربة بين الفكرين الغربي والإسلامي، (دمشق: دار الفكر، 2008).
– أماني صالح وعبدالخبير عطا، العلاقات الدولية: البعد الديني والحضاري، (دمشق: دار الفكر، 2008).
– حسن وجيه، حوار الثقافات: إدارة الأجندات والسيناريوهات المتنازعة، (دمشق: دار الفكر، 2008).
– سيف الدين عبدالفتاح، العولمة والإسلام: رؤيتان للعالم، (دمشق: دار الفكر، 2009).
[13] مدحت ماهر الليثي، حوار المعارف والثقافات وبناء العلوم الاجتماعية، مصدر سابق.