المنطقة الآمنة شمال سوريا: قراءة في الخلفيات والتداعيات

مقدمة:

بعد ثماني سنوات من الحرب الأهلية، أصبحت سوريا بانتهاء عام 2018 مقسَّمة إلى ثلاث مناطق: منطقة تابعة للنظام السوري بدعم روسي-إيراني تشمل معظم أجزاء الدولة والمدن الكبرى، ومنطقة تحت سيطرة القوات الكردية العربية بدعم من الولايات المتحدة في الشرق، ومنطقة تحت سيطرة تركيا والقوات المعارضة المختلفة في الشمال الغربي[1].

لكن مع بدايات 2019، حدثت تغيُّرات من شأنها أن تغيِّر معادلة موزاين القوى على الأراضي السورية كان من أهمها إعلان ترامب نيَّته الانسحاب من سوريا، وتدخُّل تركيا بعمليات عسكرية شمال سوريا، بزعم رغبتها في إقامة منطقة آمنة. دفعت هذه التغيُّرات حكومة دمشق للسعي إلى بسط سيطرتها على كامل التراب السوري، خصوصًا في ظلِّ انهيار أيِّ دعوات لإنهاء نظام الأسد بفضل التدخُّلات العسكرية الروسية منذ منتصف 2015.

وبينما يبدو أن الأطراف المختلفة قد توصَّلت إلى صيغة تفاهم حول تقاسم مناطق النفوذ في سوريا، إلا أن منطقة شمال سوريا ما زالت تشهد تنافسًا محتدمًا بين العديد من الأطراف الإقليمية والمحلية، وسوف نركِّز في النقاط التالية على أهمية هذه المنطقة وموقعها من الصراع.

يُعَدُّ شمال شرق سوريا من المناطق الهامَّة التي تغري العديد من الأطراف للسيطرة عليها، وهو يشتمل على محافظات دير الزور والرقة والحسكة وريف حلب الشرقي، أي إن مساحة هذه المنطقة تزيد عن 40٪ من إجمالي مساحة سوريا. وقبل أحداث 2011، كان شمال شرق سوريا يمدُّ الاقتصاد السوري بنصف موارده تقريبًا، حيث إن 42٪ من مساحته صالحة للزراعة، وينتج 58٪ من محصول القمح، و78٪ من القطن، و72٪ من الذرة، وتحتوي هذه المنطقة على 41٪ من رؤوس الأغنام، وتنتج آبارها النفطية 360 ألف برميل يوميًّا، بما يقدَّر بـ95٪ من إجمالي الناتج النفطي السوري. وعلى الرغم من ذلك، فقد عانَى سكان هذه المنطقة أوضاعًا اقتصادية صعبة[2]، كما تتميَّز هذه المنطقة بسهولها ومرور نهر الفرات فيها.

ويحتلُّ الشمال السوري موقعًا متميزًا كذلك بالنسبة لتركيا، فالحدود التركية-السورية هي أطول الحدود التركية مع دولة أخرى، بالإضافة إلى وجود تقارب عرقي وعقدي وإثني ملحوظ، بالإضافة إلى علاقات مصاهرة على جانبي الحدود، كما تُعَدُّ تركيا الراعي التاريخي والثقافي لمصالح تركمان سوريا، فضلًا عن تشارك البلدين في القضية الكردية[3]، والتي تتركَّز في هذه المنطقة.

كما استغلت الولايات المتحدة وجود قوَّاتها وتحالفها مع الأكراد في هذه المنطقة ليكون حائلًا دون إتمام النصر التام للنظام السوري، وبالتالي دفعه لتقديم بعض التنازلات، بالإضافة لما تمثِّله من تهديد استراتيجي لإيران. وبالتالي، يتشارك النظام السوري في الرغبة مع كل من روسيا وتركيا لإنهاء الشراكة الكردية-الأمريكية في شمال سوريا، ولكن لأغراض مختلفة[4]، فإما من أجل سيطرة النظام على كامل سوريا، أو لتخوُّفات تركيا من تكوين قوة كردية مهدِّدة لها. وقد انتهت هذه الشراكة بفعل الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط، والتوافق التركي-الروسي في اتفاق سوتشي 2019[5].

لذلك؛ فرض قرار ترامب بالانسحاب من سوريا، وتطورات المشهد العسكري شمال سوريا، أسئلة كثيرة تتعلَّق بكيفية فهم سياسات الأطراف الفاعلة تجاه المنطقة الآمنة؟ وما آثارها على العمليات العسكرية شمال سوريا؟ وما أهمية شمال سوريا بالنسبة للأطراف المختلفة؟ وما محددات مواقفهم تجاه المنطقة الآمنة المزمع إقامتها؟ وما احتمالات التحالفات والتحالفات المضادَّة هناك في هذه المنطقة؟ وللإجابة على هذه الأسئلة يأتي هذا التقرير.

أولًا- مفهوم المنطقة الآمنة وحالة شمال سوريا

يمثِّل مفهوم المنطقة الآمنة أحد المفاهيم التي تظهر في إطار المناطق التي تشهد أزمات وصراعات عنيفة، وهو مفهوم له أبعاد قانونية وسياسية وإنسانية وعسكرية[6]. قانونيًّا: تنظم أحكام ميثاق الأمم المتحدة، والمواثيق الصادرة عن المنظمات التابعة لها حدود المناطق الآمنة وأسباب إقامتها، كما تلزَم موافقة مجلس الأمن على إقامة تلك المناطق. سياسيًّا: فإن مثل هذه المناطق لا يمكن أن تنشأ آليًّا دون سعي دولي من قوى لها ثقلها في موازين القوى تستطيع أن تقنع القوى الكبرى والمجتمع الدولي بمسوغات إنشاء مثل هذه المناطق. عسكريًّا: لا بد لإقامة هذه المنطقة من قوة عسكرية تحمي مدنيِّيها وتقيهم من الصراعات المسلحة الدائرة حولهم، وترعى وجودهم في هذه المنطقة وتؤمِّن مرورهم من وإلى المنطقة الآمنة. أما إنسانيًّا: فالأصل في هذه المناطق البُعد الإنساني؛ فهي مُصمَّمة خصيصًا لحماية أولئك المدنيِّين العُزل في مناطق النزاعات المسلَّحة. وبناءً على هذه الأبعاد، تُعرف المنطقة الآمنة على أنها: “تدخُّل تقوم به قوى/أطراف دولية لتحقيق هدف أساسي هو حماية المدنيِّين وغير المسلَّحين على حدود بلد ما بشكل مؤقَّت وفي منطقة جغرافية (محدَّدة) متَّفق عليها”[7]. وثمة من يعتبر أن المناطق الآمنة هي شكل من أشكال العمل العسكري يهدف لتحقيق غرضين: أحدهما علاجي والآخر وقائي؛ فهو يعالج (يراعي) الأبعاد الإنسانية من خلال ضمان أمن الأشخاص الفارِّين من الخطر، أما الوقائي، فيقِي هؤلاء من مخاطر الهجرة عبر الحدود الدولية[8].

وتستهدف المنطقة الآمنة ما يلي[9]:

1) إخراج العناصر المتحاربة والأسلحة والمعدَّات العسكرية المستخدمة إلى خارج المنطقة.

2) منع استخدام المعدات والقواعد العسكرية الثابتة لغايات عدائية.

3) منع الممارسات العدائية بين الأطراف المتحاربة ضد السكَّان المحليِّين.

4) إيقاف النشاطات العسكرية بجميع أنواعها.

ومن هذا المنطلق، تطالب تركيا بإقامة منطقة آمنة شمال شرقي سوريا على الحدود معها ارتكازًا إلى نجاح تطبيقها في أكثر من نزاع، على رأسها تطبيق المنطقة الآمنة في شمال العراق إبان حرب الخليج الثانية؛ لمنع تدفُّق اللاجئين إلى الداخل التركي وتأمين حدودها من الحركات الكردية المسلحة[10]. وتحاول تركيا من خلال دعوتها هذه إبراز كافة الأبعاد المُشار إليها عاليًا، وهنا نركِّز على البُعد الإنساني للأزمة السورية، التي أبرزت المطالبة بالمنطقة الآمنة.

وفق أحد التقارير، يقدر ما يقرب من 12 مليون مواطن سوري في حاجة لأشكال مختلفة من المساعدات إنسانية، من بينهم مجموعات سكانية تواجه تحديات أكثر صعوبة، وتعاني من تدنٍّ ملحوظ في مستويات المعيشة، فتقدِّر التقارير أن ما يقرب من ثلث السكان في سوريا يواجه انعدامًا في الأمن الغذائي، من حيث إمكانية توافر ووصول غذاء صحي آمن، وتفشِّي الأمراض والأوبئة[11]، ويعيش 83٪ من السوريين تحت خط الفقر؛ فيعانون من صعوبات جسيمة في الوصول لمتطلَّبات المعيشة كالتعليم والصحة ومحل السكن (الإيواء)[12]. وتشير أحدث المؤشِّرات إلى أن الأزمة السورية خلَّفت حوالي 6 ملايين لاجئ موزَّعين على دول الجوار، وهناك عدد مماثل أو يزيد عنه (6.6 مليون) نازح داخلي، ما يقرب من نصفهم في أماكن يصعب وصول المساعدات الإغاثية إليها[13].

يعيش سوريو الشمال بين المخيَّمات والمدارس ومناطق الإيواء، ويتعرَّضون باستمرار لعمليات تهجير بسبب العمليات الروسية والتركية في المناطق التي يسكنونها. مؤخَّرًا، وبسبب العمليات التركية، تعرَّض عددٌ كبير منهم يصل إلى 222 ألف نازح إلى تهجير داخلي من مناطق العمليات العسكرية إلى مناطق أبعد عنها أكثر أمانًا. توزَّع هذا العدد بين الحسكة (حوالي 49 ألفًا)، والرقَّة (17 ألفًا)، وحلب (7 آلاف)، والباقي في مناطق أخرى. ولكن بعد سيطرة القوات التركية على مناطق تل عبيد، وعين عيسى، والرقة عاد ما يقرب من 117 ألفًا إلى مناطق مخيَّماتهم الأصلية في الشمال. بينما ظل 75 ألفًا منهم بعيدين عن أماكنهم الأصلية، ولجأ منهم ما يقرب من 15 ألفًا للعراق[14].

وعلى هذا الأساس، تعاني دول الجوار وعلى رأسها: لبنان، والأردن، وتركيا، والعراق من ضغوط تزايد أعداد اللاجئين؛ كما تعمل هذه الدول على مراجعة أوضاع اللاجئين وإعادة بعضهم قسريًّا إلى مناطق حدودية، أو تسليمهم عبر المعابر. ترفض الأردن وبشكل حاسم فتح حدودها أمام طالبي اللجوء، وتكتفي بما وصل إليه عدد اللاجئين فيها (666 ألفًا)، وتسعى لتنظيم الأمور الخاصة بإقامتهم، وتبحث إمكانيات إعادة توطينهم في بلادهم. الأمر نفسه ينسحب على تركيا والتي تستضيف ما يقرب من 3.6 ملايين لاجئ، وترفض طلبات لجوء المزيد منهم، وفي المقابل تقيم لهم مخيَّمات في المناطق الخاضعة لسيطرتها. وتتَّخذ لبنان منحىً قريبًا تجاه مليون لاجئ داخلها؛ إذ تصرِّح بدعوتها لهم للرجوع إلى سوريا، كما يجد ما يقرب من 74٪ من اللاجئين فيها صعوبات تتعلَّق بترتيب أوضاعهم (إقامتهم) القانونية[15].

وبعيدًا عن لغة الأرقام، فإنه لم يُعد خفيًّا على أحد حالة الأوضاع الإنسانية التي وصل إليها أهل سوريا، وما يتعرَّضون له من تحديات وأخطار، في الداخل من جراء الصراعات العنيفة المحتدمة بين الأطراف المحلية والدولية، وأثناء عبورهم للحدود الدولية مهاجرين أو مهجَّرين من بلدهم، وفي الدول الأخرى من جرَّاء ما يتعرَّضون له من مضايقات معنوية ومادية إما بسبب صعود النعرات القومية في هذه الدول، أو زيادة الضغط على اقتصادات تلك الدول المضيفة.

ثانيًا- تطورات ومحددات مواقف الأطراف من المنطقة الآمنة شمال سوريا

تأتي تطورات ومحددات مواقف الأطراف الفاعلة من المنطقة الآمنة في سياق تطوُّرات الصراع في سوريا بشكل عام، وموازين القوى الدولية على الأرض بشكل خاص، وتغيُّرات السياسة الداخلية في كل دولة من الأطراف الفاعلة على حدة. وفي هذا المحور، نتناول تطورات ومحدَّدات ومصالح الأطراف المختلفة بشأن إقامة منطقة آمنة شمال سوريا. ويأتي على رأس هذه الأطراف: تركيا، والولايات المتحدة، وروسيا، وإيران، إلى جانب النظام السوري والأكراد وإسرائيل.

1- تركيا:

يصنِّف الباحثون الموقف التركي في الأزمة السورية على أنه من بين أكثر المواقف التي شهدت تغيرات حاسمة ؛ فهي بين ساعية للتواصل مع نظام الأسد، ثم منادية برحيله، ثم قابلة ببقائه مع تحقيق أمنها الحدودي، وإقامة منطقة آمنة شمال سوريا، وبين داعمة لصفِّ الولايات المتحدة والسعودية، ثم مناصرة للموقف الروسي والإيراني[16].

وتُعد تركيا أول من نادى بإقامة منطقة آمنة، فأصدرتْ في عام 2012 بيانًا تُعرب فيه عن قلقها من تدفُّق مزيدٍ من اللاجئين إلى أراضيها بسبب الأوضاع في سوريا، مع إمكانية تسلُّل عناصر مسلَّحة من حزب الاتحاد الكردستاني (الذي تعدُّه منظمة إرهابية)، وتدعو لإقامة منطقة عازلة وحظر للطيران بوصفهما وجهين متمِّمَيْن لبعضهما البعض لمواجهة تلك الأخطار المتوقَّعة. وأثناء زيارة جو بايدن -نائب الرئيس الأمريكي أوباما- أثار أردوغان الموضوع، فدعا لإنشاء منطقة عازلة على الشريط الموازي للحدود التركية تمتد من البحر المتوسط إلى شمال العراق.كما أصدر بيانات تُشير إلى تعيين حدود هذه المنطقة لتشمل: إدلب، وعفرين، وجرابلس، وعين العرب (كوباني)، وتل أبيض، وبعض مناطق شمال الحسكة[17]، كما نُشرت خلال عام 2015 تفاصيل إنشاء مثل هذه المنطقة، يتَّضح منها أنها ستكون برعاية أمريكية–تركية[18]، واستمرَّت تركيا مع كل عملية عسكرية داخل الأراضي السورية في ترديد رغبتها لإقامة منطقة آمنة، فتجدَّد الحديث مع عمليات درع الفرات، وغصن الزيتون، ونبع السلام، من أواخر 2017 إلى الآن؛ على أن ما تحوزه من مناطق مُحرَّرة من داعش أو القوات الكردية تقيم فيها معسكرات أو مناطق أشبه بالمناطق الآمنة بإرادة أقرب للإرادة المنفردة منها إلى الجماعية، ولكن بتوافقات سياسية مع الأطراف الفاعلة[19]. ويتحدَّد الموقف التركي تجاه المنطقة الآمنة (والصراع في سوريا)، بمصالح ثلاثة، هي[20]:

1) تحجيم أعداد المهاجرين والسيطرة على مرور -من تعدهم- إرهابيين إليها.

2) احتواء التوسع الكردي ورغبتهم في إقامة وحدة كردية تتمع بالحكم الذاتي.

3) تحقيق الاستقرار الإقليمي.

وتفيد المنطقة الآمنة في تقليل تدفق اللاجئين عن طريق احتوائهم داخل سوريا، واحتواء القومية الكردية بتوفير مراقبة -سيطرة- تركية دائمة على المناطق التي يتمتعون فيها بالتواجد الكثيف، كما تعرقل عبور المسلحين إليها عن طريق إنشاء منطقة عازلة على الحدود التركية-السورية. كما تسهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي من خلال تزويد قوات المعارضة بمساحة عمليات داخل سوريا، تُعيد تركيا من خلالها التوازنات على الأرض لصالحها[21]، والملاحظ أن مجمل هذه المصالح والمساعي تتوافق وبشكل كبير مع متطلَّبات الداخل التركي وطبيعة الهوية التركية ودورها الإقليمي المتصوَّر لذاتها، وذلك من عدَّة جوانب؛ فإقامة منطقة آمنة يقلِّل من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على الحكومة التركية بسبب تزايد أعداد اللاجئين من جانب، كما يوفِّر سرديَّة قومية تجاه الأكراد يتوافق حولها الداخل التركي مستندة إلى المخاوف الأمنية تُمكِّن أردوغان من حشد القوى المختلفة وراء برنامجه، وشغلهم عن تحديات الداخل التركي، ويُمهد بها فرصًا سياسية أكبر لمشروعه السياسي من جانب آخر، كما تضمن لتركيا مكانتها في أي حلٍّ سياسي للأزمة السورية، ومن ثم يؤكِّد موقعها في خارطة النفوذ الإقليمي من جانب ثالث[22].

2- الولايات المتحدة:

على غرار الموقف التركي، ظهر الحديث عن المنطقة الآمنة في سوريا بواكير الأزمة، ويمكن القول إنه كان مرافقًا للمطالبات التركية. في البداية تناقله دبلوماسيون وعسكريون داخل الإدارة الأمريكية مؤكِّدين على ضرورة إقامته خلال عام 2013. إلا أنه ومع تطورات الأزمة والوضع على الأرض، ومواقف الولايات المتحدة ومصالحها، ثم تغيرات القيادة السياسية، شهد موفقها تغيرًا تجاه المنطقة الآمنة، فتذبذ بين التأييد والمعارضة والدعم. مؤخرًا، تجدَّد الاهتمام بإقامة المنطقة الآمنة في الخطاب السياسي الأمريكي، مع تدوينة ترامب التي أعلن فيها سحب قواته من سوريا وإقامة منطقة آمنة بعمق 32 كيلومترًا داخل الأراضي السورية على الحدود مع تركيا[23].

ويأتي موقف ترامب من المنطقة الآمنة في سياق أوسع للانسحاب من الشرق الأوسط، وصراعاته المكلِّفة، وانخفاض اعتماد الولايات المتحدة على موارد الطاقة منه، وسياسات التوجُّه شرقًا، إضافة إلى رغبته في التركيز على الداخل وتحدياته[24]، هذا من جانب. ومن جانب ثانٍ، طبيعة شخصية ترامب التي تضيق منظور المصالح، وتأبى أن تنغمس في صراعات مُعقَّدة طويلة لا تنتج عنها مصالح مادية محددة من ورائها. ومن جانب ثالث، بدا واضحًا في أوساط الإدارة الأمريكية أن الاعتماد على الأكراد -إن لم يكن سياسة فاشلة لم تؤتِ ثمارها في الحدِّ من النفوذ الإيراني في المنطقة- فقد أدَّى الغرض منه بالقضاء على داعش[25]، وأن الفترة الراهنة تقتضي التواصل مع حليفتها في الناتو (تركيا) لتأمين خطة الانسحاب من جانب، وفتح قنوات اتصال جديدة معها في القضايا الخلافية والاستراتيجية من جانب آخر.

ورغم الدعم الذي قدَّمته الولايات المتحدة للأكراد منذ بداية الأزمة، حيث ساهمت في تسليحهم ودعمهم في السيطرة على شمال شرق سوريا، إلا أن الولايات المتحدة قد فضَّلت -وإلى جانب العوامل السابقة- محاصرة النظام السوري اقتصاديًّا وعبر الحلفاء، والأمر نفسه تفعله مع إيران[26]، فتبين لها أن الأكراد قد وجهوا دعمها ضد تركيا إلى جانب حربهم على داعش، كما أنهم حافظوا على تواصل وتنسيق دائم بين روسيا والنظام السوري في دمشق[27]، وهو ما يعني سعيهم لتخطِّي الولايات المتحدة.

وعلى أساس هذه العوامل، بنت الولايات المتحدة سياساتها تجاه المنطقة الآمنة، وجاءت زيارة رجب طيب أردوغان إلى الولايات المتحدة في منتصف شهر نوفمبر 2019، التي توصَّل خلالها إلى تنسيقات تتعلَّق بموقف الولايات المتحدة من العلميات العسكرية والمنطقة الآمنة التي تقيمها تركيا.

3- روسيا:

كان الموقف الروسي حاسمًا منذ البداية برفض المنطقة الآمنة تحت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية، وارتأت أن مثل هذا الحل يجب أن يكون بالتنسيق مع دمشق؛ فروسيا -صاحبة النُّفوذ الأكبر في سوريا- لا تريد أن تشاطرها أي دولة أخرى هذا النفوذ، خصوصًا في سوريا المعبر الروسي الوحيد للبحر المتوسط، حيث قاعدة طرطوس البحرية؛ لذا تعارض بشدَّة إقامة منطقة آمنة تابعة للولايات المتحدة[28]. ولكنها في نفس الوقت لا تريد خسارة حليفها التركي، ولهذا سمحت بالتدخُّلات العسكرية التركية المحدودة لبناء علاقة قوية معها بتأمينها من مخاوفها، خاصة أن تركيا تعمل مع حلفاء سوريِّين[29].

كما تأرجحت علاقة روسيا مع الأكراد حسب طبيعة العلاقات مع تركيا، فبعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية في أكتوبر 2015، لم تكتفِ روسيا بضرب مناطق على المعابر التركية للمرة الأولى، بل قدَّمت يد العون للقوات الكردية في عفرين في مواجهة المعارضة الموالية لتركيا[30]. وسرعان ما تحوَّل الموقف الروسي بعد عودة العلاقات التركية-الروسية لحالتها الأولى، حيث ادَّعت روسيا التزامها بسياسة عدم التدخُّل تجاه عملية غصن الزيتون[31].

ويتَّسق الموقف الروسي من المنطقة الآمنة مع الرؤية الروسية الشاملة لحلِّ الأزمة، فروسيا لن تسمح بتكرار السيناريو الليبي مرة أخرى وإفساح المجال للغرب -ممثَّلًا في حلف الناتو- للتصرُّف بشكل متفرِّد، خاصَّة في دولة مثل سوريا وما تمثِّله من أهمية جيوستراتيجية حيوية لروسيا، ونفوذها فيها. فإن كان ولا بدَّ من وجود منطقة آمنة في الشمال السوري، فلتكن عبر الحليف التركي لا الأمريكي، خصوصًا في ظلِّ تقارير تفيد بتقبُّل النظام التركي التعاون مع نظام بشار الأسد في أمن الحدود والتنسيق الميداني)[[32]](، وهي المقاربة التي تدفع لها روسيا لحشد الاعتراف الدولي بشرعية الأسد من جديد، خاصة في ظلِّ مقايضة ضمنية روسية لتركيا فيما يتعلَّق بموقف تركيا من بعض الجماعات المسلحة في إدلب في مقابل دعم روسيا للموقف التركي إزاء المنقطة الآمنة[33].

4- إيران:

تعارض إيران إقامة أيِّ مناطق نفوذ غير تابعة لقوات نظام الأسد الموالي الذي تدعمه، وتحقِّق من خلاله أهدافها. لذلك، انتقدت مساعي الأطراف الدولية الأخرى لإقامة منطقة آمنة، لا سيما إن كانت تلك المناطق تحت إشراف/حماية دول معادية لمصالحها[34].

تهدف إيران من خلال الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، والتحكُّم في تشكيل الحكومة المركزية إلى الحفاظ على جسر بري مع لبنان، يُؤمِّن تزويد حزب الله بالأسلحة لمقاومة إسرائيل من ناحية، وتدعيم مشروعها السياسي (الشيعي) من ناحية أخرى، وحتى لا تصبح سوريا منصَّة (أو حديقة خلفية) يمكن أن تتعرَّض من خلالها الحركة الشيعية اللبنانية للهجوم من ناحية ثالثة. كما يرتبط الموقف الإيراني أيضًا بالمخاوف من إقامة كيان كردي يتمتَّع بالاستقلال الذاتي شمال سوريا[35].

وتشير هذه الأهداف والرؤية الإيرانية، وتطورات أوضاعها الداخلية، إلى احتمال تقريب وجهات النظر بين طهران وأنقرة، فالاتفاق بينهما في الحفاظ على وحدة سوريا حتى لا يقيم الأكراد دولة لقوميَّتهم تثير القلاقل داخل دولتيهما، وحاجة البلدين لدعم بعضهما البعض سياسيًّا على أساس قاعدة التعاملات الاقتصادية والتبادلات التجارية والنفطية تؤكِّد إمكانيات تعديل مواقفهما تجاه قضايا الخلاف، ويرفع بشكل خاص من احتمالات تفهُّم طهران لمخاوف أنقرة[36].

5- النظام السوري:

يرفض النظام السوري إقامة منطقة آمنة أحادية الجانب لما يراه فيها من انتقاصٍ لسيادته على أرضه، خصوصًا من قبل تركيا، الغريم التاريخي لسوريا. حيث كان النظام السوري قبل اتفاق سوتشي في موقفٍ لا يحسد عليه، فالشمال السوري كان قابعًا تحت سيطرة إما قوات كردية مدعومة أمريكيًّا منذ 2014، أو قوات تركية مع قوات أخرى تابعة لها منذ التدخُّلات العسكرية التركية. فعلى الرغم من تخوُّف دمشق من ازدياد قوة الأكراد، ينتابها خوف آخر من عدم خروج تركيا من الشمال السوري[37].

يسعى النظام السوري منذ البداية لبسْط نفوذه على كامل الأراضي السورية ورفض التدخُّلات الأجنبية (باستثناء روسيا وإيران بطبيعة الحال)، فغضَّتْ دمشق الطرف عن سيطرة الأكراد على الشمال السوري، ولكن دون أن تمسَّ بالسيادة السورية، ففي مارس 2019 هدَّدت قوات الأسد الأكراد باسترداد الأجزاء الواقعة تحت سيطرتهم بالقوة في حالة عدم التزامهم بالقوانين[38].

وترى دمشق أن منطقة شمال سوريا تمثِّل أهمية خاصَّة من أجل رفض هيمنة تركيا الإقليمية، حيث سعتْ لقتْل الطموحات التركية في الهيمنة الإقليمية بعدما تحوَّلت لعدوٍّ لها من جديد، وتخطَّتْ عقدًا كاملًا من الاستثمار في علاقتهما[39] منذ توقيع اتفاق أضنة(*)، كما قادت سوريا تغييرات ديموغرافية استباقًا لبناء تركيا المنطقة الآمنة[40]. ولعلَّ من شأن اتفاق سوتشي 2019 الذي أبرمته تركيا مع روسيا أن يطمئن دمشق على حقيقة الأهداف التركية، خصوصًا في ظل تطور موقف أنقرة تجاه الأسد، والرغبة التركية في وحدة الأراضي السورية.

 

6- إسرائيل:

لم تُبْدِ إسرائيل موقفًا واضحًا إزاء إقامة المنطقة الآمنة في الشمال السوري، بسبب موقعها الثانوي في سلَّم أولويات الإدارة الإسرائيلية؛ فالهدف الإسرائيلي في سوريا يتمثَّل بصورة أساسية في تقليص دور إيران وحلفائها فيما يتعلَّق بمرتفعات الجولان خصوصًا، وسوريا عمومًا، لما يمثِّله هذا الوجود من تهديد لأمنها. وبالتالي فلا يبدو أن إسرائيل سوف تتَّخذ خطوات مؤثِّرة في مستقبل المنطقة الآمنة طالما ظلَّتْ بعيدة عن أيادي إيران[41].

غير أن هذا الموقف لا ينفي أهمية الدور الإسرائيلي في سوريا، حيث توجِّه إسرائيل ضربات جوية بصورة مستمرَّة ضدَّ أهداف إيرانية في سوريا منذ 2018، وذلك لحماية أمن حدودها، وقطع طرق الإمدادات الإيرانية للبنان، وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لزيارة موسكو للتنسيق بين البلدين حول الضربات الجوية والتفاهمات السياسية، حيث أدركت تل أبيب أهيمة الدور الروسي في الأزمة السورية[42].

إذن تسعى إسرائيل لعدم تكوُّن “حزب الله” جديد في سوريا، حيث بادرت بالتدخُّل العسكري لإضعاف القدرات الإيرانية العسكرية في سوريا، وتسعى عبر روسيا لاحترام خطوط وقف إطلاق النار لعام 1974 وتأمين المنطقة منزوعة السلاح في الجولان، وتأمين الضغط الروسي لإجبار إيران على إزالة جميع قواتها العسكرية والميليشيات المرتبطة التي أرسلتْها للقتال في سوريا[43]. ومع عزم الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا، تنتظر إسرائيل سيناريوهات متعدِّدة، مع التأكيدات الأمريكية فيما يتعلَّق بحماية أمن إسرائيل[44].

7- الأكراد:

ألقت الأزمة السورية بظلالها على الأكراد (خصوصًا حزب الاتحاد الديمقراطي PYD)، مثل باقي طوائف المجتمع السوري، حيث عزَّزت التطلُّعات القومية الكردية[45]، وهو ما أدَّى عمليًّا لنقض عملية السلام[46] بينهم وبين تركيا[47]. واستغلَّت القوات الكردية تحرير مناطق من داعش في شمال سوريا بين 2012-2013 لإقامة دولتهم المنشودة بحكم الأمر الواقع، من خلال إقامة “كانتونات” على الحدود السورية التركية بحكم ذاتي[48].

فلطالما داعب هاجس الدولة الكردية خيال الأكراد، فاستغلُّوا ضعف الموقف التركي لإقامة كيانهم بالتحالف مع الولايات المتحدة، حيث لا تريد تركيا زيادة عدد المهاجرين إليها، كما لا يمكنها (ولا تريد) مواجهة القوات الروسية، خاصَّة في ظلِّ علاقتها المتوتِّرة مع واشنطن[49]؛ فارتأى الأكراد أن الفرصة باتت سانحة لتحقيق حلمهم التاريخي، وبدأوا في تشكيل وحدات حماية الشعب الكردي، والتي عرفت باسم “قوات سوريا الديمقراطية” بعد انضمام قوات عربية تابعة للإدارة الكردية، وشرعنت وجودها بمحاربة تنظيم داعش بدعم أمريكي. وقد كان حزب الاتحاد الديمقراطي حريصًا على إبقاء قنوات تواصل بينه وبين روسيا وحكومة الأسد، حتى مع ضعف احتمال إقامة الحكم الذاتي، في محاولة منهم للعثور على حليف ضدَّ تركيا في حال انسحاب الولايات المتحدة[50]. وهو ما حدث فعلًا عقب الاتفاق الكردي السوري لمواجهة عملية “نبع السلام”، والسماح للجيش السوري بالوصول للحدود التركية[51].

ثالثًا- العمليات العسكرية في سوريا واحتمالات التحالف والصراع

يركز هذا المحور على طبيعة العمليات العسكرية في شمال سوريا في الفترة الأخيرة، وتعاطي الأطراف المختلفة معها، واحتمالات التحالفات والتحالفات المُضادَّة حول تلك العمليات والمنطقة الآمنة التي تسعى تركيا والولايات المتحدة لإنشائها. ومن ثم فهو محاولة لفهم الأفعال ورود الأفعال الواقعة والمتوقعة.

إن أبرز ما يميز عام 2019 بالنسبة لشمال سوريا –وربما لمجمل الأزمة السورية- هو التدخل التركي في الشمال السوري، حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 9 أكتوبر 2019 بدء عملية “نبع السلام” العسكرية في تركيا، بالتعاون مع قوات الجيش السوري الحر، ضدَّ كلٍّ من حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية وتنظيم داعش في شمال سوريا للقضاء على الممرِّ الإرهابي المُراد إنشاؤه قرب الحدود التركية الجنوبية، وعمل منطقة آمنة تضمن عودة اللاجئين السوريِّين إلى بلادهم[52]. وشهدت مدينتا تل أبيض ورأس العين قصفًا بالمدفعية التركية في ذات اليوم، قبل أن تعبر قوات تركية برية الحدود مع سوريا، لتصل في اليوم التالي حتى 8 كليومترات في العمق السوري لمدينة تل أبيض، وحتى 4-5 كليومترات في مدينة رأس العين. وقد أعلنت وزارة الدفاع التركية السيطرة على كامل مدينتي رأس العين وتل أبيض في 12 و13 أكتوبر على الترتيب. وفي 15 أكتوبر، أعلنت روسيا سيطرة النظام على مدينة منبج بعد يومين من الاتفاق السوري-الكردي، وتسيير دوريات روسية لمنع أي مواجهات عسكرية بين النظام وتركيا. وفي اليوم التالي أعلن الجيش التركي السيطرة على 11 قرية في محيط مدينتي تل أبيض ورأس العين، في حين دخلت قوات النظام مدينة عين العرب كوباني[53].

وقد علَّق الجيش التركي عملية “نبع السلام” لمدة 5 أيام (تمَّ تمديدها فيما بعد) وأعلن وقف إطلاق النار بعد اتفاق أمريكي-تركي في 17 أكتوبر تنسحب بموجبه القوات التركية لـ20 ميلًا من الحدود التركية-السورية، كما يسمح لوحدات حماية الشعب الكردية بالانسحاب من المنطقة الآمنة في شمال سوريا، وإيقاف العقوبات الأمريكية ضدَّ تركيا بسبب العملية[54]. كما اتَّفقت كل من تركيا وروسيا في 22 أكتوبر على نشر حرس الحدود السورية والشرطة العسكرية الروسية على الحدود مع تركيا، وسحب المسلَّحين الأكراد لمسافة ثلاثين كيلومترًا عن الحدود[55].

وعلى الرغم من ذلك، تتبادل الأطراف الاتهامات حول مدى الالتزام باتفاقات وقف إطلاق النار. غير أن الرئيس الأمريكي قال أوائل شهر ديسمبر: “الحدود والمنطقة الآمنة تعملان بشكل جيد للغاية، وأنا أعطي تركيا الكثير من الفضل في ذلك. وقف إطلاق النار مستقر”.[56] وبعد مرور قرابة شهرين على إطلاق العملية، ما زالت تركيا تلوِّح باستئناف العملية العسكرية في سوريا “حال عدم الوفاء بالتعهُّدات المقدَّمة لها، وأنها لن تخرج من سوريا حتى يتمَّ تطهير «المنطقة الآمنة» من الإرهابيِّين”[57].

يمكن القول إن العملية العسكرية أعطت نتائج جزئية لكل الأطراف من جهة، كما أنها مثَّلت تهديدًا وجوديًّا لهم من جهة أخرى[58]، حيث لم تحقِّقْ تركيا ما كانت تطمح له في إقامة المنطقة الآمنة على طول الشريط الحدودي مع سوريا، فالقوات النظامية سيطرت على مدن مهمَّة في الشمال السوري تحول دون تحقيق تركيا هدفها، كما لم تستطع تركيا إحداث أي نتائج سياسية داخلية حقيقية بسبب غياب الحليف السياسي السوري. كما أن الأكراد خسروا حلم الدولة الكردية لحدٍّ كبير، ولكنهم حقَّقوا إعادة تموضع باقترابهم من النظام السوري. أما المعارضة فقد اكتسبت مزيدًا من الدعم للجيش السوري الوطني(*) “حديث التشكيل” بفضل مشاركته في عملية “نبع السلام”، ولكنها ما زالت غائبة عن أي حوار سياسي حقيقي. أما النظام فقد وصل للشمال السوري أخيرًا، ولكنه لا يملك المقومات التي تهيِّئ له إدارة المنطقة. أما الحديث عن إعادة الإعمار وعودة اللاجئين فلا محل له قبل تحقيق الأمن والاستقرار في المنقطة.

وهكذا يبدو -أكثر من أي وقت مضى- أن الصراع في سوريا بات بأيدي أطراف دولية وإقليمية، مع الإشارة لتقلُّص الدور الإيراني في مقابل الدور الروسي، فلم يكن للداخل السوري دور يُذكر في تحريك أو إيقاف عملية “نبع السلام”. ويمكننا القول بأن روسيا هي الرابح الأكبر من عملية “نبع السلام”، من خلال زيادة أوراقها في الأزمة السورية، وتحقيق هدفها في استرداد نظام بشار الأسد لشرعيَّته مرة أخرى.

خاتمة: احتمالات التحالف والصراع شمال سوريا

يتَّضح من مواقف الأطراف، وتصوُّراتهم لمصالحهم وتوازنات القوى الراهنة، عدد من الأمور:

أولًا– إن المصالح التركية تجاه إنشاء المنطقة الآمنة شمال سوريا هي الأقوى من بين الأطراف الفاعلة المختلفة، وهي الأكثر تعرضًا للتهديد والخطر[59]، ومن ثم فاحتمالات تراجعها تُعد أقل في مقابل الأطراف الأخرى، كما أنها استطاعت، وعبر قوتها المتنامية تأمين مصالحها في هذه المنطقة، مع توافقات جد عسيرة بين أطراف متعارضة. وتعي تركيا أن نجاح إقامة منطقة آمنة يعتمد على حفاظها على التوازن الدقيق الذي تقيمه في الشمال السوري مع استمرار تواجدها على الأرض.

ثانيًا– لا تجد القيادة الروسية والإيرانية، وبدافع من الحفاظ على مصالحهما، وأمام رغبة تركيا الجامحة في إقامة منطقة آمنة شمال سوريا، بدًّا من الموافقة الضمنية على إقامة تلك المنطقة، مع التأكيد أن تكون هذه المنطقة تحت إشراف تركي أكثر منه أمريكي؛ انطلاقًا من فهمهما لما بين تركيا والولايات المتحدة من اختلاف، هذا من جانب، وما بينهما وبين أنقرة من مصالح اقتصادية وسياسية من جانب آخر.

ثالثًا– وضَع تأكيدُ / إعلانُ الرغبة في إقامة كيان كردي على الحدود الأكرادَ بين مطرقة الأتراك وسندان الإيرانيِّين، كما دفع بروسيا للتخلِّي عنهم. ويؤكِّد هذا من جانب آخر على أن القوى الخارجية دائمًا ما تستخدم الوكلاء المحليِّين لتحقيق أهداف وقتيَّة، ثم إذا ما تحقَّقت انفضَّ التحالف واستحال الصديق عدوًّا، وتبرِز العلاقات الأمريكية مع أحزاب الأكراد ذلك بامتياز. وبالتالي فكما أعادتهم الأزمة السورية إلى خارطة المشهد الإقليمي، فإن هذه الأزمة نفسها في طريقها إلى إعادة قضيَّتهم إلى حيث كانت[60]، وهكذا، يبدو أن الأطراف الدولية كانت ترى في القوات الكردية مجرد دُمًى لتحقيق أهدافها، استعملتها الولايات المتحدة لإنهاء تنظيم داعش، وروسيا للضغط على تركيا في فترة توتُّر العلاقات بينهما، ورحَّبت دمشق بهم نكاية في الأتراك. كما دعمت روسيا الاتفاق السوري-الكردي حتى تضمن مفاوضات جدِّيَّة بين تركيا وسوريا، بوصف الأخيرة صاحبة السيطرة على الأرض الآن[61]!.

رابعًا– تفتح العمليات العسكرية شمال سوريا، والمطالبات التركية بالمنطقة الآمنة، باب المحادثات مرة أخرى، وعرض الأزمة لتسوية سياسية برعاية الأطراف المختلفة(*)، غير مستبعدة منها الولايات المتحدة، فإعلانها سحب قواتها من سوريا لا يعني انسحابها من المشهد السوري، بل قيامها بمهمَّة أكثر التفافًا من خلال لعبها دور “فارض التوازن عن بعد”؛ فالولايات المتحدة لا تعدم أوراق التأثير في العلاقات مع الأطراف المختلفة بصفة عامة، وفي سياق الأزمة السورية بصفة خاصة.

وفي الأخير، فإن العمليات العسكرية، والمطالبات التركية في شمال سوريا، لا يمكن فهمها إلا في سياق لعبة أكثر شمولًا، تديرها الأطراف المختلفة كلٌ حسب مصالحه وقدر قوَّته. كما لا يمكن فهمها إلا في سياق تفاعلات الأطراف المختلفة على الأرض، وتطور خارطة النفوذ الدولية في سوريا، إلى جانب تطورات الداخل في هذه الدول المختلفة المعنيَّة بالأزمة السورية. فعلى الرغم من أن إقامة المنطقة الآمنة يتطلَّب قرارًا من مجلس الأمن، إلا أن تركيا لم تستصدر بعد قرارًا من مجلس الأمن، فقد حاولت تركيا الحصول على دعمه في عام 2012، ولكنها فشلت بسبب الاعتراض الروسي[62]. غير أن هذا الموقف الروسي تطوَّر خلال عملية “نبع السلام” في 2019، حيث شكَّلت عائقًا أمام مشروع قرار أوروبي في مجلس الأمن يدين العملية التركية ويدعو لوقف الهجوم على شمال سوريا[63].

*****

هوامش

[1] Robert S. Ford, The Syrian Civil War a New Stage, But Is It the Final One? (Washington: The Middle East Institute, 2019), p. 1.

([2]] عصام عاشور، الرابحون والخاسرون من الانسحاب الأمريكى من سوريا، شؤون عربية، العدد 177، ربيع 2019، ص ص 94-95.

[3] بحر الزين مسعودي، الأزمة السورية في السياسة الخارجية الروسية والتركية من (2011-2019)، رسالة ماجستير، (الجزائر: كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، 2019)، ص ص 36- 37.

[4] Aaron Stein, Emily Burchfield, The Future of Northeast Syria, (Washington: Atlantic Council, August 2019), p. 12.

[5] للتعرُّف على بنود الاتفاق، راجع: أردوغان.. اتفاق تاريخي حول سوريا بين تركيا وروسيا، وكالة الأناضول، 22 أكتوبر 2019، تاريخ الاطلاع: 1 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/2DvSxTJ

[6] لمزيد من التفصيل حول هذه الأبعاد، انظر:

– Lokman B. Çetinkaya, Safe Zone: A Response to Large-Scale Refugee Outflows and Human Suffering, (Switzerland: Springer, 2017).

[7] Charlotte Hélène Schuringa, Turkey and its call for a safe area in Syria, Master Thesis, (Sweden: Uppsala University, 2016), p. 5.

[8] Lokman B. Çetinkaya, Op. cit., p. 57.

[9] حسين ألب تكين، المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها في سوريا: الأطراف والمواقف، مجلة رؤية تركية، مركز الدراسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية – سيتا، المجلد 8، العدد 4، خريف 2019، ص 123.

[10] Lokman B. Çetinkaya, Op. cit., p. 36.

[11] Humanitarian Needs Overview, Syrian Arab Republic, (UN: Strategic Steering Group, March 2019), p. 5.

(5) Ibid, p. 6.

[13] لمزيد من التفصيل حول هذه الحقائق الرقمية انظر:

– سوريا، موقع الأمم المتحدة، تاريخ الاطلاع: 29 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/VM3DH

– حالة الطواريء في سوريا، موقع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، تاريخ الاطلاع: 29 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/t7kAz

(1) Humanitarian impact of the military operation in northeastern Syria, OCHA Syria, Situation Report, No. 12, November 2019.

[15] سوريا: أحداث عام 2018، منظمة هيومان رايتس ووتش، تاريخ الاطلاع: 8 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

http://bit.ly/2s6TGhU

[16] بشأن تطور الموقف التركي من الأزمة السورية بصفة عامة، انظر:

– Francesco D’Alema, The Evolution of Turkey’s Syria Policy, Working Paper, (Ankra: IAI –, October 2017).

[17] حسين ألب تكين، المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها في سوريا: الأطراف والمواقف، مرجع سابق، ص ص 124-126.

[18] Turkey and U.S. Plan to Create Syria Safe Zone Free of ISIS, The New York Times, 27 July 2015, Accessed: 8 December 2019, Available at:

https://nyti.ms/2OTbwg4

[19] إردوغان: تركيا ستوسِّع المنطقة الآمنة شمال سوريا إذا لزم الأمر، الشرق الأوسط، 31 أكتوبر 2019، تاريخ الاطلاع: 29 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cutt.us/9i7qc

[20] راجع بصدد العوامل التي دفعت تركيا للتدخُّل في شمال سوريا بعمليات عسكرية: سبعرقود أحمد، بليحة سمير، دور السياسة الخارجية التركية في الشرق الأوسط 2002-2015: دراسة حالة الأزمة السورية، رسالة ماجستير، (الجزائر: كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة مولود معمري، 2015). ص ص 131-132.

[21] Charlotte Hélène Schuringa, Turkey and its call for a safe area in Syria, Op. cit., p. 46.

[22] مارك بيرني، رهان إردوغان الخطر، مركز كارينجي للشرق الأوسط، 16 أكتوير 2019، تاريخ الاطلاع: 23 نوفمير 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/MytE1

[23] حسين ألب تكين، المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها في سوريا: الأطراف والمواقف، مرجع سابق ، ص 126.

[24] مايكل هيرتسوغ، ترامب يغادر سوريا: الصورة من منظور إسرائيلي، 8 يناير 2019، تاريخ الاطلاع: 29 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/2stxXRy

[25] راجع بصدد الموقف الأمريكي من الانسحاب من سوريا:

– حسين ألب تكين، المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها في سوريا: الأطراف والمواقف، مرجع سابق ، ص 128.

– عصام عاشور، الرابحون والخاسرون من الانسحاب الأمريكى من سوريا، مرجع سابق ، ص ص 94-95.

[26] Robert S. Ford, Op. cit., p. 9.

[27] حسين ألب تكين، المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها في سوريا: الأطراف والمواقف، مرجع سابق ، ص 128.

[28] المرجع السابق ، ص ص 128-129.

[29] Robert S. Ford, The Syrian Civil War a New Stage, Op. cit., p. 7.

[30] بحر الزين مسعودي، الأزمة السورية في السياسة الخارجية الروسية والتركية من (2011-2019)، مرجع سابق ، ص ص 72-73.

[31] شرون مريم، الاستراتيجية الأمنية التركية تجاه سوريا 2011-2018، رسالة ماجستير، (الجزائر: كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، 2019)، ص 33.

[32] اتصالات سرِّية بين تركيا والنظام السوري، العربي الجديد، 22 أكتوبر 2019، تاريخ الاطلاع: 30 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/2R6G3tJ

[33] دعم موسكو بالمنطقة الآمنة في سوريا مرهون بموقف أنقرة في إدلب، وكالة الأناضول، 22 أكتوبر 2019، تاريخ الاطلاع: 30 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

http://bit.ly/2DtxVLE

[34] إيران: اتفاق المنطقة الآمنة شمال شرق سوريا مُستفز، التلفزيون السوري، 19 أغسطس 2019، تاريخ الاطلاع: 29 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/2R5bzYL

[35] Aniseh Bassiri, Raffaello Pantucci, Understanding Iran’s Role in the Syrian Conflict, (UK: RUSI, August 2016), pp. 7-8.

[36] لمزيد من التفصيل حول هذه الفكرة، راجع:

– Remziye Yilmaz-bozkus, Main determinants of Turkey’s Foreign Oil and Natural gas strategy, Journal of research in Economics, politics & finance, 2018, Vol. 3, No .2, p. 114.

[37] شرون مريم، الاستراتيجية الأمنية التركية تجاه سوريا 2011-2018، مرجع سابق ، ص 33.

[38] Country of Origin Information Report Syria: The security situation, (The Hague: CAB, July 2019), p. 57.

[39] Charlotte Hélène Schuringa, Turkey and its call for a safe area in Syria, Op.Cit., p34.

(*) اتفاق أضنة هو اتفاق بين تركيا وسوريا عام 1998 لنزع فتيل الأزمة بينهما آنذاك. وتعهدت سوريا بموجب الاتفاق إيقاف دعمها لحزب العمال الكردستاني، وألا تكون أراضي الدولتين مصدر تهديد للدولة الأخرى، والسماح لتركيا بالتدخُّل حتى 5 كلم داخل الأراضي السورية في حين فشلت سوريا في إيقاف أي تهديدات لتركيا، وقد شهدت العلاقات بين البلدين تطورًا إيجابيًّا من حينها. وحاليًّا، تعتبر تركيا الاتفاقية مسوغًا للتدخُّل العسكري المباشر. للمزيد حول ملابسات اتفاق أضنة، راجع:

– حامد السويداني، العلاقات التركية السورية 1998-2011، مجلة دراسات إقليمية، المجلد التاسع، العدد 27، 2012، ص ص 187-188.

[40] Murat Aslan, Turkey’s Reconstruction Model in Syria, (Istanbul: SETA, 2019), p. 35.

[41] حسين ألب تكين، المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها في سوريا، مرجع سابق ، ص ص 132-133.

[42] زينب مصطفى، تدابير بناء الشراكة: التوافق الروسي الإسرائيلي في سوريا، آفاق سياسية، العدد 42، أبريل 2019، ص ص 24-26.

[43] Robert S. Ford, The Syrian Civil War a New Stage, Op. cit., p. 16.

[44] لمزيد من التفصيل، راجع: تاموز أفيفي، وآرجان غانجي، انسحاب الولايات المتحدة من سوريا: متابعة ردود الفعل الإسرائيلية والإيرانية في وسائل الإعلام، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 10 يناير 2019، تاريخ الاطلاع: 30 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:http://bit.ly/33EvtMR

[45] Charlotte Hélène Schuringa, Turkey and its call for a safe area in Syria, Op. cit., p. 31.

[46] حول عمليات السلام التركية-الكردية، راجع: أنا فيلالا، محادثات السلام الجديدة في تركيا: الفرص والتحديات في حل النزاعات، مجلة رؤية تركية، المجلد الثاني، العدد 3، خريف 2013، ص ص 19-28.

[47] Charlotte Hélène Schuringa, Turkey and its call for a safe area in Syria, Op. cit., p. 35.

[48] Murat Aslan, Turkey’s Reconstruction Model in Syria, Op. cit., p. 32.

[49] Robert S. Ford, The Syrian Civil War a New Stage, Op. cit, pp. 7-8.

[50] Ibid., p. 11.

[51] مسؤول كردي: التفاهم بين “قسد” والجيش السوري عسكري بحت، روسيا اليوم، 14أكتوبر 2019، تاريخ الاطلاع: 1 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

http://bit.ly/34Fv1PO

[52] أردوغان يعلن انطلاق عملية نبع السلام بشمال سوريا، وكالة الأناضول، 9أكتوبر 2019، تاريخ الاطلاع: 5 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/34zF5tu

[53] للمزيد حول التطورات الميدانية والسياسية لعملية نبع السلام، راجع:

– التطورات أولًا بأول .. تغطية مباشرة لعملية نبع السلام، TRT عربي، 12 أكتوبر 2019، تاريخ الاطلاع: 7 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

http://bit.ly/2YzWGQh

– تطورات عملية “نبع السلام” التركية في سوريا يومًا بيوم، الجزيرة.نت، 17 أكتوبر 2019، تاريخ الاطلاع: 7 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/3518ygy

[54] للمزيد انظر:

– نائب الرئيس الأمريكي يعلن وقف العملية العسكرية التركية في سوريا، سي إن إن عربي، 17 أكتوبر 2019، تاريخ الاطلاع: 5 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cnn.it/2pNyi0e

– تفاصيل وبنود اتفاق وقف إطلاق النار في شمال سوريا، سي إن إن العربية، 17 أكتوبر 2019، تاريخ الدخول 3 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:  https://cnn.it/34ExxWp

[55] اتفاق روسي تركي حول شمال سوريا، روسيا اليوم، 22  أكتوبر 2019، تاريخ الاطلاع: 5 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/2qp38wf

[56] ترامب يشيد بالتدخل التركي في شمال سوريا: الحدود آمنة ووقف إطلاق النار مستقر، سي إن إن عربي، 4 ديسمبر 2019، تاريخ الاطلاع: 7 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://cnn.it/2Po3Fr4

[57] تركيا: نحتفظ بحقنا في مواصلة “نبع السلام” حال عدم الوفاء بالتعهدات، وكالة الأناضول، 6 ديسمبر 2019، تاريخ الاطلاع: 7 ديسمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

http://bit.ly/2RokVPI

[58] التموضعات الجديدة للمعارضة والنظام والأكراد وداعش في سوريا بعد نبع السلام، ندوة لمركز الجزيرة للدراسات، موقع يوتيوب، 7 ديسمبر 2019. متاح عبر الرابط التالي: https://youtu.be/wtSnNCD021A

(*) الجيش السوري الحر سابقًا.

[59] Robert S. Ford, The Syrian Civil War a New Stage, Op. cit., pp. 7-8.

[60] بصدد هذه الفكرة؛ انظر:

– Anne Sofie Schøtt, From the Forgotten People to World-Stage Actors: The Kurds Of Syria, (Copenhagen: Royal Danish Defence College, June 2017), pp. 17-19.

[61] اتفاق الأكراد مع نظام الأسد… من المستفيد الأكبر؟، فرانس 24،  14 أكتوبر 2019، تاريخ الاطلاع: 5 ديسمبر 2019:

http://bit.ly/2DxTlaz

(*) يشار إلى بدء اجتماعات لجنة صياغة الدستور السوري بين وفدي النظام والمعارضة في 30 أكتوبر 2019، رغم صدور قرار الأمم المتحدة 2245 في عام 2015، الذي دعا لانعقاد لجنة لتعديل الدستور السوري.

[62] بشير عبد الفتاح، تركيا ومأزق المنطقة الآمنة بسوريا، الجزيرة.نت، 30 نوفمبر 2019، تاريخ الاطلاع: 6 ديسمبر 2019،متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/33xDAuR

[63] مجلس الأمن يناقش بيانا يدعو أنقرة للعودة إلى الدبلوماسية بعد عمليتها العسكرية بسوريا، فرانس 24، 10 أكتوبر 2019، تاريخ الاطلاع: 30 نوفمبر 2019، متاح عبر الرابط التالي:

http://bit.ly/34v6NYB

 

 فصلية قضايا ونظرات- العدد السادس عشر – يناير 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى