القضاء التام على الجوع: التعامل الدولي الإغاثي مع سياسة التجويع الإسرائيلية في غزة وضرب الأونروا

مقدمة:
“الولاد ماتوا من دون ما ياكلوا، يشهد علي الله”، لعلك حين تقرأ هذه الجملة يستحضر عقلك مباشرة صرخات تلك المرأة الفلسطينية المفجوعة بمقتل أولادها في وسط إحدى مستشفيات قطاع غزة، وإذا كنت من متابعي الأحداث فلا شك ستكون قد مرَّت عليك صور صغار غزة وهم يقفون بأوانيهم أمام إحدى تكيات الطعام كملاذ أخير لهم من الجوع الذي نهش أجسامهم، أو قرأت مئات المنشورات عن هؤلاء الذين أكلوا القطط وصنعوا من علف الحيوانات خبزًا، أو عن مجزرة الطحين، أو هذا الذي سقط عليه صندوق مساعدات من الجو فقتله، وما أكثر حكايا الجوع التي بثها مليونا إنسان على مدار خمسة عشر شهرًا على مختلف وسائل التواصل والإعلام، في سابقة لم نشهدها في تاريخنا المعاصر.
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر ٢٠١٥ خطة التنمية المستدامة لعام ٢٠٣٠، وجاء في ديباجة القرار: “تمثل هذه الخطة برنامج عمل لأجل الناس وكوكب الأرض ولأجل الازدهار، وهي تهدف أيضا إلى تعزيز السلام العالمي في جو من الحرية أفسح..، ونتعهد، ونحن مقبلون على هذه الرحلة الجماعية، بألا يخلف الركب أحدًا وراءه”. واتسمت الخطة -بحسب تعريف الأمم المتحدة- بأنها خطة عالمية، شاملة، والأهم أنها جامعة: أي تشمل الجميع من دون أيّ استثناء، وترنو إلى بناء عالم يسود جميع أرجائه احترام المساواة وعدم التمييز بين البلدان وداخلها، وتؤكد مسؤوليات جميع الدول عن “احترام حقوق الإنسان وحمايتها وتعزيزها، دونما تمييز[1].
تستهدف الخطة تحقيق سبعة عشر هدفًا، الأهداف السبعة الأولى موجهة للإنسان في حفظ وجوده ابتداءً، وتنمية معيشته بتلبية احتياجاته الأولية من مأكل ومشرب وملبس، وصحة وتعليم جيد، ومساواة بين الجنسين في تحصيل هذه الأشياء. فالهدف الأول هو القضاء على الفقر، بينما الهدف الثاني “القضاء التام على الجوع”، وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسنة وتعزيز الزراعة المستدامة، وضمان حصول الجميع، ولا سيما الفقراء والفئات الضعيفة -بمن فيهم الرضع-، على ما يكفيهم من الغذاء طوال العام بحلول عام ٢٠٣٠[2].
الآن تجاوز “الركب العالمي” أكثر من نصف المدى الزمني المحدد لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والتي منها القضاء على الجوع، ورغم ذلك هناك شعب كامل تركه هذا الركب خلفه، ليجوَّع من قِبل إسرائيل -أحد الموقعين على الوثيقة النهائية للتنمية المستدامة-. وهو ما يدفعنا للتساؤل: بالرغم من خطط التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وترسانة القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، ومئات الهيئات الإغاثية الدولية؛ لماذا فشلت جهود الإغاثة الدولية في وقف سياسات التجويع الإسرائيلي في غزة؟
أولًا- سياسة التجويع الإسرائيلي
ليس استخدام إسرائيل لسياسة التجويع في حربها الأخيرة على غزة هي المرة الأولى، فاستخدامها الغذاء كسلاح استراتيجية تتجذر في تاريخها وعمرها من عمر قيام دولة الاحتلال، وهذه الاستراتيجية منحها لهم النظام الدولي بتقسيمه التعسفي لفلسطين، وبنوا هم عليها وطوروها. ففي عام 1947، اعتمدت الجمعية العامة القرار 181 وأوصت بتقسيم أراضي فلسطين إلى “دولة يهودية” و”دولة عربية”، مع وضع القدس تحت الإدارة الدولية؛ أعطى التقسيم 55.5٪ من إجمالي مساحة فلسطين لليهود (معظمهم كانوا مهاجرين جددا) الذين كانوا يشكلون أقل من ثلث السكان ويمتلكون أقل من 7٪ من الأراضي، أمّا الفلسطينيون، الذين كانوا يشكلون أكثر من ثلثي السكان ويمتلكون الأغلبية العظمى من الأراضي، فقد اقترح إعطاءهم 45.5٪ من الوطن الذي كان ملكا لهم بصورة متواصلة منذ مئات الأعوام. وما جعل اقتراح الأمم المتحدة أكثر ظلمًا، واعتداءً على حق الفلسطينيين في الغذاء وتمهيدًا لتجويعهم المستقبلي، هو حقيقة مفادها أن 84٪ من الأراضي الزراعية كانت من المفترض أن تذهب إلى الدولة اليهودية، في حين لم يتبقَ للدولة العربية سوى 16٪ فقط[3].
وبغطاء من السلطات البريطانية وغياب إشراف الأمم المتحدة، هجَّرت العصاباتُ الصهوينية وشردت أكثرَ من نصف الشعب الفلسطيني، فيما عرف تاريخيًا بأحداث “النكبة”، التي أسفرت عن تحول ما بين نصف إلى ثلثي الشعب الفلسطيني إلى لاجئين، وحُرموا منذ ذلك الحين من حقهم في العودة إلى قراهم وبلداتهم، وأصبح أولئك الذين بقوا داخل الأراضي المحتلة نازحين داخليًا، وفي أقل من عام أصبح من الواضح أن إسرائيل كانت بالفعل تجوِّع اللاجئين الفلسطينيين، لذا ظهرت الحاجة لإنشاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” (في ديسمبر1949)، لمنع ظروف المجاعة والضيق بين اللاجئين الفلسطينيين[4].
بعد حرب عام 1967، واحتلال إسرائيل لباقي الأراضي الفلسطينية، عمد الاحتلال لتقييد الحركة ما بين غزة والضفة، مما يحول دون تبادل البضائع والأغذية فيما بينهما، ويزيد من اعتماد هذه المناطق على إسرائيل في الحصول على ما تريده من بضائع وغذاء، وهو ما يهدد سيادة الفلسطينيين على طعامهم وإمكانية الوصول له. وعلى مدار السنوات زادت القيود الإسرائيلية على حركة البضائع -بل والناس أنفسهم- بين الأراضي الفلسطينية، مثلما حدث في أعقاب الانتفاضة الأولى التي بدأت في عام 1987[5]، وكرد فعل كذلك على الانتفاضة الثانية. وشددت إسرائيل قبضتها وبدأت حصارها على غزة في عام 2000، مما أدى إلى تقييد حركة البضائع والأشخاص إلى داخل وخارج غزة بشكل كبير.
من جهة أخرى أصبح الإغلاق بعد عام 2000 هو الوضع الطبيعي الجديد، ولأجل إحكام جيش الاحتلال الإسرائيلي قبضته على المقاومة الفلسطينية آنذاك استولى على ما بين 10 و20٪ من الأراضي الزراعية في غزة، وقيَّد وصول الصيادين إلى البحر. ونتيجة لذلك، تضاعف عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية من عام 2000 إلى عام 2002، وتهدد الأمن الغذائي لسكان القطاع جميعًا[6].
ومع نهاية الانتفاضة الثانية في عام 2005، سحبت إسرائيل قواتها من غزة وفككت المستوطنات، لكنها واصلت حصارها للقطاع، وزادت من تقييدها لحركة الأشخاص والبضائع من خلال التعامل مع حدودها مع غزة باعتبارها حدودًا دولية وسكان غزة كأجانب. وفي عام 2007، بعد انتخاب حماس، باتت إسرائيل تصف غزة بالأرض المعادية؛ فأنشأت منطقة عازلة من على بعد حوالي 1.5 كيلومتر من الحدود، وتغطي حوالي 62.6 كيلو متر مربعًا -أي حوالي 35 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة في غزة- مما جعل الفلسطينيين غير قادرين على الوصول إلى هذه المناطق كليًا أوجزئيًا، وسيطرت على كل المنافذ للقطاع باستثناء معبر رفح، مما سمح لها بفحص كافة المواد الغذائية الداخلة للقطاع ومنع بعضها، سلبت هذه الرقابة الشاملة على فلسطينيي غزة سيادتهم على طعامهم وحرمتهم أمنهم الغذائي.
وبات واضحًا استخدام إسرائيل الغذاء كسلاح[7]، ووفقًا لدوف فايسجلاس مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت، فإن “الفكرة هي وضع الفلسطينيين على نظام غذائي، ولكن ليس جعلهم يموتون من الجوع”؛ بمعنى السماح فقط بكمية كافية من البضائع للدخول إلى غزة بحيث تجعل الناس يشعرون بالجوع ولكن دون تجاوز “الخط الأحمر” وإحداث أزمة إنسانية، حتى إن وزارة الصحة الإسرائيلية تحسب السعرات الحرارية اللازمة لمختلف الفئات العمرية وللجنسين في غزة، ثم تستخدم هذه البيانات لتحديد كمية المواد الغذائية الأساسية التي تسمح بدخولها إلى القطاع كل يوم، فضلًا عن عدد الشاحنات اللازمة لنقل هذه الكمية[8].
أما بالنسبة للأمن الغذائي للقطاع في السنوات العشر قبل السابع من أكتوبر، فمنذ عام 2014، قامت إسرائيل بشكل متكرر بتجريف وتدمير الأراضي الزراعية في غزة، والقيام بشكل دوري برش مبيدات الأعشاب والمواد الكيميائية الأخرى من الجو على الأراضي، مما أدى إلى قتل النباتات والمحاصيل الزراعية الواقعة في المنطقة العازلة، وإتلاف مساحات شاسعة من الأراضي ومحاصيل المزارعين الفلسطينيين على مر السنين، وتلويث للأرض يستهدف حياة الفلسطينيين على المدى البعيد.
ومن جهة أخرى تحكمت إسرائيل في أنواع البذور التي ستدخل إلى القطاع، بالإضافة إلى أن ٧٠٪ من الماشية التي كانت ترعى في المنطقة العازلة تضررت، كما أنه دائمـًا مـا يتـم منـع الفلسـطينيين مـن الوصـول لتلـك المسـافة، وتقلّص إسرائيل الصيد بشكل تعسفي لحدود بحرية لا تتجاوز في أفضل الأحوال 12 ميلًا بحريًا، رغم أن اتفاقية أوسلو تنص على السماح للفلسطينيين بالإبحار حتى مسافة ٢٠ ميلًا بحريًا؛ كل هذا يعد انتهاكًا واضحًا لحق الإنسان في الغذاء، وجعل ٥ من كل ١٠ أسر تعاني من انعدام الأمن الغذائي.
وإذا ما أضفنا هنا حقيقة أن ٦٦٪ من سكان القطاع لاجئين، و٨٠٪ من سكانه يعيشون على المساعدات والمعونات، وأن التصعيدات الإسرائيلية على مدى سنوات الحصار تخلف وراءها آلاف البيوت والبنى التحتية المدمرة، ومئات العائلات بلا عائل، فإنها تؤكد حقيقة أن قطاع غزة يعاني منذ سنوات من حصار أفقره وجوَّع أهله وأظلم أفق مستقبلهم، ما دفع أهلها لمحاولة كسر الأسوار في السابع أكتوبر[9].
ثانيًا- التجويع: كسلاح في الحرب
يعدُّ حظر استخدام الجوع كسلاح ضد المدنيين في زمن الحرب مبدأ أساسيًا في القانون الدولي الإنساني، ويتم ترسيخ هذا المنع في عدة وثائق قانونية دولية، بما في ذلك البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف لعام 1949، والذي يحظر استخدام الجوع كوسيلة للحرب ضد المدنيين[10]. رغم ذلك، فمنذ السابع من أكتوبر ودولة الاحتلال الإسرائيلي تستخدم التجويع كأحد الأسلحة الضارية ضد أهل غزة، وقد أدلى مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى -منهم وزير الدفاع يوآف غالانت، ووزير الأمن القومي إيتمار بن جفير- بتصريحات علنية أعربوا فيها عن هدفهم المتمثل في حرمان المدنيين في غزة من الغذاء والماء والوقود[11].
لذا فعلى مدار ما يزيد عن خمسة عشر شهرًا وصل انعدام الأمن الغذائي هناك إلى معدلات مروعة؛ حيث ضربت القطاعَ مجاعةٌ مهلكةٌ خاصةً مناطق الشمال. ووفقًا لتقديرات مجموعة الشركاء العالميين للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، فقد صنفت المجموعة جميع سكان قطاع غزة (نحو2.2 مليون شخص) في المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي المتكامل (مرحلة الأزمة أو ما هو أسوأ) في الفترة ٨ ديسمبر 2023 حتى ٧ فبراير 2024، لكن الأوضاع ما لبثت أن وصلت بعد ذلك إلى المرحلة الخامسة “الكارثة”.
ويقاس حصول الإنسان على حقه في الغذاء بمدى تحقق أمنه الغذائي، وللأمن الغذائي أبعاد أربعة سنستخدمها هنا لتتبع سياسات التجويع المتعمد التي ارتكبها الاحتلال على مدار خمسة عشر شهرًا[12].
- توفر الغذاء
يُقصد بتوفر الغذاء: توفر كميات كافية من الغذاء ذي الجودة الملائمة، إما عن طريق الإنتاج المحلي أو الاستيراد من الخارج، بما في ذلك المساعدات الغذائية. وقد تعمد الاحتلال الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة التدمير الممنهج للأراضي الزراعية في وسط القطاع وشماله، والتي تشكل ثلثي المساحة الزراعية، وتساهم في إنتاج أكثر من ثلثي غذاء قطاع غزة، وخصوصًا الخضروات، وكانت هذه المناطق حتى لحظة اجتياحها توفر 60 ألف طن من الخضروات والمحاصيل الحقلية. وقد حُرم السكان في غزة من هذه الكميات من الغذاء أولًا عن طريق منع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم لحصادها، ثم بالتجريف المتعمد لها؛ ففي أكتوبر الماضي أفاد تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة “الفاو” أن حوالي ٦٧.٧٪ -أي أكثر من ثلثي الأراضي الزراعية بغزة- تضررت بفعل العدوان الإسرائيلي، وكانت هذه النسبة تبلغ 57.3 ٪ في مايو، و42.6 ٪ في فبراير 2024[13].
أما بالنسبة للإمدادات والمساعدات القادمة من الخارج فقد عرقل الاحتلال دخولها للقطاع، من خلال إما إغلاق المعابر بالكامل كمعبر رفح جرّاء تدميره من قوات الاحتلال الإسرائيلية، أو السماح بدخول أعداد ضئيلة جدًا من الشاحنات وتشديد القيود الأمنية عليها. فعلى سبيل المثال كان متوسط عدد الشاحنات اليومي من معبر كرم أبوسالم في فبراير الماضي لا يتجاوز ٩٨ شاحنة، في حين أن القطاع كانت تكفي احتياجاته بالكاد من ٥٠٠-٦٠٠ شاحنة قبل الحرب. ومع تراجُع الإنتاج الزراعي، وتجريف الأراضي، وانهيار النشاطات المرتبطة بالزراعة، سواء المتعلقة بتربية الثروة الحيوانية أم بإنتاج المحاصيل الزراعية، وتوقف صيد الأسماك بعد تدمير ميناء الصيد، وما رافق ذلك من توقف للصناعات فإن حتى ٥٠٠ شاحنة لم تكن لتفي باحتياجات القطاع[14].
- القدرة على الوصول إلى الغذاء
يُقصد بالقدرة على الوصول إلى الغذاء تمتُع الأفراد بإمكان الوصول “ماديًا، وماليًا، واجتماعيًا” إلى الموارد الكافية للحصول على الغذاء المناسب لنظام غذائي صحي. فعلى الصعيد المادي، حالت عمليات القصف المتواصلة دون قدرة الناس على الوصول إلى الأسواق والمزارع، وصيد الأسماك. ومن ناحية الوصول اجتماعيًا، والذي يعني قدرة الناس على الوصول إلى الأغذية عبر الشبكات الاجتماعية؛ فقد تراجعت بصورة كبيرة في قطاع غزة، وهذا بسبب حالات النزوح المتكررة طوال الحرب، فأضحت جميع الأسر في حاجة إلى المساعدات الغذائية. وقد أدى العدوان إلى إضعاف القدرة الاقتصادية لدى الأُسر على الوصول ماليًا إلى الغذاء، إذ فَقَدَ معظم الأُسر مصادر دخلهم وسبل عيشهم، بما في ذلك العاملون في سوق العمل الإسرائيلي، والصيادون، ونسبة عالية من المزارعين، والذين لحقت بمنشآتهم وأعمالهم الزراعية أضرار كبيرة نتيجة العدوان.
ووفقًا لتقرير منظمة العمل الدولية في أكتوبر الماضي، كان ما يقرب من ١٠٠٪ من سكان غزة يعيشون في فقر، بالإضافة إلى أن معدل انكماش الاقتصاد تجاوز ٨٤٪، في حين كان معدل البطالة ٧٩.٩٪؛ وهي نسب مذهلة على حد وصف التقرير. ترافق هذا مع ارتفاع غير مسبوق في الأسعار؛ حيث جاء في تقرير للبنك الدولي في سبتمبر الماضي أن نسبة التضخم وصلت إلى ٢٥٠٪[15].
- استخدام الغذاء
يُقصد باستخدام الغذاء الاستفادة منه عبر نظام غذائي مناسب، والمياه النظيفة، والصرف الصحي، والرعاية الصحية؛ للوصول إلى حالة من الرفاه الغذائي، حيث تتم تلبية جميع الحاجات الفسيولوجية. وهذا البعد يسلط الضوء على أهمية المدخلات غير الغذائية في تحقيق الأمن الغذائي.
وتكاد تكون كل هذه العناصر قد انتفت من قطاع غزة منذ ما يزيد عن خمسة عشر شهرًا، هذا بالإضافة إلى ترديها قبل ذلك بفعل الحصار؛ إذ لم يعد في إمكان الأُسر في القطاع اتّباع نظام غذائي متوازن، واعتمدت غالبية الأسر على ما يصل إليها من معلبات، بل اضطر المواطنون -وخصوصًا في شمال قطاع غزة- إلى استخدام أعلاف الحيوانات لصناعة الخبز، بما تحمله من مخاطر صحية، وخصوصًا على الأطفال. أمّا بالنسبة لإمكان الوصول إلى المياه، فقد أوقف الاحتلال الإسرائيلي إمدادات المياه إلى قطاع غزة بالكامل، ودمر أكثر من ٨٠٪ من مصادر المياه وبُناها التحتية في غزة، بالإضافة إلى أن مياه الشرب المتوفرة تعرضت لتلويث كبير خلال فترة العدوان نتيجة القنابل السامة التي تحتوي على مواد خطيرة ومعادن ثقيلة اختلطت بالتربة ولوثتها، وتسربت إلى باطن الأرض وأدت إلى تلويث الخزان الجوفي بالكامل، ويعد الأخير مصدر المياه الوحيد المتاح أمام المواطنين. وهذا كله له انعكاسات خطيرة تعمق من انعدام الأمن الغذائي بالقطاع[16].
- استقرار الغذاء
يُقصد باستقرار الغذاء أنه كي يكون الغذاء آمنًا، فيجب أن يحصل السكان أو الأُسرة أو الفرد على ما يكفي من الغذاء في جميع الأوقات، دون مخاطرة. وكما ذُكر سابقًا فقد أدى العدوان إلى تراجُع -بل ربما توقف- الإنتاج الغذائي المحلي في قطاع غزة بصورة كبيرة، ونشاطات صيد الأسماك، وأدت التقييدات على المعابر الواصلة إلى القطاع إلى انقطاع إمدادات الغذاء الكافية لسد حاجات السكان، تزامن هذا مع تراجع القدرة الاقتصادية للسكان على الوصول إلى الغذاء، بسبب انكماش الاقتصاد وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وتضخم الأسعار، وانقطاع إمدادات المياه والطاقة، وتدمير البنية التحتية، ضربت كل هذه العوامل استقرار الغذاء في مقتل.
وبحسب تقديرات مجموعة الشركاء العالميين للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، فإن جميع الأُسر في قطاع غزة تقريبًا عانت أثناء الاعتداء الإسرائيلي من انعدام كارثي في الأمن الغذائي، لكن الكيان المحتل يسعى لمفاقمة الأوضاع على المدى البعيد ليس لأهالي القطاع وحده وإنما لكافة اللاجئين الفلسطينيين، من خلال سعيها لتفكيك وضرب الأونروا.
- قصة الأونروا
بعد أقل من ثلاثة أشهر على هذه الحرب نقل موقع “تايمز أوف إسرائيل” تقريرًا عن القناة العبرية ١٢، يكشف تفصيلات وثيقة سرية لوزارة الخارجية الإسرائيلية، سُربت إلى القناة، وترمي إلى استبعاد الأونروا من غزة في مرحلة ما بعد الحرب. وتوصي الوثيقة بتطبيق خطة متدرجة من ثلاث مراحل لتحقيق هذا الهدف؛ تتضمن المرحلة الأولى إعداد تقرير شامل بشأن ما تدعيه إسرائيل من أن الأونروا تتعاون مع حركة “حماس”، وتتضمن المرحلة الثانية تقليص عمليات الأونروا في المناطق الفلسطينية، بينما يجري البحث عن منظمات أخرى لتقديم خدمات التعليم والخدمات الاجتماعية؛ يتم في المرحلة الثالثة نقل وظائف الأونروا كلها إلى الهيئة التي ستحكم غزة وتديرها ما بعد الحرب[17].
وفي يناير ٢٠٢٤ أعد جهاز الموساد تقريرا يتضمن اتهامات لـ12 من موظفي الوكالة في غزة بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر وسلم إلى مسؤولي الأونروا، وجاء في التقرير أيضًا أن نحو10٪ من أصل 13 ألف موظف في غزة مرتبطون بحركتي حماس والجهاد الإسلامي. وعلى مدار العدوان الإسرائيلي تعرضت مقرات الأونروا ومراكز الإيواء التابعة لها لقصف قوات الاحتلال، وأضرم المستوطنون النار مرتين في محيط مقر الأونروا الرئيسي في حي الشيخ جراح في القدس خلال مايو 2024 تحت حماية شرطة الاحتلال، الأمر الذي اضطر الوكالة الأممية إلى إغلاقه إلى حين توفير إجراءات الأمن الملائمة.
حتى مرر الكنيست الإسرائيلي أكتوبر الماضي قانونين؛ يقضي الأول بمنع الأونروا من “تشغيل أي مؤسسات، أو تقديم أي خدمات، أو القيام بأي أنشطة، بشكل مباشر أو غير مباشر” في إسرائيل، بينما ينص الثاني على أن المعاهدة التي وقعت بين إسرائيل والأونروا في أعقاب حرب 1967 ستنتهي صلاحياتها في غضون أسبوع. وأعلنت “سلطة أراضي إسرائيل” لاحقًا الاستيلاء على الأرض المقام عليها مقر الأونروا الرئيسي، من أجل تحويلها إلى بؤرة استيطانية. فلماذا تسعى إسرائيل لضرب الأونروا؟[18]
يجسد وجود الأونروا في حد ذاته المسؤولية الدولية عن خلق مشكلة اللاجئين، فهي على حد تعبير الأميركي جون ديفيس مدير الأونروا في عام ١٩٥٩ “تكلفة منخفضة الثمن يدفعها المجتمع الدولي مقابل عدم حل المشاكل السياسية للاجئين الفلسطينيين”. ففي عام ١٩٤٩ حاولت الأمم المتحدة التعامل مع مشكلة اللاجئين الفلسطينيين التي نتجت عن قرار التقسيم ١٨١ الذي أقرته عام ١٩٤٧، والذي أعطت بموجبه الحركة الصهيونية زورًا وبهتانًا دولة تمتد على أكثر من نصف مساحة فلسطين آنذاك، مما أدى إلى طرد نصف الشعب الفلسطيني من أراضيه في غضون ستة أشهر[19]. لذا أصدرت الأمم المتحدة القرار ١٩٤ الذي ينص على “وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم”.
وبموجب نفس القرار أُنشئت “لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين” وكآلية لتنفيذه، ومع فشل محاولات إعادة اللاجئين، أوصت اللجنة بضرورة تأمين عمل للاجئين، وإعادة دمجهم في أماكن لجوئهم الجديدة، عبر برامج تنمية اقتصادية وإغاثية، ومن ثم أُنشئت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى “الأونروا” بموجب قرار “٣٠٢”، كآلية مؤقتة، تمول عبر تبرعات طوعية للدول الأعضاء بالأمم المتحدة، لتوفير الحاجات الأساسية لأكثر من مليون لاجئ فلسطيني انتهى بهم الأمر في العيش بمخيمات في الضفة الغربية وغزة والأردن وسوريا ولبنان، ويجدد تفويض الأونروا كل ثلاث سنوات، ويمتد تفويضها الأخير حتى يونيو٢٠٢٦.[20]
تُشرف الأونروا الآن على ٥٨ مخيمًا للاجئين الفلسطينيين في الداخل والشتات، وتقدم المساعدات الإغاثية لما يقرب من ٥.٩ لاجئ فلسطيني، بالإضافة لتقديمها الخدمات التعليمية والصحية لهؤلاء اللاجئين، فهي تشرف على حوالي ٧٠٦ مدرسة تابعة لها، و١٤٠ منشأة صحية. وعلى الرغم من محورية الدور الإغاثي والإنساني للأونروا، لكن لها دور سياسي أهم تقدمه بوجودها للقضية الفلسطينية؛ فمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لا تمنح صفة اللاجئ تلقائيا لأحفاد اللاجئين، وقد ترى إلغاء صفة اللاجئ في ضوء الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية، واكتساب الجنسية في بلد آخر؛ في المقابل تضيف الأونروا نحو عشرة آلاف لاجئ جديد من الجيل الخامس والسادس إلى قوائمها شهريا؛ وتعترف بنحو مليوني مواطن أردني من أصل فلسطيني كلاجئين فلسطينيين.
هناك فارق آخر يتعلق بالأهداف التي تسعى كل وكالة إلى تحقيقها: ففي حين تسعى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى إعادة توطين اللاجئين في أماكن لجوئهم وبالتالي تقليص أعدادهم، فإن الإطار التشغيلي للأونروا يعزز النموذج القائل بأن وضع اللاجئين الفلسطينيين وأحفادهم، لا يمكن تحسينه إلا بالعودة إلى ديارهم الأصلية؛ فالأونروا تحول دون نزع الأصل السياسي لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وتمثل شاهدًا دوليًا على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين لأراضيهم، ومن هنا فإن حديث القادة الإسرائيليين المتكرر عن تفويض مهامها لجهة إنسانية أخرى إنما هي إحدى محاولات تصفية القضية الفلسطينية بتصفية الأصل السياسي للقضية واختزاله في البعد الإنساني الإغاثي[21].
ثالثًا- الموقف الإغاثي الدولي من التجويع:
- التقارير الدولية:
أصدرت مختلف الهيئات الدولية العاملة في قطاع غزة على مدى العدوان الإسرائيلي على القطاع مئات تقارير تحذر من تفشي المجاعة والأمراض الفتاكة، ووصول القطاع إلى مستويات غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي. ففي يناير ٢٠٢٤ أصدر برنامج الغذاء العالمي تقريرا يفيد بأن العمل الإنساني في القطاع مقيد بشكل خطير؛ بسبب إغلاق جميع المعابر -باستثناء معبرين حدوديين في الجنوب- وعملية الفحص متعددة المراحل للشاحنات القادمة إلى غزة. كما أنه بمجرد دخول القطاع، فإن الجهود الرامية إلى إنشاء نقاط توزيع للمساعدات تتعرض للعرقلة بسبب عمليات القصف وجبهات القتال المتغيرة باستمرار، مما يهدد سلامة سكان غزة وكذلك العاملين في الأمم المتحدة والمجال الإنساني الذين يسعون جاهدين لإيصال المساعدات.
كذلك ذكر تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، الذي يشارك في إعداده عدد من الوكالات الإنسانية، أن كل قطاع غزة يُصنف بأنه في حالة طوارئ وهي المرحلة الرابعة من التصنيف التي تسبق المجاعة (المرحلة الخامسة)، وأفاد التقرير بأن أكثر من 495 ألف شخص (22٪ من السكان) يواجهون مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في المرحلة الخامسة، التي تواجه فيها الأسر نقصا شديدا للغذاء والتضور جوعا واستنفاد القدرة على المواجهة[22].
وفي يوليو أحال الأمين العام للأمم المتحدة تقريرًا أعده المقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء بالأمم المتحدة مايكل فخري، تحدث فيه عن أن إسرائيل في التاسع من أكتوبر ٢٠٢٣ أعلنت عن حملتها التجويعية ضد قطاع غزة، وبحلول ديسمبر كان أهل غزة يشكلون حوالي ٨٠٪ من سكان العالم الذين يعانون من المجاعة أو الجوع الكارثي. وقال إنه لم يحدث في التاريخ أن جُوِّع شعبًا كاملًا بهذه السرعة، وأضاف أن التجويع هو أحد أكثر الطرق وحشية لمهاجمة السيادة الغذائية لمجتمع أو شعب، وقد حدث في القطاع عبر عدة أساليب منها الحصار والحرمان من المياه وتدمير النظام الغذائي والتدمير العام للبنية التحتية المدنية. وغالبًا ما يؤدي التجويع إلى النزوح الداخلي القسري والهجرة القسرية[23].
كذلك كانت الأونروا تصدر تقارير أسبوعية على مدى الحرب ترصد فيها كافة الأوضاع الإنسانية في القطاع، وصعوبات إيصال الإمدادات المرتبطة بالبنية التحتية المدمرة وشح أماكن التخزين. لكن على الرغم من كم التقارير الصادر على مدى الخمسة عشر شهرًا بكارثية الأوضاع، فإن التحركات الحقيقية لمختلف القوى الدولية لم تكن بالقدر المأمول، ولم تكفِ لحماية أهالي القطاع من الوحشية الإسرائيلية.
- القانون الدولي:
بموجب القانون الدولي، تتحمّل إسرائيل، باعتبارها قوّة احتلال، مسؤوليّات وواجبات قانونية محدَّدة تجاه السكَّان المدنيين في قطاع غزة، فهي ليست مُلزَمة بعدم الإضرار بهم فحسب، بل بحمايتهم أيضًا. وباعتبارها دولة موقّعة على اتفاقيات جنيف، فإنّ إسرائيل مُلزَمة دوليًا بحماية السكّان المدنيين الواقعين تحت احتلالها وضمان رفاهيتهم وحقوق الإنسان الخاصّة بهم. وتنصّ المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة على حظر العقاب الجماعي، وتلزم المادة 59 المحتل بتسهيل جهود وخطط الإغاثة في حال عدم توفّر إمدادات كافية في المناطق الواقعة تحت سيطرته.
بناء على ذلك تقدّمت حكومة جمهورية جنوب أفريقيا في ديسمبر 2023[24] بدعوى قضائية لدى محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، تتهمها فيها بانتهاك التزاماتها بموجب أحكام “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”. وتضمنت مذكرة الدعوى طلبًا للبتّ في التدابير المؤقتة (كإجراء فرعي مُستعجل)، لذا ففي يناير ٢٠٢٤، صدر حكم من محكمة العدل الدولية يُلزم إسرائيل بمنع الإبادة الجماعية واتخاذ إجراءات فورية وفعّالة للسماح بتوفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تمسّ الحاجة إليها»، ومنحتها شهرًا واحدًا لتقديم تقرير بشأن التدابير التي اتخذتها للامتثال لهذا القرار.
وفي مارس فرضت محكمة العدل الدولية مزيدًا من القيود على إسرائيل، وانضمت إلى الدعوى دول أخرى على مدى فترة العدوان، حتى أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر الماضي مذكرات اعتقال بحق كل من بنيامين نتنياهو (رئيس الحكومة الإسرائيلية) ويوآف غالانت (وزير الدفاع الإسرائيلي السابق).
وقد رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كافة الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية، وتوعَّد بأنَّ إسرائيل سوف تواصل الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها، بالتوازي مع الالتزام بالقانون الدولي، ومن ثم لم تكفِ قوة القانون الدولي لإيقاف العدوان الإسرائيلي[25].
- المساعدات الإنسانية:
منذ الأيام الأولى للحرب ومطار العريش الدولي في سيناء يستقبل شحنات المساعدات الإنسانية، وأعلن الهلال الأحمر المصري في الأول من نوفمبر٢٠٢٣ وصول أطنان مساعدات من الداخل المصري، بالإضافة لأكثر من ٢٧ دولة حول العالم. تزايدت المساعدات بعد ذلك، وتوالت الإعلانات من الدول عن وصول طائراتها لمطار العريش، ثم في الشاحنات على بوابة الجانب المصري معبر رفح، إلا أن إسرائيل أغلقت كل المنافذ أمام دخول المساعدات، وكانت تسمح بدخول ما لا يتجاوز ١٠٪ من احتياجات القطاع اليومية عبر منفذي رفح وكرم أبوسالم.[26]
ومع استمرار تعنت الاحتلال أمام دخول المساعدات قامت العديد من الدول بعمليات إنزال جوي للمساعدات؛ ففي مارس ٢٠٢٤ حلَّق سرب من طائرات الشحن العسكرية الأمريكية في سماء غزة، في عملية إنزال جوي لمساعدات إنسانية، سقط بعضها على الأهالي فقتلهم، وغرق بعضهم وهم يحاولون الحصول على المساعدات من البحر. ثم أعلنت العديد من الدول العربية بعدها عن عمليات إنزال مشابهة؛ حتى مصر قامت بعملية إنزال جوي، في حين تصطف مئات الشاحنات في معبر رفح المصري، ما كان مثار تندر من أهل غزة على عبثية هذه العمليات بقولهم: “ارموها من فوق جدار المعبر أسهل”. ولم تكن هذه المساعدات إلا فتاتا مقارنة بما يحتاجه أهالي القطاع، كما أن الاحتلال لم يسمح باستمرارها لمدة طويلة[27].
وبعد مرور خمسة أشهر، وتزايد التحذيرات الأممية عن أخطار المجاعة والعقبات الهائلة من قبل إسرائيل أمام إيصالها في الأيام الأولى، أعلن الرئيس الأمريكي السابق جوبايدن في مارس ٢٠٢٤ عن مشروع لبناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة، وقال إن الهدف منه إيصال المساعدات عبر البحر إلى سكان القطاع المحاصرين. بدأ تشغيل الميناء رسميا يوم الجمعة 17 مايو 2024، بعد نحو شهرين من انطلاق عملية البناء التي تولاها الجيش الأميركي، واستهدف إيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزة تحت رقابة إسرائيل. وفي يونيو2024 فُصل الرصيف البحري العائم عن الشاطئ بسبب ارتفاع الموج، وجرت محاولة لإعادة ربط الرصيف يوم 10 يوليو/تموز لكنها لم تنجح بسبب مشاكل فنية وأخرى متعلقة بالطقس، على إثر ذلك قرر الجيش الأميركي سحب الميناء وإيقافه عن العمل[28].
- التواطؤ:
لم تمضِ الساعات الأولى بعد طوفان الأقصى حتى توالت الإدانات من العديد من قيادات العالم، وأنشأ العالم “المتحضر” جسرًا جويًا من الزيارات الدبلوماسية، حتى إن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في زيارته الأولى بعد أيام من الطوفان، وفي حديثه الأول للإعلام قال: “إنه لم يأتِ لإسرائيل بوصفه وزيرا لخارجية الولايات المتحدة فقط، بل بصفته يهوديا فرّ جده من معسكرات الاعتقال”. وعلى مدار عام كامل من الطوفان وحتى نهاية ولايته، طاف بلينكن حول المنطقة إحدى عشرة مرة يحمل فيها مطالب إسرائيل ويضغط بها على دول المنطقة، ولعل مخطط التهجير كان أشهر هذه المطالب، بالإضافة إلى حق النقض “الفيتو” الذي استخدمته الولايات المتحدة مرات عديدة لإحباط مشاريع الهدن الإنسانية أو وقف إطلاق النار في مجلس الأمن[29].
لم يقتصر الدعم الدولي على الزيارات الدبلوماسية، وإنما أنشئت الجسور الجوية والبحرية الحاملة لشحنات الأسلحة وقطع الغيار العسكرية من الولايات المتحدة وغالب دول أوروبا. فعلى الرغم من أن إسرائيل لديها صناعتها العسكرية الخاصة، التي بنتها بمساعدة الولايات المتحدة، وتحتل الآن المرتبة التاسعة بين أكبر مصدري الأسلحة في العالم، مع التركيز على المنتجات التكنولوجية المتقدمة التي استحوذت على حصة قدرها 2.3٪ من المبيعات العالمية للسلاح بين عامي 2019 و20٢٣، فإن الولايات المتحدة الأمريكية -بحسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام- تمد إسرائيل بحوالي ٦٩٪ من وارداتها من السلاح، بالإضافة إلى مساعدات عسكرية سنوية تقدر ب٣.٨ مليار دولار بموجب اتفاق مدته عشر سنوات يهدف إلى السماح لحليفتها بالحفاظ على ما تسميه “التفوق العسكري النوعي” على الدول المجاورة.
ومنذ السابع من أكتوبر أنشيء جسر جوي لشحنات السلاح والقنابل ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل لمدها بكل ما تحتاجه للفتك بمليوني إنسان محاصرين في القطاع، كما أن إسرائيل تستضيف مستودعًا ضخمًا للأسلحة الأمريكية تم إنشاؤه في عام 1984 لتخزين الإمدادات لقواتها في حالة نشوب صراع إقليمي، وكذلك لمنح إسرائيل إمكانية الوصول السريع إلى الأسلحة في حالات الطوارئ. وتشير التقارير إلى أن الذخائر المخزنة في المستودع تم توريدها إلى إسرائيل منذ بداية الحرب على غزة.
تأتي ألمانيا في المرتبة الثانية؛ حيث تمد إسرائيل ب٣٠٪ من وارداتها العسكرية، ولم يترك المستشار الألماني شولتز مناسبة إلا وعبر فيها عن دعمه الكامل لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. بالإضافة إلى العديد من الدول التي تساهم بنسب ضئيلة كإيطاليا والمملكة المتحدة وكندا وغيرها[30]، حتى أن تقريرًا خرج عن مركز ديلاس الأسباني للسلام يتحدث عما أسماه دور “بنوك التسليح” في تمويل شركات الأسلحة التي وردت صناعاتها العسكرية لإسرائيل طوال فترة الحرب، ويُظهر التقرير تورط بنكي بافا وسانتاندير الإسبانيين في تمويل شركات مثل بوينغ ورايثيون ورينيه ميتال، التي تنتج الطائرات الحربية والمدافع الثقيلة المستخدمة في الهجمات على غزة[31].
وينضم تعليق المتبرعين الرئيسيين تمويلهم للأونروا إلى حالة التخاذل الدولي العام ضد الفلسطينيين، فما أن صدر حكم المحكمة الدولية بإلزام إسرائيل بإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع، حتى أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية وقفها مؤقتًا التمويل الإضافي للأونروا، وسرعان ما التحقت دول غربية مهمة تباعا بالموقف الأميركي، ومن بين الدول الأولى التي أعلنت عن التخفيضات كانت المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وألمانيا وفنلندا وسويسرا وإيطاليا وهولندا والاتحاد الأوروبي. ثم حذت كل من اليابان ونيوزيلندا وفرنسا والنمسا وآيسلندا وأستونيا ورومانيا حذوها، وأعلنت عن تخفيضاتها الخاصة، حتى وقع الرئيس الأمريكي ترامب قرار وقف تمويل الأونروا في الرابع من فبراير الماضي، وهو ما يعمق من أزمة اللاجئين الفلسطينيين خصوصًا داخل قطاع غزة[32].
الداعي للتأمل حقًا أن هذا التخاذل والتواطؤ لم يقتصر على العالم الدولي، وإنما امتد ليشمل إخوة الجوار والعروبة والإسلام؛ حيث ذكر تقرير حديث أصدره مكتب الإحصاء الإسرائيلي ارتفاع التبادل التجاري بين إسرائيل وخمس دول عربية خلال النصف الأول من العام الجاري. ووفق التقرير فإن إجمالي حجم التبادل التجاري بين إسرائيل والإمارات ومصر والأردن والبحرين والمغرب بلغ 367 مليون دولار في شهر يونيو الماضي وحده.
وبحسب البيانات الرسمية الإسرائيلية، تتصدر الإمارات تلك الدول في يونيو بنحو 272 مليون دولار وهو ما يمثل زيادة 5٪ في الفترة المقابلة قبل سنة، وجاءت مصر في المركز الثاني بـ35 مليون دولار بزيادة 29٪ عن المسجل في يونيو من السنة الماضية، واحتلت الأردن المركز الثالث بين هذه الدول العربية بـ35 مليون دولار ما يمثل تراجعًا بنسبة 14٪ مقارنة بيونيو 2023، وبينما بلغ حجم التجارة بين إسرائيل والبحرين في يونيو من السنة الماضية 16.8 مليون دولار فإنه حقق زيادة قياسية بلغت 740٪ مقارنة بالفترة المقابلة من السنة الماضية، كما زاد حجم التجارة بين المغرب وإسرائيل ليصل إلى 124٪ مقارنة بالسنة الماضية. ففي حين كان الجوع والمرض ينهش أجساد أهالي القطاع، كانت شحنات الغذاء وغيرها من الاحتياجات الإنسانية تصل إلى تل أبيب قادمة من إخوة العروبة والإسلام[33].
- التجويع كأزمة سياسية:
إذا كان هدف خطة التنمية المستدامة هو القضاء التام على الجوع فإن هذا نظريًا ممكن، فبلغة الأرقام ينتج العالم ما يكفي لإطعام ١.٥ ضعف سكان العالم الآن، لكن الجوع ليس مشكلة إنتاجية، والمجاعات والتجويع ليست أزمة إنسانية يمكن اختزالها في حرمان جماعة من الناس من الطعام[34]، بل لا بد أن تُفهَم باعتبارها مشكلة سياسية، واعتبارها كذلك يجعلنا نفهم نوايا مسبِّب هذه المجاعات. فما حدث في غزة مثلًا هو أن سلطة احتلال حاصرت متعمدة شعبًا محتلا من المدنيين العزَّل، واستضعفتهم بقوة السلاح والتواطؤ العالمي ومنعتهم الغذاء والماء والدواء لشهور، ومن ثم يمثل التجويع هنا تهديدًا وجوديًا حقيقيًا من قبل جماعة سياسية قررت أن جماعة أخرى هي العدو فأعلنت الحرب عليها لإبادتها وكان التجويع أحد أسلحتها التي توحشت بها، وهذا هو لب “السياسي” بمنظور كارل شميت[35].
والمجاعة كذلك مشكلة هيكلية، بمعنى وجود ظروف سياسية واقتصادية وأطر قانونية تجعلها ممكنة الحدوث والاستمرار، وتعكس بالضرورة خللا في معايير العدالة العالمية، هذا الخلل هو ما سمح لإسرائيل كسلطة محتلة أن تجوع شعبًا كاملًا من المدنيين أصحاب الأرض الأصليين. بل ربما من المفارقات المعبرة أنه لم يسمح لفلسطين بالمشاركة كدولة عضو في مفاوضات الوثيقة الختامية لخطة التنمية المستدامة، وإنما فقط كعضو مراقب لا يحق له الاقتراح أو التصويت أثناء مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في ريودي جانيرو عام ٢٠١٢، بينما كانت إسرائيل تشارك كدولة عضو لها حق التصويت واقتراح القرارات.[36]
وباعتبارها مشكلة سياسية وهيكلية لها سوابقها التاريخية، ومقدمات في ظرفها الآني، فهذا يعني أنه يمكن التنبؤ بها ومنعها إذا ما أراد المجتمع الدولي ذلك، فتجويع الفلسطينيين في قطاع غزة أُعلِن عنه صراحة من قِبل قادة الاحتلال الإسرائيلي، ونُفِّذ على مدار شهور، لكن خلل البنية والأطر القانونية للنظام الدولي يؤجل التحرك لجل الفاعلين إلى ما بعد الإعلان الرسمي عن المجاعة. بل إن هذا التحرك خاضع في النهاية للوائح تعكس حجم الظلم المتغلغل في بنية هذا النظام، وهو ما بدا جليًا في الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن ضد المقترح البرازيلي بهدنة إنسانية لدخول المساعدات لأهالي غزة، هذه البنية القائمة على حجم التمويل والمصالح المتبادلة لا القيم الإنسانية التشاركية -التي تدعو لها خطة التنمية المستدامة- كانت أحد أسباب تمكُّن إسرائيل من ارتكاب هذه المجاعة البشعة[37].
تسييس مشكلة المجاعة يجعلنا ندرك منطق المصلحة الذي يدفع دولًا تعتبر كبرى القوى العالمية التي تقود النظام الدولي إلى عقد صفقات للسلاح بمليارات الدولارات، وعقد شراكات بين بنوك وشركات لمجاراة سرعة الطلب الإسرائيلي على قطع الغيار العسكرية أثناء الحرب، ومن ثم فهم شركاء في الحرب ومسئولون عنها ويؤخذون بوزر أهلها. وكذلك نفهم كيف أنه يمكن للبقاء في الحكم وحفظ النظام وضمان استمرار المعونات العسكرية، أن يقدَّم على رحم الجيرة والتاريخ والدين. بالمقابل يجعلنا منطق المصلحة هذا ندرك مدى نبل ما فعلته جنوب إفريقيا بوقوفها أمام نموذج الاحتلال الإسرائيلي المتبجح، كخلف للنموذج الكولونيالي الأول.
خاتمة:
فشل الجهد الإغاثي الدولي إذًا لأنه يعرف المجاعة في غزة كمشكلة إنسانية، وغض الطرف عن حقيقة أن المجاعة تعني تخلي السلطة المسؤولة عن تأمين الغذاء عن التزاماتها أمام المجتمع الدولي، وفي حال المجتمع الفلسطيني وقطاع غزة تحديدًا يشمل الحق في الغذاء الحق في التحرر من الجوع، وبالتالي التحرر من السلطة التي تخلق المجاعة، أي التحرر من القمع والاستغلال والاحتلال.
وباعتبار المجاعة ليست فعلًا خلقته إسرائيل وحدها وإنما فعل دولي وبنيوي ساهمت فيه بنية النظام الدولي بدولها ومؤسساتها وأطرها القانونية المناقضة لمفاهيم العدالة والتشاركية، بل وساهمت فيه بشكل مادي عبر السلاح الذي لم يتوقف توريده لسلطة الاحتلال حتى الآن، بناء على ذلك فإن فعل الإغاثة والتضامن الدولي لا يعني فقط الاستجابة للحاجات الإنسانية وإرسال المساعدات أمام المعابر، والتي عادة ما تستخدم كورقة ضغط في المفاوضات يرتبط دخولها بمجريات الصراع؛ وإنما يعني التضامن في إرساء قيم العدالة الدولية على سلطة الاحتلال وكذا الهيئات المُعينة لها سواء من دول أو شركات أو بنوك أو غيرها، بالمساءلة والتحقيق وفرض العقوبات.
وعلى مدى بعيد، يكمن التضامن والإغاثة الحقيقيان في توفير أفق سياسي يسمح بحل عادل للقضية الفلسطينية وإعادة نظر جادة لبنية النظام الدولي وطريقة عمله، باعتبار التجويع الإسرائيلي ما هو إلا عاقبة لخطيئة الأمم المتحدة ودولها في حق الشعب الفلسطيني حين سلمته وأرضه للعصابات الصهيونية منذ ١٩٤٧.
—————————————
الهوامش:
[1] تقرير قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، 25 – 27 سبتمبر 2015، نيويورك، ص١، تاريخ الاطلاع: ٦ فبراير ٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/9l8KA9F
[2] المرجع السابق، ص١٧-٢٠.
[3] وليد الخالدي، عودة إلى قرار التقسيم ١٩٤٧، مجلة الدراسات الفلسطينية، مجلد٩، العدد ٣٣، شتاء ١٩٩٨، ص ٣-٢٢، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/VE1QgKFx
[4] إيلان پاپه، التطهير العرقي في فلسطين، ترجمة: أحمدخليفة، (بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط١، ٢٠٠٧)، ص ٨-١٧.
[5] راسم خماسي، ممر آمن أم تواصل جيوسياسي في الدولة الفلسطينية، مجلة الدراسات الفلسطينية، مجلد ٩، العدد ٣٣، شتاء ١٩٩٨، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/6PcrmAQzk
[6] عميرة هاس، سياسة الإغلاق الإسرائيلية: استراتيجيا غير مجدية للاحتواء والقمع، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد ١٣، العدد ٥٢، خريف ٢٠٠٢، ص ٧٤-٩٤.
Michael Fakhri, Starvation and the right to food, with an emphasis on the Palestinian people’s food sovereignty – Report of the Special Rapporteur on the right to food, UNITED NATION, 17 July 2024, Accessed: 12 Feb 2025, available at: https://2u.pw/jSvX39Aa
[7] حياة شبه مستحيلة بعد 17 سنة من الحصار، المرصد الأورورمتوسطي لحقوق الإنسان، تاريخ الاطلاع: ١٥ فبراير ٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/NRwthgf
[8] منظمة چیشاه-مسلك، وثيقة “الخطوط الحمراء”: تفاصيل جديدة حول سياسة الإغلاق السابقة بينما السياسات الحالية لا تزال ضبابية، ١٧ أكتوبر ٢٠١٢، تاريخ الاطلاع: ١٧ فبراير ٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/ohLIZoSr
[9] حياة شبه مستحيلة بعد 17 سنة من الحصار، مرجع سابق.
[10] موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، اتفاقية جنيف والتعليقات عليها، تاريخ الاطلاع: ١٨ فبراير ٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/MexmOYZ5
[11] Peter Beaumont, ‘Man-made famine’ charge against Israel is backed by mounting body of evidence, The Guardian, 20 Mar .2024, Accessed: 23 Feb 2025, available at: https://2u.pw/UdrRvmPM
[12] تقييم جديد للأمن الغذائي في غزة يشير إلى استمرار خطر المجاعة وسط القتال المستمر وتقويض عمليات الإغاثة، برنامج الأغذية العالمي، ١٧ أكتوبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٣ فبراير ٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/8SBxEhTy
[13] غزة: البيانات الجغرافية المكانية تظهر الأضرار الجسيمة التي لحقت بالأراضي الزراعية، منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، ٣ أكتوبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٥ فبراير٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/kLbuYNxy
[14] ياسر شلبي، آثار العدوان الإسرائيلي في الأمن الغذائي في قطاع غزة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٥ فبراير٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/kY4Ua4wH
[15] عام من الحرب: ارتفاع نسبة البطالة إلى ما يقرب من 80 في المائة وانكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 85 في المائة في غزة خلال العام المنصرم، منظمة العمل الدولية، ١٧ أكتوبر ٢٠٢٤: تاريخ الاطلاع: ٢٥ فبراير ٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://linksshortcut.com/KLFdJ
[16] شح حاد في المياه في غزة، وآلاف المرضى بحاجة إلى الإجلاء لتلقي العلاج المنقذ للحياة، الأمم المتحدة، ٤ ديسمبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٥ فبراير٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/XZYzO8Gx
[17] Toi Staff, Israel hoping to push UNRWA out of Gaza post-war — report, The time of Israel, 19 Dec 2023, Accessed: 25 Feb 2025, available at: https://linksshortcut.com/DJirV
[18] جابر سليمان، الأونروا في عين الإعصار، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، شتاء ٢٠٢٥، تاريخ الاطلاع: ٢٦ فبراير٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://linksshortcut.com/QFPXb
[19] إيلان پاپه، التطهير العرقي في فلسطين، مرجع سابق، ص٨-١٧.
[20] جابر سليمان، الأونروا في عين الإعصار، مرجع سابق.
[21] محمد العلي، تركيع الأونروا وتجويع غزة.. لعبة الموساد رفضتها 4 دول، الجزيرة نت، ٧ فبراير ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٦ فبراير ٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://linksshortcut.com/abXiR
Michal Hatuel-Radoshitzky, Kobi Michael, The End to US Funding to UNRWA: Opportunity or Threat?, 6 Sep.2018, Accessed: 9 Feb.2025, available at: https://linksshortcut.com/ehMLB
[22] الأمم المتحدة، تقرير دولي: مخاطر المجاعة مرتفعة بأنحاء غزة و96٪ من السكان يواجهون انعداما حادا للأمن الغذائي، ٢٥ يونيو ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٨ فبراير ٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://linksshortcut.com/cAhSO
[23] Michael Fakhri, Starvation and the right to food, with an emphasis on the Palestinian people’s food sovereignty – Report of the Special Rapporteur on the right to food, op. cit.
[24] جويدة سياسي، التجويع كسياسة إبادة جماعية في غزّة ومسؤولية الدول الأطراف الثالثة، مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، ١ إبرايل ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ١٠ فبراير ٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://linksshortcut.com/NnSwG
[25] عائشة البصري، أحكام محكمة العدل الدولية في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ١٥ مايو ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٩ فبراير ٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://linksshortcut.com/jVqEu
[26] هيئة التحرير، 27 دولة أرسلت مساعدات إغاثية إلى غزة عبر العريش، الشرق الأوسط، ١١ نوفمبر٢٠٢٣، تاريخ الاطلاع: ١٢ فبراير٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://linksshortcut.com/LddrD
[27] هيئة التحرير، الولايات المتحدة تنفذ أول عملية إنزال جوي للمساعدات الإغاثية في قطاع غزة، فماذا نعرف عنها؟، BBC News، ٢ مارس ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ١٢ فبراير٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://linksshortcut.com/hzWMY
[28] هيئة التحرير، ميناء غزة العائم.. رصيف “للمساعدات” أقامه الجيش الأميركي وكسرته الأمواج، الجزيرة نت، ١٢ يوليو ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ١٣ فبراير٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://linksshortcut.com/qvLbT
[29] أمين حبلا، زيارات بلينكن لإسرائيل.. أحاديث العشيات على ضفاف نهر الدماء بغزة، الجزيرة نت، ١٩ أغسطس٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ١٤ فبراير٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://linksshortcut.com/PXqZf
[30] David Gritten, Gaza war: Where does Israel get its weapons?, BBC, 3 September 2024, Accessed: 17 Feb. 2025, available at: https://linksshortcut.com/meCQA
[31] محمود الحنفي، ما قصة “بنوك التسليح” الدولية التي تمول نتنياهو سرًا؟، الجزيرة نت، ١٦ أكتوبر٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ١٧ فبراير٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://linksshortcut.com/rotaX
[32] محمد العلي، تركيع الأونروا وتجويع غزة.. لعبة الموساد رفضتها 4 دول، مرجع سابق.
[33] هيئة التحرير، ارتفاع التبادل التجاري بين إسرائيل و4 دول عربية وتراجعه مع واحدة، الجزيرة نت، ٢٣ أغسطس ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ١٧ فبراير ٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://linksshortcut.com/sMHVh
موقع الجهاز المركزي للإحصاء الإسرائيلي. لمزيد من الاطلاع على كافة الأنشطة التجارية ما بين الدول العربية وإسرائيل، متاح عبر الرابط التالي: https://linksshortcut.com/ksocn
[34] Michael Fakhri, Starvation and the right to food, with an emphasis on the Palestinian people’s food sovereignty – Report of the Special Rapporteur on the right to food, Op. cit.
[35] كارل شميت، ما السياسي، ترجمة: سومرالمير محمود، (القاهرة: مدارات للأبحاث والنشر، ط٢، ٢٠٢٣)، ص ٧٥-٨٧.
[36] تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا”، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/Az5PwxCP
[37] هيئة التحرير، الفيتو الأميركي.. خدمة رهن إسرائيل في مجلس الأمن، الجزيرة نت، ١٢ فبراير ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٥ فبراير٢٠٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://linksshortcut.com/SIgaR