التعليم الجيد: كيف ولماذا تطورت مؤشرات التعليم العالي في تركيا والسعودية؟

مقدمة:
مع إعلان الأمم المتحدة عن أهدافها التنموية حتى عام 2030 صاغت ضمنها في الهدف الرابع منها وهو التعليم الجيد”، إذ يُعتبر التعليم من أهم الدعائم التي ترتكز عليها التنمية المستدامة، وهو المفتاح الأساسي لتطوير القدرات البشرية والارتقاء بالمجتمعات إلى مصافِّ الدول المتقدِّمة. وقد أثبتت العديد من الدراسات والتقارير الدولية أن جودة التعليم، والمتمثِّلة فيما يُعرف بـ”التعليم الجيِّد”، تُشَكِّلُ عاملًا حاسمًا في تحقيق الأهداف التنموية المُعلنة على مستوى العالم. ففي إطار أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، يُعتبر التعليم الجيِّد (SDG 4) من الأولويات الأساسية التي تُسهم في تمكين الأفراد، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وتقليل معدَّلات الفقر، ورفع مستوى الوعي الاجتماعي والاقتصادي لدى الشعوب.
وبشكل عام أصبح التعليم العالي ركيزةً أساسيةً في خطط التنمية الحديثة، لا سيما في الدول الطموحة لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، ومع التطوُّرات المتسارعة في مجالات الاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا فقد صار التعليم العالي حجر الزاوية في بناء رأس مال بشري قادر على الابتكار والتنافس على المستوى العالمي. وفي هذا السياق، تشكِّل كلٌّ من تركيا والمملكة العربية السعودية نموذجين لافتين، حيث شهدتا تحولات جذرية في أنظمة التعليم العالي خلال العقود الأخيرة، وأبرزت العديد من المؤشِّرات حجم التطوُّر المتنامي فيهما بكافَّة مستويات التعليم الأساسي أو الجامعي (التعليم العالي).
ويبرز أمامنا تساؤل رئيسي حول العوامل التي دفعت كلا البلدين إلى إصلاح التعليم العالي، وما الآليات والسياسات التي اعتمداها لتحقيق هذه الإصلاحات؟ وتكْمن أهمية ذلك التساؤل في كشف العلاقة الجوهرية بين السياسات التعليمية والأهداف الاستراتيجية للدولة، مما يقدِّم دروسًا مهمَّة لدول أخرى تسعى إلى تحسين نظامها التعليمي.
وهذا ما يقدِّمه هذا التقرير للوقوف على أبعاد تلك التطوُّرات في التعليم العالي في كلا البلدين من خلال: أولًا- التعليم الجيد: مفهومه – مؤشراته – نتائجه. ثانيًا- مؤشِّرات وأسباب تطور التعليم العالي في تركيا والسعودية.
أولًا- التعليم الجيد: مفهومه – مؤشراته – نتائجه
في ظل التسارع العالمي للتغيُّرات والتحديات التي تواجه البشرية، برز هدفُ التعليم الجيد ضمن إطار أهداف التنمية المستدامة كأحد الركائز الأساسية لتحقيق التقدُّم والازدهار. فبينما يُعتبر الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة “ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل وتعزيز فرص التعلُّم مدى الحياة للجميع”، يُطرح التساؤل: ما هو مفهوم ومعيار التعليم الجيد بالأساس؟ وكيفية تحقيقه وفق تلك المستهدفات؟ وهل يفي النظام التعليمي الحالي بتلك المتطلَّبات الطموحة؟ وكيف يمكن للنظم التعليمية أن ترتقي إلى مستوى توقعات المجتمعات التي تتطلَّع إلى تحقيق جودة تعليمية تُنَمِّي القدرات الفكرية والقيمية والابتكارية وليس مجرد زيادة معدَّلات الالتحاق؟، تدفعنا هذه الأسئلة للنظر في مفهوم التعليم الجيد وكيف يمكن تحقيقه وما المؤشِّرات التي يمكن من خلالها تقييمه وقياسه؟
1- التعليم الجيِّد وفق الأمم المتحدة ومشروع التنمية المستدامة
ترتكز أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (SDGs) على تحقيق تعليم شامل وعالي الجودة للجميع، حيث يُعَدُّ الهدف الرابع (SDG 4) “ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل وتعزيز فرص التعلُّم مدى الحياة للجميع” حجر الزاوية في خطط التنمية العالمية.
وتتضمَّن مؤشِّرات هذا الهدف معايير مثل:
- تحسين معدَّلات الالتحاق بالمستويات التعليمية المختلفة.
- ضمان جودة المناهج التعليمية والتعلُّم النشط.
- تقليل الفوارق في الوصول إلى التعليم بين الفئات المختلفة من المجتمع.
- تعزيز التدريب المهني والتعليم التقني بما يتوافق مع متطلَّبات سوق العمل.
وقد أكَّدت تقارير الأمم المتحدة أن التعليم الجيِّد لا يقتصر فقط على زيادة أعداد الطلاب، بل يشمل أيضًا جودة العملية التعليمية، وكفاءة نظم التدريس، ومدى قدرة النظام على تهيئة الطلاب لمواجهة تحديات المستقبل من خلال تطوير مهارات التفكير النقدي والابتكار. تُعَدُّ هذه المعايير من الأسس التي يجب أن ينطلق منها أي نظام تعليمي يسعى لتحقيق تنمية مستدامة، حيث يُمكن للتعليم الجيِّد أن يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي، وتخفيف حدَّة الفقر، وبناء مجتمع متماسك قائم على المعرفة والابتكار.
كما لا تقتصر التنمية المستدامة في التعليم على مجرد إضافة محتوى بيئي إلى المناهج الدراسية وفق مقصود الأمم المتحدة منه، بل تتعدَّاه لتصبح مبدًا راسخًا يوجِّه العملية التعليمية بأكملها، فإن مفهوم التنمية المستدامة في التعليم يعني بناء نظام تعليمي يدرك الترابط الوثيق بين التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية، ويزوِّد الطلاب بالمعرفة والمهارات والقيم اللازمة لبناء مستقبل مستدام. بالإضافة إلى ذلك، تلعب المناهج الدراسية دورًا محوريًّا في تعزيز هذا المفهوم، وذلك من خلال دمج قضايا الاستدامة في مختلف المواد الدراسية، مثل: ربط دروس العلوم بتغيُّر المناخ، وتعليم الطلاب في الرياضيات كيفية حساب بصمتها الكربونية، وإدراج موضوعات الاستهلاك المسؤول في دروس تربية المواطنة، ولخلق بيئة تعليمية تعكس مبادئ الاستدامة، يمكن للمدارس تبنِّي ممارسات مستدامة من خلال: ترشيد استهلاك الطاقة والمياه، وتطبيق برامج إعادة التدوير، وإنشاء حدائق مدرسية تُتيح للطلاب التواصل مع الطبيعة وتعلُّم مبادئ الزراعة المستدامة، فمن خلال هذه الممارسات، يصبح التعليم أكثر ارتباطًا بالحياة اليومية والتحديات التي يواجهها العالم[1].
مقاصد الهدف (4)[2]:
وفق الرؤية التي أعلنتها الأمم المتحدة في الهدف الرابع “التعليم الجيد” من أهداف التنمية المستدامة تظهر مجموعة من المقاصد والمستهدفات، حيث يركز الهدف الرابع على ضمان تعليم مجاني ومنصف وجيد للجميع بحلول 2030، يشمل توفير تعليم ابتدائي وثانوي يؤدِّي إلى نتائج فعَّالة، وتهيئة الأطفال عبر رعاية الطفولة المبكِّرة وتعليم ما قبل الابتدائي. كما يهدف إلى تكافؤ فرص الوصول إلى التعليم المهني والعالي الجيد والميسور، وزيادة أعداد الشباب والكبار ذوي المهارات التقنية والمهنية اللازمة للعمل اللائق. ويسعى الهدف أيضًا إلى القضاء على التفاوت بين الجنسين وضمان تكافؤ الفرص للفئات الضعيفة كذوي الإعاقة والشعوب الأصلية، مع ضمان إلمام الجميع بالقراءة والكتابة والحساب. بالإضافة إلى ذلك، يركز على تعزيز المعارف والمهارات الداعمة للتنمية المستدامة، مثل حقوق الإنسان والمساواة وثقافة السلام، مع تحسين البنية التحتية التعليمية لتكون آمنة وشاملة للجميع. كما يدعو الهدف إلى زيادة المنح الدراسية للدول النامية، خاصة في مجالات التكنولوجيا والعلوم، وتعزيز التعاون الدولي لتدريب المعلِّمين المؤهَّلين في البلدان الأقل نموًّا، لضمان تحقيق تعليم شامل وعالي الجودة عالميًّا بحلول الموعد المحدد.
2- مؤشِّرات الهدف الرابع: التعليم الجيد
أعدَّت اليونيسكو مجموعة من المؤشِّرات لرصد وتقييم ما تحقَّق من الهدف الرابع وقدَّمتها من خلال تقارير تعمل على رصد التعليم العالمي (GEM Report)[3]، والذي اعتبرته إطارًا متكاملًا لقياس التقدُّم نحو تحقيق الهدف الرابع للتنمية المستدامة، الذي يكفل تعليمًا جيِّدًا وشاملًا للجميع. وتعتمد التقارير على مؤشِّرات رئيسية تقيس مستويات المشاركة التعليمية عبر مختلف المراحل العمرية والتعليمية، بدءًا من مرحلة الطفولة المبكرة مرورًا بالتعليم الأساسي والثانوي وصولًا للتعليم العالي، وذلك باستخدام بيانات إدارية ومسوح أسرية وطنية لضمان دقة المعلومات ورسم صورة شاملة للتقدم على المدى الطويل.
كما يُولي القياس أهمية للعدالة والمساواة في التعليم عبر تحليل الفوارق بين الجنسين ومقاييس الموقع والثروة، مع تركيز خاص على مؤشِّر التكافؤ بين الجنسين في إكمال المرحلة الثانوية، واستعانة ببيانات المسوح الوطنية لتقييم التفاوت بين المناطق الحضرية والريفية والأسر ذات الدخل المختلف، ومن عام 2026 فصاعدًا، ستعتمد التقارير على نهج منهجي يقوم باختيار عيِّنة من الدول بناءً على معدَّلات التقدُّم السنوية منذ عام 2000، حيث تُصنف الدول وفقًا لتقدُّمها أو ركودها، مما يوفر تمثيلًا عالميًّا متنوِّعًا يساعد في استخلاص الدروس المستفادة من تجارب متعدِّدة.
إضافة إلى التقرير العالمي الذي يُعَدُّ جزءًا من سلسلة العد التنازلي لعام 2030، ستصدُر تقارير إقليمية متخصصة تعالج قضايا محددة، مثل مشاركة مرحلة الطفولة المبكرة في الدول العربية، والفجوة بين الجنسين في إكمال التعليم الثانوي في منطقة الكاريبي، وتأخُّر الالتحاق بالتعليم الابتدائي في أفريقيا، وتستند هذه التقارير إلى دراسات حالة متعمِّقة لضمان تناسق العرض على المستويين العالمي والإقليمي، ويشمل الإطار مراجعات دورية لأبحاث السياسات التعليمية الفعَّالة وآليات التمويل التي تساهم في تقليل التسرُّب وإعادة توزيع الموارد، بالتعاون مع منصَّات إلكترونية مثل PEER وSCOPE، لتوفير بيانات محدَّثة وتفاعلية تُساهم في تقييم السياسات التعليمية بصورة شاملة.
وإجمالا للأسس المنهجية والرصدية التي ستوجِّه تقرير التقييم وتحسين التعليم على المستوى الدولي بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة من خلال:
- اختيار المؤشرات الرئيسية: مثل مشاركة مرحلة الطفولة المبكرة، ومعدلات الالتحاق بالتعليم الأساسي والثانوي، ومعدلات الإكمال، ومشاركة التعليم العالي.
- قياس العدالة: عبر فحص التفاوت في الوصول والمشاركة في التعليم بالنسبة للخصائص الفردية (الجنس – الموقع – الثروة – الإعاقة).
- اختيار دراسات الحالة: عن طريق تصنيف الدول بناءً على معدَّلات تقدُّمها أو ركودها، وتحليل عوامل التقدُّم أو التراجع.
- التحليل السياسي والسياسات المرافقة: يشمل مراجعات بحثية حول السياسات الفعَّالة، وتحليلًا لآليات التمويل، وتقديم توصيات لتعزيز المشاركة وتقليل التفاوت.
- المخرجات والروابط الإقليمية: بما في ذلك إعداد تقارير إقليمية، وتحديثات على مواقع مثل PEER وSCOPE لتعزيز التفاعل الدولي وتوحيد الجهود نحو أجندة ما بعد 2030.
وبالنسبة لكلِّ مؤشِّر من المؤشِّرات الأربعة الرئيسية ولمجموعة واسعة من مقاييس العدالة، يسعي التقرير لتحليل خمسة بلدان ذات تقدُّم سريع وبلدين ذات ركود، أي ما مجموعه 35 دولة، لتوفير مجموعة ممثَّلة من الأمثلة، وأوضح التقرير أن هذه العملية لا تهدف لاختيار أفضل الدول أداءً في العالم، بل مجموعة متوازنة إقليميًّا من الدول التي تحرَّكت بسرعة بالنظر إلى ظروفها الأولية وسياقاتها، لتكون دراسات الحالة لمؤشِّرات التقدُّم والركود: مشاركة مرحلة الطفولة المبكرة: (5 دراسات تقدم – دراستي ركود)، معدل الأطفال خارج المدارس: (5 دراسات تقدم – دراستي ركود)، معدل الإكمال: (5 دراسات تقدم – دراستي ركود)، معدل الالتحاق بالتعليم العالي: (5 دراسات تقدم – دراستي ركود)، مؤشر التكافؤ أو أي مقياس عدالة آخر لأيٍّ من هذه المؤشرات: (5 دراسات تقدم – دراستي ركود)، المجموع: 25 دراسة تقدم و10 دراسات ركود.
ويصدر عن (GEM) ثلاثة مؤشرات مصنفة ضمن فئات عامة، وبشكل خاص:
- سيركز التقرير الأول (2026) على مؤشرات الوصول والإنصاف، والتي تتوفَّر لها بيانات أكثر بكثير وتكون واضحة نسبيًّا من حيث اتجاه تقدُّم البلدان.
- وسيركِّز التقرير الثاني (2027) على مؤشِّرات الجودة والتعلُّم، والتي تُعتبر بياناتها نادرة وغالبًا ما تحمل قدْرًا كبيرًا من الخطأ.
- وسيركز التقرير الثالث (9/2028) على المؤشِّرات التي يتفاعل فيها التعليم مع نتائج تنموية أخرى، يكون التقدُّم فيها أقل توثيقًا.
3- ثغرات في تقييم الهدف الرابع “التعليم الجيد”
تواجه الجهات المعنية برصد وتقييم أهداف التنمية المستدامة عدَّة صعوبات في تلك المهمَّة فضلا عن الصعوبات الأساسية التي تواجه البلدان المعنية بتحقيق تلك الأهداف في بناء سياسات مستدامة تدفع نحو تحقيق تلك الرؤية، وفيما يخص الهدف الرابع تناول تقرير GEM لعام 2020[4]؛ التقدُّم الذي أُحْرِزَ في ميدان التعليم ضمن إطار أهداف التنمية المستدامة، ويستعرض التقرير مجموعة واسعة من المؤشِّرات التي تغطِّي مراحل التعليم المختلفة بدءًا من الطفولة المبكِّرة مرورًا بالتعليم الأساسي والثانوي والتعليم الفني والمهني والتعليم العالي، إضافةً إلى مؤشِّرات جودة التعليم مثل نتائج التعلُّم، ومؤشِّرات المعلِّمين والبنية التحتية والمرافق التعليمية والمنح الدراسية المتاحة. كما يعتمد التقرير على مصادر متعدِّدة من البيانات، منها الاستقصاءات الأسرية، وتقييمات التعلُّم الوطنية والعابرة للحدود، والبيانات الإدارية، ليقدِّم صورةً شاملةً عن الوضع الراهن والاتجاهات المستقبلية.
ومن النتائج الرئيسية التي يتطرَّق إليها التقرير، وجود تقدُّم ملحوظ في بعض المؤشِّرات مثل معدَّلات الالتحاق والتوسُّع في التعليم العالي في بعض المناطق، إلا أن هذا التقدُّم تصاحبه تفاوتات واسعة داخل البلدان وبينها. كما يشير التقرير إلى أن بعض الاتجاهات السلبية، مثل التأخُّر في نشر بيانات تقييم التعلُّم وتأثيرات “العتبة”[5]، في التقييمات العابرة للحدود، قد تؤثِّر على دقة قياس النتائج ومصداقيتها. وتبرز أيضًا أهمية التنسيق الدولي والمعايير المشتركة لجمع البيانات، خاصة في ظل التحديات التي يفرضها اختلاف المناهج والتعريفات المعتمدة في البلدان المختلفة.
وفيما يتعلَّق بالصعوبات التي تواجه مؤشِّرات تقييم الهدف الرابع، يوضِّح التقرير أن الاستقصاءات الأسرية التي تُستخدم لتقدير مؤشِّرات مثل معدَّل إكمال التعليم تُعاني من تقلُّبات في التغطية والتكرار، ممَّا يؤدِّي إلى اختلافات في تقدير نسب الطلاب بين البلدان والمناطق. كما أن تقييمات التعلُّم، سواء الوطنية أو العابرة للحدود، تواجه تحديات منهجية تتمثَّل في تأثير “العتبة” الذي قد يؤدِّي إلى تقديرات مبالغ فيها للمتعلمين فوق المستوى الأدنى من الكفاءة، مما يصعب المقارنات الدولية. كما أن البيانات الإدارية الخاصة بمؤشِّرات مثل نسبة المعلِّمين المدرَّبين تُعاني من غموض في تعريف المفاهيم وعدم تجانس المعايير المتَّبعة، وهو ما يؤثِّر على دقَّة التقييم والمقارنة.
إضافةً إلى ذلك، تواجه مؤشِّرات التعليم في مجالات مثل التنمية المستدامة والمواطنة العالمية تحديات كبيرة، إذ تبقى نسبةٌ صغيرةٌ من البلدان التي تدمج بفعالية هذه المحاور في سياساتها التربوية ومنهجياتها التعليمية. كما أن نقص البيانات أو عدم انتظامها فيما يخصُّ الفئات المهمَّشة، مثل ذوي الإعاقة والسكَّان الأصليِّين والفئات الخارجة عن النظام المدرسي، يزيد من تعقيد عملية الرصد والتقييم. هذه التحديات المتعدِّدة تؤكِّد الحاجة إلى تعزيز آليات جمع البيانات وتطوير معايير دولية موحَّدة تضمن شمولية ودقَّة المعلومات المقدَّمة، ما يسهم في تحسين السياسات التعليمية وتحقيق الأهداف المرجوَّة في إطار التنمية المستدامة.
4- تحديات أهداف التنمية المستدامة في ظل التحولات العالمية
في عام 2015، تبنَّت الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة كخارطة طريق لبناء عالم أكثر إنصافًا واستدامة بحلول 2030. لكن مسار تحقيق هذه الأهداف واجه عواصف متلاحقة من الأزمات العالمية، بدءًا من جائحة كورونا مرورًا بالاضطرابات الاقتصادية والحروب الإقليمية، ووصولًا إلى الصدمات التي تحدثها سياسات ترامب في ولايته الثانية والتي أعادت تشكيل أولويات الدول وكذلك أثرت على المؤسسات الدولية وبرامج الإعانة. ولم تكن هذه الأحداث منعزلة، بل تفاعلت بشكل تراكمي، مما خلق تأثيرًا مضاعفًا على قدرة المجتمع الدولي على الوفاء بالتزاماته تجاه أهداف التنمية المستدامة.
شكَّلت جائحة كورونا (2020-2022) نقطة تحوُّل مفصلية، حيث كشفت هشاشة النظم العالمية في مواجهة الصدمات الخارجية. فبينما تسببت الإغلاقات في تراجع النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 3.5% عام 2020 وفق صندوق النقد الدولي[6]، وتضررت الدول الفقيرة بشكل غير متناسب، إذ فقدت ما يقارب 8% من دخل الفرد، مقابل 4% في الدول الغنية، ممَّا عمَّق عدم المساواة (الهدف العاشر). كما أدَّى تعطيل سلاسل التوريد إلى نقص الغذاء والدواء، لا سيما في أفريقيا وآسيا، حيث أشارت منظمة الفاو إلى أن 828 مليون شخص عانوا من الجوع المزمن عام 2022، أي بزيادة 150 مليونًا عمَّا قبل الجائحة[7]، ممَّا أضرَّ بتقدُّم (الهدف الثاني). ولم تقتصر الآثار على الجانب المادي؛ فالإغلاقات عطَّلت تعليم 1.6 مليار طالب، وفق اليونيسيف[8]، مما هدَّد بزيادة تسرُّب الفتيات من المدارس في المجتمعات التقليدية، وهو ما يعيق (الهدف الرابع والخامس).
مع بدء التعافي من الجائحة، تفاقمت الأوضاع بسبب التضخُّم الأمريكي الحاد عام 2022، الذي دفع البنك الفدرالي الأمريكي لرفع أسعار الفائدة إلى أعلى مستوى منذ 2008؛ أدَّى ذلك إلى انكماش الاستثمارات في الدول النامية[9]، التي تعتمد على القروض الدولية، حيث وجد صندوق النقد الدولي أن 60% من الدول منخفضة الدخل أصبحت على شفا أزمة ديون في أعقاب أزمة كورونا[10]. وفي الوقت نفسه، أدَّت الحرب الروسية الأوكرانية (2022 – حتى الآن) إلى تعطيل إمدادات الطاقة والغذاء العالمية، حيث شكلت روسيا وأوكرانيا معًا مصدر 30% من صادرات القمح[11]، وارتفعت أسعار الغذاء بنسبة 34% في 2022[12]، مما دفع 345 مليون شخص إلى انعدام الأمن الغذائي الحاد[13]. كما دفعت أزمة الطاقة دولًا مثل ألمانيا إلى العودة للفحم[14]، مما عرقل الانتقال إلى الطاقة النظيفة (الهدف السابع)، بينما حوَّلت الحروب الموارد المالية نحو الإنفاق العسكري على حساب التنمية، حيث زاد الإنفاق الدفاعي الأوروبي بنسبة 13% عام 2023[15].
بالإضافة إلى ذلك يُشَكِّلُ ما أقْدم عليه ترامب من انسحاب لواشنطن من المنظَّمات الدولية وتجميدها للمساعدات التنموية تحديًا ضخمًا لجدوى خطة 2030، حيث أدَّت هذه الخطوات إلى تهديد كبير بتفكيك للتعاون العالمي الضروري لتحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ فانسحاب واشنطن من منظمة الصحة العالمية (2025) مثلًا، في تعريض 18 من البلدان الأكثر تضرُّرًا من مرض السُّلِّ للخطر، والتي تعتمد على 89% من التمويل الأمريكي المتوقَّع لرعاية مرضى السل[16]، مما عرقل التقدُّم نحو الهدف الثالث (الصحة الجيدة). أمَّا تجميد المساعدات الإنسانية (60 مليار دولار سنويًّا)، فقد مثَّل إغلاق وكالة التنمية الأمريكية ضربة قاسية للعديد من المشاريع العالمية، حيث تساهم الوكالة بنحو 43% من ميزانية المساعدات الإنسانية على مستوى العالم، وتعمل في أكثر من 120 دولة. ما يجعل هذا القرار ذا تبعات وخيمة على البلدان التي تعتمد على مساعداتها، خاصة في مجالات الصحة والتنمية[17]، هذه الديناميكيات لا تعكس مجرد تراجع في التمويل، بل انهيارًا في النموذج القائم على التضامن الدولي، مما يهدِّد بإفشال خطة 2030 برمَّتها، ويستدعي إعادة هندسة عاجلة للنظام متعدِّد الأطراف لتعويض الفجوات الناجمة عن الانكفاء الأمريكي.
5- ماذا تحقق من الهدف الرابع؟
منذ تقديم الأجندات العالمية الخاصة بالتعليم أو أجندات التنمية العامة، لم يتمكَّن أيٌّ منها من تحقيق أهدافه بأي شكل قريب. في مجال التعليم، قدَّم تقرير المراقبة العالمي للتعليم للجميع لعام 2015 تقييمًا متشائمًا لما تم تحقيقه منذ عام 2000. وعلى الرغم من التقدُّم الملحوظ نحو تحقيق التكافؤ بين الجنسين، كان هناك فشل ملحوظ في تحقيق الإكمال الشامل للتعليم الابتدائي، فيما أظهرت أولى مجموعات البيانات العالمية التي جُمعت في ذلك الوقت مستويات منخفضة من التحصيل التعليمي وارتفاع مستويات عدم المساواة.
وفي منتصف أجندة 2030، بيَّن تقرير GEM لعام 2023 وتقرير GEM لعام 5/2024 أنه لا توجد فرصة لتحقيق أي من أهداف الهدف الرابع، مع كون جائحة كوفيد-19 جزءًا صغيرًا فقط من التفسير. ومن بين الإحصاءات البارزة تباطؤ عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس منذ عام 2015، وإدراك أن نسبة الطلاب الذين يحقِّقون الحدَّ الأدنى من الكفاءة في القراءة ليست راكدة على الصعيد العالمي فحسب، بل تتراجع بسرعة في البلدان ذات الدخل المتوسط والعالي[18]. تلك النتائج تنسجم مع حجم التحديات التي أحدثتها التحولات العالمية التي عوَّقت مسار الدول والمؤسسات الدولية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهذا ما يدفع نحو حاجة الدول بشكل أكبر لتعزيز أجندتها وأهدافها الوطنية وإيجاد بدائل محلية لتعويض ما قد يطرأ من تحولات تضف السياسات المعتمدة على الدعم والشراكة الدولية والبحث عن شراكات أكثر تنوعًا واستقرارًا لتحقيق تلك الأهداف. ومن خلال ما سنرصده في الجزء التالي سيتَّضح أن أهداف التنمية كلما كان مُنطلقها الأساسي من الأجندة القومية كانت أدوم وأكثر استقرارًا.
ثانيًا- مؤشرات وأسباب تطور التعليم العالي في تركيا والسعودية
لا ترتبط سياسات تطوير التعليم ودوافع الدول من ذلك بشكل أساسي بأهداف التنمية المستدامة، فهي ترتبط بالأهداف القومية ومتطلبات احتياجاتها المحلية، ولكن تعزِّز بعض الدول أهدافها بمقاصد الرؤية الأممية لسنة 2030، وضمن هذا الإطار نستعرض التطورات التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ساهمت في إعادة تشكيل التعليم العالي في كلٍّ من تركيا والسعودية، ومدى مواكبتها للهدف الرابع “التعليم الجيد”، نظرًا لما حظيت به الدولتان من تقدُّم في مؤشِّرات التعليم العالي، مع رصد للسياسات المتَّبعة وتأثيرها على أداء كلا البلدين.
أ) التعليم العالي في السعودية:
بدأ التعليم العالي في المملكة العربية السعودية بخطى ثابتة منذ تأسيس جامعة الملك سعود عام 1957، التي تُعد أول جامعة سعودية لتلبية حاجة المملكة إلى تأهيل الكوادر الوطنية وتوفير التعليم العالي باللغة العربية، وقد شكل هذا الحدث نقطة انطلاق لتطوير نظام التعليم العالي في السعودية. ومر التعليم العالي بعدة تطورات كبرى، بدءًا من الطفرة النفطية في السبعينيات؛ التي أدَّت الزيادة الكبيرة في عائدات النفط إلى تخصيص ميزانيَّات ضخمة للتعليم، ممَّا ساهم في بناء جامعات جديدة وتحديث البنية التحتية التعليمية. ثم أتتْ إصلاحات ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 والتي جاءت في إطار سعي المملكة لتحسين صورتها الدولية، حيث تمَّ التركيز على تحديث البرامج التعليمية وتعزيز جودة البحث العلمي كوسيلة لرفع مستوى التعليم العالي. ومع الصعود السياسي لولي العهد الحالي “محمد بن سلمان” تبنَّى رؤية 2030 وجعلها بمثابة خارطة طريق استراتيجية تهدف إلى تحويل التعليم العالي إلى أداة لتنويع الاقتصاد الوطني، وركَّزت الرؤية على تحديث المناهج، وتطوير البنية التحتية الجامعية، وتعزيز الشراكات الدولية، وربط التعليم بمتطلَّبات سوق العمل. وهذا التحوُّل جاء استجابة لحاجة المملكة إلى تقليل الاعتماد على النفط وتأهيل كوادر قادرة على العمل في قطاعات متنوِّعة مثل السياحة والتقنية والتوسُّع في سياسة السَّعْوَدَة.
مؤشرات تطور التعليم العالي
طبقًا للتقرير السنوي للتنافسية العالمية لعام 2022 الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD)، فقد تقدَّمت السعودية في 16 مؤشِّرًا من مؤشرات التنافسية العالمية في قطاع التعليم؛ حيث قفزت إلى المركز الـ24 في التقرير مقارنة بـ32 العام السابق 2021، وتقدَّمت 4 مراكز في محور التعليم لتحتلَّ المركز الـ37 مقابل 41 العام 2021، كما صعدت مركزين في محور البنية التحتية العلمية لتحقِّق المركز الـ30 مقارنة بالمركز الـ32 في 2021؛ ممَّا أسْهم في تقدُّم مركز السعودية في أحد المحاور الرئيسية في التقرير، وهو محور البنية التحتية، حيث وصلت المملكة للمركز الـ34 مقابل 36 في العام السابق 2021، مع محافظة المحور على مسار تصاعدي يتقادم منذ عام 2018[19].
ونجحت جامعات سعودية في حجز مكانٍ لها بين أفضل 300 جامعة في العالم، وأفضل خمس جامعات عربية على مدى سنوات، والملفت أن المملكة حافظت على المركز الأول عربيًّا، وبنظرة فاحصة في نتائج تصنيف “كيو إس” (QS) العالمي للجامعات عام 2024، فإن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، احتلَّت المرتبة الأولى عربيًّا، تلتْها جامعة الملك سعود في المرتبة الثانية، وبتوسيع المعيار قليلا لأفضل خمس جامعات عربية وفق (QS)، فإن جامعة الملك عبد العزيز احتلَّت المركز الخامس، وبالإضافة لتصنيف (QS)، هناك تصنيف (Times Higher Education)، الذي يشار إليه بالاختصار (THE)، ووفق مؤشِّرها لأفضل الجامعات العربية، فإن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST) احتلَّت المركز الأول في آخر نتائج صدرت عام 2023. وبالنسبة لتصنيف شنغهاي، وهو ذو مصداقية عالية، فقد كشفتْ نتائجه عام 2023، أن جامعة الملك سعود هي الأولى عربيًّا (101-150 عالميًّا)، فهي تحظى باحترام كبير في جميع أنحاء العالم، ويشير تصنيف شنغهاي إلى أن جامعة الملك سعود هي الأقدم في المملكة، وتخرَّج منها روَّاد في الأعمال الوطنية والنخبة السياسية والأكاديمية، بما في ذلك أبناء من العائلة المالكة، وحقَّقت جامعة الملك سعود بالفعل نتائج ملفتة في تصنيفات مثل “Webometrics” و”ARWU” و”QS” العالمية، وقد أثار التقدم المتسارع للمؤسسات التعليمية السعودية، كثيرًا من الشكوك. وكشف تقرير بعنوان “لعبة الانتساب لمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في السعودية” نشرته (SIRIS Academic)، وهي شركة استشارية أوروبية مقرها في برشلونة، تلاعب المؤسسات البحثية في السعودية بتصنيفات الجامعات العالمية من خلال تشجيع كبار الباحثين على تغيير انتسابهم في العمل البحثي، أحيانا مقابل المال[20].
دوافع وأسباب تطور التعليم العالي في السعودية:
تشهد المملكة تطورًا ملحوظًا في التعليم العالي نتيجةً لعوامل داخلية وخارجية متعددة. فمن ناحية، يأتي هذا التطور في إطار استراتيجية شاملة تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني وتخفيض الاعتماد على النفط، ما يتطلَّب بناء رأس مال بشري قادر على الابتكار والإنتاجية العالية. كما أن التطورات التكنولوجية والعولمة فرضت ضرورة تحديث الأنظمة التعليمية بما يتماشى مع معايير الجودة العالمية، وتزويد الطلاب بالمهارات والمعارف المطلوبة في سوق العمل المستقبلي.
وترتبط هذه الإصلاحات ارتباطًا وثيقًا برؤية 2030 التي تبنَّاها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. فقد وضعت الرؤية أهدافًا استراتيجية في التعليم، منها تحديث المناهج وتطوير البنية التحتية الرقمية وتدريب الكوادر التعليمية، وهو ما يسْهم في إعداد جيلٍ قادرٍ على الابتكار وإدارة التحديات الاقتصادية والاجتماعية. ويُعتبر تعديل المناهج -الذي شمل تخفيض الطابع الديني التقليدي وإدخال مواد علمية وفكرية حديثة- جزءًا من هذا التحوُّل الواسع الذي يهدف إلى خلق مجتمع أكثر انفتاحًا وتنافسية على الصعيد الدولي[21].
هناك آراء ترى أن هذه الإصلاحات قد تحمل أبعادًا سياسية تهدف إلى تحسين صورة المملكة أمام المجتمع الدولي وإرضاء بعض الشركاء الاستراتيجيين مثل الولايات المتحدة، من خلال التقارب مع المعايير الغربية وتبنِّي سياسات تُظهر المملكة كمجتمع عصري بعيد عن الأنماط الدينية التقليدية وتخرجها عن توجُّهاتها الدينية السابقة. ومع ذلك، فإن هذه الرؤية لا تغفل عن الأهداف الداخلية العميقة المتمثلة في تمكين الفرد وتنمية قدراته بما يخدم النمو الاقتصادي والاجتماعي[22].
وفي السياق نفسه، يُلاحظ أن التطوير المتواصل لقطاع التعليم لا يهدف إلى تحسين نوعية المخرجات التعليمية فحسْب، بل يسعى أيضًا إلى تقوية مكانة المملكة على الساحة الدولية من خلال رفع مستوى البحث العلمي والابتكار في الجامعات. بالإضافة إلى تنويع مصادر الدخل الوطني: فتسعى المملكة من خلال رؤية 2030 إلى تقليل الاعتماد على النفط عن طريق تأهيل كوادر متخصِّصة للعمل في قطاعات بديلة مثل السياحة والتقنية والطاقة المتجدِّدة. وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة الشباب تحت سن الثلاثين تبلغ حوالي 63%، مما يخلق حاجة مُلِحَّةً لتوفير فرص تعليمية تؤهِّلهم لسوق العمل[23].
السياسات المتبعة في السعودية:
1- الاستثمار المالي: تُعد السعودية من الدول التي خصَّصت ميزانيات ضخمة لتطوير التعليم موازنة قطاع التعليم 2024، وتصل نسبة الإنفاق على التعليم من الناتج المحلي الإجمالي: 14.5%، ومن المتوقَّع أن تقود السعودية دول مجلس التعاون الخليجي كأكبر سوق للتعليم بين عامي 2022 و2027، وقد خصَّصت الحكومة السعودية مبلغ 195 مليار ريال لقطاع التعليم (51.9 مليار دولار) في موازنتها لعام 2024 وفقًا لبيانات وزارة المالية بزيادة طفيفة عن ميزانية عام 2023 التي بلغت 50.4 مليار دولار، وبهذا تبلغ نسبة الإنفاق الحكومي على التعليم 14.5% من حجم الموازنة السعودية 2024، وقد ساهم هذا الاستثمار في بناء مدن تعليمية عملاقة، مثل المشاريع التي تُركز على توفير بيئة تعليمية متكاملة وتطوير المرافق البحثية والتقنية[24].
2- الشراكات الدولية: أقامت المملكة اتفاقيات تعاون مع جامعات عالمية مرموقة مثل “هارفارد” و”ستانفورد”، ممَّا أتاح إنشاء فروع لهذه الجامعات داخل المملكة. كما يعتمد برنامج الابتعاث الخارجي الذي تم إطلاقه منذ عام 2005 على إرسال ما يقارب 200 ألف مبتعث للدراسة في الخارج، مما يسهم في رفع مستوى التعليم العالي وتبادل الخبرات[25].
3- تطوير المناهج وربطها بسوق العمل: ركَّزت السياسات السعودية على تحديث المناهج الدراسية وربطها مباشرة بمتطلبات سوق العمل، مما ساهم في تقليل الفجوة بين التعليم والخريجين، كما تمَّ إطلاق برامج تدريبية متخصِّصة تُعنى بتأهيل الخريجين في قطاعات جديدة مثل التقنية والسياحة والطاقة المتجدِّدة[26].
ب) التعليم العالي في تركيا:
تمتلك تركيا إرثًا تاريخيًّا طويلًا في مجال التعليم، يمتدُّ من الحقبة العثمانية إلى العصر الحديث، حيث شهدت تحولات جذرية شكَّلت نظام التعليم العالي بما يتناسب مع متطلبات العصر. ففي حقبة أتاتورك بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، تبنَّى مصطفى كمال أتاتورك إصلاحات جذرية هدفت إلى فصل التعليم عن الدين وإرساء أُسس الدولة العلمانية، ومن أبرز هذه الإصلاحات إنشاء جامعة إسطنبول عام 1933، والتي أصبحت فيما بعد منبرًا لتحديث التعليم العالي في البلاد. ومع صعود حزب العدالة والتنمية عام 2002، شهد التعليم العالي في تركيا تحولات مهمة، حيث تم ربط التعليم بالهوية الإسلامية المتجدِّدة والمنافسة العالمية، كما سعت تركيا إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ممَّا استلزم تعديل المناهج واعتماد نظام بولونيا لضمان توافق الدرجات العلمية مع المعايير الأوروبية العالمية، وتُظهر هذه السياسات التركية كيف تمكَّنت الدولة من الجمع بين إرثها الحضاري والتحديث الشامل، ممَّا ساهم في رفع تصنيف الجامعات التركية عالميًّا وَجَذَبَ أعدادًا كبيرة من الطلاب الدوليِّين[27].
مؤشرات تطور التعليم العالي:
بحسب إحصائيات مؤسسة “تايمز” للتعليم (THE)، ومن بينها جامعات “صابنجي – Sabancı” في إسطنبول، و”كوتش – Koç” في إسطنبول، و”تشانقايا – Çankaya” في العاصمة أنقرة، و”بيل كينت – Bilkent” في أنقرة. وكانت 82 جامعة تركية قد دخلت نهاية عام 2019 قائمة أفضل 2500 جامعة حول العالم، بحسب إحصائية أعدَّها معهد المعلومات في جامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة، بحسْب الأداء الأكاديمي لهذه الجامعات. وتصدَّرت جامعة “حجي تبه – Hacetepe”، إحدى الجامعات الحكومية الكبرى في العاصمة أنقرة، الجامعات التركية، بفضل المقالات العلمية التي نشرتها خلال العام الدراسي 2019-2020. واحتلَّت “حجي تبه” المرتبة الـ534، وجامعة إسطنبول المرتبة الـ582، فيما حلَّت جامعة إسطنبول التقنية في المرتبة الـ 698، وجامعة الشرق الأوسط التقنية في المرتبة الـ706، وجامعة أنقرة في المرتبة الـ787، وجامعة إيجة في المرتبة الـ842، وجامعة غازي في المرتبة الـ884، وجامعة بيلكنت في المرتبة الـ894، ضمن القائمة التي ضمت أفضل 2500 جامعة حول العالم. وتسعى تركيا إلى تطوير جامعاتها لتحتل مراكز متقدمة عالميًا. وتضم اليوم 207 جامعات، ما أدى إلى زيادة عدد الطلاب من 1.6 مليون إلى 8.4 ملايين طالب[28].
كما تحظى معظم الجامعات التركية بأهمية كبيرة على الصعيد العالمي ويتم الاعتراف بها في معظم الدول العربية والأوروبية، لاسيما وأن بعض الجامعات تسعى باستمرار لتحصيل اعتمادات إضافية، منها اعتماد mudek الخاص بتخصُّصات الهندسة، واعتمادات التدريس بالنظام الأمريكي لدى بعض الكليات الطبية، إضافةً إلى اعتماد pearson البريطاني الذي يعتبر من أقوى الاعتمادات في اللغات الأجنبية[29].
دوافع وأسباب تطور التعليم العالي في تركيا:
1- الدوافع الجيوسياسية:
– المنافسة الإقليمية: تُعتبر تركيا لاعبًا إقليميًّا رئيسيًّا، ودولة نامية تمرُّ بتحوُّلات اجتماعية واقتصادية وثقافية كبيرة، ومع صعود حزب العدالة والتنمية لِسُدَّةِ الحكم كان لديها طموح استراتيجي إقليمي كبير، وكان يُنظر للاستثمار في التعليم والبحث على أنه يمكِّن لتركيا تعزيز نموِّها وتطوُّرِها وتعزيز قوتها الاقتصادية والعسكرية، من خلال زيادة الإنفاق على التعليم وتحديث المناهج الدراسية، وتستخدم نظامها التعليمي كأداة لتعزيز نفوذها في العالم الإسلامي وفي مواجهة قوى تُولِي عنايةً بالتعليم والبحث العلمي ومعدَّلات الإنفاق عليهم مثل إيران وإسرائيل، إذ إنهما أقرب منافسين لتركيا في ذلك، وقد ارتفعت حصة التعليم من الدخل القومي بشكل معتدل إلى 3.9% في عام 2022 وإلى 4.3% في عام 2023[30].
– تعزيز النفوذ الثقافي: تسعى تركيا إلى استخدام التعليم كوسيلة لنشر قيمها الحضارية والإسلامية المعتدلة، ممَّا يُسهم في بناء جسر تواصل حضاري مع الدول الإسلامية الأخرى، حيث إنها اعتمدت في أعقاب صعود حزب العدالة والتنمية على القوة الناعمة كأساس لتحرُّكاتها الاستراتيجية وعلاقتها بمحيطها، ويمثِّل التعليمُ أحدَ أدواتها في نسج روابط تواصل مع شباب وشعوب المنطقة، ويزداد سعيَ تركيا لجذب 350 ألف طالب أجنبي، وقد حَلَّتْ في المرتبة الخامسة عالميًّا لناحية استضافة الطلاب من الخارج، بعدما زاد عددُ الجامعات والكوادر التعليمية من 24 ألفًا إلى 68 ألفًا و500. ويدرس في تركيا نحو 200 ألف طالب أجنبي، نال بعضهم الفرصة عبر برامج المنح الدراسية، مثل “المنح التركية”، و”منح مجلس التعليم العالي”، و”المنح الحكومية”، و”منح وقف الديانة التركي” أو عبر التسجيل فيها من خلال إمكاناتهم المادية[31].
2- الدوافع الاجتماعية:
– التحديات الاقتصادية: كان سوق العمل في تركيا يعاني من ارتفاع معدَّل البطالة بين الخريجين، حيث بلغت البطالة في تركيا 9.4% في عام 2023، فيما بلغت 8.3% عام 2013، وهذا ما يدفع الدولة إلى إصلاح المناهج وتطوير البرامج التعليمية لتكون أكثر توافقًا مع احتياجات السوق[32].
– الطلب المتزايد على التعليم: مع زيادة عدد الطلاب والباحثين، كان على الدولة التوسُّع في إنشاء الجامعات وتوفير برامج تعليمية متنوِّعة، ممَّا انعكس إيجابًا على جودة التعليم العالي.
السياسات المتَّبعة في تركيا:
1- التوسُّع الكمِّي: تُظهر البيانات الرسمية أن عدد الجامعات في تركيا ارتفع من 76 جامعة في عام 2002 إلى 207 جامعة في عام 2023، وفقًا لبيانات مجلس التعليم العالي التركي (YÖK)[33]. يعكس هذا التوسُّع استجابةً للطلب المتزايد على التعليم العالي، فضلًا عن الجهود المبذولة لتحقيق العدالة الاجتماعية بتوزيع الجامعات على مختلف المناطق.
1- التركيز على الجامعات التقنية والبحث العلمي: توسعة نشاط جامعات تقنية متخصصة مثل جامعة إسطنبول التقنية، والتي تركز على تقديم برامج متقدِّمة في المجالات الهندسية والتقنية[34]. كما حظيت مؤسسات مثل TÜBİTAK بدعم مالي ضخم بلغ حوالي 10 مليارات ليرة تركية في عام 2023 لدعم المشاريع البحثية والابتكارية[35].
2- تعزيز البحث العلمي والابتكار: اعتمدت تركيا على سياسات تشجِّع البحث العلمي من خلال منح حوافز مالية وبناء مراكز بحثية متطوِّرة. وقد ساهمت هذه السياسات في تحقيق تصنيفات عالمية، حيث حصلت 7 جامعات تركية على مراتب ضمن أفضل 1000 جامعة في العالم وفقًا لتصنيف QS لعام 2023[36].
ج) تركيا والسعودية في ميزان “التعليم الجيد”:
بالنظر إلى الجهود المبذولة في كلا الرؤيتين، يمكن القول إن رؤية المملكة العربية السعودية وتركيا في مجال التعليم تتماشى إلى حَدٍّ كبير مع الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، لكن مع وجود اختلافات في التنفيذ والتحديات التي تواجه كلًّا منهما. ونظرا لعدم صدور التقارير التي أشارنا إليها في الجزء الأول فإننا سنعتمد بشكل أساسي في تقييم كلا البلدين وفق مؤشرات الهدف الرابع من خلال إصدارات سابقة للتقرير العالمي لرصد التعليم الصادر عن اليونيسكو ومعهدها الإحصائي:
- في التقرير المرحلي عن المؤشِّرات المرجعية الوطنية الذي يقدِّم سجل الأداء لتحقيق الهدف الرابع (2024)[37]: في حالة تركيا، يبرز التقرير تحسُّنًا عامًّا في مؤشِّرات التعليم على مختلف المراحل، حيث تُظهر الأرقام تطوُّرًا ملحوظًا في معدَّلات الالتحاق والإكمال ليس فقط في التعليم العالي، بل وفي التعليم الأساسي والثانوي كذلك، ممَّا يُشير إلى استراتيجية وطنية ناجحة في تطوير البنية التعليمية والاستثمار في التدريب والتطوير المهني للكوادر التعليمية. كما يُظهر التقرير أن تركيا تُولي أهمية لجمع البيانات وتحليلها بطريقة شاملة ممَّا يُساعد على رصد التقدُّم بدقَّة واستنباط الدروس المستفادة لتحسين السياسات التعليمية. كما أورد أرقامًا تشير إلى تقدُّم واضح على مستوى التعليم العالي؛ إذ ذكر أن تركيا حقَّقت «تقدُّمًا متوسطًا» برقم يُقارب “9898100” (على الرغم من أن وحدة القياس أو السياق الرقمي لم يُفَصَّل بشكل كامل في التقرير، فإن الرقم يشير إلى مستوى تقدُّم يُمكن اعتباره إيجابيًّا بالنسبة للتعليم العالي والدراسات العليا)؛ ممَّا يدلُّ على استمرارية جهود تحسين جودة وفاعلية النظام التعليمي العالي في البلاد، وهو ما قد يرتبط بزيادة معدلات الالتحاق ومعدلات الإكمال في الدراسات العليا. أما بالنسبة للسعودية، فيلفت التقرير النظر إلى بعض التحديات المتعلقة بتوفر البيانات؛ إذ يذكر أن البيانات الخاصة باتجاه مؤشرات التعليم العالي غير متوافرة بشكل كافٍ لتحديد الاتجاه بدقة، وهو ما يظهر من خلال عبارات مثل “لا تتوافر البيانات لتحديد” تليها إشارة إلى السعودية. وهذا يعكس صعوبة رصد مؤشرات مثل معدل الالتحاق الإجمالي بالتعليم العالي أو معدلات الإكمال في الدراسات العليا في بعض البلدان، مما يستدعي بذل جهود إضافية لتحسين جمع البيانات والمعلومات المتعلِّقة بهذا المستوى. كما يُشير التقرير إلى وجود تفاوتات داخلية في الأداء التعليمي بين المناطق المختلفة في المملكة، مما يستدعي التركيز على سياسات أكثر شمولية لتحقيق التكافؤ في الوصول إلى التعليم على جميع المستويات، بما في ذلك التعليم العالي والدراسات العليا.
- وفي نفس التقرير لسنة (2024)[38]؛ يُظهر التقرير مقارنة شاملة بين مؤشرات التعليم العالي والدراسات العليا في تركيا والمملكة العربية السعودية، حيث يجمع بين مؤشرات الدعم المالي، قاعدة الطلاب، وآليات التطوير المؤسسي والإداري. في تركيا، يتَّسم نظام التعليم العالي بالاستقرار والانتشار، إذ تُظهر المؤشرات نسب تغطية مالية تعكس مستوى دعم وتمويل قوي. كما تُظهر قاعدة طلابية واسعة تتجلَّى في أرقام الالتحاق والخريجين المرتفعة، وهو ما يدلُّ على قدرة النظام على استقبال وتخريج كوادر مؤهلة بشكل ملحوظ. بالإضافة إلى ذلك، تُظهر بعض المؤشرات تحقيق أهداف محددة بنسبة تصل إلى 100%، مما يعكس استقرار النظام وتنفيذ سياسات التعليم العالي بكفاءة، إلى جانب إشارات إلى الاستثمار في البحث العلمي والابتكار وتوزيع الموارد بما يتوافق مع احتياجات السوق المحلي والدولي. أما في السعودية، فإن التقرير يُظهر مؤشرات مختلطة؛ إذ تتباين بعض القيم الأولية فيما يتعلق بالدعم المالي والإنشائي، مما يشير إلى تحديات قائمة في بعض المحاور. ومع ذلك، فإن تحقيق مؤشِّرات معيَّنة بنسبة 100% يُبرز نجاحًا في تنفيذ بعض الأهداف الاستراتيجية، إضافة إلى ذلك، تُبرز الإشارات الموجودة جهودًا واضحة لتحسين الكفاءة التشغيلية وإصلاح الإجراءات الإدارية، بالإضافة إلى تبنِّي تقنيات التعليم الرقمي وبرامج التدريب القيادي بما يتماشى مع السياسات التنموية الهادفة إلى رفع جودة التعليم العالي والاستجابة للتحديات المستقبلية. ويجمع التقرير بين مؤشرات الدعم المالي والتشغيلي في تركيا والسعودية، حيث يُظهر النظام التركي اتساقًا واستقرارًا في مؤشِّرات التمويل وقاعدة الطلاب، في حين يشير النظام السعودي إلى إمكانيات كبيرة تحتاج إلى تعزيز بعض المحاور التشغيلية والإدارية، مع التركيز على تحديث وتطوير التعليم العالي والدراسات العليا من خلال تبنِّي الابتكار الرقمي وبرامج التدريب القيادي.
- تشير أجزاء من التقرير العالمي لرصد التعليم لعام 2023 إلى بعض الإشارات التي تخصُّ وضع تركيا والسعودية[39]، إذ يُبرز التقرير في سياق التكنولوجيا في التعليم نقاطًا عامَّة تتعلَّق بكيفية تطبيق التكنولوجيا وحجم استخدامها، بالإضافة إلى الفوارق القائمة في الوصول إلى الموارد الرقمية وتأثيرها على جودة التعليم. بالنسبة لتركيا، يُظهر التقرير أنها من بين البلدان التي استطاعت تحقيق مستوى معقول من الاعتماد على التكنولوجيا في التعليم؛ إذ يُلاحظ في التقرير أن البنية التحتية الرقمية متطورة نسبيًّا وتساهم في دعم التعليم عن بُعد وتطوير أساليب التدريس. كما يُذكر ضمن المقارنات الدولية أن تركيا تبذل جهودًا لتحسين استخدام التقنيات الرقمية في الفصول الدراسية، مع الإشارة إلى أهمية تقييم التأثير الفعلي لهذه التقنيات على نتائج التعلم، ما يعكس وعي صناع القرار بالتحديات المرتبطة بتطبيق التكنولوجيا بشكل فعَّال. أما بالنسبة للسعودية، فإن التقرير يُشير إلى وجود تفاوتات في مستوى تطبيق التكنولوجيا في التعليم؛ حيث إن بعض المؤسسات التعليمية في السعودية تُظهر تقدُّمًا في استخدام التقنيات الرقمية، إلا أن التقرير يلفت النظر إلى الحاجة لتعزيز البنية التحتية الرقمية بشكل أوسع لتغطية جميع المدارس بشكل متساوٍ. كما يشير إلى أن السعودية تعمل على تطوير استراتيجيات وطنية تهدف إلى رفع كفاءة التعليم الرقمي، مع التركيز على تدريب المعلمين وتحسين بيئة التعلم الإلكترونية، وهو ما يُعد من الأولويات ضمن جهود تحسين جودة التعليم. وبشكل عام، يعكس التقرير أن تركيا والسعودية تسعيان إلى الاستفادة من التكنولوجيا في تحسين التعليم، لكن كلًّا منهما تواجه تحديات تختلف في نطاقها؛ فتركيا تبدو متقدِّمة نسبيًّا في استخدام التقنيات وتطبيقها ضمن سياق التعلم، بينما تواجه السعودية تحديات تتعلق بتوفير بنية تحتية رقمية شاملة وتدريب المعلمين بشكل منهجي لتعزيز التكافؤ في الوصول إلى التكنولوجيا وتحقيق نتائج تعليمية أفضل.
الخاتمة:
إن مفهوم التعليم الجيِّد يتجاوز مجرد الأرقام والإحصاءات ليشمل الأبعاد الحضارية والإنسانية، وتحقيق التعليم الجيِّد يتطلَّب تضافر عدَّة عوامل؛ من بينها الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية والتكنولوجية، وتوزيع الموارد بشكل عادل، وتعزيز الشفافية والمساءلة. وقد أثبتت تجارب تركيا والسعودية أن الالتزام بالإصلاح والتحديث، مع الاستفادة من الشراكات الدولية والالتزام بالهوية الحضارية، يمكن أن يؤدِّي إلى تحسين مؤشِّرات التعليم العالي وتطوير مخرجاته.
من هنا، فإن الطريق نحو تحقيق نظام تعليمي متكامل يعتمد على الجمع بين المعايير الدولية والرؤية الإسلامية التي تُعزز من جودة التعليم وتحقِّق التنمية المستدامة. وفي ظل التحديات الراهنة، يجب على صانعي السياسات الاستثمار في التعليم والبحث العلمي، وتفعيل آليات التقويم الدورية التي تضمن الاستجابة الفعَّالة لمتطلَّبات العصر، مع مراعاة الأبعاد الحضارية التي تُشَكِّلُ جوهرَ التعليم الجيِّد.
إن تطور التعليم العالي في كلٍّ من تركيا والسعودية لم يكن نتيجةً لظروف عابرة، بل هو ثمرة لسياسات إصلاحية واستراتيجيات تنموية متكاملة، شملت الجوانب التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. ففي تركيا، ساهمت الإصلاحات التي بدأت منذ حقبة أتاتورك وتطوَّرت مع صعود حزب العدالة والتنمية في تحديث النظام التعليمي واعتماد معايير بولونيا في تعزيز جودة التعليم العالي.
وفي المملكة العربية السعودية، جاءت التطورات الحديثة في إطار رؤية 2030 التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة من خلال تحديث البرامج التعليمية وربطها بمتطلبات سوق العمل. وفي ظل التحديات الراهنة، يظلُّ الربط الوثيق بين التعليم وسوق العمل، والحرص على الحفاظ على الهوية الثقافية مع تبنِّي المعايير العالمية، من أهم العوامل التي يجب العمل عليها لضمان استدامة التطور في التعليم العالي.
——————————————–
الهوامش:
[1] كيف يساهم التعليم في تحقيق التنمية المستدامة؟، الخليج للتدريب والتعليم (رؤية 2030)، يوليو 2024، تاريخ الاطلاع: 17 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/4kILPgx
[2] أهداف التنمية المستدامة – الهدف 4 – التعليم الجيد، جامعة المنصورة، تاريخ الاطلاع: 18 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/4hKybH2
[3] 2026 Global Education Monitoring Report Countdown to 2030: Access and equity, UNESCO, accessed: 3 April 2025, available at: https://2u.pw/kX0oM
[4] رصد التعليم في إطار أهداف التنمية المستدامة، التقرير العالمي لرصد التعليم، الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، 2020، تاريخ الاطلاع: 15 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/mWgTk
[5] يشير مصطلح “العتبة” إلى الحد الأدنى أو نقطة القطع التي تُستخدم لتحديد ما إذا كان المتعلم قد بلغ مستوى معينًا من الكفاءة أم لا. بمعنى آخر، تُحدد هذه العتبة مستوى الأداء الذي يُعتبر كافيًا أو أدنى من ذلك. يمكن أن يؤدي وجود هذه العتبة إلى ظاهرة تُعرف بتأثير “العتبة”، حيث يتم تصنيف الطلاب بشكل ثنائي (أي فوق أو تحت العتبة). وهذا التصنيف قد يُفضي إلى تقديرات مبالغ فيها لعدد المتعلمين الذين يتجاوزون هذا الحد، مما يُصعّب المقارنات الدولية الدقيقة في قياس نتائج التعلُّم.
[6] تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، صندوق النقد الدولي، تاريخ الاطلاع: 2 أبريل 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/42lsF83
[7] تقرير للأمم المتحدة: عدد الجياع في العالم ارتفع إلى حوالي 828 مليون شخص في عام 2021، الفاو، 6 يوليو 2022، تاريخ الاطلاع: 2 أبريل 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3R2tXQ7
[8] اليونيسف: كوفيد-19 هو أكبر أزمة عالمية تعصف بالأطفال منذ 75 عاما، اليونيسف، 8 ديسمبر 2021، تاريخ الاطلاع: 2 أبريل 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/42H6g5l
[9] بعد رفع الفائدة بأميركا.. ما تأثيرها على الدول وحياة الشعوب؟، سكاي نيوز عربية، 29 يوليو 2022، تاريخ الاطلاع: 3 أبريل 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3RAnnjR
[10] البنك الدولي: رقم قياسي لمدفوعات خدمة الدين في البلدان النامية خلال 2022، العربية، 13 ديسمبر 2023، تاريخ الاطلاع: 3 أبريل 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3R5VlN1
[11] بعد أزمة الحرب الأوكرانية.. هذه بدائل العرب للحصول على القمح، سكاي نيوز عربية، 21 أبريل 2022، تاريخ الاطلاع: 3 أبريل 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/Yrw5L
[12] ماري بانغيستو وأكسيل فان تروتسنبيرغ، القيود التجارية تشعل أسوأ أزمة غذائية منذ عشر سنوات، البنك الدولي، 7 يونيو 2022، تاريخ الاطلاع: 3 أبريل 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/1uSOxG4T
[13] أكبر أزمة غذاء في التاريخ مستمرة.. مئات الملايين معرضون لخطر الجوع، العربية، 29 يوليو 2023، تاريخ الاطلاع: 3 أبريل 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/yaMABH0
[14] ألمانيا تعود للفحم في توليد الكهرباء بعد تراجع إمدادات الغاز الروسي، العربية، 19 يونيو 2022، تاريخ الاطلاع: 3 أبريل 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/MyNjW
[15] أوروبا ترفع حجم الإنفاق العسكري العالمي إلى مستويات قياسية، الشرق الإخبارية، 24 أبريل 2023، تاريخ الاطلاع: 3 أبريل 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/3HjJP
[16] الصحة العالمية: توقف المساعدات الأميركية يضر بجهود التصدِّي للسُّلِّ، الشرق نيوز، 6 مارس 2023، تاريخ الاطلاع: 3 أبريل 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/43Hn1zh
[17] إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية: عواقب إنسانية واقتصادية على دول العالم، مونت كارلو الدولية، 23 فبراير 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3DXtV9f
[18] 2026 Global Education Monitoring Report Countdown to 2030, Op. cit.
[19] غازي الحارثي، «مؤشر ترتيب» سبيل السعودية لقياس جودة تعليمها، الشرق الأوسط، 1 مارس 2023، تاريخ الاطلاع: 24 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/jhBlP
[20] جامعات سعودية في تصنيفات متقدمة عالميا.. هل ثمة تلاعب؟، الحرة، 14 مايو 2024، تاريخ الاطلاع: 22 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/L8ss6
[21] سهيلة حماد، التعليم في رؤية المملكة 2030، صحيفة المدينة، 14 أبريل 2023، تاريخ الاطلاع: 13 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/4itfhFD
[22] راجع:
– رؤية 2030: إصلاح التعليم الديني في المملكة العربية السعودية، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/vF0Ia
– السعودية تغير كتبها المدرسية بهدوء.. هل يمكن أن يؤدي ذلك إلى قبول إسرائيل؟، سي إن إن، 20 يونيو 2023، تاريخ الاطلاع: 19 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/ARjy7
[23] عدد سكان السعودية يصل لـ32.2 مليون.. ونسبة الأجانب بينهم 41.6%، العربية، 31 مايو 2023، تاريخ الاطلاع: 11 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/NivHaCq
[24] محمد سناجلة، أبرز 8 دول عربية إنفاقا على التعليم وأعلى 8 جامعات عربية بالترتيب العالمي، 2 ديسمبر 2024، تاريخ الاطلاع: 24 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/Nj5P4
[25] فاطمة الشامسي، مساهمة أفرع الجامعات الأجنبية في توطين العلم بدول الخليج لم تكن جميعها ناجحة، آراء حول الخليج، 1 فبراير 2022، تاريخ الاطلاع: 23 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/YYKtk
[26] فهد العتيبي، تطوير المناهج والتعليم، العربية، 30 مايو 2022، تاريخ الاطلاع: 21 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/FqVdbG
[27] راجع:
– ياسين أقطاي، التوسع السريع للتعليم الجامعي في تركيا: إنجازات وتحديات، ترك برس، 25 أغسطس 2024، تاريخ الاطلاع: 6 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/4iATGLE
– نظام التعليم في تركيا لجميع المراحل الدراسية: المميزات والعيوب، التعليم المباشر، 16 سبتمبر 2024، تاريخ الاطلاع: 17 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/4iR8Rjt
– صحيفة: جودة التعليم العالي بتركيا وأثر التصنيف العالمي على جامعاتها، ترك بريس، 6 أبريل 2021، تاريخ الاطلاع: 20 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/41T8qOO
[28] عدنان عبد الرازق، جامعات تركية في المراتب الألف الأولى عالميًّا، العربي الجديد، 4 أبريل 2021، تاريخ الاطلاع: 11 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/4hFl2Pp
[29] تقرير عن جودة التعليم في تركيا، سكاي لاين، 26 فبراير 2024، تاريخ الاطلاع: 22 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/4hFyW47
[30] انخفاض حصة التعليم من الدخل القومي في تركيا، زمان التركية، 5 ديسمبر 2024، تاريخ الاطلاع: 17 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/C1igo
[31] عدنان عبد الرازق، جامعات تركية في المراتب الألف الأولى عالميًّا، مرجع سابق.
[32] معدل البطالة في تركيا يسجل أدنى مستوى خلال 12 عامًا، العربية، 20 مارس 2025، تاريخ الاطلاع: 22 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/4iqxEuR
[33] Number of Accredited Programs Increasing in Turkish Higher Education, 25 December 2024, accessed: 17 March 2025, available at: https://2u.pw/HjQaH
[34] نافذة على جامعة: جامعة إسطنبول التقنية إحدى أقدم معاهد العلوم التطبيقية في العالم، الشرق الأوسط، 15 يونيو 2014، تاريخ الاطلاع: 17 مارس 2025، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/0Hhp9
[35] New TÜBİTAK Support Program for Industry at the amounts of 1,2 Billion Dollars, 14 August 2018, accessed: 17 March 2025, available at: https://2u.pw/PR3v2
[36] QS World University Rankings 2023: Top global universities, QS, 8 June 2022, accessed: 17 March 2025, available at: https://2u.pw/09Vj6
[37] SDG 4 scorecard progress report on national benchmarks: focus on teachers, Unesco, 2024, accessed: 9 April 2025, available at: https://bit.ly/426OCsA
[38] Global education monitoring report, 2024/5, Leadership in education: lead for learning, UNESCO, accessed: 4 April 2025, available at: https://2u.pw/hjTZnFLJ
[39] Global education monitoring report, 2023: technology in education: a tool on whose terms?, UNESCO, accessed: 4 April 2025, available at: https://2u.pw/yVUGQ