الأخلاق والمصالح والأزمة الاقتصادية العالمية: مدخل عمراني مقاصدي للعدل في الأزمات

في نهاية هذا الملف من “قضايا ونظرات” عن “إدارة الأزمة الاقتصادية العالمية: بين السياسي والاجتماعي”، يأتي طرح قضية “الأخلاق” في هذه الأزمة؛ ليعبر غالبا عن جانب “الاجتماعي”. لكن الحقيقة أن “الأخلاق” تتعلق بالسياسي والاجتماعي، بل بالاقتصادي نفسه، لكن من منظور غير ذلك السائد في تعريف الاقتصاد، وفي تعريف السياسة على النسق المعرفي الغربي. وتشير الورقة الخلفية للعدد إلى الخلل الأخلاقي للنظام الرأسمالي الليبرالي الغربي الذي أنتج أزمات اقتصادية متعددة عبر قرن من الزمان، وكذلك الخلل الأخلاقي للنيوليبرالية ورؤيتها الضيقة للمصالح العالمية، وكيفية تفاعل الفاعلين الدوليين -سواء أكانوا دولًا أو شركات عابرة للجنسيات- في داخل النظام الدولي. لا نحتاج إلى استشهادات كثيرة لنذكر بأن أبا الفكر الاقتصادي الغربي الحديث آدم سميث صاحب كتاب “بحث في طبيعة وأسباب تقدم الأمم” هو نفسه صاحب كتاب “نظرية في المشاعر الأخلاقية The theory of Moral Sentiments”[1].

من منظور حضاري إسلامي مقارن، فإن الأخلاق لازمة للإنسان في فكره وشعوره وسلوكه؛ وهي عبارة عن صفات الأفعال التي تمنح الفعل معنى خيرًا حسنًا أو معنى شريرًا قبيحًا. ومن ذلك، أخلاق السياسات؛ فالسياسات منها العادلة ومنها الظالمة، ومنها النافعة ومنها الضارة. ومن ثم فإن الإشكال الأول هو في المنطق السائد المُنحِّي للأخلاق عن الاقتصاد، ويتصل به إشكال ربط الاقتصاد بالسياسي مع فصل الاثنين عن الاجتماعي، ثم السؤال العملي هو كيف تلعب الأخلاق دورًا في تحقيق المصالح الاقتصادية على طريقتها اللائقة بها؟ وكيف تتجلى موازنة الأخلاق والمصالح في الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة؟

ما تفترضه هذه الورقة هو أولا أن الفلسفة الراهنة للاقتصاد بعامة والعالمي منه بخاصة لها دور في أزماته، وبالأخص موقف هذه الفلسفة من الأخلاق، وأن جزءا أساسيا من أسباب الأزمات الاقتصادية يتمثل في إنكار أن الأخلاق والفضائل تحفظ المصالح الاقتصادية ولكن بطريقتها الإنسانية العادلة الفاعلة، إن وجدت، وتتجدد الأزمات بفعل عوامل عديدة لكن من أهمها غياب البُعد الأخلاقي في السياسات الاقتصادية عبر العالم المعاصر.

أولا- الأخلاق والاقتصاد والاجتماع: نحو منظور عمراني

يقول الكاتب الاقتصادي الأمريكي تيموثي تايلور: “يفضل خبراء الاقتصاد التغاضي عن القضايا الأخلاقية؛ إذ يستهويهم القول بأنهم يدرسون المفاضلات والحوافز والتفاعلات، تاركين الحكم على القيم الأخلاقية للعملية السياسية والمجتمع. ولكن الأحكام الأخلاقية لا تغضّ الطرف عن الاعتبارات الاقتصادية. ويمكن تقسيم النقاد المعنيين بالعلاقة بين الاقتصاد والفضيلة الأخلاقية وفق ثلاثة مفاهيم رئيسية: إلى أي مدى يمكن تحقيق الفضيلة في الحياة الاقتصادية المعتادة؟ وهل يتجاوز التحليل الاقتصادي حدوده ويقترب من سلوكيات ينبغي حمايتها من الاقتصاد؟ وهل دراسة الاقتصاد في حد ذاتها تحيد عن السلوك الأخلاقي؟”[2].

يمكننا المقارنة بين منظورات مختلفة للعلاقة بين الاقتصاد والأخلاق، وبين منظومات ومفردات أخلاقية أو قيمية مختلفة يقدمها كل من فلاسفة المجالين للوصل بينهما؛ وهي تدل على أنساق معرفية مختلفة وتمايز مهم بين المفاهيم الأساسية للاقتصاد والأخلاق[3]. ولكن ثمة ثلاث وجهات نظر كبرى في هذه العلاقة؛ أكثرها رواجًا تمنح الأولوية للمعيار الاقتصادي وتؤول المعيار الأخلاقي ليتوافق معه، تقابلها رؤية ترى أنه ليس من الأخلاقي تقديم الأرباح على الأرواح وأن الأليق بالإنسان مراعاة الأخلاق أولًا، وأن يكون الاقتصادي خادمًا وتابعًا للأخلاقي على مستويي المقاصد والوسائل. وبينهما رؤية توفيقية تتعدد داخلها الاجتهادات.

وثمة اتجاهٌ حديثٌ خطيرٌ يتّجه لأقصدة الاخلاق؛ أي تحويل قضايا الأخلاق (يحسُن.. ويقبُح..) إلى قضايا تسعيرٍ وتسليعٍ: تسعير العلاقات الاجتماعية، تسعير الخدمة العسكرية (توسيع مفهوم الارتزاق العسكري)، تسليع الأرحام (الأمهات البديلة) والتبني والتبرع بالدم وبالأعضاء الجسدية البشرية، والجِنسية وحقوق الهجرة، والصوت الانتخابي، فضلًا عن الجِنس. ويحذِّر بعض الأساتذة أن ذلك نذيرُ باضمحلال “بعض السلع الأخلاقية والمدنية” وفق مايكل ساندال- أستاذ الفلسفة بجامعة هارفارد[4].

بين مفهومي الاقتصاد والمعاش الإنساني

وكما أُشير، فهذا السجال فرعٌ عن تعريف كلٍّ من مفهومي الأخلاق والاقتصاد. فالاقتصاد بالمعنى الحديث يشمل الأنشطة (زراعة، صناعة: استخراج وتحويل، تجارة، وخدمات)، والتمويل، والتسويق، ومكملاتها. وثمة عمليات تحِفُّ بهذا الاقتصاد عملياتٌ؛ إحداها من عالم السياسة تتعلق بتخصيص الموارد العامة لصالح الاقتصاد، والأخرى من عالم الحياة الخاصة والاجتماعية؛ وهي الاستهلاك أو الانتفاع، الذي يستخدمه الاقتصاديون لتبرير البيع وترويج التجارات، ولا يمتد اهتمام الاقتصاد إلى تفاصيل هذا الاستهلاك الحياتية الاجتماعية.

ولعل التعبير عن الاقتصاد بالمعاش والمعايش أوسع وأقرب إلى وصف الواقع الاقتصادي ووصله بالواجب الأخلاقي[5]، ويكشف كثيرا من غموض المفاهيم الاقتصادية، وتمويه العمليات والتعاملات الرأسمالية. فالمعايش جمع معيشة؛ وهي تشير إلى المنافع التي يتبادلها المتاجرون بجهودهم (الفكرية والعملية) وأموالهم (العينية والنقدية)؛ ومن ثم تكشف حجم الفجوة بين انتفاعات قطاعات من الناس وانتفاعات آخرين. وبتطبيق ذلك على الاقتصاد الرأسمالي يتضح أنه اقتصادُ كبار التجار والمسوقين، وكبار الصناع المنتجين، وكبار الممولين، وكبار المديرين لهذه القطاعات؛ سواء أكانوا دولًا أو شركاتٍ أو عائلاتٍ أو أفرادًا. وبالتالي؛ فمعايش غيرهم من بقية العالم ملحقة بهم. ويسفر مفهوم المعايش أيضا عن وجوه من كنز أموال عند شرائح ومراكمة رءوس أموال نخب ومجموعات أو طبقات في جهة من العالم، كثير منها مقتطع من حقوق شعوب واسعة في بقية الجهات. فالكنز والمراكمة ليسا من المعايش في شيء، ما لم يعودا على البقية بمنافع عامة، كما انتفع أصحابها من الموارد العامة أكثر من غيرهم.

وأخلاق المعايش الاجتماعية -التي تتَّسع لما بين المجتمع المحلي والمجتمع العالمي- تعني العمل بالعدل في تقديم الجهد أو الفكر، وفي توظيف رأس المال أو تداوله، وفي تقييم الأجر وتحديد السعر، وفي الانتفاع بما ينتج عن هذا المجال من سلع وخدمات تتشكل بها معايش الناس. ومن ثم تنتقد ظلم الأشياء، وظلم النفس، وظلم الغير. فمن ظلم الأشياء الإسراف والتبذير، ومن ظلم النفس التقاعس وإهدار الإمكانية والتمكين لظلم الآخرين للنفس، أما ظلم الغير فأظهره استباحة الجهد واستباحة المال خاصة بتلك الأشكال غير المباشرة والمبهمة؛ من التحكم في تسعير الجهد بالبخس، وتسعير السلع والخدمات بهامش ربح مضاعف، وإطلاق العنان لقيمة رأس المال، واستعمال الدعاية والإعلان لإفساد موازين المعايش والترويج للكماليات كالضروريات وللتنافس عليها بصور لا حصر لها.

أريد -نظريا- للاقتصاد النموذجي أن يحكمه العقل وتوجهه الرشادة العقلانية، أو يسيِّره الواقع بقواه وتوازناتها أو اختلالاتها. فوَفق العقلانية الراشدة يقيم كل طرف حساباته العقلية في الإنتاج والعمل والبيع والشراء والتمويل وغيرها، لكن هذه العقلانية تتغافل عن الواقع الذي يتشكل من قوى غير مكتافئة، فكيف يفعل القوي والضعيف بعقليهما، أما رغباتهما في أكبر قدر من المصالح الذاتية وأقل قدر من المضار الذاتية؟ هل يفكران بأخلاق عدل أم بِشُحِّ نفْس؟ ثم الوضعية التي تغلب الواقع من غير عقل، فهي تؤول إلى الوقوع في غابة تستلم غزلانها لوحوشها، وتفترس وحوشها غزلانها، وكلٌّ منها تقن ع ذاتها أن هذا هو منطق الأمر الواقع الذي لا مفرَّ منه.

العلاقة بين الأخلاق والاقتصاد عمرانيًّا

لكن من منظور حضاري مقارن، تبدو العلاقة بين الأخلاق والاقتصاد تكاملية وتعادلية، وتفرض العدل وتستدعي موارده المختلفة؛ من الدين والعقل والأخلاق والمصلحة المستديمة.

وجه التكامل أنه لا معنى للأخلاق إن لم تتجلَّ في مكاسب وخسائر مادية ومعنوية، وابتلاءات باحتمالات هذه أو تلك، وكذلك فإن السلوك الاقتصادي -كأي سلوك- يخضع للابتلاء المتعلق بإمكانية الخير والشر والتخيير بينهما، فلا يوجد سلوك لا يمكن القول بوجوبه أو جوازه أو منعه أخلاقيا، أو باستحبابه أو كراهيته. ومن ثم يحتاج السلوك الاقتصادي للضابط الأخلاقي حتى لا يقع -بالضرورة- في الشر والقبح، وكذلك يتفاعل البعد الأخلاقي مع ضمائر أهل الأسواق والتصنيع والتمويل والعمل أثناء تخطيطهم وممارستهم للعمل الاقتصادي.

أما وجه التعادل، فإن ما تفرضه الأخلاق قد يتعارض مع مصالح اقتصادية لبعض الفئات، وما ترفضه الأخلاق قد يكون مطلوبا لبعض الأنشطة وتعطيله يهدر مصالح فئات أخرى، فكيف نقيم المعادلة بين هذا وذاك؟ فمثلا خفض الأسعار في سلع أو خدمات معينة يفيد المستهلكين لكنه قد يضر بالمنتجين؛ وهنا تتدخل الأخلاق لتحقق العدل بين الطرفين، وبالأخص من منظور الفقه الإسلامي الذي يطرح مفهوم “السعر العادل”، أو “سعر المثل”. ويبحث هذا السعر في عناصر التكلفة ليضيف عليها هامش ربح معقول، ويشترط أن يتم ذلك مع كل السلع والخدمات؛ أي أن يكون العدل شاملا، وإلا فتجزيئ العدل ظلم. ولكن إن لم يمكن أن يعم العدل عمليات التسعير (وتشمل تسعير الخامات والسلع والخدمات والعوائد والأجور،….)، ولم يُقدر على ذلك، ففقه الأولويات ترتيب هذا الفرض ليكون في الضروريات أولا، ثم الحاجيات؛ أي الاحتياجات دون الضرورية وفوق الكمالية، وليس أن تُقلب الأولويات أو تُهدر وتُترك فوضى.

ومن ناحية أخرى، يقدم المدخل المقاصدي-القيمي إطارا حاضنًا للاقتصاد بمعنى المعايش وأعمالها يراعي: الأولويات، والمآلات، والإمكانيات، ويُجري بين هذه وسائر معطيات العملية الاقتصادية نوعًا من الموازنات التي تساعد في تخطيط وتنفيذ السياسات الاقتصادية من جهة، وتضبط سلوكيات المعايش من جهة أخرى، ثم تقيم الأداء في كل حالة. فإذا كانت السياسات الاقتصادية العالمية الراهنة لا تراعي أولويات الاحتياج البشري بقدر ما تتماشى مع أغراض أصحاب الأموال الذين يقودون الأنشطة الاقتصادية، فإن رعاية المآلات الإنسانية العامة أولى بكل معنيٍّ بالسياسات العامة الداخلية والعالمية. وكذلك مطلب فقه الإمكانيات ووجوب حفظها –بالتعبير المقاصدي- هو مما يكشف عن عوار سياسات الدول النامية حين تفرِّط في حقوق شعوبها وفي مواردها الطبيعية وترضخ لتسعيرات جائرة للمواد الخام ومصادر الطاقة، وتكتفي بالاستخراج دون التحويل، بل تتقاعس أحيانا كثيرة عن الاستخراج نفسه وتكله إلى شركات الشمال والغرب لتقوم عنها بأبسط الأمور مثل هذه[6].

هنا يأتي دور فقه الموازنات ليقدم نقدا وبدائل مهمة لمناهج صنع السياسات وصنع القرارات الاقتصادية المحلية وتلك المتصلة بالسياسات العالمية؛ ويبين أن هذه المناهج والعمليات ينبغي أولا أن تتوخى المصلحة العامة للمجتمع، وتلتزم العدل مع بقية المجتمعات تحت قاعدة (لا تَظلِمون ولا تُظلَمون)-الآية، وتمنع الآخرين أيضًا من الجور؛ وذلك كله من مدخل أخوي حضاري عالمي ينصر المظلوم وأيضًا ينصر الظالم؛ ونصرة الظالم فيه أن (ترده عن ظلمه) كما جاء في الحديث النبوي الحكيم. هذه الموازنات التي تجمع بين المصلحة الذاتية والمصلحة العامة، وبين حقيقية المصلحة وفعالية القيم الإنسانية الثابتة، وبين نوعية السياسات وفقه المآلات المترتبة عليها، وبين الإمكانيات المتاحة والغايات المشروعة.. هذه العملية من الموازنة هي قوام السياسة العادلة في الاقتصاد وغيره.

ومن ذلك ربط الاقتصاد بالسياسي من دون الاجتماعي: فقد اعتاد النسق المعرفي الغربي على وصل الاقتصاد بالسياسة قبل أي شيء، ولا ضير في ذلك، لكن فصل المجالين عن ثالثهما؛ وهو الاجتماع الإنساني ليس مفهوما إلا في إطار غير قيمي؛ إطار يكرس في الاقتصاد ماديته ودنيويته، ويبث في السياسة عقلانية مادية جافة تشبه عقلانية الاقتصاد، ويعزلهما عن معايش الأفراد والمجتمعات، وحديث الطبقات وخاصة الفقراء والمعدمين والمهمشين والمبتلين عبر العالم وقاراته.

إن عزل السياسي والاقتصادي عن الاجتماعي إنما هو غمض عين عن القيم الإنسانية الحاكمة للتعاملات الاقتصادية وتغميض أعين الآخرين عن السياسات الاقتصادية الجائرة. فيقال إن للسياسة والاقتصاد منطقيْهما الخاصين بهما، وللمجتمع منطقه، فيتقطع الإنسان ووعيه وسعيه بين قطاعات حياته، ويدخل هذه ماكينة تلتهم وقودًا وتعمل، ويمارس تلك موظفًا أو جنديًّا يسمع ويطيع، ويفقد من ثم معنى العيش والتفاعل والرضا والسُّخط والقبول والرفض… ولا يمكنه الخروج من الآلة الدائرة.

وفي هذا الإطار يشار إلى اتجاه يعيد النظر في الممارسات الاجتماعية الأساسية والفرعية من باب اقتصادي: كالزواج والعلاقات الزوجية والأسرية وتربية الأطفال والعمل الخيري والنظافة ومواجهة المشكلات البيئية ومنع شرب الخمور وتعاطي المخدرات[7].

ومن هنا تأتي أهمية منظور العمران البشري الذي طرحه ابن خلدون ومدرسته لوصف الحقائق المعيشية، ووصف الصنائع والأعمال والأسواق والسياسات المالية والاقتصادية، وربطها بالأخلاق الخاصة والعامة؛ خاصة بقضيتي العدل (والظلم المؤذن بخراب العمران)، والعقل أو الرشد السياسي.

في التحليل العمراني للمعاش وأزماته: العدل أولًا

يصل منظور العمران البشري أخلاق السوق بأخلاق القصر بأخلاق الناس في بيوتهم وسائر شئونهم. وينبه إلى سنن ذلك القاضية وطبائعه الغالبة على البشر في كل الأعصار والأقطار.

ويكشف التحليل العمراني الخلدوني لأمور المعاش ومنها الزراعة (يسميها الفلاحة)، والصناعة (الصنائع) والتجارة عن أخلاقها، وطرق تدبيرها التي تختلط بأخلاق عامة، وأخلاق تخص كلًا منها، وخاصة التجارة. وفي التجارة وعمليات نقل البضائع بين البلدان وابتغاء الارباح الضخمة بالطرق التعاملية المختلفة قليلا ما تتجلى أخلاق شريفة، بينما يغلب على هذا القطاع أخلاق رذيلة شبَـقًا وتعطُّشا للربح الكبير، وهلعًا من احتمالات الكساد والخسارة.

فابن خلدون يجعل المعاش جزءا أساسيا من العمران إلى جوار السياسة وله مظاهره وعلله وأسبابه: (الكتاب الأول في العمران وذكر ما يعرض فيه من العوارض الذاتية من الملك والسلطان، والكسب والمعاش، والصنائع والعلوم؛ وما لذلك من العلل والأسباب)؛ مشيرا إلى صنائع قوة وسياسة، وصنائع معاشية للكسب[8]. وهو يقصد بالمعاش الاحتياجات والأنشطة الضرورية وفق المعنى المقاصدي (المعاش ضروري طبيعي، … فإن اجتماعهم إنما هو للتعاون على تحصيله والابتداء بما هو ضروري منه ونشيط، قبل الحاجي والكمالي… ثم إذا اتسعت أحوال هؤلاء المنتحلين للمعاش وحصل لهم ما فوق الحاجة من الغنى والرفه دعاهم ذلك إلى السكون والدعة وتعاونوا في الزائد على الضرورة واستكثروا من الأقوات والملابس والتأنق فيها وتوسعة البيوت واختطاط المدن والأمصار للتحضر ثم تزيد أحوال الرفه والدعة فتجيء عوائد الترف البالغة مبالغها في التأنق في علاج القوت واستجادة المطابخ وانتقاء الملابس الفاخرة في أنواعها من الحرير والديباج وغير ذلك ومعالات البيوت والصروح وإحكام وضعها في تنجيدها والانتهاء في الصنائع في الخروج من القوة إلى الفعل إلى غايتها فيتخذون القصور والمنازل ويجرون فيها المياه ويعالون في صرحها ويبالغون في تنجيدها ويختلفون في استجادة ما يتخذونه لمعاشهم من ملبوس أو فراش أو آنية أو ماعون وهؤلاء هم الحضر ومعناه الحاضرون أهل الأمصار والبلدان ومن هؤلاء من ينتحل في معاشه الصنائع ومنهم من ينتحل التجارة..)[9].

وكما يفسر ابن خلدون التغالب في السياسة في باب الحروب ومنها حروب البغي والعدوان وحروب العدل والإصلاح، يصل بها التنافسات في المعايش وتبادلها، إما غصبا وسلبا وظلما، وإما بالرفق والتراضي والعدل. ولذا يرفض المنطق العمراني إدخال السياسة بقوتها وسلطانها على الأسواق والتجارات بحريتها وعرضها وطلبها؛ فقال إن : (التجارة من السلطان مضرة بالرعايا ومفسدة للجباية)؛ لماذا؟ لأن السوق ساعتها يفقد توازنه الطبيعي ويغلب فيه القوي الضعيف ويظلمه ظلمًا غير محسوس/ ثم تحس آثاره على التكرار والتراكم والتوالي؛ بأي بمتسلسلات زمنية؛ حتى نصل إلى حال الأزمة التي تتراجع فيها الصنائع والتجارات ركودا وكسادا وغلاء وفقرًا.

ثم إن هذا الظلم هو نفسه ما ينذر بالتراجع الحضاري أو خراب العمران: (الظلم مؤذن بخراب العمران: اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها؛ لما يرونه حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم، وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت أيديهم عن السعي في ذلك، وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب؛ فإذا كان الاعتداء كثيرا عاما في جميع أبواب المعاش كان القعود عن الكسب كذلك لذهابه بالآمال جملة بدخوله من جميع أبوابها وإن كان الاعتداء يسيرا كان الانقباض عن الكسب على نسبته. والعمران ووفوره ونفاق [أي رواج] أسواقه إنما هو بالأعمال وسعي الناس في المصالح والمكاسب ذاهبين وجائين؛ فإذا قعد الناس عن المعاش وانقبضت أيديهم عن المكاسب كسدت أسواق العمران وانتقضت الأحوال، وابذعر [أي تفرق] الناس في الآفاق من غير تلك الإيالة [الدولة] في طلب الرزق فيما خرج عن نطاقها؛ فخف ساكن القُطر وخلت دياره وخربت أمصاره واختل باختلاله حال الدولة والسلطان لما أنها صورة للعمران تفسد بفساد مادتها ضرورة)[10]. ويقاس هذا على العالم وسياساته الاقتصادية وما فيها من ظلم أو عدل.

وهنا يوضح سعة مفهوم الظلم، وخطورته إذا التصق بالسياسي: (والمراد من هذا أن حصول النقص في العمران عن الظلم والعدوان أمر واقع لا بد منه لما قدمناه ووباله عائد على الدول ولا تحسبن الظلم إنما هو أخذ المال أو الملك من يد مالكه من غير عوض ولا سبب كما هو المشهور بل الظلم أعم من ذلك وكل من أخذ ملك أحد أو غصبه في عمله أو طالبه بغير حق أو فرض عليه حقا لم يفرضه الشرع فقد ظلمه فجباة الأموال بغير حقها ظلمة والمعتدون عليها ظلمة والمنتهبون لها ظلمة والمانعون لحقوق الناس ظلمة وخصاب الأملاك على العموم ظلمة ووبال ذلك كله عائد على الدولة بخراب العمران الذى هو مادتها لإذهابه الآمال من أهله واعلم أن هذه هي الحكمة المقصودة للشارع في تحريم الظلم وهو ما ينشأ عنه من فساد العمران وخرابه وذلك مؤذن بانقطاع النوع البشري وهي الحكمة العامة المراعية للشرع في جميع مقاصده الضرورية الخمسة من حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال فلما كان الظلم كما رأيت مؤذنا بانقطاع النوع لما أدى إليه من تخريب العمران كانت حكمة الخطر فيه موجوده فكان تحريمه مهما واحالته من القرآن والسنة كثيرة أكثر من أن يأخذها قانون الضبط والحصر ولو كان كل واحد قادرا على الظلم لوضع بإزائه من العقوبات الزاجرة ما وضع بإزاء غيره من المفسدات للنوع التي يقدر كل أحد على اقترافها من الزنا والقتل والسكر إلا أن الظلم لا يقدر عليه إلا من يقدر عليه لأنه إنما يقع من أهل القدرة والسلطان فبولغ في ذمة وتكرير الوعيد فيه عسى أن يكون الوازع فيه للقادر عليه في نفسه وما ربك بظلام للعبيد)[11].

وإذا انتقلنا من ابن خلدون إلى تلميذه المقريزي الذي درس الأزمات الاقتصادية القديمة (الشِّدَد جمع شدة) في كتابه (إغاثة الأمة) واستخرج قوانين أساسية لوقوعها وقوانين لمنعها أو دفعها أو رفعها؛ نرى أنه ركز -بعد الاعتراف بالعوامل القدرية- على دور السياسات العامة -بتعبيرنا المعاصر- في تردي العملات والنقود وتدهور الأنشطة الاقتصادية وسوء السياسات الضريبية، وعدم التخطيط للأزمات، ولا تدبير مواجهتها بالعدل والعقل، ما أدى إلى “شدد” كثيرة وشنيعة[12].

فإذا ضممْنا إلى ذلك ما أشار إليه الفكر الإسلامي القديم والمعاصر من دور الأخلاق في الاقتصاد حال تبنيه مرجعية إسلامية، تبين كيف أن الأمر في العالم الإسلامي تتداخل فيه المصالح مع المرجعية تداخلا تخلت عنه النظم ذات المرجعية العلمانية في الغرب والشرق؛ ومن ثم تتركب القضية من هذا المنظور، وتصبح قضية حضارية تدخل في تدافع الحضارات، والبحث عن بديل حضارية أكثر عدالة وإنسانية وعالمية[13].

فيشير د. رفعت العوضي إلى قيم سبعة: العدل، ومنع الظلم، وحماية البيئة المسخرة تكريما لا تأليها للإنسان، والعمل وإتقانه، وأخلاق الدولة في المالية والاقتصاد والعمران، وأخلاق المصرفية وقيمها (وذكر لها سبع قيم أخرى). ويشير الشيخ يوسف القرضاوي والمستشار عبد الحليم الجندي إلى أهمية الإيمان والشريعة في ضبط نوازع الاقتصاديين النفسية المائلة باتجاه الجشع والاستغلال والمكاسب السريعة الضخمة، والانفلات من الضوابط، فيما الاقتصاد المنشود: رباني، أخلاقي، إنساني، وسطي[14].

الأخلاق تحقق المصالح الاقتصادية وليست تهدرها

ومن هنا يتجلى أن منظورا حضاريا عمرانيا يجمع بين الأخلاق والاقتصاد، وبين الاقتصاد والسياسة والاجتماع في إطار عمران إنساني حيوي، يجعل للأخلاق دورا أساسيا في تحقيق المصالح العامة والخاصة؛ ومنها المصالح الاقتصادية، ويحفظ عليها سعتها وعدلها وإنسانيتها وديمومتها، ولا يكتفي بمؤشراتها المادية الضيقة والمؤقتة والأنانية أو الطبقية. يرفص هذا المنظور تلك الفكرة المروجة بأن منطق الأخلاق والتمسك بها يمثل طريق خسائر من المنظور الاقتصادي المعاصر؛ فالتعاون مثلا أفضل من الصراع في تحقيق مصالح خاصة وعامة، والتنافس الشريف يوفر الكثير من الإهدارات عن التنافس الخسيس في أسواق الإنتاج والتجارة والاستثمار والتمويل وغيرها، وإمكان ذلك ليس مستحيلا، وإن كان صعبا في ظل اختيار فئة كثيرة من بني آدم لطرق غير عادلة.

وفي هذا الإطار فإن من أهم ما يشير إليه المدخل المقاصدي والمنظور العمراني للمعاش الإنساني أن الأخلاق المنشودة هنا ليست أخلاق الرحمة والرفق والطيبة والتعاطف فقط، وإن كانت مطلوبة ومقدرة، لكنها قبل ذلك أخلاق العدل والإنصاف؛ وهي التي تفرض قيما على الأقوياء والأغنياء أهمها الترفع عن أكل أموال الناس بالباطل أو بالبغي والاستناد إلى فوارق القوة والقدرة في ذلك، وتفرض أيضا قيمًا مقابلة على الضعفاء والفقراء تتمثل في المروءة والعزيمة وهمة السعي الدءوب للكسب وتحقيق الذات ومن أهمها: خُلُق الاستغناء عما يكرس التبعية؛ كالمنح والمساعدات وما إليه، ومقاومة الظلم خاصة عبر فقه أولويات يمنع من خلط الكماليات بالضروريات، ويدعو إلى تحمل الأضرار الصغيرة لتفادي الوقوع تحت الأضرار الأكبر والأكثر استمرارًا مستقبلًا (فقه مآلات)، ومراعاة الإمكانيات المتاحة أمام التعاملات الاقتصادية المنشودة.

ثانيا- تحليل الأزمة الاقتصادية عبر تقاريرها الدولية

مضمون الأزمة الاقتصادية نتائج لها أسباب، وبينما ينشغل عامة الناس بمضمون الأزمة أو نتائجها التي تؤثر على حياتهم اليومية، ينشغل الساسة والاقتصاديون وخواصّ المجتمعات عبر العالم من الخبراء وكبار الملاك والتجار والناشطين اقتصاديا بأسبابها ومصادرها. الأولون يريدون الخروج منها ولو بالتمني والشجْب والدعاء، والأخيرون يبحثون عن مخارج لوقف نزيف خساراتهم النسبية واستئناف مسيرتهم الربحية. ومن هؤلاء قليلون جدًّا (من الأخلاقيين الإنسانيين) من يعنون بحالة العالم وعمرانه، وكيف تكشف الأزمات الاقتصادية عن عوارٍ في السياسة العالمية التي يشارك فيها الجميع، وأيضا كيف تكون الأزمة هي ذاتها مخرجًا من إطار حضاري جائر ومادّيّ إلى إطار حضاري عادل وإنساني.

دائرية العلاقة بين نتائج الأزمة وأسبابها

في نتائج الأزمات التي تشكل مادتها ومضمونها، تتجلى المؤشرات المعروفة محليا ودوليا: كساد البضائع وتراجع الإنتاج، فانكماش الاقتصاد الوطني والعالمي، ارتفاع أسعار السلع والخدمات خاصة الضرورية كالأغذية والأدوية ومصادر الطاقة، والأصول والبنى التحتية، التضخم وتدهور حال العملة وضعف السيولة، تدهور الدخول الحقيقية وارتفاع تكلفة المعايش وضرب الطبقة الوسطى والطبقة الأدنى منها، مع ارتفاع معدلات البطالة، وتدهور الإنفاق الحكومي على الخدمات الأساسية، انهيار أسواق الأسهم وتراجع معدلات الاستثمار، فضلا عن الأزمات المالية التي تتعلق بميزان المدفوعات والموازين التجارية وتراكم الديون الداخلية والخارجية، وغيرها.

وكما هو واضح ليست كل هذه المؤشرات ذات دلالة إنسانية حاسمة، اللهم إلا في التزامها حدود العدل والاعتدال أو تجاوزها لها. فارتفاع أسعار السلع ينفع أقواما ويضر آخرين، وكذلك انخفاض أسعارها ليس نافعًا دائمًا كما قد يتصوَّر البعض، والواجب دائما هو الاعتدال في مراعاة الظروف المعيشية، والعدل بين المنتجين والتجار والمنتفعين.

أما عن أسباب الأزمات فتارة تكون طبيعية كالجوائح والأوبئة والكوارث البيئية، كما حدث في أزمة جائحة كورونا 2019-2022، وتارة تكون بفعل أحداث غير اقتصادية كالحروب؛ كالحربين العالميتين في النصف الأول من القرن العشرين، وحرب أكتوبر 1973 ومعها حرب النفط العربي، وحروب الخليح، فالحرب الأمريكية على ما سمي بالإرهاب الدولي منذ 2001، وصولا إلى الحرب الروسية-الأوكرانية الحالية منذ فبراير 2022، ومنها أسباب تتعلق بالسياسات الاقتصادية العالمية؛ وبالأخص بقواعد إدارة النظام الاقتصادي العالمي منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، فما بعد انتهاء الحرب الباردة، فسياسات العولمة، وسياسات ما بعد العولمة، وسياسات تحولات القوى السياسية الاقتصادية مع ظهور الصعود الصيني خلال العقد الأخير مع نهايات الربع الأول من القرن الحادي والعشرين.

كما تختلط الأسباب بالنتائج، ومن مدخل سُنني تختلط الأسبابُ القدريةُ بالأسباب السياسية، وبين كل من هذه وتلك علاقات دائرية؛ فالنتائج تتحول إلى أسبابٍ لمزيد من التأزُّم، والسياسات قد تمكّن للكوارث البنيوية كما تتأثر بها. ولسياسات إدارة الأزمة الاقتصادية العالمية اتجاهان رئيسيان: إما المفاقمة؛ خاصة ممن ينتفعون منها، وإما الإدارة والمعالجة بغية الخروج منها والعودة إلى حالة طبيعية. لكن حتى الحالة التي نصفها بالطبيعية منها الجائر (وإن تعايش معه الناس)، ومنها العادل؛ وهو الذي تراعى فيه مصالح الجميع أولا في الضروريات بإطلاق، ثم فيما بعد الضروريات بنسب عادلة؛ حذرًا من أكل أموال الناس بالباطل، بطرق مباشرة أو غير مباشرة، وتجنبا لآفات الغرر (الميسر) والإكراه (الغصب والعسف..)، والظلم بجميع ألوانه؛ وتحقيقا لمبادئ العدالة والإرادة الحرة والتراضي؛ ولما يترتب على ذلك من مآسٍ إنسانية كبرى.

وفي الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية يختلط خطاب نتائجها بخطاب أسبابها، ويغلب التمويه على دور عزل الأخلاق عن الفكر والممارسة في عالم الاقتصاد، في مفاقمة مسارها وآثارها، وفي تحويل أكثر مآسيها وويلاتها إلى الدول والمجتمعات الفقيرة والضعيفة في هيكل النظام العالمي الراهن.

خطاب الأزمة في تقارير محلية ودولية: قلق ولا يقين وتجزؤ

أبرز تقرير لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري تحت عنوان “الأزمات الاقتصادية… تعثر يعقبه تعافٍ”، بعض أهم التحديات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي في الأونة الأخيرة؛ بدءًا من انتشار جائحة كورونا 2020، حيث نتج عن هذه الأزمة خسائر في الأرواح والاقتصاد، كما كان للقيود التي فرضت لكبح انتشار الفيروس تأثير على النمو الاقتصادي، ثم تعافي النمو الاقتصادي العالمي سريعًا (ليصل النمو في عام 2021 إلى 5.2٪)، لكن هذا النمو لم يدم طويلًا حيث بدأت الأزمة الروسية- الأوكرانية مطلع 2022، والتي نتج عنها أشد أزمة طاقة تشهدها الاقتصادات المتقدمة منذ سبعينيات القرن السابق، وارتفاع التضخم بشكل غير مسبوق، واتجاه البنوك المركزية الكبرى نحو تشديد السياسات النقدية؛ ليعود النمو مرة أخرى للانخفاض (ويصل عام 2022 إلى 2.4٪)[15].

أشار التقرير إلى أنه في بداية عام 2023، أصبح العالم يواجه مجموعة من المخاطر ظاهرها مألوف، ولكنها -من حيث النوع والتأثير والشكل والانتشار- جديدة تمامًا. تتمثل أبرز تلك المخاطر في: معدلات التضخم، وأزمات تكلفة المعيشة، والحروب التجارية، وتدفقات رأس المال الخارجة من الأسواق الناشئة، والاضطرابات الاجتماعية واسعة النطاق، والمواجهة الجيوسياسية، إلا أنها جديدة من حيث ظهور عصر جديد من النمو المنخفض على مستوى معظم دول العالم، وانخفاض معدلات الاستثمار العالمي، وتراجع العولمة، وتراجع معدلات التنمية البشرية بعد عقود من التقدم، والضغوط المتزايدة بسبب تأثيرات تغير المناخ،.. هذه العناصر كلها اجتمعت وتقاربت معًا لتشكل مخاطر وأزمات مألوفة من حيث الشكل، ولكن بمضمون جديد تمامًا[16].

وطبقًا لتقرير المخاطر الذي نشره “المنتدى الاقتصادي العالمي”، بالتعاون مع “مارش ماكلينان” ومجموعة زيورخ للتأمين Marsh McLennan and Zurich Insurance Group؛ عن نتائج أحدث مسح لتصور المخاطر العالمية (GRPS)[17]، فإن سياسات الدول قد أسهمت -قبل أي أزمة وفي أعقابها مباشرة- في إحداث فروق في مستويات أداء الناتج لديها، وقد أثرت هذه الإجراءات على مدى قدرة تلك الدول في مواجهة أية مخاطر أو تقلُّبات، وحجم الضرر الذي وقع عليها، وقدرتها على التعافي؛ ما بين ثلاث فئات رئيسية؛ وهي: احتواء الهشاشة المالية، والإجراءات الوقائية، وسياسات ما بعد الأزمة[18].

ومن الملاحظ لمن يتابع التقارير الدولية حول الأزمة، فإنه عبر عام ونصف من الحرب الروسية الأوكرانية، يتم كل شهر تقريبا خفض توقعات النمو العالمي عبر تقارير المؤسسات العالمية الراصدة (البنك والصندوق وغيرهما..)، سواء التوقعات على الصعيد العالمي أو الأصعدة الوطنية، وتتعرض التقارير لاضطرابات كبيرة ما بين الأمل وخيبة الأمل، على نحوِ ما يظهر بوضوح في “تقرير آفاق الاقتصاد العالمي” الذي يصدر عن صندوق النقد الدولي[19]. فلقد جاء التقرير الأخير منه أبريل 2023 تحت عنوان “تعافٍ متأرجح”، لكن مضمونه مشحونٌ بمفهوم “عدم اليقين” و”عدم التفاؤل”؛ وملخصها:

“أصبحت الآفاق محفوفة مجددًا بعدم اليقين وسط اضطراب القطاع المالي وارتفاع التضخم والآثار المستمرة من الغزو الروسي لأوكرانيا وجائحة كوفيد التي امتدت لثلاث سنوات. وتشير تنبؤات السيناريو الأساسي إلى هبوط النمو من 3,4٪ في 2022 إلى 2,8٪ في 2023، قبل أن يستقر عند 3,0٪ في 2024. ويُتوقع أن تشهد الاقتصادات المتقدمة تباطؤًا ملحوظًا بصفة خاصة في النمو، من 2,7٪ في 2022 إلى 1,3٪ في 2023. وفي سيناريو بديل معقول من زيادة الضغوط في القطاع المالي، يتراجع النمو العالمي إلى نحو 2,5٪ في 2023 مع هبوط النمو في الاقتصادات المتقدمة إلى أقل من 1٪. ويتوقع السيناريو الأساسي انخفاض التضخم الكلي العالمي من 8,7٪ في 2022 إلى 7,0٪ في 2023 على خلفية انخفاض أسعار السلع الأولية غير أن وتيرة تراجع التضخم الأساسي من المرجح أن تكون أبطأ. ولا يُرجح عودة التضخم إلى مستواه المستهدف قبل عام 2025 في معظم الحالات”[20].

وتحت عنوان “تفاقم الضغوط” يشير التقرير إلى “تخفيض التوقعات في جميع المجموعات (من الدول) على المدى المتوسط، ما عدا البلدان المصدرة للسلع الأولية المستفيدة من الارتفاع الحادّ في أسعار الطاقة والغذاء. أما في الاقتصادات المتقدمة، فسيستغرق تعافي الناتج الكلي -وصولا إلى اتجاهات ما قبل الجائحة- وقتا أطول. ويُتوقع استمرار التباعد الذي شهدناه منذ عام 2021 بين الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية؛ مما يشير إلى وجود بعض الندوب المزمنة التي خلفتها الجائحة”[21].

ومن نتائج الأزمة وتفاقمها الراهن وخاصة الحرب القائمة الزيادة من “خطر تجزؤ الاقتصاد العالمي بشكل دائم إلى كتل جغرافية-سياسية لكل منها معايير تكنولوجية ونظم مدفوعات عبر الحدود وعملات احتياطي خاصة بها”. هذا “التحول الهيكلي” يؤدي إلى “تراجع في مستويات الكفاءة على المدى الطويل والمزيد من التقلبات، فضلا عن أنه يفرض تحديات كبيرة أمام الإطار القائم على القواعد الذي ساهم في تنظيم العلاقات الدولية والاقتصادية على مدار الخمسة والسبعين عاما الماضية”[22].

العمراني والأخلاقي في خطاب تقارير الأزمة:

بقراءة في هذا التقرير الدولي الأخير -وغيره- نجده يتطرق إلى “أولويات” السياسات الوطنية ومتعددة الأطراف لمواجهة الأزمة، ويتكرر فيه الحديث عن التواصل والتنسيق، وكذلك القول بأنه “ينبغي أن يضمن صناع السياسات فعالية شبكة الأمان المالي العالمية… ويعد غياب إطار فعال وسريع بمثابة صدع في النظام المالي العالمي. وينبغي أيضا التركيز بوجه خاص على الاستقرار الكلي للنظام الاقتصادي العالمي للتأكد من عدم تفكك الإطار متعدد الأطراف الذي ساهم في تحرير مئات الملايين من براثن الفقر”.

يستشعر التقرير تعقد الأزمة بسبب التضارب بين تفاعلات عناصرها الإشكالية (المخاطر)، وتضارب الحلول (السياسات) أيضا: “توجد تفاعلات معقدة بين هذه المخاطر والسياسات عبر مختلف الآفاق الزمنية. فارتفاع أسعار الفائدة والحاجة إلى حماية الفئات السكانية المعرضة للمخاطر في مواجهة ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة يجعلان الحفاظ على استدامة المالية العامة أشد صعوبة. ويؤدي تآكل الحيز المالي بدوره إلى زيادة صعوبة الاستثمار في التحول المناخي، في حين أن إرجاء التعامل مع أزمة المناخ يجعل الاقتصادات أكثر عرضة لمخاطر صدمات أسعار السلع الأولية، مما يؤدي إلى تضخم الأسعار وزعزعة الاستقرار الاقتصادي. وتتسبب حالة التشتت الجغرافي-السياسي في اشتداد وطأة هذه المفاضلات، مما يزيد من خطر الصراع والتقلبات الاقتصادية وتراجع الكفاءة ككل”[23].

تبدو نقطة الضعف الأبرز في مثل هذا التقارير -ومنها ما يقدمه البروفيسور بيير-أوليفييه غورينشا (المستشار الاقتصادي ومدير إدارة البحوث في صندوق النقد الدولي)[24]– في غياب ميزان الثوابت والمتغيرات، أو بلغة اقتصادية حديثة: المستويات البنيوية الثقيلة الكامنة في هيكل النظام الاقتصادي العالمي بقواه الحاكمة ومؤسساته وبقواعد حركته والأسس الراسخة لصنع سياساته، في مقابل المتغيرات الجارية سواء من الوقائع المتتالية أو السياسات المتغيرة. يتجلى ذلك في القيود المحيطة بالسياسات الوطنية ومتعددة الأطراف والآثار الجانبية المتضخمة لها، وفي التسلسل التاريخي لأسباب الأزمة ونتائجها.

إن الأزمة الاقتصادية العالمية ليست رهينة الجائحة والحرب الروسية الأوكرانية وحدهما، ولن تضمن الإجراءات الكثيرة والكثيفة والمتغيرة التي تقوم بها الدول والمجموعات المختلفة الخروج الحقيقي منها؛ إذ إن ثمة أزمة أوسع وأطول عمرا تتعلق بالمبادئ الأساسية للنظام الاقتصادي العالمي والفكر الحاكم للسياسات. وليس الإشكال في ذلك في إجراء تعديلات هنا أو هناك، بقدر ما هو في القناعة بأهمية منظور جديد للعالم واقتصادات مجتمعاته؛ منظور يعيد المصالحة بين الاقتصاد والمجتمع، وبينهما وبين السياسة، ويؤمن بشيء اسمه مصلحة عامة عالمية، مقدمة على المصالح الأنانية، ومن وراء ذلك يؤمن بأخلاق عالمية توجه الاقتصاد إلى الخير الإنساني العام لا إلى التنافس على خيرات الأرض تنافسا أنانيا شرسا.

خاتمة: مدخل عمراني مقاصدي للعدل في الأزمات

في ظلال الأزمة الاقتصادية الراهنة تتجلى أكثر الإشارات السابقة، وتتحقق أولى افتراضات هذه الورقة: أن الفكر الراهن الموجه للاقتصاد العالمي له دور أساسي في أزماته، وبالأخص من باب فصله بين الاقتصاد والمجتمع والأخلاق، وأن إنكار ذلك الفكر السائد في الغرب والمعولم أن الأخلاق الفاضلة تحفظ المصالح الاقتصادية وتنميها، ليس له ما يسوغه من واقع الاقتصاد ولا أزماته ولا تاريخ ذلك، إنما هي اختيارات لاأخلاقية أشاعتها الحضارة الغربية ولا تزال، وأخيرا فإن الأزمات تتجدد بفعل عدة عوامل لكن في قلبها أثر غياب الالتزام الأخلاقي في السياسات الاقتصادية المحلية والإقليمية العالمية.

فإذا أردنا أن نستفيد مما سبق في تخطيط مبدئي لتقرير المعاش العالمي وأزماته، فيمكن الإشارة إلى بعض أعمدته وشروطه على النحو الآتي:

  • العمود الأول: “العدل والإنصاف” في جميع المعاملات مع الجميع وفي كل حال: (لا تظلمون ولا تظلمون)؛ فلا تبخس الأرباح الرأسمالية، ولا تبخس الحقوق الأخرى الكثيرة.
  • العمود الثاني: هو فقه الأولويات الذي يقدم الضروري على الحاجي على التحسيني، في العمليات الاقتصادية كلها ومنها التجارة العالمية.
  • العمود الثالث: إنسانية التعامل في الضروريات فرضا لا عرضا؛ بمعنى أنه يجب اتخاذ كافة التدابير لتوفير الضروريات لجميع البشرية على حدٍّ سواء؛ وتجريم الاحتكارات فيها.
  • العمود الرابع: بناء السياسات وقياس المؤشرات وفق مفهوم للمصلحة العامة العالمية؛ ووفق (فقه للموازنات) لا يفرق بين البشر عبر العالم.
  • العمود الخامس: رعاية مستقبل المعايش العالمية بحفظ البيئة من باب (فقه المآلات).
  • العمود السادس: تقديم التعاون في المعايش على التنافس دون إلغاء الأخير، وضبط التنافس بحيث لا يصل إلى التصارع.
  • العمود السابع: القضاء على الربا الذي يربي (ينمي) أموال الأغنياء من أموال الفقراء من غير قيمة مضافة حقيقية.
  • العمود الثامن: الحرية للمجتمعات في دواخل الدول ومراعاة حقوق إنسانها شرط ضروري لتحرير الدول ذاتها من ربقة النظام الاقتصادي العالمي الراهن، وتجنب دفع فاتورة أزماته الكبرى.
  • العمود التاسع: لا ينتظر التزام الدول والقوى الاقتصادية الغنية بأخلاق العدل والإنصاف ما لم تتمسك الدول النامية والقوى الصغيرة والفقيرة بأخلاق العمل والاستغناء ومقاومة التبعية وعدم الاستسلام للحسابات الجزئية والمؤقتة.
  • العمود العاشر: مراجعات لسياسات عالمية؛ كإعادة تسعير عناصر الاقتصاد العالمي من أول العمل ورأس المال إلى السلع والخدمات النهائية وفق موازين عدل وعقل.

 

 

نموذج تكويني مبسط للتقرير

الترتيب العمود مؤشراته

(على سبيل المثال)

واقع المؤشرات السياسات اللازمة
الأول “العدل والإنصاف” الأرباح الرأسمالية

أسعار الخامات

الأجور والمرتبات

 
الثاني “الأولويات” الضروري

الحاجي

الكمالي

   
الثالث تدابير خاصة لتوفير الضروريات شمولها

المساواة فيها

الاحتكارات فيها

   
الرابع “الموازنات” المصلحة العامة العالمية

المصالح القومية المتعارضة

   
الخامس “المآلات” النمو المادي

الرعاية المجتمعية

حفظ البيئة

   
السادس العلاقات والتفاعلات التعاون

التنافس

التصارع

   
السابع اللا-ربا السياسات المصرفية

السياسات التمويلية

 
الثامن قدر الحرية المجتمعية

وحقوق الإنسان

دواخل الدول

النظام الاقتصادي العالمي

 
التاسع التقييم الأخلاقي للسياسات القوى الكبيرة

القوى المتوسطة

القوى الصغيرة

   
العاشر المراجعات إعادة تسعير الموارد

إعادة تسعير العوائد

ضبط العملات

   

 

_______________________

الهوامش 

 

[1] عبد الحليم الجندي، الأخلاق في الاقتصاد الإسلامي، (القاهرة: دار المعارف، 1997)، ص46. وانظر إلماحة إلى جدلية الأخلاق والاقتصاد في الفكر الغربي في: الأخلاق والاقتصاد .. أين يتقاطعان ومتى يفترقان؟، موقع أرقام، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3rstcGc

[2] تيموثي تايلور، الاقتصاد والأخلاق، من منشورات صندوق النقد الدولي، (التمويل والتنمية، 2014)، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/46LipaA

وتيموثي تايلور هو مدير تحرير مجلة “المنظورات الاقتصادية” الصادرة عن الجمعية الاقتصادية الأمريكية، ومقرها كلية ماكالستر بمدينة سانت بول بمينيسوتا.

[3] قد تصل الاختلافات إلى درجة التناقض، كما يتَّضح مثلًا من ترتيب أخلاق الاقتصاد بين كلٍّ من رفعت العوضي وديردر ماكلوسكي Deirdre McCloskey؛ فبينما العدل هو القيمة الأولى من سبع قيم عند الأول وعند مدرسته، فإن الثاني يجعلها السابعة الأخيرة بعد [الحب (الطيبة والكرم والصداقة)، والإخلاص (النزاهة)، والأمل (العمل الحر)، والشجاعة (التحمُّل والمثابرة)، وضبط النفس (التحكُّم الذاتي والتواضع)، والتحوُّط (المعرفة والبصيرة(، والعدالة (التوازن الاجتماعي والصدق)]. انظر: رفعت السيد العوضي، الأخلاق في الاقتصاد الإسلامي، (القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، دار الكلمة للنشر والتوزيع، 2021)، وورقة: تيموثي تايلور المشار إليها.

[4] راجع: تيموثي تايلور، الاقتصاد والأخلاق، مرجع سابق، ص 3.

[5] انظر فصول البابين الثالث والرابع في: عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، تحقيق عبد الله محمد الدرويش، (دمشق: دار يعرب، 2004).

[6] انظر: أحمد فراس العوران، دروس مستخلصة من الأزمة المالية المعاصرة: وجهة نظر إسلامية؛ في: أحمد فراس العوران (تحرير)، الأزمة الاقتصادية العالمية المعاصرة من منظور إسلامي، (عمان-الأردن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، جامعة العلوم الإسلامية العالمية ، 2012). و: فؤاد حمدي بسيسو، عالمية النظام الاقتصادي ومحددات نفاذه في ضوء الأزمات العالمية، في: المرجع السابق. وانظر: عقبة عبد اللاوي، نور الدين جوادي، الأزمات المالية الرأسمالية بين التدويل والتعولم الثلاثي، في: المرجع السابق. و: عبد الله الشعيبي، آثار الأزمة المالية العالمية، (القاهرة: هفن للترجمة والنشر والبرمجيات، 2009)، قحطان عبد سعيد: الأزمة المالية الآسيوية 1997.. الأزمة المالية العالمية 2008: الأسباب، الآثار والدروس المستفادة: دراسة مقارنة، مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعة، العدد 21، 2009. و: د. محمد صديق، نظرية الأخلاق والاقتصاد الإسلامي: المرجعية الأخلاقية في التمويل الإسلامي، منشور على موقع مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، 26 يناير 2020، (قدمت هذه الورقة في المؤتمر الدولي الثالث لمركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق المنعقد في بروكسيل – بلجيكا في 14-15 مارس 2015)، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3Db5gty

[7]  تيموثي تايلور، الاقتصاد والأخلاق، مرجع سابق، ص 4.

[8] ابن خلدون، المقدمة، مرجع سابق، ص ص 125-126، 117-118.

[9] المرجع السابق، ص ص 243-245.

[10] المرجع السابق، ص ص 477-478.

[11] المرجع السابق، ص ص 478-479.

[12] تقي الدين المقريزي، إغاثة الأمة بكشف الغمة، تحقيق: كرم حلمي فرحات، (القاهرة: عين للدراسات والبحوث الاجتماعية والإنسانية، 2007)، ص ص 115-135.

[13] راجع في ذلك: مقدمة ابن خلدون، كتاب إغاثة الأمة للمقريزي تلميذ ابن خلدون، ثم معاصرًا: رفعت السيد العوضي، الأخلاق في الاقتصاد الإسلامي، مرجع سابق، ص ص 5-10.

[14] يوسف القرضاوي، دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي، (القاهرة: مكتبة وهبة، 1995)، ص ص 57-63.

[15] هند مختار، عرض تقرير: معلومات الوزراء يستعرض تاريخ الأزمات الاقتصادية العالمية على مدار قرن سابق، 13 مارس 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3O96jRf

[16] المرجع السابق.

[17] ويحلل المخاطر الشديدة الناشئة حديثًا والمتغيرة بسرعة، التي من المحتمل أن يواجهها العالم على مدى السنوات العشر القادمة، وكيف سيؤدِّي اتِّساع الشقوق الجيوسياسية والاقتصادية والمجتمعية إلى إثارة الأزمات القادمة وتفاقمها.

[18] هند مختار، عرض تقرير: معلومات الوزراء يستعرض تاريخ الأزمات الاقتصادية العالمية على مدار قرن سابق، مرجع سابق.

[19] عادة ما يتم إعداد هذا التقرير مرتين سنويا في سياق إعداد الوثائق المطلوبة لاجتماعات اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية، كما يستخدم باعتباره الأداة الرئيسية لأنشطة الصندوق في مجال الرقابة الاقتصادية العالمية، لكنه في الآونة الأخيرة يصدر تباعًا ليعرض وجهات نظر خبراء الصندوق في الأزمة ومؤشراتها. راجع هذه التقارير حتى أحدثها على الرابط التالي: https://bit.ly/43gTNTT

[20] انظر تقرير آفاق الاقتصاد العالمي (تعاف متأرجح)، موقع صندوق النقد الدولي، أبريل 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3pLTJy0

[21] المرجع السابق.

[22] المرجع السابق.

[23] راجع التقرير المشار إليه وكذلك مدونة الصندوق في: المرجع السابق.

[24] بيير-أوليفييه غورينشا، التعافي الاقتصادي العالمي مستمر لكن طريقه أصبح وعرًا، موقع صندوق النقد الدولي، 11 أبريل 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3NQUiym

 

فصلية قضايا ونظرات – العدد الثلاثون – يوليو 2023

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى