أزمة النفط في ظل أزمة كورونا: كيف تؤثر على الاقتصاد العالمي؟

مقدمة:

تعرض سوق النفط العالمي إلى أزمةٍ طاحنة جراء ما تسببت فيه جائحة كورنا من توقف للأنشطة الاقتصادية ولحركة النقل والتجارة حول العالم، الأمر الذي أدى إلى اختلال توازن سوق النفط العالمي؛ نتيجة لزيادة العرض وانخفاض الطلب نتج عنه انهيار أسعار النفط إلى مستوى غير مسبوق منذ عقدين تقريبًا. وعلى إثر هذه الأزمة دعت السعودية –القائد الفعلي لمنظمة الأوبك- إلى عقد اجتماع يشمل أعضاء منظمة الأوبك وروسيا ودولًا أخرى منتجة للنفط في فيينا في 5 و6 مارس 2020، للتباحث حول تخفيضات في إنتاج النفط لإيقاف انهيار الأسعار، ولكن الاجتماع فشل في التوصل إلى اتفاق بشأن زيادة تخفيضات الإنتاج، الأمر الذي أدى إلى اشتعال ما أطلق عليه “حرب الحصص والأسعار” بين السعودية وروسيا، وهو ما فاقم من تداعيات الأزمة وسبَّب نتائج كارثية على الدول المنتجة للنفط حول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

ولم يكن فشل التوصل إلى اتفاق بين الدول المنتجة للنفط بخصوص تخفيض الإنتاج وليد اللحظة الراهنة، وإنما كان نتيجة لأزمة أخرى بدأت منذ عام 2014، عندما ارتفع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة والذي أطلق عليه ” ثورة النفط الصخري”، أعقبه قرار في عام 2015 برفع الحظر عن تصدير النفط الخام، ومن ثم في عام 2019 احتلت الولايات المتحدة المركز الأول في إنتاج النفط في العالم. وهو ما كان يعني بالنسبة للأوبك وروسيا أن الولايات المتحدة لم تعد زبونًا في سوق النفط العالمي وإنما منافس جديد. فقد انخفضت صادرات الأوبك من النفط الخام للولايات المتحدة من 6 مليون برميل يوميًا في 2008 إلى 1.6 مليون برميل في 2019، ومن جانب روسيا، فقد اعتبرت أن العقوبات الأمريكية في ديسمبر الماضي على خط أنابيب نورد ستريم الروسي المخصص لنقل الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوربي، علامة على استراتيجية أمريكية هدفها زيادة صادراتها النفطية إلى أوربا على حساب روسيا[1].

ومن ناحية أخرى فإن سبب الأزمة بين السعودية وروسيا، يرجع إلى رفض الأخيرة مقترحًا لتخفيض إنتاج النفط بمقدار 1.5 مليون برميل يوميًا حتى نهاية يونيو 2020. وقد دفع ذلك السعودية في 30 مارس 2020 إلى الإعلان عن تخفيض أسعار نفطها لشهر أبريل، وعزمها زيادة صادراتها النفطية بنحو 600 ألف برميل يوميًا في مايو ليصل إنتاجها من النفط إلى 10.6 ملايين برميل يوميًا[2]. وهو الأمر الذي أحدث انهيارًا  غير مسبوق في أسعار النفط العالمية.

أولًا: أثر أزمة النفط على الدول المصدرة:

1- الدول كبرى: الولايات المتحدة وروسيا:

كان يوم الاثنين 2 أبريل 2020 يومًا كارثيًا في تاريخ صناعة النفط؛ إذ انهارت أسعار النفط الأمريكي القياسي، المعروف بخام غرب تكساس بنسبة 300% خلال تداولات ذلك اليوم، وسجلت (سالب 37) دولارًا للبرميل عند التسوية. ومع تقلص القدرة التخزينية الأميركية وتكلفتها الباهظة، اتجه المنتجون إلى التخلص من إنتاجهم مجانًا وقدموا إغراءات مالية لزبائنهم لكي يقبلوا أخذ النفط ويتحملوا تكاليف الشحن والتخزين [3]وبفعل انهيار سعر النفط الأمريكي (خام غرب تكساس) إلى ما دون الـ20 دولار للبرميل، توقفت أرباح معظم شركات النفط الأميريكية ووصلت لما تسمى بنقطة التعادل؛ وهي المرحلة التي يباع فيها المُنتج بنفس تكلفة إنتاجه، بل إن الكثير من الشركات الأمريكية باعت إنتاجها بأقل من ثمن الإنتاج. ومن ناحية أخرى اعتُبِر هذا مؤشرًا خطيرًا على إمكانية تأزم الاقتصاد الأمريكي؛ حيث تمثل صناعة النفط في ولاية تكساس حوالي 10% من الناتح المحلي الإجمالي وتُوظف حوالي 360000 عامل [4]؛ فقد منهم حوالي 50000 عامل وظيفته في مارس الماضي وتعرضت الكثير من الشركات الصغيرة العاملة في مجال النفط للإفلاس)[[5]، الأمر الذي دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى التدخل لدى السعودية وروسيا، وتم الاتفاق على تقليص الإنتاج بمقدار 9.7 مليون برميل يوميًا (أي نحو 10% من المعروض العالمي) في مايو ويونيو 2020، ثم بواقع 8 ملايين برميل في يوليو وديسمبر من نفس العام، وذلك بعد محادثات طويلة شملت أوبك وروسيا ومنتجين آخرين وبمباركة مجموعة العشرين، وبالرغم من أن ترامب قد اعتبر هذا الاتفاق نجاحًا دبلوماسيًا كبيرًا لجهوده الشخصية، إلا أن الأسواق الأمريكية استقبلت هذا القرار ببرودة، لأنه حتى بعد التخفيض سيبقى الفائض في السوق في حدود 20 مليون برميل يوميًا[6].

أما روسيا، فإن صندوق النقد الدولي يتوقع أن ينخفض ناتجها المحلي الإجمالي بمقدار 5.5%، إضافة إلى أن الروبل الروسي فقد ربع قيمته مقابل الدولار الأمريكي في الفترة من 1 يناير إلى 1 مايو الماضي.

2- دول العالم العربي:

جاءت أزمتا انهيار أسعار النفط وجائحة كورونا في الوقت الخطأ لدول الخليج العربية التي كانت تأمل أن تعود اقتصاداتها إلى النمو بعد أزمة انهيار أسعار النفط عام 2014. وفي حين أن الدول الغنية منها، مثل الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة، لديها احتياطات مالية ضخمة، تبقى البحرين في موقف ضعيف، وتواجه سلطنة عمان عجزًا كبيرًا في الميزانية يبلغ 22% من إجمالي الناتج القومي إذا كان معدل سعر البرميل 30 دولارًا. وستكون دول غنية مثل السعودية والإمارات وقطر التي لديها صناديق ثروة سيادية كبيرة واستثمارات ضخمة في أنحاء العالم، مضطرة إلى تقليص الإنفاق؛ فالسعودية مثلًا، وهي أكبر مصدر نفطي في العالم، أعلنت أنها ستقلل الإنفاق العام بنسبة 5 في المئة، وسترفع سقف المديونية من 30% إلى 50% من إجمالي الناتج المحلي. وصدرت تعليمات للدوائر الحكومية بتقليل الإنفاق بواقع 20%، وهذا سيجبر الحكومة على إيقاف مشاريع أو تعليقها، وسيؤثر ذلك سلبيًا أيضًا في مشاريع ولي العهد محمد بن سلمان الضخمة التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط)[7](.

وفي ظل هذا الوضع المأزوم، تشير التوقعات إلى تراجع وتائر معدلات النمو في المنطقة العربية من 1.2% في عام 2019 إلى 2.8% بالقيمة السالبة في 2020 وهي أقل معدلات النمو المسجلة منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، كما أشارت التوقعات إلى ضعف آفاق نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في البلدان العربية المصدرة للنفط، وتتباين هذه التوقعات إلى حد ما في ما بينها بسبب تباين قدرة تلك الدول على الاستجابة لأزمة انهيار أسعار النفط وتفشي فيروس كورونا، وذلك في ضوء التدابير الوقائية الواسعة النطاق وضغوط الإنفاق التي اتخذتها هذه البلدان، وكذلك مدى قدرة كل منها على تنويع مصادر النشاط الاقتصادي الجارية في أكثر من دولة منها. فعلى مستوى دول مجلس التعاون، تشير التوقعات إلى انكماش النمو بنسبة 2.7% في عام 2020، وتشير التوقعات أيضًا إلى تراجع إجمالي الناتج المحلي النفطي الكلي بنسبة تزيد على 0.3%. وما يزيد الوضع سوءًا هو إمكانية تراجع النشاط غير النفطي في دول المجلس بنسبة 3.4% في العام نفسه، ولا سيما أن العديد من القطاعات مغلقة -جزئيًا على الأقل- في المدى المنظور[8].

وهكذا بدأت دول الخليج العربي في اتخاذ إجراءات تتجاوز بها هذه الأزمة؛ فبادرت السعودية في مايو 2020 إلى فرض العديد من الإجراءات التقشفية بغرض خفض الإنفاق وزادت ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات من 5 إلى 15%، كما رفعت مصادر الإيرادات الضريبية (الرسوم على الإقامة، والاستقدام والكفالة..إلخ) وقامت بإلغاء بدل شهري تبلغ قيمته تقريبًا 266 دولارًا، كان العاملون السعوديون في الدولة يحصلون عليه تحت مسمى “بدل غلاء المعيشة”، هذا فضلًا عن عدد من الإجراءات التقشفية الأخرى التي تتعلق بالمزايا المالية المدفوعة للموظفين والمقاولين، ويُتوقع كذلك أن يقل حجم دعم السلع والخدمات المقدّم من الدولة. أما في الكويت، فقد دعا أميرها الشيخ صباح الأحمد إلى مراجعة نهج ونمط حياة الكويتيين اليومية وترشيد استغلال موارد البلاد، وطلب من الحكومة ومجلس الأمة العمل من أجل تطوير برنامج يرشد الإنفاق الحكومي ويضع الخطط لتقليل الاعتماد على مورد واحد وقد أدى ذلك إلى إعادة دراسة المشاريع التي تنفذها الحكومة، وتأجيل تنفيذ بعضها. كما أعلنت الحكومة عن تخفيض نحو 20% في موازنة الوزارات والهيئات، إلى جانب إعادة النظر في مشتريات الحكومة وترشيدها. وعلى المنوال نفسه، أقرت سلطنة عُمان مجموعة من التخفيضات على الإنفاق الحكومي في مايو 2020 شملت تقليصًا بنسبة 5% من ميزانية الأجهزة الحكومية والقوات المسلحة. وقدرت وزارة المالية العُمانية أن تكلفة الإجراءات المتخذة للتعامل مع الوضع الاقتصادي الاستثنائي الذي تواجهه السلطنة تتجاوز 3.4 مليارات دولار أميركي. وفي البحرين، وهي التي رسمت خطتها للوصول إلى نقطة التوازن بين الإيرادات والنفقات عام 2022، بعد حصولها على دعم بقيمة 10 مليارات دولار أميركي من السعودية والإمارات والكويت، اتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات القاسية، من بينها خفض الإنفاق الحكومي والمصاريف التشغيلية للوزارات والجهات الحكومية بنحو 30%. أما في الإمارات، فقد خفضت إمارة دبي في أبريل 2020 إنفاقها الرأسمالي إلى النصف، وقلّصت النفقات الإدارية الحكومية بنسبة 20%، وأوقفت التعيينات الجديدة وعلّقت العمل في العديد من المشاريع التي لم تبدأ، وذلك حتى إشعار آخر، فضلًا عن منع أي زيادات في الإنفاق على مشاريع البناء الجارية[9].

وفي العراق يبدو الوضع أكثر فداحة من الدول الأخرى؛ حيث يقدر صندوق النقد الدولي انكماش النمو في العراق -وهو ثاني أكبر الدول المنتجة في الأوبك- بنسبة 4.7%، ويتوقع أيضًا انكماش إنتاج النفط فيه بنسبة 2%، كما سجلت وزارة النفط في العراق انخفاض عائداتها من النفط إلى 1.4 مليار دولار أميركي في أبريل، أي خُمس إيراداتها للفترة نفسها من عام 2019. وتحت وطأة هذا الوضع المأزوم، اتجه العراق نحو دول مجلس التعاون طلبًا للمساعدة؛ فطلب من الكويت تأجيل دفع نحو 3 مليارات دولار أميركي مستحقة على العراق كتعويضات من فترة الغزو عام 1990، وأرسلت الحكومة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، وزيرَ المالية علي علاوي في جولة إلى دول المجلس طلبًا للعون في دفع رواتب الموظفين الحكوميين العراقيين)[10](.

أما الجزائر، والتي يبلغ عدد سكانها 44 مليون نسمة بمعدل بطالة يصل إلى 15%، فتعتمد على واردات النفط والغاز والتي تقدر بنسبة 85% من عائدات النقد الأجنبي، واستنفدت في عام 2018 صندوق ضبط الموارد؛ الذي كان يمتلك ذات يوم احتياطيات تبلغ أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي. وبالنظر إلى هذا العجز، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تنخفض الاحتياطيات إلى ما دون 13 مليار دولار عام 2021، وعمدت الحكومة الجزائرية إلى تنفيذ خطة تقشفية جديدة، تضمنت مزيدًا من تخفيض نفقات الدولة من 30% إلى 50%، وتجميد العديد من المشاريع الحكومية القائمة، ووقف التصديق على نفقات المشاريع التي لم تبدأ بعد)[11](.

3- دول الجوار: إيران:

وبالنسبة إلى إيران، والتي ضربها الوباء في ظرف تاريخي من أصعب ما تمر به البلاد؛ حيث انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقَّع عام 2015 وقامت بتجديد العقوبات المفروضة عليها، الأمر الذي دفع بالاقتصاد الإيراني إلى الهاوية. وفي ظل العقوبات التي تمنع إيران من تصدير حتى المواد غير النفطية، فإن إيران لجأت لأول مرة منذ الثورة الإسلامية إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، وطلبت قرضًا بمقدار 5 مليار دولار، كما قامت إيران في ظل هذا الوضع المأزوم  بالسحب من الاحتياطيات النقدية من صندوق التنمية الوطنية الذي تم إنشاؤه للحفاظ على جزء من عائدات النفط من أجل مواجهة الصدمات الناجمة عن تغيرات الأسعار في السوق العالمية)[12](، كما لجأت أخيرًا إلى تغيير عملتها من الريال إلى التومان؛ بحيث يساوي الأخير 10 الآف من الأول، وذلك حتى تتمكن من الاستمرارية في إصدار النقود.

4- نماذج من باقي دول العالم:

أ) أفريقيا:

وفي أفريقيا نجد أنغولا التي ارتفع عبء ديونها من 30% عام 2012 إلى 111% عام 2019 من الناتج المحلي الإجمالي، وكانت قبل انهيار الأسعار في شهر أبريل تنفق ما بين خُمس وثُلث عائدات صادراتها على خدمة الديون، وقد تأزم الآن الوضع الاقتصادي الأنجولي بشكل حاد؛ حيث تم تداول سندات الـ10 أعوام في أنجولا في أواخر شهر أبريل بسعر 44 سنتًا، الأمر الذي ينذر بعدم قدرتها على سداد ديونها، ذلك أن خدمة ديونها وحدها تتطلب حصة من الإنفاق العام أكبر بستة أضعاف مما تنفقه أنغولا على صحة مواطنيها، ومما لا شك فيه أن هذا يستحيل في ظل أزمة كورونا)[13](.

وبالنسبة لنيجيريا، والتي للنفط فيها حصة الأسد من الميزانية الحكومية ويحوذ 90%من عائدات النقد الأجنبي، وقد تسبب تراجع أسعار النفط في عام 2014 في أزمة شديدة في نيجيريا، لتأتي أزمة 2020 بمزيد من التدهور الاقتصادي، وقد خرجت وزيرة المالية النيجيرية زينب أحمد وأعلنت رسميًا أن نيجيريا تتعرض لأزمة حادة. ومن ثم خفضت وكالة التصنيف (ستاندرد آند بورز) التصنيف الإئتماني لنيجيريا إلى (B-) وهو ما سيؤدي إلى رفع تكلفة الاقتراض وبطء النمو الاقتصادي في بلد يعيش فيه أكثر من 86 مليون شخص، 47% منهم في فقر مدقع، علاوة على ذلك ومع تخصيص 65%من الإيرادات الحكومية لخدمة الديون القائمة، قد تضطر الحكومة إلى اللجوء إلى طباعة النقود لدفع رواتب الموظفين، ما يزيد من معدل التضخم المرتفع بالفعل بسبب نقص إمدادات الغذاء[14].

ب) آسيا:

نجد أن كازاخستان والتي أنتجت 92.2 مليون طن نفط في 2018، تحتاج إلى أسعار نفط لا تقل عن 50-55 دولار أمريكي للبرميل لموازنة ميزانيتها، وقد صدَّرت الدولة 5.4 مليار متر مكعب من الغاز إلى الصين في 2018 وكان لديها عقد لمضاعفة الصادرات بحلول 20-2021، وهو الأمر الذي يبدو الآن بعيد المنال. وبالرغم من أن الحكومة قد وضعت خطة طوارئ لمواجهة الأزمة إلا أنه على الرغم من هذه الجهود، وتحت ضغط الروبل الروسي الآخذ في الهبوط وانهيار أسعار النفط، فقد التينغ (عملة كازاخستان) 17% من قيمته خلال شهر مارس. وفي أبريل استعادت العملة جزئيًا خسائرها في القيمة، واعتبارًا من 12 مايو تم تداولها عند 421 تنغي / 1 دولار أمريكي، إلا أنها لا تزال خسارة كبيرة مقارنة بـ 380 تنغي / 1 دولار أمريكي في بداية مارس[15].

أما تركمنستان، والتي أنتجت 10.6 مليون طن نفط في 2018، وصدرت 33.3 مليار متر مكعب من الغاز إلى الصين في 2018، فتواجه الآن انخفاضًا بنسبة 7-8 مليار متر مكعب في الصادرات. يضاف ذلك إلى الصعوبات المالية القائمة بالفعل بعد أن فقدت تركمانستان أسواق الغاز المهمة الأخرى في روسيا في عام 2016، وإيران في 2017. وقد خفض صندوق النقد الدولي توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي لتركمانستان من 6.4% المتوقعة سابقًا إلى 1.8%[16].

ج) أمريكا اللاتينية:

وفي أمريكا اللاتينية التي تعاني دولها ركودًا منذ انهيار أسعار النفط عام 2014، فتواجه فنزويلا خصوصًا -وهي العضو المؤسس في منظمة الأوبك وأكبر منتج للنفط في أميركا اللاتينية- انقسامات ونزاعات داخلية وتخضع لعقوبات أمريكية تضعف اقتصادها بشكل فج. وقد بلغ إنتاجها من النفط في أبريل 2020 نحو 670 ألف برميل يوميًا، علمًا بأن إنتاجها اليومي عام 2010 كان 3.1 مليون برميل يوميًا، وتم تصدير 2.4 مليون برميل يوميًا، أما الآن فصادرتها شبه معدومة[17]. وبالنسبة إلى البرازيل فهي لاعب فاعل وناشئ في مجال النفط، وقد ارتفع الإنتاج البرازيلي من النفط بواقع 20% خلال عامي 2019 و2020 ليصل إلى 3.16 ملايين برميل يوميًا بحسب موقع “أويل برايس” الأميركي المتخصص برصد أسعار النفط، وتعد شركة “بيتروباس” البرازيلية من الشركات العالمية القوية. إلا أنها ترزح تحت مديونية كانت تقدر في نهاية عام 2019 بـ78.9 مليار دولار[18].

وفي حين ترزح المكسيك تحت مديونية ثقيلة تبلغ 105 مليارات دولار، فقد أغلقت وزارة الطاقة عددًا من الآبار بسبب عدم الجدوى الاقتصادية. أما الأرجنتين التي تخلفت مرارًا عن تسديد ديونها، فهي مدمنة على الاقتراض وعدم سداد الديون، وتحاول أن ترفع دخلها من إنتاج الزيت الصخري في إقليم باتاغونيا، ولكن من غير المتوقع أن يُقبل المستثمرون على تمويل الإنتاج في ظل الأسعار الحالية المتدنية[19].

وأخيرًا تأتي الإكوادور والتي حصلت في فبراير 2019، على حزمة قروض بقيمة 10.2 مليار دولار من مجموعة من المقرضين متعددي الأطراف برعاية صندوق النقد الدولي، ومن ثم كان عليها أن تقوم مجبرة ببعض الإصلاحات الهيكلية، إلا أنها اضطرت في أكتوبر الماضي إلى التراجع عن رفع الدعم عن البنزين بسبب الاحتجاجات الشعبية الهائلة، الأمر الذي يعني أنها كانت بالفعل في واقع اقتصادي مأزوم مع مجئ جائحة كورونا. وفي شهر أبريل أعلنت الحكومة أنها اتفقت مع المستثمرين على تأخير 800 مليون دولار من مدفوعات الفائدة على ديونها الخارجية البالغة 65 مليار دولار[20].

ثانيًا: أثر أزمة النفط على الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية في المستوى القريب:

تَلقى الاقتصاد العالمي ضربة قوية بسبب الإجراءات الاحترازية القاسية المتخذة لمنع انتشار فيروس كورونا؛ حيث تم إغلاق قطاعات صناعية وسياحية وتجارية، وتم تعطيل شبكات الإمدادات اللوجستية والسفر والحركة وشلّ الحركة الاقتصادية. ويرى اقتصاديون أن الاقتصاد العالمي قد يكون أمام أكبر انكماش اقتصادي منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وقد أكدت كثير من المؤسسات المالية الدولية والخاصة، بما في ذلك صندوق النقد والبنك الدوليين، أن الاقتصاد العالمي دخل بالفعل مرحلة من التراجع الاقتصادي والركود غير مسبوقة.

وتُقدر قيمة الصناعة النفطية على المستوى العالمي بحدود 3.3 تريليونات دولار لعام 2019، ولكن إذا أضفنا إليها تكلفة أعمال التنقيب والاكتشافات والإنتاج والخدمات التقنية المساعدة والموجودات وبنيتها التحتية ستبلغ أضعاف هذا الرقم، وبهذا تعد صناعة النفط من أهم النشاطات الصناعية في العالم وأكبرها، وتؤدي دورًا محوريًا في تشغيل الصناعات الأخرى وتوليد الطاقة الكهربائية، وتحريك وسائل النقل بشتى أنواعها جوًا وبرًا وبحرًا. وتأخذ التعاملات التجارية وتداول أسهمها في أسواق البورصة حيزًا كبيرًا في البورصات وأسواق المال، وبما أن سلعة النفط مقومة بالدولار، وتقلبات أسعارها لها تداعيات تشمل المصارف ومؤسسات التمويل ومؤشرات السهم والسيولة النقدية لدى البنوك، فإن أي انهيار في أسعار النفط قد يعصف بميزانيات الدول المنتجة، وقد يؤدي من ناحية إلى إفلاس العديد من شركات الطاقة، ولا سيما الصغيرة منها؛ كتلك التي في الولايات المتحدة في حوض بيرميان في تكساس وحقوق باكين في داكوتا الشمالية[21]، ومن ناحية أخرى سيعصف بميزانيات الدول الهشة اقتصاديًا والتي تعاني من تراجع اقتصادي واضطرابات سياسية، يضاف إليها مديونية ثقيلة ترهق خزانة الدولة.

وقد صاحب كل حالات انخفاض أسعار النفط منذ عام 1970 ركود عالمي، وتراجع اقتصادي، وفي بعض الحالات أزمات مالية واسعة النطاق. ويرجع هذا إلى ثلاثة أسباب[22]: الأول: أن كثيرا من تلك الانخفاضات كانت استجابة لتراجع اقتصادي عالمي، وليس لأسباب خاصة بصناعة النفط نفسها. الثاني: أنه خلال انخفاض أسعار النفط، كانت خسائر الإنتاج لدى الدول المصدرة للطاقة، أسرع من مكاسب الإنتاج لدى المستوردين، مما أدى إلى تباطؤ النمو العالمي على المدى القصير. الثالث:  تتسبب حالات عدم اليقين والاختلاف والسياسات النقدية غير المتماثلة في غياب التنسيق بين الدول، وهو ما يزيد من الضرر الذي يلحق بمُصدري الطاقة مقارنة بالفوائد التي تعود على مستورديها.

ومن غير المرجح أن يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى تحسن اقتصادي بالنسبة للدول المستوردة في المستوى القريب، وذلك بسبب حظر الحركة وإغلاق طرق النقل الذي تفرضه الدول بسبب الجائحة، وحتى بعد رفع هذه القيود وعودة الطلب على الطاقة، من المرجح أن يرتبط انخفاض أسعار النفط الحالي الناتج عن انخفاض الطلب إلى خسائر اقتصادية كبيرة ومستمرة لفترة. فالتأثيرات السلبية على مصدري الطاقة -بغض النظر عما إذا كانوا اقتصاديات متقدمة أو صاعدة- قد تفوق الفوائد التي تعود على مستوردي الطاقة، وهو ما يعني تباطؤ في النمو الاقتصادي واستمرار الركود على المستوى القريب[23].

يضاف إلى هذا أنه في ظل صعوبة التوصل إلى اتفاق عالمي حول تقنين عملية إنتاج النفط، بسبب التنافس الشديد الذي تفرضه قيم اقتصاد السوق المفتوح ورغبة كثير من المنتجين في بيع أكبر قدر ممكن من إنتاجهم في ظل تحول كثير من دول العالم إلى الطاقة النظيفة غير الكربونية من ناحية، وفشل الاتفاق بين الدول المصدرة والدول المستوردة بحيث تخفض الأولى من إنتاجها في ظل الوضع الاقتصادي المأزوم من ناحية أخرى، سيستمر الركود الاقتصادي العالمي لفترة أطول[24].

خاتمة

يمكن القول أنه في ظل عدم التوصل لاتفاق مستدام أو حل طويل الأمد بين دول الأوبك بلس بشأن الإنتاج، فإن الاختلاف واستمرار التدهور في سوق النفط هي النتيجة الأقرب حتى الآن. ففي ظل ما تواجهه السعودية من انخفاض في عائدات التصدير؛ حيث تشير التقارير إلى انخفاض إجمالي صادرات المملكة إلى 7.48 مليون برميل يوميًا في مايو الماضي، وكذلك الأمر ينطبق على إنتاج النفط الروسي؛ فقد يؤدي ذلك إلى إلغاء اتفاق التخفيض، وهو ما أشارت إليه نتائج الاجتماع الشهري للجنة المراقبة الوزارية المشتركة لأوبك بلس؛ حيث وضحت رغبة متزايدة لروسيا وبعض أعضاء أوبك في إلغاء اتفاقية خفض إنتاج النفط الحالية. وفي تقرير خاص للأوبك، ذكرت أنها تخشى من تواصل عدم توازن أسواق النفط خاصة إذا أضعفت موجة ثانية محتملة من فيروس كورونا الانتعاش الاقتصادي المرتقب، ويأتي خطر آخر مهددًا لإمكانية الاستمرار في تخفيض الإنتاج، وهو عودة ازدهار النفط الصخري الأمريكي، الذي سيدفع بالدول المنتجة الأخرى إلى زيادة إنتاجها للحفاظ على حصتها في السوق، بما يعني استمرار الأزمة والخلل في توازن السوق بزيادة المعروض. وهو الأمر الذي يعزز ويطيل أمد الركود الاقتصادي العالمي وما يصاحبه من تفاقم في الأزمات المالية والإفلاس والديون والبطالة.

*****

هوامش

[1] Rasoul Sorkhabi, Oil Crisis 2020: Oil Glut and Price Wars in the Great Lockdown Economy, April, 2020, Accessed: 30 June 2020, https://2u.pw/4yJHe

 [2] جائحة فيروس كورونا المستجد) كوفيد- 19( وتداعياتها على الاقتصادات العربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يونيو2020، تاريخ الاطلاع: 10 يوليو2020، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/ggfUr. ص15.

[3] المرجع السابق، ص.2.

[4] Giuliano Garavini, This Time is Different: The “COVID-Shock” and Future of the Global Oil Market, 18 April 2020, Accessed: 1 June 2020, https://2u.pw/nOq0K.

[5] Samantha Gross and David Dollar, What drove oil prices through the floor this week, Brookings Institution, 22 April  2020, Accessed: 15 June 2020, available at: https://brook.gs/30DX5n5.

[6] كيف عصفت جائحة كورونا بأسعار النفط؟ التداعيات على الدول العربية والاقتصاد العالمي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أبريل2020، تاريخ الاطلاع: 25 يونيو 2020، متاح على الرابط: https://2u.pw/M4j55. ص2.

[7] المرجع السابق، ص5.

[8] جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19( وتداعياتها على الاقتصادات العربية، مرجع سابق، ص ص 18-20.

[9]]( جائحة فيروس كورونا المستجد )كوفيد- 19  (وتداعياتها على الاقتصادات العربية، مرجع سابق، ص ص 24-25.

[10] جائحة فيروس كورونا المستجد )كوفيد- 19( وتداعياتها على الاقتصادات العربية، مرجع سابق، ص 25.

 [11]Nicholas Mulder and Adam Tooze, the Corona virus Oil Shock Is Just Getting Started, Foreign Policy, 23April 2020, Accessed: 10 July 2020, https://bit.ly/30Ft8Di.

[12] Raz Zimmt and Tomer Fadlon, The Impact of the Corona virus Pandemic on the Iranian Economy, INSS, 7April 2020, Accessed: 1 June 2020, https://bit.ly/3kueVRp.

 [13]Nicholas Mulder and Adam Tooze, the Corona virus Oil Shock Is Just Getting Started, Op.cit.

[14] Ibid.

[15] Ibid.

[16] Ibid.

[17] كيف عصفت جائحة كورونا بأسعار النفط؟ التداعيات على الدول العربية والاقتصاد العالمي، مرجع سابق، ص8.

[18] Nicholas Mulder and Adam Tooze, the Corona virus Oil Shock Is Just Getting Started, Op.cit.

[19] كيف عصفت جائحة كورونا بأسعار النفط؟ التداعيات على الدول العربية والاقتصاد العالمي، مرجع سابق، ص 8.

[20] Nicholas Mulder and Adam Tooze, the Corona virus Oil Shock Is Just Getting Started, Op.cit.

[21] كيف عصفت جائحة كورونا بأسعار النفط؟ التداعيات على الدول العربية والاقتصاد العالمي، مرجع سابق، ص.3.

[22] Adding Fuel to the Fire: Cheap Oil during the Pandemic, Global Economic Prospects, June 2020, Accessed: 25 July 2020, p. 188. https://2u.pw/tLa5g.

[23] Ibid: p.192.

[24] Giuliano Garavini, This Time is Different: The “COVID-Shock” and Future of the Global Oil Market, Op.cit.

  • نشر التقرير في فصلية قضايا ونظرات – العدد الثامن عشر – يوليو 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى