الاستقطاب في السياسة السودانية ودوره في صناعة الأزمة

مقدمة:

اتسم المشهد السياسي والاجتماعي في السودان بملامح الاستقطاب منذ استقلاله عام 1956 وحتى الوقت الراهن (2024)، ولعقود طويلة ظل خط الصدع الأبرز للاستقطاب ممثلا في الانقسام بين الشمال والجنوب، وهي الهوة التي حفرتها الاختلافات في العرق والدين والقدرة على الوصول إلى الموارد، حيث تمتع الشمال بالهيمنة السياسية والاقتصادية، ما أدى إلى شعور الجنوب، بأعراقه الأفريقية وخليط من المعتقدات الإسلامية والمسيحية والروحانية، بالتهميش والإهمال لفترة طويلة. وبلغ ذلك ذروته في حرب أهلية استمرت 22 عامًا وانتهت في عام 2005، تاركة وراءها ندوبًا عميقة في الروح الوطنية.

ورغم كافة الآمال أن يؤدي انفصال الجنوب إلى تماسك واستقرار الشمال بفعل “تجانسه” فإنه وبفعل الانقسامات العديدة في بنية المجتمع؛ تفجَّرت صور وأشكال أخرى من الاستقطاب كانت متوارية بفعل الاصطفاف في مواجهة الجنوب “المتمرد” الذي أدَّى حصوله على الاستقلال إلى فتح شهية قوى أخرى شرقا وغربا في السودان إلى تكرار التجربة[1]. فالانقسام بين الشمال والجنوب لم يكن سوى جانب واحد من جوانب التعدد الاجتماعي[2] والاستقطاب في السودان[3]. ساعدت على ذلك سياسات الإقصاء والتهميش والعنف التي مارسها النظام السياسي لعمر البشير في سعيه لتأمين نفسه.

لقد شعرت المجموعات العرقية والإقليمية المهمشة في دارفور وجبال النوبة وولاية النيل الأزرق منذ فترة طويلة بأنها مستبعدة من عمليات صنع القرار والفوائد الاقتصادية المتركزة في الخرطوم. وقد أدَّى هذا الشعور بالظلم إلى تأجيج الصراعات المحلية والحركات المسلحة، مما زاد من تعميق مظاهر الاستقطاب فيما يشبه الحلقة المفرغة بين التهميش والاستقطاب والأزمات[4].

وفي حين اختلفت المظاهر الأيديولوجية، والانقسامات الاجتماعية البارزة، والسياقات الثقافية والمؤسسية في المراحل المختلفة لمجتمع ودولة السودان، فإن الآليات الدافعة للاستقطاب والآثار الناجمة عنه تكاد تكون متشابهة؛ رغم اعتقاد العديد من صانعي السياسات في كل مرحلة وأشياعهم ومريديهم، أن خياراتهم وسياساتهم لن تحمل عواقب مماثلة لفترات التدهور والاستبداد السابقة عليهم.

ويتتبَّع ذلك المقال بالرصد أهم ملامح الاستقطاب في السياسة السودانية في المراحل المختلفة وما ألْقته من تحديات وصنعته من أزمات على الساحة السودانية وصولا إلى الوضع الراهن، الذي هو في جانب منه نتاج تراكمات تلك السياسات الاستقطابية، وإخفاقات النظم السياسية المتعاقبة في الخروج من نيرها والتصدِّي لإغراءات توظيفها.

أولًا- جذور الاستقطاب في مرحلة ما قبل الاستقلال:

تعتبر الفترة من 1899 إلى 1956 حقبة تكوينية في التاريخ السوداني، تميَّزت بالخضوع لسياسات الحكم البريطاني، وتطور الوعي الوطني، والنضال في نهاية المطاف من أجل الاستقلال. وفهم مجريات الأحداث خلال هذه الفترة أمر بالغ الأهمية لفهم جذور الاستقطاب السياسي في السودان. فخلال هذه الفترة، أدَّت السياسات الاستعمارية البريطانية إلى تفاقم الانقسامات الإقليمية والعرقية. وحرص البريطانيون على فصل الشمال الذي يهيمن عليه العرب عن الجنوب ذي الأغلبية الأفريقية، ومن أجل تلك الغاية استخدم البريطانيون سياسة الحكم غير المباشر في الشمال، في حين اعتمدوا نهجًا أكثر تدخلا في الجنوب؛ فيما عرف بالسياسة الجنوبية التي تم تنفيذها في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين. والتي كان من بين أهدافها الرئيسة إقامة ما وصفه البعض بـ”سور الصين”[5] لعزل الجنوب عن الشمال وتعزيز الانفصال بين الجانبين عبر قانون “المناطق المقفلة” لعام 1922[6]؛ ما عزَّز الاستياء وانعدام الثقة بين هذه المناطق وبذَر بذور الصراع في المستقبل[7].

وقد ساهمت السياسات الاقتصادية للإدارة الاستعمارية البريطانية في خلق وتعميق التفاوتات الإقليمية؛ حيث شهد الشمال، وخاصة وادي النيل، استثمارات أكبر في البنية التحتية والتعليم والزراعة التجارية. أصبح مشروع الجزيرة، وهو مشروع زراعي واسع النطاق بدأ في عشرينيات القرن الماضي، محركًا اقتصاديًّا رئيسًا في الشمال. وفي المقابل، ظلَّ الجنوب متخلِّفًا اقتصاديًّا، مع الحد الأدنى من البنية التحتية والاستثمارات، وهو ما زاد من شعور التهميش والإهمال بين الجنوبيين[8]. لذا لم يكن من المستغرب انصراف غالبية الجنوبيين إلى أمورهم المعيشية المباشرة أو السعي إلى تحسين تلك الظروف دونما اهتمام كبير بما عداها، وأن تبدأ المشاعر والحركات القومية في المقام الأول في شمال السودان مدفوعة بتنامي وتركُّز النخب المتعلِّمة (شمالية وجنوبية) في الشمال، وزيادة السخط على الحكم الاستعماري تأثرًا بنظيرتها في مصر[9].

ويعتبر المؤتمر العام للخريجين الذي أسَّسته النخب السودانية المتعلِّمة عام 1938، أحد أهم التنظيمات التي لعبت دورا كبيرا في بلورة التوجهات السياسية على الساحة السودانية. وبينما ركز المؤتمر في البداية على المطالبة بعدة إصلاحات في إطار السياسات القائمة مثل زيادة تمثيل السودانيين في أطر ومؤسسات الحكم وبقدر من الحكم الذاتي، أصبح عبر الزمن -وتفاعلا مع الأحداث على الساحتين المصرية والسودانية- متطرفًا في المطالبه بالاستقلال، الأمر الذي أسفر عن ظهور تيارات متنافسة داخل المؤتمر لكل منها رؤيته بشأن واقع السودان ومستقبله داخليًّا وخارجيًّا، لا سيما فيما يتَّصل بالعلاقة مع مصر وبريطانيا[10].

وعلى ذات الصعيد أدَّى تشكيل الأحزاب السياسية في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي إلى تحفيز الحركة القومية. وظهر اتجاهان رئيسيان لكلٍّ منهما قاعدته الجماهيرية المتمايزة ورؤاه الخاصة بقضية الاستقلال والعلاقات الخارجية. الاتجاه الأول جسَّدته الأحزاب الاتحادية كحزب الأشقاء (نجم عنه الحزب الوطني الاتحادي بعد ذلك)، ( وحزب الأحرار وحزب الاتحاد(الاتحاديون)، التي نشأت عام 1944،  وحزب وحدة وادي النيل 1946، والجبهة الوطنية 1951، وغيرها من التنظيمات التي رأت التحالف مع مصر ضد مساعي بريطانيا للفصل بين الجانبين. وفي المقابل كان هناك اتجاه ثان جسَّدته الأحزب والتنظيمات السودانية الاستقلالية كالحزب القومي 1944 وحزب الأمة، التي رأت مستقبل السودان في استقلاله استقلالا تامًّا ورفعت شعار “السودان للسودانيين”[11].

كان مؤتمر جوبا عام 1947، أحد المحطات الرئيسة على طريق السودان نحو الاستقلال، حيث التقى المسؤولون البريطانيون والقادة السودانيون من الشمال (خمسة أعضاء) والجنوب (سبعة عشر زعيمًا جنوبيًّا) لمناقشة الحكم المستقبلي للسودان. وقد دعا زعماء الشمال إلى السودان الموحَّد في ظل حكومة واحدة، في حين أعرب ممثلو الجنوب عن مخاوفهم بشأن هيمنة الشمال وطالبوا بضمانات بالحكم الذاتي[12]. ورغم أن المؤتمر انتهى دون التوصل إلى اتفاق نهائي، فإنه ألْقى الضوء على الانقسامات العميقة بين الشمال والجنوب من ناحية، ومثل من ناحية أخرى بداية انخراط الجنوبيين في العمل السياسي المنظَّم وطرح آرائهم على المستوى الوطني[13]. وهما الأمران اللذان كان لهما أثرهما في تشكيل المشهد السياسي في السودان[14].

وكانت الجمعية التشريعية السودانية التي أنشأها البريطانيون في عام 1948 بمثابة خطوة نحو الحكم الذاتي. ومع ذلك، فقد هيمن السياسيون الشماليون على المجلس مع تمثيل وتأثير محدود لممثلي الجنوب؛ ما أدَّى إلى تأكيد مخاوف الجنوب من التهميش. وزاد من ترسيخ الانقسامات الإقليمية[15].

ومع مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، اكتسبت المطالبة بالاستقلال قوة دافعة، حيث سمح الاتفاق الإنجليزي المصري لعام 1953 بفترة انتقالية من الحكم الذاتي يقرر السودانيون بعدها مصيرهم بالاستقلال أو الاتحاد مع مصر؛ وهي المسألة التي كانت -لفترة طويلة- بمثابة أحد محاور الانقسام والاستقطاب الرئيسة على الساحة السودانية ما بين القوي السياسية السودانية الأساسية وداخلها[16]، ورغم فوز الحزب الاتحادي بالأغلبية البرلمانية في الانتخابات، فإنه تم إعلان استقلال السودان في 1 يناير 1956م[17].

وعلى الرغم من تحقيق الاستقلال، ظلَّت الانقسامات الإقليمية والعرقية والسياسية الأساسية دون حل ومثلت تحديًا رئيسًا. كافحت أول حكومة بعد الاستقلال، بقيادة رئيس الوزراء إسماعيل الأزهري وما تلاها من حكومات -على اختلاف الرؤى والأدوات- من أجل تجاوزها عبر خلق هوية وطنية متجاوزة لهذه الانقسامات[18].

حاصل القول أن الحقبة الاستعمارية وأوائل فترة ما بعد الاستقلال في السودان حفلت بسياسات وتطوُّرات أدَّت إلى تعميق الانقسامات القائمة في البلاد، ووضعت ورسَّخت الأساس للاستقطاب المستقبلي. حيث أدَّى الحكم الاستعماري البريطاني، الذي اتَّسم بالمحسوبية الإقليمية وجسَّدته السياسة الجنوبية، إلى ترسيخ الانقسام بين الشمال والجنوب. وبدلا من أن يؤدِّي إلى تجاوز تلك الانقسامات وصهْرها في إطار هوية جامعة؛ عكس صعود الحركات القومية والأحزاب السياسية هذه الانقسامات وكثَّفها بفعل تلاعب النخب الساسية والطائفية بها تحقيقًا لمصالحها، مما أدَّى إلى دولة هشَّة ومنقسمة منذ لحظة استقلالها[19].

ثانيًا- ملامح الاستقطاب خلال الحرب الأهلية الأولى:

كانت حقبة الحرب الأهلية السودانية الأولى، التي استمرَّت من عام 1955 إلى عام 1972، فترة حاسمة في تاريخ السودان، حيث أيقظت تلك الحرب، التي اندلعت في المقام الأول بين حكومة الشمال والمتمردين الجنوبيين، كافَّة شرور الانقسامات الإقليمية والعرقية والدينية التي بذرت بذورها السياسات الاستعمارية وأجَّجتها ممارسات الحكم المبكِّر في مرحلة ما بعد الاستقلال. فبحلول منتصف القرن العشرين، تزايد -كما سلفت الإشارة- شعور السودانيين الجنوبيين بالتهميش والإهمال بشكل متزايد من قبل الحكومة التي يهيمن عليها الشمال، وذلك بفعل مجموعة من العوامل[20] من بينها:

  • الفوارق الاقتصادية: حيث ظل الجنوب متخلِّفًا اقتصاديًّا، ويفتقر إلى البنية التحتية والاستثمارات التي شهدها الشمال. فلقد تركت السياسة الاستعمارية البريطانية للجنوب الحد الأدنى من الفرص التعليمية والاقتصادية، مما خلق تناقضًا صارخًا مع الشمال المتطور نسبيًّا.
  • الاستبعاد السياسي: كان تمثيل جنوب السودان ناقصًا في الحكومة الوطنية، وهيمنت النخب الشمالية على المشهد السياسي ولم تبد اهتمامًا كبيرًا بمعالجة المخاوف الجنوبية.
  • الاختلافات الثقافية والدينية: كان الجنوب في الغالب غير مسلم ومتميز ثقافيًّا عن الشمال العربي الإسلامي. وأدَّت محاولات حكومات الشمال لفرض اللغة العربية والممارسات الثقافية الإسلامية إلى تفاقم التوتُّرات.

يضاف إلى ما سبق سوء معاملة الضباط الشماليين للجنود من وفي الجنوب، والذى أدَّى -متضافرًا مع غيره من العوامل- إلى “تمرد توريت” في أغسطس 1955. حيث ثار الجنود الجنوبيون في الفيلق الاستوائي المتمركز في مدينة “توريت” ضد ضباطهم الشماليين. وكان التمرُّد ردًّا على المخاوف من التعريب القسري والأسلمة، فضلًا عن مظالم محددة بشأن التمييز والمعاملة غير العادلة داخل الجيش. تم قمع التمرد من قبل الحكومة السودانية، لكنه كان بمثابة بداية لمقاومة جنوبية منظمة بقيادة حركة “إنيانيا” التي كانت أول تنظيم عسكري منضبط للجنوبيين وجاء نشاطها العسكري في مطلع الستينيات تتويجًا للحركة السياسية لنخب الجنوبيين في المنفى[21]، وبداية للحرب الأهلية الأولى[22] في البلاد التي تداخلت خيوطها وطالت نيرانها الحركة نفسها فيما شهدته من انقسامات ومواجهات مسلَّحة بين أجنحتها المختلفة، وكانت ذروة مراحل الاستقطاب حيث لا يرجو أحد من أحد الرحمة ولا يمنحه إياها، على نحو ما عبرت بيانات حركة “الإنيانيا”[23].

وسرعان ما اتخذ الصراع طابعًا إقليميًّا، حيث شهدت أجزاء مختلفة من السودان درجات متفاوتة من المشاركة والتأثير، حيث مثل جنوب السودان المسرح الرئيسي للحرب، وفيه دارت معظم المعارك والمناوشات. وعانى السكان المدنيون في الجنوب بشكل كبير من أعمال العنف، مما أدَّى إلى نزوح واسع النطاق وأزمات إنسانية. وكان الشمال، وخاصة المراكز السياسية والاقتصادية مثل الخرطوم، معزولًا نسبيًّا عن التأثيرات المباشرة للحرب؛ ومع ذلك، أدَّى الصراع إلى استنزاف الموارد الوطنية وتفاقم التوتُّرات العرقية والإقليمية. كما حظت الحرب الأهلية الأولى بالاهتمام والمشاركة الخارجية من دول الجوار والقوى الكبرى في سياق الحرب الباردة آنذاك[24]. وخلال حقبة الستينيات استخدمت الحكومة السودانية مزيجًا من المناورة السياسية والأدوات القسرية، وغالبًا ما تضمَّنت هذه العمليات أعمالًا انتقامية ضد المدنيين الجنوبيين، مما زاد من تنفير سكان الجنوب وتعقيد المشكلة وتعزيز موقف دعاة الانفصال[25].

كان للصراع الذي طال أمده عواقب إنسانية مدمرة، منها: قتل مئات الآلاف من الأشخاص، ونزوح عدد أكبر. ونشأت مخيمات اللاجئين في البلدان المجاورة، وعانى سكان الجنوب من مصاعب شديدة. كما أدت الحرب إلى تعطيل الأنشطة الاقتصادية بشدة في الجنوب، مما أدى إلى انتشار الفقر والتخلُّف التنموي، وتضرُّر الإنتاج الزراعي، وهو الدعامة الأساسية لاقتصاد الجنوب، بشكل خاص.

وتجدر الإشارة إلى أنه طوال فترة الحرب، كانت هناك عدة محاولات للتفاوض على تسوية سلمية. ومع ذلك، فإن انعدام الثقة العميق والمواقف الراسخة على كلا الجانبين جعلت هذه الجهود غير ناجحة إلى حد كبير حتى أوائل السبعينيات التي شهدت انتهاء الحرب بتوقيع اتفاقية أديس أبابا في عام 1972، التي منحت قدرًا كبيرًا من الحكم الذاتي للجنوب، علاوة على منح الجنوب حصة في الحكومة المركزية والقوات المسلحة الوطنية[26].

ورغم أن اتفاق أديس أبابا جلب عقدًا من السلام النسبي، فإنه لم يحلَّ القضايا الأساسية التي غذَّت الصراع، والتي كان أبرزها انعدام الثقة العميق بين الشمال والجنوب، مع بقاء الجانبين حذرين بشأن نوايا الطرف الآخر. وكذا استمرار الفوارق الاقتصادية والاجتماعية؛ حيث لم تتم معالجة الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين الشمال والجنوب بشكل كامل والذي تصاعد وزنها النسبي مع اكتشاف البترول في الجنوب[27]، أضفْ إلى ذلك التحديات التي واجهَها الاتفاق من جانب الفصائل داخل كلٍّ من الحكومة الشمالية وحركة التمرُّد الجنوبية؛ ما أدَّى إلى استمرار عدم الاستقرار السياسي[28].

لقد شهدت حقبة الحرب الأهلية السودانية الأولى (1955-1972) درجة كبيرة من الاستقطاب في السياسة كانت الحرب فيه سببًا ومحلًا للصراع بين القوى السياسية المختلفة في ظل تباين الرؤى بشأن أسباب الصراع وسبل التعامل معه، وهى الرؤى التي ارتكزت في جانب منها على الانقسامات الإقليمية والعرقية والدينية العميقة ومصالح النخب والقوى السياسية داخل السودان وخارجها. وقد استمرَّ إرث الحرب المتمثِّل في عدم الثقة والتفاوت الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي في تشكيل مسار السودان، حيث مهَّدت القضايا التي لم يتم حلُّها من الحرب الأهلية الأولى المسرح للحرب الأهلية السودانية الثانية، التي اندلعت في عام 1983.

ثالثًا- تصاعد الانقسامات الأيديولوجية

تميَّزت الفترة من الستينيات إلى الثمانينيات في السودان بانقسامات أيديولوجية كبيرة عمَّقت الاستقطاب السياسي، وظهرت فصائل سياسية مختلفة، ولكل منها رؤيتها المميزة للبلاد، مما ساهم في خلق مشهد سياسي مجزأ ومثير للجدل في كثير من الأحيان. وشهدت هذه الحقبة صعود القوميين العلمانيين، والشيوعيين، والإسلاميين، والإقليميين، الذين تنافس كلٌّ منهم على النفوذ والسيطرة. ويمكن الإشارة إلى أهمِّ ملامح خريطة تلك القوى على الساحة السودانية وسمة كلٍّ منها فيما يلي[29]:

  • القوى العلمانية: كانت القومية العلمانية في السودان ممثلة إلى حد كبير من قبل الحزب الشيوعي السوداني والجماعات اليسارية الأخرى. دعت هذه المجموعات إلى إقامة دولة علمانية، مع التركيز على العدالة الاجتماعية، وإصلاح الأراضي، والحد من الفوارق الإقليمية. وشملت قاعدة دعمهم المثقفين والنقابات العمالية والعمال الحضريِّين[30].
  • الحزب الشيوعي السوداني: تأسَّس الحزب الشيوعي السوداني عام 1946، وأصبح أحد أكثر الأحزاب الشيوعية نفوذًا في أفريقيا. لعب الحزب دورًا حاسمًا في الحركات العمالية والمنظمات الطلابية، حيث دافع عن المبادئ الاشتراكية والحكم العلماني. وصل تأثير الحزب الشيوعي إلى ذروته في ستينيات القرن الماضي، لكنه واجه قمعًا كبيرًا من الأنظمة اللاحقة[31].
  • الحركات الإسلامية: اكتسبت الأيديولوجية الإسلامية زخمًا كبيرًا خلال هذه الفترة، وذلك في المقام الأول من خلال أنشطة جماعة الإخوان المسلمين وفرعها (الجبهة الإسلامية الوطنية).
  • جماعة الإخوان المسلمين: تأسَّست جماعة الإخوان المسلمين في السودان في الأربعينيات من القرن الماضي، وكانت تهدف إلى إقامة دولة إسلامية تحكمها الشريعة الإسلامية. وقد نما تأثير الحركة من خلال التعبئة الشعبية، وخاصة في الجامعات والجمعيات المهنية.
  • الجبهة الإسلامية الوطنية: تأسَّست الجبهة الإسلامية الوطنية في السبعينيات على يد حسن الترابي، وسعت إلى تنفيذ أجندة إسلامية شاملة. كانت الجبهة الإسلامية ماهرة في بناء التحالفات واستخدام الاستراتيجية السياسية لكسب النفوذ داخل الحكومة. وقد ساعدت قيادة الترابي الكاريزمية ونهجه الفكري الجبهة الإسلامية القومية على اكتساب دعم كبير بين الطبقة المتوسطة الحضرية والطلاب[32].
  • وعلى صعيد الحركات الإقليمية والعرقية يمكن الإشارة إلى حركة تحرير جنوب السودان: في أعقاب اتفاقية أديس أبابا لعام 1972، شكل بعض القادة الجنوبيين حركة تحرير جنوب السودان للدعوة إلى قدر أكبر من الحكم الذاتي ومعالجة المظالم المستمرة. عكست حركة تحرير جنوب السودان الاستقطاب الإقليمي الأوسع بين الشمال والجنوب وإن لم يخل الأمر من عدة تنظيمات وحركات سرية وأخرى علنية شاركت في حكومة الجنوب ومجلسها التشريعي على اختلاف مواقفها من العلاقة مع الشمال[33].
  • أنيانيا 2: في أواخر السبعينيات، ظهرت جماعة متمردة جديدة، وهي “أنيانيا 2” في الجنوب، غير راضية عن تنفيذ اتفاقية أديس أبابا. أعادت هذه المجموعة إشعال المقاومة المسلَّحة ضد الحكومة المركزية، وسلَّطت الضوء على القضايا التي لم يتم حلها من الحرب الأهلية الأولى.

وكانت ثورة أكتوبر 1964 لحظة مفصلية في تاريخ السودان. حيث نظم ائتلاف واسع النطاق من الطلاب والمهنيين والنقابات العمالية احتجاجات حاشدة ضد النظام العسكري للعميد إبراهيم عبود. نجحت الثورة في الإطاحة بعبود وأدت إلى فترة وجيزة من الحكم الديمقراطي، فتحت الثورة فيه المجال السياسي، وسمحت للمجموعات الأيديولوجية المختلفة بالتنافس على النفوذ، وشهدت هذه الفترة مناقشات سياسية حادة ومنافسة بين الشيوعيين والإسلاميين والقوميين، ومثلت قضية علاقة الدين بالدولة محورًا رئيسًا من محاور الاستقطاب والصراع بين تلك القوى المختلفة[34].

وفي عام 1969، قاد العقيد جعفر النميري انقلابًا أطاح بالحكومة المدنية. وقد شهدت سنوات النميري الأولى تحالفًا مع الحزب الشيوعي السوداني والجماعات اليسارية الأخرى. تميزت هذه الفترة بمشروعات إصلاح اجتماعية واقتصادية كبيرة، بما في ذلك إعادة توزيع الأراضي وتأميم الصناعات الرئيسية وإلغاء الأحزاب والهياكل الإدارية التقليدية، بهدف إحداث تغيير اجتماعي شامل يسْمو فوق الولاءات والاستقطابات التحتية لصالح دولة تقدُّمية حديثة، وفق الرؤية اليسارية[35]. إلا أنه في أواخر السبعينيات، وفي مواجهة تراجع الدعم والتحديات الاقتصادية، سعى النميري إلى تعزيز سلطته من خلال التحالف مع الجماعات الإسلامية[36]. وبلغ هذا التحول ذروتَه مع تطبيق قانون الشريعة في عام 1983، والذي مثَّل نقطة تحوُّل عمَّقت الاستقطاب في المجتمع السوداني[37]. حيث أدَّى تطبيق قانون الشريعة إلى تمكين الجماعات الإسلامية مثل الجبهة الإسلامية القومية، وسمح لها باكتساب نفوذ كبير داخل الحكومة والمجتمع[38].

في المقابل لقي ذلك الأمر معارضة من قبل قيادات إسلامية تقليدية كالصادق المهدي زعيم الأنصار، وبعض قيادات الإخوان المسلمين الذين رأوا التوقيت غير مناسب، كما لقي معارضةً شديدةً من قبل اليساريين والعلمانيين وكثير من غير المسلمين في أنحاء البلاد لا سيما في الجنوب، الذين اعتبروا ذلك توظيفًا للدين في السياسة[39]، ونكوصًا عن اتفاق السلام لعام 1972 وعودة إلى سياسات الإدماج القسري[40].

وقد أدَّت الانقسامات الأيديولوجية في هذه الفترة إلى عدم استقرار سياسي كبير، اتَّسم بعدَّة محاولات انقلابية وانتفاضات وتمرُّدات جنوبية وتحالفات متغيرة، مع الاستقطاب الشديد والانقسامات العميقة والصراع على السلطة بين الفصائل المتنافسة[41]. وبفعل تراكمات سياسات نظام حكم نميري وتقلُّباته، بلغ السخط الشعبي على حكم النميري، والذي تفاقم بسبب الصعوبات الاقتصادية وسياساته التي لا تحظى بشعبية، ذروته في انتفاضة أبريل 1985. أدَّتْ هذه الحركة الاحتجاجية الجماهيرية إلى الإطاحة بالنميري وعودة قصيرة إلى الحكم المدني.

وتجدر الإشارة إلى أن تقاطع الاستقطاب الأيديولوجي مع الصراعات الطائفية والإقليمية، زاد من تعقيد المشهد السياسي في السودان. ففي حين كان التركيز الأساسي على الانقسام بين الشمال والجنوب، فإن مناطق أخرى مثل دارفور وشرق السودان عانت أيضًا من التهميش والصراع وكان لديها مظالم ضد الحكومة المركزية أضف إلى ذلك ما لعبته الانتماءات العرقية والقبلية من دور هام كأدوات للتعبئة في سياق الصراعات الإيديولوجية استغلها القادة السياسيون لحشد الدعم على أساس الهويات العرقية أو القبلية، مما أدى إلى تفاقم التوترات وتقويض الوحدة الوطنية[42].

حاصل القول، أن تفاقم الانقسامات الأيديولوجية في السودان وحديتها خلال حقبة الستينيات وحتى منتصف الثمانينيات من القرن العشرين بين القوميين العلمانيين والشيوعيين والإسلاميين والحركات الإقليمية، أدَّى إلى خلق بيئة سياسية مجزَّأة ومثيرة للجدل. وأدَّت الأحداث الرئيسة، مثل ثورة أكتوبر 1964، ونظام النميري، وإدخال قانون الشريعة -متفاعلة مع جوانب الاستقطاب الأخرى بالمجتمع السوداني- إلى ترسيخ عدم الاستقرار السياسي وتهيئة المسرح للدخول في حلقة جديدة من الصراعات والتحديات.

رابعًا- ملامح الاستقطاب خلال الحرب الأهلية السودانية الثانية

اتَّسمت الحرب الأهلية السودانية الثانية، التي استمرَّت من عام 1983 إلى عام 2005، باستقطاب عميق ومتعدِّد الأوجه. حيث أدَّت هذه الحرب، التي دارت في المقام الأول بين حكومة شمال السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان في جنوب السودان، إلى ترسيخ الانقسامات الإقليمية والعرقية والدينية والسياسية التي ابتُلي بها السودان لعقود من الزمن. وما زال إرثُ الصراع يسْهم في تشكيل المشهد الاجتماعي والسياسي في البلاد شمالًا وجنوبًا.

لقد كان فرض الشريعة الإسلامية وإلغاء اتفاق أديس أبابا السبب المباشر وليس الوحيد في اندلاع تلك الحرب في عام 1983؛ فاتفاقية أديس أبابا لعام 1972 كانت قد منحت جنوب السودان حكمًا ذاتيًّا كبيرًا وأنهت الحرب الأهلية السودانية الأولى. ومع ذلك، بحلول أوائل الثمانينيات، عادت التوتُّرات إلى الظهور عندما سعت الحكومة السودانية، بقيادة الرئيس جعفر النميري، إلى تعزيز سيطرتها على الجنوب من خلال تقويض أحكام اتفاق أديس أبابا، وتقليص نطاق الحكم الذاتي للجنوب ودمج الإدارة الجنوبية في الحكومة المركزية. ضاعف من تلك الجهود وغذَّاها اكتشاف النفط في جنوب السودان وسعي الحكومة المركزية للسيطرة على هذه الموارد القيِّمة.

وفي عام 1983، أعلن النميري تطبيق الشريعة في جميع أنحاء السودان، بما في ذلك الجنوب الذي تسكنه أغلبية غير مسلمة. ولم يكن فرض الشريعة الإسلامية يحظى بشعبية كبيرة في الجنوب، حيث لا يمثِّل المسلمون غالبية السكان وفي وجود نسب كبيرة من المسيحيِّين وأتْباع الديانات الأفريقية التقليدية. لذا أدَّت هذه الخطوة متزامنةً مع إعادة تقسيم الجنوب إلى عدَّة ولايات إلى تفاقم الانقسام والاستقطاب[43].

وردًّا على تلك الممارسات، تجمَّعت المقاومة الجنوبية تحت قيادة “جون قرنق”، لتشكِّل الجيش الشعبي لتحرير السودان. بقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي قامت رؤيتها على علمانية الدولة[44] في مواجهة رؤية الجبهة الإسلامية الرامية إلى إقامة مشروع إسلامي[45]، مما أضاف مزيدًا من الاستقطاب على أسسٍ أيديولوجية بين فريق يدعو لتطبيق الشريعة الإسلامية، وآخر يؤكِّد على علمانية الدولة. ليُضاف بُعْدٌ جديدٌ إلى خطِّ الصدع والاستقطاب الرئيس ما بين الشمال “العربي المسلم” والجنوب “الأفريقي المسيحي/الوثني” كما صوَّرته النُّخب والقوى السياسية. وذلك رغم حقيقة التفاوتات الداخلية لدى كلا الجانبين في الشمال والجنوب، حيث لم يكن الشمال على قلب رجل واحد؛ كما لم تكن قوى المعارضة الجنوبية كيانًا متجانسًا؛ فقد تضمَّن كلُّ طرف مجموعات عرقية وفئوية وطائفية وقبلية مختلفة ذات مصالح متنافسة ومتصارعة إلى حدِّ المواجهة العسكرية في بعض الأحيان[46]، وهو ما زاد من تعقيد الأزمة وحوَّل الوضعَ إلى ما يشبه حرب الكل ضد الكل على نحو تشبيه البعض[47].

لقد كانت الحرب أيضًا بمثابة صراع للرؤى السياسية والأيديولوجية لواقع ومستقبل السودان. فإضافة إلى الرؤى العلمانية مقابل الرؤى الإسلامية، كانت هناك أيضا رؤى الحكومة والمعارضة، ومن جانبهم حارب المتمرِّدون الجنوبيُّون في البداية من أجل قدر أكبر من الحكم الذاتي داخل السودان الموحَّد، ومع ذلك، مع تقدُّم الحرب وتصاعد الفظائع، أصبحت الدعوة إلى الاستقلال التام أقوى[48]. ومن جانب ثالث، كان للصراع الذي طال أمده عواقب إنسانية مدمِّرة، ممَّا زاد من استقطاب المجتمع السوداني. ومن جانب رابع، فإن ما تمَّ ارتكابُه من فظائع ضد المدنيِّين، بما في ذلك القتل الجماعي، والتجنيد الإجباري، والانتهاكات المنهجية، علاوة على نزوح ملايين السودانيين داخليًّا أو تحوُّلهم إلى لاجئين في البلدان المجاورة، أدَّى إلى تعميق العداوات وجعل المصالحة أكثر صعوبة.

وقد جرت العديد من محاولات للتفاوض على السلام شابها جميعًا الانقسام بشأنها بين القوى السياسية على الساحة السودانية تأييدًا ومعارضةً وتبدُّلًا في المواقف، مما يعكس الديناميكيات المعقَّدة للصراع، ويفسِّر ثقل المكوِّن الخارجي ودوره -عبر سياسات الترغيب والترهيب لأطراف المعادلة حكومةً ومعارضةً- في كسر الجمود النابع من الانقسامات والاستقطابات المذكورة، والوصول إلى أرضية مشتركة للتفاهم تمثَّلت في بروتوكول مشاكوس (2002)، الذي وضع الأساس للمفاوضات المستقبلية من خلال الاعتراف بحق جنوب السودان في تقرير المصير. وتُوِّجَتْ جهود السلام بتوقيع اتفاقية السلام الشامل عام 2005، وقد منحت اتفاقية السلام الشامل الجنوب حكمًا ذاتيًّا لمدة ستِّ سنوات، يليها استفتاء على الاستقلال[49].

وفي حين أنهى اتفاق السلام الشامل الحرب الأهلية، فقد ظلَّت العديد من القضايا الخلافية دون حل، بما في ذلك ترسيم الحدود، ووضع منطقة أبيي الغنية بالنفط، وحقوق المواطنة للأشخاص في المناطق الحدودية.

وفي يناير 2011 جرى  استفتاء على الاستقلال في جنوب السودان، صوَّت فيه 99٪ من الناخبين لصالح الانفصال عن الشمال، وعليه؛ أعلنت الدولة الوليدة نشأتها 9 يوليو 2011. إلا أن هذا الاستقلال لم يحقِّق الاستقرار. حيث استمرَّ كلٌّ من السودان وجنوب السودان في مواجهة صراعات داخلية بعد الاستقلال. ففي جنوب السودان، أدَّت المنافسات العرقية والسياسية إلى حرب أهلية جديدة بدأت في عام 2013م واستمرَّت بعدها في ظلِّ واقع الاستقطاب القبلي في البلاد[50]. وفي السودان، استمرَّت مناطق مثل دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان في مواجهة أعمال العنف والاضطرابات.

لقد عمَّقت الحرب الأهلية السودانية الثانية واقع الاستقطاب على أسس إقليمية وعرقية ودينية وسياسية. وزادت من التحديات التي تواجه بناء دولة قومية موحَّدة في ظلِّ هُويات متنوِّعة ومتضاربة في كثير من الأحيان. ويستمرُّ إرث الحرب، الذي بلغ ذروته باستقلال جنوب السودان، في تشكيل الديناميكيات السياسية والاجتماعية في كلٍّ من السودان وجنوب السودان. إن فهم هذه الفترة أمرٌ بالغ الأهمية لمعالجة الصراعات المستمرَّة وتعزيز السلام الدائم في المنطقة.

خامسًا- ملامح سياسة الاستقطاب في عهد عمر البشير والجبهة الإسلامية القومية

تميَّزت الفترة من 1989 إلى 2019، في ظل حكم عمر البشير والجبهة الإسلامية الوطنية، باستقطاب سياسي واجتماعي وعرقي كبير في السودان. وشهدت هذه الحقبة ترسيخ السياسات ذات الصبغة الإسلامية، واستمرار الحروب الأهلية، والتدخُّلات الإقليمية والدولية الواسعة. أدَّت هذه العوامل مجتمعة إلى تعميق الانقسامات داخل المجتمع السوداني وساهمت في خلق مشهد سياسي معقَّد ومتقلِّب في كثيرٍ من الأحيان.

ففي 30 يونيو 1989، وبدعم وتخطيط الجبهة الإسلامية الوطنية، بقيادة حسن الترابي، قاد العميد عمر البشير انقلابًا عسكريًّا أطاح بحكومة رئيس الوزراء الصادق المهدي المنتخبة ديمقراطيًّا في واحدةٍ من حلقات مسلسل التوظيف المتبادل ما بين القوى السياسية المدنية والمؤسسة العسكرية الذي مارستْه تقريبًا مختلف القوى والتوجُّهات اليمينية واليسارية على الساحة السودانية مع اختلاف درجة نجاح كل تجربة[51].

كان الانقلاب بمثابة بداية تحالف طويل الأمد بين الجيش والجبهة القومية الإسلامية. حيث تبنَّت حكومة البشير أجندةً من بين أهدافها تحويل السودان إلى دولة تحكم بالشريعة الإسلامية وقامت بتبنِّي سياسات واتخاذ إجراءات لتطبيق تلك الأجندة، في العديد من القطاعات وجوانب الحياة، بما في ذلك النظام القانوني والتعليم والأعراف الاجتماعية. وكانت هذه الخطوة سببًا في استقطاب عميق، خاصة بالنسبة لغير المسلمين والمسلمين العلمانيين الذين شعروا بالتهميش والقمع. حيث واجه غير المسلمين، وخاصة في الجنوب وجبال النوبة، تمييزًا واضطهادًا كبيرًا في ظل نظام البشير. وأدَّى ذلك إلى تفاقم التوتُّرات الدينية وأذْكى حركات المقاومة. كما واجهت الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام قيودًا شديدة. واستخدمت الحكومة الاعتقالات التعسُّفية والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء لإسكات المعارضة، في ظلِّ سيطرةٍ كاملةٍ من النظام على وسائل الإعلام واستخدام دعاية الدولة للترويج لسياساته وتشويه سمعة جماعات المعارضة، وهو ما أدَّى إلى مزيدٍ من الاستقطاب في المشهد السياسي.

وكانت الحرب في دارفور، التي بدأت في عام 2003، من أهم الصراعات وأكثرها تدميرًا خلال حكم البشير، حيث اتَّسم الصراع بهجمات منظمة على المجموعات العرقية غير العربية من قبل القوات الحكومية والميليشيات المتحالفة معها المعروفة باسم الجنجويد. وشملت هذه الهجمات عمليات القتل الجماعي والاغتصاب وتدمير القرى، وقد أدَّى الصراع إلى نزوح ملايين الأشخاص وأزمة إنسانية حادة وأثار إدانة دولية[52]، وأدَّت إلى اتهام البشير وملاحقته من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وعلى صعيد علاقات الشمال والجنوب وبالرغم من توقيع اتفاق السلام الشامل في عام 2005، الذي أنهى الحرب الأهلية السودانية الثانية، فقد استمرَّت التوتُّرات بين الطرفين، حيث واجه تنفيذُ اتفاق السلام الشامل العديد من التحديات، بما في ذلك النزاعات حول ترسيم الحدود، وتقاسم عائدات النفط، ووضع منطقة أبيي. وهي نزاعات وإن كان لها أسبابها الموضوعية[53] إلا أنها تم توظيفها أيضًا من جانب النُّخب الفاعلة على الجانبين لا سيما الجماعات والنخب المؤيِّدة للانفصال لتحقيق ذلك الهدف. وهو ما تحقَّق في عام 2011، بعد استفتاء اختار فيه الجنوبيون بأغلبية ساحقة الانفصال عن شمال السودان، ليصبح الجنوب دولة مستقلَّة. ورغم انفصال الجنوب لم يتمَّ حلُّ جميع القضايا الأساسية، حيث ظلَّت هناك ذُيول للاستقطاب المستمر والصراع، لا سيما فيما يتعلَّق بالموارد الاقتصادية وتوزيع الثروة والسلطة. حيث كانت السيطرة على الموارد النفطية عاملًا رئيسيًّا في الاستقطاب الاقتصادي بين الشمال والجنوب خلال حكم البشير، ومثَّل توزيع عوائد تلك الموارد النفطية وغيرها على مناطق وأقاليم البلاد محورًا رئيسًا للانقسام والخلاف والاستقطاب بين الحكومة المركزية والنخب في الخرطوم وزعماء وقادة الأقاليم المهمَّشة في غرب ووسط وشرق البلاد، وساهمت هذه الفوارق الاقتصادية في خلق المظالم والمقاومة الإقليمية[54]. ومثَّلت الاستحقاقات الانتخابية في السودان ودعوات الحوار الوطني التي نظَّمها وأطلقها نظام “البشير” في العقد الأخير من حكمه لحظات كاشفة عن واقع الخلافات والاستقطابات المختلفة على الساحة[55]، وعن القراءة الخاطئة من جانب نظام البشير لذلك الواقع وسُبل التعامل معه، خاصةً فيما يتَّصل بقدرة الأدوات القسْرية على حسْم الصراع، ومساندة القوى الدولية لذلك المسلك مقابل ما تمَّ تقديمه من تنازلات على صعيد مشكلة الجنوب[56].

أدَّت خسارة الجنوب إلى نشأة صراعات جديدة وتفاقم صراعات كانت متوارية بفعل الصراع الرئيس بين الشمال والجنوب. فمن ناحية، أدَّى استقلال الجنوب عبر الكفاح المسلَّح بالأساس، إلى إضْفاء مصداقية على خطابات الجماعات المتمرِّدة -في شرق السودان وغربه- الداعية للحصول على حقوقها عبر ذات الطريق[57]، ومن ناحية ثانية، أدَّى فقدان عائدات النفط من الجنوب إلى دخول السودان في أزمة اقتصادية وإلى اتخاذ تدابير تقشُّفية زادتْ من استقطاب المجتمع السوداني، وسرعان ما أدَّت -متفاعلةً مع التغيُّرات الإقليمية والدولية- إلى احتجاجات عامة واسعة النطاق في أواخر عام 2018 وأوائل عام 2019. قادها ائتلاف من النقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني، طالبت باستقالة البشير، وهو ما اضطرَّ معه الجيش للتدخُّل في أبريل 2019، والإطاحة بالبشير، حيث تولَّى مجلس عسكري انتقالي السلطة، ووعدَ بالإشراف على الانتقال إلى الحكم المدني[58].

حاصل القول أنه قد اتَّسمت فترة حكم عمر البشير من 1989 إلى 2019 بالاستقطاب العميق على أسس أيديولوجية وعرقية وإقليمية واقتصادية. وقد أدَّت سياسات الحكومة السودانية الاستبدادية والقمع الشديد للمعارضة إلى تعميق الانقسامات داخل المجتمع السوداني في تفاعلاتها مع الصراعات في دارفور وغيرها من المناطق المهمَّشة واستمرار التوتُّرات مع الجنوب إلى تفاقم هذه الانقسامات. وكانت الإطاحة بالبشير في نهاية المطاف بمثابة نهاية حقبة من الاستقطاب العميق، ليبدأ فصل جديد لا يخلو من تحديات المصالحة وبناء الدولة في ظل استمرار السودان في التنقُّل في إطار مشهده السياسي المعقَّد.

سادسًا- سياسة الاستقطاب في حقبة ما بعد البشير

كانت الإطاحة بعمر البشير في أبريل 2019 بمثابة بداية فصل جديد في تاريخ السودان، الذي اتَّسم، ليس بالآمال الكبيرة في التحوُّل الديمقراطي والسلام وحسْب، ولكن أيضًا بالتحديات والاستقطاب الكبير. وقد شهدت هذه الفترة انقسامات سياسية وعرقية ومصاعب ومطالب اقتصادية تفاقمت بسبب الصراعات الداخلية على السلطة وبفعل التأثيرات الخارجية الإقليمية والدولية. حيث جرتْ مفاوضاتٌ بين القادة العسكريين والمدنيين لتشكيل حكومة انتقالية يكون من بين مهامِّها الرئيسة معالجة إرث الاستقطاب والصراع، إلا أن تلك المساعي واجهتْها مجموعةٌ من التحديات التي أوضحتْ هشاشةَ الأطر والهياكل الدستورية في المرحلة الانتقالية وعجزها عن تجاوز واقع الاستقطاب المدني العسكري القائم، والوصول إلى صيغة تعايُش مشتركة لمكوِّنات الطيف السوداني في إطار نظام ديمقراطي مدني. لذا اتَّسم المشهد السياسي في السودان في أعقاب الإطاحة بالبشير بالهشاشة والصراعات الشديدة على السلطة.

فالحكومة الانتقالية، التي تشكَّلت في أغسطس 2019، كانت مزيجًا من القادة المدنيِّين يمثِّلهم “تحالف الحرية والتغيير” من جانب والعسكريين من جانب آخر. وكان هذا الترتيب محفوفًا بالتوتُّرات والخلافات حول الإصلاح الدستوري بشأن شكل الحكومة المقبلة، وبدور الجيش في الدستور، وكذا العلاقة مع قوى الهامش التي طالبت أن تسْمو الاتفاقات السياسية معهم على الوثيقة الدستورية التي تقاسمت على أساسها قوى تحالف الحرية والتغيير السلطة مع المكوِّن العسكري[59] الذي انحاز من جانبه لمطالب قوى الهامش في إطار صراع الطرفين على استقطاب أكبر مساحة تأييد على الساحة تحسُّبًا لصدام كان قادمًا لا محالة في ضوء تباين رؤى المكوِّنين الرئيسيَّين في السلطة، حيث سعى الجيش إلى الاحتفاظ بسلطة كبيرة، بينما عمل القادة المدنيون على تقليص دور الجيش في الحياة العامة رغبةً في تحقيق تصوُّراتهم للحياة الديمقراطية. أدَّى ذلك الخلاف إلى استمرار الاحتجاجات الشعبية، المطالبة بمزيد من السيطرة المدنية وإصلاحات أسرع. وقوبلت هذه الاحتجاجات بالقمع العنيف من قبل قوات الأمن؛ ممَّا أدَّى إلى تعميق انعدام الثقة بين الحكومة والشعب[60].

وعليه، وفي إطار صراع القوة والنفوذ بين المكوِّن العسكري والمدني في الحكومة الانتقالية، ومستقويًا بالانشقاقات التي طالت تحالف الحرية والتغيير لا سيما من جانب الحركات المسلَّحة في دارفور التي طالبت الجيش بالتدخُّل لإنهاء الصراع السياسي، قام الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان بانقلاب على مسار العملية الانتقالية في 25 أكتوبر 2021، وإخراجها عن مسارها مؤقتًا باعتقال رئيس الوزراء وكلِّ رموز تحالف الحرية والتغيير، مما زاد من استقطاب البيئة السياسية. وبفعل الإدانة واسعة النطاق محلِّيًّا ودوليًّا للانقلاب، تمت استعادةٌ جزئيةٌ للحكومة المدنية لكنه ترك الوضع السياسي غير مستقرٍّ إلى حدٍّ كبير، في ظلِّ فجوة الثقة التي تنامتْ، ليس فقط بين المكون العسكري من جانب والمدني من الجانب الآخر ، بل بين مكوِّنات كلا الطرفين أيضًا[61]؛ فعلى الصعيد المدني تتنافس على السلطة العديد من الأحزاب والحركات السياسية، بما في ذلك الحزب الحاكم السابق (حزب المؤتمر الوطني) وأنصاره الذين يمثِّلون الدولة العميقة، والجماعات الإسلامية، والقوى الديمقراطية العلمانية. وعلى الصعيد العسكري تصاعدت الخلافات بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوَّات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” ووصلتْ إلى حَدِّ المواجهات المسلَّحة منذ أبريل 2023، حيث اندلع القتال بين القوات المسلَّحة السودانية وقوات الدعم السريع، مما سلَّط الضوء على الانقسامات العسكرية الداخلية.

وفي إطار ذلك الصراع الرئيس بين القوى المسلَّحة المركزيَّة في المعادلة، سعى كلُّ طرف من الطرفين إلى استقطاب القوى الداخلية المدنية والعسكرية والعِرقية للاصطفاف إلى جانبه، والاستقواء بقوى إقليمية ودولية متنافسة ومتباينةِ الغايات لتعزيز مكاسبه في أرض الواقع وعلى موائد المفاوضات، وقد أعاق هذا التشرذم تشكيلَ استراتيجيةٍ سياسيةٍ متماسكةٍ وحكمٍ مستقرٍّ. حيث لا تزال الصراعات العرقية والإقليمية مستمرَّة، وخاصة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.

فعلى الرغم من توقيع اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر 2020، استمرَّ العنف في دارفور، وأدَّت الاشتباكات بين الطوائف العرقية إلى سقوط عددٍ كبيرٍ من الضحايا والنزوح. وفي جنوب كردفان والنيل الأزرق لا تزال الصراعات في هذه المناطق دون حل، مع استمرار الجماعات المسلَّحة في مقاومة سيطرة الحكومة المركزية. كما لا تزال فصائل الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال منقسمة، مما يعقِّد جهود السلام. يساعد على ذلك ضعف التنمية الاقتصادية وانسداد الأفق بشأن التغلُّب على ذلك الضعف في ظل الأوضاع الراهنة، ما يعني استمرار معاناة المناطق الطرفية من نقص البنية التحتية والخدمات وانضمام مزيدٍ من المناطق والسكَّان إلى حيِّز الحرمان، وهو ما يغذِّي الاستياء والمطالبة بمزيدٍ من الاستقلال والسيطرة على الموارد. لا سيما مع شعور العديد من المجموعات العرقية والمجتمعات الإقليمية بأنها مستبعدة سياسيًّا من عمليات صنع القرار المركزية. وهذا الشعور بالإقصاء بمثابة القوة الدافعة وراء التمرُّدات المستمرَّة والمطالبة بالفيدرالية أو الانفصال.

الخلاصة، اتَّسمت الفترة منذ الإطاحة بعمر البشير في عام 2019 إلى الآن باستمرار ملامح وآليات الاستقطاب وإن تغيَّرت وجوه بعض القوى الفاعلة واتجاهات الاستقطاب. صاحبَ ذلك أشكال متباينة من التحالفات والانشقاقات العسكرية بين الجيش السوداني من ناحية، والقوى والميليشيات المتمرِّدة في أنحاء البلاد من ناحية أخرى، وهو أمر يحمل في طياته احتمالات امتداد تلك الانشقاقات بدرجة كبيرة إلى الجسد الرئيس للجيش السوداني بفعل الانقسامات السياسية والعِرقية والاقتصادية في البلاد واستغلال النخب المتصارعة لها على نحو يقود إلى حرب أهلية طويلة الأمد تذهب بما تبقَّى من خيوط الوصل بين أجزاء الوطن السوداني، وبما تبقى من مساعٍ للحفاظ على هوية سودانية جامعة.

خاتمة- الثابت والمتغير في سياسة الاستقطاب في السودان

في إطار تتبُّع سياسة الاستقطاب على الساحة السودانية في علاقاتها مع واقع البلاد المأزوم في غالب فتراته يمكن القول بوجود عدة مكونات رئيسة في كلا المكونين (الاستقطاب/ الأزمة) اللذين يدعم كل منهما الآخر، يأتي في مقدمتها الانقسامات العرقية، والانقسامات الإقليمية اللتان تمثِّلان ركنين أساسيَّين من أركان عملية الاستقطاب على الساحة السودانية عبر تاريخه. لقد كان السودان دائمًا عبارة عن فسيفساء من المجموعات العرقية ذات اللغات والثقافات والهويات المتنوِّعة. وكان الانقسام بين الشمال والجنوب، وخاصة بين الشماليين العرب المسلمين والجنوبيِّين الأفارقة المسيحيِّين، وأتباع الديانات التقليدية، سمة مميِّزة للسنوات الأولى للسودان واستمر في التأثير على الصراعات حتى بعد انفصال الجنوب. والعنصر الثاني من عناصر الثبات هو تهميش المناطق الطرفية، حيث شهدت مناطق مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق باستمرار التهميش السياسي والاقتصادي. وقد أدَّى هذا الإهمال إلى تأجيج الصراعات المتكرِّرة والمطالبة بمزيد من الحكم الذاتي والموارد.

ويمثِّل الإقصاء السياسي والاستبداد الملمح الثالث من ملامح الثبات في سياسات الاستقطاب في السودان عبر تاريخه، ما بين نخبة مركزية تتركَّز بيدها السلطات وقطاعات شعبية واسعة تُعاني من الإقصاء والتهميش، وكانت هذه المركزية مصدرًا دائمًا للاستقطاب السياسي. وفي هذا الصدد لعب الجيش دورًا بارزًا في السياسة السودانية، وكثيرًا ما يتدخَّل في الحكم من خلال الانقلابات ويمارس تأثيرًا  كبيرًا على شؤون الدولة، متحالفًا في جميع الأحوال مع واحدةٍ أو أكثر من القوى المدنية من الأحزاب أو الحركات السياسية.

وتمثِّل المظالم التاريخية الملمحَ الرابع من ملامح الاستمرارية في عملية الاستقطاب في السودان، فلا تزال المظالم التاريخية، بما في ذلك الموروثات الاستعمارية والصراعات الماضية، تؤثر على الاستقطاب الاجتماعي. وكثيرًا ما يتم استحضار هذه المظالم في النزاعات المعاصرة، مما يحافظ على استمرارية في الانقسامات الاجتماعية وسهولة توظيفها لصالح هذا الطرف أو ذاك من أطراف عملية الاستقطاب على الساحة السودانية.

وأخيرًا وليس آخرًا لعبت سياسات الهوية، بما في ذلك العرق والدين، باستمرار دورًا مركزيًّا في تشكيل الديناميكيات الاجتماعية والصراعات والاستقطابات على مختلف تنوُّعاتها وأشكالها في السودان.

وعلى صعيد التغيُّر يصعب رصد تغيُّرات جذرية فيما يتَّصل بجوهر عملية الاستقطاب ومرتكزاته الأساسية، ومع ذلك يمكن الإشارة إلى عدَّة تحوُّلات فيما يتَّصل بالشكل والآليَّات. فمن ناحية تكشف تطورات العلاقة بين الحكم العسكري والمدني، وداخل معسكر كل طرف من الطرفين من ناحية أخرى، ارتفاع وتيرة النضال المستمر من أجل تشكيل حكومة بقيادة مدنية بالكامل -على محدودية ما حققه من نجاح- وهو أمر تطالب به القوى المدنية وتتستَّر وراءه القوى العسكرية المتصارعة على السلطة، حيث يدَّعي كلٌّ من الطرفين العسكريَّين المتنازعين الرئيسيَّين حرصَه على الوصول إلى حكم مدني تام.

وفي حين أن الصعوبات الاقتصادية كانت ثابتة، فقد تطوَّرت طبيعةُ هذه التحديات. وشهدت حقبة ما بعد البشير جهودًا نحو الإصلاحات الاقتصادية، بما في ذلك خفض الدعم ومحاولات تحقيق الاستقرار في الاقتصاد، والتي كانت لها نتائج مختلطة وزادت من الاستقطاب في المجتمع.

وبالمثل فإن التدخُّلات الدولية تاريخيًّا في السودان كانت تدور حول تدخُّل قوى إقليمية ودولية إلى جانب طرف أو آخر من أطراف معادلات الاستقطاب الداخلية، إلا أنها لم تكن بكثافة وتنوُّع ووضوح التدخُّلات الراهنة، ويمكن فهم وتفسير ذلك في ضوء التحولات الداخلية والإقليمية والدولية وأبرزها تراجع قدرات الدولة المركزية السودانية، والصدْع في جدار التضامن العربي -العربي، مع تراجع الدور المصري بفعل الأعباء الداخلية، واتساع نطاق التحديات والمنافسات الإقليمية، ودخول السودان على خط المنافسات الإقليمية (تركيا، إيران، السعودية، الإمارات، قطر، إثيوبيا، جنوب السودان، إسرائيل……) والدولية (الصين، روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية…….).

وعلى ذات الصعيد (التغيُّر)، يمكن الإشارة إلى تغيُّر تكوين الجماعات المسلَّحة وأهدافها. فمن حركات التمرُّد المنظَّمة خلال الحروب الأهلية إلى الميليشيات المجزَّأة في دارفور والتهديدات الأمنية الجديدة بعد استقلال جنوب السودان، تطوَّر مشهد الصراع المسلح إلى مواجهات داخل عاصمة البلاد ومدنها الرئيسة، ومن نزاعٍ بين قوات حكومية وقوى متمرِّدة ذات مطالب وطنية أو جهوية أو قبلية أو عقدية إلى صراع بين جيش الحكومة وميليشيات لا برنامج ولا غاية لها فيما يتجاوز الاستيلاء على السلطة لحماية النُّفوذ والثروة. أضفْ إلى ذلك أنه على الرغم من توقيع اتفاقيات سلام مختلفة على مدى العقود الماضية لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع، فإن تبايُن تنفيذ هذه الاتفاقيات ونجاحها، أثَّر على مسار الاستقطاب عبر أرجاء السودان.

لقد قدَّمت ثورة 2019، التي أطاحت بنظام عمر البشير، بصيصًا من الأمل، ووعدت الحكومة الانتقالية باحتواء الجميع ومعالجة المظالم التاريخية. ومع ذلك، فإن اتفاق تقاسم السلطة الهش بين القوى المدنية والعسكرية انهار في نهاية المطاف، بفعل الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021 وتفاقم سياسة الاستقطاب من جديد. ما أدَّى إلى تزايُد فجوة الثقة والانقسام بين أطراف العملية السياسية في البلاد عددًا وعمقًا،  بفعل الانقسامات الفرعية التي شهدتْها القوى الفاعلة على الساحة السودانية وفي مقدِّمتها الانقسام بين القوات السودانية النظامية بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة “حميدتي”، الذي تصاعد إلى مواجهات عسكرية بين الطرفين في أنحاء مختلفة من البلاد، عمد فيها كلُّ طرف إلى استقطاب قوى المجتمع السياسية والاجتماعية للاصطفاف إلى جانبه في مواجهة الطرف الآخر، مستخدمين في ذلك كافَّة مرتكزات الاستقطاب سالفة البيان. الأمر الذي يُنذر بعواقب وخيمة على الصعيد الوطني والفرعي حال استمراره وطول أمده، خاصة مع غياب دور الطرف الثالث القادر على فرض إرادته على الأطراف المتصارعة بفعل واقع الاستقطاب المركب الذي تشهده أزمة السودان داخليًّا، وإقليميًّا، ودوليًّا، وما أسْفرت عنه الأزمة من تفريغ المجتمع من العديد من عناصر فاعليته بفعل النزوح للخارج أو الانكفاء على الذات داخليًّا انتظارًا لما ستُسفر عنه المواجهة الرئيسة بين الجيش وقوات الدعم السريع والتي بصرف النظر عن موعد وظروف حسْمها لن يكون السودان بعدها كما كان قبلها؛ بفعل ما ترتَّب وسيترتَّب عليها من تغيير في موازين القوى العسكرية والسياسية والاقتصادية والديموجرافية في البلاد وتجاذُبات إقليمية ودولية، وما خلقتْه ورسَّخته من مرارات يكشف تاريخ العلاقة بين السودان وجنوب السودان أنها ككرة الثلج ما إن تبدأ في التدحرج فإنه يصعب إيقافها.

ومع ذلك يبقى الأمل في أن يتمكَّن الجيش السوداني من بسط هيمنته في البلاد وإخضاع قوات الدعم السريع (سلمًا أو قسْرًا) لإرادته، أو أن يعقب ذلك الإسراع في تسليم السلطة لحكومة مدنية على نحو يزيد من قاعدته الشعبية ويرسل رسالة اطمئنان للقوى المدنية وحركات المعارضة المدنية منها والمسلَّحة بالجدِّيَّة في تنفيذ الاستحقاقات الدستورية التي تمَّ التوافق عليها، على نحو يحُول دون استقطاب تلك القوى ناحية الانزلاق إلى هاوية التمرُّد وإثارة الفوضى وعدم الاستقرار ويُوصد البابَ أمام الاختراقات الخارجية من جانب الأشقَّاء والأعداء بعد أن كشفت التجربة والتطوُّرات الراهنة عن صعوبة التمييز بينهما.

___________

هوامش

[1] محمد حسب الرسول، أثر انفصال جنوب السودان على الأمن القومي العربي، مجلة دراسات الشرق الأوسط، عدد 58، شتاء 2012، ص 35 وانظر أيضًا، عبد الوهاب الأفندي، مقدمة: عشرة أعوام من الحيرة، في: عبد الوهاب الأفندي وسيدي أحمد ولد أحمد سالم (تحرير)، دارفور: حصاد الأزمة بعد عقد من الزمان، (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، 2013)، ص ص 28-29.

[2] استنادًا إلى كتاب “بيير فان دن بيرغ” “العرق والعرقية: دراسة مقارنة”، يفرق إبراهيم نصر الدين، بين “التعددية الثقافية” و”التعددية الاجتماعية” حيث تعني الأولى وجود عدة ثقافات داخل المجتمع الواحد أو وجود ثقافة واحدة تتفرَّع عنها مجموعة من الثقافات الفرعية، بينما “التعددية الاجتماعية” تعني وجود مجتمع به جماعات عرقية مختلفة لكلٍّ منها مؤسساتها الخاصة المستقلَّة في أهدافها ووظائفها. وللقول بقيام مجتمع تعدُّدي بالمعنى المذكور يتعيَّن توفُّر سبع سمات من وجهة نظر “دن بييرغ” هي: 1- الغياب النسبي للإجماع على القيم 2- الوجود النسبي للاختلاف الثقافي 3- الوجود النسبي للصراع بين الجماعات داخل المجتمع 4- الاستقلال النسبي بين أجزاء النظام الاجتماعي 5- الأهمية النسبية للإكراه في تحقيق الاندماج 6- السيطرة السياسية لجماعة على الجماعات الأخرى 7- غلبة الطابع الفئوي والنفعية وعدم الفاعلية على العلاقات بين الجماعات مع سيادة الروابط المتعارضة داخل كل جماعة. راجع : إبراهيم نصر الدين، دراسات في النظم السياسية الأفريقية، (القاهرة: دار اكتشاف، 2010)، ص 34.

[3]  حول ملامح المجتمع التي مثلت في جانب منها محاور الاستقطاب في السودان، انظر: المرجع السابق، ص ص 42-50.

[4] المرجع السابق، ص 50، وبشأن جدلية المركز والهامش والاستقطاب على أزمة دارفور، انظر: عبد الوهاب الأفندي مقدمة: عشرة أعوام من الحيرة، مرجع سابق، ص ص 24-30، ص ص 45-46.

[5] M. W. Daly, Imperial Sudan: The Anglo-Egyptian Condominium 1934-1956, (Cambridge: Cambridge University Press, 2003), p. 38.

[6] “بعد شهور من إصدار الحكومة البريطانية لتصريح 28 فبراير 1922 الذي اعترفت فيه باستقلال مصر، وفي سبتمبر من ذات العام على وجه التحديد صدر أمر “الجهات المغلقة Closed Districts” الذي تضمَّن جدولا بجهات معينة تشمل مديرية بحر الغزال ومديرية منجالا والسوباط ومركز بيبور ومديرية أعالي النيل غرب وجنوب خط يمتد من شركيلة إلى ملاكال ومنها شرقًا إلى حدود المديرية، تقرِّر أنه “لا يجوز لأي شخص من غير أهالي السودان أن يدخلها ويبقى فيها إلا إذا كان حاملا رخصة بذلك، ويجوز للسكرتير الإداري أو مدير المديرية منع أي شخص من أهالي السودان من دخول تلك الجهات أو البقاء فيها”، نقلًا عن:

– يونان لبيب، مشكلة جنوب السودان، أصل النشأة الأولى، الجزيرة، 4 أكتوبر 2004، تاريخ الاطلاع: 27 مايو 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/EqkeGIsP

[7] انظر:

– المرجع السابق.

– حيدر إبراهيم، السودان إلى أين؟، دراسات، مركز دراسات الوحدة العربية، 9 أبريل 2019 ، تاريخ الاطلاع: 27 مايو 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/1vC8nd5s

[8] محمد حسب الرسول، أثر انفصال جنوب السودان على الأمن القومي العربي، مرجع سابق، ص 19.

[9] من المفارقات أن أول تنظيم سياسي علني معارض للوجود البريطاني وأول ثورة مناهضة للحكم الثنائي كانت بقيادة أحد أبناء المناطق والجماعات المهمَّشة وهو “علي عبد اللطيف” الذي  كان أحد القادة المؤسِّسين ورئيس جمعية “اللواء الأبيض” التي انشقَّت عن “جمعية الاتحاد السوداني” التي اتَّسمت بالعمل السري والتركيز على الأبعاد الثقافية. حيث ينتمي والده إلى النوبة ووالدته إلى قبائل الدينكا في الجنوب، انظر:

– سناء فكري زكي سعد، جمعية اللواء الأبيض وثورة 1924، International Journal of Academic Researchs Studies Year: 5, Number: 9, Sakarya Üniversitesi, Türkiye، 8 أكتوبر 2022، تاريخ الاطلاع: 2 يونيو 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/obpIRGQV

كانت زعامة علي عبد اللطيف لجمعية اللواء الأبيض مدعاة للتهكم والسخرية والانتقاد من قبل زعماء القوى القبلية والطائفية الرئيسة في السودان الذين رأوا أنه قد “أهينت البلاد لمَّا تظاهر أصغر وأوضع رجالها دون أن يكون لهم مركز فى المجتمع بأنهم المتصدون والمعبرون عن رأي الأمة. إن الشعب السودانى ينقسم إلى قبائل وبطون وعشائر، ولكلٍّ منها رئيس أو زعيم أو شيخ، وهؤلاء هم أصحاب الحق في الحديث عن البلاد. من هو علي عبد اللطيف الذى أصبح مشهورًا حديثًا وإلى أي قبيلة ينتمي؟، انظر:

– على عبد اللطيف قائد ثورة 1924، صحيفة الركوبة، 26 مايو 2013، متاح  عبر الرابط التالي: https://2u.pw/snvHkatr

– مصطفى عبيد و معتصم البشير بنقا، تطور الحركة الوطنية في السودان 1919-1924، مجلـة رفوف – جامعة أحمد دراية – ولاية أدرار، الجزائر، المجلد التاسع،  العدد الأول، 2012، ص ص ٤٢٤-٤٢٥، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/X6LwMftE

[10] صباح حسن بديوي وإفتكار محسن صالح، مؤتمر الخريجين العام و دوره في الحركة الوطنية السودانية حتى عام 1945، مجلة القادسية في الآداب والعلوم التربوية، جامعة القادسية (العراق)، مارس 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/HqoY1aIZ

[11] عبد المعطي بيومي سالم، موقف مصر من القوى الوطنية السودانية بشأن وحدة وادي النيل من يناير إلى يوليو 1952، في: السيد فليفل وكرم الصاوي (تحرير)، العلاقات المصرية السودانية عبر العصور، (القاهرة: معهد البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة، 2009)، ص ص 170-171.

[12] خالد صبار، الحكم الفيدرالي في السودان: الاستقرار السياسي والوحدة الوطنية 1991-2019، القاهرة: د.ن، ص ص 55-56.

[13] حسن الحاج علي، جنوب السودان: الواقع الاجتماعي والتفاعل السياسي، في: حسن الحاج علي وحمدي عبد الرحمن، المشهد في جنوب السودان ومخاطر النزاعات الانفصالية في العالم الإسلامي، مجلة البيان، عدد 121، ص ص 30-31.

[14] تضمَّن المؤتمر مجموعةً من الأفكار من أبرزها اعتراف غالبية الحاضرين بضرورة الوحدة بين الشمال والجنوب، وأن الجنوب لا يستطيع الاستقلال بشؤونه وأن محاولة فصل الجنوب عن الشمال سيكون لها أضرار جسيمة على الجانبين، انظر: عبد الله عبد الرازق، دور بريطانيا في انفصال جنوب السودان، في السيد فليفل وكرم الصاوي (تحرير)، العلاقات المصرية السودانية عبر العصور، مرجع سابق، ص ص 150-151.

[15] المرجع السابق، ص ص 154-155.

[16] راجع دراسة: عبد المعطى بيومي سالم، موقف مصر من القوى الوطنية السودانية بشأن وحدة وادي النيل، مرجع سابق، لا سيما الصفحات من 187 وما بعدها، والتي تكشف عن تفاعلات السياسة المصرية مع القوى السياسية السودانية (الوحدوية والانفصالية) وأثر كل منهما على الأخرى. وراجع أيضًا: مصطفى كمال عبد العزيز محمد تاج الدين، علاقة مصر وحزب الأمة السوداني من 1945-1969، مجلة الدراسات الأفريقية، القاهرة: معهد البحوث والدراسات الأفريقية، عدد 27، 2005، ص ص 1-56، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/460Hleg، ولذات المؤلف وفي ذات العدد: مصر والحزب الوطني الاتحادي السوداني 1952-1969، ص ص 129-188، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3LhCwmZ، حيث توضح الدراستان موقع مصر في التفاعلات السياسية على الساحة السودانية في تلك الفترة، والعوامل والملابسات التي دفعت الحزب الاتحادي إلى تغيير موقفه على الرغم من خوضه الانتخابات تحت شعار وحدة وادي النيل، في مواجهة شعار حزب الأمة “السودان للسودانيين” الذي رآه أنصار الاتحادي “كلمة حق أريد بها باطل”، انظر ص 8 من الدراسة الأولى أو ص 139 من الدراسة الثانية.

[17] جمال ضلع، الأزمة السياسية في السودان: بين طموح السياسات وواقع الممارسات، دراسات معاصرة في التنمية وبناء القدرات، القاهرة: معهد البحوث والدراسات الأفريقية، عدد 63، فبراير 2010، ص ص 11-15.

[18] المرجع السابق، ص ص 168-176.

[19] أحمد سليمان أبكر، حالة عدم الاستقرار السياسي في السودان ما بين الديمقراطية والسلطوية الشمولية، مجلة الدراسات الأفريقية وحوض النيل، مجلد 5، عدد 17، سبتمبر 2022، ص ص 91-92.

[20] خالد صبار، الحكم الفيدرالي في السودان، مرجع سابق، ص ص 57-58، ص ص 74-82.

[21] حسن الحاج علي، جنوب السودان: الواقع الاجتماعي والتفاعل السياسي، مرجع سابق، ص ص 33-34.

[22]  إبراهيم نصر الدين، دراسات في النظم السياسية الأفريقية، مرجع سابق، ص ص86-91 ، محمد حسب الرسول، أثر انفصال جنوب السودان على الأمن القومي العربي، مرجع سابق، ص ص 18-20.

[23] عبَّرت الحركة عن دوافعها لحمل السلاح بالقول “لقد بلغ الصبر مداه.. وفي يقيننا أننا لن نصل إلى شيء إلا باستخدام القوة.. وسنقوم من الآن فصاعدًا بتحرير أنفسنا.. إننا لا نطلب الرحمة من أحد ولن نمنح رحمتنا أحدًا”، نقلا عن: حسن الحاج علي، جنوب السودان: الواقع الاجتماعي والتفاعل السياسي، مرجع سابق، ص ص 34-35.

[24] محمد حسب الرسول، أثر انفصال جنوب السودان على الأمن القومي العربي، مرجع سابق، ص ص 18-20.

[25] إبراهيم نصر الدين، دراسات في النظم السياسية الأفريقية، مرجع سابق، ص 91.

[26] انظر كلًّا من: المرجع السابق، ص ص 92-95، وجمال ضلع، الأزمة السياسية في السودان، مرجع سابق، ص ص 220-223، وحسن الحاج علي، جنوب السودان: الواقع الاجتماعي والتفاعل السياسي، مرجع سابق، ص ص 37-38.

[27] محسن عوض، أوراق من جنوب السودان: جذور الرفض، أفريقيا: كتاب غير دوري يعنى بالقضايا الأفريقية، (القاهرة: دار المستقبل العربي، العدد الأول أكتوبر 1986)، ص ص 35-36.

[28] Douglas Johnson, The Root Causes of Sudan’s Civil Wars: Peace or Truce, (Suffolk: Boydell & Brewer Ltd, 2011), pp. 88.

[29] حول تلك القوى وغاياتها وأهدافها، انظر: المرجع السابق، ص ص 88-161.

[30] انظر ما يلي:

– تاج السر عثمان، نقد تجربة الإسلام السياسي (1967-2007)، الجزء الأول، الحوار المتمدن، 5 سبتمبر 2009، تاريخ الاطلاع: 2 يونيو 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/csof1nxN

– ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، نقد تجربة الإسلام السياسي (1967-2007) الجزء الثاني، الحوار المتمدن، ، 8 سبتمبر 2009، تاريخ الاطلاع: 2 يونيو 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/DRwgKpaF

[31] جمال ضلع، الأزمة السياسية في السودان، مرجع سابق، ، ص ص 109-114.

[32] خالد صبار، الحكم الفيدرالي في السودان، مرجع سابق، ص ص175-178.

[33] حسن الحاج علي، جنوب السودان: الواقع الاجتماعي والتفاعل السياسي، مرجع سابق، ص ص 40-41.

[34] خالد صبار، الحكم الفيدرالي في السودان، مرجع سابق، ص ص 85-92.

[35] التجاني عبد القادر حامد، دارفور وأزمة الدولة السودانية، في: عبد الوهاب الأفندي وسيدي أحمد ولد أحمد سالم (تحرير)، دارفور: حصاد الأزمة بعد عقد من الزمان، مرجع سابق، ص ص 80-81.

[36] في عبارة لا تخلو من دلالة أشار حسن الترابي زعيم  الجبهة الإسلامية القومية السودانية، في محاضرة له إلى أن السودان في عهد النميري بدأ علمانيًّا تحت حماية الجيش، ولكنه (النميري) انتهى مستجديًا للدعم الإسلامي، انظر: لويس كانتوري وآرثر لوري، الإسلام، الديمقراطية، الدولة، والغرب: ملخص محاضرة وحوار مع الدكتور حسن الترابي، في: قراءات سياسية، مركز دراسات الإسلام والعالم: هارتفورت سميناري كنتيكت، الولايات المتحدة الأمريكية،  العدد الرابع، خريف 1992، ص 12.

[37] انظر: تاج السر عثمان، نقد تجربة الإسلام السياسي (1967-2007)، الجزء الأول، مرجع سابق. محسن عوض، أوراق من جنوب السودان، مرجع سابق، 35-40.

[38] إكرام محمد صالح حامد، خريطة وتوازنات القوى الفاعلة في المشهد السوداني الداخلي، المقال منشور ضمن العدد رقم 107 من دورية “الملف المصري” الإلكترونية، يوليو 2023، تاريخ الاطلاع: ٢٠ يونيو ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/ikRQVg6w

[39] تاج السر عثمان، نقد تجربة الإسلام السياسي (1967-2007) الجزء الثاني، مرجع سابق.

[40] إبراهيم نصر الدين، دراسات في النظم السياسية الأفريقية، مرجع سابق، ص 98.

[41] المرجع السابق، وانظر أيضًا: محسن عوض، أوراق من جنوب السودان، مرجع سابق، ص 46.

[42] خالد صبار، الحكم الفيدرالي في السودان، مرجع سابق، ص ص 94-95.

[43] جمال ضلع، الأزمة السياسية في السودان، مرجع سابق، ص 222.

[44] الواثق كمير (محرر ومترجم)، جون قرنق: رؤيته للسودان الجديد.. قضايا الوحدة والهوية، (القاهرة: المجموعة الاستشارية لتحليل السياسات واستراتيجيات التنمية، 1998)، ص ص 42-43.

[45] حول أبعاد المشروع باختصار، انظر: محاضرة الترابي السالف الإشارة إليها في لويس كانتوري وآرثر لوري، الإسلام، الديمقراطية، الدولة، والغرب، مرجع سابق، ص ص 7-27.

[46] الواثق كمير، جون قرنق، مرجع سابق، ص 34، ص ص40-46، وانظر كذلك: محسن عوض، أوراق من جنوب السودان، مرجع سابق، ص ص30-33 ، ص ص 42-44.

[47] إبراهيم نصر الدين، دراسات في النظم السياسية الأفريقية، مرجع سابق، ص 103.

[48] المرجع السابق، ص 103-107.

[49] راجع: حمدي عبد الرحمن، مستقبل جنوب السودان: التداعيات الجيوسياسية على الأمة الإسلامية، في: حسن الحاج علي وحمدي عبد الرحمن، المشهد في جنوب السودان، مرجع سابق، ص ص 101-114، وحول الخلافات بشأن توزيع الحقائب الوزارية في الحكومة الانتقالية الناجمة عن الاتفاق، انظر: محمد عاشور، مستقبل السلام في السودان، في: محمود أبو العينين، التقرير الاستراتيجي الأفريقي 2004-2005، (القاهرة: معهد البحوث والدراسات الأفريقية، 2006)، ص ص 178-180.

[50] نادية عبد الفتاح، التطورات السياسية في جنوب السودان: إشكاليات العملية السلمية بعد تكوين الحكومة الانتقالية، في: مركز البحوث الأفريقية، التقرير الاستراتيجي الأفريقي، الإصدار الخامس عشر، ص 248.

[51] إكرام محمد صالح حامد، خريطة وتوازنات القوى الفاعلة في المشهد السوداني الداخلي، مرجع سابق، وانظر أيضًا: أماني الطويل، الأزمة السودانية: هل من فرص للاستقرار السياسي؟، مركز البحوث الأفريقية، التقرير الاستراتيجي الأفريقي، الإصدار الخامس عشر، ص 234.

[52] عبد الوهاب الأفندي، مقدمة: عشرة أعوام من الحيرة، مرجع سابق، ص ص 43-46، وللتفاصيل، انظر: الطيب زين العابدين محمد، دارفور: عواقب التفاعل بين جذور الأزمة وتداعياتها، في: عبد الوهاب الأفندي وسيدي أحمد ولد أحمد سالم (تحرير)، دارفور: حصاد الأزمة بعد عقد من الزمان، مرجع سابق، ص ص49-70.

[53] حمدي عبد الرحمن، مستقبل جنوب السودان: التداعيات الجيوسياسيةعلى الأمة الإسلامية، مرجع سابق، ص ص 112-121.

[54] التجاني عبد القادر حامد، دارفور وأزمة الدولة السودانية، مرجع سابق، ص ص 82-86.

[55]  المرجع السابق، ص ص 89-90 .

[56]  محمد عاشور، التطورات السياسية في السودان والأوضاع في مناطق الصراع، في: سلوى درويش وسامي السيد (تحرير)، التقرير الاستراتيجي الأفريقي، الإصدار العاشر 2014-2015، ص ص 79-92.

[57] المرجع السابق، ص ص 92-95.

[58] إكرام محمد صالح حامد، خريطة وتوازنات القوى الفاعلة في المشهد السوداني الداخلي، مرجع سابق.

[59] المرجع السابق.

[60] أماني الطويل، الأزمة السودانية، مرجع سابق، ص ص 235-236.

[61] المرجع السابق، ص ص 238-239، ص ص 244-245.

 

  • نشر التقرير في: فصلية قضايا ونظرات- العدد الرابع والثلاثون- يوليو 2024.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى