الاستجابة الرسمية الأمريكية لأحداث 11 سبتمبر بين الفعل والخطاب

مضت حقبة الحرب الباردة، ودخلت حقبة ما بعد الحرب الباردة، التي تربعت فيها الولايات المتحدة على قمة النظام العالمي كقطب دولي وحيد خاصة بعد حرب الخليج الثانية. ولم تخل هذه الحقبة من تحديات للهيمنة الأمريكية، تمثلت في صعوبات في استصدار بعض القرارات في مجلس الأمن الدولي كالعقوبات الذكية على العراق، وفي الساحة الآسيوية كان التحدي الباكستاني الهندي لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (1)، تلك التحديات وغيرها جعلت البعض يعتقد أن حقبة ما بعد الحرب الباردة حقبة انتقالية، وفي ظل هذه البيئة غير المستقرة، وحيث لم يكن قد مضى على تولى الرئيس بوش الابن سنة، تقع تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر. ففي أقل من مائة دقيقة يعبث بالرموز الأمريكية الاقتصادية والعسكرية، وحينئذ تبدأ حقبة عالم
لقد بدا مشهد اختطاف الأربع طائرات وتفجيراتها التي طالت برجي مركز التجارة العالمي كرمز للقوة الاقتصادية، ووزارة الدفاع الأمريكية كرمز للقوة العسكرية، فضلًا عن سقوط أو إسقاط الطائرة الرابعة بركابها في بنسلفانيا بدا مشهدًا دراميًا؛ فالقوة العظمى الأولى تهان في عقر دارها، وبدت غير قادرة على توفير الحماية لمواطنيها الذين هرعوا إلى الشوارع طلبًا للأمن الذي عجزت عن توفيره أجهزة الدولة،ولم تكن الخسارة الأمريكية قاصرة على الإحباط النفسي الذي تعرض له المواطنون، إنما امتدت إلى المجال الاقتصادي والسياسي والعسكري. وتمثلت الخسارة الاقتصادية في “خسارة البورصة الأمريكية من جراء غلقها أربعة أيام نحو 4 مليارات دولار، وقدرت خسائر الأسهم المتداولة على مؤشر داوجونز 2.5 تريليون دولار، يضاف إليها مؤشر ناسداك التي بلغت الخسائر عليه1.6 تريليون دولار أي أن الإجمالي يصل إلى 4.1 تريليون دولار؛ وبلغت خسائر شركات الطيران 40 مليار دولار، وتم تسريح 100ألف من العاملين، أما الخسائر في موقع الحادث فتقدر بـ105 مليارات دولار، منها 45مليار دولار قيمة المباني التي تم تدميرها”، وكما تقول مجلة الإيكونومست “فقد بلغ عدد العمال المسرحين 415 ألفًا خلال شهر واحد من الحدث المشهود” (2)، هذا فضلًا عن تأثير الأزمة على قطاع التأمين لدرجة تدخل الحكومة الأمريكية، في 21 سبتمبر، وإصدار قانون طوارئ يقضى برد تكلفة التأمين الإضافية خلال الـ180 يومًا التالية إلى شركات الطيران الأمريكية إلى جانب تغطية تكاليف مخاطر الحروب والطيران، إذا تعدت 100 مليون دولار(3).
ورغم هذه الخسائر إلا أنه لا يمكن تجاهل أن الاقتصاد الأمريكي كان يمر بمرحلة تباطؤ، وأن معدل النمو الحقيقي للناتج المحلى الإجمالي قد انحدر فعليًا إلى3% في الربع الثاني من عام 2001، مقتربًا من نفق الركود المظلم الذي دخله بالفعل في أغسطس 2001؛ أي قبل الحدث بشهر. وهذا التراجع نتيجة منطقية للسياسات الاقتصادية اليمينية المتشددة التي انتهجتها إدارة بوش الابن (4)، لذلك لا يزيد تأثير أحداث 11 سبتمبر عن تفجيرات أوكلاهوما في أبريل 1995، والغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990، وفي الحالتين أصاب الاقتصاد الأمريكي بطء في معدلاته استمر ثمانية شهور في حالة أوكلاهوما على سبيل المثال(5)؛ لذلك فإن تفجيرات سبتمبر مقارنة مع هجمات بيرل هاربر، أو صدمات النفط في 73و1980 مجرد لحظة إحصائية لم تكد تغير الاتجاهات الرئيسية، كما يقول روبرت ليتان(6) أحد الاقتصاديين العاملين في معهد بروكنجز، بل يرى أن التفجيرات سارعت بالنهوض الاقتصادي بدفعها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى تخفيض نسبة الفوائد قدرًا أعلى مما كان يمكن القيام به في ظروف أخرى، كما لا يمكن تجاهل تأثير الأزمة على بورصات العالم والاستثمارات، نظرًا لوزن الاقتصاد الأمريكي النسبي الكبير في الاقتصاد العالمي، والذي يصل إلى 30.9% من قيمة الناتج العالمي، المحسوب وفقًا لأسعار الصرف السائدة للدولار في عام 2000 (7).
ومن الناحية السياسية ألقت التفجيرات الضوء على مدى الثقة في كفاءة إدارة النظام السياسي لحكومة بوش، التي اعتلت سدة الحكم في ظل اعتراضات حول مشروعية فوزها في الانتخابات، وبعد التحديد الرسمي لمرتكبي التفجيرات أثيرت المسائل الخاصة بالأقليات العربية والمسلمة، والهجرة،والحريات المدنية الداخلية، أي أن أسس النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة أصبحت محلًا للمناقشة، كما كان للتفجيرات انعكاس سياسي آخر على صورة الولايات المتحدة في العالم الخارجي؛ فالحدث إهانة لدولة عظمى في عقر دارها، وبات واضحًا أنه إذا لم يُتخذ إجراء حاسم فإن ذلك السيناريو قد يتكرر كثيرًا ويستسيغه أعداء الولايات المتحدة، نظرًا لسهولته وقلة تكاليفه، مقارنة بالمواجهة العسكرية المباشرة.
ومن الناحية العسكرية كانت الخسارة رمزية فضرب مبنى وزارة الدفاع، وبالتحديد الجزء الذي يقع فيه مكتب وزير الدفاع تحد خطير، وسابقة لم تقع في تاريخ الولايات المتحدة
إذن كان لابد من اتخاذ إجراء يتناسب مع حجم الحدث، وكان تحديد الفاعل بسرعة ضروريًا، وكان أسامة بن لادن زعيم شبكة القاعدة، الذي تأويه الحكومة الأفغانية هو المسئول عن تفجيرات واشنطن ونيويورك وفقًا لمعلومات استخبارية أمريكية، وهنا تبرز وجهتا نظر حول تحديد الفاعل، باعتبار أن تحديد مرتكب أحداث 11 سبتمبر ضروري في فهم الحدث وتداعياته. أما وجهة النظر الأولى -فلا ترى لتنظيم القاعدة القدرة على القيام بهذه التفجيرات بهذه الكفاءة المتناهية، والتي لم تترك أثرًا، أو بصمة، أو أي دليل جنائي يدين فاعله، وتثير هذه الرؤية الشكوك في الأدلة التي قدمتها الاستخبارات الأمريكية من أشرطة فيديو وخلافه، باعتبار أنه من كان حريصًا ألا يترك أثرًا وقت تنفيذ الحدث فمن باب أولى أن يكون الحرص أعلى لمن لم يشترك في التنفيذ، وبالتالي فليس من المنطقي أن يصور بن لادن (شرائط فيديو) مقَدمًا دليل إدانته بنفسه.
ويدعى تيرى ميسان الكاتب الفرنسي أن أحداث 11 سبتمبر صناعة أمريكية، وذلك بالنظر إلى المستفيد الأول من هذه الأحداث، وذلك في كتابه “الخدعة الكبرى”، ويقول إن أحداث 11 سبتمبر تصب في مصلحة الإدارة العسكرية الصناعية، التي كانت قد تعرضت لهزات لدرجة الدعوة إلى تفكيك مصانعها، وتحويل مجالاتها إلى مجالات مدنية، وبعد التفجيرات صار لاستمرار هذه الصناعة مبرر بعد اختراع عدو جديد، ولا يستبعد اشتراك عناصر المخابرات الأمريكية في التفجيرات، مستشهدًا بخبرات تاريخية تعضد رأيه، منها محاولات كبار الضباط تخريب سياسة كيندي من قبل، ويضيف أن أجهزة المخابرات كانت على علم مسبق بأحداث سبتمبر، التي كان أمرها متوقعًا، حتى إن بروس هوفمان نائب رئيس مركز راند للأبحاث الاستراتيجية قال في مارس 2001: “إنه كان من الممكن في 1993 إسقاط البرج الشمالي على الجنوبي، وقتل 6000 شخص في مركز التجارة العالمي” وذلك قبل وقوع الحدث بستة أشهر (8).
إن ما يقوى الشكوك لدى هذا الفريق هو عدم منطقية تسلسل الأحداث؛ فوزارة الدفاع لم يتم البدء بضربها، بل بعد البرج الشمالي بساعة كاملة، وبعد البرج الجنوبي بأقل من خمسين دقيقة، وبعد وصف بوش للهجمات بأنها هجمات إرهابية واضحة بخمس عشرة دقيقة، وإن أبسط ما يمكن أن يتخذ من إجراءات من قبل أي وزارة دفاع حتى في أقل الدول ضعفًا هو رفع درجات الاستعداد. وكذلك تثار تساؤلات وشكوك حول الطائرة التي اصطدمت بمبنى وزارة الدفاع؛ مثل عدم وجود آثار لطائرة محطمة في موقع الحادث، وكيف لم ترصد شبكة الرادار حول وزارة الدفاع هذه الطائرة؟ ولماذا لم يتم تصوير الطائرة بكاميرات التصوير كما حدث مع طائرتي مركز التجارة العالمي؟، ومن جهة أخرى تثار أسئلة مثل لماذا لم يستقل مدير وكالة المخابرات بعد هذا الفشل الذي أفضى إلى مقتل 5000 شخص؟ وكذلك كيف يصدق انهيار مبنى التجارة العالمي المكون من 110 طابقًا ببرجيه في أقل من ساعتين من (8.45: 10.27) انهيارًا تامًا دونما وجود متفجرات داخل المبنى، حتى لا تترك أي آثار ومعلومات تدل على مرتكبي عملية التفجير؟.
ويضاف إلى هذه التساؤلات عدم التصديق بأن ستة أشهر من التدريب على الطيران تنتج هذه الكفاءة التي ظهر بها مرتكبو أحداث 11 سبتمبر؛ الأمر الذي لم يقره المتخصصون (9)، وبماذا يفسر تغيب 4 آلاف يهودي يوم وقوع الحدث؟ بالإضافة إلى هذا فإن التفجيرات تمت تحت أعين المخابرات، التي كانت تراقب المجموعة التي نفذت الهجمات منذ مارس 2001، وكانت قد قدمت لبوش ملفًا في 6 أغسطس 2001 بتوقع مثل هذه الهجمات(10) حتى إن عباس موسوي المشتبه به رقم 20 في أحداث 11 سبتمبر، اعتقل في 17 أغسطس 2001 للشك في نواياه باستخدام طائرة في تفجير مبان.
وهناك تفسيرات لهذا المنحى التآمري:
1-تعاون اليمين المتطرف، والعناصر اليهودية، وبعض أجهزة الاستخبارات ذاتها لإحراج الرئيس بوش، وفرض أجندة اليمين المتطرف على أولويات الولايات المتحدة السياسية؛ حيث لوحظ تعطيل متعمد لرد فعل القوات الجوية، والدفاع الجوى، فضلًا عن غياب فاعلية أجهزة الاستخبارات (11)، ولا يستبعد في هذا الصدد أن تستخدم العناصر الإسلامية كواجهة للهجوم، كما قال الشيخ أحمد ياسين زعيم حركة حماس الفلسطينية، ومصلحة اليمين الأمريكي في هذا فرض أجندته المتطرفة الدينية والقومية، ومصلحة العناصر اليهودية التملص من التزامات المعاهدات الدولية التي وقعتها إسرائيل مع الفلسطينيين؛ حيث كان لابد من تقديم تنازلات حقيقية في هذه المرحلة، ومن ناحية أخرى وصم المقاومة الوطنية في فلسطين بالإرهاب، وصرف النظر عن تجاوزات إسرائيل في تعاملها مع القضية الفلسطينية، ناهيك عن الآثار السلبية على الوجود المسلم في الولايات المتحدة، وهو الوجود الذي يتنامى.
2-وهناك من يبرر ذلك التآمر بأن انهيار الاتحاد السوفيتي قد خلق بيئة ملائمة لاستغلال الفراغ الناجم عن غياب قوة قطبية رادعة، وبالتالي فهي فرصة تاريخية لزيادة القوة الأمريكية، ولكن كان ينقصها المبرر، ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة كانت تعتبر أن منطقة وسط آسيا وخاصة أفغانستان والمناطق المحيطة بها نقطة ضعف رئيسية لحلف الأطلنطي(12)، لما لهذه المنطقة من أهمية استراتيجية واقتصادية، لذا فقد حان الوقت للتحرك للسيطرة عليها بحجة إيواء طالبان للقاعدة.
3-وهناك من رأى أن القضية ليست زيادة القوة، وإنما المحافظة عليها؛ حيث كان للاقتصاد الأمريكي سمة تسارعية في التراجع، كما أثبتت ذلك الدراسات التي توصلت إلى أنه في الثلاثين سنة الماضية شهد استقرار البناء الاجتماعي الأمريكي تراجعًا، وشهد زيادة في النفقات العسكرية لا يقابلها زيادة على مستوى النمو الاقتصادي(13)، وفي ظل هذا التراجع فإن التواجد العسكري الفعلي للولايات المتحدة في المحاور الاستراتيجية، وبالقرب من المنافسين المحتملين يساعدها في حماية تجارتها، ووأد الاتجاهات التحررية، ومنع ظهور منافس على قمة النظام العالمي مستفيدة بذلك من خبرة إنجلترا ؛حيث إن مستعمراتها أضافت إليها قوة في مواجهة ألمانيا التي كانت تسعى لتغيير الخارطة السياسية وفقًا لمستجدات في موازين القوى إبان الحرب العالمية الثانية؛ وبناء على ذلك فإن ذريعة محاربة الإرهاب في كل العالم ذريعة ملائمة للهيمنة على العالم.
أما وجهة النظر الثانية فترى أن شبكة ابن لادن هي التي ارتكبت هذه التفجيرات، ويرون أن أعضاء شبكة القاعدة ليسوا هواة، وإنما مدربون في كهوف أفغانستان، ولهم سوابق في تدمير أهداف أمريكية؛ مثل المدمرة كول التي هي بمثابة مدينة عسكرية يصعب على الهواة الوصول إليها، هذا فضلًا عن تدمير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في نفس اللحظة، كما أننا يجب أن نقر أن هناك حركات إسلامية موجودة تؤمن بأن السلاح سوف يصل بها إلى أهدافها، وما حدث مرتبط فعلًا بمشروع سياسي موجود،له جوانب كاملة تنظيمية ومالية وعقائدية، ويعبر عن نفسه.
كما يرى هذا الفريق أن الولايات المتحدة لم تستفد من أحداث سبتمبر، بل أضعفت التفجيرات هيبتها، ولا يعتقد هذا الفريق في التفسير التآمري للأحداث(14).
ويمكن تصور استجابة الولايات المتحدة للحدث في هذا الاتجاه بالنظر إلى النظام الدولي وكأنه مركب يقف عليه القطب الدولي، فإذا ما اهتز المركب فلابد أن يتحرك القطب الدولي معه بنفس الدرجة وإلا سقط، وهو ما يعرف في أدبيات النظام الدولي بالقدرة على التكيف وتحقيق التوازن، ولكن يبقى سؤال من الذي هز المركب في أحداث 11 سبتمبر؟ ويمكن استنباط الإجابة من الرد الذي ستقوم به الولايات المتحدة؛ فإذا كان الرد قاصرًا على الانتقام، فإن ذلك سيعيد النظام إلى توازنه، وبالتالي يصدق الرأي القائل بارتكاب القاعدة للتفجيرات، أما إذا استمرت الهزات في صورة: “هزة فإحداث توازن فهزة أخرى”؛ حينئذ يكون التفسير أن الولايات المتحدة تحاول خلق إثارات فاستجابات؛ حتى تظل في حركة دائمة متحكمة في تشكيل مستقبل النظام الدولي.
وتسعى هذه الدراسة إلى اكتشاف ما إذا كانت الردود الأمريكية على أحداث 11 سبتمبر مجرد رد فعل انتقامي، أم أنها كانت ردودًا استراتيجية؟ وذلك من خلال رصد الاستجابات الأمريكية الرسمية في تطورها الزمني، بالتركيز على الإدارات الفاعلة كالبيت الأبيض، ووزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، والتي تتضمن مستويين:-
أ-مستوى الإجراءات والأفعال، وتنقسم إلى، محاور دبلوماسية، وعسكرية، ومالية وإعلامية، وإنسانية، فضلًا عن الإجراءات الداخلية(15).
ب-مستوى الخطاب المصاحب للأفعال والتحركات.
وتشير الدراسة إلى أنها سوف تستخدم آليات جديدة في التعامل مع الخطاب السياسي لم تستخدم من قبل أما الآلية الأولى فهي الاستفادة من آليات نقد النص الأدبي، وذلك بتحليل الجملة الثقافية بوصفها جملة كاشفة ومعبرة، فهي كاشفة عن النسق وهي محدثة بلسانه، وذلك بإعمال النسق المضمر لكشف الجملة الثقافية المتحكمة في الخطاب(16). ويرجع استخدام هذه الآلية لكشف حضور البعد الثقافي في الخطاب. أما الآلية الثانية فهي الاستفادة من آليات فقهية للتعامل مع النص(17)؛ مثل التحليل بكيفية الدلالة (دلالة الإشارة، ودلالة العبارة،ودلالة الفحوى، ودلالة المخالفة)، وهل المعاني ظاهرة أم خفية، كناية أم حقيقة؟ وتجدر الإشارة إلى أن تحليل الخطاب لن يكون بالعمق الكافي؛ لأن ذلك يحتاج بحثًا مستقلًا.
ويتم ذلك التناول من خلال الاعتبار بالتطور الزمني للتحركات الأمريكية في ظل المراحل الآتية:-
1- مرحلة أزمة، وتبدأ من وقوع الحدث في 11 سبتمبر، وحتى بدء الضربة الأمريكية لأفغانستان في 7 أكتوبر.
2- مرحلة حرب، وتبدأ من 7 أكتوبر، وتنتهي افتراضيًا في 5 ديسمبر بعقد اتفاق بون حول تشكيل حكومة أفغانية انتقالية.
3- مرحلة مركزة، وهي مرحلة الإعداد لتولى الحكومة الانتقالية الأفغانية وتبدأ من 5 ديسمبر، وتنتهي في 22 ديسمبر بتسلم الحكومة الأفغانية الانتقالية مقاليد إدارة أفغانستان.
وذلك بهدف الإجابة على التساؤلات البحثية الآتية:-
1-هل تدير الولايات المتحدة العالم بالأزمات، أم أنها تدير أزمة؟
2-إلى أي مدى كانت الاستجابة الرسمية، أو التحركات مبتكرة؟ وإلى أي مدى كانت تكرارًا تاريخيًا؟
3-إلى أي مدى كان البعد الحضاري، والتحدي الثقافي حاضرًا في الخطاب الرسمي؟
4-هل كان الخطاب الرسمي متسقًا مع التحركات الفعلية للإدارة الأمريكية، وكيف يبرر هذا التناقض أو الاتساق؟
5-هل كان هناك اختلاف في مواقف الإدارة الأمريكية بين الصقور والحمائم حول التعامل مع نتائج أحداث 11 سبتمبر؟
ولا تغفل الدراسة الكشف عن مدى انعكاس تداعيات الحدث، وتعامل الإدارة الأمريكية معه على أوضاع الأمة، ومدى ما شكله الحدث من تحديات خلال تداعياته.

المرحلة الأولى: مرحلة الأزمة

وتعرف الأزمة الدولية بأنها حالة تتميز بالتوتر الشديد، والوصول إلى مرحلة حرجة تنذر بالانفجار في العلاقات الطبيعية بين الدول، ومن ثم تشكل طورًا متقدمًا من أطوار الصراع الدولي الذي يبدأ بالمساجلات الكلامية، ويتدرج حتى يصل إلى الاشتباكات العسكرية، ويفرق البعض بين إدارة الأزمة، وإدارة الصراع وفقًا للجوء إلى الوسائل العسكرية؛ فالأزمة في إدارتها تسعى لتجنب اللجوء إلى الحرب غير أن الولايات المتحدة قد درجت على إطلاق اسم الأزمة على حروب حقيقية مثل الحرب، الكورية، والفيتنامية خلافًا للتعريف العلمي للأزمة باعتبارها المرحلة السابقة على الحرب مباشرة، وذلك لاعتبارات تتعلق بالهيبة الأمريكية، والتي كان سينال منها إلى حد كبير اعترافها بالتورط في حرب سافرة ضد دولتين صغيرتين، ولا سيما بعد النتائج المأساوية التي أسفرت عنها الحربان(18).
وتفترض إدارة الأزمة تحديد الأهداف، والحرص على عدم إحراج الخصم، والتصعيد التدريجي للردع، أو ما يعرف بالخيارات المرنة، وإتاحة الوقت الضروري للخصم للتدبر وتوسيع نطاق المشاورات، وإحكام قبضة القيادة السياسية على القرارات، وتوسيع قاعدة الدعم اللازم للقرار، وتعزيز الاتصالات(19). هذه المبادئ سوف يتم تطبيقها على معالجة الإدارة الأمريكية للأزمة الناشئة عن تفجيرات سبتمبر. بينما تعنى الإدارة بالأزمات “لجوء طرف في علاقة ما إلى تغيير الوضع الراهن لهذه العلاقة إذا ما اعتقد أن له مصلحة في ذلك بافتعال المشكلات وشروطها:(20) 1-وجود تفاوت كبير في ميزان القوى لصالح مدبر الأزمة 2-هدف إدارة الأزمات عدم تصعيدها إلى صراع سافر 3-ليس قدرة مدبر الفعل على السيطرة على تداعياته.
ولقد أدارت الحكومة الأمريكية أحداث سبتمبر في أجواء الأزمة ففي 11 سبتمبر يختبئ بوش وتشيني وكبار المسئولين في أماكن سرية خوفًا على حياتهم، وتحسبًا لهجمات بيولوجية، ثم تغلق ناسا مركز كيندي للفضاء بفلوريدا، وعلى الفور يتم إعلان خطة طوارئ فيدرالية، وتصدر الأوامر بإسقاط أي طائرة مشبوهة في 12 سبتمبر، وفي 18 سبتمبر يشكل بوش فريقًا مكونًا من وزير الخارجية باول، ووزير الدفاع رامسفيلد، ونائب الرئيس ديك تشيني، ومستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس، ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية جورج تينت، ورئيس الأركان ريتشارد مايرز، ويعهد بوش لنائبه العمل كوزير حرب، هذا الفريق يشبه إلى حد كبير فريق العمل الذي شكله كيندي لإدارة الأزمة الكوبية في الستينيات. ويلاحظ على فريق بوش الادعاء بانقسامه إلى صقور وحمائم؛ فوزير الخارجية يمثل الحمائم التي ترى أن الحرب يجب ألا تتعدى أفغانستان؛ وذلك للمحافظة على التحالف الدولي المزمع إنشائه، على حين يرى فريق الصقور (تشيني- رامسفيلد- كونداليزا رايس) ضرورة امتداد الحرب لتأكيد هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، ولا يعبأون كثيرًا بمساندة الأمم المتحدة أو بالتحالفات الدولية(21). ولا يستبعد في نظر البعض أن يكون التقسيم إلى حمائم وصقور جوهره إرضاء المتشددين من جانب، ورسم واجهة مقبولة من جانب آخر، ويمكن رصد استجابة الإدارة الأمريكية للتعامل مع الحدث في هذه المرحلة على مستويين مستوى الفعل، ومستوى الخطاب كما سبق تحديده.
أولًا-الأفعال والإجراءات السياسية والإجراءات الأمريكية في مرحلة الأزمة
أما الإجراءات الدبلوماسية فإنه من المفترض أن تستخدم الأداة الدبلوماسية لحل الأزمة أولًا، ثم التلويح بتكوين ائتلاف دولي ثانيًا، إلا أن الملاحظ هو أن الهدف الأساسي من استخدام هذه الأداة كان تكوين ائتلاف دولي ضد الإرهاب أولًا كما تدعى الإدارة الأمريكية، أما على الجانب الآخر، وهو ما يتصل بجهود حل الأزمة يلاحظ أن الولايات المتحدة لم تكن قد أعلنت عن أهدافها بعد؛هل هي تهدف إلى تسليم أسامة بن لادن لها فقط، أم تسليم أسامة، وشبكة القاعدة كلها، وغلق قواعد الإرهاب في أفغانستان، كما ورد في خطاب بوش أمام الكونجرس في 20 سبتمبر؟
وعكس مبادئ إدارة الأزمة فلم تكن هناك قنوات اتصال مباشرة مع طالبان، وإنما كان هناك وفد باكستاني لم يكن لطالبان أن تقبل توصياته بعد اتخاذ الحكومة الباكستانية موقفًا مؤيدًا للجانب الأمريكي، وبعد تهديد برويز مشرف لطالبان في 16 سبتمبر بضرورة تسليم ابن لادن في مدة ثلاثة أيام، ثم تعهده بمساندة العمل العسكري الأمريكي ضد طالبان، ونشر قواته على الحدود الأفغانية في 17 سبتمبر؛ لذا كان دور الوفد الباكستاني بلا جدوى، وعلى الجانب الآخر فإن الإدارة الأمريكية لم تجب على طلبات حكومة طالبان بالتفاوض حول تسليم أسامة بن لادن؛ حيث أعلنت طالبان في 12 سبتمبر أنها ستسلم ابن لادن لواشنطن إذا ثبت تورطه في الاعتداءات؛ ذلك لأن طالبان على حد قولها تدين الإرهاب بكل صوره، مع التأكيد على اعتقاد الحركة بأن بن لادن غير متورط؛ وذلك في رد على أجهزة الإعلام الغربية وبعض المسئولين؛ كباول ووزير العدل أشكروفت الذين سارعوا باتهام ابن لادن، ثم قال الملا عمر إن بن لادن لا يستطيع القيام بهذا العمل؛ لأنه لا يمتلك الإمكانات لذلك،ومع ذلك لم يخف الملا عمر توقعه أن تتعرض أفغانستان لضربة أمريكية كبيرة(22). وذلك من واقع خبرته من تعامل الولايات المتحدة مع مثل هذه الأزمات؛ حيث وجهت لأفغانستان ضربة جوية بعد انفجاري كينيا وتنزانيا في 1998.
وفي 18 سبتمبر اشترطت طالبان تقديم أدلة دامغة لتسليم ابن لادن بشرط محاكمته في بلد محايد، لكن واشنطن لم تستجب لهذه النداءات، وزاد إحراج الولايات المتحدة لطالبان رفضها المتتالي لكل المبادرات، ولم تجد حكومة طالبان بدًا من أجل تلمس مخرج إلا أن طلبت اجتماع مجلس العلماء، الذي يمثل أقاليم أفغانستان الـ32، لكن المجلس طلب من بن لادن مغادرة أفغانستان طواعية ورفض تسليمه لواشنطن؛ حتى قال وزير الإعلام الأفغاني قدرة الله جمال إن أفغانستان لا تستبعد تخطيط بن لادن للهجمات، إلا أنها ستحتاج إلى أدلة دامغة حتى يمكنها تسليمه في محاولة لإيجاد حل، وكان رد واشنطن أنها ترفض تقديم أدلة، وتستمر محاولات طالبان في إيجاد مخرج فتصدر الحركة قبل خطاب بوش أمام الكونجرس في 20 سبتمبر طلبًا بالتفاوض حول تسليم ابن لادن، إلا أن خطاب بوش أمام الكونجرس جاء بصيغة آمرة بلا خيارات أن تسلم طالبان بن لادن وشبكته، وتغلق معسكرات الإرهاب لديها فكان رد حركة طالبان رفض تسليم ابن لادن، وتحاول حركة طالبان أن تثبت للعالم أن الولايات المتحدة لا تهدف إلى القبض على ابن لادن فقط، فتناور الحركة بزعم أن أسامة بن لادن اختفى من أفغانستان في 23 سبتمبر، فترد كونداليزا رايس بأن اختفاء ابن لادن لن يثنى الولايات المتحدة عن خططها العسكرية.
وفي 2 أكتوبر يأتي إنذار أمريكي بريطاني لطالبان بالحرب، أو تسليم ابن لادن، ويقول المتحدث باسم البيت الأبيض: “إن الرئيس بوش قال بوضوح لا للمحادثات، لا للمفاوضات، وإنه ينبغي اتخاذ إجراء”(23)، وبلغ من الاستهانة بطالبان أن عمدت الولايات المتحدة إلى التوفيق بين تحالف الشمال والملك ظاهر شاه، في إشارة إلى عزم الولايات المتحدة خلع طالبان، وذلك في نهاية سبتمبر.
وهكذا يري في إدارة الولايات المتحدة للأزمة أن أهدافها لا تبدو محددة (على الأقل الأهداف المعلنة)، وأنها تتعمد إحراج الخصم، ولا تعرض عليه خيارات مرنة، ولا تتيح له وقتًا للتفكير، ولا تخلق معه قنوات اتصالية، وعلى ذلك فإن الولايات المتحدة لم تكن تدير أزمة وفقًا لمبادئ إدارة الأزمة المحددة سلفًا، بينما نجد أن الجهود الدبلوماسية كانت موجهة لتشكيل ائتلاف دولي، ويحدد تقرير البيت الأبيض التطورات الدبلوماسية حتى بداية أكتوبر(24) في:موافقة روسيا على تبادل المعلومات، وفتح مجالها الجوى أمام المساعدات الإنسانية، وموافقة الصين على تبادل المعلومات، وموافقة الهند على دعم عام للعمليات، أما اليابان فتقدم دعمًا لوجستيًا ودبلوماسيا،ً وتقدم مساعدات لباكستان، أما أستراليا فعرضت المشاركة بالقوات، والإمارات والسعودية قطعتا العلاقات الدبلوماسية مع طالبان، أما باكستان فقدمت التعاون والاستجابة للمطالب العامة بتقديم الدعم والمساعدة، بالإضافة إلى حصول الولايات المتحدة على موافقة 27 دولة على منح الولايات المتحدة حق التحليق والهبوط الآمن، و46 إعلانًا متعدد الجنسيات بتأييد الولايات المتحدة، وحلف الأطلنطي يطبق البند الخامس من ميثاق حلف شمال الأطلنطي، ومجلس الأمن يصدر قرارًا بتعقب الإرهابيين، ومن يوفر الدعم لهم
ويمكن القول إن الجهد الأكبر في تكوين الائتلاف الدولي وقع على عاتق باول، وقد كانت جهوده قائمة على استنهاض القوى الحليفة، والممثلة في حلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، واستصدار قرارات من الأمم المتحدة، وضمان تأييد الحكومات العربية، ودول الجوار الأفغاني ومحيطها الإسلامي فضلًا عن تطويع مواقف الدول غير الحليفة كروسيا والصين وإيران؛ فأما الاتحاد الأوروبي فقد استطاعت الولايات المتحدة دفعه إلى التسليم بالشق الأكبر من الرؤية الأمريكية، وهو ما تبلور عقب لقاء وزير الخارجية الأمريكي مع وزير خارجية بلجيكا في 21 سبتمبر، فضلًا عن التقائه خافير سولانا- الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي- حيث أصدرا إعلانًا مشتركًا تعهد فيه الجانبان بالعمل في إطار شراكة ضمن ائتلاف واسع؛ لمحاربة الإرهاب، وذكر باول أن هذه الشراكة ستشمل استخدام وسائل تشريعية، وإجراءات أمنية، وتبادلًا للمعلومات الاستخباراتية(25).
أما الأمم المتحدة فلقد أصدر مجلس الأمن القرار 1368 في 12 سبتمبر، والقرار 1373 في 28 سبتمبر الذي يلزم جميع دول العالم بقطع كل وسائل الدعم للشبكات الإرهابية، ويتضمن تجميدًا لأموال الإرهابيين، والإنذار المبكر، وعدم توفير ملاذ آمن للإرهابيين. ويرى البعض أن قرارات الأمم المتحدة تهمش القانون الدولي؛ لأنها تحدد التزامات على الدول لاتخاذ مواقف من الإرهاب دونما تحديد للمقصود بالإرهاب، كما أنه لم يتم العمل من خلال المادة 42 من الميثاق والخاصة باستخدام القوة(26).
أما الأنظمة العربية فكان باول حريصًا على الحصول على تأييدها، وإن جاء موقفها متحفظًا؛ لأن المشاركة في هذه الحرب قد تؤجج معارضة الجماعات الإسلامية، التي عانت منها كثيرًا، كما أن الحرب التي سيشنها الائتلاف الدولي قد تمتد لتشمل منظمات تعتبرها كثير من الأنظمة العربية حركات مقاومة مشروعة ضد المحتل الإسرائيلي، علاوة على أن الولايات المتحدة تتخذ موقفًا لا مباليًا بالأعمال العسكرية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، كما أن عمليات الائتلاف الدولي المزمع تكوينه، قد تستهدف بعض الدول العربية المعارضة لسياسات الولايات المتحدة كالعراق(27).
أما دول الجوار الأفغاني كباكستان، ودول آسيا الوسطى، والدول الإسلامية المجاورة كإندونيسيا فلم يكن أمام أي منهم خيار غير التعاون؛ فأما باكستان فقد تم مطالبتها بإغلاق الحدود مع أفغانستان البالغة 1500 كيلو متر، ووقف إمدادات حركة طالبان بالوقود، والسماح لطائرات حربية أمريكية باستخدام قواعد جوية باكستانية في حالة طلب ذلك، وكان الخيار البديل لباكستان -وهو عدم التعاون مع الولايات المتحدة- يعنى ألا يصبح سلاحها النووي في مأمن، وفقدان حياد الولايات المتحدة في قضية كشمير(28)،وغير ذلك من الاتهامات الجاهزة في القوائم الأمريكية،
أما دول آسيا الوسطى: فلقد غيرت مواقفها عدة مرات من الائتلاف حيث كان موقفها ورقة مساومة تستخدمها روسيا؛ حيث أرسل بوتين فلاديمير روشايلو رئيس مجلس الأمن القومي إلى آسيا الوسطى لتنسيق المواقف من الائتلاف؛ وقد انتقل الموقف الروسي متدرجًا من التوجس إلى التسليم الكامل، والموافقة على الحملة الأمريكية؛ حيث طالب بوتين في 17 سبتمبر أن يكون الرد العسكري، متوازنًا ومتوافقًا مع القانون الدولي، مؤكدًا أنه لن يشارك في الرد العسكري، وظهر ضغط روسيا على تركمنستان، التي قال رئيسها صابر نيازوف إن بلاده ستقف على الحياد، ولن تقدم أراضيها بعد أن كان قد أعلن في بداية الأزمة عرض مطار بلاده الذي يبعد 70 كيلو من أفغانستان للاستخدام الأمريكي، ثم عاد في نهاية سبتمبر بضغط من روسيا أيضًا، وأعلن استعداد بلاده لتوفير جسور جوية للرحلات الإنسانية للمنطقة(29)، ولم تعترض قيرغيزستان على توفير ممرات جوية للطائرات المشاركة، كما لم تعترض أوزبكستان على توفير قاعدة عسكرية انطلقت منها القوات البرية الأمريكية.
إذن فروسيا التي كانت ترفض تمركز أي قوات تابعة لحلف الأطلنطي في آسيا الوسطى على لسان وزير الخارجية الروسي سيرجى ايفانوف في 15 سبتمبر، تراجعت في 2 أكتوبر ليقول بوتين إنه يؤيد قيام الولايات المتحدة بعمل عسكري ضد قواعد الإرهاب، وإن موسكو لا تحتاج إلى أدلة إضافية حتى تنضم إلى الكفاح ضد الأعمال الإرهابية، وهنا يتضح أن ضغطًا واسعًا قد مورس على روسيا، ويعلل ذلك توقيعها اتفاقًا للتعاون العسكري مع إيران، بعد إعلانها التعاون مع الولايات المتحدة.
ويرى البعض أن هناك تطورًا في موقف الولايات المتحدة الاستراتيجي تجاه آسيا الوسطى بعد الحادي عشر من سبتمبر؛ ذلك أن سياستها قبل الحادي عشر من سبتمبر كانت قائمة على تحجيم النفوذ الروسي في منطقة آسيا الوسطى إلى أقصى درجة، عن طريق إغراء دول آسيا الوسطى بالابتعاد عن المظلة الأمنية الروسية بوسائل مختلفة؛ منها الإغراءات الاقتصادية وغيرها، كما كانت سياستها تقوم أيضًا على الحد من النفوذ الإيراني في آسيا الوسطى مقابل تشجيع النفوذ التركي، والحد من إمكانية استفادة روسيا وإيران من ثروات بحر قزوين، واستبعاد الصين من التدخل في شئون هذه المنطقة، أما بعد 11 سبتمبر،بعد أن ثبت للولايات المتحدة أنها لن تستطيع تنفيذ عملياتها العسكرية دون تعاون روسيا، فإن سياستها تقوم على الاعتراف بأن منطقة آسيا الوسطى والقوقاز منطقة نفوذ روسي، وإدخال الحرب في الشيشان في نطاق الحرب ضد الإرهاب، والتعامل مع روسيا بوصفها شريكًا مهمًا في صنع القرارات الدولية(30)، إلا أن الحقيقة أن روسيا لم يكن لديها خيار، ولم تستطع مواجهة عزم الولايات المتحدة في التواجد العسكري في المنطقة؛ فأصبح لسان حال بوتين “بيدي لا بيد بوش”، وإن كان من مصلحة روسيا إقصاء حركة طالبان عن الحكم؛ ذلك لأنها حركة تهدد استقرار منطقة آسيا الوسطى بسبب توجهها الأيديولوجي، الذي يلقى استجابة من شعوب المنطقة وحركاتها السياسية، ذلك أن المنطقة تعج بالحركات الإسلامية الناشطة، التي يمكن أن تخرج المنطقة من عباءة روسيا الثقافية والاستراتيجية. أما إيران فقد أغلقت حدودها مع أفغانستان، وهو ما شكل ضغطًا على حكومة طالبان، كما فتحت أجواءها لنقل المساعدات الأمريكية الإنسانية، وذلك بهدف أخذ مصالحها في أفغانستان في الاعتبار بعد إقصاء حركة طالبان(31)، ومن الجدير بالذكر أن التعاون الإيراني يعطى الولايات المتحدة ورقة ثقافية تتلاعب بها، وهي ورقة الخلاف السني الشيعي، ولم تفعل الولايات المتحدة الكثير لكسب الصين؛ لأنه لم يكن لديها اعتراض؛ حيث إن الأجدر بالحذر هي روسيا، وكان عدم اعتراض الصين يعنى إمكانية المساومة بموقفها لضمان صمت الولايات المتحدة على قمعها للحركة الإسلامية في تركستان الشرقية.
أما إندونيسيا كدولة في محيط أفغانستان الإسلامي، بها حركة إسلامية فاعلة؛ فقد زارت الرئيسة ميجاواتي الولايات المتحدة بعد نحو أسبوع من أحداث 11 سبتمبر، وتم تخصيص 400 مليون دولار لتشجيع التبادل التجاري والاستثماري، وتخصيص 100 مليون دولار على شكل امتيازات تجارية؛ وذلك لكسب تأييدها.
ولم تكن مهام الدول في هذا الائتلاف واحدة؛ حيث اختلفت المهام من مجرد قطع مصادر التمويل والتعاون الاستخباراتي إلى المشاركة بقوات عسكرية، وادعى بوش أن قوة هذا التحالف ترجع إلى أن الحرب القادمة ليست بين اليهودية أو المسيحية والإسلام(32)، وقبل الحرب بيومين صدرت قائمة الإرهاب، التي وضعتها وزارة الخارجية، والتي طالبت الحكومات الأجنبية بالاسترشاد بها لمحاربة الإرهاب على حد زعمها، كما برز البعد الدبلوماسي أيضا لدى وزير الدفاع رامسفيلد بزيارته لعمان ومصر والسعودية وأوزبكستان، وذلك في 2 أكتوبر مستبعدًا زيارة إسرائيل؛ مما يعنى استبعاد إسرائيل من الائتلاف الدولي لمحاربة أفغانستان.
أما الإجراءات الإعلامية فيلاحظ أن استخدام الأداة الإعلامية كان ضروريًا، وذلك لتعبئة الرأي العام العالمي، واستخدم بوش وسائل الإعلام استخدامًا كثيفًا، ومن خلال كلمته الإذاعية الأسبوعية استطاع أن يحصل على شعبية تصل إلى 86%، وهي شعبية لا يفوقه فيها إلا والده بعد حرب الخليج (89%)، وأداء ترومان يوم تحرير أوروبا (87%)(33). وتعددت المؤتمرات الصحفية واللقاءات التليفزيونية، ولقد كشفت مؤسسة نيلسن للأبحاث في مجال الإعلام أن نحو 60.5 مليون شخص داخل الولايات المتحدة تابعوا التغطية التليفزيونية للهجوم الإرهابي على المنشآت الأمريكية على شبكات التليفزيون الرئيسية الثلاثة، وهو ما يزيد بنسبة 47% على عدد المشاهدين في الفترة الزمنية من العام السابق، وأن الشبكات التليفزيونية الثلاثة (ABC- CBS- NBC) أصبحت أشبه فعليًا بالشبكات الإخبارية المتخصصة(34). وفي هذه المرحلة أشار بوش إلى أن دور وسائل الإعلام لن يكون مثلما كان في الحروب السابقة قائلًا: “إن الحملة قد تشهد عمليات سرية لا يبثها التليفزيون”(35)، وترجع جذور تلك السرية إلى قانون حرية المعلومات، الذي أصبح ساري المفعول اعتبارا من 4 يوليو 1967، ورغم أن لكل مواطن الحق، وفقًا لهذا القانون ف الاطلاع على سجلات أي إدارة حكومية يعنيه نشاطها؛ فإن القانون يسمح باستثناءات عدة، وأهم هذه الاستثناءات هي تلك التي تنطبق على العناصر الأساسية لبنية السلطة القومية منها المعلومات التي يرى الجهاز التنفيذي ضرورة الإبقاء عليها سرية من أجل المصلحة القومية، في مجال الدفاع، أو السياسة الخارجية(36).
ولقد كشفت لجنة الاستماع التي عقدتها إحدى اللجان الفرعية بالكونجرس عام 1971، أن هناك عشرين مليون وثيقة سرية محظور الاطلاع عليها داخل الجهاز الفيدرالي، وعلاوة على ذلك فإن الأرشيف القومي يضم ما يقدر بـ160 مليون صفحة من الوثائق السرية يرجع تاريخها للفترة من سنة 1946 إلى 1954(37).،
ومن السوابق التاريخية التي تعضد مسلك استخدام الولايات المتحدة لآلية التعتيم الإعلامي في عملياتها العسكرية “منعها تدفق أي تقارير، أو صور خلال الساعات الست والثلاثين الأولى قصف الكوريللو، وهي الضاحية التي كان يوجد بها مقر قيادة رئيس بنما؛،حيث قتل ما لا يقل عن300 مدني في الهجوم، غير أن أحدًا لم يتمكن من تسجيل الأحداث”،وفي حرب الخليج الثانية لم يكن هناك أي توثيق للقتال الحقيقي بالصور على حد قول روبرت شنتيزلين (محرر صور لوكالة رويترز). أما عن وزارة الخارجية فقد اعترضت على بث مقابلة مع زعيم حركة طالبان مع إذاعة صوت أمريكا(38)، وألغى البث على إثرها، بينما استخدمت وزارة الدفاع 6 طائرات سي 130 للعمل للبث الإذاعي المتحرك في الحرب النفسية على طالبان(39).
أما الإجراءات المالية المتخذة فقد اهتمت الولايات المتحدة بتجميد ووقف الإمدادات المالية لتنظيم القاعدة؛ لحرمانه من مصادر القوة، ولقد حدد البيت الأبيض التطورات في استخدام التدابير المالية حتى بداية أكتوبر في تبنى مجلس الأمن القرار رقم 1373، الذي يطالب بتجميد أموال الأشخاص الذين يرتكبون أعمالًا إرهابية، وكذلك القيام بتجميد 30حسابًا مصرفيًا لتنظيم القاعدة في الولايات المتحدة، و20 دولة أخرى، إضافة إلى إدراج أسماء 27 فردًا ومنظمة يشتبه ارتباطهم بتنظيم القاعدة، وتجميد 6 ملايين دولار من أموال الإرهابيين؛ حيث وقلٌَع بوش في 24 سبتمبر أمرًا رئاسيًا بحرمان الإرهابيين من ودائعهم المصرفية الداعمة لنشاطاتهم، وقد خول القرار وزارة المالية سلطات واسعة؛ لتستهدف البنية الداعمة للمنظمات التي تراها واشنطن إرهابية، وقد جمد قبل ذلك التاريخ بأسبوع ممتلكات أسامة بن لادن.
وعلى هذا فإنه قد تم تجميد حسابات وأصول من يشتبه في مساندتهم للإرهاب من وجهة نظر الولايات المتحدة، وهناك سوابق تاريخية لاستخدام هذه الأداة في الصراع؛ مثل تجميد أموال إيران في البنوك الأمريكية أثناء أزمة الرهائن في 1979-1980، وكذلك تجميد الأموال العراقية أثناء حرب الخليج الثانية، ولعل في هذا إنذارًا للأموال الإسلامية في بنوك الولايات المتحدة التي لا يستبعد تعرضها للقرصنة بالتجميد، والمصادرة.
أما على مستوى الإجراءات الداخلية فكان لابد من تحديد مرتكب الأحداث سريعًا؛ وذلك لتهدئة الرأي العام، حتى لو اضطرت الإدارة إلى تقديم كبش فداء، وكان ضغط الرأي العام قويًا ومن المعروف أن الإدارة السليمة للأزمة يجب أن تتحرر من ضغوط الرأي العام، ولكن ذلك لم يراع، والحقيقة أن بوش لم يكن أول من ألقى الاتهام على بن لادن، ومنظمة القاعدة ولكن كان باول، ومن قبله أشكروفت(40)، واستمرت جهود التحقيقات؛ ففي 14 سبتمبر أورد مكتب التحقيقات الفيدرالي 19 اسمًا عربيًا يشتبه في تنفيذهم للتفجيرات(41)، ويحاول أشكروفت (وزير العدل) في 19 سبتمبر توريط أطراف أخرى في التفجيرات، معلنًا أن المتورطين في التفجيرات تلقوا دعما من حكومات أجنبية(42)، وكان من المفترض أن يكشف بوش الأدلة ضد ابن لادن، إلا أنه رفض كشف الأدلة باعتبارها سرية(43). كما لم يسفر الحصول على الصناديق السوداء لطائرتي بنسلفانيا، ووزارة الدفاع عن أي معلومات(44)، ويؤخذ على التحقيقات أنها لم تثبت أي أدلة جنائية، كما أن الأسماء المتهمة لم تكن مطابقة لبعض صور الأشخاص التي تم عرضها(45)، وفي حين قدمت أدلة اتهام تنظيم القاعدة إلى حلف الأطلنطي في أكتوبر، رفضت الخارجية الأمريكية، كما رفض وزير الدفاع تقديم أي أدلة اتهام لطالبان، ولم يستبعد دعم الدول المدرجة في قائمة الإرهاب الأمريكية للإرهابيين في شن هجوم كيماوي أو بيولوجي(46)، واستمرت الإدارة في هذه المرحلة تعزف على نغمة توقع هجمة بيولوجية، أو هجوم آخر للإرهابيين، وذلك لضمان استمرار تأييد الرأي العام لسياساتها، ويلاحظ أيضًا أن التحقيقات لم تلتفت إلى التحليلات، التي تفضي إلى إمكانية تورط اليمين الأمريكي في التفجيرات، وإنما انطلق خبراء المخابرات الأمريكية من فرضية أن بن لادن المشتبه فيه رقم واحد(47) ،ذلك في الوقت الذي انتشرت فيه حملات للتحريض ضد المسلمين، أسفرت عن أحداث عنف غير رسمية ضد مسلمي الولايات المتحدة؛ أي أن البيئة السيكولوجية المسيطرة على الرأي العام انعكست على متخذي القرار، فكانت هي المدخلات التي أفرزت مخرجات متحيزة. وهنا يظهر الكامن في النفسية الأمريكية، التي تقبل بالعداء للمسلمين ذلك العداء الناتج عن رسم الاستشراق الأكاديمي والثقافي- كما أوضح إدوار سعيد- صورة شمولية عن الشرق تنطوي أساسًا على مواقف عنصرية، وعلى تفسيرات اختزالية لواقعه، وعلى أحكام تقويمية لا إنسانية بحق شعوبه ومجتمعاته(48) ،والتي استمرت في تدعيمها وسائل الإعلام؛ لذلك لقى اتهام بن لادن باعتباره صورة نمطية للإسلام المكروه. رضًا وتجاوبًا نفسيا من الرأي العام الأمريكي.
أما عن الإجراءات الإنسانية؛ فلقد ادعت الولايات المتحدة أن لحملتها العسكرية على أفغانستان أهدافًا إنسانية تتمثل في تحرير الشعب الأفغاني باعتبارها حرب الحرية(49)، وهي محاولة لتعبئة الإجراءات العسكرية بمضامين قيمية، وأهداف إنسانية باعتبارها حرب الخير ضد الشر؛ فيقرر بوش زيادة المساعدات الإنسانية من 100 مليون دولار إلى 320 مليون دولار قبل الحرب بيوم واحد(50)، ثم دعا بوش الكونجرس الى التفكير فى وضع أفغانستان على المدى الطويل بهدف المساعدة -إلى جانب أصدقاء أفغانستان الآخرين- في إعادة إعمار أفغانستان، بينما ركز باول على عدم تساهل الولايات المتحدة في موضوع حقوق الإنسان -إشارة إلى تحالف الشمال – رغم الحملة العسكرية(51).
والجدير بالذكر أن الأمم المتحدة كانت قد طالبت واشنطن ببحث آثار الهجمات الانتقامية على أفغانستان، والتي ستجعل ملايين الأفغان يواجهون أوضاعًا سيئة، ومخاطر الجوع، والتشرد عند تعرضهم للهجمات(52)، ولعل ذلك يبرر تركيز الولايات المتحدة على صبغ الحملة العسكرية بالأهداف الإنسانية، ومن جانب آخر لترسم الولايات المتحدة لنفسها صورة الدولة الطيبة في الإدراك الدولي، كما اعتادت أن تظهر نفسها إلا أن التاريخ يسجل رفض هذه المقولة؛ حيث إن كارتر كان قد رفض السماح من قبل بتقديم أي عون لأي من بلدان جزر الهند الغربية التي ضربها إعصار أغسطس 1980 إلا بشروط استبعاد جرانادا، وهو ما رفضته كل الهند الغربية، وعندما اجتاح نيكاراجوا إعصار آخر عام 1988،لم تبال الولايات المتحدة باحتمالات المجاعة الواسعة، والضرر البيئي، ولم تقدم أي مساعدات؛ فالولايات المتحدة تستخدم أي سلاح ضد مرتكبي جريمة الاستقلال على حد قول تشومسكي(53).
أما الإجراءات العسكرية، فقد تم في هذه المرحلة الحشد العسكري، ثم إعلان الحرب وإطلاق أسماء على الحرب القادمة، وفي مشارف أكتوبر كان قد تم نشر 25765 ألف جندي و349 طائرة، واستدعاء 17 ألفًا من قوات الاحتياط، وحشد الآلاف من قوات الحرس الخاص، وما إن أعلن بوش مسئولية ابن لادن عن تفجيرات سبتمبر في 14 سبتمبر، إلا وتعهد بشن الحرب الأولى في القرن الحادي والعشرين، وعهد إلى وزارة الدفاع باستدعاء 50 ألف جندي من الاحتياط، والحرس الوطني، معلنًا حالة الطوارئ، ومشيرًا إلى أن الرد الأمريكي سيكون كاسحًا، وممتدًا، وفعالًا قائلًا إن الذين اختاروا أن يشنوا الحرب على الولايات المتحدة اختاروا أن يدمروا أنفسهم بأنفسهم(54).
ولم يكتف بوش بإعلان الحرب بعد تصويت مجلس النواب لصالح استخدام القوة في 14 سبتمبر، ولكن قال إن الحرب ستمتد إلى من يدعم الإرهابيين(55)، بينما كان الاسم الذي أطلقه بوش على الحملة العسكرية القادمة اسم النسر النبيل، ثم العدالة المطلقة، ثم تم التراجع عن الاسم ترضية للمسلمين على حد قول رامسفيلد واستقر على اسم الحرية الدائمة، وهنا يبدو أن الأمريكيين مغرمون بالشعارات الرنانة، التي تحتوي مضامين قيمية، حتى ولو كانت الغايات غير قيمية كما حدث مع بنما، حينما أطلق على عملية اعتقال رئيسها في عام 1990 عملية القضية العادلة، وشهدت هذه الفترة طلعات لطائرات التجسس الأمريكية، وتلميحًا من جانب رامسفيلد بمساعدة تحالف الشمال، وقبائل الجنوب في مواجهة طالبان(56).
وخلاصة إجراءات هذه المرحلة هو أن الولايات المتحدة لم تكن تدير أزمة، إنما كانت تسعى للحرب بخلق أزمة للنظام الدولي، والمجتمع الدول؛ي فالطرف المقابل للولايات المتحدة لم يكن طالبان، وإنما كان المجتمع الدولي الذي عليه أن يتكيف مع سياسات الولايات المتحدة الجديدة.

ثانيًا- الخطاب الأمريكي في مرحلة الأزمة

لقد خيم على الخطاب الرسمي ملامح يمينية، ذلك أن الحزب الجمهوري الذي يقوده بوش هو حزب أكثر يمينية. ومن أبرز سماته استخدام مفردات الخطاب الديني والقومي، ويقول تشومسكي في ذلك: “إن المحافظين نسيج وحدهم يسعون لإلهاء جموع الرعاع بأشكال متطرفة من العنجهية القومية، والدين، وقيم العائلة، وغير ذلك من الأدوات المألوفة في هذا المجال، وفي متابعة الأيكونومست البريطانية للمؤتمر الانتخابي الجمهوري 1992، وجدت حضورًا لخطاب ينتمي إلى عصور ما قبل التنوير، يتحدث عن مسيرة الله والوطن في منبر الحزب الممتلئ بغلاة الإنجيليين، وتتعجب الصحيفة لهذا المجتمع الفريد من نوعه في العالم الصناعي، الذي مازال غير مستعد بعد لتقبل قادة علمانيين علانية(57)، إن الخطاب المحمل بالمحتوى الديني، قائم في السياسة الأمريكية منذ بداية تأسيس الولايات المتحدة؛ حيث اعتبر الفوج الأول من المستوطنين الولايات المتحدة أورشليم الجديدة(58).ويزعم اليمين الأمريكي أن سياستهم الخارجية تؤكد الرسالة الليبرالية لأمريكا، وأن مهمة الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة، هي إعادة تحديد العالم إلى جانب المثاليات الويلسونية، وحمل لواء القيادة، كما أنهم يزعمون أن تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية قائم على أسس أخلاقية، ينطلق من فكرة الأتقياء الصالحين بعيدًا عن فكرة حسابات الجيبولوتيكا والمصلحة الذاتية(59)
وهناك من يرى أن اليمين الأمريكي يسعى إلى هيمنة الولايات المتحدة على العالم عن طريق التبشير بالقيم الأمريكية؛ أي استخدام الفكر، والثقافة، فضلًا عن تعظيمه للقوة العسكرية، وأن الإدارة الأمريكية تعج بغلاة اليمينين؛ مثل رامسفيلد وزير الدفاع وتشيني نائب الرئيس(60)؛ حيث انتقل الفكر اليميني في هذه المرحلة من الأذهان إلى السياسات والواقع. وجدير بالذكر أن الخطاب الرسمي الأمريكي المتأثر بالثقافة اليمينية لا يعرب عن أهدافه وأغراضه الرئيسية بصورة واضحة؛ فمن المستبعد أن يقول الرئيس الأمريكي إننا سنسقط حكومة طالبان؛ لأنها تمثل تحديًا لمصالحنا في المنطقة؛ لذلك فإن تحليل الخطاب يهدف إلى استخراج الكامن في الخطاب،وربما يعتقد البعض أن طبيعة البناء الأيديولوجي لخطاب الخصم(تنظيم القاعدة)القائم على المنطلقات، والأهداف، والمصطلحات الدينية تبرر تبعية الخطاب الرسمي الأمريكي في استخدامه لأدوات الخطاب الديني لأغراض دفاعية،ولكن ذلك الاعتقاد يقع في ورطة بالنظر إلى شكل الخطاب الرسمي الأمريكي في حرب الخليج الثانية، الذي تجاهل خطاب الخصم(صدام حسين)، حينما حاول تفعيل استخدام الخطاب الديني في إدارته للأزمة والحرب،وكذلك إبان حرب تحرير كوسوفا، التي اقترن النزاع حولها بأسباب ذات أبعاد دينية؛فالخصم في الحالتين لم يفرض شكل الأجندة الخطابية على الولايات المتحدة.
وبالنظر إلى المحتوى الديني في الخطاب الرسمي يتضح ما يلي: استخدام بوش تصريحات ذات صبغه دينية؛ مثل التصريح بشن حرب صليبية ضد المتورطين في الهجوم على الولايات المتحدة(61)، وهذه جملة ثقافية تستوجب تحليلًا؛ ذلك أن الغرب ينظر إلى العالم الإسلامي باعتباره الخطر الأخضر؛ حيث تصوره وسائل الإعلام الغربي عائقًا أمام مسيرة العولمة، وتهديدًا للسلام العالمي، والخطر الأخضر كما يراه إدوار سعيد بمثابة حرب باردة ضد الإسلام، وعداء من جانب واحد بفضل عوامل عدة اختلطت فيها الأسباب التاريخية مع الدوافع السياسية، والاقتصادية والأمنية(62) حتى إن تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية السابقة أكدت أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي فإن الإسلام هو العدو الجديد للغرب، ودعت إلى بقاء حلف الناتو لمقاومة هذا العدو(63).
وإن مقولة الحرب الصليبية تستدعى إرثًا تاريخيًا من العداء القائم على أسس دينية؛ أي أن الولايات المتحدة تستحضر التاريخ، وتهدد بتكرار تجاربه فالحملة الصليبية عبارتها صريحة، وهي أنها حرب تحمل الصليب، وإشارتها أن الحرب دينية لحماية الصليب الذي وقع عليه الهجوم، وأنهم يمثلون المدافعين عن هذا الصليب، كما تشير الجملة أيضًا إلى أن العدو هو الإسلام؛ لأنه لم تكن هناك حرب صليبية إلا على الإسلام،حتى ولو كان إيزنهاور يحاول وصف حملاته العسكرية في الحرب العالمية الثانية بأنها حروب صليبية؛ ذلك لأن ما رسخ في الأذهان رسخ. أما بمفهوم المخالفة؛ فتعني الجملة أنها ليست حربًا اقتصادية أو غير ذلك. واللفظ هنا كناية عن الحرب الدينية واضح غير مشكل، وغير خفي أو متشابه، ولعل المسكوت عنه هنا هو إرهاب العالم الإسلامي ببسط الحرب عليه تحت رداء الصليب، الأمر الذي سيثيره سولانا في مؤتمر رؤساء المجموعات البرلمانية، أمام أعضاء البرلمان الأوروبي بطلب ضرورة اختيار الألفاظ بحكمة، وعدم الانسياق وراء مشاعر الجماهير في إشارة إلى أن أوربا لن تنساق خلف حرب صليبية يقودها بوش(64)، ولعل بوش استخدم هذا اللفظ في الرد على بيان الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبين، الذي أصدره أسامة بن لادن في فبراير 1998.
وفي إطار استخدام الألفاظ ذات المضمون الديني يقرر بوش الصلاة على آلاف الضحايا في 13 سبتمبر، ويعتبره يومًا وطنيا للصلاة(65)،وهي جملة ثقافية أيضًا تخرج من نسق عقدي يقوم على الاتجاه إلى الله،والتقرب إليه بالصلاة، وهنا عبارة الجملة تشير إلي أن المجتمع الأمريكي يصلى وقت الأزمة، وإشارته إلي أنه مجتمع متدين، وفحواه أن المسيحية إيمان، وليست كفرًا كما يدعى ابن لادن، وهنا نرى السمة الحوارية للخطاب الأمريكي، وإن كان ابن لادن لم يصدر خطابات في هذه المرحلة، وإنما استدعى بوش خطابات سابقة لابن لادن، ويستخدم بوش لفظ الصلاة كثيرًا في خطاباته، حتى إنه في خطابه التاريخي أمام الكونجرس كرر كلمة الصلاة أكثر من مرة(66)، ومن الجمل الثقافية الحاكمة أيضًا التي استخدم فيها ألفاظًا دينية: “إنها حرب العدالة ضد الظلم والله غير محايد في هذه الحرب”(67)، وهي جملة ثقافية تعبر عن قناعة دينية بأن فسطاط بوش، هو فسطاط العدل، والله في جانبه، والجملة عبارتها قائمة على جزئين أولًا- أنها حرب العدالة ضد الظلم، ثانيًا- إن الله مع العدالة، والإشارة تقول إن الله معهم لأنهم يمثلون جانب العدالة، وتنطوي هذه الإشارة على معان صفرية، وبإدخال الله في المعادلة فإن الدين يدخل بالضرورة فيكون دين ابن لادن ظلمًا، ودينهم عدلًا والله معهم.
وحتى عندما يتحدث بوش عن المساعدات الإنسانية لأفغانستان، فإنه يقحم الدين قائلًا: “إن مساعدة المحتاجين جزء رئيس من التقاليد المسيحية واليهودية والإسلامية(68)، وبلغ الربط بين الدين والسياسة أن عين بوش سفيرًا جوالًا لحرية الاعتقاد في 28 سبتمبر، وما لهذا من مدلولات كثيرة. أما عن الجمل ذات المحتوى الحضاري والقيمي فهي تطفو على سطح الخطاب السياسي الأمريكي، مثلما يطفو المحتوى الديني؛ فيقول باول: “ينبغي علينا أن نقود العالم المتحضر ضد هذه الأنظمة” أي أن هناك صراعًا بين عالمين؛ عالم متحضر، تقوده الولايات المتحدة، وعالم غير متحضر، يأوي الإرهابيين، وهنا يربط الحضارة بالابتعاد عن الإرهاب، وهنا يرد تاريخ الولايات المتحدة، الذي هو حلقة متصلة من إرهاب الدولة في العلاقات الدولية؛ حيث اعتادت الولايات المتحدة استخدام استراتيجية القوة لإجبار الخصوم على تنفيذ سياستها، ويمكن التأكد من ذلك بالنظر إلى علاقة الولايات المتحدة بدول أمريكا اللاتينية على وجه الخصوص(69)، ويعضد ذلك أن وكالة المخابرات الأمريكية كانت تقوم بتدبير أعمال إرهابية ضد العديد من رؤساء الدول في العالم الثالث، على حسب ما أوضحته لجنة بايك سنة 1975(70).
ويؤكد باول على كون الإرهاب فعلًا غير حضاري في العديد من خطاباته(71)، ثم يربط بين الحملة العسكرية، وتحقيق العدالة: “إن القضية قضية عدالة، وليست في إحضار بن لادن حيًا أو ميتا؛ فهناك شبكة القاعدة المنتشرة حول العالم لا يمكن تركها،حتى لا تدبر لهجوم إرهابي آخر ضد العالم”(72)، وهنا يحمل الخطاب سمة الغطرسة؛ غطرسة في اختزال مفهوم العدالة وفقًا لتصوراتهم، وغطرسة القوة المتمثلة في الثقة في القبض على أسامة بن لادن؛ حيث إن العدالة ستذهب إلى أسامة بن لادن، مؤكدًا على قول بوش هذه الجملة في خطابه أمام الكونجرس في 20 سبتمبر، ويؤكد باول أن الهجوم كان على الحضارة والديمقراطية، وكان يستهدف القيم الأمريكية قائلا: “إننا نقف خلف شكل من الديمقراطية، والحكومة النيابية،ولقد وجدوا أن قيم هذا النظام تهددهم؛ لذا كان عليهم أن يدمروه لأغراضهم الراديكالية”، وبهذا فإن الإدارة الأمريكية هي التي تستدعى الخلاف الثقافي، ويتطاول باول قائلًا: “إننا لن نسكن الكهوف؛ لأننا مجتمع مفتوح.. لدينا دستور لن نعطله بل سنحتمي به.. لدينا حصانات للحرية” ويلاحظ أن بوش قال على نظام شارون فيما بعد كما سيرد، إنه النظام الديمقراطي الوحيد في المنطقة أي أن هذا تلميح وإشارة من طرف خفي لكل دول الشرق الأوسط، فضلًا عن قصدها المباشر لنظام طالبان.
أما بوش فيقول في خطابه أمام الكونجرس في 20 سبتمبر “استيقظنا على الخطر، ونودينا للدفاع عن الحرية، حزننا تحول إلى غضب، وغضبنا صار عزمًا، وإرادة لإحضار الأعداء إلى العدالة، أو بسط العدالة عليهم، وفي كل الأحوال ستحل العدالة”، وهنا يلاحظ وجود جملتين حاكمتين “نودنيا للدفاع عن الحرية”؛ حيث جعل الاعتداء على أمريكا اعتداء على الحرية، والجملة الأخرى؛ إن القضية قضية عدالة، وهنا يبدو النسق الثقافي جليًا؛ حيث تدعى الولايات المتحدة أن نظامها قائم على الحرية، وأنها تمثل العالم الحر، وأن نظامها قيمي ينشد العدالة. ولا ينسى بوش مثل باول أن يحمل الهجوم على الولايات المتحدة بأسباب ثقافية قائلًا: “الإرهاب تهديد لطريقتنا في الحياة؛ إنها حرب الحضارة، حرب من يوقنون بالحرية والتعددية والتقدم ندعو العالم المتحضر لينضم إلينا… إنها الحرب بين العدالة والظلم وبين الحرية والخوف”، كل هذه مضامين ثقافية تعبئ الخطاب في مرحلة الأزمة.
أما عن تكييف الخطاب الأمريكي لحدث سبتمبر؛ فإن الخطاب يشير إلى تفرد الحادث في تاريخ الولايات المتحدة؛ حيث يقول بوش في خطاب الكونجرس السابق الإشارة إليه “في 11 سبتمبر ارتكب أعداء الحرية فعل الحرب الذي لم يحدث منذ 136 عامًا داخل الأراضي الأمريكية باستثناء حادثة بيرل هاربر 1941، إن الأمريكيين خبروا ويلات الحروب، ولكن ليس في قلب مدينة كبيرة في صباح مسالم، والأمريكيون يعرفون الهجوم المفاجئ لكن لم يحدث من قبل على آلاف المدنيين، كل ذلك يجعل من ذلك اليوم يومًا فريدا، وليلة وقعت في عالم مختلف تصبح فيه الحرية نفسها تحت الهجوم”، هذا التفرد الذي يميز الحادث من وجهة نظر بوش يستدعى بالضرورة ردًا فريدًا وهذا يسلمنا إلى الخطاب عن شكل الحرب المحتملة وتوصيفها. إن خطاب بوش عن الحرب يوحى بأنها حرب عالمية، ولكن من نوع خاص فهو يقول عن شكل الحرب في خطابه أمام الكونجرس 19 سبتمبر: “إنها حرب ليست كحرب العراق، ولا كحرب كوسوفا، وسوف تبدأ الحرب بالقاعدة، لكنها لن تنتهي إلا عندما يسحق كل إرهاب في العالم، سنستخدم فيها كل مواردنا من وسائل دبلوماسية، وأدوات استخباراتية، وضغوط قانونية ومالية، وكل سلاح ضروري في الحرب لدحر شبكة الإرهاب العالمية.. أمريكا لا تتوقع حربًا واحدة، بل حملة طويلة، وأحداثًا درامية قد ينقلها التليفزيون، وبعضها عمليات سرية لضمان نجاحها،وتشمل تتبع مصادر تمويل الإرهابيين بلا هوادة وتتبع الأمم التي تساعدهم” أما عن صفات الحرب؛ فهي حرب الحضارة والعالم، وهي حرب من يعتقدون في الحرية والتقدم، حرب بين الخوف والحرية، أما باول فيقول إنها حرب غير تقليدية استخباراتية ، مالية، قانونيةضد أناس قتلوا أبرياء، ويستخدمون الإرهاب لأغراض سياسية، وضد أناس هجروا التوراة والقرآن(73)،
وفي سؤال عن متى يقال إن الحملة نجحت قال باول عندما يتوقف وقوع الحوادث الإرهابية في أي مكان، ولا شك أن الإجابة غير واقعية، أما عن احتمال فشل الحملة فقال باول لا يمكن أن تفشل الحملة؛ لأنها ستكون طويلة لكي تقضى على هذا النوع من الحوادث في الحياة العامة، ولم ينف إمكانية استخدام أسلحة نووية في الحرب، وإنما قال إن استخدام الأسلحة النووية لن يكون ضروريًا(74)، وعن أمد الحرب قال باول إنها يمكن أن تمتد لأكثر مما أتخيل، ويلاحظ استخدام التعبيرات الفضفاضة غير القاطعة والبلاغية في وصف الحرب وشكلها ومدتها، أما رامسفيلد فاعترف بأن الحرب ستكون طويلة قائلا ً:إنها حرب ماراثونية(75)، رغم اعترافه بأن الأهداف العسكرية فيها غير ذات قيمة، ولكنه يعطى لمحات ثقافية للحرب قائلًا:” إما أن يغير الإرهابيون طريقتنا في الحياة، وإما أن نغير طريقتهم”(76)، ولم يتوان في تشبيه هذه الحرب بالحرب الباردة(77).
أما في الخطاب حول الخصم، فكان بوش يصفهم بصفات غير مقبولة تساعد على تجييش الرأي العام ضدهم، ويضخم من قدرتهم؛ لإيجاد مبرر للتعامل معهم بمنتهى القسوة، وأهم ما يميز الخطاب حول الخصم، العاطفية المفرطة في التعبيرات والجمل؛ على سبيل المثال يقول في خطابه أمام الكونجرس 20 سبتمبر، إن القاعدة مثل المافيا، هدفهم فرض معتقداتهم الراديكالية على الناس في كل مكان، وهنا يبدو أن بوش استخدم صفات غير مقبولة مثل المافيا، وضخم قدرة الخصم الذي يحاول أن يفرض معتقداته في كل مكان، فهل يقصد بوش أن أسامة بن لادن يحاول ضم الولايات المتحدة إلى تنظيم القاعدة، أم أنه يحاول فرض الإسلام.
إن بوش يشير من طرف خفي إلى الصراع الديني والثقافي، وفي نفس الوقت فإن كون القاعدة مثل المافيا يبيح لبوش استخدام كل الوسائل الوحشية للتعامل مع الخصم، الذي سيضخم قدراته ليجعله وارثًا لجميع الأيديولوجيات الفاشية في القرن العشرين؛ فهو (الخصم) يريد إزالة دولة إسرائيل من الشرق الأوسط، ويريد أن يلقى بالمسيحيين واليهود إلى أماكن بعيدة في آسيا وإفريقيا.
يلاحظ أن بوش يقلب الحقيقة؛ فليس هناك لاجئون يهود لكن فلسطينيين، ويستطرد قائلا:ً “هم يمارسون شكلًا من أشكال الإسلام المتطرف المرفوض من أغلبية المسلمين، يتم تدريبهم في أفغانستان على أساليب الإرهاب، ثم يعودون لمواطنهم، أو لغيرها ليدبروا الشر والمكائد (نظرية المؤامرة). ويرتبط أسامة بن لادن بالعديد من المنظمات الإرهابية …ويوجد الآلاف من الإرهابيين في 60 دولة إنهم برابرة وإرهابيون، يعاملون النساء بوحشية”.
وفي هذه الأثناء ظهر مرض الجمرة الخبيثة، وجرى تضخيم قدرات بن لادن البيولوجية والكيماوية؛ لذلك فهو يريد ابن لادن حيًا أو ميتًا، إن هذا التضخيم المتعمد للخصم هو أسلوب متبع عندما لا تفلح حكومة في تحقيق نجاح؛ وذلك لإلهاء الشعب، وقد كان السوفيت هم ذلك البعبع كما يقول نعوم تشومسكي(78)، مع صعوبة أخذ ذلك مأخذ الجد في الثمانينيات، كذلك القذافي، ونوريجا وصدام حسين.
ويلاحظ هنا أن الجمل الحاكمة مثل قول بوش: “إنهم يكرهوننا”؛ أي أن الحقد هو سبب الهجوم في 11 سبتمبر، ويلاحظ أن بوش لم يكن واضحًا في تحديد الإرهابيين، لكن باول كان واضحًا حين حددهم في المنظمات الواردة في آخر تصنيف للمنظمات الإرهابية في 1999، وهم الذين ينفذون هجمات على أناس أبرياء، وغيرهم ممن لهم نشاط أقل، وغيرهم ممن يؤيد نشاطات أسامة بن لادن، وشبكة القاعدة(79).
أما الخطاب الموجه للعالم فقد كان خطابًا استعلائيًا؛ ففي خطاب بوش أمام الكونجرس يقول: ” إما معنا، وإما مع الإرهابيين”، وهو تخيير في صورة تهديد، ثم اتبع نفس النهج في خطابه الإذاعي الأسبوعي في 16 أكتوبر قائلًا:” إن الولايات المتحدة قد قدمت خيارات واضحة لكل أمة؛ إما الوقوف مع العالم المتحضر، أو مع الإرهابيين، وسيدفع الثمن من يقف بجانب الإرهابيين “.
إن خطاب بوش آمر، ويتضح ذلك في خطابه الموجه لطالبان في 20 سبتمبر (خطاب الكونجرس): ” سلم قادة القاعدة في بلدك، أطلق سراح المعتقلين الأجانب بمن فيهم المواطنين الأمريكيين،وفر الحماية للدبلوماسيين والصحفيين على أرضك،أغلق معسكرات الإرهابيين فورًا، سلم الإرهابيين هذه طلبات غير قابلة للنقاش”.
أما خطاب بوش حول الإسلام والمسلمين في هذه المرحلة فلقد كان بعد تصريح بوش بالحرب الصليبية، مركزًا على أن الحرب ليست حربًا دينية أو ضد الإسلام والمسلمين، وأن تعاليم الإسلام خيرة وحسنة، وكان ذلك في أكثر من مناسبة؛ ففي اليوم الذي زار فيه بوش المركز الإسلامي في واشنطن 17 سبتمبر، قال إن الإرهاب ليس من شيم الإسلام، وطالب بضرورة احترام المسلمين، وقال إن قوة الائتلاف الدولي ضد الإرهاب تكمن في أن الحرب ليست دينية، ثم بعد ذلك تكررت نفس العبارة:”الحرب ليست ضد الإسلام والمسلمين” في أحاديث بوش الصحفية والإذاعية (80) بصورة ملفتة للنظر، حتى ليكاد يستدعى هذه المقولة في كل خطاب بمنطق المجرم، الذي يحوم حول موقع الجريمة؛ فالولايات المتحدة في سعيها لإقصاء نظام طالبان تقصى نظامًا يرى أنه نظام إسلامي، ومن ناحية أخرى تظل الإدارة الأمريكية تستخدم الألفاظ الدينية، رغم أنها نفت صفة الدينية عن الحرب.
وهناك ملاحظات على هامش الخطاب الأمريكي تقع تحت بروز الجانب الانفعالي في الخطاب؛ فيظهر بوش باكيًا كما تصوره وسائل الإعلام في 14 سبتمبر، وبرصد عدد مرات التصفيق لخطاب بوش أمام الكونجرس في 20 سبتمبر، وجد أنها وصلت إلى 31 مرة،وكان بوش صارمًا جادًا غير متهكم في ذلك الخطاب الذي أعدت له 19 مسودة،بعد أن أثبت بوش فشله في اختيار الألفاظ الدبلوماسية بتصريح الحرب الصليبية، كما أشارت عليه كارين هيوز مستشارته الإعلامية في الأزمة أن يعرض شارة الجندي الذي مات، وهو يحاول إنقاذ ضحايا مركز التجارة العالمي لإلهاب المشاعر (80).
أما عن انعكاسات الردود الأمريكية في هذه المرحلة على أوضاع الأمة كان لابد أن توجد انعكاسات قوية على الأمة؛ لأنها المستقبلة للفعل الأمريكي، ولقد بدا في خضم مرحلة الأزمة أن هناك بعض الدول الإسلامية، التي استفادت من مساندتها للولايات المتحدة؛فكافأت الولايات المتحدة باكستان بتقديم مساعدة قيمتها 50 مليون دولار، ورفعت العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ التفجيرات النووية 1998، وساعدتها في الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 135 مليون دولار، ثم رفعت العقوبات عن السودان بعد عدم استخدام الولايات المتحدة للفيتوضدها في مجلس الأمن، وعلى صعيد القضية الفلسطينية طالب بوش رئيس إسرائيل ببذل جهود إضافية من أجل وقف العنف مع الفلسطينيين، والبدء بتطبيق توصيات لجنة ميتشل، وأعلن بوش رأيه في قيام دولة فلسطينية في 2 أكتوبر قائلًا: “إن فكرة إقامة دولة فلسطينية كانت دائمًا جزءًا من التصور الأمريكي، طالما أن حق إسرائيل في الوجود محترم(81) إلا أنه كان هناك مشاكل أثارتها الردود، وانعكست سلبيًا على الأمة. وتمثلت هذه المشاكل في اضطرابات في بعض الدول كباكستان،وتضخم الفجوة بين الحكام والمواطنين ؛ حيث وقعت مصادمات في 21 ديسمبر بين الشرطة الباكستانية،ومناوئين للحملة الأمريكية، يسقط خلالها قتلى، وتشتد المنافسة بين الحكومة، والأحزاب الدينية، ويخطط مشرف للقاء بين وزارة الداخلية، والشئون الدينية مع خطباء المساجد، وأساتذة وطلاب العلوم الإسلامية؛ لإقناعهم بتأييده في مواجهة زعماء الأحزاب الدينية، وذلك في 24 سبتمبر، ولكن لا تهدأ المظاهرات التي احتشدت بآلاف الباكستانيين الذين تظاهروا في كوتيا.
وعلى الجانب الآخر تستغل إسرائيل الحدث فيطالب حاخام إسرائيل الأكبر الزعماء الدينيين الإسلاميين بإلغاء فتوى العمليات الاستشهادية، في محاولة واضحة لربط إرهاب سبتمبر بالمقاومة الفلسطينية، وتستغل إسرائيل الحدث، وتقتحم جنين وأريحا في 12 سبتمبر، وتقصف طولكرم ورام الله وقلقيلية ونابلس ثم تقصف مقر المخابرات، والشرطة الفلسطينية في قطاع غزة وخان يونس في 14 سبتمبر.
ويصبح لقاء عرفات بيريز متعثرًا، ويلي ذلك اقتحام الجيش الإسرائيلي لرفح في 27 سبتمبر إلي أن تطلب الولايات المتحدة من شارون التوقف عن استفزاز الفلسطينيين، وتعد بإرسال مساعد وزير الخارجية لزيارة المنطقة، ورغم ما يرتكبه شارون من مجازر، إلا أنه يصعد توتر العلاقات مع أمريكا متهمًا إياها بأنها تضحى بإسرائيل من أجل العرب، كما ضحى الغرب بتشيكوسلوفاكيا من أجل هتلر، وذلك في ظل استمرار المذابح في الخليل في 5 أكتوبر، إلا أن الولايات المتحدة على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض قالت إن أمريكا ستظل الصديق الأقوى لإسرائيل، يضاف إلى ذلك المشاكل التي واجهت حركات التحرر في العالم الإسلامي؛ كالمقاومة الفلسطينية والكشميرية والشيشانية؛ حيث اعتبرت معظم فصائل المقاومة الفلسطينية إرهابية وفقًا لقائمة الإرهاب الصادرة عن وزارة الخارجية في 5 أكتوبر، أما حركات المقاومة في كشمير فقد واجهت تصدعًا في جدار الدعم الباكستاني بعد انحياز مشرف للولايات المتحدة، وكذلك زادت مشاكل بقية الحركات الإسلامية في آسيا الوسطى والصين؛ حيث أصبح القمع بلا انتقاد ولا جماح حتى على المستوى الأخلاقي، كما ربط كل من بوش وباول المقاتلين الشيشان بتنظيم القاعدة (81)، أما العراق فكان موقفها يحيطه الغموض فنفى المتحدث باسم البيت الأبيض في 12 أكتوبر تعهد بوش للملك عبد الله بعدم مهاجمة دول عربية – بينها العراق- في إطار الحملة ضد الإرهاب.
وعلى المستوى الاقتصادي تأثر الاقتصاد العربي باعتباره من أكثر الاقتصادات تأثرًا بالاقتصاد الدولي؛ فحدث تراجع جماعي للبورصات العربية، وتآكلت قيمة الاستثمارات الخارجية العربية، وانخفضت أسعار النفط هذا فضلًا عن التحدي الثقافي والحضاري بالحديث عن الديمقراطية والحرية والحرب الصليبية، يضاف إلى ذلك الإحباط الجمعي الناتج عن عدم القدرة على ألا تكون الأمة (ضد)، لأنه لم يكن للأمة خيار، وإنما أمر بالمعية.

المرحلة الثانية: مرحلة الحرب

أولا.ً الإجراءات والتحركات

كانت كل التحركات في مرحلة الأزمة تدار للوصول إلى هذه المرحلة، والتي اقتضت مستوى آخر من الإجراءات.
أما الإجراءات العسكرية فقد كانت الولايات المتحدة تسعى لإدارة الحرب، آخذة في الاعتبار ما جاء في نشرة سياسة الأمن القومي لإدارة بوش الأب، والتي فحواها أنه ” عندما تجابه الولايات المتحدة عدوًا بالغ الضعف، فالتحدي الذي أمامها ليس فقط هزيمته، ولكن هزيمته بسرعة، وبحسم وأي شيء آخر سيكون محرجًا وقد يفتت الدعم السياسي (82)خاصة أن التأييد الداخلي لاستخدام قوات خاصة في أفغانستان، وصل إلى 90% في بداية الحملة (83)، وإلى 88% في نهاية أكتوبر، ولم يشهد انخفاضًا طوال الحملة العسكرية (84).
ومن جانب آخر لم تتجاوز الولايات المتحدة حتى الآن عقدة فيتنام حينما لقت قواتها البرية هزيمة عسكرية، حتى بعد حرب الخليج الثانية التي لم تخض قواتها البرية فيها حربًا حقيقية، وكان الخط الأمامي قوات غير أمريكية متعددة الجنسيات، كما لم تكن هجمات الولايات المتحدة الجوية على كوسوفا كفيلة بتجاوز العقدة، وبالتالي ستخوض الولايات المتحدة الحرب بالاعتماد على الغير (تحالف الشمال)، وقليل من القوات الخاصة الأمريكية (85)، وفي نفس الوقت سعت الولايات المتحدة إلى منع تدفق المتطوعين الباكستانيين للقتال، وكان إغلاق الحدود الباكستانية في المرحلة الأولى حتى لا تتكرر تجربة الحرب الكورية في الخمسينيات؛ حيث لم يهنأ الجنرال الأمريكي ماك آرثر بتحقيق الانتصار على القوات الشيوعية إلا وقلب المتطوعون الصينيون المعادلة، وتحول النصر إلى هزيمة.
ولابد أن الولايات المتحدة اعتبرت في هذه المرحلة بحقائق التاريخ الذي أثبت أن أفغانستان مقبرة الغزاة، وهنا يقول الجنرال الروسي وسلان أوشاف -رئيس جمهورية أنغوشيا الروسية-إن عناصر طالبان سيكون لها الغلبة على الأرض(86) إلا أن برويز مشرف الرئيس الباكستاني العليم بالوضع الأفغاني، قال إنها ليست حربًا، وأن أيام طالبان باتت معدودة في الحكم، وذلك في الأيام الأولى لبداية الحرب: وبالطبع كان هناك شحن معنوي للجمهور الأمريكي، حتى إن الجنود استخدموا أسلوب الرسائل على الصواريخ والمقذوفات مثل ” رسائل قسم شرطة مدينة نيويورك “، “ورسائل قسم إطفاء مدينة نيويورك”(87)، مثلما كتب الجنود الأمريكيون من قبل على صواريخ كروز “هدية شهر رمضان للعراق”، إبان عملية ثعلب الصحراء.
بدأت الحملة العسكرية في شكل ضربات جوية وصاروخية بالتركيز على مطارات أفغانستان،ومواقع الدفاع الجوى، ومعسكرات القاعدة، وقواعد التدريب، وقيادة قوات طالبان، والمناطق الإدارية، ومخازن الوقود، وكان ذلك من 7 أكتوبر إلى أول إنزال برى للقوات الخاصة في 17 أكتوبر، قبل أن تعلن الولايات المتحدة بدء الحرب البرية في 19 أكتوبر (88)، وفي هذه المرحلة كشف رامسفيلد عن بعض تفاصيل أول ضربة عسكرية؛ مثل استخدام 40 طائرة مقاتلة، وقاذفة، وإطلاق 50 صاروخًا من طراز كروز في الساعة الأولى للهجوم،واستخدام صواريخ توماهوك، وقاذفات من طراز بى1و بى2وبي52 في الهجمات.
وجدير بالذكر أن الطائرات كانت ترجع ببعض حمولتها لأنه لم يكن هناك أهداف عسكرية كافية تستوعب كمية الذخيرة؛ وفي ظل الهجوم المكثف الذي لم تصمد إزاءه دفاعات طالبان، ولم تستطع اعتراض الطائرات الأمريكية، عبرت قناة السويس حاملة الطائرات تيودور روزفلت في 13 أكتوبر؛ لتنضم إلى ثلاث حاملات طائرات أخرى؛ هي (إنترابرايزر – كيتي هوك- كارل فينسون)، هذا بالإضافة إلى الحشد السابق للقوات، الذي وصل مع بداية الحرب إلى 500-650 طائرة مقاتلة، و70 قطعة بحرية ومدمرة علاوة على إنشاء عدد من القواعد العسكرية في عدة دول محيطة بأفغانستان مثل باكستان وأوزبكستان وطاجكستان، بالإضافة إلى نشر أكثر من ربع مليون جندي في قواعد خارج أراضى الولايات المتحدة، خصوصًا في أوربا والشرق الأوسط وشرق آسيا، ويتضح من ذلك أن الولايات المتحدة أعدت لمواجهة عسكرية طويلة الأمد، وليس مجرد مواجهة طالبان ذات التسليح المحدود؛ حيث تمتلك وفقًا لبعض الاحصاءات 6 طائرات ميغ، و8 طائرات سيد22، بالإضافة إلى 12 طائرة هليوكوبتر، أما الدبابات فتمتلك 85 دبابة، و300 شاحنة، بالإضافة إلى180 قطعة مدفعية ثقيلة، و300 قطعة مورتر وخفيفة(89)، وقوات نظامية تتراوح بين 30 ألفًا إلى 40 ألف جندي، ومع ذلك استوعبت حركة طالبان الضربات الجوية؛ فكان التدخل البرى بداية من 19 أكتوبر، واعتمدت الولايات المتحدة في ذلك على قوات تحالف الشمال؛ حيث صرح رامسفيلد أنه سيقدم دعمًا عسكريًا لهم أثناء تقدمهم نحو كابل، ومدينة مزار شريف في 31 أكتوبر.
وتقوم قوات التحالف بضرب خطوط طالبان الأمامية، وتتقدم نحو مزار شريف في 4 نوفمبر، وتستمر المعارضة في التقدم، ولا يجدي إعلان حكمتيار في 17 أكتوبر أنه سيقاتل القوات الأجنبية في حالة التدخل البرى، ثم تسقط بعد ذلك كابل في يد تحالف المعارضة في 13 نوفمبر، ويطالب رامسفيلد القبائل الجنوبية البشتونية بمهاجمة طالبان، ويعدهم بالمساعدة في 10 نوفمبر.
وفي15نوفمبركانت القوات الخاصة الأمريكية تسيطر على بعض ممرات الطرق للتفتيش عن عناصر طالبان والقاعدة، وبعد سقوط مدينة مزار شريف تقصف القوات الأمريكية 600 من أسرى طالبان الذين استسلموا في قلعة جانجى؛ فترديهم قتلى في 25 نوفمبر،
وفي 6 ديسمبر يسلم الملا عمر قندهار، ويفر للجبال، وتبدأ مطاردة ابن لادن في جبال تورابورا، وبأمر من الرئيس بوش تشكل محاكم عسكرية في أول سابقة منذ الحرب العالمية الثانية، وتبدو هنا ملاحظة أن مقاومة طالبان لم تستمر طويلًا كما توقع المحللون، ويمكن القول في هذا الصدد إن دخول طالبان المدن إذا ما أصروا على قتال تحالف الشمال، كان سيجعلهم صيدًا ثمينًا لطائرات الولايات المتحدة. ومن جهة أخرى فإن حدود قوة طالبان تقتضى الفرار للجبال، لشن حرب عصابات، ويجدر بالذكر أن القوات البريطانية شاركت في الضرب منذ الضربة الأولى، بينما لم تشارك القوات الفرنسية في عمل عسكري فعلى، لدرجة اعتراض بعض السياسيين الفرنسيين على عدم قيام القوات الفرنسية بمهام عسكرية (90)
أما عن الإجراءات الداخلية فاتخذت الولايات المتحدة إجراءات اعتبرها كثيرون ردة على النموذج الديمقراطي الغربي،متذرعة باعتبارات الأمن القومي؛ حيث وافق مجلس الشيوخ باستثناء عضو واحد على قانون جديد حول الإرهاب، ووقع عليه بوش في 26 أكتوبر، ويتضمن بنودًا تتيح التصنت الإالكتروني، ومراقبة الاتصالات دون إعلام المشتبه فيهم، ويتضمن بنودًا تخص الأجانب؛ حيث أجازت وزارة العدل التصنت على مكالمات المحامين مع موكليهم، بمن فيهم الذين أوقفوا دون أن توجه إليهم تهم ارتكاب أي جناية، بالإضافة إلى التوسع في عمليات الاعتقال بشكل كبير؛ حيث تشير التقارير إلى أن جهات التحقيق الأمريكية اعتقلت ما يقرب من 1400 شخصًا معظمهم من العرب والمسلمين، وكذلك وسعت وزارة العدل من سلطات الحكومة الاتحادية في رفض إعطاء تأشيرات الدخول، وترحيل المهاجرين الذين يشتبه في تأييدهم للإرهاب، والتأكد أن الطلبة جاءوا فعلًا للدراسة، يضاف إلى ذلك بحث وكالة المخابرات الأمريكية إمكانية العودة إلى سياسة الاغتيالات في 14نوفمبر، كما أقرت الخارجية الأمريكية قانون حماية العاملين الأمريكيين في 5 نوفمبر،والذي ينص على التدخل العسكري في حالة القبض على أي من رعايا الولايات المتحدة، أو حلفائها من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، رغم أنها من الموقعين على معاهدة إنشائها(91).
كل هذه الإجراءات تضع علامات استفهام على مصداقية الولايات المتحدةفي إدعاءاتها المثالية، حول رسالتها الليبرالية؛ حيث تصب هذه الإجراءات في التأكيد على الرجوع إلى مبدأ سيادة الدولة، وليس مجرد الدولة الحارسة، حتى إن بوش وقع تشريع الأجواء الآمنة، والذي ينقل مسئولية تفتيش أمتعة الركاب من الشركات الخاصة إلى السلطة الاتحادية في 20 نوفمبر، وفي هذا الإطار أصدر بوش أمرًا بإنشاء مكتب الأمن الداخلي، في 8 أكتوبر للإشراف على الأمن الداخلي بالتنسيق بين أجهزة الاستخبارات الثلاثة عشر.
أما الإجراءات الإعلامية فقد استمرت الولايات المتحدة في فرض قيود على حرية الصحافة والإعلام، ومع أن قيادة الجيش الأمريكي وافقت على وجود عدد من مراسلي التليفزيونات والصحف على بوارجها الحربية، إلا أنها منعتهم من إرسال أي شريط أو مادة إخبارية، شرط أن توافق القيادة الأمريكية مسبقًا على مضمون هذه المواد، على حين كانت قناة الجزيرة وتعطى تسهيلات من قبل حركةطالبان، التي طلبت من جميع المراسلين مغادرة أفغانستان، ولم تبق إلا على مراسل الاسوشيتدبرس، ورويترز (92)،ويمكن مقارنة ذلك بالقيود التي فرضها وايلدرموث(مسئول العلاقات العامة للجنرال نورمان شوارسكوف)على الصحفيين إبان عملية عاصفة الصحراء؛حيث تم حصر الصحفيين في مجموعات مصحوبة بمرافقين عسكريين؛ مما حدد بصورة صارمة الوقت، والكيفية التي كانوا يستطيعون بها التحدث إلى القوات.
وبهذه التقييدات دفنت كثير من الحقائق التي لم تكن الولايات المتحدة لترضى أن تكشف، حتى إن باول وجه انتقادات لقناة الجزيرة لبثها تصريحات عنيفة ضد الولايات المتحدة، وأبلغ القادة القطريين تبرمه كما قال (93)، ولم يقتصر التبرم على قناة الجزيرة، وإنما طال وكالة رويترز بسبب رفضها استخدام عبارات مثل هجمات إرهابية وإرهابيين على أحداث 11 سبتمبر على حد قول المسئول في وكالة رويترز ستيفن جوكز- (94)، وكذلك قناة CNN التي حظرت عرض أي بيانات متلفزة صادرة عن القاعدة، إلا بعد موافقة السلطات (95)، أما الوجه الآخر للسياسة الإعلامية الأمريكية في إدارة الأزمة، فكان تعيين بوش للسفير المتقاعد كريستوفر روس لعرض وجهات النظر الأمريكية بشأن الحرب في أفغانستان باللغة العربية على جمهور التليفزيون العربي.
ولقد استفادت الولايات المتحدة من أخطائها الإعلامية السابقة في حرب فيتنام، حينما كانت تعرض مشاهد الجرحى، والجثث، وضحايا المعارك العنيفة، الأمر الذي عبأ الرأي العام الأمريكي ضد الحرب،وكما حدث في المعالجة الإعلامية لحرب الخليج الثانية، لم تعرض وسائل الإعلام مشاهد لضحايا العنف الأمريكي في أفغانستان.
أما الإجراءات المالية فاستمرت الإدارة الأمريكية في سياسة تجفيف مصادر الإمدادات المالية؛ فعمد بوش إلى تجميد أموال وحسابات، وحظر التعامل مع 62 مؤسسة، وشخصية، وتتصدر هذه القائمة مؤسسة البركات، والتقوى بفروعها المختلفة، وذلك في 7 نوفمبر، وتوقع البعض أن تزيد معاناة الشعب الصومالي بسبب تجميد حسابات شركة البركات التي تسهم اسهامًا كبيرًا في الاقتصاد الصومالي (96). وفي 4 ديسمبر قام بوش بتجميد أرصدة ثلاث مؤسسات بدعوى اشتباه تزويدها حماس بأموال لتجنيد انتحاريين، وهذه المؤسسات هي (بنك الأقصى – مؤسسة الأرض المقدسة – شركة بيت المال)، ويلاحظ أنه في هذه المرحلة تعدى تجميد أموال المنظمات، والأشخاص المشتبه في صلتهم بتنظيم القاعدة، إلى تنظيمات أخرى تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية، وفي هذا إشارة لامتداد الحرب ضد التنظيمات، التي تعتبرها واشنطن إرهابية على المستوى المالي، وفي هذا الصدد يقول وزير العدل الأمريكي، إنه بتجميد أموال حماس نرسل رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع الجماعات التي تعارض عملية السلام، مثلما لا تتسامح مع تلك الجماعات، التي هاجمت أرضنا في 11 سبتمبر.
أما عن الإجراءات الدبلوماسية في هذه المرحلة فتضمنت محاولات وقف الحرب، ثم الإعداد لتشكيل حكومة بديلة، وتعضيد الائتلاف الدولي ضد الإرهاب أما عن الجهود الدبلوماسية، لإنهاء الحرب؛ فقد عرض بوش في 12 أكتوبر تسليم أسامة بن لادن مقابل وقف الحرب، وردت طالبان عن طريق سفيرها في باكستان،بعرض تسوية حول الأزمة في 16 أكتوبر،ولكن حكومة الولايات المتحدة رفضت العرض،وبدت عازمة على الإطاحة بطالبان ولم تكن المبادرات إلا استهلاكًا إعلاميًا،
وأما عن الإعداد لحكومة أفغانية جديدة؛ فلقد بدأ الإعداد لها مبكرًا، وكان باول أول من أرسل وفدًا لزيارة ظاهرشاه ملك أفغانستان السابق في 4 أكتوبر، وفي زيارته لباكستان في 16 أكتوبر اتفق باول مع مشرف على ملأ الفراغ بعد طالبان بتشكيل حكومة يمكن أن تضم طالبان، بالإضافة للملك ظاهر شاه وتحالف الشمال، والذي رأى أن ذلك التحالف الشمالي لن يسيطر على الحكومة؛ لأنه لا يشكل سوى10% من نسبة السكان ولم يكن الشعب الباكستاني متقبلًا لهذه الزيارة؛ حيث قام بإضراب عام احتجاجًا على الزيارة حيث إن الزيارة كان لها أهداف أخرى تتضمن تسهيلات عسكرية للولايات المتحدة؛ حيث فتحت باكستان قاعدة عسكرية ثالثة أمام القوات الأمريكية (في إقليم بلوشستان الحدودي مع أفغانستان)، على حد قول زعيم حافظ حسين أحمد نائب رئيس جمعية علماء الإسلام في باكستان في 20 أكتوبر(97).
وتضمنت الزيارة وعودًا بالاستعداد للتوسط في حل مشكلة كشمير بالوسائل السلمية، وذلك بعد الاعتداء على البرلمان في جامو وكشمير في أكتوبر، وتوتر العلاقات بين الهند وباكستان، كما وعد باول باكستان بجدولة ديونها التي تصل إلى 30 مليار دولار، وإذا كان باول قد وعد بإمكانية إشراك عناصر من طالبان في الحكومة المرتقبة إلا أن البيان الروسي الأمريكي الذي وقعه بوش وبوتين في 16 نوفمبر، استبعد اشتراك عناصر من طالبان في أي حكومة قادمة.
ومن الجدير بالذكر أن الإدارة الأمريكية ركزت على تأكيد الإعلان عن إعطاء أولوية للأمم المتحدة في تشكيل الحكومة الأفغانية بعد هزيمة طالبان، وقال باول إن الأمر يستلزم قوات حفظ سلام دولية تشارك فيها الولايات المتحدة(98)، ولم يراع رأى باول في هذا الخصوص؛ فشكلت قوات حفظ سلام فيما بعد، وكانت الولايات المتحدة تعمل خارجها وفقًا لتفضيل رامسفيلد، الذي زار الهند وباكستان في 5 نوفمبر، بعد فترة من التوتر وصل الطرفان خلالها لقصف حدودي متبادل، عبر خط المراقبة في كشمير، ولوحت الهند بشن هجمات ضد الانفصاليين داخل الأراضي الباكستانية، وكانت الزيارة لتهدئة الموقف لضمان نجاح الحملة العسكرية الأمريكية.
أما على جانب الإجراءات الإنسانية فقد حاولت الولايات المتحدة على هذا الصعيد تنفيذ وعودها بإلقاء المساعدات الغذائية،إلا أن انتهاكات حقوق الإنسان كانت بارزة في هذه المرحلة، وتمثلت هذه الانتهاكات في قصف أماكن مدنية، والتحالف مع قوات الشمال ذات التاريخ الواضح في انتهاكات حقوق الإنسان، وبرزت أيضًا المذابح؛ مثل مذبحة قلعة جانجي السابق الإشارة إليها، وتقرير اتخاذ جزيرة جوانتانامو لسجن زعماء القاعدة،وعدم اعتبارهم أسرى حرب، ومحاكمة الأسرى عسكريا،ً ويمكن إلقاء اللوم في هذه الانتهاكات على وزارة الدفاع التي ادعت أن الحرب هي حرب الحرية:
ورغم قيام الطيارين كما تزعم وزارة الخارجية الأمريكية بالمخاطرة بحياتهم للإنزال الجوى لحوالي 37 ألف حصة غذائية على تجمعات اللاجئين(99)، إلا أن للحملة أخطاء إنسانية يمكن إبرازها في إصابة مخزن للصليب الأحمر في كابل يعمل في نزع الألغام، رغم وجود الشعار المميز للجنة في غارة أمريكية (100)، بالإضافة إلى ضرب المستشفيات، كما أعلنت حركة طالبان في 21 أكتوبر، وكذلك قتل أربعة من المدنيين وإصابة 21 على إثر خطأ في إلقاء قنبلة تزن 2000 رطل في منتصف أكتوبر.
وتعلن فرنسا في 26 أكتوبر أسفها لسقوط مدنيين؛ بسبب استخدام الولايات المتحدة لقنابل عنقودية، وكذلك تم قصف 8 أشخاص مدنيين بالخطأ في 28 أكتوبر، كما أعلن رامسفيلد في حي شار قلعة، ورفض رامسفيلد فتح تحقيق حول مجزرة قلعة جانجي، التي قتل فيها 600 من الأسرى(101)، ويضاف إلى هؤلاء الأسرى؛ أسرى طالبان الذين كانوا يحشرون في شاحنات حاويات البضائع بدون طعام، وبأعداد كبيرة عقب حصار قندز في 20 نوفمبر، والتي تقول التقارير إن هناك المئات منهم قد قتلوا، ودفنوا في مقابر جماعية (102).

ثانيًا – الخطاب السياسي في هذه المرحلة

ظل استخدام بوش وإدارته لمفردات الخطاب الديني في معالجتهم للمسألة الأفغانية؛ ففي خطاب بوش للأمة الأمريكية في 7 أكتوبر أول أيام الحرب (103) ركز على أن الأمريكيين لا يتخذون قرارات هامة إلا بعد الصلاة يقول: ” أرسلنا أولادنا للحرب بمنتهى الحرص وبعد كثير من الصلاة ” وهي إشارة للتدين، وفي نهاية الخطاب يقول ” اللهم أدم مباركتك لأمريكا”، ولا تخلو باقي الخطابات من ذكر ألفاظ “الرب(104)، الحمد لله(105)، ليباركم الرب(106)، وليبارك أمريكا، أبناء الرب(107)”.
ولن نجد في ذلك إلا تكرارًا لمرحلة الأزمة إلا أن كثافة استخدام المصطلحات الدينية تشتد في هذه المرحلة، ثم يأتي رامسفيلد ويقول إنه أوقف الضربات الجوية في الأسبوع الأول للحرب في 12 أكتوبر يوم الجمعة باعتباره يومًا مقدسًا عند المسلمين، وهذا بالإشارة يعنى أنه ينطلق من خلفية حضارية تحترم الأديان الأخرى، إلا أن إشارته ستسقط عندما يصر على استكمال الحملة في شهر رمضان،رافضًا وقف الضربات، إنها مظاهر للنفاق الخطابي، أما خطاب الإدارة الأمريكية حول الإسلام والمسلمين؛ فإن بوش الذي دعا القادة المسلمين لأول مأدبة رمضانية يقيمها البيت الأبيض في تاريخه، وذلك في 15 نوفمبر يقول: إن الإسلام الذي نعرفه هو دين الرحمة، وأن الحرب ليست ضد الإسلام والمسلمين؛ فالإسلام دين عظيم، والإرهابيون لا مكان لهم في أي ديانة، ثم يذكر آية قرآنية وهي: ” ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب. ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر ” ثم يذكر المسلمين بأن أمريكا هي التي تمارس هذا البر بمساعدتها الأفغان، وإرسالها لهم الدواء والغذاء (108)، وفي حين أن بوش يقول إن الحرب ليست دينية، فإن خطابه يستدعى الدين في كل مناسبة، وهو ما يعنى أن الدين حاضر في هذه القضية؛ لذلك لا يفتأ أن يستدعيه في كل مناسبة، وفي غير مناسبة، ثم يعرب بوش عن سعادته ببيانات الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي؛ لأنها أدانت الإرهاب، وقالت إن الأحداث لا تعكس معتقداتهم التي يؤمنون بها (109). أما باول في شهادته أمام الكونجرس فقد طالب بالاستعانة بالمسلمين الأمريكيين لتوضيح أن القيم الأمريكية متوافقة مع العقيدة الإسلامية (110).
أما الخطاب الحضاري؛ فهو يركز على تحويل أفغانستان إلى الديمقراطية، والنظام التمثيلي، وذلك يبدأ في اعتقاد أونيل وزير الخزانة الأمريكي(111)ببناء المدارس والمستشفيات وإنشاء مؤسسات اجتماعية متحضرة، إن أونيل يعتقد أنه كما طمست حضارة الساموراي في اليابان، فإنه من الممكن تكرار تلك التجربة التاريخية، الإشارة هنا هي أن النموذج الغربي للحكم هو النموذج الوحيد المقبول، والفحوى هنا أن أي نظام مخالف ليس هو النظام الأمثل، وجملة تحويل أفغانستان إلى الديمقراطية، والنظام التمثيلي جملة ثقافية.
ثم يتطرق باول إلى الحديث عن قدر الولايات المتحدة القيادي للحضارة الإنسانية قائلًا: ” إن القدر والتاريخ والنجاح جعل لأمريكا دورًا قياديًا في الشرق الأوسط والعالم، ونحن نرحب بهذا الدور لجعل العالم مكانًا أفضل لأبناء الرب (112)، وفي تلميح خفي يقول بوش: ” إن الولايات المتحدة الأمة الأكثر حرية في العالم والتى بنيت على القيم الأصيلة ترفض الكره والعنف والقتل والشر، وإن نجاحنا لا يخصنا فقط، بل يخص الأجيال الأمريكية، التي لم تولد بعد” هذه الصفات التي وصف بها الأمة الأمريكية أنكرها على الإرهابيين؛ باعتبارهم لا يمثلون المسلمين كما سيذكر فيما بعد، ويلاحظ أن هذه الصفات التي يلصقها بالإرهابيين هي ما أثبتها الاستشراق على العالم الإسلامي، والمجتمع الإسلامي كله، ورسخت في الأذهان؛ باعتبار أن هذه الأوصاف للمسلمين؛ إذن فهناك خطابين في الخطاب الواحد؛خطاب يخاطب به الكامن والمتعارف عليه والبديهي في الإدراك الأمريكي والغربي، وخطاب آخر خداعي للعالم الإسلامي يحاول إقناعه بأن الإدراك الأمريكي يفرق بين المسلم المتطرف، والمسلم العادي.
إذن فخطاب بوش يستدعى الصورة الذهنية عن العالم الإسلامي؛ وذلك عن طريق دلالة المخالفة، ثم يعضد باول هذا المنحى الحضاري في الخطاب قائلًا إن الهجوم على الولايات المتحدة هجوم على الحرية؛ أي أن الحرية تتماهى مع الولايات المتحدة، وهي جملة مجازية تجعل الدولة قيمة، والقيمة دولة تلك هي الإشارة، وذلك يقتضى أنه ليس هناك حرية من غير الولايات المتحدة بمفهوم المخالفة، وكذلك بالفحوى، وهي جملةمن الجمل الحاكمة، ويلاحظ كثافة الجمل الحاكمة، والتي هي في الغالب قيمية.
وفي هذه المرحلة أثيرت قضية المرأة بكثافة شديدة، لقد كانت مدخلًا لكل هجوم على طالبان؛ وهو شأن يتعلق بثقافة المجتمعات؛ فيقول بوش :”النساء تعامل معاملة منحطة، ولا احترام لحياة الإنسان” (113)، ويرجع باول إهمال المرأة، وعدم الاهتمام بصحتها وتعليمها وسجنها في بيتها، إلى فهم طالبان الخاطئ للإسلام؛ لأنه ليس هناك مبرر من الإسلام لذلك؛ فقد قرر أن حقوق المرأة غير قابلة للتنازل، وشدد على أن يكون للمرأة رأى في مستقبل بلادها، وأن تشترك في كل مظاهر إعادة البناء الإنساني، وجهود التنمية (114)، ويلاحظ هنا أن باول يجعل من نفسه مفسرًا للإسلام، وحكمًا على فهم المسلمين لإسلامهم، وهو تدخل يحمل وصاية ثقافية.
ولما كانت الدول الأقوى في الغالب تنزع إلى فرض ثقافتها، ولو بالقوة يقول: “لن نقلق على المرأة بعد ذلك إنهن تراجع ويسمعن”(115) والجملة الأخيرة تشير إلى التربص المستقبلي بأفغانستان تحت شعار حماية المرأة، ويستمر باول في الإعراب عن سعادته بمشاهده النساء يخرجن مع أطفالهن، ويتعلمن، بعد أن كن يخاطرن، ويتعلمن سرًا، وما زاد سعادته افتتاح محطة تليفزيون في كابل(116)، وهنا يبرز باول طالبان على أنها ضد تعليم المرأة، ولم يشر إلى الفقر، الذي كان سببًا في عدم توفير المدارس التي يتعلم فيها الرجل والمرأة، ودور الولايات المتحدة، والدول الأخرى في استمرار القتال والحرب الأهلية في أفغانستان(117).
وهناك مدخل آخر للهجوم على طالبان، وهو مدخل التعليم الديني؛حيث هاجمت الصحافة الغربية المدارس الدينية في مصر، والسعودية، وباكستان، وغيرها؛ باعتبار أنها تفرخ إرهابيين، وعلى المنوال السابق يعلن بوش مبادرة تنادى بالصداقة من خلال التعليم(118). وينشئ موقعًا على شبكة الانترنت خاص بهذه المبادرة، وهو يشير إلي أن التعليم الأمريكي يفرخ الصداقات، وهي إشارة من طرف خفي إلى أن التعليم في المدارس الإسلامية يفرخ العنف، وفي تبرير الحرب يستدعى مبررات قيمية؛ مثل الوقوف لحماية الحرية، والمدافعة عن الشرف والكرامة(119)، ودحر الإرهاب في العالم مبتدئًا بأفغانستان(120)،والهدف الاستراتيجي الأوسع للحرب هو مطاردة الإرهاب في خمسين دولة(121
أما الخصم فإن شره لا يوصف، ويقول باول في ذلك، إن إرهابهم غير مميز؛ حيث قتلوا الناس من كل ملة واعتقاد، وهم لا يتصرفون باسم الإسلام أو باسم الفقراء أو باسم الفلسطينيين(122)، وكان باول يستدعى خطاب ابن لادن الأول الذي ربط فيه بين أمن الفلسطينيين، وأمن الأمريكيين، وبالإضافة إلى هذه النعوت يصف باول الخصم بسمات منفرة ثقافيًا مثل قوله: “إنهم يمنعون الموسيقى:وكرة القدم، وتعليم المرأة،إنهم تجار الشر والموت والتدمير”، ويصل إلى أن الحرب لن تنتهي إلا بتدمير القاعدة (123).
أما بوش فيصف الخصم بصفات عاطفية؛ مثل:” أعداؤنارجعيون،وهم قساة القلوب، يغيظهم ما نحن فيه من حرية”،ثم يتعهد بوش أيضًا في 29 نوفمبر بأنه سيطارد الإرهابيين، ومن يؤويهم، قائلًا إننا أحضرنا من مختلف دول العالم 300إرهابي، وبمساعدة التحالف أحضرنا أكثر من 350 عضوًا إرهابيًا، ثم يستدعى بوش الدين بلا ملل؛ فيقول: “طالبان تحطم الرموز الدينية للآخرين …”(124)؛ أي أنه يجعل نفسه وصيًا دينيًا عالميًا، وتظل الإدارة الأمريكية تضخم من حجم القاعدة،وطالبان، حتى يشيع عن ابن لادن أنه يمتلك على الأقل عشرات الكيلو جرامات من اليورانيوم المشع (125)؛ لذلك فإن هذا الشر لابد أن يحاكم عسكريًا، مستدعيًا التاريخ قائلًا إن لهذه المحاكمات سوابق في حكم فرانكلين روزفلت (126)؛ وهنا تثار تساؤلات حول مصداقية ادعاءات الديمقراطية والحرية.
وعلى جانب آخر استغرق بوش في نزعة العاطفية؛ لأنه يريد تجييش المشاعر، وليس استنهاض العقول؛ فتظهر في خطاباته الحكايات عن الأطفال الخائفين، ويتوجه بالخطاب إلى الأطفال أن يتبرعوا لأطفال أفغانستان، وهذا ليس إلا استعراضًا إعلاميا؛ً ذلك لأن الانتهاكات الإنسانية شاهدة على زيف ادعاءات بوش المثالية، ويستنهض بوش بجانب الأطفال رجال الأعمال والطلبة في الخارج؛ ليكونوا سفراء للقيم الأمريكية (127)، ثم يعرض بوش لخطاب الحرب في 7 أكتوبر من غرفة المعاهدات في البيت الأبيض قائلًا:” إن أفضل شيء لنيل السلام، هو ملاحقه الذين يهددونه”.
أما عن انعكاسات الردود الأمريكية في هذه المرحلة على أرجاء مختلفة من الأمة؛ فلقد كانت القضية الفلسطينية كالعادة أكثر القضايا تأثرًا، شأن كل أزمة تصيب الشرق الأوسط؛ فتتلقى القضية الوعود مثلما حدث بعد حرب الخليج الثانية، ثم لا تلبث هذه الوعود أن تتبخر، وفي هذه المرحلة أكد بوش: ” إنه لابد من دولة فلسطينية ما دامت تعترف بحق إسرائيل في الوجود، وتعامل إسرائيل باحترام، وتحفظ سلام حدودها”(128)، ثم تحدث عن دولة فلسطينية تتعايش مع إسرائيل ضمن حدود آمنة في الدورة الـ56 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وإن رفض الالتقاء في 10 نوفمبر مع عرفات على هامش الاجتماعات،في إطار الضغط عليه، والتهديد بعزله دبلوماسيًا؛ كما طالب كذلك الرئيس الأمريكي إسرائيل بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية بعد إعادة احتلالها لها على إثر مقتل وزير السياحة الإسرائيلي في 24 أكتوبر، أما باول فقد زايد وطالب إسرائيل بالانسحاب الفوري، ورفض تشبيه حملة إسرائيل ضد الفلسطينيين بحملة الولايات المتحدة ضد ما تسميه الإرهاب (129)، وقام بتعيين الجنرال زيني مبعوثًا له في الشرق الأوسط؛ للمساعدة على التوصل لاتفاق يوقف إطلاق النار، وقال إن على إسرائيل وقف الاستيطان، وقبول دولة فلسطينية تعيش على قدم المساواة مع إسرائيل
وقبل أن يعرض باول وجهة نظره في الدولة الفلسطينية قام 89 عضوًا من مجلس الشيوخ، بتقديم رسالة لبوش بعدم منع إسرائيل من القيام بعمليات انتقامية ضد الفلسطينيين، وذلك في 17 نوفمبر بهدف التأثير على انتقادات باول لإسرائيل، في حين اعتبر بوش حركات المقاومة إرهابية قائلًا إن حماس مجموعة متشددة جدًا تريد تدمير إسرائيل(130).
وعلى صعيد آخر اضطر الرئيس اليمنى إلى أن يقوم بزيارة لواشنطن في مشارف نوفمبر، حتى لا توضع اليمن على الخريطة العسكرية الأمريكية، واتفق الطرفان على ملاحقة أعضاء تنظيم القاعدة أينما وجدوا، بينما استمر رامسفيلد في الربط بين ابن لادن و الصومال، كما استمر في اتهام العراق بدعم الإرهاب، وفي هذه المرحلة أيضًا بدت نذر عدم الاستقرار الداخلي في باكستان؛ حيث إن الموقف الرسمي للحكومة خلق فجوة بين الحكومة والجماهير:
وطالب مشرف أجهزة الأمن بالتصدي لأي محاولة لزعزعة الاستقرار؛حيث كانت هناك شائعة بمحاولة انقلابية في 11 أكتوبر لم يتبين صحتها، ثم يتحدى وزير الداخلية الباكستاني الجماعات الدينية قائلًا: “زودنا واشنطن بمعلومات عن طالبان، ومستعدون لمواجهة الأحزاب الدينية وقادتها (131). وعلى صعيد الأقليات الإسلامية تحدث صدامات بين جبهة مورو الإسلامية في الفلبين والحكومة، وذلك في 19 نوفمبر، تزور على إثرها رئيسة الفلبين الولايات المتحدة التي تعدها بالتعاون في مكافحة الإرهاب، وزيادة المساعدات الاقتصادية والعسكرية، وذلك في 21 نوفمبر، وكذلك الصين التي تعلن في 12 نوفمبر أن تركستان الشرقية شق مهم في الحملة ضد الإرهاب.
وتستمر الضغوط على الأنظمة العربية؛ فيبلغ باول سوريا أن مستقبل العلاقات بين البلدين يتوقف على جهود دمشق في تفكيك منظمات الإرهاب (132)،بينماتدعو كونداليزاريس سوريا إلى الكف عن الإرهاب(133)، أما السودان فيجدد بوش الحظر الأمريكي المفروض على السودان لمدة سنة أخرى؛ مبررًا ذلك بقلقه على حقوق الإنسان فى2 نوفمبر.
أما العراق فقد كان هناك تهديد واضح لإدراجها في مخطط الضرب العسكري؛ حيث قال بوش: “على صدام أن يسمح للمفتشين بالعودة، وإلا عليه أن ينتظر ليرى ماذا سيجرى”؛ وقال باول مفسرًا هذه العبارة:” لدى الرئيس كل الخيارات مفتوحة؛ حيث يطور صدام حسين أسلحة التدمير الشامل طوال عشر سنوات “، ويلاحظ ذلك النهج التصعيدي بعد وقوع كابل في يد المعارضة، واقتراب الملا عمر من تسليم قندهار.
المرحلة الثالثة من 5 ديسمبر إلى 22 ديسمبر

أولًا – الإجراءات والتحركات

كان من أبرز سمات هذه المرحلة استمرار مطاردة فلول القاعدة وطالبان الهاربة، والسعي للمحافظة على استمرار الائتلاف الدولي ضد الإرهاب، واستمرار منع التدفقات المالية للمنظمات الإرهابية،والتمهيد لتوسيع الحرب ضد الإرهاب، والبحث عن أهداف أخرى بعد أفغانستان حيث أصبح الانتشار العسكري الأمريكي بمثابة جيش يبحث عن حرب.
أما الإجراءات العسكرية في هذه المرحلة فتمثلت في مطاردة فلول القاعدة في جبال تورابورا، واستمرار العمل على تصفية جيوب طالبان، وتشكيل قوات حفظ السلام الدولية، وذلك كالتالي: قبل تسليم الملا عمر قندهار في 6 ديسمبر، وفراره إلى الجبال كانت قد بدأت الحملة العسكرية لملاحقة تنظيم القاعدة في جبال تورا بورا، وذلك في 4 ديسمبر، وبذلك دخلت الولايات المتحدة كما قال البعض مع تنظيم القاعدة في حرب غير متماثلة(134).
ويشدد الحصار على مقاتلي القاعدة فيعلن البنتاجون في 8 ديسمبر أنه سيقوم بإغراق أي سفينة تنقل الإرهابيين، وفي هذه الأجواء يشترط مقاتلو القاعدة شرطين للاستسلام؛ وهما حضور ممثلين من بلادهم، وتسليم المقاتلين إلى الأمم المتحدة؛ وذلك في 12 ديسمبر، وبحلول 16 ديسمبر تسقط جبال تورا بورا، ويختفي أسامة بن لادن(135)،ورغم ذلك تواصل الولايات المتحدة دك جبال تورا بورا في 18 ديسمبر، وتستخدم أكبر قنابلها لقصف معاقل القاعدة،حتى إن نائب وزير الدفاع الأمريكي يقول إن للقصف هدفين؛ هدف سيكولوجي، وهدف آخر يتمثل في القوة التدميرية العالية لهذه القنابل التي تزن 15 ألف رطل(136).
ثم بعد ذلك يقوم البنتاجون بإرسال 500 من قوات المارينز إلى قندهار؛ للتفتيش عن أسامة بن لادن، والبحث عن جثته بتحليل الحامض النووي، وهنا يمكن استدعاء التاريخ؛ حيث إن الولايات المتحدة بعد تدمير اليابان بإلقاء القنبلتين النوويتين، نفذت ألف طلعة بالطيران، رغم أن المدن كانت مخربة، وكذلك قتلت الملايين من الفيتناميين، وأبادت مدنًا كما يقول نعوم تشومسكي.
وفي 21 ديسمبر تعلن قوات التحالف أنها أسرت 7000 من قوات طالبان والقاعدة، وفي هذا المستوى يلاحظ استمرار التأييد الداخلي للعمليات العسكرية في الولايات المتحدة حتى إن 75% كانوا يعتقدون أن القوات الخاصة على وشك القبض على أسامة بن لادن(137).
كما شهدت هذه المرحلة الاتفاق على تشكيل قوات حفظ السلام الدولية، وقيام مجلس الأمن بتحديد آلية للتنسيق بين القوات الأمريكية، وقوات حفظ السلام الدولية، والتي لم يمنع وجودها استمرار الولايات المتحدة في ضرب جبال تورابورا؛ حيث أعلن رامسفيلد أن الولايات المتحدة لن تشارك في قوات حفظ السلام بصورة مباشرة، وهو ما يمثل انتصارًا لوجهة نظر رامسفيلد على باول، الذي كان يتوقع كما سبق توضيحه مشاركة أمريكية مباشرة في القوات الدولية، ويرجع عدم مشاركة الولايات المتحدة في هذه القوات إلى اعتبارات سهولة وحرية الحركة والتي تتحقق أكثر خارج قوات حفظ السلام الدولية. ثم يقوم بوش بنقل قيادة عمليات القوات البرية إلى الكويت، وما لهذا من إشارات ضمنية(138)،مشيرًا في حديث مع شبكة ABC نيوز إلى أن كل الخيارات مفتوحة(139).
أما الإجراءات الدبلوماسية المتخذة في هذه المرحلة، وشملت هذه الإجراءات جهود الولايات المتحدة لفرض اتفاق بون، الذي تم التوصل إليه في 5 ديسمبر، وكذلك العمل على المحافظة على بقاء الائتلاف الدولي، وضمان استمرار تأييد أوربا له، بالإضافة إلى ممارسة جهد دبلوماسي باستغلال أحداث سبتمبر للانسحاب من معاهدات سابقة، أما عن تهيئة الأوضاع للحكومة الأفغانية البديلة؛ فكانت الولايات المتحدة تدعى أنها تترك مسئولية تكوين هذه الحكومة على عاتق الأمم المتحدة، ويمكن القول في هذا الصدد إنه كانت هناك جهود دبلوماسية سابقة لتشكيل هذه الحكومة في مرحلة الحرب؛ حيث عقد قبل سقوط كابل مؤتمران وهما؛ مؤتمر روما، ومؤتمر بيشاور، وقد كانا بمثابة بالونات اختبار لمواقف الفصائل.
وبعد سقوط كابل تعددت الجهود الدبلوماسية، حتى تم التوصل إلى صيغة في مؤتمر بون في 5 ديسمبر، لكن رغم ادعاء الولايات المتحدة الحياد في تشكيل هذه الحكومة، إلا أنها أثرت على شكل هذه الحكومة؛ حيث لم تدع شخصيات بشتونية أساسية- كحكمتيار- مؤثرة في تشكيلة الخريطة القبلية الأفغانية، وجدير بالذكر أن حكمتيار رفض اتفاق بون(140)، كذلك تجاوزت الولايات المتحدة برهان الدين رباني، الذي قال عن الملك ظاهر شاه، الذي تؤيده الولايات المتحدة بأنه مومياء سياسية(141).
وجعلت الغلبة لتحالف الشمال الأفغاني في التشكيل الوزاري المتفق عليه في بون؛ حيث كان توزيع الحصص يميل لهم؛ فكل الوزارات السيادية كانت حكرًا عليهم، وهو ما يعنى أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى استقرار هذا البلد؛ وبناء على هذا فإن شكل الحكومة جاء متفقًا مع البيان الأمريكي الروسي، الذي ينص على استبعاد حركة طالبان من أي حكومة جديدة، متجاوزًا ما صرح به باول، والذي سبق الإشارة إليه من اشتراك عناصر طالبانية في الحكومة.
أما على صعيد المحافظة على الائتلاف الدولي، وضمان تأييد أوربا؛ فقد أبرمت الولايات المتحدة اتفاقًا للتعاون الأمني مع الاتحاد الأوربي في 5 ديسمبر، وأعلن باول الذي حضر التوقيع التزام الولايات المتحدة باستشارة حلفائها في الائتلاف الدولي، قبل أي مرحلة جديدة في إطار الحرب ضد الإرهاب(142)، ويلاحظ على هذا الصعيد إدراك الدول أن العالم الإسلامي هو المستهدف من استمرار الائتلاف، حتى إن اليابان تعلن عدم موافقتها على توسيع الحملة العسكرية ضد الإرهاب؛ لأنها ستوسع الفجوة بين الولايات المتحدة، والعالم الإسلامي(143)، وعلى جانب آخر استغلت الولايات المتحدة فرصة تقاربها مع روسيا؛ ليعلن بوش في 13 ديسمبر أنه سينسحب من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ في غضون ستة أشهر(144)؛ وهو ما يعنى سقوط استراتيجية الردع النووي، واستئثار الولايات المتحدة بالقوة القصوى؛ وذلك ما يفتح الأبواب لعصر جديد من سباق التسلح، وهو ما يعنى أن الولايات المتحدة تسعى لخلق عالم غير مستقر.
أما عن الإجراءات الإعلامية فإن أهم ما يميزها في هذه المرحلة؛ هو استخدام وزارة الخارجية شبكة الإنترنت للبحث عن الإرهابيين، وأنشأت موقعًا لهذا الغرض(145)، وفي 13 ديسمبر عرضت وزارة الدفاع الأمريكية شريط فيديو تزعم أنه يؤكد مسئولية ابن لادن عن أحداث 11 سبتمبر؛ بما يعنى أن الإدارة الأمريكية تستخدم سلاح ابن لادن الإعلامي ضده، ولقد نفى الرئيس بوش أن يكون هذا الشريط ملفقًا، أو محرفًا، ويلاحظ أن بوش كان قد رفض من قبل عرض أدلة اتهام ابن لادن، وعندما قدم الدليل اضطر للدفاع عن صحته، وهو دليل لا يبرر سرعة الرد الأمريكي، وقوته؛ لذا يمكن القول إن الرد الأمريكي كان يسعى لتقديم كبش فداء لتهدئة الرأي العام الأمريكي، فضلًا عن اعتبارات أخرى كانت تحتم سرعة الرد؛ مثل اعتبارات الهيبة الدولية،
أما عن الإجراءات المالية فإن أهم ما يميز هذه المرحلة تجميد أموال وأصول كبرى المؤسسات الأمريكية المسلمة؛ ففي 7 ديسمبر تم تجميد أموال وأصول مؤسستي النجدة العالمية والبر الدولية، وفي 21 ديسمبر جمد بوش أرصدة منظمتين جديدتين؛ أحدهما متهمة بتزويد شبكة القاعدة بمعلومات نووية، والثانية مسئولة عن الاعتداءات على البرلمان الهندي؛ وذلك بمناسبة مرور مائة يوم على اعتداءات سبتمبر، ومن جانب آخر استمر استخدام سلاح الإغراءات المالية؛ حيث تم عرض عشرة ملايين دولار لمن يدلى بمعلومات تقود إلى الملا عمر مثلما عرض من قبل في مرحلة الأزمة خمسة وعشرون مليون دولار لمن يدلى بمعلومات عن ابن لادن.
أما عن الإجراءات الأمنية الداخلية ففي هذه المرحلة تأكد أن مصدر الجمرة الخبيثة مصدر محلى(146)، وصدرت القائمة الرابعة في 7 ديسمبر في إطار سلسلة القوائم الإرهابية، التي أصدرتها الإدارة الأمريكية منذ أحداث 11 سبتمبر، وتضمنت 39 من المنظمات، والشركات، والجمعيات الخيرية، معظمها لأسماء من أقطار إسلامية كالأردن، ولبنان، وليبيا، وباكستان، وتركيا، وأوغندا.
أما على صعيد الإجراءات الإنسانية فقد شهدت الجهود الأمريكية الإنسانية انحسارًا في هذه المرحلة؛ حيث تركت عبء إعمار أفغانستان على مجموعة دعم أفغانستان، والتي تتشكل أغلبيتها من الدول الأوروبية، وقد عقدت هذه المجموعة في 6 ديسمبر مؤتمرًا في برلين ألقى بدوره عبء تحديد حجم المساعدات لأفغانستان على مؤتمر طوكيو في السنة التالية، والذي عقد في 21 يناير 2002، وعلى الجانب الآخر استمرت الانتهاكات الإنسانية الأمريكية لحقوق الإنسان كالتالي:
1-الإعلان عن محاكمة قادة طالبان، والقاعدة محاكمة عسكرية، بينما الأسرى الأفغان العاديين أوكل محاكمتهم إلى الحكومة الانتقالية(147)، وذلك عكس ما أراد باول، من ترك محاكمة كل الأسرى الأفغان إلى الأفغانيين، وانتصرت آراء رامسفيلد في هذا الشأن(148).
2-عدم اعتبار أسرى القاعدة أسرى حرب، وعدم تطبيق المواثيق الدولية عليهم في هذا الشأن.
3-كذلك استمر قتل المدنيين؛ فقامت القوات الجوية الأمريكية في 21 ديسمبر بضرب موكب لوجهاء القبائل قتلت فيه 65 شخصًا قال عنهم رامسفيلد إنهم من قادة طالبان.
4-تم قصف تنظيم القاعدة في جبال تورابورا بأكبر سلاح تقليدي في العالم، كما ورد سالفًا.
ثانيا- مستوى الخطاب الرسمي الأمريكي، استمر قاموس المصطلحات الدينية فاعلًا في خطابات الرئيس بوش مستخدمًا كلمات مثل: “فليبارك الرب نساء، وأطفال أفغانستان”(149)، وفي الذكرى الشهرية الثالثة لأحداث 11 سبتمبر ينهى الخطبة بالحمد لله(150): وفي 7 ديسمبر ينهى خطبته بقول:” فليباركم الرب وليبارك أمريكا”(151) وهذا يدل على استمرار حضور الدين في حرب بوش ضد خصومه.
أما عن ربط بوش لأحداث 11 سبتمبر بالحضارة؛ فقد قسم العالم وفقًا لمعيار الحضارة قائلًا: “الانقسام ليس بين الأديان والثقافات، وإنما بين البربرية والحضارة؛ فالناس في كل ثقافة يريدون أن يعيشوا بأمان في ظل العدالة، والرحمة، والتطلع لحياة أفضل، وهم يرفضون هذه القيم، وبهذا يقفون ليس فقط أمام الغرب، وإنما في وجه العالم أجمع”(152) كما جعل الاختلاف القيمي سببًا للحرب قائلًا: “نحن نحاربهم من أجل القيم، وطريقتهم الوحشية تجاه المرأة،والتعدي على حقوق الإنسان الأساسية”(153).
وهكذا تظل المرأة مدخلًا للهجوم على الخصم، وحمايتها من قبل الولايات المتحدة تمثل تبريرًا أخلاقيا للتدخل، ويقول بوش في هذا “طالبان تمنع النساء من الكلام، أو الضحك بصوت عال، ويعاقب النساء على ركوب الدراجة، أو حضور المدرسة، ويرجمن في حالات الاشتباه في الزنا، إن طريقة طالبان خطأ في كل ثقافة ودين”(154)،”وكما تضطهد طالبان المرأة فهي تضطهد الأطفال فتقتلهم إذا ضحكوا في حضرة الجنود، وتعتقلهم وتعذبهم لجرائم ارتكبها آباؤهم” لذلك يدعى بوش أنه من خلال الحكومة الجديدة ستسعى الولايات المتحدة إلى نشر التعليم والصحة لكل النساء الأفغان والأطفال(155).
ثم يستطرد: “لن ننسى أبدًا الضحك والموسيقى، والتهليل، والتصفيق في المكان الذي كان يستخدم كساحة للإعدام، وهنا يلاحظ أن الولايات المتحدة غيرت من هدفها لمحاربة طالبان من مجرد إيوائها لابن لادن في خطابها السابق، إلى أنها تحاربها من أجل القيم في الخطاب الحالي.
وتظل الحرب حرب العدالة، ولكن في هذه المرحلة يتعدى الخطاب أفغانستان؛ حيث يصبح أي شخص (فرد) من الذين يدعمون القتلة أو الإرهابيين مطلوبًا للعدالة(156) ،ويستمر بوش في خطابه القيمي الذي يبرر الحرب قائلًا:” إن أحداث 11 سبتمبر أكدت أن مهمتنا هي الدفاع عن الحرية”، وأننا وطن الحرية(157)، بينما هجوم سبتمبر هجوم على المدنية(158)، ولم ينس بوش أن يستدعى التاريخ، كما استدعاه في مرحلة الحرب قائلًا: “إن هجوم بيرل هاربر دبر في السر، وشن بلا رحمة، وحصد أرواح 1402 من الأمريكيين”، هذه المشابهة بين الأحداث تجعله يقول إننا نحارب لنحمى أنفسنا وأولادنا، ولأمن شعبنا، ولإنجاح الحرية، نحارب ضد أناس بلا ضمير تملؤهم طموحات بتشكيل العالم حسب تصوراتهم، ونحن نحاربهم لننتصر(159)؛ أي إنه يجعل الحرب بين تصورين، وأن دخوله الحرب لكي ينتصر، كمن يدخل مباراة لكرة القدم، أو أي لعبة أخرى، ولا غضاضة في ذلك؛ فالتاريخ الغربي على حد قول تشومسكي يدلنا أن الحرب لديهم كانت كالرياضة
أما عن تصور الإرهاب في الخطاب الرسمي الأمريكي فيستمر بوش في تأكيد أنه أيديولوجية لا تحترم الحدود؛ فالإرهابيون يزدرون المجتمعات الخلاقة، ومثل الفاشية يجب أن يسحق الإرهاب، ويستمر بوش في طلب الخصم حيًا أو ميتًا، ومع ذلك فإن نهاية الحرب ستظل غامضة؛ حيث يقول باول: “إن المهمة لن تنتهي حتى بعد جلب ابن لادن للعدالة؛ لأن المهمة مطاردة القاعدة في أي مكان توجد فيه”، ومن ناحية أخرى لم يمل بوش في خطابه عن الإسلام والمسلمين من التأكيد أن الحرب ضد الإرهاب،وليست ضد المسلمين أو الإسلام(160).
أما عن بعض الرموز والملاحظات الأخرى التي جاءت على هامش الخطاب؛ فتمثلت في طلب بوش من قادة العالم عزف السلام الوطني الأمريكي في الحادي عشر من ديسمبر(161). وما لهذا من معان رمزية إمبراطورية؛ حيث يعزف السلام الوطني الأمريكي في كل العالم في الوقت الذي تعزفه وكالة ناسا في الفضاء، وذلك إشارة إلى أننا نعيش العصر الأمريكي.
وكما ظهر بوش الباكي في بداية الأزمة، ظهر بوش الضاحك الساخر في نهاية هذه المرحلة؛ ففي خطابه في 7 ديسمبر يسخر من طالبان، ضاحكًا ومضحكًا أعضاء الكونجرس 4 مرات، وهو إن دل فيدل على غطرسة القوة، وعدم احترام الآخر، كما يبرز “المضمرات النسقية التي تتسرب في شعب ما عبر حيلها، وتكون جماهيرية نص، والتي تدل على توافق مبطن بين المغروس النسقي الذهني في دواخل هذا الشعب والنص، مما يدفعه إلى الاستجابة السريعة إلى أي نص يضمر داخله شيئًا خفيًا، يتوافق مع ما هو مخبوء في هذا الشعب، ويحصل هذا القبول للنص الحامل لذلك النسق؛ حتى وإن كانت دلالات هذه النصوص لا تتفق مع ما يؤمن به في العلن، ومن الخطابات التي تحقق هذا الغرض، الخطابات التي تحتوى على نكات”(162)، ويمكن القول إن الخطاب في هذه المرحلة هو استمرار لخطاب مرحلة الحرب، ويدل ذلك على أن الحملة الأمريكية لم تفتر.
أما عن انعكاس الردود الأمريكية في هذه المرحلة على أجزاء من الأمة فلقد ازداد توجس الأمة باعتبار أن أراضيها باتت مسرحًا للعمليات العسكرية الأمريكية، وباعتبار أن حركاتها التحررية صارت محلًا للدمغ بالإرهاب، وازداد ذلك التوجس خاصة بعد نقل مقر قيادة العمليات العسكرية الأمريكية من أفغانستان إلى الكويت، كما أعلن في 10 ديسمبر؛ حيث تعددت التخمينات بنقل المجهود الحربي الأمريكي من أفغانستان إلى الصومال أو اليمن أو لبنان أو العراق؛ فعلى صعيد العراق بدأ تشيني نائب الرئيس يثير بصورة رسمية قضية لقاء رجل مخابرات عراقي لمتهمين في تفجيرات 11 سبتمبر قائلًا: “نصر على معرفة ماذا دار في هذا اللقاء”(163). مشيرًا إلى أن العراق، وفر الدعم المادي للإرهابيين، ودعا الكونجرس إلى تقديم أموال للمعارضة العراقية، بينما اعترف باول بأن العراق وإن استبعد ضربه الآن؛ إلا أنه مدرج بالأجندة(164) وفي لقاء لباول مع شبكة تليفزيون ABC في 16 ديسمبر قال: “إن محاربة أسلحة الدمار الشامل جزء من محاربة الإرهاب، وإن بغداد لديها أسلحة كيماوية وبيولوجية”، إلا أنه يمكن ملاحظة أن توقيع روسيا في بداية ديسمبر لاتفاق تجارى مع العراق بأربعين مليار دولار، عقد مسألة ضرب العراق دون تسوية مع روسيا(165). أما على صعيد اليمن؛ فقد انتشرت أنباء في 5 ديسمبر عن نشر جنود أمريكيين (لحماية) شواطئ اليمن، كما استمرت الضغوط على الصومال؛ بادعاء وجود عناصر للقاعدة في الصومال حتى قال وزير خارجية الصومال في 16 ديسمبر: “مرحبًا بالتدخل الأمريكي لإعادة الاستقرار للبلاد”.
على جانب آخر استمرت الولايات المتحدة في محاصرة حركات التحرير؛ حيث أدرجت بعد حادثة البرلمان الهندي في 13 ديسمبر بعض حركات المقاومة الكشميرية في قائمة الإرهاب كما سبق توضيحه، وعلى صعيد القضية الفلسطينية تغيرت لهجة الخطاب الأمريكي حول القضية الفلسطينية، وعملية السلام؛ حيث قال بوش بعد إعرابه إن حركة حماس الفلسطينية حركة إرهابية: “أؤيد حق إسرائيل في الوجود كدولة حرة، ولا يمكن لإسرائيل أن تتفاوض على عملية سلام مادامت بلادها تتعرض للإرهاب، وإلا لن يكون هناك سلام … شارون رجل سلام … ويجب على العالم الحر، ودول الشرق الأوسط أن يهتموا بالسلام باجتثاث جذور الإرهاب لهؤلاء القلة التي تريد أن تقوض عملية السلام… شارون هو المسئول الوحيد المنتخب في المنطقة بشكل ديمقراطي، وعليه مسئولية الدفاع عن شعبه، وسيفعل ذلك”(166)، وكذلك اتخذ باول موقفًا مناقضًا لموقفه في المرحلتين السابقتين؛ حيث رفض شرط الأيام السبعة الذي كانت تشترطه إسرائيل لاستئناف مفاوضات السلام، وذلك في مرحلة الحرب، أما في هذه المرحلة فقد استدعى باول الجنرال زيني من مهمته في الشرق الأوسط؛ لدفع عملية السلام محملًا الرئيس عرفات في 15 ديسمبر مسئولية فشل المهمة، وطالبت الولايات المتحدة أوروبا على إثر ذلك بمقاطعة عرفات.
ويلاحظ حدة الخطاب الأمريكي تجاه الفلسطينين، وتحميلهم المسئولية، وتهديدهم عكس المرحلتين السابقتين اللتين اتسمتا بمطالبات أمريكية لإسرائيل، ولا يخفي الانحياز الأمريكي الواضح لإسرائيل في الفيتو الأمريكي ضد المطلب العربي، الذي يدعو إلى حماية الفلسطينيين، وإرسال مراقبين دوليين إلى الضفة الغربية، وقطاع غزة، أو إقامة آلية إشراف؛ لتطبيق تقرير لجنة ميتشل، لوقف إطلاق النار، واستئناف المفاوضات (167)
وعلى جانب آخر وصلت قوات أمريكية خاصة إلى الفلبين في 14 ديسمبر في إطار محاصرة حركات التحرر الإسلامية، ولم تنس الإدارة الأمريكية في هذه المرحلة فتح الملفات القديمة، وتصفية الحسابات، خاصة بعد الانتصار على حركة طالبان؛ حيث أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية أن الوزارة قررت الإعلان عن مكافآت مالية مقابل تقديم معلومات تقود إلى اعتقال أو محاكمة أفراد مسئولين عن أعمال إرهابية محددة ضد المواطنين الأمريكيين، الذين كانوا يعيشون في إسرائيل، والضفة الغربية وقطاع غزة، وقالت إنها ستضيف قريبًا أسماء فلسطينية مطلوبة للعدالة الأمريكية؛ لإقدامهم على قتل نحو 21 مواطنًا أمريكيا في العقد الماضي(168)، بينما لم تسلم السعودية من الهجوم في الإعلام الغربي؛ الأمر الذي دفع ولى العهد السعودي إلى انتقاد هذه الحملة المغرضة، التي رأى أنها تستهدف السعودية بسبب تمسكها بالعقيدة الإسلامية(169).

الخلاصة

إن أهم ما يمكن استخلاصه من هذا العرض هو أن المسألة الثقافية لم تعد في الظل، ولم تعد تابعا،ً بل إنها شئنا أم أبينا تطغى على سطح الأحداث، أو على الأقل تزاحم، وتضايق على هذا السطح غيرها من المعطيات، حتى يمكن القول مع محمد عابد الجابري إن المسألة الثقافية بمعناها الواسع هي اليوم المحرك للتاريخ(170)، وفي العلاقات الدولية يظل المكون الثقافي دائم الحضور، وفي تاريخنا المعاصر، والذي يمكن تقسيمه إلى ثلاث فترات تاريخية تنطلق من قيام وسقوط الاتحاد السوفيتي؛ فقبل قيام الاتحاد السوفيتي كانت الإمبريالية الغربية تبرر استغلالها للشعوب بعبء الرجل الأبيض، ومسئوليته في نشر الحضارة، والتنوير، وذاقت الأمة الإسلامية حربًا ثقافية حامية الوطيس، حتى إن لغات بعض شعوبها قد تم محوها، وفي إبان الفترة السوفيتية التي كشفت أهداف الإمبريالية الغربية في الاستغلال الاقتصادي، باستخدام أسلحة الثقافة التي تشوه وعى الشعوب، وحينئذ كان على حرب الغرب- والولايات المتحدة خاصة – الثقافية أن تفتر إلى حين في مواجهة العالم الإسلامي، في مقابل شحنها في مواجهة العالم الشيوعي.
ثم كان انهيار الاتحاد السوفيتي، وانبلاج الإمبريالية الغربية الجديدة، ورأس الحربة في هذه الحرب كانت الولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذا المضمار يمكن الإشارة إلى ارتباط اليمين السياسي في الولايات المتحدة بالمنحى الثقافي في إدارته للعلاقات الدولية، ولقد برز ذلك مع وصوله إلى الحكم في عهد ريجان، وانتشار المنظمات الأصولية ذات القاعدة الجماهيرية الكبيرة؛ مثل منظمة الأغلبية الأخلاقية، ومنظمة الائتلاف المسيحي، ومجلس بحوث الأسرة، وتؤثر الأصولية المسيحية على القرارات الحكومية، والسلطة التشريعية، والحياة الأمريكية باستخدام العديد من الوسائل التعليمية والإعلامية، وتوضح دراسة حديثة أن التحالف المسيحي منذ 1990 لعب دورًا سياسيًا مباشرًا قبل بداية كل انتخابات تشريعية؛ حيث يقوم بتوزيع دليل الناخبين على 70 ألف كنيسة في الولايات المتحدة، يوضح للناخب توافق برنامج المرشح مع رأى اليمين المسيحي(171) هذا المنحى الثقافي في إدارة الولايات المتحدة لأحداث 11 سبتمبر كان واضحا في الخطاب الأمريكي، والهجوم الإعلامي على التعليم الديني في العالم الإسلامي، وفي قبول الإسلام إذا اتفق مع نموذجهم؛ فكان هناك إسلامان؛ أحدهما مدجن، والآخر شارد، ولا يخفى العنف الثقافي الذي مورس من قبل الولايات المتحدة في تعاملها مع أحداث سبتمبر؛ ذلك العنف الذي يقصى الثقافات الأخرى؛ ويقعر الثقافة الأمريكية، وإضافة إلى بروز المنحى الثقافي في العلاقات الدولية، يمكن استخلاص مجموعة من النتائج الأخرى؛ أولها- يتعلق بشكل الخطاب الأمريكي المصاحب للردود وثانيها- مدى اتفاق الخطاب الأمريكي مع الردود وثالثها- نتائج الردود الأمريكية، وتأثيرها على أوضاع الأمة.
فأما شكل الخطاب الرسمي الأمريكي فقد اتسم بخصائص منها:
1-أنه خطاب انفعالي عاطفي يستخدم تعبيرات عاطفية مثل”ابن لادن رجل شرير، صدام رجل شرير، الولايات المتحدة دولة عطوفة”، ورموزًا عاطفية مثل؛ “التلويح بشارة الجندي الذي قتل وهو ينقذ الضحايا في 11 سبتمبر، والبكاء، والسخرية، إلى غير ذلك مما لا يخاطب العقل”، يضاف إلى ذلك كثافة استخدام الخطاب للأساليب الإنشائية كالأمر والنهى والمدح والذم، تلك الأساليب التي لا تحتمل الصدق والكذب، وحتى الأساليب الخبرية المستخدمة في الخطاب يلاحظ عليها أن القوى الفاعلة فيها؛ “كالمسلمين،القاعدة،ابن لادن،الولايات المتحدة،طالبان000إلخ” كان يسند إليها أفعال وصفات ذات طبيعة عاطفية، ويصدق ذلك أيضًاعلى المفاهيم المستخدمة في الخطاب (كالإسلام،الإرهاب،الحرية….. إلخ).
2-أنه خطاب تضليلي، وتمثل ذلك في تضخيم قدرات الخصم؛ فتحدث الخطاب عن امتلاك ابن لادن قدرات نووية.
3-خطاب يستخدم مفردات البلطجة والمافيا،مثل تصريحي بوش، ورامسفيلد بطلب ابن لادن حيًا أو ميتًا.
4-خطاب سلطوي مستبد آمر، ومن ذلك تصريح:” من ليس معنا فهو ضدنا”، وطلب تسليم ابن لادن دون استعداد للدخول في مفاوضات حول تسليمه.
5-خطاب استعلائي ينفى الآخر، يحتوى على مقولات ذات علاقة صفرية مثل إما طريقتنا أو طريقتهم، ويتصور في طريقته الحضارة التي تحمل كل القيم كالعدالة والحرية، والعدالة هي ما تحدده الولايات المتحدة؛ حتى ولو كانت محاكمات عسكرية.
6-كذلك فهو خطاب مكتظ بالجمل الثقافية، التي تستدعى الدين، والتاريخ، والتراث الحضاري.
7-خطاب لا يقوم على معلومات، ولا يقدم أدلة وحججه ضعيفة.
8-خطاب مرتبك لا يخلو من متناقضات؛ مثل تصريح الحرب الصليبية، ثم تصريح أن الحرب ليست دينية.
9-خطاب غامض؛ حيث جعل العدو ظاهرة؛ وهي الإرهاب، وربط نهاية الحرب بنهاية تلك الظاهرة التي لم يتفق على تحديدها بعد.
ومثل الخطاب العربي المعاصر الذي أخفق على حد قول البعض(172) في إخفاء تناقضاته، وإضفاء ما يلزم من المعقولية على نفسه، كان الخطاب الأمريكي الذي يتحدث عن عالم واحد ذو حضارة واحدة، ثم لا يلبث أن يخرج بمقولات تتضمن وجود عالمين أحدهما ديمقراطي، والآخر غير ديمقراطي كالشرق الأوسط عدا إسرائيل، ويرجع هذا التناقض إلى سمات بنيوية في الخطاب الأمريكي تستدعى أفكار العصور الوسطى؛ فزمن الفكر في الخطاب الأمريكي إذن زمن ميت بالمثل، كما يُدٌعى على الخطاب العربي المعاصر، ويضاف إلى ذلك اختلاط السياسي بالديني؛ حيث تريد الإدارة الأمريكية في خطابها أن تجعل من العالم مكانًا أفضل لأبناء الرب، وهو نفس ما يتهم به الخطاب العربي المعاصر، كما أن الخطاب الأمريكي حول ما بعد 11 سبتمبر لم يستطع إعطاء مضمون واضح ومحدد، وكما يهيمن على الفكر العربي نموذج السلف، كذلك يهيمن على الخطاب الأمريكي، وبالتالي ينزع الخطاب إلى التعامل مع الممكنات الذهنية، وكأنها معطيات واقعية؛ ولذلك فالخطاب الأمريكي هو خطاب الذاكرة لا خطاب العقل، خطاب لا باسم ذات واعية، وإنما باسم سلطة مرجعية توظف الذاكرة لا العقل(173).
ثانيًا- الخطاب والواقع
يقول نعوم تشومسكي: “كان كينان من أذكى وألمع المخططين الأمريكيين، وله دور رئيسي في تشكيل عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتمثل كتاباته تصويرًا مثيرًا لمكانة الحمائم، وكتب في 1948 المذكرة رقم 23 لتخطيط السياسة: علينا التخلي عن الأحلام والعواطف، والتركيز على أهدافنا القومية، يجب أن نمسك عن كلامنا المبهم للآخرين، والأهداف غير الحقيقية مثل حقوق الإنسان، ورفع مستوى المعيشة، والتحول الديمقراطي، ولن يكون اليوم الذي نضطر فيه للتعامل بمنطق القوة بعيدًا، وكلما قلت عوائقنا من جراء رفع تلك الشعارت كان ذلك أفضل، وكانت المذكرة 23 سرية للغاية، أما العامة فكانوا يحتاجون للرقص على أنغام الشعارات المثالية ” (174)
وفي أحداث سبتمبر فقد حمل الخطاب الأمريكي قيمًا مثل الديمقراطية والحرية والحضارة وحقوق الإنسان، ولكن على أرض الواقع كانت الهجمة الأمريكية العسكرية على أفغانستان بربرية من حيث استهدافها للمدنيين، واستخدامها قنابل انشطارية لا تتفجر بمجرد إلقائها بل تظل كألغام مضادة للأفراد؛ أي بربرية من حيث أسلحتها الفتاكة؛ حيث بلغ وزن بعض القنابل المستخدمة 7000 رطل، حتى عندما كانت تلقى المساعدات الغذائية كان معظمها يلقى ليلًا، وفي مناطق تحالف الشمال (175)، ووجهت منظمات حقوق الإنسان انتقادات للولايات المتحدة لتحالفها مع قوات تحالف الشمال ذات التاريخ المثقل بالانتهاكات الإنسانية، هذا فضلًا عن أن عدالة الولايات المتحدة التي يجب أن تذهب لابن لادن، أو يسلم إليها هي المحاكم العسكرية المقررة لتنظيم القاعدة، وقادة طالبان، ولم يخل الخطاب من احترام للعرب والمسلمين، بينما الواقع شهد حملات اعتقال واسعة للعرب والمسلمين، وتشديد إجراءات الهجرة تحت ذريعة الظروف الاستثنائية.
ثالثًا – نتائج الردود الأمريكية، وتأثيرها على أوضاع الأمة
كانت النتائج سلبية بالطبع، ويمكن تلخيصها في خسائر جيوسياسية، وذلك بعد كثافة التواجد العسكري الأمريكي في العالم الإسلامي، خاصة بعد التوافق الروسي الأمريكي، وخسائر عسكرية تتمثل في استمرار عدم التوازن العسكري مع الغرب في ظل قيود امتلاك القوة العسكرية بدرجاتها المختلفة، التي يمتلكها الغرب، ويحرمنا امتلاكها، وخسائر سياسية تتمثل في فقدان السيادة من الناحية الموضوعية في ظل التدخلية الأمريكية الجديدة؛ حيث أصبحت قوائم الإرهاب مبررًا لاجتياح أراضى الغير،وخسائر نفسية تتمثل في الاحباط، والشعور بحالة الوهن، وعدم القدرة على تغيير الأوضاع المجحفة في النظام الدولي، وخسائر اقتصادية تتمثل في استمرار علاقة التبعية، وعدم القدرة على حماية الأموال الإسلامية العاملة في الخارج سواء في بنوك أو مؤسسات، وخسائر ثقافية تتمثل في تشويه للثقافة الإسلامية، وتحميلها مسئولية العنف، وفرض وصاية على نظمها التعليمية.
وبناء على العرض السابق يمكن القول إن هذه الورقة البحثية تجيب على أسئلتها كالتالي:
1-كانت الولايات المتحدة تدير العالم بالأزمات، ولم تكن تدير أزمة.
2-إن إدارة الولايات المتحدة الأمريكية لتداعيات أحداث سبتمبر لها سوابق تاريخية تظهر في تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع محيطها في أمريكا الجنوبية، وحتى خطابها الديني يمكن تلمسه في خطابات دالاس الذي يقول إن الحياد أسلوب لا أخلاقي؛ إذ كيف للمرء أن يزعم أنه محايد إذا لم يقطع بخيار بين الخير والشر (176)، وكذلك في إطلاق ريجان لفظ إمبراطورية الشر على الاتحاد السوفيتي، ولكن الجديد هو كثافة استخدام المصطلحات الدينية، وصعود البعد الثقافي، والديني إلى المرتبة الأولى في الصراع على الأقل ظاهريًا.
3-كان البعد الحضاري الأخلاقي حاضرًا في الخطاب، لكن الواقع شهد تحركات لا أخلاقية.
4-لم تكن الاستجابة الأمريكية للحدث مجرد رد فعل، وإنما كانت ردودًا استراتيجية أثرت بالسلب على الأمة الإسلامية بتجلياتها المختلفة.
5-كما أن الحديث عن التناقضات بين الصقور والحمائم في الإدارة الأمريكية،هو قول مبالغ فيه، فوزارة الخارجية بدأت في المرحلة الثالثة السالفة الذكر بفتح ملفات قديمة للأمة لافتعال مشكلات جديدة، إن هدف الفريقين (الحمائم والصقور) الهيمنة والسيادة الأمريكية، ولكن تختلف الطرق لذلك فبدلًا من القول بحمائم وصقور، يمكن القول بثيران وثعالب.
*****

الهوامش

1- أحمد يوسف أحمد، عالم ما بعد 11 سبتمبر، الهلال، ديسمبر 2001، ص9،10.
2- إبراهيم نافع، انفجار سبتمبر بين العولمة والأمركة، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة 2002، ص 10.
3- نهى الجبالي، الأبعاد الاقتصادية لأحداث سبتمبر، السياسة الدولية، عدد 147، يناير 2001،ص172.
4- أحمد السيد النجار، في ظلال عاصفة سبتمبر، كراسات استراتيجية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة، السنة 12، 2002، ص 3.
5- نيرمين السعدني، أحداث سبتمبر وتداعياتها على الاقتصاد الأمريكي، السياسة الدولية، مرجع سابق ص 176.
6- كاري لوري، صدمة النهوض،Newsweek باللغة العربية 5/2/2002،ص35.
7- أحمد السيد النجار، مرجع سابق،ص3.
8- 11سبتمبر صناعة أمريكية،الأهرام 10/9/2002 ص27
9- بندر بن عبد الله، نظرية الخطف، الشرق الأوسط 1/11/2001،ص12
10- مايكل هيرش، ما الذي حدث خطأ، Newsweek باللغة العربية 28/5/2002، ص29
11- محمود خلف، العملية عسكرية، وليست إرهابية، آفاق عربية، 26/9/2002،ص9
12- أحمد عبد الحليم، الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة، السياسة الدولية، عدد 147، يناير 2001 ص199.
13- وليد عبد الحي، المكانة المستقبلية للولايات المتحدة على سلم القوى الدولية، السياسة الدولية، العدد 126،أكتوبر 1996، ص8
14- حوار مع د. قدري سعيد، آفاق عربية 26/9/2002 ص3
15- ذلك التقسيم مقتبس من موقع البيت الأبيض على شبكة الإنترنت عن الاستجابة الرسمية لأحداث سبتمبر.
16- عبد الله الغذامي، النقد الثقافي رؤية جديدة، فصول، عدد 59 ربيع 2002، ص 45.
17- عبد المجيد محمود مطلوب، طرق استنباط الأحكام من النصوص، كلية الحقوق جامعة عين شمس، 1991، ص8.
18- عباس رشدي العماري، إدارة الأزمات في عالم متغير، مركز الأهرام للترجمة والنشر القاهرة، 1993، ص27.
19- مرجع سابق ص ص 211- 222
20- مرجع سابق ص 49
21- مايكل هيرش، باول في الوسط، Newsweek باللغة العربية 2/10/2001
22- الأهرام 15/9/2001
23- الأهرام 3/10/2001
24- الأهرام 3/10/2001
25- التقرير الاستراتيجي العربي 2001 ص55
26- مرجع سابق ص46.
27- السياسة الدولية، عدد 148، أبريل 2002 ص103
28- الوطن العربي، عدد 1283، 5/10/2001 ص6
29- الأهرام 26/9/2001
30- السياسة الدولية، العدد 147، مرجع سابق ص78، 79
31- مرجع سابق ص 79
32- الشرق الأوسط 5/10/2001
33- Newsweek باللغة العربية 2/10/2001 ص7
34- الأهرام 14/9/2001
35- أرشيف موقع الجزيرة على شبكة الإنترنت عن أحداث 11 سبتمبر (الحرب وتسلسل الأحداث) www.Aljazeera.net
36- هربرت أ-شيللر، المتلاعبون بالعقول، ترجمة عبد السلام رضوان، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1999 ص 82
37- مرجع سابق ص62
*جون آر ماكارثر،الجبهة الثانية(التضليل الإعلامي في حرب الخليج)، دار الفكر للنشر والتوزيع،عمان،الأردن،1993،ص22،74.
38- مرجع سابق www.Aljazeera.net
39- مرجع سابق
40- http://www.whitehouse.gov/news/release/20010915html
41- http://www.fbi.gov/pressere101/092701hjpic.html.
42- وكالة أنباء الشرق الأوسط 19/9/2001
43- الأهرام 26/9/2001
44- الأهرام 16/9/2001
45- الشرق الأوسط 8/10/2001
46- الشرق الأوسط 4/10/‏ 2002
47- الأهرام 13/9/2001
48- صادق جلال العظم، ذهنية التحريم، ص 19
49- http://www.whitehouse.gov/responses/military response
50- http://www.whitehouse.gov/news/release/20011006html
51- الشرق الأوسط 5/10/2001
52- الأهرام 19/9/2001
53- نعوم تشومسكي، 501 سنة، الغزو مستمر، ص 243
54- حديث بوش الإذاعي http://www.whitehouse.gov/news/release/20010915html
55- http://www.News.bbc.co.uk/hi/englishworld/americas/newsid-1547000/154756.stm
56- الشرق الأوسط 2/10/2001
57- نعوم تشومسكي، مرجع سابق، ص 21
58- والتر أ مكدوجال، أرض الميعاد والدولة الصليبية، ص5
59- مرجع سابق، ص21
60- نيفين مسعد، الأحرار 17/9/2002، ص5
61- مرجع سابق http://news.bbc
62- نبيل على، الثقافة العربية وعصر المعلومات، ص 407
63- شحاتة محمد ناصر، الأبعاد السياسية والأمنية، شئون خليجية عدد 28 شتاء 2002 ص 65 الأهرام 20/9/2001
64- http://www.whitehouse.gov/news/release/2001/9/20010913.7html
65- http://www.whitehouse.gov/news/release/2001/9/20010920.8html
66- http://www.whitehouse.gov/news/release/2001/9/20010915.html
67- Humanitarian Aid to Afghanistan, http://www.whitehouse.gov/news/release/2001/10/20011006.html
68- انظر نعوم تشومسكي 501 سنة – الغزو مستمر، مرجع سابق
69- محمد عيسى، إرهاب الدولة، مجلة دراسات، العدد الأول، مارس 1999، ص94
70- http://www.state.gov/secretary/rm/2001/4943.htm
71- مؤتمرصحفي في 21/9/2001 www.state.gov/secretary/rm/2001/5008htm
72- انظر هامش رقم 71
73- انظر هامش رقم 72
74- وكالة رويترز 21/9/2001
75- مرجع سابق
76- الشرق الأوسط 6/10/2001
77- نعوم تشومسكي، ماذا يريد العم سام، دار الشروق، 1998، ص 53
78- statement on Redesignation of foreign terrorism organizations www.state.gov/secretary/rm/2001/5255.htm
79- Newsweek باللغة العربية 2/10/2001 مرجع سابق
80- الشرق الأوسط 1/10/2001
81- نعوم تشومسكي ماذا يريد العم سام، مرجع سابق ص 59
82- Newsweek باللغة العربية 7/10/2001 ص20
83- Newsweek باللغة العربية 30/10/2001 ص14
84- Newsweek باللغة العربية 20/11/2001 ص15 نصيحة للجنرال مشرف
85- الوطن العربي العدد 1285، 19/10/2001، ص6
86- Newsweek باللغة العربية في 23/10/2001 ص 29
87- الخليج 20/10/2001
88- محمد جمال مظلوم، التداعيات العسكرية لأحداث الولايات المتحدة، شئون خليجية، شتاء 2002، عدد 28، ص 80،وانظر أيضًا المجلة، العدد 1131، 14/10/2001، ص 32
89- الخليج 22/11/2001 ص26
90- شئون خليجية، مرجع سابق ص 101
91- المجلة، العدد 1131، 14/10/2001 ص6
# جون آر ماكارثر،مرجع سابق،ص13
92- الشرق الأوسط 11/10/2001
93- المجلة، مرجع سابق ص 14
94- مرجع سابق www.Aljazeera.net
95- الشرق الأوسط 8/11/2001
96- الخليج 21/10/2001
97- الشرق الأوسط 17/11/2001
http://whitehouse.gov /responses/military responses
98- أساطير وحقائق www.usinfo.state.gov/arabic
99- في 16/10/2001 www.Aljazeera.net
100- في 1/12/2001 انظر www.Aljazeera.net
101-Newsweek في 27/8/2002 ص8-13
102- http://www.whitehouse.gov/news/release/2001/10/20011007-8html
103- http://www.whitehouse.gov/news/release/2001/10/20011011-8html
104- http://www.whitehouse.gov/news/release/2001/11/20011129-12html
President Says U.S. Attorney on Front line in war.
105- Education Partnership with muslim Nation Launched http://www.whitehouse.gov/news/release/2001/10/20011025-2html
106- www.state.gov/secretary/rm/6219.htm
107- www.state.gov/secretary/rm/2001/5306.htm
108- مرجع سابق
109- الأهرام 7/10/2001
110- www.state.gov/secretary/rm/2001/6233.htm
111- United States Position on Terrorism and Peace in the Middle East. www.state.gov/secretary/rm/2001/6219.htm
112- President Discuss war , Humanitarian Effort www.state.gov/secretary/rm/2001/11/20011109-12.htm
113- Afghan Women , www.state.gov/secretary/rm/2001/6229.htm
114- مرجع سابق
115- مرجع سابق
116- المجلة عدد 1131، 14/10/2001 ص 22
117- http://www.whitehouse.gov/news/release/2001/10/20011025-2html
118- http://www.whitehouse.gov/news/release/2001/11/20011111-11html
119- في 8/11/2001 President Discuss war on Terrorism , opt.
120- الشرق الأوسط 19/11/2001
121- انظر هامش رقم 118
122- انظر هامش رقم 105
123- مرجع سابق
124- الوطن العربي عدد 1289، 16/11/2001
125- انظر هامش 113
126- انظر هامش رقم 120
127- الشرق الأوسط 13/10/2001
128- الشرق الأوسط 16/10/2001
129- الشرق الأوسط 5/12/2001
130- الخليج 12/10/2001 ص 16
131- الاتحاد 19/11/2001
132- الوطن العربي عدد 1286، 26/10/2001
133- محمد عبد السلام، الحرب غير المتماثلة بين الولايات المتحدة والقاعدة، السياسة الدولية، عدد 147.
134- الاتحاد 17/12/2001
135- الشرق الأوسط 11/12/2001
136- Newsweek باللغة العربية في 11/12/2001 ص 12-14
137- الحوادث، عدد 2355، 21/12/2001 ص6.
138- مرجع سابق www.Aljazeera.net في 5/12/2001.
139- الوطن العربي، العدد 1292، 7/12/2001، ص20
140-مرجع سابق ص 19
141-الاتحاد 12/12/2001
142-الاتحاد 13/12/2001
143-الوسط عدد 517، 24/12/2001، ص7، وكذلك Newsweek 25/12/2001 ص4
144- الشرق الأوسط 15/12/2001
145- وذلك في 20/12/2001 انظر www.Aljazeera.net
146- الشرق الأوسط 12/12/2001
147- 10/12/2001 انظر www.Aljazeera.net
148- President signs Afghn Women and childern relief Act- http://www.whitehouse.gov/news/release/2001/12/20011212-9html
149- http://www.whitehouse.gov/news/release/2001/12/20011211-1html
150- President: we are fighting to win and win we will http://www.whitehouse.gov/news/release/2001/12/20011207-7html
151- مرجع سابق
152- انظر هامش 149
153- مرجع سابق
154- مرجع سابق
155- http://www.whitehouse.gov/news/release/2001/12/20011217-4html
156- انظر هامش 150
157- President Proclaims Human
Right day
http://www.whitehouse.gov/news/release/2001/12/20011212-9html
158-انظر هامش 151
159- الشرق الأوسط 21/12/2001
160- http://www.whitehouse.gov/news/release/2001/12/20011205-11.html
161- عبد الله الغذامي، مرجع سابق، بتصرف، ص51
162- الشرق الأوسط 10/12/2001
163- في 21/10/2001، انظر موقع الجزيرة، مرجع سابق
164- Newsweek باللغة العربية 11/12/2001 ص4
165- الشرق الأوسط 6/12/2001
166- الاتحاد 16/12/2001
167- الشرق الأوسط 10/12/2001
168- الاتحاد 9/12/2001
169- محمد عابد الجابري، المسألة الثقافية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1994، ص13
170- فهمي هويدي، دور الأصولية البروتستانتية في السياسة الخارجية الأمريكية، المجلة عدد 1139، 15/12/2001.وانظر أيضًا سمير مرقص، اليمين الديني الأمريكي المسيرة من التأثير القاعدي إلى المشاركة في السلطة في د/نادية مصطفى (محرر)، السياسة الأمريكية تجاه الإسلام والمسلمين بين الأبعاد الثقافية والحضارية والأبعاد الاستراتيجية، سلسلة محاضرات حوار الحضارات، برنامج حوار الحضارات، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2002، ص 149-173.
171- محمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1992.
172- مرجع سابق، بتصرف ص 193 –207
173- نعوم تشومسكي، ماذا يريد العم سام، مرجع سابق ص13
174- المجلة، عدد 1134، 4/11/2002، ص6
175- عباس رشدي العماري، مرجع سابق، ص 162.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى