السياسات الثقافية لدول الأركان الثلاث وأثرها في المكانة والدور

تبحث كل دولة ترى في ذاتها مقومات القوة عن القيام بدور، ولكن في هذا العصر لم يعد تحقيق الدور والمكانة على الساحة الدولية منفصلا عن السياسات الداخلية للدولة المعنية، وفي قلبها السياسات الثقافية. وفي هذا السياق، سيتم تناول السياسات الثقافية لدول الأركان الثلاث في العالم الإسلامي (مصر، وتركيا، وإيران) بامتداداتها الخارجية، وكيف عكست رؤية كل منها لطبيعة دورها وتوجهه.

أولا- الإطار النظري: السياسة الثقافية بين الداخلي والخارجي

برز مفهوم السياسة الثقافية كأحد المفاهيم التي برزت منذ النصف الثاني من القرن العشرين, ليدلل على أحد مجالات تدخل الدولة في السياسات العامة, وقد جاء ذلك نتيجة أحداث ميزت هذا القرن وأدت لتحولات على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وامتدت آثارها إلى ما هو ثقافي, مما أدى إلى وضع معايير جديدة للممارسات الثقافية في الداخل والخارج اعتمادًا على التخطيط والتنظيم. ومن ناحية أخرى، تطور معنى الثقافة بحيث لم يعد مقتصرًا على ميراث الدولة من الأدب والفن وغيره, بل اتسع ليشمل بجانب ما سبق أنماط السلوك وطرائق المعيشة وكذلك القيم.
إن السياسة العامة للدولة ومنها السياسة الثقافية لا تقتصر على البعد الداخلي فقط في ظل تهاوي الحدود بين الداخل والخارج وعلاقة التأثير والتأثر القائمة بينهما, حيث أصبح للسياسات الثقافية للدولة بعداها الداخلي والخارجي وهما لا ينفصلان في ضوء استراتيجيات واضحة لصانعي القرار في الدولة المعنية, وتتضح أهمية بعدي السياسات الثقافية لدولة ما فيما يلي:
على المستوى الداخلي: تبرز أهمية السياسات الثقافية من الحاجة إلى التعبير عن الإرادة السياسية التي تلتزم بتنفيذ ورعاية وتطبيق البرامج والخطط الثقافية, وأن تكون الخطط والمشاريع الثقافية قادرة على تلبية الحاجات الفعلية للمجتمعات وحماية التعدد والتنوع الثقافي[1].
وقد اتفق علماء السياسة على أن الدولة هي الإطار الذي يتوج البنيان الاجتماعي، وذلك منذ الفلسفة اليونانية مرورًا بالفكر الإسلامي ووصولا للفكر الحديث؛ حيث استقر القول بأن اكتمال الإنسان الأخلاقي لايتم إلا في ظل الدولة. فمن هنا استمدت طبيعتها التي تنفرد بها وسيادتها. فالدولة في أحد تعريفاتها المستقاة من نظريات العقد الاجتماعي والمستلهمة من تاريخ الفكر السياسي الإسلامي: نظام معياري للقيم العامة في المجتمع. وهو ما يعلو على الدولة ككيان مؤسسي وبنية قانونية وإدارية والدولة كسلطة حاكمة. وتعمل الدولة على احتكار المجال الرمزي الثقافي كما تحتكر المجال السياسي، ولكن تنبع قوة الدولة من مدى قدرتها على تنفيذ الأهداف الرسمية والتعبير عن مصالح القوى الاجتماعية المختلفة عوضًا عن التصور الخاص باستمداد الدولة قوتها من التغلب على المعارضة القوية. ولاشك أن من بين المصالح الاجتماعية هذه المصالح الثقافية[2].
على المستوى الخارجى: فقد شهد الواقع الدولي بروز الأبعاد الثقافية ومنظومات القيم مقارنة بالأبعاد العسكرية والاقتصادية, وأصبح العنصر الثقافي أحد أبعاد قوة الدولة القومية في النظام الدولى. وقد نظر لذلك دارسو العلاقات الدولية؛ حيث دشن جوزيف ناي مفهوم القوة الناعمة في العلاقات الدولية وقد ارتبط ظهور ذلك المفهوم بظهور وزن الأبعاد الثقافية في تحركات الدولة سواء على المستويات الداخلية أو الخارجية, فلقد عرف ناي القوة الناعمة بأنها القدرة على الحصول على ما تريد من الآخرين عبر الإقناع، وتعتمد القوة الناعمة بالأساس على القيم الثقافية والسياسية والقدرات الإعلامية والتبادل الفكري والعلمي[3], وقد أصبحت القوة الناعمة وفي قلبها الثقافة أحد أبرز مجالات التنافس بين الدول في النظام العالمي, من حيث قدرة الدولة على التأثير في الآخرين والتأثير على آرائهم وتوجهاتهم وتغييرها نحو الانجذاب إلى ثقافة تلك الدولة القائمة بممارسة القوة الناعمة , لذلك فقد أصبح وزن الثقافي واضحا على الساحة الدولية بعد أن سادت ولفترات طويلة الأبعاد العسكرية دون منازع. وبالتالي، فإن الأبعاد الداخلية والخارجية للسياسات الثقافية لدولة ما لا ينفصلان في إطار السياسات الثقافية للدول.
ولكن, قبل هذا وذاك هناك عدة عناصر ومقومات تؤثر في مدى فاعلية السياسة الثقافية لدولة ما سواء داخليا أو خارجيا، مثل: الموقع الجغرافي، تركيبة الشعب، التطورات السياسية، الوضع الاقتصادي، الإرث التاريخي والمكانة الحضارية وتصورات الدولة عن سياستها الخارجية ودورها الإقليمي. وسيتم الاعتماد على بعض المؤشرات مثل: أوضاع التعليم والبحث العلمي والفنون والمرأة، أما على الصعيد الخارجي فإلى جانب البحث في ظلال ما سبق من عناصر خارجيًا هناك كذلك ما يتصل بمدى بروز الأدوات الثفافية على الصعيد السياسي الخارجي ودور المراكز الثقافية لهذه الدول في الخارج.

ثانيًا- السياسات الثقافية المصرية

(أ) بحثًا في عناصر ومقومات الدور:
منح الموقع الجغرافي المتميز لمصر العديد من المزايا كما فرض عليها الكثير من التحديات في عديد من المجالات وعلى رأسها المجال الثقافي[4]. يبلغ عدد سكان مصر حوالي 85 مليون نسمة يدين معظمهم بالإسلام إلى جانب وجود المسيحيين. وتعد اللغة العربية اللغة الرسمية للبلاد. ويمكن القول أن العنصر البشري من المفترض أن يكون من أهم مقومات بناء الدولة المصرية لا سيما مع تشكيل الشباب نسبة كبيرة منه، إلا أن سياسات الدولة لا توظف هذا الأمر.
أما سياسيًا، فهناك عدة عقبات تحول دون حياة ديمقراطية حقيقية في مصر وتعرقل بناء مقومات تعددية سياسية فعلية. ومن أهم مظاهر الأزمة البنائية في النظام السياسي المصري، والتي رصدها د.حسنين توفيق إبراهيم، والتي تنعكس في السياسات والأوضاع الثقافية: غياب تدوال السلطة والشخصانية، جمود التنمية الحاكمة وتكلسها، استمرار العمل بقانون الطوارئ، غياب المشاركة السياسية، ضغف الأحزاب السياسية وعدم قدرتها على المنافسة بل وحتى التنسيق وبناء التحالفات. أيضًا، فإن الحركات الاجتماعية التي ظهرت مؤخرًا تعاني من المواجهات المستمرة. وعامةً، يمكن القول إنه لا يوجد حراك فكري حقيقي على المستوى السياسي، مما يعرقل تطوير البنية الثقافية المصرية بل ويؤخرها لاسيما في ظل غياب القواعد الشعبية بالرغم من أن واحدة من أهم وظائف الأحزاب هو بناء الكوادر والتثقيف ونشر الوعي. وكانت الانتخابات التشريعية الأخيرة خير دليل على ذلك[5].
أما بالنسبة للأبعاد الاقتصادية، تتخذ الدولة المصرية كغالبية دول العالم النظام الرأسمالي. ومن أهم ملامح ذلك الانسحاب من الاستثمار المباشر في الزراعة والصناعة وغيرها والاكتفاء بتوفير البنية الأساسية وتحرير سعر وسوق الصرف وخصخصة القطاع العام. ولكن يمكن القول أن هذه السياسات في الحالة المصرية قد أدت إلى آثار سلبية على المجتمع لاسيما الطبقة الوسطى منه حيث استمرار أزمة البطالة وانخفاض الحد الأدنى للأجور الذي صدر بشأن رفعه أحكام قضائية خلال عام 2010 إلا أنها لم تجد سبيلها إلى التنفيذ. ولا شك أنه في مناخ كهذا يكون من الصعب إحداث تطور على الصعيد الثقافي سواء على المستوى الرسمي أوغير الرسمي[6].
وفيما يخص التاريخ باعتباره الامتداد والعمق الزمني في العلاقات والأدوار، فقد قامت مصر عبر تاريخها -كما ترى د.هبة رءوف- بأدوار متنوعة في محيطها الجغرافي الأمر الذي ازداد مع تبلور دورها في المحيط الإسلامى منذ قرون مضت إلا أن الجغرافيا وحدها لا تضمن استمرار الدور التاريخي[7]. وقد مرت السياسة الخارجية المصرية بأكثر من مرحلة عقب ثورة يوليو 1952؛ حيث الحقبة الناصرية وما اتسمت به من مد قومي. فقد تبوأت مصر مكانة إقليمية متميزة ساهمت فيها القوة الناعمة بنصيبٍ وافر، إذ قدمت الثورة المصرية الخلفية الفكرية للعديد من حركات التحرر بدول المنطقة، هذا في إطار استخدام أدوات القوة الناعمة من إعلام وغيره.
وفي السبعينيات وما تلاها، كانت مرحلة جديدة للسياسية الخارجية المصرية تراجع فيها الدور على الصعيدين الإقليمي والدولي. وقد أسهم في تبلورها عدد من المحددات: أولها تغير طبيعة النظام السياسي المصري بتولي الرئيس السادات ثم الرئيس مبارك، وثانيها تحولات طرأت على النظام الإقليمي؛ حيث تغير موازين القوى الإقليمية، وما يوصف بترجيح كفة “الثروة” على “الثورة”. ذلك، فضلا عن التغيرات على الصعيد العالمي من انهيار الاتحاد السوفيتي وبروز الولايات المتحدة كقطب أحادي[8].
ويحدد د.حسن نافعة ثلاثة تحديات تواجه السياسة الخارجية المصرية، هي:
1. تحدي الحياة والبقاء بالعمل على تأمين احتياجات مصر من مياه النيل.
2. تحدي الأمن بالعمل على مواجهة مصادر التهديد الخارجي، خاصة التهدايدات القادمة من حدود مصر في ظل محاولات تفتيت المنطقة.
3. تحدي التنمية، بالعمل على تهئية البيئة الإقليمية والدولية لتدفق الاستثمارات[9].
وهي جميعها تحديات من المفترض أن يكون للعامل الثقافي دوره فيها.
ويمكن القول بأن هناك من المقومات الجغرافية والحضارية ما يمكِّن مصر من تبوأ مكانة رائدة وممارسة قوة ناعمة فعالة، إلا أن هناك العديد من المعوقات السياسية والاقتصادية ما من شأنه أن يحول دون ذلك.

(ب) الرؤى الرسمية للهوية والثقافة المصرية:
يؤكد الدستور المصري على هوية مصر العربية الإسلامية، كما أنه على الصعيد الداخلي يؤكد على قيمة المواطنة والمساواة. الأمريْن اللذين كانا محورًا لكثير من الجدل فيما بعد.
فوفق الرؤية الرسمية، فيما يخص الهوية، نجد التأكيد على مركزية الهوية الوطنية المصرية التي حفظت للدولة تماسكها منذ فجر التاريخ، وكذلك التأكيد على انتماء مصر الحضاري للأمتين العربية والإسلامية. ومن مبادئ الحزب الوطنى الديموقراطي الحاكم(*) “المعلنة” في هذا الإطار: الالتزام بمبدأ المواطنة كأساس للمساواة التامة في الحقوق والواجبات بين جميع المصريين، بغض النظر عن الدين أو العقيدة أو الأصل أو الجنس، ويؤكد الحزب على تمسكه واعتزازه بالوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط. والإيمان بالدور الإيجابي للأديان السماوية في تحقيق النهضة والتقدم، والتأكيد على دور الإسلام ومبادئ شريعته السمحاء باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع، وعلى أهمية تجديد الخطاب الديني بما يعكس قيم العمل والتكافل والتسامح، ويمكِّن من تحقيق العدل والمساواة، ويضع الأساس الصلب لمجتمع يسعى لتحقيق التنمية الشاملة. ثم عن السياسات الثقافية، فهناك تأكيد على أهمية التغيير الثقافي وتكريس قيمة التنوير والعلم كشرط لتحقيق التقدم. إلا أن ما كان محل تركيز في برنامج الحزب الانتخابي هو الجانب التعليمي والحديث عن تأسيس مجتمع المعرفة.
وبالرغم من أن السياسات الثقافية تتصل بأعمال وزارات عدة كوزارتي التعليم والإعلام، إلا أنه سيتم التركيز على تناول رؤية وزارة الثقافة كمثال باعتبارها المنوطة بشكل أساس بالشأن الثقافي. وقد مرت نشأة وزارة الثقافة بعدة المراحل أبرزها: في البداية كانت معظم أجهزتها متفرقة بين وزارات مختلفة أبرزها ما كان يسمى وزارة المعارف العمومية، ثم بدأ كيانها في التبلور دون اسمها حين تأسست وزارة الإرشاد القومي في أول عهد الثورة، في حين جاء أول ذكر لوزارة الثقافة في حكومة الوحدة الثانية في أكتوبر 1958 حين عيَّن الدكتور ثروت عكاشة أول وزير للثقافة والإرشاد القومي حتى عام 1961، وأحيانا كا يتم الدمج بين وزراتي الثقافة والإعلام، أو بين الثقافة والتعليم والبحث العلمي. وفي أكتوبر 1987 تولى فاروق حسني منصب وزير للثقافة ليكون صاحب أطول مدة في تولي هذا المنصب حتى ثورة 25 يناير 2011.
وتحدد وزارة الثقافة هدفها كالآتي: “ورثت مصر عن تاريخها تراكمًا ثقافيًا عبر حقب من التاريخ مثلتها حضارات متعاقبة، الأمر الذي جعل مصر من أوائل الأقطار التي تعنى بوجود وزارة الثقافة تكون مهمتها إكساب الشخصية المصرية تعريفًا بتاريخها وصيانة مقدرات هذا الوطن من تراثه ورعاية مكتسباته الإبداعية الناتجة عن عطاء أفراده. وهذه الأهداف جميعها استوجبت وضع سياسة ثقافية ترتكز على ثلاثة محاور أساسية هي: الرؤية الشاملة للكيان الثقافي المصري ودوره في المجتمع، والسياسات النابعة من هذه الرؤية والتي تحوِّل الإطار الفلسفي إلى خطط تفصيلية، والخطط التنفيذية التي تمثل الترجمة العملية للسياسة النظرية.
وترتكز الرؤية على عدة عناصر مبدئية مثل: الثراء الثقافي الذي تحظى به مصر، والدور المصري وهو دور قيادي استقته مصر من مصادر سبق ذكرها وهي التاريخ – الجغرافيا – البشر. وقد أعلنت الوزارة اتباع السياسات التالية: التجديد والابتكار، واللامركزية؛ حيث إن مصر كانت تعاني دائمًا من تمركز العمل الثقافي في العاصمة حيث لا يصل إلى مدن مصر وقراها إلا القليل.
وبالنسبة للتمويل، فهو العقبة الرئيسية التي تواجه العمل الثقافي خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة. ولذا اتجهت الأجهزة إلى البحث عن وسائل مبتكرة للتمويل من خلال التعاون مع رؤوس الأموال والمؤسسات الوطنية. بالإضافة إلى اتجاه الدولة إلى تطوير المعاقل الثقافية وإضافة معاقل أخرى، والعمل على التفاعل مع ثقافات العالم من خلال تبادل النشاط الثقافي والمشاركة الفعالة في الأحداث الدولية والانفتاح الثقافي على العالم، ووضع مصر في مكانها الريادي ثقافيًا وحضاريًا[10].

(ج) السياسات الثقافية على الصعيد الداخلي:
ويمكن تناول السياسات الثقافية داخليًا على أكثر من مستوى: مستوى الفنون والآداب، مستوى القضايا الفكرية والثقافية المهيمنة على الساحة الثقافية، ومستوى التعليم والبحث العلمي.
1- الفنون والآداب:
وفي هذا الإطار برزت عدة قضايا تعبر عن إشكاليات تراجع المكانة والتأثير. ففي إطار تبديد الإمكانات، كان لتراجع الدراما والسينما المصرية هيمنة على الجدل العام. فعلى سبيل المثال، تراجعت الدراما المصرية في مواجهة الدراما السورية وكذلك التركية كما تراجع دور الدولة في رعايتها.
وتعددت الأسباب المتناولة من المراقبين في هذا الصدد، ومن أهمها: 1- سيطرة المادة الإعلانية والمكاسب التجارية على صناعة الدراما وليس قوة المضمون، وهذا ما دفع إلى عقد مؤتمر بالمجلس الأعلى للثقافة في يناير 2011 لمناقشة أزمة الدراما المصرية[11]. 2- الانفصال عن مشكلات المجتمع إلى حدٍ ما سواء كان ذلك بتجاهلها أو تعميقها. حيث توصلت إحدى الدراسات التي أجريت على مسلسلات رمضان عام 2010 إلى أن الدراما المصرية تقوم بما يشبه الترويج للتدخين، إذ تتضمن الكثير من المشاهد لمدخنين ومتعاطي مخدرات وتظهرهم كشخصيات مؤثرة في محيطها، بل ووفق الدراسة أيضًا إن تصوير أشخاص يمسكون بمسبحة وفي نفس الوقت يدخنون يضعف فيما بعد من استخدام الوازع الديني للوقاية[12].
وبالنسبة إلى السينما، فكذلك هناك عدة مؤشرات على أزمتها، ومنها التالي:
– رغم المهرجانات السينمائية العديدة التي تعقد بمصر كمهرجان القاهرة السينمائي ومهرجان السينما الروائية، إلا أن هذه المهرجانات ذاتها من أكثر ما تعرض للنقد. بل أن الأفلام المصرية التي تعرض في المهرجانات ليست على المستوى المطلوب ولا تحوز إلا القليل من الجوائز.
– تراجع الفيلم المصري عالميًا في مقابل الأفلام الهندية والإيرانية؛ إذ نجد الفيلم الإيراني –وكما تشير أحد الدراسات- يركز على سينما الإنسان التي تنتقل من الخاص شديد المحلية إلى العالمي.
– ضياع تراث السينما المصرية وبيعه بأسعار زهيدة، وقد رصدت وزارة الاستثمار مليار جنية لاستعادته، إلا أن القرار وُصِف بالمتأخر وغير المدروس إذ لم يسبقه اتفاقات مؤكدة مع الشركات المالكة الآن لهذا التراث مثل روتانا وart[13]. وهذا ما يُفسَّر أيضًا كناتج لسيطرة رأس المال الخاص وتراجع دور وزارة الثقافة عن أداء مهامها في هذا الصدد.
ومن الإشكاليات الأخرى ما بدى من إهمال واضح لأدباء الأقاليم، فقد ارتفعت أصوات أدباء الأقاليم شاكين من التهميش وعدم الاهتمام، ما يشير إلى إهدار الكثير من الإمكانات بل والدعائم المحلية التي من شأنها تدعيم مكانة مصر العالمية.

2- قضايا الجدل العام وخريطة المواقف الفكرية:
أ- بروز إشكاليات التطبيع مع إسرائيل:
بدايةً، يمكن القول بأن هناك اتجاهين بين المثقفين المصريين حول هذا الأمر؛ فمن يرفض التطبيع يستند إلى أن التطبيع هو مكافأة للمعتدي وترسيخ لمفاهيم الشرق أوسطية. أما المؤيدون -وهم ليسوا كثر- فإنما يستخدمون مصطلحات السلام وضرورة إنهاء الصراع. ولكن يمكن القول إن المثقفين في غالبيتهم والشعب المصري في عمومه مايزال مانعًا أمام التطبيع[14].
إلا أنه في الفترة الأخيرة لجأت إسرائيل إلى أدواتٍ مختلفة بحيث لا تنتظر موافقة أو رفض للتطبيع، فقامت دون إذن بترجمة إحدى روايات الروائي د.علاء الأسواني إلى العبرية دون إذن مسبق. كما أثار عرض فيلم لمخرجة إسرائيلية بالمركز الثقافي الفرنسي بمصر غضب واستياء الكثير من المثقفين والفنانين. كذلك، ومن الأشكال الجديدة التي أثارت إشكالية التطبيع، اشتراك فنانين مصريين مع آخرين إسرائيليين في أفلام عالمية.
ب- الجدل حول معنى حرية الإبداع:
تكرر خلال السنوات الأخيرة إثارة هذه القضية بمصر، وتحديدًا في مجال الآداب والفنون؛ فتحت مسمى حرية الإبداع جاءت العديد من الأعمال الفنية التي رآها كثيرون إما أنها تهين مقدسات أو تخالف أخلاقيات المجتمع المصري. ومن أبرز ما أثير في عام 2010 فيما يتعلق بهذا الأمر المطالبة بمساءلة وزارة الثقافة لإصدارها طبعة من كتاب “ألف ليلة وليلة” الذي وصف بأنه يتنافى وأخلاقيات المجتمع[15].
وعامةً، فإن كل ماسبق يكشف كيف أنه حتى على مستوى الآداب والفنون التي من المفترض أن تكون من أيسر وسائل التعبير عن المجتمعات لا يوجد اتفاق فيما يخص الأهداف أو المفاهيم في حد أدنى.
ج- إدارة التنوع وقضايا الأقليات:
برز خلال عام 2010 أكثر من ملف على صعيد أوضاع المسيحيين في مصر، ويمكن إجمال ذلك فيما يلي:
1. قوانين الأحوال الشخصية؛ حيث الحكم بأحقية المطلقين من المسيحيين بالزواج الثاني بخلاف ما تراه الكنيسة.
2. دور العبادة، وهو ما فجره حادث العمرانية حيث وقوع مواجهات بين أفراد الأمن ومواطنين مسيحيين نتيجة القيام بتحويل أحد المباني إلى كنيسة بخلاف التصريح الصادر بشأنه.
3. مسألة التفجيرات، فقد تكرر مرتين خلال العام 2010 استهداف كنائس بالتزامن مع الاحتفال بأعياد الميلاد في كل من نجع حمادي والإسكندرية على الترتيب.

ذلك، إلى جانب بعض المطالب ذات الطابع الثقافي المباشر كالمسألة المتعلقة بإدماج التاريخ القبطي بشكل أكبر في المناهج الدراسية. وقد تمخضت هذه الأحداث –لا سيما بعد حادث الإسكندرية- عن عدة دلالات:
– الجدل بشأن طبيعة العلاقة بين الدولة والكنيسة وهو ما أثاره رفض الكنيسة تطبيق قرار المحكمة الخاص بالزواج الثاني.
– ارتفاع وتيرة الخطاب القبطي خاصة عقب حادث الإسكندرية الأخير.
– بروز العنصر الخارجي، إذ وُجِهت أصابع الاتهام في تفجيرات الإسكندرية هذه إلى الخارج ممثلا في تنظيم القاعدة.

ومن مجمل تعامل الدولة مع هذه الأزمات، يمكن القول إنه كان هناك تركيز على الإدارة الإعلامية. وهذا مع أهميته، إلا أن الأمر يتطلب معالجة أكثر عمقًا، لعل أهم عناصرها الأداة الثقافية التي من شأنها ترسيخ معاني الانتماء الحقيقية على نحوٍ يتسع للجمع بين دوائره المختلفة، إلى جانب الاهتمام بالمظلة القانونية.

ومن ناحية أخرى، تهدر الدولة العديد من إمكانات التنوع الثقافي في مصر بتجاهل توظيف الإرث الثقافي لأبناء كل من سيناء والنوبة على النحو الملائم.

3- التعليم والبحث العلمي:
ما زال التعليم والبحث العلمي من أعقد المشكلات التي تحول دون بناء ثقافي راسخ في المجتمع المصري. فرغم حدوث بعض الحركة في ماء التعليم الراكد بمصر مع تولي د.أحمد زكي بدر وزارة التربية والتعليم، إلا أنه لم توجد ملامح واضحة للتغيير المنشود، ومن أهم المشكلات التي برزت خلال هذا العام الدراسي تأخر حصول الطلاب على الكتب الدراسية، وأيضًا وجود مشكلات بين الوزارة وناشري الكتب الخارجية التي يستعين بها الطلاب.
وإذا كان ذلك على الجانب الإداري والتنظيمي، فعلى صعيد المضمون التربوي والتعليمي الذي يتلقاه الطلاب، تجدد الجدل بشأن إعادة تدريس مادة الأخلاق بين مؤيد وبين من يري أنه لا طائل من ورائها وأنها لا تقدَّم على نحوٍ يحدث تأثيرًا حقيقيًا.
أما على صعيد التعليم العالي، فكان من أبرز الأحداث المهمة خلال العام 2010 الحكم باستبدال الحرس العسكري بحرس مدني، ذلك الحكم الذي حدث خلاف بشأنه أيضًا؛ إذ يرى البعض ضرورة وجود الحرس العسكري الذي يمتلك إمكانات غير متوفرة للحرس المدني، بينما يرى آخرون أن الجامعات مؤسسات ذات طابع مدني وأن غير ذلك يعيق تهيئة مناخ مناسب للإبداع الفكري والثقافي والعلمي.
وفي مقدمة الانتقادات الموجهة إلى سياسات التعليم والبحث العلمي في مصر وضع التعليم العالي مرادفًا للوفاء بمتطلبات سوق العمل أو تعليق تقدم البحث العلمي على اكتشاف الموهوبين والمخترعين من الشباب والباحثين، إذ يُرى ذلك كفكر استاتيكي لا ينظر إلى المستقبل، وباعتباره فكرًا يرتكن إلى حاكمية السوق وتسليع البشر. بينما تحتاج مصر بعتبارها دولة نامية جعل التعليم محور سياساتها على نحوٍ يقيم مجتمع المعرفة ومن ثم اقتصاد المعرفة[16].
وبشكلٍ عام، يُرجِع الخبراء تدهور أوضاع التعليم بشكلٍ عام إلى سوء الإدارة وغياب الجانب القيمي والتربوي في المحتوى التعليمي وفي رؤية القائمين على العملية التعليمة. هذا، إضافة إلى ضعف ثقة المجتمع بمؤسسات التعليم الرسمية وانخفاض قدر المعلم الاجتماعي وضعف إتقان اللغات بما في ذلك اللغة العربية، وعمل حوالي 30% من المدارس بنظام الفترات وتراجع الأنشطة الطلابية.
وقد أدى عدم مواجهة هذه التحديات إلى نتائج لها خطورتها على المدى الطويل اجتماعيًا وثقافيًا، رصدها د.حسام البدراوي في الآتي: 1- تهميش أكبر للفقراء، حيث عدم قدرة التعليم بوضعه الحالي على إحداث الحراك الاجتماعي اللازم. 2- انتقال الفئات الأكثر قدرة إلى التعليم الخاص والأجنبي داخل وخارج مصر ما أثر على الثقافة العامة بالمجتمع واستخدام اللغة العربية. 3- تحميل الفئات الأكثر فقرًا أعباء لا طاقة لهم بها كتكاليف الدروس الخصوصية[17].

4- الإعلام والانترنت:
رغم ما أضحى متداولا بشأن حرية الإعلام والسماوات المفتوحة، إلا أنه مازالت هناك أحداث تدعو إلى إعادة تقييم المقولات بهذا الإطار.
فعلى سبيل المثال، كانت المسألة المتعلقة بتحجيم المساحة المعطاة للإعلام في تغطية القضايا المنظورة أمام المحاكم، لاسيما مع تزايد الجدل الذي أحاط بقضية “هشام طلعت مصطفى”. ومع التأكيد على أهمية الحفاظ على استقلالية القضاء وعدم التعليق على أحكامه، أوصى بعض الخبراء في ندوة مشتركة بين كلية الإعلام ونادي القضاة بعدم التوسع في قرارات حظر النشر إعمالا للإطار الصحيح لحرية الرأي والتعبير ودون المساس بحقوق الغير والأصول القضائية، إلى جانب الدعوة لإنشاء لجنة إعلامية في نادي القضاة مهمتها متابعة ما يثار في الإعلام حول الأحكام القضائية بالتنسيق مع الجهات المعنية على أن يمثل اللجنة متحدث رسمي مع ضرورة إنشاء مدونة للمعايير القانونية والمهنية لمعالجة الإعلام لشؤون القضاة والقضاء[18].

وفي إطار تلك المسألة المتعلقة بحرية الإعلام، كان الأمر الخاص بإيقاف بعض القنوات خاصة الدينية كالناس والرحمة وإنذار قنواتٍ أخرى، حيث يذكر أن القنوات الفضائية عامة والدينية خاصة محل كثير من الانتقادات كإثارة البلبلة بتعدد الفتاوى أو إثارة الفتنة الطائفية، إلا أنه تغيب الرؤية الموضوعية لدور الإعلام الفضائي، فقلما يوجد من يُقيِّم على نحوٍ متوازن دون تحيز[19].

وفيما يخص أحوال العاملين بالقطاع الإعلامي، فقد كان استمرار موضوع إنشاء نقابة للإعلاميين، إذ قدم نائبين أحدهما ينتمي إلى الحزب الوطني وآخر إلى الإخوان المسلمين مشروع قانون بخصوص هذا الأمر، وقد واجه هذا الأمر عقبات كعدم حضور وزير الإعلام المناقشات حول مشروع القانون بمجلس الشعب دافعًا بإنه قدم اقتراحًا إلى مجلس الوزراء بإنشاء نقابة للإعلاميين، كذلك هناك خلاف حول من لهم حق الانضمام إلى مثل هذه النقابة بين من يرى أن كل من يجيد القراءة والكتابة ويعمل في مجال الإعلام له أن ينضم ومن يقصر حق الانضمام على الكوادر الإعلامية المتخصصة من مخرجين ومعدين ممن لهم صلة مباشرة بالعمل الإعلامي[20].

وفيما يتعلق بالإنترنت على وجه التحديد، أثيرت كذلك خلال العام 2010 قضية الحريات، خاصة ما يتعلق بالمدونات وما يفرض عليها من رقابة وما يتعرض له القائمين عليها من تضييق على نحو يجهل طبيعتها.

وعلى جانب آخر، كان غياب الدولة عن الفضاء الإلكتروني وعدم تواصلها بشكل مباشر مع الشعب من خلاله على الصعيد الثقافي محل انتقاد، في حين أطلق عدد من جماعة الإخوان المسلمين موقعًا إليكترونيًا جديدًا يحمل اسم “إخوان فيسبوك” يحمل نفس واجهة موقع “فيس بوك” العالمي ويقدم الخدمات ذاتها تقريبًا، إلا أن ذلك كان محل انتقاد بعض آخر من الجماعة لسهولة اختراق الموقع والحصول على معلومات عن المسجلين به[21].

وعلى جانب آخر، حاولت وزارة الثقافة معالجة بعض القضايا ذات الطابع القانوني المتصلة بعالم الانترنت، فكان إصدار قرار باتخاذ إجراءات خاصة بإغلاق المواقع الإلكترونية المخالفة التي تعتدي على حقوق الملكية الفكرية لمنتجي التسجيلات الصوتية والمرئية، على أن تتولى الإدارة المركزية لمراقبة المصنفات الفنية تحديد صاحب الحق في العمل الفني، كما تقوم بإخطار وزارة الاتصالات بإغلاق المواقع الإلكترونية المخالفة لقانون أحكام الملكية الفكرية[22].

5- المرأة:
تواجه المرأة المصرية الكثير من المشكلات كسائر فئات المجتمع، لاسيما مع ارتفاع نسبة الأمية بين النساء وكذلك نسبة المرأة المعيلة. إلا أن أساليب مواجهة مثل هذه المشكلات والعمل على النهوض بالمرأة عامةً سواء من جانب الدولة أو غيرها ركز بشكلٍ كبير على الجانب التشريعي دون غيره، مع إغفال نسبي للأبعاد الثقافية ومسارات التوعية. فعلى سبيل المثال، استمر التركيز على انتقاد قوانين الأحوال الشخصية خاصًة فيما يتعلق باستمرار تعقد الإجراءات[23]، كذلك، ثارت الاحتجاجات نتيجة استمرار رفض مجلس الدولة تعيين قاضيات بداخله[24].
وقد مثل وضع المرأة في مجلس الشعب محورًا آخر للجدل التشريعي بشأن حقوق المرأة؛ حيث انقسمت الآراء حول تخصيص كوتة 64 مقعدًا للمرأة في مجلس الشعب بين من يرفض منطلقًا من أن ذلك بمثابة ضمان 64 مقعدًا لصالح الحزب الوطني، كما أن هذا –من وجهة نظر هذا الاتجاه- يعني تراجعًا ديمقراطيًا يحول دون نضج المرأة سياسيًا إذ لن تناضل للحصول على حقوقها. أما المؤيدون، فيرون أن هذه المسألة إنما هي فقط خطوة للتفعيل[25].

6- أوضاع المؤسسات الثقافية الكبرى:
تأتي مؤسسة الأزهر على رأس المؤسسات الإسلامية التي تؤثر تأثيرًا كبيرًا على الحالة الثقافية في مصر. إن الأزهر جامعًا وجامعة ومعاهد تعليمية يعد واحدًا من أهم المنارات الدينية والعلمية في مصر والعالم على مر قرون. ولكن يسود تساؤل عام: هل مازال الأزهر كما كان؟
شهد الأزهر في الأعوام الأخيرة بعض الإجراءات التطويرية على الصعيد التعليمي، كإنشاء أقسام للغات وتحديدًا في مجال الدعوة بهدف تزويد الدعاة بمهارات لمخاطبة العالم. كذلك، تم إنشاء قسم ثالث في الثانوية الأزهرية إلى جانب القسمين العلمي والأدبي وهو قسم العلوم الإسلامية. ولكن مازالت هناك الكثير من المتطلبات حتى يستعيد دوره، والتي رأى البعض أنها تتمثل في: استعادة علماء الأزهر دورهم الاجتماعي ليكونوا في قلب الحدث، ومواجهة محاولات السخرية من علماء الدين، ورفع مستوى المعلمين بالمعاهد الأزهرية، وفك الارتباط بين الأزهر والقيادة السياسية لتكون علاقة محايدة[26]. فعلى سبيل المثال هناك مطالب بألا يتم تعيين شيخ الأزهر من القيادة وإنما يتم انتخابه داخليًا، تلك المسألة التي أثيرت عقب وفاة شيخ الأزهر السابق د.محمد سيد طنطاوي.
وعادت مكتبة الإسكندرية لتكون من المؤسسات الثقافية الهامة في مصر؛ حيث مثل إعادة افتتاح مكتبة الإسكندرية أملا جديدًا لاستعادة مصر مكانتها الثقافية. وبالفعل، فإن المكتبة تقوم على العديد من الأنشطة والمشروعات؛ حيث تضم أكبر مكتبة رقمية بالعالم العربي وتنبع أهمية ذلك من أن نسبة الكتب الرقمية على الانترنت والمتخصصة في العلوم الاجتماعية والطبيعية باللغة الإنجليزية تصل إلى 55%. كما تعمل على إعادة نشر مختارات من التراث الإسلامي في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين-التاسع عشر والعشرين الميلاديين.
هذا، وتحاول المكتبة نشر نشاطها في جميع أنحاء مصر بداية من دور مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بالقرية الذكية إلى فرع المكتبة في الجونة بالغردقة. وحتى المركز الذي افتتح بجامعة المنيا[27]. هناك أيضًا مرصد الإصلاح العربي الذي دشن تقريره الثالث في ديسمبر 2010[28].
وهذا ما ينقلنا إلى التصورات المختلفة للكيفية التي يجب أن يكون عليها دور المكتبة في الواقع المصري. فمن ناحية، هناك من يرى أن دور المكتبة أكثر اتصالا بالواقع العالمي أكثر منه بالواقع المصري وأنه لا يصب في الجدل الدائر حول قضايا الإصلاح السياسي والاقتصادي والتعليمي. ومن ناحية أخرى، هناك من يعارض انشغال المكتبة بالشأن العام وقضاياه المثيرة للجدل داعيًا أن يقتصر دور المكتبة على إتاحة المعرفة للجمهور والباحثين[29].

7- الآثار:
يشهد قطاع الآثار بشكل عام اهتمامًا ملحوظًا في مصر، وكذلك كان الحال في عام 2010. فعلى سبيل المثال تم اختيار ‏أربع‏ شركات عالمية متخصصة لتنفيذ المرحلة الثالثة والأخيرة للارتقاء بمشروع المتحف المصري الكبير والذى يتضمن إنشاء المبنى المتحفي وصالات العرض الداخلي‏[30].
وفي إطار الجهد المصري المتواصل لاستعادة الآثار المسروقة، قد دعت وزارة الثقافة المصرية إلى تنظيم مؤتمر دولي لبحث سبل استعادة آثار الدول المسروقة في متاحف العالم المختلفة، ولعرض مصر تجربتها الناجحة في استرداد جانب من آثارها؛ حيث تمكنت مصر على مدار السنوات الست الماضية من استعادة نحو خمسة آلاف قطعة أثرية خرجت من مصر بطريقة غير شرعية، إضافة إلى بحث كيفية بدء تحرك دولي لاستعادة آثار ثلاثين دولة مشاركة في المؤتمر[31].
واستمرارًا للكشوف الأثرية، أعلنت مصر في 23/5 الكشف عن 45 مقبرة أثرية يرجع تاريخ بعضها إلى نحو خمسة آلاف عام، في محافظة الفيوم جنوب غرب القاهرة، وتحتوى على مجموعة من التوابيت الخشبية الملونة وبداخلها مومياواتها[32]. وقد بدأ مؤخرًا الاهتمام بالآثار الإسلامية وإن لم يكن على النحو الكافي؛ ففي أكتوبر تم افتتاح متحف الفن الإسلامي الذي يضم 2500 قطعة أثرية من العصور الإسلامية المختلفة، والذي تم تطويره بتكلفة 85 مليون جنيه[33].
إلا أن ما كان محط الأنظار حقًا، هو افتتاح المعبد اليهودي “موسى بن ميمون” في مارس عقب ترميمه (لاسيما مع قيام اليهود بالاحتفال بطريقتهم وشرب الخمر وغياب الجانب الرسمي المصري عن هذا الاحتفال وقول وزير الثقافة –آنذاك- إنها مناسبة يهودية خالصة)، فقد رأى البعض أن المعبد إنما هو جزء من التراث المصري ومن ثم لا مانع من ترميمه بينما تحفظ آخرون على الأمر انطلاقًا من الموقف إزاء إسرائيل[34].
وقد كان هناك اهتمام بالجانب التشريعي المتعلق بالآثار؛ إذ صدر في فبراير قانون حماية الآثار الجديد الذي أصدر وزير الثقافة اللائحة التنفذية له في يوليو وتضمن أمورًا من قبيل تحديد الأثر وشروط الحيازة الأجنبية وتوفيق الأوضاع ونزع الملكية وعمل البعثات والصيانة. وقد قام المجلس الأعلى للآثار بحملة إعلامية للتعريف بالقانون الجديد وأنشأ إدارة خاصة لتتولى تسجيل المقتنيات والحيازة لدى المواطنين الذين بدأوا بالفعل الذهاب لتسجيل ما لديهم[35]. ومع ذلك، فإن ما حدث من سرقة لوحة زهرة الخشخاش لفان جوخ كشف عن وجود قصور فيما يتعلق بالمتاحف بشكل عام، حيث الإهمال وسوء توزيع الميزانيات وعدم وضوح المسؤليات.

(د) السياسات الثقافية على الصعيد الخارجي وتراجع الدور:
يلاحظ على نحوٍٍ واضح تراجع الدور الثقافي المصري على الصعيد الخارجي، وعدم وضوح التوجه وتهميش دوائر أساسية، وهناك عدة دلائل على ذلك:

1- معارض الكتاب: غياب الإعداد الجيد:
يعد معرض القاهرة الدولي للكتاب والذي ينعقد في بدايات كل عام من أهم الأحداث الثقافية بمصر والعالم العربي. إلا أن هذا المعرض توجه له الانتقادات عام بعد عام، من قبيل ارتفاع أسعار الكتب وتواجد الأنشطة التجارية بشكل ملحوظ كانتشار باعة الأطعمة ولعب الأطفال، وعدم الدعاية الكافية إلى الندوات والأنشطة الثقافية المصاحبة. وفي الفترة بين 25 فبراير و14 مارس 2010، كان افتتاح معرض الإسكندرية الأول للكتاب وكانت من أهم المآخذ على هذا المعرض سطوة التمثيل الحكومي في مقابل ضعف تواجد دور النشر، كما لوحظ ندرة عناوين ضيوف الشرف لاسيما موريتانيا. تلك الأمور التي تم إرجاعها إلى غياب التنسيق وصغر حجم المعرض[36].
ومن أهم أنشطة الدولة في مجال النشر مشروع مهرجان القراءة للجميع، الذي يقوم على توفير الكتب للقراء بأسعار زهيدة ويضم مجموعة من السلاسل التي تعبر عن توجهات فكرية مختلفة.
ويتم إرجاع أزمة الكتاب المصري عامة وعلى المستويين الداخلي والخارجي، إلى أسباب اقتصادية نتيجة لارتفاع تكلفة النشر، إضافة إلى مشكلات أخرى. بل إن اتحاد الناشرين المصريين يواجه أزمات كالخلاف بين أعضائه والانشغال بمواجهة تزويد الكتاب المصري[37].

2- أنشطة المراكز الثقافية بين غلبة الشكلية وغياب الفاعلية:
لم تشهد أنشطة المراكز الثقافية المصرية تطورًا ملحوظًا، ويعد النشاط الأبرز خارجيا ما يتصل بالجوانب الفنية والثقافية، فمثلا في أكتوبر شاركت مصر في فعاليات مهرجان كوريا الجنوبية للفنون الشعبية والذي تشارك فيه عدد من الدول العربية والأوروبية، حيث شاركت مصر في المهرجان بفرقة «الحرية» للفنون الشعبية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة والتي تضم 18 عضوًا.. واستمر المهرجان 8 أيام تم خلالها عرض الفنون التي تتميز بها كل دولة مشاركة من أجل التواصل بين الثقافات المختلفة من خلال الفن[38].

3- عدم القدرة على إحراز مكانة ملائمة في المؤسسات الثقافية الدولية:
وهو ما اتضح في كيفية إدارة مسألة ترشيح وزير الثقافة الحالي “فاروق حسني” لرئاسة اليونسكو: بالتأكيد كان هناك رفض غربي وخاصةً أمريكي-إسرائيلي لتولي عربي-مسلم لرئاسة هيئة ثقافية عالمية كمنظمة اليونسكو. ولكن هذا لا ينفي غياب التخطيط الدقيق لبناء التحالفات، أو لنقل التنسيق على نحوٍ مناسب، بل إنه لم يتم التعامل مع الأمر فيما بعد إعلان النتيجة بالشكل الصحيح الذي يتطلب مراجعة استراتيجيات السياسات الثقافية المصرية في المنظمات الثقافية الدولية.

4- ضعف بل وغياب الأداة الإعلامية على المستوى الخارجي:
فلا تحرص الأجهزة المعنية -على سبيل المثال- على بث قنوات فضائية بلغات متنوعة، فلا يوجد في هذا الإطار سوى قناة النيل الدولية التي تحتاج إلى مزيد من التطوير. وهو أمر لا يليق بموقع مصر الإقليمي والدولي.

5- تراجع دور الأزهر على المستوى العالمي:
حتى أن هناك مطالبات من دول إسلامية مختلفة باستعادة الدور، فنجد قيادات أفغانية تدعو إلى تنشيط دور الأزهر الشريف بأفغانستان للتعريف بالإسلام الصحيح وتحديد مفاهيم التطرف والإهارب ولتأسيس فرع لجامعة الأزهر، مؤكدة غياب الدور العربي والإسلامي في بلادها بشكل عام، وإن أشارت في المقابل إلى حيوية الدور الإيراني[39].

6- عدم تفعيل الأداة الثقافية في إدارة قضايا استراتيجية:
وقد اتضح ذلك في قضية غاية في الأهمية هي قضية “مياة النيل”، التي كان التعامل معها دليلا على تراجع الاهتمام بالدائرة الإفريقية. فقد كان توقيع اتفاقية بشأن مياه النيل تعدل اتفاقيتي 1939 و1959 دون مصر والسودان جرس إنذار حقيقي لفقدان مصر مكانتها في الساحة الإفريقية التي كانت فيما مضى من أهم دوائر حركة سياستها الخارجية والتي كان للبعد الثقافي موقعًا مميزًا بها.
وقد رأى خبراء أنه كان من الممكن لمصر القيام بعدة خطوات، منها: الاستثمار في دول المنبع على نحوٍ يقلل فاقد هذه الدول من مياه النيل ويسهم في حل أزمتها ويسهم في تحسين صورة مصر. واستثمار دور الأزهر الشريف والكنيسة الأرثوذوكسية في التقرب الثقافي من شعوب هذه الدول وإزالة ما لديها من توجس إزاء مصر، من خلال فتح مزيد من المدارس “الأزهرية” في هذه الدول واستقبال بعثات منها، كذلك فبابا الكرازة المرقسية بمصر هو بابا مسيحي إثيوبيا وله تأثير روحي لديهم[40]. وأيضًا تصحيح صورة الإفريقي في الإعلام المصري.
وبالمثل، نجد غياب لتوظيف البعد الحضاري والثقافي في التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي.

7- ضعف دور مؤسسات المجتمع المدني:
فمن أبرز المساحات التي يتضح فيها دور المجتمع المدني المصري على الصعيد الخارجي الدور الإغاثي وتقديم العون الإنساني، ومن أهم المؤسسات الناشطة في هذا المجال الجمعية الشرعية والنقابات. إلا أن الدولة المصرية لا تعمل على توظيف هذا الدور أو التناغم معه على النحو المطلوب الذي يخدم دورها الدولي والإقليمي.

وعند محاولة تقييم أداء الدولة المصرية في المجال الثقافى، يمكن ملاحظة أن السياسة الثقافية لم تكن بحالٍ تناسب المكانة المفترضة لمصر، كما أنها لم تأتِ متوافقة مع ما هو معلن من سياسات. وقد كان هناك إدراك وتناول على مستويات مختلفة خلال عام 2010 لأزمة الثقافة في مصر.
وهناك عدة إشكاليات وتساؤلات يطرحها حال السياسة الثقافية المصرية:
– مسألة الهوية: حيث هناك جدل ليس بجديد بشأن هوية مصر، بين من يراها فرعونية فقط، ومن يعتبرها عربية، ومن يؤكد إسلاميتها، ومن يريدها أوربية. ولكن جانب كبير من كل تيار يرى كل دائرة من دوائر الانتماء هذه في انفصال عن الأخرى بل وفي تناقض معها. وينعكس ذلك على كافة الأنشطة الثقافية سواء الرسمية منها أو غير الرسمية، فكل اتجاه يعمل على طريقته دون إحداث أي تواصل تراكمي.
– أزمة الرموز والقيادات الثقافية: هناك غياب للرموز، ويعود ذلك في جانب منه إلى عدم خبرة المثقفين بكيفية التعامل مع ما هو متاح من الإمكانيات, فضلا عن عدم التواصل المباشر مع المجتمع. كذلك، هناك أزمة تواصل بين الرموز الثقافية والقيادات الثقافية الرسمية, ما اتضح في بيان المثقفين المائة الذي حمَّل وزير الثقافة فاروق حسني حتى مسئولية ما آلت إليه أحوال الثقافية المصرية بل وطالبوه بالاستقالة.

ثالثًا- السياسات الثقافية التركية

(أ) مقومات المكانة والدور:
شكَّل موقع تركيا الجغرافي وتاريخها ركيزة لانطلاقها نحو العالمية، فهى تتوسط قارات العالم القديم الثلاث آسيا وإفريقيا وأروبا مما جعلها تتأثر وتؤثر في العناصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على تخومها. وتمتد أراضي تركيا بين آسيا وأوربا؛ حيث يشكل الجزء الواقع غرب آسيا حوالي 97% من مساحتها ويضم العاصمة أنقرة، بينما يقع الجزء المتبقي منها في جنوب شرق أوربا. وتقع تركيا في قلب المجال الجغرافي المسمى أوراسيا مما يؤهلها لأن تكون دولة حاسمة في المجال الجيو-سياسي. كما أنها دولة قارية وبحرية في نفس الوقت، وتحدها ثماني دول هي: جورجيا، أرمينيا، أذربيجان، إيران، اليونان، سوريا، العراق، بلغاريا وهذا يمنحها حرية في اختيار السياسات والتحالفات. وتتحكم في مضيقي البوسفور والدردنيل. ويجعل هذا الموقع وتلك الخصائص تركيا نقطة تقاطع لهويات ثقافية متعددة: الآسيوية، الروسية، الأوربية، العربية.
يبلغ عدد سكان الجمهورية التركية حوالي 72 مليون نسمة حسب إحصاءات عام 2008. وتحتل تركيا المرتبة 17 العالمية من حيث تعداد السكان مما يؤهلها للعب العديد من الأدوار منها الثقافية والدينية لاسيما وأنه يغلب الطابع العمري الشاب على التركيبة السكانية. ويتميز المجتمع التركي بالثراء الثقافي إذ تتمتع بتعدد عرقي وديني يعد صورة مصغرة عن السلطنه العثمانية. ويشكل المسلمون ما بين 98%، 99% والباقي من المسيحيين واليهود. أما عن الأعراق فيمثل الأتراك من 70%، 80% والأكراد من 20% : 30% والزازيون من 2% : 3% والعرب 2% والشركس 1/2 % والجورجيون 1/2% فضلا عن أقليات أخرى من أرمن ويونان وألبان والأقليات التركية كالتركمانية والكازاخية[41]. ولكن رغم هذه التعددية إلا أن الدولة التركية ركزت على القومية التركية دون غيرها وهذا هو المصدر الأساس لأزمة الهوية العرقية والدينية في تركيا والذي تحاول الآن الحكومة التركية علاجه[42].
أما فيما يتصل بالعلاقة بين التطورات السياسية والثقافة والهوية، فبحسب المحللين شهدت تركيا مراحل تحول رئيسية؛ أولها مرحلة التغريب والحزب الواحد والتي مثلتها العقود الثلاث الأولى من الجمهورية حيث دولة الحزب الواحد الذي هو حزب الشعب الجمهوري القائم على أفكار القومية والعلمانية وفي هذا الإطار ظهرت المعارضات الشعبية ممثلة في الحركات المعارضة الإسلامية والثورات الكردية. ثانيها مرحلة الصراع بين كمالية الدولة والأحزاب ما بين عقد الخمسينيات وحتى بداية الثمانينيات وشهدت عمليات صعود وهبوط حادة فيما يتعلق بالانفتاحات الديمقراطية إلا أن الجيش كان يتدخل بانقلابات عسكرية كانقلاب 1960 وتم إعدام عدنان مندريس إذ كان قد أعاد الآذان إلى العربية وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس.
والمرحلة الثالثة كانت مرحلة أوزال؛ حيث فاز حزب الوطن الأم الذي يرأسه بالانتخابات في 1980 ليتولى تشكيل الحكومة وقد أظهر تعاطفًا مع النشاطات الإسلامية وكان العمل على إعادة تشكيل الهوية السياسية والثقافية للدولة على نهج يحاول المواءمة بين القيم الغربية والقيم التاريخية. ورابعها مرحلة أربكان، وفيها ساهمت ظروف ما بعد الحرب الباردة في بروز التوجه الإسلامي في المجتمع التركي ليفوز حزب الرفاة ذو التوجه الإسلامي في انتخابات 1996 ويشكل حكومة ائتلافية. وقد أُجبِرت حكومة أربكان على الاستقالة بزريعة مخالفتها لعلمنة الدولة وأعلن الجيش مذكرة جاء فيها إغلاق قسم من دور القرآن. أما المرحلة الخامسة فهي المرحلة التي أسس فيها رجب طيب أردغان وآخرون حزب العدالة والتنمية عام 2001 وفاز الحزب في انتخابات 2002، وأهم ما ميز هذا الحزب الحرص على الاستفادة من دروس الماضي، فلم يعرف نفسه كحزب إسلامي وإنما كحزب ديمقراطي محافظ سعيًا للموازنة بين هوية المجتمع الثقافية وسلطة الدولة.
وأهم ما يميز التيار الإسلامي في تركيا أو الحضاري عامًة هو تنوع روافده، ففي إطاره يوجد: حزب السعادة (مسمى جديد لحزب الفضيلة)، وحزب العدالة والتنمية (الديمقراطي المحافظ)، وحزب صوت الشعب المنشق عن حزب السعادة 2010. هذا إلى جانب استناد هذا التوجه إلى قواعد ومؤسسات اجتماعية راسخة[43].
واقتصاديا، تمكن حزب العدالة والتنمية من مواجهة الأزمة الاقتصادية التي عاشتها تركيا قبل عام 2002. حيث تحتل تركيا المركز 16 في العالم وفقًا لحجم الدخل القومي، فيما بلغت المرتبة 15 في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي وفقًا لتعادل القوى الشرائية في عام 2011 إلى (1) تريليون و932 دولار[44].
أما عن الإرث التاريخي والمكانة الحضارية، فقد كانت تركيا مركزًا لحضارة إسلامية قامت ببناء نظام سياسي تمثل في الدولة العثمانية التي استمرت لقرون. وقامت هذه الحضارة على عناصر ثقافية متعددة في مقدمتها الإسلام والثقافة الأسيدية للأتراك والتراكمات الحضارية للثقافات التي امتزجت في بناء الدولة العثمانية، ولكن مع إنشاء الجمهورية التركية حدثت قطيعة حضارية. وقد وصف الدكتور أحمد داود أوغلو عملية التحول التي رافقت إنشاء الدولة التركية الحديثة بانكسار تاريخي لم يتعرض له أي مجتمع آخر والذي سبب أزمة بين النظام السياسي الجديد وبين هوية المجتمع ومؤسساته[45].
وقد مرت السياسية الخارجية التركية بعدة مراحل عقب إلغاء الخلافة وتأسيس الجمهورية؛ حيث انكفئت تركيا في البداية على الداخل وانشغلت بتأسيس الدولة وتحديدًا قطعت صلاتها بكل ماهو إسلامي، وعقب الحرب العالمية الثانية بدأت تركيا تخرج عن عزلتها ولكن متجهة نحو الغرب. وخلال فترة الحرب الباردة شكلت حائط صد لمواجهة المد الشيوعي للاتحاد السوفيتي، وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي خشيت تركيا أن تفقد مكانتها على الساحة الدولية فسعت إلى القيام ببعض الأدوار التي بدت أقل مما يليق بمكانتها التاريخية ومرجع ذلك إلى ضعفها في ميزان القوى الدولية حينذاك، وعدم وجود دوافع ذاتية لقيادة المنطقة وانحسار التفكير في حماية كيان الدولة.
ومع استلام حزب العدالة والتنمية الحكم في عام 2002 بدأ العمل على إحداث تغيرات داخلية سياسية واجتماعية وثقافية واستغلال المعطيات الجيو-سياسية لتحويل تركيا إلى قوة حضارية كبرى تلعب القوى الناعمة دورًا أساسيًا في ترسيخها. وعزز من ذلك الحاجة إلى تركيا على الصعيد الدولي حيث: طبيعة العلاقة بين الديمقراطية والإسلام، وتعايش الحضارات والأديان في نموذجها الثقافي، وملتقى شبكات الطاقة والغاز[46].
وتقوم استراتيجية السياسة الخارجية التركية التي صاغها الدكتور أحمد داوود أوغلو على مبادئ خمسة هي: 1) التوفيق بين الحريات والأمن، 2) محاولة حل المشكلات العالقة بين تركيا وجيرانها أو ما يسمى “تصفير المشكلات”، 3) اتباع السياسة الخارجية متعددة الأبعاد ومتعددة المسالك، 4) تطور الأسلوب الدبلوماسي وإعادة تعريف دور تركيا في الساحة الدولية، 5) الانتقال من السياسة الكامنة والكمون الدبلوماسي إلى الحركة الكامنة حيث استعادة تركيا لتواجدها في عمقها الحضاري بدوائره المختلفة (العربية/ الإيرانية/ التركية) بجانب الغربية. وكان من الأدوات التي استُخدِمت في هذا الصدد أدوات القوى الناعمة وإفساح المجال للمجتمع المدني بتحقيق التواصل الثقافي على المستويات الشعبية[47].
ومن ثم، فتركيا تملك من المقومات الحضارية ما يمكنها من إنتاج سياسات ثقافية فاعلة، كما يشهد الواقع السياسي والاقتصادي تطورًا يصب في هذا الاتجاه ولا يتجاهل أهمية القوة الناعمة.

(ب) الرؤية الرسمية للهوية والثقافة:
يعرف الدستور التركي هوية الدولة باعتبارها دولة جمهورية ديمقراطية علمانية، ولا يذكر دين للدولة وإن كان يؤكد احترام حرية المعتقد، بمعنى أنه لا يعترف بالهوية الإسلامية للدولة. في مقابل التأكيد على القومية التركية واللغة التركية[48].
أما عن رؤية حزب العدالة والتنمية، فيعكس البرنامج وعي الحزب بما أضحت عليه الثقافة من أهمية في العالم المعاصر، حيث تسارع وتيرة التبادل الثقافي، إلا أن ذلك شريطة أن تكون الثقافات والفنون المحلية قوية معبرة عن الهوية. وعليه، كان تأكيد الحزب على دعم المشاريع التي تضمن تحقيق هذه المعادلة[49]. ويؤكد الحزب في برنامجه على الاهتمام بأولويات المجتمع بشكل عام كالبطالة والفقر، فضلا عن الأطفال، ويؤكد على أهمية التعليم ويراه السبيل الأول لتحقيق التنمية والقدرة على المنافسة، وإلا فستفقد الدولة ما لديها من قوة.
وعلى المستوى المؤسسي الرسمي للدولة التركية، تأسست وزارة الثقافة والسياحة بموجب القانون رقم 4848 الصادر بتاريخ 16 / 04 / 2003. والهدف من إعلان هذا القانون يتمثل في صياغة الأسس المتعلقة بتأسيس وزارة الثقافة والسياحة، وتنظيماتها وواجباتها. وتتمثل واجبات ومهام وزارة الثقافة والسياحة فيما يلي: أ) تحري، وتطوير وتنمية، وحماية، وإحياء، وتقييم، ونشر، وتشهير، والحث على تبني القيم الوطنية والمعنوية والتاريخية، والثقافية والسياحية، والإسهام بذلك في تعزيز الوحدة الوطنية وتطوير وتنمية الاقتصاد. ب) توجيه المنظمات والمؤسسات الحكومية فيما يتعلق بالقضايا الثقافية والسياحية، والتعاون مع هذه المنظمات والمؤسسات، وتطوير الاتصال مع الإدارات المحلية، ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والتعاون معها. ت) حماية الثروات التاريخية والثقافية. ث) تقييم وتطوير والترويج لكافة الإمكانيات المناسبة للسياحة في الوطن لتحويل السياحة إلى قطاع مثمر للاقتصاد الوطني. ج) توجيه الاستثمار، الاتصال، والقدرات التنموية في المجالات الثقافية والسياحية. ح) تأمين القيم غير المنقولة ذات الصلة بالاستثمارات الثقافية والسياحية، وإذا استدعت الحاجة تأميمها، وتنفيذ الدراسات والمشاريع والإنشاءات الخاصة بها، وتكليف من يقوم بذلك. خ) تسيير الخدمات الدعائية المتعلقة بالثقافة والسياحة من خلال الاستفادة من كافة الإمكانيات والأدوات ونشاطات الدعاية للتعريف بثروات تركيا السياحية في كل المجالات.

(ج) السياسات الثقافية على المستوى الداخلي:
1- الفنون:
فيما يتعلق بالدراما، فتتحكم فيها عوامل كثيرة بينها العوامل التجارية بغض النظر عن سياسات الدولة. ويرى البعض أن الدراما التركية بشكلٍ عام تركز على الطبقة العليا ورجال الأعمال، إلا أنه في الفترة الأخيرة ظهرت بعض الأعمال تناقش قضايا المجتمع التركي كمسلسل الأرض الطيبة الذي تناول قضية الأكراد، وكذلك مسلسل أغنية الحياة الذي ركز على مشكلات الفتيات في الريف التركي كالتسرب من التعليم والزواج المبكر.
وبالنسبة إلى السينما، فمن الملاحظ أنها تعيش نقلة نوعية نسبية في ظل حكم “العدالة والتنمية” خاصةً على صعيد المضمون؛ حيث بدأ يتصاعد اتجاه يطلق عليه “الاتجاه المحافظ في السينما التركية” والذي يعلي من مراعاة القيم الأخلاقية بخلاف التيار العلماني. وقد بدأ هذا التيار السينمائي المحافظ في الظهور والتبلور في تركيا مع بداية التسعينيات، إذ قام أصحاب هذا التوجه بتأسيس شركة سنيمائية اشترت بعض دور العرض بحي الفاتح باسطنبول، ومن الأفلام التي أنتجتها “سرحون”، بل إن هيئة الشؤون الدينية التركية ولأول مرة في تاريخها أنتجت فيلمًا هو فيلم “عبد الله المنياوي” الذي أُخرِج عام 1995[50].
كما تطرقت السينما لقضايا شائكة كالأقليات، وحتى حياة مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية. أيضًا أُنتِج خلال عام 2010 فيلم عن المفكر الإسلامي التركي “بديع الزمان سعيد النورسي”، بعنوان “الرجل الحر”[51]، والذي ترفض بعض دور السينما عرضه.
هذا، وقد حققت السينما التركية نجاحًا على المستوى التجاري، فعلى سبيل المثال احتلت الأفلام التركية في عام 2008 المراتب العشرة الأولى في شباك التذاكر التركي على حساب أفلام هوليود الأمريكية. ومع ذلك، يرى المهتمون بالشأن السينماني في تركيا أن التمويل ما يزال الحلقة الأضغف في مسيرة تطوير السينما التركية، فعلى الرغم من إنشاء وزارة الثقافة التركية للمجلس الأعلى لدعم السينما في عام 2005، إلا أن مساهمته بقيت محدودة للغاية[52].

2- التعليم والبحث العلمي:
تهتم الحكومة التركية الحالية بأوضاع التعليم، ولقد شهد هذا العام عدة تطورات على صعيد التعليم في تركيا. ففي إطار الإعلان عن العمل على دفع التعليم التركي إلى المنظومة التعليمة العالمية، نجد على سبيل المثال، أنه تقرر مد فترة التعليم الأساسي لتصل إلى 13 عامًا بدلا من 8 سنوات، فأصبحت كالتالي: عامًا دراسيًا سابقًا للمرحلة الابتدائية، وأربعة أعوام مرحلة ابتدائية، وأربعة أعوام تأهيلية وتوجيهية وأربعة أعوام تعليم متوسط[53].
كذلك، تقرر إدخال تعديلات على مادة “التربية الدينية والأخلاق” التي تدرس بالمدارس التركية؛ حيث يتم العمل على إكمال أي نقص بهذا المقرر، وأهم ما يُلاحظ هو إشراك لجنة من المفكرين من أصحاب “الفكر العلوي” الذي سيتم إدارج مبادئه في عملية التعديل هذه، ما يأتي في إطار سياسة الانفتاح الديمقراطي التي أعلنتها الحكومة وسنأتي إليها لاحقًا[54].
أما فيما يتصل بمدارس “إمام- خطيب” الدينية التي تخرج فيها صفوة أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم وبينهم “رجب طيب أردوغان”، فمع كونها تعطي تعليمًا ذا مستوى مرتفع بتكلفة منخفضة، إلا أن خريجيها يوضعوا في مرتبة أدنى عند رغبتهم الالتحاق بالجامعات في غير التعليم الديني نتيجة تعديلات أدخلت على نظام الجامعات في أواخر التسعينيات، حتى أن عدد الطلاب الملتحقين بها قد تقلص وكذلك أعدادها فاليوم يتردد 120 ألف تلميذ على نحو 450 مدرسة من هذا النوع. من ثم، يحاول حزب العدالة والتنمية إعادة هذه المدارس إلى سابق عهدها، ولكن لم ينجح حتى الآن في تعديل نظام القبول بالجامعات.
وبالنسبة إلى الجامعات، فقد حصلت جامعة اسطنبول على ترتيب 39 في مجموعة أفضل الجامعات الأوربية، وكان مما عزز مكانة جامعة اسطنبول لدى الجامعة العلمية الأوربية حصولها هذا العام أيضًا على ترتيب 404 في أفضل 500 جامعة في العالم[55].
كما حقق البحث العلمي تطورًا ملحوظًا، وقد حصل عديد من العلماء الأتراك على عدة جوائز خلال هذا العام. ولعل الظاهرة الأبرز والأهم هي حدوث هجرة للعلماء الأتراك من الخارج ليعودوا ثانية إلى وطنهم بخلاف ما يحدث في بقية العالم الإسلامي. ولقد ساهم في ذلك اهتمام الجهات المختلفة رسمية وغير رسمية بالبحث العلمي واضطلاعها بمسؤليتها في مختلف التخصصات، وقد ساهم في ذلك تطور الأوضاع الاقتصادية في تركيا. وعلى سبيل المثال، نجد أن شركة Turk Telecom قد ساهمت في استجلاب 50 عالمًا تركيًا إلى وطنهم ووفرت لهم المكانة المناسبة[56].

3- الإعلام والانترنت: أبرز ساحات الجدل حول الهوية:
يُعد الإعلام التركي واحدًا من أهم الأدوات التي تعتمد عليها التوجهات السياسية المختلفة للتعبير عن ذاتها وكسب الدعم والتأييد لبرامجها وتعبئة الرأي العام إزاء قضايا داخلية وخارجية. وكان من أهم ما ميز وسائل الإعلام التركية هو قدرتها على الاستفادة من التطورات التكنولوجية الحديثة على نحوٍ شجع رجال الأعمال على الاستثمار فيها، فأصبح بتركيا أعداد هائلة من الصحف والمجلات ومحطات الإذاعة والتليفزيون على مستويات محلية وإقليمية وعالمية، والتي يمكن القول إنها انقسمت بشكل أساس بين التيارين العلماني والإسلامي.
ومن أهم المجموعات الإعلامية بتركيا خمس علمانية هي: مجموعة دوجان ميديا، بيلجن ميديا، روملي هولدنك، اقتصاد ميديا، هذا إضافة إلى مجموعتان ذواتا توجهات إسلامية هما مجموعة درب التبانة التابعة لحركة فتح الله جولن ومجموعة إخلاص[57].
ويدور جدل وصراع بين الجناحين؛ ففي حين تعمل وسائل الإعلام التابعة للتيار الإسلامي على إثبات توازنها الفكري وتأكيد مصداقيتها في الجانب الإخباري، كما يركز خطابها على بيان أهمية عودة تركيا إلى هويتها الإسلامية وتوثيق علاقاتها بالدول العربية والإسلامية. وفي المقابل، توجه وسائل الإعلام العلمانية لها الاتهام بالسعي إلى بناء نظام إسلامي والانقلاب على الإرث العلماني التركي، ومن أهم القضايا التي يركز عليها هذا الاتجاه لانتقاد الخطاب الإسلامي مسألتي الحجاب والتعليم.
وطالما عانت وسائل الإعلام ذات التوجه الإسلامي من قيود عدة، منها: الملاحقات القضائية وفرض الغرامات المالية، وسيطرة رجال الأعمال ونفوذ الدونمة اليهودية. إلا أنه على جانب آخر، وفي الوقت الحالي تحديدًا وفي ظل تأكيد حزب العدالة والتنمية على ديمقراطية محافظة تحترم النظام العلماني، فقد تراجع بعض الكتاب العلمانيين عن مواقفهم إزاء الحجاب والتعليم الديني والتحدث عنهم كجزء من حقوق الإنسان. كما بدأ الإعلام العلماني عامة الدخول إلى مرحلة جديدة بحيث أصبح لأصوات أخرى مكان به. ويعتقد أن استقالة “أرتوجرول أوزكوك” في أواخر 2009 عن رئاسة مجموعة “دوجان” الذي يملك 60% من الإعلام التركي وتسليم منصبه لابنته بعد مشاكل مالية تعرض لها والحجز على بعض من ممتلكاته، يعتقد أن ذلك من شأنه أن يدخل الإعلام التركي مرحلة جديدة من الحراك[58].
كما ارتفعت مكانة الإعلام ذي التوجه الإسلامي؛ فعلى سبيل المثال أصبحت جريدة “زمان” المؤسسة عام 1986 والتابعة لمجموعة درب التبانة أكثر الصحف التركية مبيعًا، بحيث يطبع منها يوميًا ما يتجاوز الـ800 ألف نسخة. إذ التزمت الجريدة معايير رصينة على الجانبين الإجرائي والمضموني. فإجرائيًا، اتخذت شكلا مختلف في وقتٍ تشابهت فيه تصميمات الصحف، ومضمونيًا التزمت معايير الديمقراطية وحقوق الإنسان كما فصلت الخبر عن التعليق تأكيدًا على الموضوعية.[59]
وفيما يخص الانترنت، فقد شهدت خدمات الانترنت لعام 2010 بعض التطويرات؛ حيث أعلنت شركة “تورك تليكم” رفع سرعة الانترنت بدايةً من عام 2011 بحيث تصل سرعة ADSL2 إلى 16 ميجا بايت وتصل سرعة VDSL2 إلى 50 و100 ميجا بايت. وقد أعلنت الشركة أنها استثمرت في مجال تكنولوجيا الانترنت منذ عام 2008 إلى الآن 8.1 مليارات يورو، وأن عدد مشتركي خدمة ADSL قد ارتفع من 1.5 مليون عام 2005 إلى 6.5 مليون مع نهاية عام 2010[60].
وهذه التطورات ليست قاصرة على الجانب التقني في شقه المادي، وإنما يذكر أن تقرير أوروبي تحت عنوان “الانترنت بين الأمان والمخاطر” جاء فيه أن تركيا هي الدولة الأولى بين الدول الأوربية التي تحقق الأمان لأطفالها عند تصفح الانترنت بالحرص على عدم خدش براءتهم[61]. إلا أن حرية الانترنت في تركيا كانت محل انتقاد إذ تم حظر موقع يوتيوب منذ عامين لعرض تسجيلات تعد مهينة لمؤسس الجمهورية التركية “مصطفي كمال أتاتورك”، وعقب عودته هذا العام بعد حل الأزمة تم حجبه ثانية لبثه كذلك مواد تعد غير قانونية بتركيا. وقد أثار قرار الحظر حتى رئيس الجمهورية “عبد الله جول” الذي دعا في صفحته على “تويتر” إلى حل وسط، ولكن يبدو أن الأمر يحتاج إلى إصلاحات قانونية متزنة في مجال الانترنت[62].

4- المرأة: خطوات نحو الحجاب:
يعد التضييق على حرية الحجاب واحدة من أبرز القضايا الكاشفة عن الحالة التركية في أبعادها الثقافية والسياسية. فهي من أهم الإشكاليات المتصلة بالهوية الإسلامية لتركيا، وواحدة من أنشط ساحات الصراع –كما أشير- بين العلمانيين والإسلاميين. وقد سبقت الإشارة إلى ما تعرض له حزب “العدالة والتنمية” خلال عام 2008 جراء خطوات اتخذها لرفع الحظر عن الحجاب في الجامعات على نحو وصل إلى احتمال إغلاقه. ولكن عام 2010 قد شهد عدة خطوات على طريق رفع الحظر عن الحجاب؛ حيث أصدر مجلس التعليم العالي التركي قرارًا بمنع طرد المحجبات من قاعات الدرس، بل أن أحد المسؤولين صرح قائلا: “نعتذر لفتياتنا المحجبات”، إذ تضطر الكثير من التركيات إما إلى التوقف عند مرحلة معينة من التعليم، وإما خلع الحجاب عند دخول الجامعة، وإما السفر إلى خارج تركيا للتمكن من استكمال تعليمهن. كما بات ممكنًا للعاملات في الخطوط الجوية التركية العمل بحجابهن وفق تعديلات جديدة أدخلت على اللوائح الخاصة بملابس العاملين في الشركة[63].
ومن ناحية أخرى، قرر رئيس الجمهورية “عبد الله جول” أن تشاركه زوجته المحجبة السيدة “خير النساء” المراسم الرسمية لتلقي التهاني في الذكرى السابعة والثمانين لتأسيس الجمهورية التركية. إلا أن كلا من حزب الشعب الجمهوري والمؤسسة العسكرية قد قاطعا الاحتفال، وأعلن الرئيس الجديد لحزب الشعب الجمهوري “كمال قليتشدار أوغلو” الذي يبدي مرونة نسبية إزاء الحجاب أنه يجب حل المسألة أولا دون الالتفاف عليها[64].
وعلى جانب آخر، تواجه المرأة التركية بعض المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وقد جاء في دراسة للمديرية العامة لوضع المرأة في تركيا في عام 2009 أنه مع الاعتراف بزيادة معدلات محو الأمية لدى النساء في العقود الماضية، لا يزال هناك 5.7 مليون امرأة أمية في تركيا وأن 064% من النساء العاملات في تركيا لا يتمتعن بالضمان الاجتماعي[65].

5- إدارة الشؤون الدينية:
تعد الإدارة العامة للشئون الدينية في تركيا هي المسئولة عن كل ما يخص الإسلام هناك. وتتمثل المهام الرئيسة لإدارة الشئون الدينية في: الإشراف على تعليم الدين الإسلامي سواء في الجامعات؛ حيث توجد ‏22‏ كلية للإلاهيات في جميع أنحاء البلاد‏،‏ بالإضافة إلى المدارس التابعة للدولة، لكن هذا الإشراف غير مباشر. وتتولى أيضًا الإدارة تعليم القرآن الكريم للأطفال من خلال ‏4‏ آلاف دورة تقيمها سنويًا في العطلات الصيفية في محافظات تركيا المختلفة‏,‏ فضلا عن تعليم الأسس الرئيسة للإسلام في هذه الدورات‏.‏ كذلك من مهامها الأساسية إدارة المساجد؛ حيث يوجد في تركيا‏80‏ ألف مسجد تشرف الإدارة علي‏70‏ ألفًا منها،‏ علمًا أنه من الناحية النظرية يجب أن تكون كل المساجد تحت إشراف إدارة الشئون الدينية‏,‏ لكن بسبب نقص الكوادر فإن هناك نحو 10‏ آلاف مسجد تديرها الجمعيات الأهلية‏.‏‏ وتعين الإدارة الأئمة والخطباء‏,‏ كما تعين في كل محافظة ومدينة كبيرة وبلدة مفتيًا يتولى إدارة شئون الأئمة والوعاظ في منطقته‏.‏ ومن أهم مهامها أيضًا تنوير الشعب وتثقيفه فيما يخص القضايا الدينية‏,‏ وقد يكون ذلك في شكل فتاوى وإجابات عن الأسئلة والاستفسارات أو إعطاء وجهات نظر في القضايا المعاصرة.
وفيما يخص عدم وجود مفتي أكبر، فهناك نظام مختلف في تركيا عن بلدان أخرى؛ حيث الإفتاء منوط بمجلس أعلى مكون من ‏16‏ عالمًا دينيًا يتبع إدارة الشئون الدينية برئاسة رئيسها وهو المكلف بإصدار الفتاوى وتقديم المعلومات الدينية للمواطنين‏.‏
ومن أهم القضايا التي تثير الجدل فيما يخص الإدارة: توحيد خطبة الجمعة في أنحاء البلاد؛ حيث يحد هذا الأمر من حرية الخطباء في اختيار القضايا التي يريدون التحدث فيها ومن قدرتهم على التعبير عما لديهم من علوم وأفكار دينية، إلا أن رئيس الإدارة السابق قد نفى ذلك في تصريح له قائلا: ‏”نحن لم نوحد خطبة الجمعة كما يفهم البعض وإنما ننشر أسبوعيًا على موقعنا في شبكة الانترنت نموذجًا استرشاديًا للخطبة‏,‏ وللخطباء الحق في الأخذ به أو اختيار موضوع آخر بمعنى أننا لا نفرض نصًا ولا موضوعًا للخطبة بل على العكس نرى أن كل منطقة أو محافظة قد يكون لها ما يناسبها من القضايا والموضوعات، فما يهم جنوب شرق تركيا مثلا قد لا يهم أنقرة والعكس صحيح‏,‏ غير أن معظم الخطباء يلتزمون من تلقاء أنفسهم بالنموذج الذي نضعه وهذا يرجع لهم”‏.‏
وتحذر الإدارة من إدخال السياسة في المساجد‏,‏ ويبرر الرئيس السابق للإدارة ذلك بقوله:‏ “تركيا دولة علمانية وهذا يعني أن شئون الدين منفصلة عن شئون الدولة ولهذا لا نتدخل في النواحي السياسية والقضائية، وبالمقابل فإننا لا نسمح لأي جهة سياسية أو قضائية بالتدخل في شئوننا ولا نسمح بأن تصبح مساجدنا ساحة لتضارب الأفكار السياسية‏,‏ وتحذيري وقائي حيث لا يسمح لأئمتنا وخطبائنا بأي نشاط أو كلام سياسي في المساجد‏”‏.
أيضًا تُتهَم الإدارة أحيانًا بتأثر بعض فتاواها بتوجه الدولة العلماني مثلما نشر عن إعطاء الحق لعارضة أزياء تركية مشهورة في الخروج من الإسلام وتحولها إلى ديانة أخرى. إلا أن الرئيس السابق للإدارة صرح: “‏لم يحدث أن أصدرنا فتوى قلنا فيها هذا الكلام سواء فيما يخص عارضة الأزياء أو غيرها لكن بعض الصحف نشرت آراءً مشوهة نقلا عن أحد أعضاء المجلس الأعلى للشئون الإسلامية‏,‏ وقد طرح عليَّ شخصيًا سؤال بشأن العارضة فأجبت بالقول أن تركيا دولة علمانية ولكل إنسان الحق في أن يغير دينه من وجهة النظر القانونية إلا أنه من وجهة النظر الدينية فإننا نعتبر تغيير العارضة لدينها ردة وعودة للوراء ونرى أنها أساءت لنفسها نتيجة ما فعلت، ووصل الأمر إلى حد أن بعض الصحف اتهمتني بالتطرف فرددت عليها بالقول إنني رجل دين ولا أقول ما يقوله الساسة وموقفي يتمثل في اعتبار ما فعلته العارضة ضلالا بينًا وظلمًا للنفس”‏.‏
وفيما يشاع بأن إدارة الشئون الدينية تتجنب القضايا التي للدولة موقف واضح فيها أيضًا مثل الحجاب، أشار “أوغلو”: ‏”مواقفنا واضحة جدًا فوظيفتنا شرح ما يمليه علينا الدين وليس إسعاد بعض الساسة والصحفيين بما يريدونه من آراء وقد أكدت في أكثر من مناسبة أن الحجاب واجب ديني على المرأة المسلمة ولكن ليس لنا دخل بالقوانين الخاصة بالحجاب. والأمر نفسه ينطبق على قضايا مثل زواج المسلمة من غير المسلم نحن نحرم ذلك ففتاوانا تستند إلى أحكام الدين والقرآن الكريم”‏.‏
وبالنسبة إلى تحميل الإدارة المسئولية أيضا بشكل جزئي عن زواج بعض التركيات المسلمات من غير المسلمين، قال أوغلو: ‏”هناك شبه قاعدة إذا كان التعليم الديني ضعيفًا لدى بعض المسلمات فإن زواجهن من غير المسلمين أمر وارد وهذا يحدث في دول إسلامية أخرى وتركيا نفسها بها أكثر من‏70‏ مليون مسلم وما يحدث حالات نادرة ونحن بدورنا نظهر استياءنا من أي خطأ يحدث لكن علينا أن نضع في الاعتبار أن وسائل الإعلام في تركيا حرة ولا يسمح بعضها بمناقشة بعض القضايا الدينية بشكل موسع لعدم وجود وازع ديني لدي القائمين عليها” أي أنه يحمل المسؤلية كل من التعليم والإعلام[66].

6- الآثار والسياحة:
كان من أهم الإنجازات في هذا المجال، وعلى نحوٍ يتسق مع تصالح تركيا مع تاريخها الإسلامي، هو إعادة افتتاح جامع السليمانية باسطنبول والمدرج على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي في أول أيام عيد الأضحى المبارك، إذ صلى به رئيس الوزراء “رجب طيب أردوغان” صلاة العيد. ويُعد هذا الجامع مثالا لما كانت عليه وظيفة الجامع في الحضارة الإسلامية، فهو يضم مكتبة ضخمة معروفة بمكتبة السليمانية تضم 70 ألف كتابًا 80% منها باللغة العربية، كما كان ملحقًا به قديمًا دار للقرآن الكريم والحديث ومستشفى ومدرسة للطب وغير ذلك[67].
وفي إطارٍ متصل، تهتم تركيا بالقطاع السياحي وتتخذ الكثير من الإجراءات لاجتذاب السائحين، ومن بينها: قرار تحويل منطقة شبه الجزيرة التاريخية باسطنبول (التي تضم ثلاثة أحياء هي الأشهر في تاريخ اسطنبول حضاريًا، وهي: بايزيد، سيركجي، السلطان أحمد) من أول يناير 2011 إلى منطقة للمشاة والسائحين ومحظورة على السيارات خلال الفترة من العاشرة صباحًا إلى السادسة مساء[68].
كما تضع تركيا خطة طويلة الأجل لتطوير السياحة العلاجية. وتهتم تركيا باجتذاب السائحين العرب والخليجيين تحديدًا، ومن أشهر برامج الترويج إقامة المعارض وترتيب الرحلات للصحفيين العرب، والأهم هو الحرص على الحفاظ على العادات والتقاليد ومظاهر الثقافة الإسلامية[69].

7- الأقليات وسياسات الانفتاح الديمقراطي:
كانت الحقوق الثقافية للأقليات في الداخل التركي محل جدل لفترات طويلة إلا أنها شهدت تقدمًا خلال السنوات الأخيرة وحتى عام 2010، ولا ينفصل ذلك عن سياسات الانفتاح الديمقراطي التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية والمساعي التركية لعضوية الاتحاد الأوربي وما تشترطه في هذا الإطار.
ويرى الأكراد إنهم عانوا كثيرًا من الاضطهاد في ظل الحكومات التركية المتعاقبة؛ حيث اعتبرت حكومات سابقة اللغة الكردية جزءًا من الدعاية الانفصالية. لكن حكومة “أردوغان” اهتمت بشكل ملحوظ بدمج الأقلية الكردية في المجتمع التركي؛ حيث صرح “أردوغان” أكثر من مرة قائلا إنه لا يفرق بين المواطن التركي سواء كان كرديًا أم لا، وقال في إحدى المرات: لا فرق بين أخي التركي وأخي الكردي، وهي الكلمة التي لاقت ترحيبًا واسعًا في الأوساط الكردية. لكن في الوقت ذاته ترفض الحكومة ” أي محاولات لزعزعة الأمن والاستقرار من جانب المليشيات الكردية المقاتلة في الجنوب، ويشن الجيش هجمات بشكل منظم على معاقل المتمردين الأكراد في جبال شمال العراق.
وتتعدد المؤشرات على تحسن أوضاع الأكراد؛ فقد أعلنت إدارة الشؤون الدينية التركية في 2009 إنها تعمل على ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الكردية في إطار خطة تهدف إلى ترجمته إلى عدة لغات أخرى[70]. كما أنه في أول جمعة من شهر مارس لعام 2009 وفي مسجد في جنوب شرق تركيا (شمال كردستان) ألقى إمام مسجد (أولو) خطبة صلاة الجمعة (بعد إلقائها باللغة العربية) ولأول مرة باللغة الكردية[71].
وفي هذا العام استمر النهج الإيجابي، فعلى سبيل المثال في فبراير 2010، أوضح وزير الثقافة والسياحة التركي ارطغورل كوناي أن وزارته أنهت استعداداتها لطبع كتاب (مم وزين) الذي كتب من قِبل الكاتب الكردي الشهير أحمدي خاني والذي يعتبر من أحد الأعمدة الأساسية للأدب الكردي. وقد أوضح كوناي أن هناك استعدادات تجري لطبع النتاجات الأدبية الكردية عامة من جديد، وفي هذا السياق ذكر أن: “هناك عدة مشاريع لأجل دعم مسيرة الانفتاح الديمقراطي في البلاد من قبل الوزارة”[72].
كذلك، أعطيت اللغة الكردية مكانتها على الصعيد الأكاديمي؛ حيث أعلنت جامعة أرتوقلو بمحافظة ماردين التركية أن قسم اللغة الكردية وثقافتها بمعهد الأديان الحية سيقبل هذه السنة لأول مرة 20 طالبًا من طلبة الدراسات العليا الذين سيدرسون اللغة الكردية بلهجتيها الكرمانية والزازية[73].
أما بالنسبة للشيعة، فقد جرت محاولات لإدماج رؤاهم في المجال التعليمي، كما حرص أردوغان على توجيه خطاب لهم في ذكرى عاشوراء.
وعن المسيحيين الأرمن، وبالرغم من أنهم ليسو كثر، فطالما كانت قضية الأرمن سببًا في توتر علاقات تركيا بالدول الأوربية والولايات المتحدة كما تتخذ ذريعة لعرقلة انضمامها إلى الاتحاد الأوربي. وتقبل تركيا بحقيقة أن بعضًا من المسيحيين الأرمن قتلوا في حروب غير نظامية ابتداءً من 1915، لكنها تنفي بشدة أن يكون ما يقرب من 1.5 مليون شخص قد قتلوا، أو أن تكون أعمال القتل قد وصلت إلى درجة الإبادة، وهو مصطلح يستخدمه بعض المؤرخين الغربيين وبعض البرلمانات الغربية.
وفي تطور إيجابي يتعلق بحرص تركيا على تحسين أوضاعهم، أعلنت تركيا إعطاء التصريح بإقامة صلاة مسيحية مرة في السنة في كنيسة أرمينية بجزيرة مهجورة جرى ترميمها لتكون متحفًا في بحيرة فان بشرق تركيا. وتقع الكنيسة التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن العاشر الميلادي في شرق تركيا الذي كان موطنًا لعرق الأرمن قبل الحرب العالمية الأولى، وأعيد فتحها عام 2007 كمتحف، ولهذه الكنيسة أهمية رمزية كبيرة للأرمن[74].

(د) السياسات الثقافية على الصعيد الخارجي:
اتبعت تركيا سياسة ثقافية نشطة على الصعيد الخارجي وفي دوائر متعددة، من أهمها:
1- في مجال النشر والترجمة:
اتسع النشاط التركى في مجال معارض الكتاب. فقد عقدت في الفترة بين 30 أكتوبر وحتى 7 نوفمبر 2010 الدورة التاسعة والعشرين لمعرض الكتاب الدولي، وضم المعرض أكثر من 550 ناشرًا ومنظمة غير حكومية وأكثر من 35 مشاركًا أجنبيًا. وتم اختيار إسبانيا كضيف شرف للمعرض[75].
ومن حيث تشجيع الترجمة إلى العربية، فقد قامت هيئة ندا التركية – وهي مؤسسة حكومية وجزء من وزارة الثقافة والسياحة التركية- بتقديم منحة مالية لعدد من الناشرين لتشجيعهم لترجمة كتبها من اللغة التركية إلى العربية. ومن المقرر أن تقوم دار العربي بترجمة أحد كتب الروائي والشاعر التركي “تونا كير متشي”[76].

2- نشاط المراكز الثقافية التركية:
شهدت المراكز الثقافية التركية في الفترة الأخيرة نشاطًا ملحوظًا. فعلى سبيل المثال في مارس 2010 افتتح وزير الخارجية التركي د.أحمد داوود أوغلو مركز يونس أمرة للثقافة التركية بالقاهرة، والذي يعد المركز الثقافي التركي الرابع الذي يتم افتتاحه بعد افتتاح معهد يونس أمرة بالبوسنة والهرسك في أكتوبر 2009 وآخر بألبانيا في ديسمبر 2009 وثالث بكازخستان في فبراير 2010. وفي كلمة داوود أوغلوا في افتتاحه المركز ذكر أن افتتاح مثل هذا المركز يحقق أهدافًا ثلاثة: 1- تفاعل العلاقات الثقافية بين البلدين، وتطور اللغة بين الشعبين، سعيًا لتواصل ثقافي بحيث إذا كتب شعر في اسطنبول يفهم في مصر والعالم العربي. 2- تطوير العلاقات بين المثقفين العرب والأتراك باعتبارهم رموز التقدم والرقي في كلا المجتمعين. 3- إحياء التراث التاريخي المشترك لكي تطور الثقافة التاريخية وتحفظ للأجيال القادمة. ومن أهم الأنشطة التي شارك فيها هذا المركز أنشطة الأسبوع الثقافي لنادي عماد الدين التابع لوزارة التعليم العالي في مارس 2010، وتنظيم معرض فن الإبرو بكلية الفنون التطبيقية في يونيو 2010، وإصدار مجلة آفاق للصداقة المصرية التركية[77].

3- إعلاميًا:
أطلقت في إبريل 2010 قناة TRT التركية في نسختها العربية بهدف مزيد من التقارب مع العرب وتأكيد المصير المشترك، وصرح “أردوغان” في افتتاحه القناة: “إن مصير ومستقبل اسطنبول لا يختلف عن مصير ومستقبل الدول العربية. وقد تكون الحدود السياسية قد خطت بين أوطاننا في التاريخ القريب، وربما الألغام قد زرعت بين دولنا، وربما الجدران والسدود قد شيدت بين أراضينا، إلا أننا نمتلك من القوة والإرادة ما يتجاوز كل هذه العقبات”[78]، وفي المقابل أيضًا، وفي إطار السياسة التركية المنفتحة على مختلف الحضارات، أعلن العمل على إطلاق نسخة من قناة TRT بالإنجليزية.

4- فنيًا:
تحقق المسلسلات التركية نسب مشاهدة عالية في العالم العربي، وإن كان يوجه إليها كثير من الانتقادات لعدم تعبيرها عن الواقع الأخلاقي والسلوكي للمجتمع التركي الذي يعد أكثر التزامًا.

5- التعاون العلمي:
فضلا عما تحرص عليه الجامعات والمؤسسات العلمية التركية مع نظيراتها العالمية، فقد كان هناك حرص مماثل على توثيق العلاقات العلمية مع الدائرة العربية. فمثلا؛ نجد تأسيس المؤتمر العربي-التركي للعلوم الاجتماعية وانعقاد أولى دوراته في أنقرة في الفترة 10-12 ديسمبر 2010[79]. أيضًا، زار وفد من الجامعات التركية العراق لإبداء الاستعداد لتدعيم العلاقات العلمية واستقبال الطلاب العراقيين[80]. بالإضافة إلى ذلك، كانت اللغة التركية من أهم مجالات التعاون العلمي بين الجامعات التركية والعربية كما بين جامعة اليرموك الأردنية وجامعة سليمان ديمريل التركية وغيرها، إذا استحدثت الأولى تخصص اللغة التركية لنيْل درجة البكالريوس[81]، كما تقرر إنشاء قسم لدراسة اللغة التركية في جامعة قناة السويس[82].

6- التواصل المباشر في المجال الديني:
فعلى الصعيد الإسلامي عامةً، أُعلِن عن أن لدى إدارة الشؤون الدينية مشروعات علمية كبيرة تهمّ الباحثين ورجال العلم في العالم الإسلامي، وإن الإدارة تقوم على مشروع طموح لإبراز دور العلماء الأتراك ونشر إنتاجاتهم العلمية وإسهاماتهم الرائدة في خدمة مختلف العلوم الإسلامية، وتستعد إدارة الشؤون الدينية لتنظيم عدد من الندوات العلمية في تركيا تجمع العديد من العلماء والمفكّرين المسلمين تهدف لدعم العمل الإسلامي المشترك بما يساهم في عرض الصورة الصحيحة للدين الحنيف والحضارة الإسلامية[83].
وفي أغسطس التقى الشيخ علي برداق أوغلو، رئيس الشؤون الدينية السابق في تركيا الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وعضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في مقر الرابطة بمكة المكرمة، وتم خلال اللقاء بحث القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الرابطة والشؤون الدينية في تركيا، وفي مقدمتها عقد المؤتمرات والندوات المشتركة في موضوع الحوار بين المسلمين وغيرهم، وذلك في ضوء مبادرة خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود للحوار. وأثنى رئيس الشؤون الدينية في تركيا على القرارات والتوصيات التي توصل إليها المشاركون في مؤتمر “رابطة العالم الإسلامي.. الواقع واستشراف المستقبل” وأبدى استعداد إدارة الشؤون الدينية في تركيا للتعاون في تنفيذها[84].
وتسعى الإدارة إلى توثيق علاقاتها بالعالم العربي؛ حيث بحث كل من نائب رئيس الشؤون الدينية التركية والدكتور محمد العادل رئيس مجلس إدارة الجمعية التركية العربية للعلوم والثقافة والفنون مجالات التعاون بين الجهتين. إذ كان التأكيد على حرص الإدارة العامة للشؤون الدينية في تركيا على فتح آفاق أوسع للتعاون مع البلدان العربية، من جانبه عرض الدكتور محمد العادل تصوّرًا للتعاون مع إدارة الشؤون الدينية لاسيّما في مجال تمكين الأئمة والباحثين الأتراك من المشاركة في دورات للغة العربية في عدد من البلدان العربية، كما أشار إلى أن بعض المؤسسات العربية المتخصّصة قد أبدت استعدادها للتعاون مع الجمعية التركية العربية في هذا الشأن.

7- الأوضاع في غزة ومثال لامتزاج السياسي والثقافي في السياسة الخارجية التركية:
كان الموقف التركي من القضية الفلسطينية عامة والتصعيد الإسرائيلي ضد غزة خاصة ولاسيما منذ أوأخر عام 2008 من أهم مؤشرات التغير في السياسة الخارجية التركية تجاه جوارها العربي والإسلامي. وقد كان البعد الثقافي والحضاري بارزًا على عدة مستويات: أولها مستوى التصريحات، فعلى سبيل المثال صرح وزير الخارجية التركي السابق “علي باباجان” قائلا مع بداية العدوان: “الفلسطينيون إخواتنا”، وغير ذلك من التصريحات التي أكدت التمسك برفع المعاناة عن الفلسطينيين.
ثانيها أن تركيا لم تضع علاقاتها بإسرائيل كأولوية عليا، وإنما أكدت على احترامها لمبادئها التي تؤمن بها وتمسكت برؤيتها لمصالحها الحضارية طويلة المدى.
ثالثها الدور البارز للمجتمع المدني التركي في هذا السياق، وهو ما كان أوضح ما يكون في دور مؤسسة IHH للإغاثة أسطول الحرية وما تعرضت له سفينة مرمرة الزرقاء في مايو 2010 واستشهاد 9 أتراك على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلية. وتؤكد الحكومة التركية عدم تنازلها عن كل من الاعتذار والتعويض وهو ما لا تستجيب له إسرائيل. وقد عاود الأسطول رحلته مرة أخرى إلى غزة في أواخر 2010 وسط تأييد شعبي تركي واضح[85].
وعلى الصعيد الفني، كان عرض مسلسل وادي الذي أثار حفيظة إسرائيل. وفي المقابل، أقبل الفلسطينيون على تعلم اللغة التركية مرجعين ذلك إلى أدوار تركيا في مساندة قضيتهم، حيث قامت إحدى الجمعيات التركية هناك بعقد دورات لتعليم اللغة.

8- الانفتاح الثقافي على العالم التركي في الخارج:
ففي إطار الانفتاح التركي على الدوائر الحضارية المختلفة سياسيًا وثقافيًا، يأتي الانفتاح على ما يُسمي العالم التركي. وظهرت عدة مؤشرات لهذا الانفتاح خلال 2010، منها استضافة المنتدى الإعلامي للدول الناطقة بالتركية في أنقرة، وقبله ملتقى آخر لهذه الدول تمت الدعوة خلاله إلى اعتماد اللغة التركية (في صيغتها المستخدمة بتركيا) كلغة موحدة رسمية للاستخدام في مثل هذه الملتقيات بين الدول الناطقة بالتركية[86].
وبالمثل كان هناك نقلة في التواصل بين تركيا وأتراك لبنان، إذ أن هناك بلدة تسمى “الكواشرة” بلبنان أهلها من الأتراك الحاصلين على الجنسية اللبنانية، إلا أن القرية تعاني كثيرًا من المشكلات. وقد زار أحمد داوود أوغلو القرية في يوليو 2009 وترك نصبًا تذكاريًا وسبيل مياه، وإن كان التواصل مع تركيا قد بدأ منذ الثمانينيات. وقد قدمت تركيا لهذه القرية عدة مشروعات، مثل: مشروع شبكة مياه، مولد كهرباء، منح دراسية وغير ذلك[87].

9- الحضور التركي الواضح على الساحة الأوربية:
حيث اختيرت اسطنبول كعاصمة للثقافة الأوربية خلال عام 2010، رغم كون تركيا ليست عضوًا في الاتحاد الأوربي بعد، إذ اتخذ الاتحاد الأوربي قرارًا في عام 1999 بشأن توسيع نطاق مشروع عاصمة أوربا الثقافية بالشكل الذي يشمل الدولة التي لا تتمتع بالعضوية الكاملة في الاتحاد الأوربي. وفي ضوء هذا الاختيار، شهدت اسطنبول خلال عام 2010 عدة مشروعات تؤكد مكانة المدينة العالمية؛ حيث العمل على دعم بنيتها الفنية والثقافية[88].
كما أنه من المنتظر أن تصبح تركيا قاعدة معلوماتية لأوربا، إذ أعلن “أركان آيان” الأمين العام لوكالة تنمية شرق مرمرة “MARKA” أن مشروع “وادي المعلومات” المقرر إنشائه في محافظة “كوجالي” التركية سيجعل من تركيا قاعدة معلوماتية لأوربا، حيث سيصبح هذا المشروع مركزًا إنتاجيًا لشركات تكنولوجيا المعلومات، كما سيتيح للشركات الصغيرة الانفتاح على الخارج[89].
10- دور بارز للمجتمع المدني: حركة “فتح الله جولن” نموذجا:
وهي حركة مدنية تركية تمتد نشاطاتها داخل تركيا وخارجها، وتستمد أفكارها من المفكر التركي “فتح الله جولن” وتنسب إليه. وتتسم الحركة بالانفتاح على الدوائر المختلفة في المجال الحضاري التركي؛ حيث الانطلاق من فكرة الخدمة الإيمانية والحرص على الاستفادة مما تتيحه العولمة والإيمان بالدور الحضاري في هذا السياق. وتتعدد مجالاتها كالتالي[90]:
أ- التربية والتعليم: تنتشر المدارس التاؤعبة للحركة في أكثر من 140 دولة، ولا يقل عددها عن1500 مؤسسة في مختلف مراحل التعليم، فضلا عن مراكز تعليم اللغات والإعلام الآلي. كما نجحت في تأسيس 15 جامعة في مختلف أنحاء العالم والطموح إلى فتح جامعات جديدة في أذربيجان وجورجيا وكازاخستان والبوسنة وألبانيا ونيجيريا. وفي عام 2009 افتتحت مدرسة صلاح الدين في مصر. وهذه المدارس لا تطبق دروسًا وبرامج منفصلة تحمل مواصفات دينية وأخلاقية تدرس فيه ما هو معنوي، وإنما تندمج في النظم التعليمية القائمة. كما أن تلك المدارس المنشئة في إطار المدرسة الحديثة قد احتلت الصدارة بالنجاح الذي أظهرته أكاديميًا.
ب- الإعلام المرئي والمسموع والمقروء: يتميز نشاط مجموعة درب التبانة –السابق تناولها- بالاتساع والتنوع ليصل إلى خارج تركيا. فعلى سبيل المثال، قناة إس تي في: قناة شاملة وتغطي 150 دولة في العالم وتصنف بين أكبر (5) قنوات في تركيا من حيث المشاهدة، ولها بث خاص بأمريكا باللغة التركية وبث خاص بأوروبا تتفق مع القناة الأم أحيانا وتختلف من حيث نوع برامجها أحيانا، وتبثان أحيانا باللغة الإنجليزية والألمانية.
كما توجد أيضًا قناة مَهْتاب، وهي قناة فضائية ثقافية حوارية. وقناة الخزر، وهي قناة تبث في دول آسيا الوسطى التركية وتتواصل معهم باللهجة الأذربيجانية. وقناة أبرو: وهي قناة تنطلق من أمريكا وتغطي الولايات المتحدة الأمريكية وتبث باللغة الإنجليزية. بالإضافة إلى ثلاث إذاعات فضائية: الأولى ثقافية والثانية إخبارية والثالثة شبابية.
وفي إطار الصحافة المكتوبة، توجد مجموعة زمان الإعلامية، وتُصدِر تودايس زمان (الزمان اليوم) وهي جريدة يومية تصدر باللغة الإنجليزية، وهي الأولى في الصحف الانكليزية الصادرة من تركيا.
أما عن وكالات الأنباء، فهناك وكالة جهان للأنباء[91] وهي وكالة أخبار عالمية ولها مراسلون في كل أنحاء تركيا وفي أغلب أنحاء العالم، وتعد أكبر وكالة أنباء في تركيا. بالإضافة إلى وكالة زمان ووكالة أنباء جيهان، وهما واسعتا الانتشار بالجوار الحضاري العربي لتركيا لصدور أحدهما باللغة الإنجليزية والأخرى بلغات متعددة.
وتقوم بعض دور النشر بنشر فكر الأستاذ فتح الله جولن، وتترجم كتبه إلى كثير من اللغات العالمية، وعلى رأسها العربية والأوردية والفارسية والإنجليزية والفرنسية فضلا عن اللغات الآسيوية. ومن الدور المهمة بهذا الصدد: مجموعة kaynak وتحديدًا دار النيل للطباعة والنشر، ولها فروع في تركيا والمقر الرئيس في القاهرة بجمهورية مصر العربية، ولها حضور واسع في المعارض الدولية للكتاب من الخليج العربي إلى المغرب العربي، فضلا عن حضورها في الجمهوريات الآسيوية وأوربا وأمريكا. ومن أهم إصدارات دار النيل مجلة حراء[92]، وهي مجلة ثقافية دورية تصدر بالقاهرة وتستقطب كثير من الأقلام الجادة في العالم العربي وتركيا، ويتم توزعيها أثناء اللقاءات العلمية والتعليمية وبل واللقاءات الصناعية والتجارية. أيضًا هناك مجلة أكسيون، وهي مجلة أسبوعية إخبارية تحليلية سياسية وتصل مبيعاتها إلى 30 ألف نسخة وتعتبر الأولى في بابها. كما هناك مجلة فونتين الألمانية.
ج- في المجال الاقتصادي: فقد أدت أفكار التعاون إلى حفز رجال الأعمال لتأسيس تجمع لهم يُعرف باسم (توسكون TUSkON)[93] لتبادل الخبرات والمعارف التجارية والعلمية وتوسيع دوائر التعامل من الأطر المحلية الضيقة إلى العالمية؛ الأمر الذي أتاح إمكانية خلق فرص عمل هائلة تساعد في تخفيض معدلات البطالة والفقر عن طريق المشروعات الناجمة عن هذه المنظمة. كذلك، فإن التوسع في الأعمال يؤدي إلى زيادة الأرباح التي يذهب جزء كبير منها بشكل طوعي إلى استكمال التوسع في المشروعات التعليمية والإغاثية والتنموية الأخرى، كما يعمل التوسع التجاري على المستوى الدولي على تمكين الحركة دوليًا عبر نشر أفكارها ومؤسساتها عبر العالم.
د- المجال الطبي: وهذا مثل “مستشفى السماء” ولم يقتصر نشاط الخدمة الطبي على تركيا، إذ نظم المقتنعون بفكر الخدمة الإيمانية من الأطباء والعاملون في هذا المجال عامة، سواء كانوا في المشافي القائمة على “فكرة الخدمة” أو الموظفون في القطاع العام والقطاع الخاص الآخر، بتنظيم رحلات طبية لبعض الدول الإفريقية، مثل نيجيريا وكينيا والكونغو وتنزانيا والسودان و إثيوبيا وأماكن أخرى كثيرة. كما يتم العمل على تأسيس مستشفيات في مختلف الأماكن من العالم، وخاصةً في الدول الفقيرة أو التي تعيش توتّرات سياسية أو اقتصادية أثرت على مستوى الصحة العام في تلك البلدان، وخاصة البلدان الإفريقية وبعض بلدان القارة الآسيوية.
هـ- المجال الإغاثي: من أمثلة المؤسسات العاملة في هذا النطاق جمعية “كيسمه يوكمو” (هل من أحد؟)[94] الإغاثية، التي تم تأسيها سنة 1997، وتزامنت نشأتها مع زلزال مرمرة. وتشمل هذه الجمعية عشرات الجمعيات المهتمة بمسألة الإغاثة، ولها مئات مشاريع الإغاثة داخل تركيا وخارجها. وتعد من أكبر الجمعيات الخيرية في تركيا. وقد كان لها دور بارز في توسونامي أندونيسيا وزلزال بيرو والصين، وزلزال باكستان، وأحداث غزة الأخيرة. وتحقيقًا لمسعى الإغاثة تعمل الجمعية على إنشاء قرية حديثة متكاملة في دارفور تبني بموجبها 3000 وحدة سكنية مع مستشفى ومدرسة وسائر مستلزمات الحياة.
و- الحوار: يمثل التسامح والمسؤلية إزاء الآخر أساسًا في فكر “جولن”، حتى أنه يرى ما بدر من الغرب كصرخة نتيجة تقصير المسلمين في القيام بدورهم الحضاري. كما أن الحركة تهتم بالحوار العربي- التركي. ومن أهم المؤسسات العاملة في مجال الحوار “أبانت”؛ حيث الاهتمام بالحوار داخليًا وخارجيًا.
وعند تقييم أداء الدولة التركية في المجال الثقافي، لابد من النظر إلى مسألة مهمة تتعلق بأن الجدل بين العلمانيين والإسلاميين في تركيا يمثل أبرز ساحات الجدل حول الهوية التركية ويتضح هذا في مختلف أوجه البيئة الثقافية من إعلام وفن وتعليم وغير ذلك. غير أن الفترة الأخيرة شهدت تقدمًا ملحوظًا لأصحاب التوجه الحضاري ذي الجذور الإسلامية. وفي ظل هذا، تشهد تركيا خلال هذه الفترة بالداخل انفتاحًا على مختلف التوجهات وتحديدًا فيما يتعلق بالأقليات من أكراد وأرمن وغيرهم. هذه الرؤية في الداخل تتسق معها السياسة الخارجية التركية عامة والسياسة الثقافية خاصة؛ حيث كذلك الانفتاح المتوازن على دوائر حضارية مختلفة.

رابعًا- السياسات الثقافية الإيرانية:

لقد برز بوضوح الدور الإيراني على الساحة الإقليمية في الآونة الأخيرة, ولقد اتجهت إيران لدعم دورها وتحركاتها بأدوات القوة المختلفة, فعلى الصعيد الداخلي سعت إيران إلى دعم الداخل وتوحيده في مواجهة الخارج وذلك اعتمادًا على سياسة ثقافية قائمة على الحفاظ على مبادئ الثورة الإيرانية وخاصة منذ وصول التيار المحافظ إلى سدة الحكم في إيران منذ 2005, كما سعت إيران إلى تدعيم صعودها الإقليمي ببعض أدوات القوة الناعمة ومنها الإعلام والتجارة والاستثمارات, ودعم الروابط الثقافية بالبلدان الأخرى من أجل دعم أجندة السياسة الخارجية الإيرانية[95]. وتتميز الحالة الإيرانية ببروز الأبعاد الثقافية على مستوى الخطط والتحركات؛ حيث يرى العديد أن الثورة الإيرانية بالأساس ثورة ثقافية تسعى لتغيير الواقع الثقافي ليس في إيران فقط بل في الخارج أيضا وذلك في إطار مبدأ تصدير الثورة الإيرانية إلى الخارج.

(أ) مبادئ السياسة الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية (كأحد مقومات الدور):
وفي ضوء ماسبق, فإن مقومات المكانة والدور الإيراني لا ترتبط فقط بتميز الموقع الجغرافي وحجم وتنوع التركيبة السكانية بل بما طرحته الثورة الإيرانية من مبادىء وقيم. ومن ثم عند التطرق إلى السياسة الثقافية لإيران فلابد من التعرض إلى مبادىء السياسة الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ومن أهم أنشطة المجلس العام للثقافة والمجلس الأعلى للثورة الثقافية التخطيط والتنظيم لمبادئ السياسة الثقافية للجمهورية الإسلامية في إطار عدد من الأهداف التي تحدد الأولويات الثقافية للدولة, والتي جاء على رأسها ما يلي:
1. أن السياسة الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية هي سياسة الثورة الإسلامية, وبالتالي تتضمن السياسة الثقافية لإيران نشر مبادئ وقيم الثورة الإسلامية, وأفكار الإمام الخميني, في كافة الشئون الفردية والاجتماعية, وذلك انطلاقًا من أن الثورة الإيرانية ثورة ثقافية بالأساس.
2. أن السياسة الثقافية لإيران مستلهمة من الرؤية الإسلامية للكون والإنسان وتقوم على مبادئ من قبيل التأكيد على النظرة التوحيدية والاعتقاد بأصول الدين وفروعه.
3. أصالة القيم المعنوية والفضائل الأخلاقية داخل المجتمع الإسلامي.
4. التأكيد على خط الإمام الخميني في حفظ مبادئ الثورة, وخاصة جانبها الثقافي انطلاقًا من فكر الخميني ومقولاته التي من أهمها أن “الثقافة هي مصدر كافة أنواع السعادة والشقاء لشعب ما, إن كسر طوق الثقافة الغربية وحلول الثقافة الإسلامية محلها ونفوذ الثورة الثقافية إلى كافة شئون البلاد الإسلامية ومرافقها يحتاج إلى السنوات الطويلة من الجهد … فطريق إصلاح أي بلد هو ثقافة ذلك البلد, فيجب أن يبدأ الإصلاح من الثقافة”.
5. دعم الفن الأصيل وإحياؤه وعرضه في كافة الميادين والمجالات التي تتلاءم وروح التعاليم الإسلامية, والاهتمام بالمرأة المسلمة, والتأكيد على مشاركة الشعب الثقافية.
6. على المستوى الخارجي, جاءت مبادئ السياسة الثقافية لإيران مؤكدة على ضرورة التواصل مع الأمم الأخرى, وتقوية أوصال الروابط الثقافية مع الدول الإسلامية[96].
ومن أهم أهداف السياسة الثقافية لإيران كما عرفتها الوثائق الرسمية: 1- توحيد الأساليب والأفكار والتنسيق الثقافي بين مختلف أجهزة الحمهورية الإسلامية. 2- العمل على نشر القيم والمثل الإسلامية, ونشر ثقافة الثورة والتأكيد على المبادئ الخمينية. 3- تنسيق الخطط والبرامج الاقتصادية والاجتماعية ذات المردود الثقافي مع السياسة الثقافية العامة للدولة. 4- توثيق التبادل بين المؤسسات الحكومية والأهلية في دعم السياسة الثقافية, وتعزيز روح البحث والابداع[97].
وبالتالي, فإن مبادئ السياسة الثقافية لإيران تتمثل في السعي الإيراني للحفاظ على تراث الثورة الإيرانية, والتأكيد على خط الإمام الخميني في نشر مبادئ الثورة الإيرانية؛ حيث تقوم فلسفة ذلك على أن هناك غزوًا ثقافيًا من الغرب موجه إلى المجتمعات الإسلامية ومنها إيران, وأن القضاء عليه ينبغي أن يتم بنوع من التوازن في الانتاج الثقافي وتوحيد برامج التعليم وأجهزة الثقافة التابعة للسلطة والمجتمع, مع التأكيد على أهمية التبادل الفكري والثقافي؛ حيث أن التيار الحاكم في إيران لديه استراتيجية ثقافية أساسها تأصيل الثقافة الذاتية والموضوعية والتأكيد على التبادل الثقافي والاستفادة من الأساليب الحديثة في نشر الثقافة والحفاظ على الهوية[98].
وفي ضوء المبادئ والأهداف العامة، والتي تعد الإطار النظري للسياسة الثقافية لإيران، فإنه لا بد من الانتقال إلى مستوى آخر وهو التحركات العملية على أرض الواقع لدراسة السياسة الثقافية الإيرانية ومدى قدرة إيران على تنفيذ ما جاء في الوثائق الرسمية, ولقياس ذلك يمكن التطرق إلى السياسة الثقافية لإيران على مستوى التحركات على البعدين الداخلي والخارجي.

(ب) البعد الداخلي للسياسات الثقافية الإيرانية:
تهدف إيران من سياستها الثقافية على المستوى الداخلي إلى مواجهة ما تراه السلطات الرسمية ورجال الدين ذوي الكلمة المسموعة في إيران غزوًا ثقافيًا في ظل عصر العولمة وانفتاح الثقافات, وسعي بعض منها إلى السيادة والانتشار على ما سواه من ثقافات محلية في إطار الدعوة إلى العولمة والقرية الكونية الصغيرة, كما تسعى أيضا إلى تفعيل الهدف السابق بنشر الثقافة الإسلامية كما جاءت بها ثورة الخميني, وتتجلى أهداف السياسة الثقافية في مجالات عدة من أهمها ما يلي:
1- السينما والفن الإيراني:
سعت إيران لإيجاد فن لا يتنافى مع الأصول الإسلامية التي أكدت عليها الثورة الإيرانية, ويحل معضلة الصدام بين الفن والدين, وتعد السينما الإيرانية أحد أهم الأدوات التي استخدمتها الدولة في إيران لنشر ثقافة الثورة, وواصلت قيادات الثورة ضغطها على الفنانين من أجل التأكيد على مبادئ الثورة في السينما؛ حيث يؤكد وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي محمد حسينى في برنامجه الثقافي اهتمامًا خاصًا بالسينما, ويعتبرها جهازًا يؤدي خدمة جليلة للثقافة الإسلامية, لذلك فهو يرى ضرورة زيادة إنتاجها العالمي لتحتل مكانة عالمية, كما أكد على ضرورة وجود هيكل لمنظومة فنية إسلامية سواء في الإذاعة أو التليفزيون أو السينما, وضرورة وجود اللامركزية في الإدارة الثقافية, والاهتمام بصندوق دعم الفنانين, والتفاهم مع البنوك من أجل إعطاء قروض قريبة الأجل للمؤسسات الفنية, والمساهمة في تشغيل الفنانين الشبان, ودعم العمل الفني خاصة في المحافظات الإيرانية التي تتعرض لتأثير الإعلام الخارجي[99].
وتحوز السينما الدينية في إيران النصيب الأكبر من التمويل الحكومي, وقد ازداد بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة ليصل إلى خمسة ملايين دولار تقريبا رصدت لإنتاج فيلم يحكي قصة النبي سليمان، كما توفر الجهات الرسمية للسينما الدينية في إيران إمكانيات تؤهلها للدخول في السباق التكنولوجى.
وتحتل السينما الإيرانية السادسة عالميًا من حيث إنتاج الأفلام؛ حيث أصبحت منافسًا قويًا وحصدت العديد من الجوائز في المهرجانات العالمية, فقدمت السينما الإيرانية فيلم “المسيح روح الله” وحصلت بمقتضاه على جائزة حوار الأديان من مهرجان “الدين اليوم في الفاتيكان”[100]. وبالتالي فقد استطاعت السينما -وخاصة السينما الدينية في إيران والتي تتماشى مع الخط العام للنظام الحاكم في طهران- الدخول في المنافسة العالمية وحصد العديد من الجوائز، كما استطاعت تحقيق أهداف السياسة الثقافية في إيران.
كما أنه في ضوء التكامل بين الداخلي والخارجي، والتأكيد على ثقافة المقاومة التي تتبناها الدولة الإيرانية في تحركاتها الخارجية وتبدو أيضا في دعم حركات المقاومة في البلدان الإسلامية, وتأكيدًا على محورية القضية الفلسطينية والقدس في العقلية والثقافة الإيرانية, أعلنت إيران أنها ستنتج فيلمًا سينمائيًا عن غزة والمقاومة من إخراج كل من إسماعيل رحيم زاده ومجتبى أسد بور تحت مسمى “فيلادلفيا”, وهو فيلم يدور حول حصار غزة ومعاناة شعبها والعدوان الإسرائيلي على القطاع[101].
وتسعى إيران إلى الترويج لفن السينما الإيراني في الخارج كأحد أدوات نشر الثقافة الإيرانية عبر مؤسسات متخصصة منها على سبيل المثال مؤسسة الفارابي للأعمال السينمائية, وهي جمعية تضم عددًا كبيرًا من المخرجين السينمائيين, وتتمتع بإعانة رسمية, كما تسعى المؤسسة إلى إدخال ديناميكيات جديدة في الفن السينمائي الإيراني وإقامة قاعات سينما جديدة عبر البلاد. ويتسابق الموزعون في العالم على حق استغلال الأفلام الإيرانية في مناطق معينة بعد أن لمع عدد من السينمائيين الإيرانيين في العالم.
وفي إطار الاهتمام الرسمي بالسينما في إيران, ودورها كمرآة للفن والثقافة الإيرانية, صرح بعض المسئولين عن وجود خطط لبناء 100 دار سينما جديدة خلال عام 2010 لمواجهة المشكلات التي تعتري عرض الأفلام في إيران[102]. كما دشنت وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في إيران مدينة سينمائية جسدت لها كل الطاقات والتكنولوجيا المتطورة, كما أقامت الوزارة مهرجان فجر السينمائي الذي يستقبل ما يزيد عن 45دولة, وتنتج إيران بوجه عام ما يزيد عن 130 فيلم سنويًا[103].

2- الحفاظ على التراث الإيراني:
تسعى أجهزة الثقافة السياسية في إيران إلى الحفاظ على التراث الإيراني وخاصة التراث المذهبي الشيعي كأحد أبرز أوجه الثقافة الدينية الإيرانية؛ حيث تهتم إيران بدور المساجد والحسينيات والتكايا التي أصبحت من الركائز المؤثرة في نشر أيدلوجية الثورة الإسلامية والتثقيف الديني؛ حيث يتم استغلال تلك الأماكن للحديث عن قضايا الثورة وتثقيف المواطنين وتعبئتهم.
وتعد التكية والحسينية -وهي من الرموز الشيعية- أداة إعلامية تنقل ثقافة الشيعة إلى الأجيال القادمة, وهي همزة الوصل بين العلماء والمقلدين, ولا تكاد تخلو أحياء ومدن وقرى إيران من تلك الحسينيات, وتهتم الدولة بإنشاء المزيد منها, كما تحرص على تأكيد التواصل الشعبي في تلك الأماكن وتواصل الشعب مع الأئمة تأكيدًا على الثقافة الشيعية الإيرانية[104].

3- العلاقة بين الحوزة والجامعة:
جاءت الدعوة إلى التوحيد بين الحوزة الدينية والجامعة في إيران كأساس استراتيجي من أسس النظام لتثبيت قيم الثورة, وأيد خامنئي المرشد الأعلى الإيراني مطالب الجيل الثالث للثورة في إيران بإنشاء ثلاثة كراسي علمية حرة لجمعيات علمية محايدة ومتخصصة في كل الحوزات والجامعات على أن يشمل ذلك كافة العلوم, مع إعطاء الفرصة للمراجع وآيات الله العظام والأساتذة والباحثين البارزين في الحوزة للمشاركة في هذا الأمر[105].
وسعت إيران من خلال الجهود التي تبذلها في طريق التوفيق بين الحوزة الدينية والجامعة إلى تجاوز ثنائية المدني والديني في محاولة لعدم تكريس الفصل بين الجانبين, إلا أن ذلك الطريق ما زال أمامه الكثير في ضوء الاعتراضات التي يلاقيها.

4- الإعلام والانترنت:
سعت السلطات في إيران إلى تأكيد تواجدها في جميع المجالات انطلاقًا من الدور الذي يقع على عاتقها في الحفاظ على قيم الثورة بالطريقة التي تقتضيها؛ حيث تدخلت الدولة في إيران إلى حد كبير في بعض المجالات مثل الصحافة، الأمر الذي بدا جليًا مع الانتخابات الإيرانية الأخيرة التي تنافس فيها الرئيس أحمدي نجاد الذي ينتمي إلى التيار المحافظ وبعض القيادات الإصلاحية وعلى رأسها مير حسين موسوى. وهو بجانب كونه نوعًا من الصراع السياسي فهو يحمل في طياته أيضا أبعادًا ثقافية للصراع بين التيارين. فقد تعرضت الصحف الإصلاحية إلى تدخل واسع من الحكومة الإيرانية؛ حيث صادرت الحكومة العديد من الصحف الإصلاحية في إيران وعلى رأسها صحيفة (اعتماد مللى), بينما تؤيد الحكومة التيار المحافظ تماشيًا مع الخط العام في إيران ومع التيار الحاكم.
من ناحية أخرى تلجأ القنوات التليفزيونية الخاضعة للدولة في إيران إلى تقديم تغطيات إخبارية شديدة التحيز للخط الرسمي, مما يدفع العديد من الإيرانيين إلى متابعة القنوات الفضائية الغربية, وحتى هذه القنوات تخضع إلى التشويش المتعمد عليها في كثير من الأحيان[106].
كما يعمل النظام في إيران على الحد من انتشار المدونات الإلكترونية, وتضع الدولة رقابة واسعة على الصحف والكتب والمطبوعات وعلى العديد من المواقع الإلكترونية التي ترى فيها الدولة تهديدًا للهوية الإيرانية والهوية الفارسية خاصة, ورغم ذلك فقد وصل عدد المدونات في إيران إلى ما يقرب من 700 ألف مدونة بما يمثل ثاني أكبر عدد للمدونيين بعد الصين. كما أصبحت اللغة الفارسية من أكثر اللغات انتشارًا في المدونات، وتم إنشاء العديد من المواقع باللغة الفارسية[107].
ففي ضوء سعى الدولة في إيران إلى الحفاظ على الهوية والثقافة الإيرانية لجأت لتجاوز حرية الصحافة والآراء المختلفة مع التيار المحافظ, ولكن جاءت تحركات الأفراد ضد تلك الإجراءات مؤكدة على سعيهم للحفاظ على هويتهم بطرق مختلفة منها الانفتاح على الخارج عبر الانترنت والمدونات والمواقع المختلفة، والتأكيد على اللغة الفارسية.

5- المرأة:
أما فيما يخص المرأة الإيرانية والتي اعتبرت جزءًا مهمًا في تحركات الثورة الثقافية للحفاظ على الهوية الإسلامية للمرأة, فقد عارض العديد من رجال الدين المحافظين في إيران وجود المرأة في المناصب العليا في الدولة, إلا أن ذلك لم يحل دون إعطاء ثلاث وزارات للنساء في حكومة الرئيس أحمدي نجاد الثانية, كما تصل نسبة النساء الدارسات في الجامعات الإيرانية إلى حوالى 65%.
ورغم مطالبات العديد من الحركات بحقوق المرأة في إيران وإشراكها في العديد من المجالات العامة[108]، إلا أن المرأة في إيران لها مشاركة واسعة من الناحية الثقافية بوجه عام؛ حيث توجد في إيران ما يقرب من 525 إمرأة ناشرة, و90 مديرة صحيفة, و97 مديرة لمؤسسات ثقافية في إيران, كما أن هناك أكثر من 193مشاركة نسائية في المهرجانات الداخلية, و130 مشاركة نسائية في المهرجانات الخارجية, بالإضافة إلى 5 آلاف من النساء يدرسن في الحوزات الدينية[109].

وجدير بالذكر أن الحالة الإيرانية تواجهها عدد من الإشكاليات فيما يخص سياستها الثقافية, ويمكن التطرق إلى أهم تلك الإشكاليات على المستوى الداخلي فيما يلي:
‌أ- إشكالية الهوية: حيث ما زالت ثنائية الهوية ما بين فارسي وإسلامي تخيم على العديد من التيارات الثقافية داخل إيران؛ فالهوية الإسلامية تفترض كونها الهوية الرئيسية التي تضم داخلها العرقيات المختلفة داخل الدولة. ويزيد عدد القوميات الكبيرة والصغيرة في إيران على 30 قومية؛ يشكل الفرس نحو 50٪ منها، يأتي بعدهم من حيث العدد الأذربيجانيون وهم من أصل تركي تتري (نحو 20٪) والأكراد (نحو 9٪)، ويقطنون أساسًا في كردستان وكرمنشاه، وبنسبة أقل في خراسان والبختيار (جنوب غربي إيران) والبلوج في بلوجستان (جنوب شرقي إيران). وهناك مجموعات من القوميات قليلة العدد نسبيًا وعلى رأسهم التركمان والقاجار والأفشار والقشقاي.
أما العرب فيتركزون في عربستان (الأهواز-خوزستان) والأقاليم البحرية المطلة على الخليج العربي وخليج عمان، بالإضافة إلى ذلك تعيش في إيران مجموعات من الأرمن والأفغان والآشوريين والأتراك.
أما المعتقدات الدينية، فالإسلام هو دين الدولة،ويدين غالبية السكان بالإسلام (96٪) أغلبهم على المذهب الشيعي الجعفري. ويدين قلة من السكان بالمزدكية والمسيحية واليهودية[110].
إلا أن واقع التحركات الإيرانية لا يعكس ذلك التنوع, فمن أهم الانتقادات التي توجه إلى السياسات الثقافية لإيران على المستوى الداخلي الإعلاء من القومية الفارسية على حساب غيرها من القوميات الأخرى على الرغم من أن السياسة الثقافية في دولة ما تسعى إلى حفظ التنوع والتعدد داخل ذلك البلد, بينما يعاني واقع الأقليات الإيرانية الثقافي من بعض أوجه التمييز ضد العناصر الغير فارسية, فعلى الرغم من أن الدستور الإيراني يكفل حق تلك الأقليات في استخدام اللغات القومية والمحلية في العديد من المجالات، إلا أن اللغة الفارسية تبقى اللغة الرئيسية للتعامل في مجال التعليم والوثائق والصحف والإعلام.
وتبدو المسألة العرقية نموذجًا واضحًا داخل إيران؛ حيث تعاني الأقلية العربية في إيران من أزمة هوية حيث أن العديد من الجماهير وخاصة في منطقة الأهواز العربية لا يجيدون التحدث لا بالعربية ولا بالفارسية, وتعد تلك المنطقة أكثر المناطق التي تعاني مشكلة التسرب من التعليم, وترتفع نسب الأمية بين النساء العربيات التي تقع أعمارهن ما بين 75 و 45 عامًا لتصل إلى 90 %, كما أن حوالي 63% من طلاب جامعة طهران ينتمون إلى الأصل الفارسي ويمثلون النسبة الأكبر على الرغم من تعدد القوميات داخل إيران[111].
‌ب- إشكالية العلاقة بين الأجيال أكثر من بين القوميات: حيث يعاني الداخل الإيراني من إشكالية الاختلاف والتفاوت بين الأجيال الثلاثة المتعاقبة للثورة الإيرانية؛ حيث أن الجيل الثالث للثورة الذي لم يعاصر الفترات الأولى للثورة ولم يتعرف على الثورة إلا من خلال المنشورات والدروس الملقاة في المؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام, هذا الجيل لا يتذكر المعاناة أيام الشاه بقدر ما يتذكر عزلة إيران التي تعيشها بعد الثورة والقيود على حرية استخدام التكنولوجيا[112], وهو جيل أكثر انفتاحا على العالم عبر الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة.
ويعاني هذا الجيل من حالة من افتقاد حلقة الوصل بينه وبين الأجيال الأولى للثورة, كما أن السياسات الثقافية للدولة تضع مزيدًا من القيود لمنع التأثيرات الخارجية على الشباب, وهو ما يعتبره ذلك الجيل قيدًا على الحرية, وقد عبر هذا الجيل عن سخطه من تلك السياسات بوجه كامل في الانتخابات الإيرانية الأخيرة؛ حيث جابت شوارع طهران الاضطرابات والمظاهرات مع إعلان فوز التيار المحافظ مرة أخرى.
وفي دراسة أجرتها وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في إيران مؤخرًا على عينة تضم 16824 شخصًا, أفصحت عن النتائج التالية: 1- تراجع الاعتقاد والممارسة الدينية خصوصا بين الأجيال الجديدة. 2- زيادة علمنة الحياة الخاصة. 3- زيادة استخدام المنتجات الثقافية التي يحظرها رجال الدين على الشعب[113].

وبالتالي يتضح مما سبق أن الإشكاليات التي تواجهها السياسة الثقافية في إيران هي إشكاليات متعددة المستويات ترتبط بالأساس بقضايا التنوع والاختلاف وكيفية إدارته بالسياسات الرسمية للدولة, فهناك على المستوى العرقي تعدد في الأعراق التي تقطن إيران مع بروز السياسات نحو تأكيد العرق الفارسي على ما عداه من أعراق, وهناك على مستوى الأجيال إشكاليات التواصل بين الأجيال الأولى للثورة والأجيال الجديدة الأكثر ميلا للانفتاح على الآخر, وعلى مستوى ثالث -وهو مستوى نوعي- توجد قضايا المرأة ومدى حدود تحركاتها المجتمعية ومدى تطابق ذلك مع ما يحدده رجال الدين في إيران.

(ج) البعد الخارجي في السياسات الثقافية لإيران:
تعلن قيادات الثورة في إيران منذ قيامها عن سعي الثورة إلى مد جسور روابطها مع الدول الأخرى وخاصة الدول الإسلامية سواء في محيطها الإقليمي أو الخارجي؛ حيث تأتي على رأس قضايا واهتمامات الثورة قضية تصدير الثورة الإيرانية إلى الخارج وهي أحد أهم مبادئ الثورة التي وضعها الخوميني, ومن هنا تولي إيران أهمية خاصة إلى تصدير مبادئها الثقافية التي لا تنفصل عن مبادئ الثورة.
كما أنه -وكما سبقت الإشارة- فإن القوة الثقافية للدول أصبحت أحد أهم عناصر القوة الناعمة, وقد اتجهت العديد من الدول للتركيز على القوة الناعمة في الآونة الأخيرة ومنها إيران, ومن أهم مؤشرات امتداد السياسة الثقافية الإيرانية إلى الخارج ما يلي:
1) تمتلك إيران العديد من المؤسسات الثقافية النشيطة خارج الجمهورية الإسلامية, ومن أجل ضرورة وجود نوع من التنسيق بين تلك المؤسسات, ومن أجل دمج جميع المؤسسات والمراكز الحكومية العامة تم إنشاء رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية, والتي يأتي على رأس أولوياتها توجيه النشاطات الحكومية وغير الحكومية خارج إيران, وتوجيهها وتوسيع العلاقات الثقافية مع مختلف الشعوب الإسلامية والعالمية وتوصيل ثقافة إيران وحضارتها إلى الدول الأخرى, وتنشط الممثليات الثقافية التابعة للرابطة في أكثر من 68 دولة في العالم لتعزيز الروابط الثقافية مع بلدان العالم المختلفة, وتسعى تلك الممثليات إلى التعريف بالحضارة الإيرانية والأدب والثقافة الفارسية, وتتمثل أهم الأنشطة الثقافية لتلك الممثليات فيما يلي:
§ إقامة المعارض في الفنون التشكيلية والخط ومعارض الكتاب والمشاركة في معارض دولية وإقليمية.
§ إقامة الأسابيع الثقافية للتعريف بالجمهورية الإسلامية, وعرض مختلف أنواع الفن والثقافة الإيرانية, وإقامة الندوات والمؤتمرات الثقافية التي تدور حول اللغة والأدب الفارسي والحضارة الإسلامية.
§ نشر الكتب والصحف والعمل على إقامة شبكة توزيع عالمية للإنتاج الثقافي الإيراني, وذلك لنشر الثقافة الإسلامية إلى شعوب العالم, ومن أجل تحقيق ذلك تم إنشاء عدد من المؤسسات منها: مؤسسة الهدى الدولية، ومؤسسة الفكر الإسلامي التي تنشط باللغات العالمية بجانب الفارسية وتصدر عددًا من المجلات منها (اشتا الفارسية, ثقليْن الهندية, زمزم الإنجليزية, التوحيد العربية, كوثر الاسبانية, لرمبازدوسلام الفرنسية, أهل البيت التركية وغيرها العديد.
وبجانب تلك المؤسسات تصدر الممثليات الثقافية في إيران العديد من المجلات الأخرى في العديد من دول العالم, ويتعاون مع الرابطة العديد من المنظمات مثل المجمع العالمي لأهل البيت, والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية[114].
وبالتالى تهدف تلك الرابطة بالأساس إلى تجميع الجهود الإيرانية الثقافية في الخارج وإيجاد الخط الناظم فيما بينها من أجل دعم الجهود في نشر الثقافة الإيرانية في الخارج.
2) في إطار الدور الخارجي للإعلام ودوره في نشر ثقافة الدولة، فإن إيران تمتلك العديد من القنوات الفضائية مثل: قناة العالم وقناة الكوثر, وقناة سحر وقناة الغدير, وكربلاء, وأهل البيت, والمهدى وغيرها العديد من القنوات, كما تدعم إيران قناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني, وقناة الفرات العراقية.
وقد أعلن القسم الدولي في الإذاعة والتليفزيون الإيراني أنه تم إنهاء المرحلة الأولى لإطلاق قناة خاصة تبث مسلسلات إيرانية مدبلجة إلى العربية, وتعد قناة (I FILM) قناة ترفيهية تسعى -حسب المسئولين الإيرانيين- إلى الترويج للثقافة الفارسية وتسويقها [115], وتسعى لمحاولة تقديم صورة إيجابية شاملة عن إيران في المجالات المختلفة.
3) كما أعلنت إيران عن استراتيجية ثقافية وبحثية للجمهورية الإسلامية لخمس سنوات مقبلة خارج إيران في المجالات البحثية والفنية والتعليمية والثقافية والإعلامية والدينية في 70 دولة, وفي عام 2010 عقدت منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية ما يقرب من 3400 برنامجًا ثقافيًا, وتم إرسال 50 داعية إلى 30 دولة[116].
4) يأتي ضمن الأهداف الإيرانية نشر المذهب الشيعي الذي تدين به إيران ولذلك تم إنشاء العديد من المراكز الإسلامية الشيعية والحسينيات كما هو الحال في حسينيات 6 أكتوبر في القاهرة, وتم إنشاء عدد من الحوزات العلمية في سوريا, وإنشاء مجمع دعوي كبير في الأردن, كما تم إنشاء المركز الثقافي الإيراني في أم درمان في السودان, والمركز الثقافي الإيراني في الخرطوم, وتم إنشاء عدد من المكتبات في السودان مثل الكوثر وفاطمة الزهراء, وعدد من الروابط والجمعيات مثل رابطة الثقليْن, وآل البيت والزهراء[117].
وفي العراق تتمثل الجهود الإيرانية في ذلك الإطار في إنشاء هيئة محمد الأمين الثقافية في العراق, والتي تقوم بتوزيع الكتب والمحاضرات على الجامعات والمساجد والمدارس والمراكز الثقافية بل والدوائر الحكومية, كما أنشأت الهيئة بعض المدارس, وكذلك بعض الفضائيات مثل قناتي الزهراء والمهدي, وقد وصل عدد المكتبات الشيعية في العراق إلى 2000 مكتبة[118].
وعند تقييم أداء الدولة الإيرانية في المجال الثقافي، يرد عدد من الملاحظات العامة على الحالة الإيرانية, منها:
– إن من أهم أهداف السياسة الثفافية لدولة ما أن تأتي استجابة للحاجات الثقافية الداخلية للدولة, ولتعكس حالة التنوع والتعدد في دولة ما على اختلاف مستويات ذلك التنوع, إلا أن الحالة الإيرانية على الرغم من تأكيدها على المستوى الرسمي على ذلك التنوع فإن سياسات الواقع تعكس ميلا نحو القومية الفارسية على ما عداها من قوميات بينما تعاني الأقليات العربية وغيرها في إيران من واقع ثقافي لا يعكس حاجات تلك الأقليات الثقافية, وإنما تأكد على هوية الأغلبية.
– إن التحركات الإيرانية في إطار السياسة الثقافية على المستوى الداخلي أو الخارجي تنبع من أهداف ومبادئ السياسة التي حددتها الثورة الإيرانية وأكد عليها الخوميني, وبرز بوضوح وزن الأبعاد الثقافية في التحركات الإيرانية انطلاقًا من أن التغيير يبدأ من الثقافة. كما أنه على المستوى الخارجي استطاعت إيران التحرك بنشاط للتعريف بالثقافة والحضارة الإيرانية التي مزجت ما بين الحضارتين الفارسية والإسلامية الشيعية؛ حيث تعددت مستويات التحركات الإيرانية وخاصة في الدول الإسلامية من مكتبات ودور نشر وصحف ومراكز إسلامية وحسينيات وغيرها من العوامل المساعدة على نشر الثقافة الإيرانية.
– تعد إشكالية الهوية الإيرانية من أهم المشاكل التي تواجه الأداء الإيراني في السياسات الثقافية على المستوى الداخلي في ظل تصارع الأجيال بين أجيال حديثة تؤكد على الانفتاح على الآخر وترفض تدخل رجال الدين في تنظيم السياسة الثقافية في البلاد وخاصة في الجوانب الدينية, والأجيال الأولى للثورة التي تؤكد على خط الثورة وخاصة في حماية الأجيال المتعاقبة من الغزو الثقافي الغربي.
– تواجه التحركات الثقافية لإيران على المستوى الخارجي العديد من المشاكل في العديد من البلدان الإسلامية بل وغير الإسلامية؛ حيث تعتبر الدول أن تلك التحركات تتعارض مع سيادتها القومية, الأمر الذي تواجهه العديد من الدول بحذر شديد, وخاصة دول الجوار الإقليمي لإيران التي ترى في التحركات الإيرانية نزعة نحو السيطرة والتحكم وبناء الدور الإقليمي, ومن ثم تفتقد إيران إلى جسور الثقة بينها وبين العديد من البلدان الإسلامية التي تنظر بعين الريبة للتحركات الإيرانية تجاه شعوبها, وتتحدث عن التمدد الشيعي في البلدان الإسلامية. فما زال أمام إيران أن تمهد لسياستها الثقافية عبر بناء جسور الثقة بينها وبين البلدان الأخرى.

خاتمة- السياسات الثقافية لدول الأركان الثلاث في العالم الإسلامي: رؤية مقارنة

(أ) السياسات الثقافية على المستوى الداخلي:
1- بالرغم من تعريف مصر نفسها في الدستور باعتبارها دولة عربية ودينها هو الإسلام، إلا أن السياسات الرسمية للدولة لم تأتِ معبرة عن الهوية الثقافية المصرية بأي من روافدها بل جاءت متخبطة تمامًا، وذلك نتيجة لمناخ سياسي واقتصادي غير واضح المعالم. وفي تركيا بالرغم من تأكيد الدستور على علمانية الدولة إلا أن السياسات الثقافية عكست إدراكًا واضحًا لهوية تركيا وجذورها الحضارية الإسلامية مع الحرص على مواكبة التطورات العلمية والثقافية العالمية. وتعرف إيران نفسها في الدستور على أنها دولة تدين بالإسلام وثقافتها الأساسية هي الثقافة الإسلامية ومبادئ الثورة الإيرانية وقيم الخميني، ولا يلاقي ذلك تعارضًا في الداخل حيث يعترف بذلك في الأوساط الرسمية وغير الرسمية، وتسعى السياسة الثقافية في مجملها إلى الحفاظ على تلك الهوية الثقافية والتي انعكست على الواقع السياسي والاقتصادي للجمهورية الإسلامية، بالرغم من بروز تيار ناقد في أوساط الأجيال الشابة.
2- تعاني الأوضاع الثقافية المصرية تدهورًا كبيرًا –بخلاف ما هو معلن- على نحوٍ لم تتمكن معه السياسات العامة من تحقيق أهدافها المجتمعية والثقافية والاقتصادية؛ حيث يأتي الاهتمام بما هو ثقافي وتعليمي في ذيل اهتمامات الدولة التي لا تخصص لهذا المجال إلا قليل من المال الذي بدوره يساء توزيعه. أما في تركيا، فتشهد الثقافة ازدهارًا واضحًا ونجد أن العناصر والقيم الثقافية توظف على نحوٍ إيجابي في القضايا الاجتماعية والسياسية. وتولي الدولة في إيران البعد الثقافي أهمية كبيرة, في ضوء أن الثورة الإيرانية حثت على أهمية ما هو ثقافي لمواجهة الثقافات الواردة من خارج الإطار الإيراني الإسلامي, وترصد الدولة مبالغ طائلة للاهتمام بما هو ثقافي داخل إيران وخارجها, كما يظهر التخطيط الحكومي والتنسيق بين الجهات المعنية بوضع الخطط الثقافية.
3- وتختلف طبيعة بعض القضايا الثقافية والسياسات بين الحالات الثلاث، ومن ذلك على سبيل المثال مسألة الأقليات. فبالرغم من أن مشكلات الأقباط في مصر ليست بالخطورة التي هي عليها في دول أخرى إلا أن سطحية سياسات التعامل معها تزيدها عمقًا، بينما في تركيا التي عاشت أقلياتها المتعددة مشاكل كثيرة نجد السياسات تعكس إدراكًا للأمر وتحقق تقدمًا ملحوظًا. وفي الحالة الإيرانية تظهر قضية الأقليات غير الفارسية التي تسعى إلى كسب حقوقها الثقافية, كالحق في اللغة والتمتع بالمزايا الثقافية كما هو الحال في الأغلبية.
4- فيما يخص أدوات السياسة الثقافية، فإنه في مصر نجد تجاهلا للعديد من الأدوات وإغفالا لكثير من الإمكانيات كما هو الحال في التعامل مع الأزهر مع عدم إعطاء مساحة للجهات الثقافية غير الرسمية ذات القدرة. وفي تركيا نرى سعيًا لتوظيف ما يتاح من أدوات ثقافية في تناغم واضح، إلا أنه لا يشترط أن تكون الدولة هي الفاعل الوحيد على الساحة الثقافية كما تم تناولة في مجال الإعلام. وبالمثل تركز السياسة الثقافية الإيرانية على أدوات مختلفة، وتتعدد أنواع تلك الأدوات ما بين السينما والفن الإيراني والاهتمام به ودعمه في إطار مبادئ وضعتها الثورة, وكذلك الصحف والمنشورات التي تضع عليها الدولة رقابة كبيرة حتى تخضع للمعايير التي تنظمها السلطات.

(ب) السياسات الثقافية على المستوى الخارجي:
1- مع التأكيد على الهوية العربية والإسلامية لمصر –كما أشير- إلا أن السياسات الثقافية لا تعكس توجهًا إزاء الدوائر ذات الصلة وأبرز مثال على ذلك الدائرة الإفريقية التي تمثل عمقًا استراتيجيًا غاية في الأهمية، كما لا يوجد انفتاح ثقافي ذو معنى إزاء أي من الدوائر العالمية، فقد أهدرت عناصر القوة. في حين تحرص تركيا على استعادة روابطها الحضارية بالعالم العربي والإسلامي عامة مع العمل في ذات الوقت على تقوية روابطها بالدائرة الأوربية. أما بالنسبة لإيران فقد توجهت بالأساس إلى الدول الإسلامية لتقوية روابطها الثقافية بها كأحد المبادئ الأساسية للثورة, إلا أن السياسات الثقافية الإيرانية وسعت من توجهاتها نحو مناطق جديدة من العالم في أفريقيا وأمريكا اللاتينية لتصبح السياسات الثقافية لإيران غير مرتبطة بمحيطها الإقليمي والإسلامي فقط.
2- وبالنسبة للمجتمع المدني، فنجده غير مفعل في هذا الإطار فيما يخص الحالة المصرية، رغم وجود رصيد كبير له. وذلك بخلاف الدولتين التركية والإيرانية؛ حيث يلاحظ الدور الفاعل للمجتمع المدني التركي خارجيًا ممثلا بشكل أساس في حركة فتح الله جولن دون تدخل مباشر من الدولة وإن كانت تتيح المجال لتضافر الجهود. أما إيران، فتسعى إلى إشراك المجتمع المدني في تحركاتها الثقافية، وهناك دعم وتنسيق حكومي مع تلك الجهات غير الرسمية, إلا أن ذلك يتم مع الجهات التي تدعم نفس الخط المحافظ للسلطات الحاكمة في إيران, وهناك يد كبيرة للدولة والسلطات الرسمية ورجال الدين في إيران في وضع السياسات الثقافية للدولة.
3- وبالنسبة إلى السياسات الثقافية والدور؛ فعن مصر فقد شهد دورها تراجعًا كبيرًا ربما كان أهم أسبابه هدر المكانة الحضارية والثقافية. وتعمل تركيا على اتباع سياسة خارجية يأتي العامل الحضاري والثقافي في قلبها على نحوٍ لا ينفصل عن السياسي والاقتصادي كما نرى في التعامل مع القضية الفلسطينية. أما إيران فتهدف من سياستها الثقافية بالأساس إلى نشر الثقافة الإيرانية, ودعم دور الدولة وتحركاتها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية لبناء الدور الإيراني الإقليمى والدولي, فلا ينفصل الثقافي عن ما عداه من أبعاد أخرى للاستراتيجية الإيرانية لبناء قوة الدولة عبر توسيع الأحلاف في الخارج لمواجهة الضغوط الغربية لعزل إيران.

الهوامش:

(*) وقت كتابة هذا البحث في أوائل يناير 2011 (المحرر).

1- زكي الميلاد, الثقافة السياسية والسياسة الثقافية , 4/5/2005 , متاح على:
http://www.rasid.com/artc.php?id=5878
[2] هبة رءوف، القوة الناعمة في مصر: أزمة النظام القوي والدولة الضعيفة في مصر، في: محمد عبد العاطي (محرر): ثلاثون عاما من حكم مبارك لمصر.. تبديد أرصدة القوة، المقالات البحثية (7)، شبكة الجزيرة، 2010، ص61. نسخة إليكترونية متاحة على: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/2307BAEE-874E-4753-A06A-BA28DC12CB6D.htm .
[3]- Joseph Nye, soft power: the means to success in world politics, New York, public affairs, 2004.
[4] موقع الهيئة العامة للاستعلامات ومصادر أخرى.
[5] لمزيد من التفاصيل انظر: حسنين توفيق إبراهيم، أزمة النظام السياسي المصري..العلاقة بين السلطة ومعضلة الشرعية السياسية في: محمد عبد العاطي (محرر)، مرجع سابق.
[6] لمزيد من التفاصيل حول الأوضاع الاقتصادية في مصر انظر: أحمد سيد النجار، الاقتصاد المصري ومعضلة الفقر والتهميش كمحصلة للسياسات الاقتصادية العامة، محمد عبد العاطي (محرر)، المرجع السابق.
[7] هبة رؤوف، مرجع سابق.
[8] حسن نافعة، في: محمد عبد العاطي (محرر)، مرجع سابق.
[9] المرجع السابق.
[10] موقع وزارة الثقافة المصرية.
[11] الوطني اليوم، 4/1/2011.
[12] www.alsiasi.com.7/1/2011
[13] المصري اليوم، 12/4/2010.
[14] مها إسماعيل، المشهد الثقافي في مصر بعد السلام مع إسرائيل، على:www.aljazeera.net.25/3/2009.
[15] المصري اليوم، 16/5/2010.
[16] د.محمد السعدني، أوهام التعليم العالي وخطاياه، المصري اليوم، 22/8/2010.
[17] د.حسام البدراوي، نهضة التعليم: تحديات التطبيق (1)، المصري اليوم، 13/7/2010.
[18] المصري اليوم،10/4/2010.
[19] المصري اليوم، 10/3/2010.
[20] المصري اليوم، 24/5/2010.
[21] www.onislam.net. 27/6/2010).
[22] المصري اليوم،1/9/2010.
[23] هدى رشوان، قوانين المرأة.. ليس كل تشريع يعني الإنصاف الكامل، المصري اليوم، 16/3/2010.
[24] المصري اليوم، 9/3/2010.
[25] www.eyoun.org.30/9/2010
[26] د.محمد مورو، كيف يمكن استعادة دور الأزهر، على: www.almuslim.net.
[27] الجمهورية، 1/1/2010.
[28] النشرة الصحفية الصادرة عن مكتبة الاسكندرية.
[29] الأهرام، 3/1/2010.
[30]http://www.ahram.org.eg/339/2010/11/03/27/46594/219.aspx.
[31] http://www.aljazeera.net/NR/exeres/4083D239-CC57-4F73-A887-E13281D8C3E4.htm /1/2010 7.
[32] http://www.aljazeera.net/NR/exeres/3071534A-9816-48B6-A477-28253CAB0 0
[33] الأهرام، 27/10/2010.
[34] القدس، 7/3/2010.
[35] المصري اليوم، 6/7/2010.
[36] المصري اليوم، 4/3/2010
[37] سامح كريم، ويسألونك عن اتحاد الناشرين المصريين، الأهرام، 21/7/2010.
[38]ttp://www.ahram.org.eg/308/2010/10/03/16/41674/219.aspx
[39] المصري اليوم، 11/11/2010.
[40] د.على أبو الخير، دور الأزهر والكنيسة في مياه النيل، على:. WWW.AL-ANWAR.EG.NET.30/5/2010)
[41] على حسن باكثير، في: محمد عبد العاطي (محرر)، مرجع سابق، ص 23.
[42] محمد الثلجي، محمد عبد العاطي (محرر)، مرجع سابق، ص 91.
[43] المرجع السابق.
[44] www.TurkeyToday.net.29/11/2010
[45] محمد تلجي، أزمة الهوية في تركيا.. طرق جديدة للمعالجة، مرجع سابق، ص 89-90
[46] على حسين باكثير، تركيا الدولة والمجتمع… المقومات الجيو-سياسية والجيو-استراتيجية، في: عبد العاطي (محرر)، تركيا بين تحديات الداخل ورهانات الخارج، مرجع سابق.
[47] لمزيد من التفاصيل حول رؤية “أوغلو” للسياسة الخارجية، انظر: أحمد داوود أوغلو، العمق الاستراتجي.. مكانة تركيا في الساحة الدولية، ترجمة: طارق عبد الجليل،: مركز الجزيرة، 2010.
[48] The Turkish constitution.
[49] برنامج حزب العدالة والتنمية التركي (AkP program)، متوفر على: http://eng.akparti.org.tr/english/partyprogramme.html
[50] التيار المحافظ في السينما التركية، على: www.islamonline.net
[51] www.akhbaralaalam.net. 26/10/2010
[52] www.turkaytoday.net.
[53] www.Turkeytoday.net. 11/4/2010.
[54]www. Akhbaralaalam.net. 30/10/2010.
[55] www. Akhbaralaalam.net. 5/11/2010.
[56] برنامج آفاق الصحافة، قناة TRTالعربية، 23/12/2010.
[57] عبد الكريم على، الإعلام التركي بين العلمانيين والإسلاميين.. مواجهة طويلة تصل إلى التعايش، في:www. Aljazeera.net. 9/11/2006
[58] www.akhbaralaaham.30/12/2009.
[59] WWW.TurkeyToday.net.3/11/2010.
[60] WWW.akhbaralaalam.net 25/12/2010.
[61] الأهرام، 30/10/2010
[62] وكالة أنباء جيهان، 5/11/2010.
[63] www.akhbaralaalam.net. 23/12/2010.
[64] سيد عبد المجيد، خير النساء تقسم الأتراك، الأهرام، 3/10/2010
[65] www.moheet.com. 9/2/2009.
[66] عبد الحليم غزالي، الأهرام، http://www.metransparent.com/old/texts/ali_bardak_ouglo_ahram_interview.htm
[67] www.Todayszaman.com.14/11/2010.
– www.onislam.net, 18/11/2010.
[68] www.akhbaralaalam.net. 23/12/2010.
[69] www.Nufooz.com/ ar. 19/3/2010.
[70]http://www.alukah.net/World_Muslims/0/525119/3/2009
[71] http://www.alukah.net/Culture/10346/5230/, 17/3/2009
[72] http://www.shafaaq.com/sh2/culture/culture-news/13502-2010-02-24-08-22-21.html
[73] http://turkeytoday.net/node/2001 09/14/2010
[74] http://www.alquds.com/node/245558, مارس 25 2010
[75] www.TurkeyToday.net. 5/10/2010.
[76] http/.youm7.com. 1/8/2010.
[77] مجلة آفاق للصداقة المصرية التركية، مركز يونس إمرة للثقافة التركية، أكتوبر 2010، ص 16-18.
[78] مجلة آفاق للصداقة المصرية التركية، مرجع سابق، ص13.
[79] لمزيد من التفاصيل انظر الموقع الخاص بالمؤتمر: WWW.atcoss.com
[80] www.TurkeyToday.net.26/12/2010.
[81] وكالة أنباء اليترا، 30/5/2010
[82] www.islamonline.net. 30/10/2010
[83]http://www.turkisharab.com/News/shoondiniyya.htm
[84] http://islam.m3com.com.sa2010/8/4
[85] WWW.TurkeyToday.net. 4/12/2010.
[86] www.turkeytoday.net. 16/12/2010.
[87] www.oljazeera.net. 15/6/2010.
[88] اسطنبول عاصمة للثقافة الأوربية 2010، آفاق للصداقة المصرية-التركية، مرجع سابق، ص 26-27
[89] WWW.akhbaralaalam.net.
[90]ولمزيد من التفاصيل حول أنشطة الحركة انظر: أعمال مؤتمر “مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي: خبرات مقارنة مع حركة فتح الله جولن التركية”، عقد في جامعة الدول العربية – القاهرة (19 – 21 أكتوبر 2009) بالتعاون بين مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات ووقف الدراسات الأكاديمية والإنترنت ومجلة حراء، (تحت الطبع).
[91] www.cihanmedia.com
[92] www.hiramagazin.com
[93] http://tuskon-arabic.com/ar
[94]http://www.kimseyokmu.org.tr/Default.aspx?hl=en
[95]- Ethan charin and haim malka ,Iran’s soft power create hard realities ,center for strategic and international studies (CSIS),Middle east program, April 2008, available at: http://csis.org/files/media/csis/pubs/0408_menc.pdf
[96] مبادئ السياسة الثقافية لجمهورية إيران الإسلامية, متاح على:
-http: // www.iranculture.org
[97] المرجع السابق.
[98] حمدي عابدين, إيران المعاصرة: صراعات القوى والمصالح وآليات صنع القرار, متاح على:
www.balagh.com/islam/f80prli6.htm
[99] – محمد السعيد عبد المؤمن, قراءة في برنامج وزير الثقافة الإيراني, مختارات ايرانية, العدد 106, أكتوبر 2009, ص ص 48:49.
[100] فرح الزمان أبو شعير, السينما الدينية بإيران الفتوى والعالمية, 26-12 -2010, متاح على:
http:// www. Al jazeera.net
[101] إيران تنتج أول فيلم عن غزة والمقاومة, 25-8-2010, متاح على:
http://www.alwatanvoice.com
[102] إيران تنشئ 100 دار سينما, 23-7-2010, متاح على: http://www. Al jazeera.net
[103] أسماء العزاوى, السينما الإيرانية من المحلية إلى العالمية, 9-6-2010, متاح على: http://www.alfelal.org
[104] – يحيى داود عباس, الحسينيات والتكايا ودورها في إيران في الماضى والحاضر, مختارات ايرانية, العدد 93, أبريل 2008, ص ص 87 – 89.
[105] -الثورة الإيرانية وجيلها الثالث, مختارات ايرانية, العدد 33, أبريل 2003, ص 15.
[106] – ميلادبورنيك , الانترنت والمعارضة السياسية: الحالة الإيرانية , السياسة الدولية , العدد 180 , ابريل 2010 , ص ص 7، 8.
[107] -عادل عبد الصادق, الانترنت والديمقراطية: الأبعاد النظرية وملامح التأثير: دراسة حالة إيران, مختارات ايرانية, العدد 102, يناير 2009, ص ص 98 – 99.
[108] -عبد الرحمن الراشد, نجاد وتوزير النساء, 20-8-2009 , متاح على: http:// www.awsat.com
[109] -يوسف عزيزى, دور المرأة في التطورات الاجتماعية والسياسية, 25-8-2004 , متاح على: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=22482
[110] -http://www.marefa.org
[111] -حسان عبد الله حسان, الفكر التربوي الإمامي: إيران نموذجا, متاح على:
http://alrashed.net
[112] سمير زكى بسيونى, الشباب الإيراني والسياسة الخارجية من الثورية إلى البرجماتية, السياسة الدولية, العدد 168, أبريل 2007, ص 130
[113] – نزار الطحاوى , ثلاثون عاما على الثورة الإيرانية , قراءات استراتيجية , السنة الرابعة عشر , العدد الثالث , مارس 2009 , ص 39.
[114] – محمّد علي آذرشب، أضواء على رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية, متاح على: http://www.iranarab.com/Default.asp?Page=ViewArticle&ArticleID=534
[115]http://www.klamarab.net/vb/showthread.php?t=26504
[116] -إرسال 50 داعية إلى الخارج و عشرة آلاف آخرين إلى داخل إيران, 17-8-2010, متاح على: http://alboraq.info/showthread.php?t=175392
[117] -حمدان الأشقر, مظاهر تغلغل التشيع الإيراني في البلدان السنية: مصر-سوريا -الأردن وغيرها, 27-10-2008, متاح على:
http://untishiaa.maktoobblog.com
[118] – الهيثم زعفان, المؤسسات الشيعية التبشيرية في العراق 23-1-2010, متاح على: www.almokhtsar.com

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى