نحو إعادة الاعتبار لانتفاضة القدس ضد التهويد الإسرائيلي

مقدمة

“القدس بالنسبة لنا موضوع دين –أو أديان- ووطن وتاريخ وثقافة، هي ماض وحاضر، وهي مستقبلنا أيضًا، وفلسطين هي وعاء القدس وحاملتها، وهي من أعطاها في الغالب من صبغتها وأهميتها، ليست القدس مدينة في وطن هو فلسطين، ولكن فلسطين وطن في مدينة هي القدس”
المستشار طارق البشري(1)
لقضية القدس أوجه متعدِّدة مثل الديني والثقافي والإنساني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، تتداخل فيما بينها لتظهر تعقيداتها وإشكالياتها على مستويات عديدة. تلك التعقيدات وإشكالياتها تظهر على مستوى قضية فلسطين ككل، فتزيد الأمر تعقيدًا، فهي ليست قضية تنتهي مع المفاوضات، لذلك فقد تم تأجيلها مرات عدَّة في المسار التفاوضي واعتبارها من قضايا الحلِّ النهائي، إلا أن ذلك الوضع مهَّد لإسرائيل رسم سياسات وتنفيذها على الأرض في كل من الأراضي الفلسطينية وفي القدس بشكل خاص، حيث مارَس الكيان الإسرائيلي سياسة تهويد مكثَّفة للمدينة المقدَّسة تهدف إلى إضفاء طابع ديني يهودي عليها -ليس فيها بشكل كبير- وتغيير مسار الوضع الإسلامي العربي على الأرض، وهو ما تستعرضه تلك الورقة.
والسؤال الرئيس لتلك الورقة هو: هل هناك انتفاضة في القدس؟ وللإجابة على ذلك التساؤل ستنقسم الورقة إلى محورين أساسيَّيْن هما:
1- إلى أين وصلت سياسات التهويد؟
2- انتفاضة القدس، ويتم فيها شرح مؤشرات وجود انتفاضة داخل مدينة القدس ومشاهدها.

أولًا- عمليات تهويد مدينة القدس

منذ استيلاء الكيان الإسرائيلي على المدينة في عام 1967م وهي تعاني من محاولات التهويد بشكل يومي، لتنفيذ المخطَّط الرئيسي للكيان الإسرائيلي، وهو أن تكون القدس عاصمة لإسرائيل، وذلك المخطَّط يمزج بين الثقافي والأمني والسياسي والاقتصادي والديني، ويتوجَّه نحو الأرض والعمران والإنسان لنفي وإقصاء كل ما هو عربي وإسلامي في المدينة، وتنقسم خطة التهويد تلك إلى عدَّة مستويات، منها:
1- المستوى الديني: والمقصود به الاعتداء الموجَّه للمسجد الأقصى، بالإضافة إلى محاولات تزييف التاريخ والحفريَّات من أجل إثبات وجود الهيكل اليهودي. مع بداية السيطرة الإسرائيلية على القدس الشرقية في 1967م، كانت البداية استهداف “الأقصى”، فتمَّ تحويل “حائط البراق” إلى “حائط المبكى” ومصادرة ما حوله من أحياء وبوابات كالمغاربة وذلك بحجة كشف امتداد “حائط البراق”، وتمَّ تكثيف الحفريات الأثرية في المنطقة التي يسمِّيها الإسرائيليُّون “الحوض المقدَّس”، وهي المنطقة التي تضمُّ البلدة القديمة ومحيطها(2). واستخدمت السلطات الإسرائيلية العديد من الأدوات والآليَّات لتنفيذ هذا المستوى، منها:
– تهديد وجود المسجد الأقصى: ولتهديد وجود الأقصى وجهان، الأول- التهديد المباشر، وبدأت أولى تلك المحاولات مع حرق المسجد في أغسطس 1969، وفي يناير 1984 دخل يهوديان المسجد الأقصى وبحوزتهما كمية كبيرة من المتفجِّرات لنسف مسجد قبة الصخرة، وفي يوليو 2001 منعت السلطات الإسرائيلية دخول مواد البناء لترميم المسجد الأقصى، وفي ديسمبر 2010 حاول مستوطن وضع تفجيرات لنسف المسجد القبلي. أما الثاني- فهو التهديد غير المباشر نتيجة للحفريات التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية تحت المسجد الأقصى وما نتج عنها، مثل: انهيار الدَّرَجِ المؤدِّي إلى مدخل المجلس الإسلامي الأعلى في 1984م، واكتشاف فتحة طولها 3 أمتار وعرضها متران وعمقها أكثر من 10 أمتار تؤدِّي إلى نفق طويل شَقَّتْهُ دائرةُ الآثار الإسرائيلية بمحاذاة السور الغربي الخارجي للمسجد الأقصى، وأيضًا في 1996م أدَّت الحفريات إلى اهتزازات في الحائط الجنوبي للمسجد(3).
– تغيير محيط الحرم الشريف: حيث تحاول السلطات الإسرائيلية تهويد محيط الحرم لتسهيل عملية تغييره نفسه، ومنها على سبيل المثال: الكشف عن مخطَّطات لهدم القصور الأموية المحاذية للمسجد الأقصى في أغسطس 1997، وفي أكتوبر 2008 تمَّ افتتاح كنيس يهودي بأرض وقفية بعد خمسين مترًا من “الأقصى”، وافتتاح كنيس الخراب بجوار المسجد الأقصى في مارس 2010، والإعلان عن مخطط بناء كنيس كبير يدعى “فخر إسرائيل” على بعد مئتي متر من المسجد الأقصى في أبريل 2010، واعتبار باحات المسجد الأقصى حدائق عامَّة وفتحها أمام اليهود وتحويل تبعيَّتها إلى بلدية القدس الإسرائيلية.
– الحفريات أسفل المسجد الأقصى: وتعدُّ من أكبر أنواع الاعتداءات التي يتعرَّض لها المسجد الأقصى في محاولة لفرض الادِّعاءات الإسرائيلية حول كونه مكان “هيكل سليمان”، ومحاولة إعادة إحياء هذا التراث حسب ما تدَّعي إسرائيل، ولم يُعرف متى بدأت الحفريَّات أسفل المسجد الأقصى، إلا أنه في عام 1981م تمَّ اكتشاف نفق يمتدُّ أسفل المسجد الأقصى، ومن بعدها أصبحت الحفريَّات معروفة للجميع، كما سبقت الإشارة إلى انهيار الدَّرَجِ المؤدِّي إلى مدخل المجلس الإسلامي الأعلى في 1984م، واكتشاف فتحة نفق بمحاذاة السور الغربي للمسجد الأقصى، وفي يناير 2013 تمَّ الكشف عن وجود كنيس للنساء وحفريات جديدة أسفل بوابة السلسلة.
– الاقتحامات المتكررة: والتي بدأت بعد يومين من بدء حرب 1967م، حيث دخل الجنرال “موردخاي جور” وجنوده المسجد الأقصى ورفعوا العلم الإسرائيلي على قبَّة الصخرة وحرقوا المصاحف ومنعوا المصلِّين من الصلاة فيه وصادروا مفاتيح أبوابه، ثم تكرَّرت الاقتحامات، وكان أبرزها في يناير 1981، حيث اقتحمت “حركة أمناء الهيكل” مع جماعات أخرى الحرمَ، وفي سبتمبر 2000 اقتحم آرئيل شارون ساحات المسجد الأقصى وكانت الانطلاقة لانتفاضة الأقصى، وفي مارس 2014 اقتحم الحاخام المتطرف يهودا جليك برفقة مستوطنين “الأقصى” من جهة باب المغاربة.
– إغلاق المسجد أمام المصلِّين: أُغلق المسجد لأوَّل مرة أمام المصلِّين بعد حرب 1967م، وتمَّت مصادرة مفاتيحه من قبل إسرائيل، وأُغلق المسجد للمرَّة الثانية في العام الماضي مع رفض البوابات الإلكترونية من قبل المقدسيِّين.
– التضييق على حرية العبادة: منذ بداية التسعينيات تفرض إسرائيل حصارًا عسكريًّا مشدَّدًا على القدس تمنع بموجبه الفلسطينيِّين من باقي الأراضي الفلسطينية الدخولَ إلى القدس للصلاة بالمسجد الأقصى إلا للحاصلين على تصاريح، وعادة ما تشترط سنًّا معيَّنة مثل 45 عامًا أو أكثر، هذا من جانب، وعلى الجانب الآخر ما زالت خطة التقسيم الزماني المكاني(4) التي طرحتها الحكومات الإسرائيلية محل شدٍّ وجذب بين الحكومة الإسرائيلية والمقدسيِّين، حيث تحاور وتناور الحكومة الإسرائيلية لتطبيقها(5).
– تغيير الوضع القانوني: سواء فيما يتعلَّق بالسيادة على المسجد الأقصى والتي حتى الآن من المفترض أنها تتبع الأردن بناء على ترتيبات بين الأردن وإسرائيل عقب اتفاق “وادي عربة”(6)، حيث ناقش الكنيست في 2014م مقترحًا بسحب السيادة الأردنية على المسجد الأقصى، أو من حيث إقرار أحقيَّة اليهود في الصلاة داخل المسجد الأقصى وباحاته، فعلى سبيل المثال، وافقت المحكمة المركزية الإسرائيلية على السماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى في 1976م، وطُبِّقَ هذا القرار رسميًّا في 1989م مع السماح بإقامة الصلاة اليهودية على أبوابه، ولكنه قوبل بالكثير من المعارضة الشعبية الفلسطينية، وبعد الكثير من الاحتجاجات الإسرائيلية سمح المستشار القانوني الإسرائيلي بالصلاة ولكن مع التنسيق مع الشرطة الإسرائيلية في 1997م(7).
وفي نهاية هذا المستوى نجد أن الأمر لا يقتصر على تغييرات على الأرض فقط، بل القيام كذلك بتغيير الصور النمطية حول المسجد الأقصى، من حيث كونه مكانًا دينيًّا خاصًّا بالمسلمين، واعتباره مزارًا سياحيًّا إسرائيليًّا أو وسيلة دعاية تستطيع السلطات والشركات الإسرائيلية استخدامها من أجل تحقيق مزيد من الأرباح، فعلى سبيل المثال استخدمت وزارة السياحة الإسرائيلية مسجد قبَّة الصخرة في دعايتها التي تقوم بها من أجل جلب السياح، باعتباره مزارًا سياحيًّا إسرائيليًّا، وليس مكانًا إسلاميًّا له قدسيَّته، ومثال آخر على ذلك سماح السلطات الإسرائيلية بإقامة زفاف في باحات الأقصى.
2- مستوى ديمُجرافية القدس: تؤثر الديمُجرافية وحجم وتوزيع السكان على شكل الأوضاع النهائية، وكانت وما زالت إسرائيل تقوم بتغيير الوضع على الأرض منذ بداية احتلالها، وكان حجم وتوزيع السكَّان في القدس من أهمِّ الإشكاليَّات التي واجَهتها والتي حاولت بطرق عديدة التغلُّب عليها، والمقصود هنا استهداف المقدسيِّين، فهُم العقبة الأساسية أمام عمليات التهويد وتغيير شكل المدينة، فهم المقاومون، وهم المرابطون، وديمُجرافية القدس تحدِّد كيفية التعامل الإسرائيلي مع سكان القدس من أجل تقليص عددهم، فكانت سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تهدف إلى جعل نسبة العرب في المدينة القديمة 30% من عدد السكان الكلي لتستطيع السيطرة عليهم حين إتمام شكل الوضع النهائي، وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تتمكَّن من تحقيق ذلك حتى الآن، إلا أن هناك عامليْن أساسِيَّيْن تعتمد عليهما السلطات الإسرائيلية، وهما: الأول- زيادة أعداد المستوطنين، فعدد مستوطني القدس أقل قليلًا من نصف المستوطنين في كلِّ أنحاء فلسطين التاريخية، والعامل الثاني- عمليَّات الطرد والإبعاد والتضييق من أجل خفض أعداد العرب في المدينة، هذا بالإضافة إلى خفض مستوى الخصوبة نتيجة عمليات التكدير اليومية(8). لتكون ديمُجرافية القدس أساسًا لعملية التهويد الإنسانية، ويمكن تقسيمها إلى ثلاث سياسات رئيسية:
أ) سياسة الطرد: وهي عمليات طرد المقدسيِّين وسحب الهويَّات المقدسيَّة منهم، وتنفَّذ على مستويين: الأول- المستوى الفردي، ويشمل أيضًا عدَّة مستويات: الطرد بالهوية، وهو عملية سحب الهويَّة المقدسيَّة وهذا يتمُّ أيضًا على شقَّين: الأول- من غاب عن القدس مدَّة سبع سنوات، والثاني- ضمن عمليَّات التكدير اليوميَّة التي تمارسها قوات الاحتلال ضدَّ المقدسيِّين، فيمكن أن تُسحب هويَّة المقدسي على معبر أو بوابة وإن لم يغب عن القدس قط، وفي المجمل تجبر إسرائيل كل عام 8% من الفلسطينيِّين الذين يحملون الهويَّة المقدسيَّة على الرحيل نتيجة لسحب هويَّاتهم بحجج الإجراءات الإدارية والقانونية(9). والمستوى الثاني في الطرد الفردي، هو عمليات الطرد المحددة لأشخاص بعينهم، ومنهم طرد البرلمانيِّين المقدسيِّين، وطرد شخصيات دينية ووطنية مثل الشيخ رائد صلاح، نتيجة لنشاطهم السياسي من أجل حماية المدينة والمقدسيِّين. أمَّا المستوى الثاني في سياسة الطرد- فهي عمليات الطرد الجماعي التي تشمل أحياء بكاملها، ففي العام الماضي كانت القوات الإسرائيلية تستهدف حي الشيخ جرار في القدس، حيث طردت 45 عائلة من منازلها(10)، وفي بداية مارس 2018 أقرَّ الكنيست قانونًا يمنح وزير الداخلية صلاحية إبعاد الفلسطينيِّين من سكَّان القدس عن مدينتهم، وينصُّ القانون على منح صلاحية سحب هويَّات المقدسيِّين بحجَّة “خرق الأمانة لدولة إسرائيل”، أو في حال اتُّهِموا بالمساس بالأمن، أو الانتماء إلى أيٍّ من “المنظَّمات الإرهابية” وهو تعريف يطال عمليًّا غالبية الفصائل الفلسطينية، وهو ما يعني أن يتمَّ ترحيل الفلسطينيِّين دون أيِّ إجراءات قانونية أو محاكم، وبناءً على قرار من وزير الداخلية الإسرائيلي فقط(11).
ب) سياسة الهدم: والمقصود بها هدم آلاف المنازل بحجَّة البناء دون ترخيص، مع العلم باستحالة الحصول على تراخيص بناء للفلسطينيِّين في القدس، إذ يضطرُّ المقدسي لأحد الحلول الآتية: الأول- النزوح من القدس إلى مناطق الضفَّة الغربية، الثاني- البناء دون ترخيص، وهو ما يعني أن بيته سيهدم في القريب العاجل على نفقته الخاصَّة، حيث إنه مطالب بدفع نفقة الهدم، أو انتظار معجزة الترخيص، وذلك يعني أنه مطالب بالتنازل عن جزء من أرضه لبلدية الاحتلال، وتصل بعض التقديرات أن هناك ما يقرب من 5000 منزل تمَّ هدمه(12).
ج) سياسة الاستيطان: في مقابل سياسة الطرد والهدم تأتي سياسة الاستيطان، ومن أجل تنفيذ تلك السياسة بشكل جيِّد فقد صادرت السلطات الإسرائيلية 18 ألف دونم، وأقامت تسع عشرة مستوطنة تزيد مساحاتها على 13 ألف دونم، تضم حوالي 57 ألف وحدة سكنية، ويقيم فيها أكثر من 152 ألف مستوطن، وتوسَّعت إسرائيل في بناء المزيد من الوحدات السكنية في تلك المستوطنات مع انكفاء الدول العربية على ذاتها نتيجة للربيع العربي وما تلاه، ثم قرَّرت إسرائيل المزيد من التوسُّع في بناء تلك الوحدات الاستيطانية لتصل تلك الزيادة إلى 14 ألف وحدة سكنية جديدة، بالترافق مع القرار الأمريكي بنقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس(13).
د) سياسات التضييق والتكدير اليومية: والمقصود بها جملة السياسات التي تتبعها إسرائيل بهدف التضييق على المقدسيِّين العرب بشكل خاص من أجل جعل الحياة اليومية شبه مستحيلة، وذلك يتمُّ من خلال اتِّجاهات عدَّة:
1) النظام الأمني المعمول به في القدس من خلال السيطرة على مداخل القرى والشوارع والأزقَّة ومن خلال الأكمنة وكاميرات المراقبة وما يستدعي ذلك من توقيفات وأسئلة ومشاحنات يومية مع قوات الاحتلال، وزاد الأمر سوءًا مع التكثيف الأمني الذي بدأته إسرائيل في 2014 في محاولة لاحتواء انتفاضة القدس(14).
2) الاتجاه العمراني من خلال ضمِّ المستوطنات إلى القدس وفصل الأحياء الفلسطينية عنها، بناء على قوانين تسنُّها السلطات الإسرائيلية بحيث تختلُّ ديمُجرافية القدس بناء على التغيير الجغرافي العمراني، ويعتبر “الجدار العازل” من أهمِّ أساليب إسرائيل في تغيير ديمُجرافية القدس، حيث أخرج هذا الجدار أكثر من 80 ألف فلسطيني من القدس.
3) الاتجاه الاقتصادي من خلال التضييق على الفلسطينيِّين في الحصول والوصول إلى أعمالهم، خاصَّة الحرفيِّين وأصحاب الأعمال الصغيرة من خلال الإجراءات المعقَّدة للحصول على تصاريح وتراخيص لأعمالهم، هذا من جانب، ومن جانب آخر تُستخدم الضرائب الباهظة المفروضة على المقدسيِّين لبناء المزيد من المستوطنات.
4) تضييق الحركة، من خلال منع الوصول إلى المشافي والأعمال بالإضافة إلى تضييق الحركة داخل الأحياء، فيصعب الانتقال من حي إلى حي آخر، بل يصعب دفن الموتى في مقابر أسرهم إذا سكنوا في حيٍّ آخر غير المتواجدة فيه المقابر، بالإضافة إلى منع دخول غير المقدسيِّين القدس، حتى وإن كانت عائلتهم هناك، فعلى سبيل المثال إذا تزوَّج مقدسي من غير مقدسية، فإما أن يخرج هو خارج القدس أو يحاول تهريبها داخل عربة إسعاف أو عربة خضار(15).
5) تهويد العملية التعليمية، حيث يتمُّ حصار خيارات التعليم في مدينة القدس، فالمدارس العربية في القدس لم تعدْ مؤهَّلة للتعليم بسبب قِدمها ورفض السلطات الإسرائيلية ترميمها، بالإضافة إلى أنها ألغت التعليم المجاني للطلبة العرب بداية من 2009م، ومن جانب آخر تصرُّ السلطات الإسرائيلية على تطبيق المناهج الإسرائيلية للتعليم(16).
إن سياسات إسرائيل في تغيير ديمُجرافية القدس ليست استثناء أو حالات فردية، فما سبق ينطبق على فئات المقدسيِّين من رجال ونساء وشيوخ وأطفال، فلا أحد مستثنى من عمليَّات الهدم والطَّرد والتكدير، ولا يمرُّ يوم دون أن يتعرَّض الجميع لصورة أو أخرى من تلك السياسات، وما سبق ذكره هي سياسات للتغيير متَّبعة لرسم خارطة جديدة لشكل القدس(17)، ولا تستخدم إسرائيل ذلك فقط، فلها أذرع ثقافية إعلامية للترويج على مدار السنوات السابقة بأن القدس جزء تاريخي من إسرائيل، ليس أقلها مشهد صلاة ترامب على حائط البراق في زيارته الأخيرة، أو الترويج لذلك في المنظَّمات والاحتفالات الدولية(18)، هذا من جانب، ومن جانب آخر –من الناحية السياسية- ما زالت القدس قضية في الملف النهائي على طاولة المفاوضات المتوقِّفة الفلسطينية-الإسرائيلية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: متى يحين الوقت لقضايا الحلِّ النهائي؟ وكيف سيكون شكل هذا الحلِّ بعد التغييرات التي تقوم بها إسرائيل منذ احتلالها القدس في سبيل تهويدها؟
إن الجزء السابق من الورقة إنما يهدف لتوضيح حجم معاناة المقدسيِّين وحجم التغيرات التي يتعرَّض لها الأقصى على سبيل المثال لا الحصر، فكما سبق الذكر، لإسرائيل أدوات أخرى للتهويد، لم تستفض فيها الورقة، لأن الهدف الأساسي هنا هو إبراز دور المقدسي في الدفاع عن القدس والأقصى، وهو ما سيلي تفصيله.

ثانيًا- انتفاضة القدس

كانت وما زالت حركة الشارع الفلسطيني في القدس ذات مسارات عديدة ومختلفة، فمنذ عام 2001م مع رحيل فيصل الحسيني وإغلاق بيت الشرق والذي عُدَّ موحِّدَ الحركة المقدسيَّة ضدَّ التهويد منذ احتلال المدينة عام 1967م وحتى وقت إغلاقه(19)، ثم تنوَّعت الحركة في خمسة أطر مختلفة تراوحت ما بين منظمة التحرير الفلسطينية (“المؤتمر الوطني الشعبي للقدس” الذي تمَّ تأسيسه عام 2008م و”دائرة شؤون القدس” التي تأسَّست عام 2009م)، والسلطة الوطنية الفلسطينية (محافظة القدس ووزارة شؤون القدس)، وديوان الرئاسة الفلسطينية (اللجنة الوطنية العليا للقدس) وفي أغلب الأحيان، جاء تشكيل هذه المؤسَّسات بناء على “اعتبارات شخصية” وليس ضمن رؤية واستراتيجية شاملة، مع وجود قيود أمنية وسياسية تحدُّ من عملها ونشاطها، ونتيجة لعدم فاعلية ما سبق في توضيح حركة المقدسيِّين تجاه عمليَّة التهويد المستمرَّة، جاء إنشاء “المرابطين” كبديل شعبي ديني على عملية التهويد أيضًا وذلك لحماية “الأقصى”(20).
جاء تشكيل المرابطين في مقابل رفض السلطات الإسرائيلية إدخال موادِّ البناء لترميم “الأقصى” في عام 2000م، حيث رأت الحركة الإسلامية تعمير “الأقصى” بالبشر، حيث يواجه المرابطون الاقتحامات الإسرائيلية وتنفيذَ خطَّة التقسيم الزماني والمكاني بالمرابطة في “الأقصى” طوال أيَّام الأسبوع كل ساعات اليوم بالصلاة والدعاء والهتافات والتكبير عند حدوث تلك الاقتحامات، وظلَّت “حركة المرابطين” في شَدٍّ وجذب مع السلطات الإسرائيلية -حيث إن الأخيرة تقوم باعتقالهم ومنع دخولهم المسجد الأقصى وإضافة العديد منهم على القوائم السوداء- حتى الآن على الرغم من حظر نشاطهم منذ 2015م من قِبل وزير الجيش الإسرائيلي(21).
في البداية يجب التأكيد على أن ما يمكن أن يطلق عليه “انتفاضة القدس” لم يبدأ فقط نتيجة لعمليات التهويد الإسرائيلية بشقَّيْها فقط، ولكن أيضًا بسبب الانقسام الفلسطيني وغياب آلية واضحة لإنهائه، بالإضافة إلى التخاذل العربي ووضوح التحالفات العربية-الإسرائيلية، ومن جانب آخر، ما زال الخارج -وخاصَّة الولايات المتحدة- متحيِّز لإسرائيل وقد اتَّضح ذلك بشكل علني قوي مع إعلان ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فيبدو الأمر وكأن الشارع الفلسطيني أخذ يرسم خيارات جديدة بعيدًا عن رهانات التسوية وحسابات الفصائل المختلفة وخلافاتها ومصالحاتها وإشكاليَّات الإقليم وتصوُّرات الخارج(22). فكما حدث مع الانتفاضات السابقة، فهي تقوم في ظلِّ غياب سياسي ونضالي، وعندما تغيب القيادات التي تدافع عن الحقوق الفلسطينية تقوم الانتفاضات(23).
و”انتفاضة القدس” لها لحظات صعود وهبوط، ولها آليات وأدوات مختلفة، ولها مشاهد أساسية، البعض يطلق عليها هبَّات أو انتفاضات مصغرة تنتهي بانتهاء الأداة المستخدمة، والبعض يطلق عليها حراكًا لأن الحراك بتلك الآليات لم ينتقل إلى كل من الضفَّة الغربية وغزَّة، بالإضافة إلى غياب التنسيق والتشبيك بين وحداتها المصغَّرة على الأرض، ربما لكل تلك الآراء وجهات نظر وجيهة مقارنة بالانتفاضات السابقة وحجمها وشكلها وفعلها، ولكن نتيجة لما سبق ذكره من أزمات داخلية وإقليمية وخارجية، وحجم الضغط الذي يتعرَّض له المقدسيُّون بشكل خاص، سيتمُّ اعتبارها انتفاضة متصلة بدأت في 2015م بهبَّة السكاكين وربما قبل ذلك مع “حركة المرابطين” في بداية الألفية ومع “انتفاضة الأقصى”، ولم تنتهِ بمواجهة قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وستتم مقارنتها بالسياق التي ظهرت خلاله وليس الانتفاضات السابقة، فالسياقات هنا محدِّدة وموجِّهة للمسار وكيفية الحركة بل وحجمه ومَن المشارك فيه.
ستتناول هذه الورقة ثلاثة مشاهد أساسية في “انتفاضة القدس” وهي: مشهد السكاكين وعمليات الدهس، ومشهد رفض البوابات الإلكترونية، ومشهد رفض قرار ترامب بنقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القدس.
1- مشهد السكاكين: بدأ في أكتوبر 2015، وأطلق على هذا المشهد انتفاضة بحدِّ ذاته لاستمرار أدواته وحجم أحداثه لما يزيد عن العام، وهو كذلك من حيث قوَّته وحجمه واختلاف حجم المشاركين ونوعيَّتهم، إلا أنه وفي هذه الورقة سيُطلق عليه مشهد من مشاهد “انتفاضة القدس” الممتدَّة، كان الطعن بالسكين هو الأداة الأساسية لهذا المشهد لشباب من القدس والضفَّة الغربية ضدَّ المستوطنين وجنود الاحتلال، اشترك فيها الفتيان والفتيات على حدٍّ سواء، لمدة زادت عن عام ونصف رفضًا لعمليَّات التهويد الإسرائيلي وردًّا على الأزمة الداخلية التي أنتجت وضعًا متجمِّدًا فلسطينيًّا، ومتحرِّكًا على الصعيد الإسرائيلي، ثم قامت قوات الاحتلال بعملية ثأرية كبرى ضد الفلسطينيِّين على المعابر، حيث قامت بتنفيذ عمليات إعدام فورية بحق الشباب أو القيام بحملة عقوبات جماعية على الفلسطينيِّين نتيجة لتلك العمليَّات.
أمَّا فيما يتعلَّق بمجموع العمليَّات التي نفَّذها الفلسطينيُّون خلال هذا المشهد، نجد أنها حوالي 143 عملية طعن، و89 عملية إطلاق نار، و39 عملية دهس، و9 عمليات زرع وإلقاء عبوات ناسفة، نتج عنها 245 شهيدًا فلسطينيًّا و12 ألف مصاب، أمَّا على الجانب الإسرائيلي فقد قُتل 35 شخصًا وتمَّ إصابة 500 آخرين، بالإضافة إلى أن 81% من العمليَّات نُفِّذَتْ على أهداف عسكرية للجيش الاسرائيلي، فيما تمَّ إغلاق 43 مصنعًا لتصنيع الأسلحة (ورش صغيرة)، وتمَّت مصادرة 450 قطعة سلاح مختلفة، أمَّا فيما يخصُّ عمليات إلقاء الحجارة فقد وجد أن هناك 826 عملية إلقاء للحجارة، كما ذكر أن عدد المنازل التي تمَّ هدمها والتي تعود لمنفِّذي تلك العمليات، بلغ نحو 40 منزلًا في الضفَّة والقدس، فيما تمَّ اعتقال أكثر من 3369 فلسطينيًّا؛ وذلك حسب تقرير إسرائيلي صدر بهذا الشأن، وكانت الإشكالية الأساسية التي واجهت قوات الاحتلال هي غياب التنظيم السرِّي المسلَّح، حيث صعب عليهم معرفة أو متابعة تحرُّكاتهم للحيلولة دون قيام تلك العمليات، وطالبوا بالتنسيق الأمني مع القوَّات الفلسطينية حيث أمر الرئيس محمود عباس بتفتيش حقائب التلاميذ في الضفَّة الغربية وأعلن بكل فخر أنه تمَّت مصادرة أكثر من تسعين سكينًا(24).
2- مشهد البوابات الإلكترونية: في الرابع عشر من يوليو 2017 قرَّرت قوات الاحتلال إقامة بوابات إلكترونية كاشفة حول الحرم القدسي بحجَّة مقتل شرطيَّيْن إسرائيليَّيْن قرب المنطقة نتيجة لأسلحة تم تخبئتها داخل الأقصى، وكانت العملية التي قام بها ثلاثة شباب فلسطينيِّين أسفرت عن مقتل هذين الجنديَّيْن نتيجة لإطلاق النار عليهما واستشهد فيها الشباب الثلاثة، فقامت قوات الاحتلال على إثر هذه العملية بمنع الصلاة في المسجد الأقصى واعتقال 58 موظف تابع لدائرة الأوقاف الإسلامية، وتمَّ تركيب البوَّابات الإلكترونية، إلَّا أنه يجب التذكير بأن خطة نصب البوابات الإلكترونية أمام بوابات الأقصى أقرَّها المجلس الوزاري الأمني المصغر الإسرائيلي منذ 2015م.
وعلى جانب آخر نفَّذ فلسطيني عملية طعن داخل مستوطنة ممَّا أدَّى إلى مقتل ثلاثة أشخاص. وفي الأردن في 23 يوليو 2017 حاول شخصان الدخول للسفارة الإسرائيلية لتنفيذ عملية بداخلها ممَّا أدَّى إلى استشهادهما على يد حارس السفارة، ومن الجانب الرسمي الإسرائيلي أوقف محمود عباس التنسيق الأمني مع إسرائيل، مما اضطرَّ الحكومة الإسرائيلية إلى إزالة البوابات الإلكترونية في الخامس والعشرين من يوليو(25).
وعلى إثر ذلك القرار قامت احتجاجات واسعة داخل القدس وخارجها على تلك البوابات التي تقيِّد حرية الدخول من وإلى المسجد الأقصى، واعتصم الفلسطينيُّون أمام البوابات، ورفضوا الدخول لساحات “الأقصى” عبر البوَّابات، وصلى عددٌ كبيرٌ منهم في الشوارع تعبيرًا عن رفضهم الإجراءات الإسرائيلية، ونتج عن تلك الاحتجاجات ارتقاء ثلاثة شهداء و377 مصابًا فلسطينيًّا بمحيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة في القدس المحتلَّة، و110 إصابات في مناطق مختلفة من الضفَّة الغربية.
يتعبر البعض هذا المشهد انتصارًا للاحتجاج السلمي في مقاومة إسرائيل، ولكن الإشكالية تكمن في أن انتقال الاحتجاجات إلى دول أخرى هو ما اضطرَّ إسرائيل بشكل ما للتراجع خاصَّة مع رفض المجتمع الدولي تلك الخطوة في ظلِّ الأوضاع الراهنة، بالإضافة إلى أن سير هذه الاحتجاجات لم يكن سلميًّا بشكل كلي فكان تنفيذ عمليَّة الطعن داخل مستوطنة له تأثيره على الجانب الإسرائيلي أيضًا، ولكن لا يمكن إغفال أهمية الاحتجاج السلمي الذي كان موجودًا في القدس سواء في أيام الجُمع، أو الاعتصام الدائم أمام البوابات، أو الرفض الشامل للإجراءات الإسرائيلية، فتشابُك الأدوات وتكاملها، سواء السلمية أو العنيفة هو ما يجعل المقاومة متجدِّدة ومتكيِّفة مع حالة الحصار والإغلاق الإسرائيلي، وإلا سيُقضى عليها.
3- رفض قرار ترامب: أعلن رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب في السادس من ديسمبر 2017، عن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو القرار المتَّخذ في 1999م ولكن يتمُّ تأجلي تنفيذه منذ ذلك الوقت، وعُدَّ ذلك القرار بمثابة “وعد بلفور” جديد، ونهاية للوساطة الأمريكية لحلِّ الصراع العربي-الإسرائيلي، ونهاية كذلك لمسار التفاوض السلمي المتوقِّف منذ فترة كبيرة، إلا أنه ومن جانب آخر كان القرار فاتحًا لحركة احتجاجات كبرى في مواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي على مستوى الدول العربية والإسلامية، ولمواجهات في الداخل سواء في القدس أو الضفَّة(26).
وظلَّت الاحتجاجات مستمرَّة فيما بعد في الأراضي الفلسطينية وخاصَّة في القدس، ولكن ليس بنفس قوَّتها عند صدور القرار، وذلك على أهمية القرار وتوقيته، حيث انتظر العديد من المتابعين أن تتحوَّل تلك الاحتجاجات إلى انتفاضة ثالثة أو رابعة حسب رؤيتهم، إلا أن ذلك لم يحدث، ويُرجع كثيرون ذلك إلى الخلاف الفلسطيني-الفلسطيني بالأساس وغياب التنسيق.
بناءً على ما سبق نجد أنه بالرغم من عدم قوة الاحتجاجات في الداخل الفلسطيني في مواجهة قرار ترامب، إلا أنه وبالنظر إلى الاحتجاجات التي شهدتها القدس أو الاحتجاجات حول القدس وقضاياها يمكننا القول بأن تلك الاحتجاجات تُعَدُّ مشهدًا أو خطوة في مسار انتفاضة القدس الممتدَّة.

خاتمة

إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، لماذا هي انتفاضة وليست حركات احتجاجية متفرقة؟ ويمكن الإجابة على هذا السوال بتعريف ماهية الانتفاضة، وهي حسب د.بشير أبو القرايا فإنها مقاومة مستمرة، من مجتمع أو شعب، لظلم، وقع من قوة داخلية ذات نفوذ وسلطان أو من قوة خارجية أكثر قوة، تهدف إلى سلب هُويَّته وأرضه ومقدَّساته أو إبادته(27)، وإذا نظرنا لوضع “انتفاضة القدس” سنجد أنها مقاومة ضدَّ العدو من الشعب الفلسطيني تشارك فيها جميع طوائف المجتمع في الضفَّة والقدس وغزَّة، بل واشترك فيها وساندها عرب الداخل “عرب 48″(28)، وهذه المقاومة تتَّضح أيضًا في المسارات اليومية من المشاحنات على الأكمنة والمعابر حتى العمل المسلَّح سواء بعمليات الطعن أو إطلاق الصواريخ.
ومن جانب آخر، وإذا تمَّ رسم خطٍّ جامع بين الانتفاضات الصغرى أو حركات الاحتجاج أو الهبَّات، فإن القدس كانت محور تلك الاحتجاجات كلها منذ عام 2000م، فقد مثَّل رفض القرارات الإسرائيلية المختلفة حول القدس مركز انطلاق للاحتجاجات سواء في الداخل الفلسطيني أو في الدول العربية.
ومن جانب ثالث، تنشب الانتفاضات عندما يحصل فراغ سياسي ونضالي في الساحة الفلسطينية تغيب فيه القيادات، وقد شهدت الساحة الفلسطينية فراغات نضالية متكرِّرة عبر مراحل الصراع في فلسطين، وكانت الجماهير الفلسطينية هي التي تهبُّ وتأخذ مكان القيادات السياسية والثورية، فمنذ محاولة “أبو عمار” قيادة “انتفاضة 2000م”، فشلت القيادات الفلسطينية في توحيد الشعب الفلسطيني تحت قيادة تعبِّر عن مطالبه خاصة بعد ما وصل إليه الخلاف الفلسطيني-الفلسطيني في 2006 – 2007م.
وبالتالي هي انتفاضة على الرغم من قلَّة المشاركة الحالية، والتي يعتبرها البعض دليلًا على انتفاء حالة الانتفاضة عنها، ولكن قلَّة المشاركة تلك في أساسها تعبير عن السخط الشعبي من القيادات التي تستغل الانتفاضات في المساومة والمهادنة وليست “انتفاضة 1987م” ببعيدة عنا والتي تمَّ استغلالها في إنتاج اتفاقية “أوسلو”(29).
وأخيرًا، وبصرف النظر عن تسميتها أو محاولات تحليل الحراك فيها، فهي انتفاضة ممتدَّة للقدس، في “مصاطب العلم” كما يطلق عليها المرابطون، وفي الهتافات والتكبير عن الاقتحامات، وفي الشجار اليومي للصغار في محاولة العبور للمدارس، وفي تهريب عروس إلى داخل القدس، في رفع سكين وحجر وعلم في وجه الاحتلال، انتفاضة يومية مستمرة تحمل سمات المقاومة الشعبية السلمية تارة والعنيفة تارة أخرى، على الرغم من كافَّة الإشكاليات حولها والسياقات المحيطة بها.
*****

الهوامش:

(*) باحثة بمركز الحضارة للدراسات والبحوث.
(1) المستشار طارق البشري، عن القدس وفلسطين (وعاؤها الجغرافي)، (في): د. نادية مصطفى ود. سيف الدين عبد الفتاح (إشراف عام): العدد الأول من حولية «أمتي في العالم» (الأمة والعولمة)، (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، 1998)، ص 1، موقع مركز الحضارة للدراسات والبحوث، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/qFJcrT
(2) أمجد جبريل، الثقافي والسياسي في الاستراتيجية الإسرائيلية لتهويد القدس: قراءة في تفاعلات الأمة مع قضية القدس عام 2010، (في): د. نادية مصطفى، د. سيف الدين عبد الفتاح، (إشراف)، العدد العاشر من حولية «أمتي في العالم»، (الحالة الثقافية للعالم الإسلامي)، (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، مكتبة الشروق الدولية، 2011)، ص ص 227 – 228، موقع مركز الحضارة للدراسات والبحوث، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/1p7iL8
(3) محمود محارب، سياسات إسرائيل تجاه الأقصى، مجلة سياسات عربية، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 19، مارس 2016)، ص ص 8 – 19.
(4) خطة التقسيم الزماني المكاني، تعني تخصيص أوقات معينة لدخول المسلمين المسجد الأقصى وأخرى لدخول اليهود، وتقضي باقتسام ساعات اليوم وأيام الأسبوع والسنة بين اليهود والمسلمين، ومن خلالها يرى الجانب الإسرائيلي أنه يستوجب على المسلمين مغادرة الأقصى من الساعة 7:30 حتى 11:00 صباحًا، وفي فترة الظهيرة من الساعة 1:30 حتى 2:30، وفترة ثالثة بعد العصر، لتخصيص هذا الوقت لليهود بحجة أنه لا صلاة للمسلمين في هذا الوقت، ليتم السماح لليهود بأداء ثلاث صلوات في اليوم داخله، كما يتم تخصيص المسجد الأقصى لليهود خلال أعيادهم، والتي يقارب مجموع أعدادها نحو 100 يوم في السنة، إضافة إلى أيام السبت طوال السنة، كما يحظر رفع الأذان خلال الأعياد اليهودية.
(5) للمزيد حول تفاصيل سياسة تضييق حرية العبادة، انظر:
– شيماء الحديدي، ماذا تعرف عن التقسيم الزماني المكاني للمسجد الأقصى الذي تريده إسرائيل؟، موقع نون بوست، 18 سبتمبر 2015، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/yFW3b6
– التقسيم الزماني والمكاني للأقصى.. القنبلة الموقوتة، موقع الجزيرة.نت، 30 سبتمبر 2015، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/eqg2G3
(6) محمود جرابعة وليهي بن شطريت، القدس في استراتيجيات أطراف الصراع، (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، 30 يوليو 2017)، ص 6، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/AJAni7q
(7) للمزيد حول الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، انظر:
– أبرز اعتداءات الاحتلال على المسجد الأقصى، موقع الجزيرة.نت، 15 سبتمبر 2015، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/MyyqSG
– المسجد الأقصى: تاريخ حافل من الاعتداءات والانتهاكات والتزوير، موقع رصيف 22، 15 يوليو 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/EEufd3
– أمجد جبريل، الثقافي والسياسي في الاستراتيجية الإسرائيلية لتهويد القدس، مرجع سابق، ص ص 229 – 231.
– محمود محارب، مرجع سابق، ص ص 20 – 22.
– أمجد جبريل، قضية القدس بين سياسات التهويد وتخاذل عالم المسلمين والصمت الدولي، (في): د. نادية مصطفى ود. سيف الدين عبد الفتاح، العدد الثاني من حولية «أمتي في العالم» (العلاقات البينية داخل الأمة)، (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2000)، ص 453، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/2K4hrKU
– وحدة التحليل السياسي في المركز العربي، تقدير موقف: هل تقف فلسطين على عتبات انتفاضة ثالثة؟، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 28 نوفمبر 2014)، ص 3، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/2LYTXsl
(8) يوسف كرباج، الديمُجرافيا والصراعات في إسرائيل/فلسطين: توقعات للمستقبل، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية والإنسانية، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، المجلد الثاني، العدد 8، ربيع 2014)، ص 43.
(9) أمجد جبريل، قضية القدس بين سياسات التهويد وتخاذل عالم المسلمين والصمت الدولي، مرجع سابق، ص 454.
(10) للمزيد حول سياسة الطرد التي تتَّبعها إسرائيل، انظر:
– أمجد جبريل، الثقافي والسياسي في الاستراتيجية الإسرائيلية لتهويد القدس، مرجع سابق، ص ص 232 – 234.
– تفريغ القدس من الفلسطينيِّين بالطرد والهدم والاستيطان، موقع عرب 48، 7 سبتمبر 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/cTMnAu
– إسرائيل تتبع سياسة ممنهجة لطرد الفلسطينيين، موقع الجزيرة.نت، 16 أغسطس 2016، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/9BZdcs
(11) للمزيد حول قانون الطرد الإسرائيلي، انظر الآتى:
– قانون إسرائيلي يتيح المقدسين من مدينتهم، موقع سكاي نيوز عربية، 8 مارس 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/s3eifE
– قانون إسرائيلي يتيح طرد المقدسيين وآلاف العرب، موقع صحيفة الشرق الأوسط، 9 مارس 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/6yAhyN
(12) للمزيد حول سياسة الهدم التي تتَّبعها إسرائيل، انظر:
– هدم منازل المقدسيين.. أن تذبح نفسك، موقع الجزيرة.نت، تاريخ النشر 22 مايو 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/jyC7Bb
– هدم منازل المقدسيين وشرعنة المستوطنات، موقع الجزيرة.نت، تاريخ النشر 1 ديسمبر 2016، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/9ac2Gp
– أمجد جبريل، الثقافي والسياسي في الاستراتيجية الإسرائيلية لتهويد القدس، مرجع سابق، ص 233.
– أمجد جبريل، قضية القدس بين سياسات التهويد وتخاذل عالم المسلمين والصمت الدولي، مرجع سابق، ص 455.
– نادرة شلهوب – كيفوركيان، القدس وفلسطين والسياسات اليومية الكولونيالية، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 85، شتاء 2011، ص ص 54 – 64.
(13) للمزيد حول سياسة الاستيطان الإسرائيلية، انظر:
– الاستيطان في القدس: 19 مستوطنة لتغيير وجه المدينة، موقع الجزيرة.نت، 3 أكتوبر 2004، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/cbj7Yp
– سميحة ناصر، الاستيطان في القدس، موقع إضاءات، 11 أكتوبر 2015، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/R2e46d
– إسرائيل توسع الاستيطان في قلب القدس الشرقية، موقع قناة العربية، 25 أكتوبر 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/LumTVW
– توسيع الاستيطان في القدس بغطاء أميركي، موقع صحيفة الحياة، 8 ديسمبر 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/bKygzS
(14) وحدة تحليل السياسات في المركز العربي، تقدير موقف: آفاق تصعيد المواجهة الشعبية الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 8 أكتوبر 2015)، ص 4، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/AJAfJyc
(15) نادرة شلهوب، القدس وفلسطين والسياسات اليومية الكولونيالية، مرجع سابق، ص ص 54 – 64.
(16) أمجد جبريل، الثقافي والسياسي في الاستراتيجية الإسرائيلية لتهويد القدس: مرجع سابق، ص 232.
(17) نزار أيوب، تقييم حالة: مدينة القدس بين الاستعمار الإسرائيلي والقبول الأمريكي، (الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 19 ديسمبر 2017)، ص 17، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/Arabimz5
(18) انظر على سبيل المثال: د. نادية مصطفى، قضية القدس في ديزني لاند!! رؤية حول مدلولات العلاقة بين الثقافي والسياسي، مجلة القدس، نوفمبر 1999، منشور على موقع مركز الحضارة للدراسات السياسية، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/LBe8ve
(19) أمجد أحمد جبريل، قضية القدس في القرن العشرين: الجذور التاريخية والآفاق المستقبلية، (في) د. نادية مصطفى ود. سيف الدين عبد الفتاح، «الأمة في قرن» عدد خاص من «أمتي في العالم»، (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2002) الكتاب الثالث، ص 459.
(20) محمود جرابعة وليهي بن شطريت، مرجع سابق، ص ص 5 – 6.
(21) للمزيد حول المرابطين، انظر:
– ماجدة إبراهيم، أمة في حركة… الرباط في الأقصى بين التحدي والتصدي، العدد الخامس من فصلية قضايا ونظرات، (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات والبحوث، أبريل 2017)، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/ocndXr
– مرابطو الأقصى، موقع الجزيرة، 16 سبتمبر 2015، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/RqYcg3
(22) وحدة تحليل السياسات في المركز العربي، تقدير موقف: تحرك أمريكي لاحتواء الهبة الشعبية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 27 أكتوبر 2015)، ص ص 3 – 5، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/ArabitJY
(23) عبد الستار قاسم، انتفاضة القدس، موقع الجزيرة.نت، 19 أكتوبر 2015، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/OBssUQ
(24) للمزيد حول مشهد السكاكين في القدس، انظر:
– محمد شيخ إبراهيم، انتفاضة السكاكين في فلسطين، موقع يورونيوز، 27 يناير 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/J9AXF2
– حسين البدري، «انتفاضة السكاكين».. خناجر المقاومة في قلب دولة الاحتلال، موقع المصري اليوم، 11 أكتوبر 2015، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/SYRt4e
– انتفاضة السكاكين غيرت أساليب المخابرات الإسرائيلية، موقع الجزيرة.نت، 23 أكتوبر 2016، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/wZdNxF
– انتفاضة السكاكين تنتقل إلى مرحلة المقاومة المسلحة، موقع قناة العالم، 10 يونيو 2016، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/dPt3MH
(25) للمزيد حول مشهد الاحتجاجات على البوابات الإلكترونية، انظر:
– إسرائيل تزيل البوابات الإلكترونية من مداخل القدس، موقع BBC العربية، 25 يوليو 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/23qyeZ
– شيماء عزت، البوابات الإلكترونية حول الأقصى تصبح “رمزا للصمود الفلسطيني”، موقع فرانس 24، 26 يوليو 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/AM2522
– موناليزا فريحة، معركة البوابات الإلكترونية الإسرائيلية… هل تفتح باب القدس المقفل؟، موقع صحيفة النهار اللبنانية، 21 يوليو 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/kt77JT
– ميريام برجر، أسئلة وأجوبة، ما هي مشكلة البوابات الإلكترونية في القدس؟، رويترز، 24 يوليو 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/J1wXQv
– أهم محطات معركة البوابات الإلكترونية في الأقصى، موقع الجزيرة.نت، 27 يوليو 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/CfYqF5
– محمد محسن وتد، البوابات الإلكترونية الإسرائيلية تمهيد لابتلاع الأقصى، موقع الجزيرة.نت، 20 يوليو 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/4qUf7Q
(26) للمزيد حول رفض قرار ترامب، انظر:
– مظاهرات في القدس ضد ترامب، موقع سي إن إن بالعربية، 15 ديسمبر 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/M5Ruwa
– القدس وفلسطين.. سيل من الردود الغاضبة والمعارضة لقرار ترامب، موقع سكاي نيوز العربية، 6 ديسمبر 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/dWjZZQ
– الهدف الذهبي.. خمسة أسباب تجعل توقيت ترامب بشأن القدس ذكيًّا للغاية، موقع ساسة بوست، 12 ديسمبر 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/RXErqf
(27) د. بشير أبو القرايا، الظاهرة الانتفاضية: دراسة في النموذج الفلسطيني (1881 – 2001)، (في): د. نادية مصطفى ود. سيف الدين عبد الفتاح، «الأمة في قرن» عدد خاص من «أمتي في العالم»، (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2002) الكتاب السادس، ص 221.
(28) يشارك “عرب 48” بالتظاهر والاحتجاج على كل ما يحدث في القدس على الرغم من كم الاعتقال والتضيق الممارَس بحقِّهم من قبل سلطات الاحتلال، وللمزيد حول دورهم، انظر:
– عميد صعبانة، تراجع الشعور بالأمان، وتحميل الحكومة الإسرائيلية مسؤولية اندلاع المواجهات الحالية، فلسطينيو الداخل وهبَّة أكتوبر 2015، ملفات مدى، برنامج دراسات إسرائيل، (حيفا: مدى الكرمل – المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، ملف رقم (7) 2015، يناير 2015)، ص 8.
– أنطوان شلحت وإمطانس شحادة، عقد ونصف العقد على (هبَّة أكتوبر 2000) فلسطينيو 48 بين فكَّيِ الملاحَقة الأَمنيَّة لرموز الوعي القومي وتجريم العمل السياسي، ملفات مدى، برنامج دراسات إسرائيل، (حيفا: مدى الكرمل – المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، ملف رقم (7) 2015، يناير 2015)، ص 12.
(29) عبد الستار قاسم، انتفاضة القدس، مرجع سابق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى