مصر.. والانتماء إلى أفريقيا

تقديم د. نادية مصطفي:

هذا هو اللقاء الرابع من لقاءات سلسلة المحاضرات حول قضية الانتماء وتأصيل الهوية، التي ينظمها كل من مركز الحضارة للدراسات السياسية ومركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات. إن مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات هو أحد المراكز البحثية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وهو يقوم على الاهتمام بالأبعاد الثقافية بمعناها الواسع وتفاعلاتها مع الأبعاد السياسية والاقتصادية وغيرها من القضايا الوطنية والإقليمية والعالمية المعاصرة. أما مركز الحضارة للدراسات السياسية فهو مركز خاص، ولكنه يهتم -فضلا عما سبق- بالأبعاد المعرفية والمنهجية الخاصة بتطوير منظورات جديدة للعلوم السياسية تأخذ في الاعتبار الخصوصيات الثقافية.
انطلاقاً من مفهوم الدوائر المتحاضنة للانتماء ابتداءً من الوطني إلي الإقليمي إلي عبر الإقليمي، تبرز هذه المحاضرة إحدى دوائر الانتماء التي تتحاضن مع غيرها بالنسبة للمصريين ولكثير من العرب أيضاً، وهي دائرة الانتماء إلي أفريقيا. وخير من يتحدث في هذا الموضوع هو أ.د إبراهيم نصر الدين (العميد السابق لمعهد البحوث والدراسات الأفريقية)، وهو خبير في الشئون الأفريقية، وعضو في عديد من الجمعيات العلمية الخاصة بالشئون الأفريقية، وأنشطته على الصعيدين البحثي والممارسة السياسية والتفاعل -من أفريقيا شمال الصحراء كما يقولون إلي أفريقيا جنوب الصحراء- عديدة ومتنوعة، وخبرته في هذا المجال جد عميقة، وهو أحد رواد هذا التخصص وأعلامه في مصر والعالم العربي وأفريقيا.
يسعدني من ناحية أخرى أن يكون لقاؤنا معه استكمالا لاهتمامات سابقة لمركز الحضارة للدراسات السياسية بالشأن الأفريقي، باعتباره جزءا من شأن الدائرة الإسلامية، حيث إن مركز الحضارة يصدر إصدارا أساسيا له بعنوان “حولية أمتي في العالم” التي تتناول قضايا العالم الإسلامي، وصدر منها حتى الآن عشرة أعداد عبر العقد الماضي؛ ابتداء من العام 1998 حتى العام 2010:
– العدد الأول صدر في عام 1999 عن “العولمة والعالم الإسلامي” وتضمن محورا كاملاً تحت عنوان “القارة المنسية أفريقيا: المنافسات الدولية والتحولات الإقليمية والداخلية”، بالإضافة إلي بحث عن السياسية في نيجيريا ومعضلة التحول الديمقراطي في أفريقيا.
– العدد الثاني من الحولية كان عن العلاقات البينية في العالم الإسلامي، وكان به بحثان: عقد من الصراع في الصومال، السودان وتنافس المبادرات وصراع الإرادات.
– العدد الخاص الذي صدر عن حولية أمتي في العالم من “موسوعة الأمة في قرن” – وهي موسوعة من ستة أجزاء- تضمن الكتاب الثالث منها حالة الإسلام في أفريقيا من الإرث الاستعماري إلي تحديات العولمة كموضوع أساسي ، وفي الكتاب الخامس من موسوعة الأمة في قرن تم التعرض لمشكلات التعددية الدينية في جنوب السودان.
– العدد الخامس من الحولية الذي صدر في عام 2002 ، والذي خصص لأحداث الحادي عشر من سبتمبر وتداعياتها علي العالم الإسلامي، كان به دراسة عن قضايا المسلمين في أفريقيا.
– العدد السادس الذي اختص بقضية احتلال العراق، تناول بحثا بعنوان “جولة بوش الأفريقية: المحاور والأهداف”.
– العدد السابع صدر في عام 2007 عن “الإصلاح في الأمة: بين الداخل والخارج” تناولنا فيه قضية الإصلاح في السودان بين مطالب الداخل وأطروحات الخارج.
– العدد الثامن من الحولية كان موضوعه “أطروحات الأمة ومشروع النهوض الحضاري”، وتطرق إلى حالة التنافسات الدولية والتطورات الداخلية في أفريقيا في عام 2008.
– العدد التاسع الذي صدر في عام 2010 تحت عنوان “غزه بين الحصار والعدوان: قراءة في الدلالات الحضارية” تضمن مواقف أفريقيا غير العربية من العدوان علي غزة.
أماً العدد الذي نعده حاليا عن الحالة الثقافية في العالم الإسلامي، فهناك محور خاص عن أفريقيا المسلمة بين ثقافة الفقر وثقافة القهر.
هذا كله يعني أن أفريقيا حاضرة في العقل الجمعي، ليس فقط العربي ولكن أيضاً الإسلامي بالمعنى الواسع الحضاري، وإن كنا دائماً لا نعطي هذه القضية القدر الكافي من الاهتمام.

د.إبراهيم نصر الدين

في بداية المحاضرة أود الإشارة إلى أن الحديث حول هذا الموضوع قد يبدو صادما، ولكن ليس مهمة الأكاديميين إثارة التفاؤل أو التشاؤم، وإنما تناول الوقائع والحقائق. إن خبرتي حول هذه القضية لا تتعلق بالتخصص الأكاديمي فحسب، فقد زرت (35) دولة أفريقية غير مرة، ولا يتعلق اهتمامي الأكاديمي بأفريقيا بالوقوف عند الكتابات الغربية حول أفريقيا، وإنما بما يكتبه أيضا أساتذة القارة في العلوم السياسية من ناحية، والرؤية للواقع الأفريقي من ناحية أخرى.
نقطة البدء لدي هي تحديد الفارق بين الانتماء والولاء. اعتقد أن الانتماء عملية قسرية لا إرادية، فالمرء يولد في أسرة ذات ديانة معينة علي أرض معينة لاخيار له فيها، لكن الولاء عملية اختيارية، فإن كان المرء قد قبل طوعاً هذه الأوضاع التي نشأ فيها فهو في هذه الحالة لديه هوية منسجمة، وهي تنشأ نتيجة لتطابق الولاء مع الانتماء. وهذا يقودني إلي ادعاء أساسي هو: مصر أفريقية شاء البعض أم لم يشأ.
مصر بلد أفريقي بحكم التاريخ والجغرافيا والأنثروبولوجيا –الأصل السلالي-، وبلد عربي بحكم اللغة والثقافة، وبلد إسلامي ومسيحي بحكم العقيدة. هذه أركان الهوية المصرية وهي ذاتها أركان الانتماء. لكن الولاء لهذه المحاور الثلاثة اعتراه الكثير من الخلل:
– فالولاء لأفريقيا لا نتحدث عنه إلا لماماً وفي الوسط الأكاديمي فحسب، ويبدو أن السياسة المصرية أيضا قد أغفلت كلياً القارة الأفريقية، مع أن بعض التقديرات تشير إلى أن مصر تنفق ما بين (2 : 3) مليار دولار في القارة لتخلق أعداء.
– وعلي المستوى العربي تراجع الحديث عن العروبة أو الوطن العربي، وحل محله الحديث عن الشرق الأوسط والمتوسطية، بل إن لفظ “عربية” إذا ما تم تداوله فإنه يقرن بالشرق الأوسط، فيقال “الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العربية”، وانتهت هذه العبارة الآن إلى صيغة “الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، فأصبحت كلمة “عربي” لا تلصق بأي كيان من الكيانات. لقد تخلى العديد من السياسيين والمثقفين -جملة وتفصيلا- عن مصطلح الوطن العربي حتى على المستوى الإعلامي، ولذلك ليس غريباً أن يُهمل التوجه الأفريقي والولاء لأفريقيا.
– أما التوجه الإسلامي فقد شهد انشقاقات وتصادمات لا حد لها، وفرقا متعددة، دون الالتقاء علي كلمة سواء، ويبرز -في هذا الصدد- تعدد الفضائيات التي ذهبت بالدين مذاهب شتى، بعيداً عن مضمونه وانكبت فقط علي الشكليات.

لعل ما سبق يستدعي سؤالا مضمونه: إذا كانت الهوية العربية لم تعد قائمة، والهوية الأفريقية توارت هي الأخرى، والهوية الإسلامية ازدادت تناقضاتها، فلماذا لا نرتد -علي الأقل- لنتحدث عن الهوية المصرية الوطنية؟ لكن ما يدعو للأسف هو ما نشهده من ظواهر علي الساحة المصرية تتجه نحو تفكيك المجتمع المصري.
فيما يتعلق بالشأن الأفريقي هناك شواهد عديدة على أن تواري الهوية الأفريقية أدى إلى انعكاسات سلبية، منها على سبيل المثال أنه بعد أن كانت منظمة الوحدة الأفريقية تجعل من اللغة العربية إحدى اللغات الرسمية للمنظمة، فإن الاتحاد الأفريقي يتحدث عن أن اللغات الرسمية له هي اللغات الأفريقية ما أمكن، فالعربية والإنجليزية والفرنسية والبرتغالية لغات أجنبية، فأصبحت اللغة العربية شأنها شأن الفرنسية والإنجليزية. ولعل ذلك يعد مقياسا لمدى نجاح أو إخفاق الدبلوماسية المصرية في أفريقيا.
من ناحية أخرى هناك عبارات شائعة تصف أفريقيا على نحو غير دقيق مثل: القارة المظلمة، المجال الأفريقي، المجال الحيوي الأفريقي -وهذه نظرة نازية استعمارية- أو بأنها سوق للعمالة المصرية، مع أن (80%) من الأفارقة يعانون البطالة.
فلنعترف أن هناك أزمة ليس مجالها الاقتصاد أو السياسة وإنما مجالها الثقافة. أذكر أنه في عام 2002 في ندوة تخص هذا الشأن في جنوب أفريقيا، كان يوجد معي زميل من الإمارات يحاضر في تلك الندوة، قال أمام الحضور أن لديه ابنا عندما يشاهد شخصا أسود في التلفاز يصرخ، فكان ردي أن طفلا أسود إذا ما شاهد شخصا أبيض لأول مرة سوف يحدث الأثر نفسه. ولا يعدو تفسير ذلك أن الإنسان عدو ما يجهل.
لقد أعد الشيخ أنتا ديوب -وهو أستاذ سنغالي- رسالة دكتوراه ورفضت في باريس، وحينما تناولت قضيته وسائل الإعلام تم قبول الرسالة، لكنها لم تحدث لدينا صدى. لقد قام ذلك الباحث بدراسات لغوية (اللغات المصرية القديمة، اللغات الفرنسية، ..) وقام بدراسات بيولوجية علي المحنطات والتحنيط، وقام بدراسات أثرية، وانتهى إلي أن الحضارة المصرية هي أصل الحضارة الأفريقية.
إن هناك تشابها في النقوش الأثرية بين بعض دول القارة(رواندا-بوروندي- زيمبابوي) ومصر الفرعونية ، كما تتشابه كثير من العادات في نيجيريا مع نظيرتها في مصر، والتفسيرات الجغرافية لذلك تذهب إلى أن منطقة شمال أفريقيا كانت منطقة خضراء في عصر من العصور وكانت زراعية، وكل الناس في ذلك العصر كانوا يقطنون هذه المنطقة، ولما أتي موسم الجفاف تكونت الصحراء الكبرى، فهاجر البعض ليعيش حول الأنهار، والبعض الآخر تحرك جنوباً بحثا عن العشب والمرعى.
استناد إلي ذلك فلنعد كتابة التاريخ الأفريقي، ولتكن نقطة البدء فيه من التاريخ المصري القديم، لكن الأثريين رفضوا ذلك دون التفكير في إمكانية الاستخدام السياسي لهذا الاقتراح. وفي إحدى المؤتمرات في عام 1987 (مؤتمر الكتاب والعلماء والمفكرين) كان الشعار في هذا المؤتمر: “فرعونية لا رأسمالية ولا اشتراكية”، وكانت الاستجابة لهذا الحدث شكلية؛ إذ جاء البعض مصففا شعره محاكاة لأبي الهول، ولكن دون اقتران ذلك برؤية حول التوظيف السياسي.
ويمكن الإشارة إلى محاور مفصلية في تطورات الاهتمام المصري بالدائرة الأفريقية على النحو التالي:
المرحلة الأولى-منذ ثورة يوليو حتى بداية سبعينيات القرن الماضي:
كانت الدائرة الأفريقية حاضرة في الرؤية والممارسة المصرية؛ ففي عام 1955 تم إنشاء الرابطة الأفريقية وكان مقرها مصر، وكان يوجد بها (27) مكتبا لحركات التحرير الأفريقية، وكانت مصر تقوم بمساعدتها مادياً وإعلامياً، وكانت بعض هذه الحركات تسعي من أجل استقلال دول تقع في أقصى جنوب القارة الأفريقية مثل ناميبيا، وكان أول من تدرب علي استعمال السلاح 200 شاب أتوا إلي مصر وتم تدريبهم في الجيش المصري وهم الذين بدأوا طريق الكفاح المسلح في ناميبيا.
لكن يجب ملاحظة أن كل حركات التحرير التي اتخذت طريق الكفاح المسلح كانت كلها من منطقة الجنوب الأفريقي [أنجولا- موزمبيق- روديسيا الجنوبية (زمبابوي الآن)- ناميبيا- جنوب أفريقيا]، والاستثناء من ذلك هو غينيا التي تقع في أقصى غرب أفريقيا.
كان لمصر ذراع اقتصادي في القارة وهي شركة النصر للتصدير والاستيراد، صحيح أنها كانت تابعة للمخابرات المصرية؛ إذ كان لابد في تلك الفترة أن تكون خاضعة للمخابرات، لأن الدول كانت حديثة الاستقلال من الاستعمار، وبعضها وخاصةً في غرب أفريقيا كان تحت الاستعمارالفرنسي. فالمسألة كانت تحتاج قدرا كبيرا من الحذر في التعاون مع هذه المنطقة، لأن فرنسا تريد أن تظل هذه المنطقة تابعة لها، فضلا عن ذلك كان لمصر خطان ملاحيان في شرق أفريقيا وغربها.
لقد كان من نتائج المساندة العسكرية والاقتصادية والتأييد الدبلوماسي المصري لحركات التحرر الأفريقية زيادة شعبية الرئيس عبد الناصر في أفريقيا. لكن ما أثار حزني أنني كنت في سوق شعبي في جنوب أفريقيا ورأيت العامة تهتف: القذافي القذافي، فقد تصوروا أنى من ليبيا، في حين أنهم كانوا يهتفون في السابق باسم الرئيس عبد الناصر، وما زال لدي كبار السن في بعض الدول الأفريقية تماثيل لعبد الناصر. ولا يعني ذلك أني ناصري، كما أنه لا ينبغي أن تنسب سياسة مصرية كاملة لشخص.
المرحلة الثانية- منذ فترة السبعينيات إلى الوقت الراهن:
وصل التأييد الأفريقي لمصر لذروته في حرب أكتوبر 1973، حيث أوقفت أغلب الدول الأفريقية تمثيلها السياسي مع إسرائيل، وهي لم تقطع علاقتها الدبلوماسية؛ إذ يمكن أن يكون لي علاقات دبلوماسية مع دولة دون وجود سفارة، فالذي حدث أنه تم وقف التمثيل الدبلوماسي بإغلاق السفارات، واستبدل بها مكاتب لرعاية المصالح الإسرائيلية في سفارات دول أخرى. هذا يعنى أن العلاقات الدبلوماسية الأفريقية مع إسرائيل أصبحت ضعيفة، وهو موقف إيجابي من كل الدول الأفريقية.
بعد حرب 1973 بدأنا نتحول غربا،ً وفي هذه المرحلة اتجه كثير من حركات التحرير الأفريقية نحو المعسكر الاشتراكي بعد حصولها علي الاستقلال، أي إنه في اللحظة التي علينا فيها جني المكاسب كنا نتوجه نحو الغرب. فموزمبيق في منتصف السبعينيات كان لها توجه اشتراكي فضلا عن أنجولا وزمبابوي التي استقلت عام 1980. أما نحن فاتجهنا غرباً نحو الولايات المتحدة الأمريكية ووقفنا بجانبها ضد بعض حركات التحرر، فوقفت مصر وجنوب أفريقيا العنصرية وإسرائيل والصين والولايات المتحدة الأمريكية مع جبهة الاتحاد الوطني لاستقلال أنجولا التام (UNITA) المعارضة للحركة الشعبية لتحرير أنجولا MPLAY)) التي وصلت للسلطة بمساندة مصر من قبل، وتبدل الموقف المصري ليساند حركة معارضة تابعة للنظام العنصري وتقوم بعمليات ضد أراضي ناميبيا.
عندما دخلت مصر مرحلة ثانية وهي مرحلة التكيف الهيكلي والخصخصة، فقدت الحكومة المصرية سلطتها في أن تدير علاقات اقتصادية مسيطر عليها وموجهة سياسياً مع الدول الأفريقية، وتركت المسألة فى يد رجال المال والأعمال وماقاموا به من عمليات نهب أساءت إلى صورة مصر في أفريقيا، ولقد كنت شاهد عيان على ذلك، “فكل رجل أعمال مصري” لديه صفقة خاسرة يرسلها لأفريقيا؛ مثل صفقة أدوية منتهية الصلاحية تم إرسالها لنيجيريا فضلا عن بعض الصفقات مع ساحل العاج.
بناء على ذلك لم تستطع مصر جني ثمار مساندتها التاريخية لحركات التحرر في أفريقيا، وحتى عندما تحولت مصر نحو الغرب لم تستطع أن تضع إستراتيجية ملزمة للجميع بما في ذلك القطاع الخاص لتقليل أثر ذلك التوجه في مصالحها مع القارة الأفريقية، على الرغم من وجود مؤسسات كثيرة في مصر مختصة بالشأن الأفريقي منها: الصندوق المصري للمعونة الفنية لأفريقيا وهو تابع لوزارة الخارجية ومن المفترض أن وزارة الخارجية ترعى الشئون الأفريقية، المعهد الأفريقي في أكاديمية الشرطة، المركز الدولي للزراعة وبه مكان مخصص لتدريب الأفارقة، الأزهر يوجد به مايقرب من(3000) طالب أفريقي، الكنيسة المصرية ولها أدوار في شرق أفريقيا وتصل حتى جنوب أفريقيا، وزارة التجارة والمالية، كما أن لدينا في أفريقيا (46) سفارة، ولا أريد أن أحمل السفراء المسئولية –في هذا الصدد- لأني لدى أدلة أن لديهم أوامر بعدم التدخل في أي شئ.
لقد انتهيت إلى أننا نعمل بمنطق البر والتقوى وليس بمنطق إدارة المصالح، فالطالب يتعلم لمجرد أنه يتعلم ولا يظل ارتباطه بمصر قائما، والإعلامي الذي تم تدريبه فى مصر كان يمكن الاستفادة منه أن يكون مراسلا للتليفزيون المصري، كان يمكن الاستفادة من خريجى الأزهر والجامعات المصرية من الطلاب الأفارقة بعمل رابطة لهم. لكن من الواضح أننا ندرب ونعلم ثم نتركهم وكأننا لم نفعل شيئا، ومحصلة ذلك عدم تحصيل نتائج إيجابية، بل ربما يكون الأثر سلبيا. وبناء على ذلك يتضح إخفاق السياسة المصرية إزاء أفريقيا، بما يوضح التأثير على فكرة الولاء الأفريقي.
د. نادية مصطفى:
شكراً د.إبراهيم نصر الدين علي هذه المحاضرة متعددة المداخل والمستويات؛ مابين الثقافي والتاريخي والسياسي والديني والجغرافي، علي نحو لا يختزل العلاقة بين مصر وأفريقيا في الدائرة السياسية فقط، ولكن تأسست الرؤية علي معطيات تاريخية وجغرافية وثقافية تعطي زخما لإمكانية فهم ما آل إليه الوضع في هذه العلاقة علي الصعيد السياسي، وكيف أن التطورات في داخل مصر والتطورات في السياسة الخارجية لمصر تنعكس بعمق علي اتجاه علاقاتها بأفريقيا سلباً أو إيجاباً، بغض النظر عن الأشخاص الذين يقيمون هذه السياسات الحقيقية.

الأسئلة والمداخلات

أحمد صالح (خريج كلية تجارة):
أرى أن أسباب الأزمة في الدائرة الأفريقية سياسية واقتصادية وليست ثقافية -كما ذهب د. إبراهيم- لأن العالم الآن يتحرك مع إرادة الإنسان القوى الذي يمتلك أدوات سياسية واقتصادية تتيح له أن يكون فاعلا ومؤثرا في محيطه. وفي الحقيقة نحن قد فقدنا هذه الأدوات، فلو كان لدينا سياسة واضحة، وقيادة واعية، لاستغلت المكاسب التي تم تحقيقها في العهد الناصري وقامت باستكمالها، لكن القيادة المصرية منشغلة بصراعات أخرى وتريد إلهاء الشعب بأزمات اجتماعية واقتصادية.

كريمة يحيى (كلية الإعلام جامعة القاهرة):
نحن مازلنا نتحدث عن أسباب المشاكل وما نحتاج إليه الآن هو الحل، كيف نتواصل مع دول القارة الأفريقية مرة أخرى في ظل تصاعد التوتر مع بعض هذه الدول لاسيما مشكلة حوض النيل؟
أما بالنسبة للنزاعات الطائفية في مصر فكيف نستطيع القضاء عليها حتى لا يحدث كما حدث في السودان؟
أسامة عبد الله (خريج كلية دار العلوم تخصص لغة عربية):
أتساءل حول دور الجامعة العربية في نشر اللغة العربية في أفريقيا، ولماذا لا توظف الأقليات العربية في أفريقيا سياسيا، وبخاصة أن هناك بعض الأقليات التي فرضت اللغة العربية كإحدى اللغات الرسمية في بعض دول القارة مثل تشاد.
من ناحية أخرى فإن تراجع الدور المصري يرجع إلى تجاهل حقيقة أن أفريقيا لاسيما دول حوض نهر النيل تمثل عمقا استراتيجيا لمصر، كما أن تجاهل هذه الحقيقة يحدث قطيعة مع دور مصر التاريخي في القارة.

أحمد عبد الناصر (طالب في معهد البحوث الأفريقية):
أعتقد أن المسئولية مشتركة في إحداث الفجوة الثقافية بين العرب وأفريقيا، فالأفارقة يرون أن أفريقيا تبدأ من جنوب الصحراء مستبعدة شمالها، كما أن الجامعة العربية ترفض بعض الطلبات من دول أفريقية لنيل عضويتها مثلما حدث مع تشاد بذريعة أن هذا يسبب مشكلات للجامعة. نحن الآن ليس لدينا أية روابط ثقافية مع الأفارقة علي عكس ما تفعل إسرائيل، فهي تتقرب منهم بايجاد روابط ثقافية مشتركة.
من ناحية أخرى، فالشيخ أنتا ديوب قال إن الحضارة المصرية أصلها أفريقي، ولم يقل العكس.

شريف أحمد (مهندس كمبيوتر):
اعتقد أن حل مشاكل مصر الداخلية سيترتب عليه حل مشاكلنا مع العرب ثم أفريقيا، لكن ما منطق الحكومة المصرية في تقييد أداء السفراء في الدول الأفريقية؟
السؤال الثاني: ذكر د. إبراهيم أننا لا نستفيد من الطلاب الأفارقة الذين يأتون للدراسة في مصر، فكيف يمكن الاستفادة منهم؟
من ناحية أخرى هل يستلزم تعميق الهوية الأفريقية التركيز علي الدور المصري في المجال الأفريقي فضلا عن الانتماء لأفريقيا في المناهج الدراسية؟

أحمد ثابت محمد( كلية تجارة):
في الفترة الأخيرة أُدرج في أجندة القمم العربية تفعيل العلاقات العربية مع دول الجوار الأفريقي، فهل من ضمن أسباب التقصير في العلاقات مع دول أفريقيا انشغالنا بالقضية الفلسطينية؟

سلوى سعيد
هل مشكلة حوض النيل من المشاكل المؤقتة أم المستمرة؟ وهل الولاء لأفريقيا يتأثر بهذه المشكلة؟

معين هايل من اليمن (خريج إدارة أعمال جامعة صنعاء):
أكد د. إبراهيم علي أن مصر أفريقية من خلال التاريخ والجغرافيا والأصل السلالي، هل مصر فعلاً أفريقية؟! لاسيما أن هناك بعض المتخصصين يرون أن الحضارة المصرية تندرج في إطار الحضارة الشرقية.
ثانياً: كنت أتوقع أن يتحدث الدكتور عن مشكلة المياه فهي مشكلة أفريقية- أفريقية، ولكنه لم يطرحها.
ثالثاً: نحن اليمنيون -والعمانيون أيضاً- متهمون بممارسة الرق، وأنا لا أعرف أصل هذا الاتهام، فهل مارس العرب تجارة الرق في أفريقيا؟ لقد قدم العقيد القذافي اعتذارا في إحدى القمم عن ممارسات العرب لرق الأفارقة، فهل هذه حقيقة أم سوء فهم؟

د. نادية مصطفى:
لدي بعض التساؤلات والاستفسارات:
– لقد تناول د.إبراهيم قضية الانتماء المصري إلى أفريقيا بالتحليل، لكنه لم يتطرق إلى دور قوى الاستعمار، أليس لقوى الاستعمار -وخصوصاً منذ بداية الالتفاف حول العالم الإسلامي من قبل البرتغال والأسبان- أثر في ترسيخ هذه الصور السلبية المتبادلة، حيث يظهر العربي والأفريقي كلاهما بصور سلبية، فأنا لا أنفي المسئولية عن أنفسنا، ولكن ما قدر ووزن تأثير القوى الاستعمارية في هذا الأمر؟ اعتقد أنه كبير، فتكريس هذه الرغبة في فصل شمال أفريقيا عن جنوبها إنما تحقق لاعتبارات مصلحية.
– لقد دخل الإسلام أفريقيا من شرقها وغربها، وإن اختلفت طرق الدخول إليها، لكن القاسم المشترك هو انتشاره عن طريق الاحتكاك التجاري والدعوة، ولم تستخدم الأداة العسكرية –على النحو المعروف- وبخاصة في شرق أفريقيا، فلمَ هذه الصورة عن العرب والرق في شرق أفريقيا وليس عنها في غرب أفريقيا في حين أن غرب أفريقيا كان مرتكز الرق المتجه إلي العالم الجديد؟
هذه أمور تاريخية وثقافية يؤدي العبث بها إلى التأثير في تشكيل الصورة المتبادلة بين العرب والأفارقة.

أحد السائلين لم يذكر اسمه:
لماذا تتبنى أثيوبيا مواقف واتجاهات سلبية إزاء العرب ومصر؟

د.نادية:
أعتقد أن هذه الأسئلة والمداخلات تمثل محاضرة جديدة عن العلاقة بين الثقافة والسياسة، وأصل الحضارة المصرية، وعن مشاكل إضافية -غير التي ذكرها الدكتور إيراهيم- فضلا عن سبل الحل.

تعقيب د.إبراهيم نصر الدين:

سوف أتناول الإجابة عن الأسئلة والتعليق على المداخلات من خلال النقاط التالية:
1- رؤية العلاقات المصرية مع أفريقيا على أنها مشكلة سياسية وليست ثقافية:
أريد أن أذكّر البعض بما حدث في مباراة مصر والجزائر، وما ترتب عليها من تدمير المصالح الاقتصادية وانتشار صور سلبية للشعبين إزاء بعضهما.
إن الاقتصاد لا يبنى إلا علي القبول المشترك، والقبول يؤدي إلى قدر من الاطمئنان علي الاستثمارات، وحيث لا يوجد قبول يصبح الحديث عن أن تقيم علاقات اقتصادية مسألة ليس لها معنى.
من ناحية أخرى عندما أتحدث عن ثقافات فذلك شأن سياسي، فكيف لنا أن نضع سياسة ثقافية؟ المسألة تلقائية وعلي النظام ذاته أيا كانت توجهاته أن يضع سياسة ثقافية منها التعليم، وعلى كل من يذهب إلي أفريقيا أن يكون مدركا أسباب ذهابه إلى هناك، لأننا في الغالب نرسل من يسمون بخبراء إلي أفريقيا وهم لا يعرفون أفريقيا علي الإطلاق ولا طبيعة المهمة التي ذهبوا من أجلها، وهذه كارثة كبرى. لذلك فإن الحاضر الغائب لدينا هي الثقافة ، لأنها تمثل أرضية للتفاهم المشترك بين الأطراف، وذلك يمكن أن يفسر تدهور العلاقات مع أثيوبيا، وهي مسألة تاريخية، فالعقد التاريخية تجاه مصر قديمة وتجاه العرب بصفة عامة.
إن عقلية الأمهرة (وهو العرق الذي حكم أثيوبيا تاريخياً، والآن يحكم التجراي ومعهم الأمهرة، وهؤلاء يشكلوا 18% من سكان البلاد)، هذه العقلية كرست فكرة العزلة والتركيز على أنهم يعيشون وحولهم بحر إسلامي يحاصرهم، فأصبح هذا التصور في تركيبتهم النفسية –وأنا تعاملت معهم- فهم تركبية لا أريد أن أقول إنها مثل الصهيونية اليهودية، إلا أنها تتشابه معها في عقلية العزلة والحصار، والشك في الآخر، والاستعلاء في التعامل. ويتشابه معهما الأفريكان في جنوب أفريقيا، ويجمع بينهم أيضا فكرة كونهم شعب الله المختار، وهذا يجعل الارتباط بين أثيوبيا وإسرائيل منطقيا لأنه قائم على أسس ثقافية.
2- فكرة الإلحاح في وسائل الإعلام على ضم دول أفريقية لجامعة الدول العربية:
لدي سؤال: ماذا أضافت جامعة الدول العربية للعمل العربي المشترك في أي قضية من القضايا العربية؟ ومقارنة بمنظمة الوحدة الأفريقية يتضح مدى كفاءة الأخيرة لأنه كان هناك ست حالات استعمارية أغلبها عنصرية شأنها شأن فلسطين وتم التحرير بالقوة المسلحة، وبمساندة كل دول الجوار علي الرغم من فقرها وتخلفها، وتحملت دول الجوار الضربات من النظم العنصرية.
من ناحية أخرى كلما استعملت هذا الطرح اعتبره الأفارقة توسعا عربيا، فإذا انضمت أريتريا مثلا لجامعة الدول العربية ستحدث حرب أهلية داخلها في اللحظة ذاتها، لأن الجامعة العربية هي المنظمة الوحيدة التي تضفي هوية علي كل من يضم إليها، فكل من ينضم إليها يكون عربيا ولغته الرسمية هي العربية. فإذا كان أكثر من نصف سكانها لا يتحدث العربية ومن أصول تجرينية ومرتبطين بأثيوبيا وتمتد أصولهم فيها، فهذا يعني أن انضمامها للجامعة العربية سيفكك الدولة مباشرة. فهذه الشعارات التي ترفع لا أساس لها من حيث الواقع العملي.
3-تقسيم أفريقيا إلى شمال الصحراء جنوبها:
هذا التقسيم شائع منذ الفترة الاستعمارية، ومازلنا نكرره في كتاباتنا دون وعي.
4- الحضارة الفرعونية مرجعية للتاريخ الأفريقي:
يعني ذلك أن الحضارة المصرية حضارة أفريقية، فهي لم تنشأ خارج تلك القارة، فالحضارة المصرية الفرعونية القديمة هي أقدم حضارة موجودة في القارة الأفريقية، وبالتالي ينتج منها ويتفرع عنها كل الحضارات الأخرى في القارة.
5- انعكاس المشكلات الداخلية على السياسة الخارجية المصرية:
السياسة الخارجية دائماً انعكاس للسياسة الداخلية. فإذا كنت تريد أن تعرف كيف تسير السياسة الخارجية ابحث عن القوى التي في الداخل ومصالحها، لأنها هي التي تصنع السياسات الموجهة للخارج. ولذلك أرى أن حل مشكلات مصر في الدائرة الأفريقية يأتي تاليا للإصلاح الداخلي.
6- عناصر الهوية بين الانتقاء والتكامل:
لقد أكدت في هذه المحاضرة على تعدد عناصر الهوية المصرية، فمصر بلد أفريقي بحكم الجغرافيا والتاريخ والأصل السلالي،عربي بحكم اللغة والثقافة، إسلامي ومسيحي بحكم العقيدة.
نحن عرب بحكم اللغة والثقافة فقط، ولا أحد يجادل في أن رسولنا لم يكن من العرب العاربة، بل كان من العرب المستعربة، فجده إسماعيل بن سيدنا إبراهيم من بلاد مابين النهرين، وأمه السيدة هاجر المصرية. ولذلك يقال “إنما العربية اللسان”، فحديث الرسول صلي الله عليه وسلم “دعوها فإنها منتنة” جاء ردا على التفاخر، لذلك أنا ضد حديث القبيلة، فلا يليق القول هل المصري فرعوني فقط أم أفريقي، فهو أفريقي ومعه مسلمون ومسيحيون، فهويتنا أفريقية عربية إسلامية مسيحية، ومحاولة اجتزاء عنصر يؤدي إلي تقصير.
7- الدور الإسرائيلي في القارة الأفريقية:
إسرائيل ليست بالقوة الكبرى كما نتصور، وبالنسبة لتواجدها في أفريقيا فهو أقل من التواجد المصري. كما أن هذا الكيان مهدد بالفناء من داخله، والعامل الوحيد لبقائه هو تفكيك كل دول الجوار وعلي رأسها مصر، وهذا ما يهدف إليه الوجود الأمريكي بالعراق وتدخله في اليمن والسودان والصومال.
8- الاستفادة من الطلبة الأفارقة الوافدين:
لم أقصد أن نجعل من هؤلاء الطلبة عملاء لمصر، ولكن قصدت ضرورة وجود معايير في اختيارهم، فالحكومة المصرية تقدم منحا وتقدم تعليما ممتازا، لذا ينبغي أن يكون أهم معايير اختيار الطلبة الأفارقة أن يكون الطالب من جماعة قوية يمكن أن تصل للحكم. فأنا لا أطلب من الطالب الأفريقي جلب معلومات أمنية، بل لا أريد أن ينتهي به الأمر إلى أن يتهم بالإرهاب لأنه تعلم في مصر، ولكن -من ناحية أخرى- ينبغي تلبية حاجات الطلبة الأفارقة، فعلى سبيل المثال قال لي بعض الطلبة الأفارقة إن زميله سافر إلى فرنسا عشر سنوات فحصل على درجة الدكتوراه، وإنه في مصر منذ عشر سنوات ولم يحصل علي ليسانس في الشريعة. إن مطالبهم الأساسية تعليمهم بالإضافة إلي الدين وعلوم الشريعة علوما أخرى ليحصل علي شهادة أخرى توفر له فرصة عمل في بلده؛ ولقد انتبهت جامعة الدعوة الإسلامية في ليبيا إلى ذلك، فهي تعطي للطلاب الأفارقة شهادتين؛ شهادة في علوم الشرع وأخرى للحصول على فرصة عمل في بلدانهم.
9- مشكلة مياه النيل:
أرى أنه لا توجد أزمة لثلاثة أسباب:
أ- دول حوض النيل ليست بحاجة لمزيد من مياه النيل، فهناك وفرة في مياه النيل (16 مليار متر مكعب) لا تستهلك السودان إلا نصفها والباقي يضيع في البحر والمستنقعات وفي أشكال أخرى. إذن المسألة ليست نقصا في مياه النيل لهذه الدول وفقا لدراسات الجدوى التي تم عملها منذ عشرين سنة لخمسين مشروعا توفر 5 مليارات متر مكعب ماء.
ب- ليس لدى هناك قدرة علي التأثير في تدفق مياه النيل، لعدة أسباب، فإذا كان الاتحاد السوفيتي قد ساهم في بناء السد العالي في مصر رغما عن الإرادة الأمريكية، إلا أن الولايات المتحدة كان يمكن أن تقوم بضربة انتقامية ولكنها لم تفعل لعدم القدرة. ولقد بُدلت المواقع في السبعينيات، واتجهت مصر نحو تعميق علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية، وقام الاتحاد السوفيتي ببناء سد في أثيوبيا ولم تستطع أقوى قوتين في العالم التأثير على تدفق مياه النيل إلى مصر، وهذا مرجعه عمق المنابع مابين (300-500) متر، فإذا أردت أن تبني سدا فهذا مستحيل، ويجب أن يتم البناء في عشرة أشهر قبل الفيضان، وإذا قامت هذه السدود التي يتحدثون عنها فكم ستغرق من المساحات؟ فمشكلة بناء السد العالي في مصر مازالت حتى الآن لها توابع، وإذا أُقيم السد الأثيوبي سيتم وقتها ترحيل الشعب الأثيوبي من محيط هذا السد.
ج- إن كل المنطقة التي توجد بها منابع النيل أرض بازلتية لا تصلح للزراعة، كما أنه من الناحية القانونية ليس لأثيوبيا حق في بناء سد على النيل، وإذا تذرعت أثيوبيا بأن اتفاق 1902 اتفاق استعماري أو اتفاق قديم، فإن هذا غير صحيح، فقد لجأت أثيوبيا إليه في خلاف حدودي 1972 مع السودان، واستخدمته كمرجعية قانونية في خلافها الحدودي مع اريتريا في عام 2002.
إن إثارة مشكلة مياه النيل ليست إلا تشتيتا للانتباه، حتى يمر مشروع تفكيك السودان دون مقاومة.
10- اتهام العرب بممارسة تجارة رق الأفارقة:
فلنعترف أن العرب كانوا يسترقون بعضهم قبل الإسلام، والرق كان فيه الأبيض والأسود والمماليك (حكم المماليك مصر 267 سنة)، فالممارسة العربية –في هذا الصدد-لم تكن خاصة بلون أو استرقاق عرق معين، لكن المشكلة في الاسترقاق الأوربي أنه اقتصر على مناطق إسلامية في غرب أفريقيا لتدمير الممالك الإسلامية الزاهرة التي كانت موجودة في هذا الوقت، والتقديرات تصل –في هذا الصدد- إلى 100 مليون إنسان مسلم، فهم استرقوا المسلمين ولم يأخذوا أحدا من جنوب أفريقيا، كل التركيز كان علي الساحل الأفريقي الغربي حيث المسلمين. وكانت جزيرة بورا علي ساحل السنغال تمثل إحدى قلاع تجارة الرقيق الأوربي، ومعظم الكتابات الغربية لا تركز على هذه الجزيرة وإنما تشير إلى جزيرة زنجبار باعتبارها قلعة الرقيق العربية.
11- الصور المتبادلة بين العرب والأفارقة ودور القوى الاستعمارية في تشكيلها:
لا أحد ينكر الدور الاستعماري وممارساته التي امتدت إلى قطع العلاقات التاريخية بين العرب والأفارقة عبر الصحراء، فالاستعمار عطل حركة التواصل بين الشعوب الأفريقية لا سيما المتجهة نحو الأزهر، لذلك حينما تحدثت عن الصور المتبادلة قصدت الصورة الغربية للعربي الموجودة في الكاريكاتير في الصحافة الغربية، وأيضا الكاريكاتير في الصحافة الأفريقية، وكان الهدف منها بث الشقاق بين العرب والأفارقة.
النقطة الأخيرة تتعلق بدخول الإسلام إلى أفريقيا ، فلم يكن هناك فتوحات إسلامية تستخدم الأداة العسكرية في شرق أفريقيا، ولكن في عام 1840 ضمت سلطنة عمان بعض المناطق في شرق أفريقيا التي لم تكن مأهولة بالسكان، فلم تكن عملية استعمارية بالشكل المعروف. وفي غرب أفريقيا حدث صدام مع انتقال القوات الإسلامية في مصر إلى شمال أفريقيا، واستغرق هذه الصدام نحو 70 عاما، فمصر فتحت بسهولة، ولم يكن الأمر على هذا النحو مع الأمازيغ؛ إذ استمر الصدام معهم 70 عاما، ولكن بانتهاء هذا الصدام دخل الأمازيغ في الإسلام أسرع مما دخل المصريون الذين لم يدخلوا في الإسلام إلا بعد مرور 200 عام من الفتح الإسلامي لمصر.
بعد ذلك تولت هذه الجماعات ذاتها -من خلال التجارة والدعوة- نشر الإسلام في غرب أفريقيا، وإن قامت بعض الحركات الجهادية في هذه المنطقة.
*****

(*) عقدت هذه المحاضرة بساقية الصاوي في 27/10/2010.
(**) الأستاذ الدكتور إبراهيم نصر الدين: العميد السابق لمعهد البحوث والدراسات الأفريقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى