كيفية تفعيل القيم في البحوث والدراسات الاجتماعية



تقرير عن دورة

“في كيفية تفعيل القيم في البحوث والدراسات الاجتماعية”

(6 – 11 فبراير 2010)

إعداد: ماجدة إبراهيم(*)

06/02/2010

بدأت فاعليات هذه الدورة بافتتاح المنظمين (مركز الدراسات المعرفية، ومركز الحضارة للدراسات السياسية، ومركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات)؛ حيث أكد كلٌ من: د.عبد الحميد أبو سليمان، ود.نادية مصطفى، ود.رفعت العوضي على أهمية ومغزى الدورة من خلال ما يميزها من سمات أهمها:

          هذه الدورة جزء من منظومة متكاملة وهادفة من سلسلة دورات منهجية تؤهل الباحثين في بناء شخصياتهم الأكاديمية منهجيًا ومعرفيًا ونظريًا.تلك الدورات تولت إعدادها مجموعة المراكز الثلاث (مركز الدراسات المعرفية، ومركز الحضارة للدراسات السياسية، ومركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات) وبالتالي تتحقق سمة الجماعية في الإعداد للدورة كسمة أخرى مضافة لهذه الدورة.

          اتسمت الدورة كذلك بأنها “دورة جامعة” من حيث جمعها لتنويعة مجالاتها ومجالات المشاركين فيها؛ فقد شارك فيها دارسون بالإضافة إلى أساتذة ومحاضرين من: العلوم الطبيعية والطب، والاقتصاد والمحاسبة، وعلم النفس والإعلام والمكتبات، والتربية والاجتماع، والعلوم السياسية، والتاريخ، فأضحت أول دورة يشارك فيها أكثر من عشر تخصصات يجتمعون على قضية علمية وأكاديمية محددة (تفعيل القيم في العلوم الاجتماعية والإنسانية) ويتبادلون المعرفة والنقاش من زوايا مختلفة ويخرجون بقواسم مشتركة أكثر بكثير مما اختلفوا فيه.

          سمة الرؤية المقارنة لا سيما بين النموذج المعرفي الغربي والنموذج المعرفي الإسلامي ورؤية كل نموذج منهما للعلم وكلياته، والمنهج وافتراضاته، وبالأخص موقع القيم من العلم ومن البحث العلمي، وقد لمس أكثر المحاضرين والمشاركين هذه المقارنة.

          سمة التفاعلية: التي هي بين التعريف والتثقيف من جهة، والتدريب والتطبيق من جهة ثانية، والتطوير الجماعي من جهة ثالثة. وهذا نوع خاص من الدورات أسمته د.نادية مصطفى (دورة نوعية)؛ لأن موضوعات الدورة قد تستعصي في بعض أجزائها على التدريب المهاري البحثي، وفي نفس الوقت لا يصح أن توصف بنهج المحاضرات التلقينية، فالأَولى فيها هو التفاعل بأنماط وتدريجات تتسع وتضيق على حسب المجال والمستوى. وتحقق أحد أبعاد التفاعلية للدورة عبر التكليفات المقدمة من المتدربين بمستوييها: الجزئي بتفعيل القيم في إطار مجال محاضرة محددة من محاضرات الدورة، والمستوى العام بتكليف ختامي يقوم خلاله الباحث بإعداد تصور لتفعيل القيم في دراسة ظاهرة محددة في مجال تخصصه.

 

                       فائدة هذه الدورة تتعدى مَنْ حضروها؛ فمتابعة الأرشيفات التسجيلية لهذه السلسلة من الدورات تُمَكّن الباحثين في العلوم الاجتماعية (كلٌ في مجاله) من استكمال بناء قدراته وإمكاناته المعرفية والمنهجية من خلال توفير المراكز الثلاثة المنظمة للدورة نسخة تسجيلية لهذه الدورة وبقية الدورات التي تعقدها. وبالتالي توفر هذه الطريقة أحد حلول إشكالية ضرورة تكرار عقد نفس الدورات لمجموعات أخرى من الباحثين مقابل ضرورة استكمال جوانب وأبعاد موضوعات هذه المنظومة من الدورات المعرفية والمنهجية.

                       الدورة كذلك تعكس تحركات وتوجهات بل وتحولات باتت في الانتشار في المجال العلمي والأكاديمي للعلوم الاجتماعية بمختلف فروعها بدءًا من عودة الاعتبار للقيم، إلى قيام منظورات واتجاهات فكرية وعلمية جديدة تستند لمنظومات قيمية غير غربية، وصولًا لما يمكن تسميته بـ”ظاهرة تدين العالم” ومن ثم تفعيل منظومة قيم مستمدة من الدين بالأساس. وبالتالي، فهذه الدورة توفر مساعدة للباحث والأكاديمي على متابعة تطورات العلم في هذا المضمار.

                       على صعيد مكمل، تأتي هذه الدورة تعبيرًا عن حالة الأزمة التي تعانيها الأمة الإسلامية على مختلف الأصعدة وعلى الصعيد العلمي والأكاديمي خاصة؛ حيث إن تفعيل القيم يعد أحد مداخل الحل لهذه الأزمة.

          تعد هذه الدورة كذلك –بعد دورة المنهجية التي أقامها مركز الدراسات المعرفية في فبراير 2009- باكورة “دورات التفعيل”. وإن اشتملت الدورة على مدخل تأصيلي في يوميها الأولين، خاصة وأن التفعيل محفز جيد ومختبر مرافق للتأصيل.

 

وفيما يلي استعراض لأهم فاعليات الدورة ومضمونها عبر جزئين: أولاً- ملخص عام لفاعليات الدورة، ثانيًا- مضمون فاعليات الدورة.

 

 

 

 

 

 

أولاً- ملخص عام لفاعليات الدورة:

بعد الافتتاح سارت فاعليات الدورة وفق مخططها المصنف إلى ثلاثة محاور: التأصيل للقيم: الواقع والموقع، استنباط القيم من مصادر متعددة، وتفعيل القيم.

بدأت الدورة باستبيان قبلي/أولي أظهر أن جميع  المشاركين في الدورة اتفقوا مسبقًا على أهمية تفعيل القيم فى التخصصات المختلفة. وإن اختلفوا حول تعريفها وحدود وجودها في البحث العلمي.

بدأ المحور الأول (التأصيل) بمحاضرة د.سيف الدين عبد الفتاح عن “قيم الواقع وواقع القيم” بحثًا عن تحديد لمعنى القيم مستندًا إلى المصادر المرجعية (القرآن والسنة) وتمييزًا لها عن القيم في نماذج معرفية مغايرة صبغت الواقع العلمي وغربته عن منظومة مقاصده وجعلته حبيسًا لبعد أحادي لا يعتبر القيم إلا من زاوية القيم الأخلاقية الحاكمة للباحث وبيئته البحثية (فيما اعتبر من أخطاء التنظير للقيم وبات يعود في حالة رد اعتبار للقيم وربطها بالواقع)، بل حتى لم تعد تعتبر كثيرًا للبعد الأخلاقي سعيًا لتقنين الظواهر الاجتماعية والإنسانية بُغية لحاقها بركب العلوم الطبيعية.

ومن جانبه كأستاذ في العلوم الطبيعية في إطار محاضرته عن “القيم بين العلم الطبيعي والعلم الاجتماعي“، أكد د.أحمد فؤاد باشا على عدم خلو العلم الطبيعي من القيم. مما راكم على مقولة د.سيف عبد الفتاح في المحاضرة الأولى: “ليست هناك ظاهرة تخلو من القيمة، فحتى عالم الأشياء والوسائل مسكون بالقيم”.

فانطلق د.باشا من أن واقع العلم الطبيعي قد آل إلى عدم وجود أسباب وتفسيرات محددة لبعض الظواهر العلمية (مثال: إشعاع بعض المواد لأشعة ألفا وبيتا وجاما)، وبالتالي دحض “الحتمية العلمية” ودحض الفصل التعسفي بين الموضوعية والذاتية التي شكلت “دينًا علميًّا واجتماعيًّا” في أوساط البحث العلمي الطبيعي والاجتماعي إلى حدٍ كبير.

وبيَّن المحاضر أنه مع عودة الانفتاح بين فروع العلم بعضها بعضًا (multi discipline) وظهور ما يسمى بـ”سوسيولوجيا العلم” (كفرع علمي يدرس البيئة والسياقات والقيم والمرجعيات التي تحكم طرق التفكير في العلوم المختلفة)، لابد من التأكيد على قيمة “تكامل المعرفة” وهدم الأسوار العازلة بين فروع العلوم الطبيعية والاجتماعية والشرعية؛ علمًا بأن العلاقة بينها ليست تفوق فرع منها على الآخر ولا الوحدة التي تلغي التمايزات بين خصائص كل فرع منها. وأكد د.باشا أن الحقائق العلمية المتواتر اكتشافها ترسخ اليقين الإيماني للباحث، ومن ثم فالعلم والقيم صنوان؛ فالقيم في العلم هي قوة دافعة وراشدة وهادية.

إذن، هل ما ساد المجال العلمي وفروع العلوم الاجتماعية من مقولات “الحياد القيمي” “value free”، والتي ارتبطت برائد العلوم الاجتماعية “ماكس فيبر”، تعبر عن حالة من حالات ارتقاء العلوم الاجتماعية باقتفاء أثر العلوم الطبيعية ذات المعايير الكمية والتجريبية؟ كيف وذاك حال العلوم الطبيعية تعيد الاعتبار للقيم؟

أجابتنا محاضرة د.محمد صفار حول “حياد قيمي أم علم خالٍ من القيم: قراءة جديدة في فكر ماكس فيبر”، بأن مقولات الحياد القيمي إنما عبرت عن صيحات استغاثة ولم تكن صيحات انتصار أو ارتقاء حققها العلم الاجتماعي؛ فسياقات كتابات “ماكس فيبر” تؤكد أنها ظهرت في وقتٍ عانى فيه العلم الغربي من أزمة ومأزق حقيقي حينما حل محل الدين في معرفة العالم ففشل في هذا الدور ولم يحقق نجاحًا إلا كمشروع إمبريقي كمي يربط المعرفة بالحدث باعتباره أن الأخير المصدر الوحيد للحصول على المعرفة. وبالتالي فالحياد القيمي مقولة عبّرت عن فشل العلم الحديث في أن يكون له دور قيمي وأخلاقي مما جعله يقتصر على الأبعاد العملية والسلوكية.

وبطرح “فيبر” تساؤله حول مدى إمكانية عودة العلم إلى الدين والقيم صدته منظومة القيم المسيحية التي تفصل بين المجال الفردي والمجال العام وإشكاليات تحول العلم المؤسس على الدين إلى لاهوت، فابتكر مقولة “الحياد القيمي”، والذي لا تعني عدم وجود قيم أو التنازل عنها وإنما تعني تحرر إجراءات البحث العلمي من الأحكام القيمية المسبقة مع بقاء العلم بمعناه العام الكلي (العمل الذهني-الفكري) قيمة في حد ذاته.

 فمهما عصفت رياح العالمية والعولمة بالقيم، يبقى من القيم ما هو ذو خصوصية حضارية ومعرفية تخص نموذج معرفي (Paradigm) محدد –وفق تسكين توماس كوهن للقيم كعنصر أساسي في النموذج المعرفي المحدد، بل وأن القيم تمثل نسقًا معينًا يربط الجماعة العلمية المحددة.

ومن ثم تأتي أهمية تناول “القيم بين الرؤية الإسلامية والرؤية الغربية في المنهج المعرفي القرآنيفي ورقة د.طه العلواني؛ حيث تطرق بداية إلى مفهوم “القيم” في المنظور القرآني، بالتركيز على القيم العليا الحاكمة في الرؤية الإسلامية: التوحيد، التزكيّة، العمران… والقيم العامة الأساسية: الإنسانيَّة، والمعرفة، والعدل، والحريَّة، والمساواة. وكيف يمكن تفعيل هذه القيم وهذه المقاصد العليا على أرض الواقع.

ثم جاءت مناقشة قضية القيم بين العولمة والعالمية والخصوصية بالتطبيق في مجال التربية، في محاضرة د.عبد الرحمن النقيب (أزمة القيم في المناهج التربوية على الصعيد العالمي وانعكاساتها على التربية في العالم الإسلامي)، مؤكدًا ضرورة ارتكاز مناهجنا التربوية على منظومة المقاصد والقيم الإسلامية والأخلاق الجماعية للأمة؛ حتى تنفك من أزمتها المركبة بين جمود مناهجنا التربوية عن التطور وانحلال المناهج الغربية من مرجعية القيم الدينية.

ثم جاء المحور الثاني في الدورة حول استنباط القيم ليطرح أ.مدحت ماهر في أولى محاضرات المحور “منهجية استنباط القيم من السيرة النبوية” مبينًا بعض آليات استنباط القيم في مجال البحوث والدراسات الاجتماعية، ومنها:

           التدرب من خلال مشاهد من السيرة على التقاط الأبعاد القيمية للظواهر والحالات الواقعية؛ بحيث تمثل السيرة مقياسًا أو “مسطرة العمليات المنهجية”. وذلك باختيار مشهد محدد من السيرة، والتمييز فيه بين ما هو قيمي وما هو غير قيمي (حسابي)، وتحليل المشهد وتفسيره، ثم استدعاء ظاهرة معاصرة مماثلة ومحاولة استشراف سيناريوهاتها بناء على إعادة ترتيب العلاقات (القيمية-الحسابية)…

                         إجراء دراسات وتدريبات على إقامة “الميزان بين القيمة والحساب”.

0

وحول كيف تكون عمليات التربية وسيلة لتنمية القيم وكيف تكون القيم موجهًا للتربية (باعتبار التربية مسئولية اجتماعية وفردية)، جاءت محاضرة د.فتحي ملكاوي في “استنباط القيم في حقل علمي: التربية نموذجًا”. حيث بيَّن موقع القيم في كل عنصر من عناصر التربية كعملية اجتماعية: التنشئة الأسرية، التعليم، التثقيف الاجتماعي، التدريب، التربية الذاتية.

وانتهى د.ملكاوي بدعوة الباحثين في المجال التربوي للعناية بتطوير ممارسات وأدوات وإجراءات لتقويم تعلم القيم وتعليمها، وأننا بحاجة إلى قفزات إبداعية في هذا الصدد.

ثم انتقلت د.أميمة عبود في محاضرتها بالدورة إلى استنباط القيم من المصادر العلمية الغربية (بالتركيز على مجال تحليل الخطابالسياسي الغربي المعاصر)، مستعرضة تطورات العلوم السياسية في موقفها من القيم، فذكرت أربعة تطورات في هذا الصدد: التطور الأول البحث عن الحياة الفاضلة، والثاني بظهور ما يعرف باتجاه الوضعية المنطقية التي رأت أن المعرفة اليقينية هي معرفة الظواهر التي تقوم على الوقائع التجريبية مع إنكار وجود معرفة نهائية تتجاوز التجربة الملموسة، أما التطور الثالث فظهر من قلب الوضعية متمثلاً في المدرسة السلوكية في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين؛ إذ أصبح علماء السياسة يهتمون فقط بالتنقيب عن الظواهر السياسية التي يمكن إخضاعها للمشاهدة والملاحظة والتجريب ويمكن تحويلها إلى مؤشرات يمكن التعبير عنها كميًا؛ فاهتموا بدراسة السلوك السياسي الظاهري، وبالتالي بدأ يتوارى الاهتمام بالبحث في القيم والمعاني والأفكار المجردة. ومن ثم دعوتهم لأن يصبح علم السياسة علمًا خاليًا من القيم a value freescience” وتصبح مفاهيمه واضحة ومتفق على تعريفاتها. وفي الآونة الأخيرة شهد علم السياسة التطور الرابع والذي كان من أهم ملامحه: رد الاعتبار للقيم وعودة مكانتها مرة أخرى بالدراسة العلمية لها وإعادة تعريف محتواها من خلال دراسة المقصود بقيم كالحرية مثلاً: كيف نشأت وكيف تحولت وكيف تشكلت، ومعرفة هذا المفهوم في الخطاب السياسي الغربي وغيره… ودراسة القيم من حيث هي أساس السلوك السياسي وتفسير السلوك على ضوء القيم التي يرفعها.

وعن عودة القيم الأخلاقية في الخطاب السياسي الغربي، تناولت المحاضرة اتجاهات وأساليب تحليل الخطاب وموقف كل منها من القيم، مبيّنة أن خريطة هذه الاتجاهات تؤكد أن عودة القيم في الخطاب الغربي اختزلت إلى البحث في تقويم القيم كمعايير للخطاب المحدد.

وعاد بنا د.محمد كمال الدين إمام مرة أخرى إلى استنباط القيم من المصادر الإسلامية في محاضرته حول “استنباط القيم من الأصول والتراث: أصول الفقه نموذجًا”، فعلم أصول الفقه هو العلم الذي يُنظر من خلاله إلى الأحكام الشرعية وتستنبط به الأحكام في ضوء المصادر، وهو فرع من الفلسفة الإسلامية يقع من مباحث فلسفة العلوم بشكل عام في مبحث نظرية القيم (حيث تنقسم فلسفة العلوم إلى: نظرية المعرفة، نظرية الوجود، ونظرية القيم)؛ لكون علم أصول الفقه يبحث في الدليل من أجل معرفة الحكم الشرعي من حيث الأمر أو النهي أو الإلزام. وعلم الأصول وهو يتحدث عن الدليل يشير إلى مجموعة من القيم الأساسية مثل المسئولية والإلزام، وكل من هذه القيم يشتمل على قيم فرعية. إضافة إلى أن الدليل في علم أصول الفقه في حد ذاته يفضي إلى قيمة ثابتة في عملية البحث العلمي (إذا كنت مدعيًا فالدليل والحجة) وهو ما يمثل جزءًا أساسيًا من البنية المعرفية الإسلامية.

وفي مقارنته بالفقه القانوني لدى المدارس الغربية المختلفة، أوضح د.إمام محورية القيم وثباتها في منظومة الفقه الإسلامي.

كما بيّنت د.حنان عبد المجيد في محاضرتها المعنونة: “استنباط القيم من تحليل الأحداث والبيانات”، أن القيم هي معيار للانتقاء بين البدائل المتاحة أمام الشخص في موقف اجتماعي معين وأوضحت موقف التوجهات المختلفة في علم الاجتماع من القيم: الواقعي، البرجماتي، المثالي، والوضعي.

فالمذهب الوضعي (أوجست كونت) يفرق بين الحقيقة (كل ما تدركه الحواس) والقيمة التي لا تثبت إلا بالمشاهدة الموضوعية، فاعتبر القيم ظاهرة اجتماعية يمكن قياسها كأي ظاهرة اجتماعية وإنسانية. ومع الوضعية الحديثة، برز القول بأن القيم تخضع للبحث التجريبي ويمكن دراسة العلاقة التأثيرية للظواهر الاجتماعية في تشكيل القيم وفقًا لظروف المجتمع. وبالتالي كرس المذاهب الوضعي نسبية القيم، ومع سيادة المذه الوضعي لمناهج علم الاجتماع الحديث فقد أثرت هذه النظرة للقيم حتى في بعض أساتذة علم الاجتماع الإسلاميين.

وكانت محاضرة د.نادية مصطفى هي أول محاضرات المحور الثالث للدورة حول تفعيل القيم في مجالات معرفية ومستويات بحثية متعددة، وجاء موضوع المحاضرة تحديدًا في حقل العلاقات الدولية وموقف منظوراته المختلفة من القيم وإشكالية القيم–المصلحة، انطلقت المحاضرة من وجود منظورات متعددة مقارنة في دراسة الظواهر المختلفة، ومنها الظواهر الدولية، لتقدم في مجموعها صورة متكاملة للواقع، وأن أي منظور معرفي ينضوي على منظومة قيم محددة، حتى أكثرهم بعدًا عن دراسة القيم (فالمنظور السلوكي يحمل منظومة قيم محددة، والمنظور الواقعي يرتبط كذلك بمنظومة قيم: المصلحة، الصراع، القوة…) وبالتالي لا يمكن التخلص من القيم في أي مستوى من مستويات البحث. وعلى مستوى التشغيل والتفعيل الفعلي للقيم في تحليل ودراسة الأحداث الدولية، ركزت د.نادية مصطفى على ضرب الأمثلة الحيَّة ومداخل تحليلها وكيف تظهر منظومة القيم في البحث والتحليل لها.

متابعة لتفعيل القيم في مجالات معرفية ومستويات بحثية، تواصلت فاعليات الدورة في يومها الرابع مع د.سعيد إسماعيل علي حول تفعيل القيم في حقل أصول التربية. الذي أكد على أن التربية كعلم تطبيقي ينهل أصوله من فروع العلوم الاجتماعية المختلفة (الفلسفة، علم النفس،…)، وأنه وإن جرفته اتجاهات دراسة العلوم الاجتماعية وموقفها من القيم، فقد ظلت القيم في قلب ومحور أصول التربية بمختلف توجهاته ومستوياته.

أما موقع القيم من علم الاقتصاد عبر تطور اتجاهات دراسته فقد أثرى الدورة بها د.رفعت العوضي؛ حيث عرض لخمس قضايا توضح موقف علم الاقتصاد من القيم أولها: أن تأسيس هذا العلم على يد آدم سميث كان رجع صدى لرجال الصناعة، ثانيها: أن النظرية الكلاسيكية للاقتصاد تحيزت لطبقة رجال الأعمال والرأسمالية، وثالثها: أن نظرية مالتس المشهورة دعت إلى إطلاق الحروب والمجاعات والأوبئة على الشعوب الأخرى لإعادة التوازن للعالم (فكانت خادمة للاستعمار)، ورابع القضايا المتعلقة بالقيم في علم الاقتصاد هي: أنه علم تشاؤمي، والقضية الخامسة: تمويل التنمية الاقتصادية في العالم الثالث من البطالة المقنعة ثم تعميم القيم الغربية وتنميط العالم بها عبر العولمة.

ثم عرج إلى تفعيل القيم في دراسة نموذج المصرفية الإسلامية لاستخلاص بعض القيم التي تفعل في المجال الاقتصادي وخاصة في المصرفية الإسلامية، ومن أهمها: قيمة الإيمان والتوحيد، قيمة المشاركة الشورية، وقيمة المؤسسية، وقيمة العمران، …

وجاءت محاضرة د.علي ليلة عن تفعيل القيم في مراحل ومستويات دراسة الظاهرة الاجتماعية، ليجيب لنا عن تساؤلات غاية في الأهمية تعترض الباحث خلال العملية البحثية: أين القيم من الباحث الاجتماعي؟ وكيف ترافقه وكيف ترشد سلوكه البحثي ويرشد هو من تحكم افتراضاته القيمية في موضوعية اختياراته وفروضه البحثية؟ وأين القيم من منهاج العلم الاجتماعي ونظرياته واقتراباته؟ وأين القيم من الظاهرة الاجتماعية وكيفية دراسة القيم المسكونة فيها أو المتعلقة وبها؟

ومن هذا المستوى الكلي الجامع لتفعيل القيم، إلى المستويات الجزئية الخاصة بتفعيل القيم في البحوث والدراسات الاجتماعية (والتي لا تقل أهمية عن سابقتها)، بدأت فاعليات اليوم الخامس من الدورة بمحاضرة د.السيد عبد المطلب غانم حول تفعيل القيم في بحث ميداني واستماراته.

حيث بدأها بمنظومة القيم الحاكمة للبحث الإمبريقي (الموضوعية وعدم الأخذ برأي فرد وإن كان فذًا، الانضباط: فقد يتم تكرار نفس البحث لا التجربة بضبطها، …)، وكيف تظهر هذه المنظومة القيمية الحاكمة في إعداد الباحث لاستمارة بحثه (فترتيب الأسئلة وطريقة صياغتها تعكس منظومة قيمية وتؤثر في نتائج البحث)، وتظهر كذلك في إجراءات البحث (اختيار الباحث للعينة وحجمها، أمانته في ملء الاستمارة…)، حتى مرحلة كتابة البحث تحكمها منظومة قيم؛ حيث لابد للباحث أن يعي إلى من يتوجه بنتائج بحثه.

ومن كاتبي البحوث إلى كاتبي التاريخ من مؤرخين وباحثين في التاريخ، انتقل بنا د.زكريا سليمان لعلم التاريخ حول تفعيل القيم في تحليل وتفسير الأحداث التاريخية. حيث يتحمل المؤرخ أمانة كتابة وتفسير التاريخ وفق معايير قيمية محددة، فلابد لهذا لعلم من قيم تحكم البحث والكتابة فيه كما لابد للمؤرخ من التعايش مع الظاهرة والأحداث التي يؤرخ لها حتى يسعها فهمًا فلا يفسرها من توجه أحادي يختطفها، كما أن علم التاريخ وقراءته مهمة في تشكيل منظومة القيم الخاصة بمجتمع ما وتشكيل هويته عبر عمليات التربية والتعليم. وتتجسد قيمة علم التاريخ للعلوم الأخرى في محوريته في صياغة علوم المستقبل وكونه مستودعًا للتجارب الاجتماعية عبر الزمان والمكان.

وأخيرًا، من مخازن الأحداث في علم التاريخ إلى مخازن البيانات والمعلومات في علم المكتبات نقلنا د.هاني محي الدين عطية إلى تفعيل القيم في التصنيف والتسجيل الفني للمعلومات وتفعيل القيم في الملاحظة والتصنيف في الظواهر والأدبيات. حيث ناقش عددًا من الإشكاليات المتعلقة بالمجال ومنظومة القيم: بدءًا من إشكالية التداخل المفاهيمي بين القيم والمبادئ والأخلاق والأخلاقيات، وإشكالية الخصوصية والسرية، وإشكالية الملكية الفكرية للخدمات المعلوماتية، وإشكالية الفجوة المعلوماتية، وإشكالية الحياد في مرشحات البحث والفلاتر المعلوماتية، وإشكالية التحيز في التصنيفات المكتبية والقيم الكامنة خلفها، مثل: تصنيف ديوي وتصنيف مكتبة الكونجرس.

وجاء اليوم السادس والأخير من الدورة الذي خُصص لتعميق التفاعل والحوار بين القائمين على الدورة والدارسين فيها، ومناقشة جانب من التكليفات الجزئية المتعلقة بالمحاضرات وتفعيل الدارسين للقيم في بحوث محددة، وجمع ما نضج من ثمارها سواء على مستوى تسجيل الدارسين لملاحظاتهم على الدورة ومحتواها، أو عرض القائمين على الدورة لأهم مخرجاتها والتي يمكن بيانها على النحو التالي من هذا التقرير.

 

ثانيًا- مضمون فاعليات الدورة:

وعن مضمون فاعليات الدورة، فقد تضمنت العناصر المتناولة حول القيم في البحوث والدراسات الاجتماعية من مداخل ومجالات متنوعة وذلك على النحو التالي: القيم معنى ومبنى، ومؤشرات القيم، ومستلزمات تفعيل القيم، وكيفيات تفعيل القيم.

v                 القيم معنى ومبنى:

كان تناول مفهوم القيم خلال فاعليات الدورة بين استطلاع التصور الأولي للدارسين حول معنى القيم وتعريفها وتصنيف كل تعريف منها حول ما يتناوله من جوانب لمفهوم القيم (عناصرها، مدى إطلاقيتها/نسبيتها، وظائفها: ضابطة للسلوك أو محركة ومؤسسة له وقيم وسائل، وقيم أولية وأخرى ثانوية، مدى القيم: كونية أم خاصة بثقافة أو دين محدد، مجالاتها، نوعيتها: قيم تنشئة وقيم التعلم والتعليم، قيم التثقيف الاجتماعي والتدريب…)، وبين التأصيل الشرعي واللغوي لمفهوم القيم الذي تأكد خلاله أن “القيم تسري في الظواهر الاجتماعية والإنسانية مجرى الماء في الورد” (بتعبير د.سيف الدين عبد الفتاح)، وبين وضع تعريف جامع مانع للقيم؛ حيث عرَّف د.فتحي ملكاوي القيمة بأنها “صفة عقلية والتزام وجداني يوجه فكر الإنسان واتجاهاته ومواقفه وسلوكه”. بينما رادف البعض الآخر بين “القيم” و”الأخلاق”.

وعلى صعيد التأصيل العلمي (برافديه الطبيعي والاجتماعي) لمفهوم القيم، تأكد أن القيم ما زالت تشغل اهتمام الباحثين في التخصصات العلمية والمعرفية المختلفة، وأنها رغم سماتها المراوغة والمختلَطة، يبدو أن القيم نفسها عبرت بهذه السمات عن حضورها الأكيد وغير المنبت عن كل ما هو إنساني أو اجتماعي بل وحتى طبيعي أو بكل ما يتعلق بدنيا البشر المعاشة وما حولها من كون منظوم وكل ما يرتبط بكل ذلك من علوم؛ طالما أن العلم والبحث العلمي (بشتى روافده ومجالاته) هو في الأخير لا يعدو كونه نشاطًا إنسانيًّا، يرتبط ولا ريب، بمنظومة قيم يتأثر بها ويؤثر فيها. 

موقع القيم من العلوم الاجتماعية:

أشار المحاضرون إلى ما تعانيه القيم من أزمة في الفكر الغربي؛ حيث لم تعد القيم مصدرًا للإلزام الأخلاقي، وأصبح الغرب مطالبًا بإيجاد مصادر جديدة للإلزام الأخلاقي.

حيث تطورت القيم بتطور موضوعات الفكر والنظرية في العلوم الاجتماعية؛ فقد نبذت الوضعية المنطقية الميتافيزيقا وتبنت أطرًا تحليلية ذات طابع علمي مادي ملموس، وأهملت دور الاعتبارات الأخلاقية والفلسفية المجردة. فالقيم –وفق هذا الاتجاه- لا يمكن ردها إلى أشياء ملموسة وليس لها مرجعية قائمة في الواقع، فهي تعلو على الواقع ومن ثم فجميع العبارات الأخلاقية والفلسفية هي عبارات خالية من المعنى.

أما الاقتراب السلوكي، فقد قال بأن العلم لابد وأن يكون خاليًا من القيم، وأنه ينبغي الاهتمام فقط بالتنقيب عن الظواهر التي يمكن إخضاعها للمشاهدة والملاحظة والتجريب ويمكن تحويلها إلى مؤشرات يمكن التعبير عنها كميًا، ومن ثم بدأ يتوارى الاهتمام بالبحث في القيم والمعاني والأفكار المجردة. ثم آل الأمر حاليًا إلى عودة الاعتبار للقيم وعدم مصداقية أو شكلية المنظورات أو الاقترابات التي تنحي القيم من البحث العلمي.

 

v                 مؤشرات القيم:

إذا كان من أهم مداخل التعامل مع القيم ودراستها هو تحويلها إلى إجراءات، فإنه يمكن تلمس بعضًا من مؤشرات القيم في الإطار المرجعي الثابت لها:

           التجليّات المختلفة والمتنوعة للقيم ليس فقط على مستوى السلوك البحثي للباحثين، وإنما أيضًا على مستويات المناهج والموضوعات.

           عودة حضور واستحضار القيم بكافة مستوياتها على صعيد التنظير العلمي الاجتماعي والإنساني بل والطبيعي في مرحلة بات فيها العلم يسترد وعيّه بالقيم ويراجع الأخطاء التنظيرية المتعلقة بتهميش القيم (والقيم المستمدة من الدين بصفة خاصة) التي سادت خلالها مقولات تسيّدت وصارت من قبيل القيم الثابتة التي تبث في الوعي المعرفي للباحثين وعلى رأسها مقولة “علم خالٍ من القيم”، فيما صار نوعًا من “التغييب المركب للقيم”.

 

v                 مستلزمات تفعيل القيم:

                       تأتي في مقدمة المستلزمات استدعاء العلم ذاته كقيمة (قيمة العلم) بمعناه العام (العمل الفكري والذهني) والعمليات المتعلقة به.

                       وجود منظومة من القيم الحاكمة والثابتة التي تمثل إطارًا مرجعيًا للمنظور الحضاري الإسلامي للظواهر والعلوم الاجتماعية (ضبطًا وحدًا لـ “إطلاقية مقولة نسبية القيم”).

                       التفرقة بين تصنيفات مستويات القيم ومجالاتها ووظائفها حتى يتسنى لنا إمكانية ضبط التعامل معها ووضع مؤشرات لها.

                       رفع الخذلان عن بعض الأفكار والقيم التي بات تهميشها من ثوابت الواقع البحثي والعلمي الراهن.

                       استحضار البعد المقاصدي للقيم وتناولها، الأمر الذي تؤكده مقولة: “إن مقاصدًا لا تحقظ القيم ليست من الشريعة في شيء”.

                       ضرورة الوعي وحسن التعامل مع الإشكاليات المتعلقة بالقيم: الفارق بين الأخلاق والقيم وأخلاقيات العلم، القيم بين الكونية والخصوصية أو النسبية الثقافية والعالمية الثقافية، القيم بين العلم والدين، وتحديد نوعية السياق المرشد لتلك الاختيارات القيمية

                       الانفتاح بين الحقول المعرفية والتخصصات العلمية. 

 

v                 في كيفيات تفعيل القيم:

بدءًا من تحديد مفهوم “التفعيل”: فقد وردت له خلال فاعليات الدورة مفهومات متعددة ومتباينة أهمها:

1.                استحضارها في الأذهان والوجدان وفي المناقشة العلمية، وفي نقد العلوم، وفي عمليات الإصلاح.

2.                التفعيل بمعنى التأصيل: أي تجلية معنى القيم من منظور إسلامي.

3.                التفعيل بمعنى التطبيق على السلوك.

4.       التفعيل في الدرس العلمي على مستويين: نقد فلسفة العلم العامةفي كل تخصص، والتفعيل البحثي (في العملية البحثية والمكونة لبحث علمي).

وقد شهد ذلك على المستوى العملي في الدورة شدًا وجذبًا وتراوحًا، بين التفعيل في السلوك، وفي رؤية القضايا الواقعية، وبين التركيز على المنهج.

فعلى صعيد تفعيل القيم في الفكر الغربي، تختلف وتتباين أنماط التعامل مع القيم؛ حيث يرى أحد الاتجاهات (وهو ما ساد التعامل به مع القيم في العلم الاجتماعي) ضرورة تنحية كل الأفكار والقيم والمعايير الذاتية المسبقة لأنها بمثابة قناع أو ستار بين الوقائع الاجتماعية والحقيقة (دوركايهم). بينما يرى اتجاه آخر أن القيم والمفاهيم تستخدم بشكل خاص في كل مرحلة تاريخية وفي إطار سياقها الفكري والواقعي (فوكو).

وعلى مستوى التأصيل لمفهوم القيم – في ظل الحالة العلمية الحديثة والمعاصرة- تم تفعيل قيم المدنية والحداثة الغربية في نطاق حضاري وجغرافي محدد بينما أُهملت على نطاق ما هو خارجها خلال حركة الاستعمار الغربي للعالم، ثم في إطار عولمة القيم الغربية.

ويؤكد واقع التطورات والمراجعات التي تشهدها كافة فروع المعرفة (الاجتماعية والطبيعية)، وإن كان بدرجات متفاوتة، العودة القوية للقيم التي طالما كانت عنصرًا أساسيًا مفتقدًا في مناهج النظر والتناول والتعامل مع الظواهر الإنسانية والاجتماعية المختلفة، واستشراف مستقبل هذه العلوم يؤكد أنه على أصحاب كل إطار ومنظور حضاري أن يدلوا بدلوهم (كلٌ في مجاله المعرفي) للحد من انحراف وأخطاء التعامل والتنظير لمنظومة القيم الأجدر بالتفعيل العلمي والبحثي وفق إطارهم المرجعي المحدد ونسقهم القيمي الخاص. مع الوعي التام بمساحات التعميم الخاصة بالقيم كعنصر أخلاقي حاكم لتعامل الباحث العلمي في تخصصه مع الظواهر والأبعاد المختلفة التي لا تكاد تنفك عن القيم.

وقد تم التأكيد خلال الدورة على ضرورة تفعيل القيم لتحقيق التكامل والوحدة المعرفية بين مختلف فروع ومجالات العلوم الاجتماعية والطبيعية (التي لاتلغي التمايز بين هذه الحقول المعرفية ولا تخلط بينها، لكنها لا تؤيد الحدود العازلة بينها)؛ حيث إن تفعيل القيم هو محك الخروج من “أزمة الثلاث ثقافات” أي الانغلاق والاستعلاء البادي في العلاقة بين: ثقافة العلوم الطبيعية، وثقافة العلوم الاجتماعية، وثقافة العلوم الشرعية. وهو ما لن يحدث إلا بانفتاح كل فرع منها للفروع الأخرى ضمن ثقافة معرفية تكاملية موسوعية وصلة الرحم العلمية بين التخصصات المختلفة لتجديد أصول العلم.

ولعل من أهم مداخل تفعيل القيم في البحوث والدراسات الاجتماعية هو النظر للقيم وفق رؤية معرفية منظومية تتيح للباحث القدرة النقدية للعلوم القائمة لتقصي الأبعاد الغائبة عنها، وأهمها في هذا السياق البعد القيمي، والقدرة على تأصيل وتفعيل هذا البعد.

وقد طرحت بعض محاضرات الدورة وأوراقها بعض أنماط التعامل مع القيم في البحث الاجتماعي من منظورات مختلفة: فعلى سبيل المثال: طرحت المحاضرة المقدمة حول “استنباط القيم من السيرة” -استفادة من السيرة النبوية وقياسًا عليها- الخطوات التالية:

           رصد الأبعاد القيمية، بجانب الأبعاد غير القيمية، في الظاهرة الإنسانية والاجتماعية.

           وصف وتصنيف ثم تحليل الظواهر، وبيان ما هو قيمي منها وما هو غير قيمي.

           تفسير الظواهر بعوامل قيمية وغير قيمية.

           تقييم السلوك قيميًا (من خلال الاعتبار بالسيرة كنسق قياسي).

وبالتالي، فبينما قد يُقصِر البعض معنى تفعيل القيم في البحوث والدراسات على التطبيق على سلوك الباحث وأخلاقيات البحث العلمي،كان هدف هذه الدورة ومحتواها يهدف إلى تفعيل القيم بمعنى أن نستخدمها كمنظور أو مدخل أو أداة لدراسة الظواهر على خلاف المدارس التجريبية التي تُنحي القيم من دائرة البحث العلمي موضوعًا ومنهجًا.

 

(*) باحثة بمركز الحضارة للدراسات السياسية.



 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى