قضايا المرأة.. من وطنية المنطلقات إلى عولمة الأجندات

قضية المرأة والنهوض بأوضاعها لا تنفصل عن البرامج التنموية التي يتم من خلالها تحويل تلك الغاية لواقع ملموس، ولا تنفصل عن التشريعات التي تتغير لتوافق ذلك.

وهناك العديد من العوامل التي تتداخل مع عملية التغيير ومسارها واتجاهها: فهناك مسألة التشريع والدور الذي تلعبه جماعات المصلحة التي تضغط لتغييره، وتشكيل النخب الفاعلة داخل هذه الجماعات (والنخب والجماعات البديلة المحجوبة)، وهناك المصالح الخارجية والاتفاقات الدولية التي تفرض إعادة تشكيل القوانين الوطنية وما يتداخل معها من عملية التفاوض التي تتم عبر الأجهزة الرسمية من أجل المشاركة في صياغة المواثيق الدولية حال صناعتها، وهناك دور المجتمع المدني الأجنبي في دعم توجهات بعينها وبناء شبكات تحالفات دولية في ساحات المجتمع المدني العالمي، وغيرها من هموم صياغة الأنساق الاجتماعية والقانونية، المحلية والدولية.

القضية -بحق- أكبر من حدود مقال أو دراسة، بيد أن إثارة قضية التمويل الأجنبي للبرامج التنموية التي تعيد تشكيل الواقع على أرضية حياة الناس اليومية تستحق تحليلا أوليًا نجتهد في تلمس أبعاده.

ولعل أهم هذه الأبعاد تشابكات السياق العالمي والوطني الذي أفرز قضية التمويل الأجنبي في مجال قضايا المرأة، وعواقب هذا التمويل ودلالاته، وأبعاد المقارنة بين النموذج التغريبي الذي يحمله التمويل الأجنبي معه ويسعى لفرضه وبين النموذج الحضاري الإسلامي الذي ينبع من واقعنا ورؤيتنا الوجودية، والذي قلما يجد من يدعمه ماليًا، وإذا وجد فما تلبث حسابات التنافس السياسي والتحزب أن تُحجِّم دوره لتلقي السياسة بظلالها على الاجتماع الإنساني، ويصبح التساؤل: ما هي البدائل اللازم توفيرها لتقليص الاعتماد على التمويل الأجنبي وتحقيق تنمية مستديمة ووطنية، وأفق ذلك على أية حال في ظل تضاؤل الهامش الديمقراطي الراهن الذي هو شرط أي مشروع نهضوي مستقل؟.

التمويل وسياسات العولمة

ليس جديدًا القول بأن السياق الذي أفرز التمويل الأجنبي في مجال المرأة هو سياق العولمة، فنحن في مرحلة عولمة قضية المرأة منذ الربع الأخير من القرن العشرين، وذلك بعد أن شهدت القضية -منذ نهاية القرن الـ 19 وبداية القرن الـ 20- مرحلة عصر التحديث ثم عصر ما بعد الاستقلال الوطني، وأثرت طبيعة كل مرحلة على تنوع وتطور خطابات وأفكار تحرير المرأة، وعلى درجة التدخل الخارجي وشكل العلاقة بين الاتجاهات والقوى الاجتماعية والثقافية في عالمنا العربي والإسلامي، ثم صار لمرحلة العولمة أيضًا خطابها، وبرز التأثير الخارجي على قضية المرأة في ظل العولمة، فلقد كان اختراقًا من قبل الكتلة الرأسمالية العالمية التي قادتها الأمم المتحدة، والتي أرادت أن تقنن مذهبها لتلتزم به دول العالم فيما يتصل بتغيير أوضاع المرأة لتتوافق مع احتياجات السوق العالمية، وما ينشده من تفكيك للقيم وللوحدات الاجتماعية التي تدعم الفرد كي يقف وحيدًا أمام السوق، بل ولتصبح المرأة ذاتها سلعة في كثير من قطاعات هذه السوق الخدمية.

ولم يكن التمويل الأجنبي إلا إحدى أهم آليات وسبل هذا الاختراق الخارجي المقنن تحت راية الشرعية الدولية لإعادة رسم خرائط المجتمعات في شتى أنحاء العالم، بما استنفر قوى مناهضة العولمة سواء أستندت لأفكار أيدلوجية أم دينية أم قومية؟.

ولقد تعددت الأجهزة والمؤسسات والوكالات الدولية المانحة المرتبطة بسياسات الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، وبالمنظمات الإقليمية المتعاونة معها. وكان مجال عملها في هذه الحالة هو الثقافة والمجتمع من خلال مدخل المرأة و”جندرة” أجندتها إعلاءً للفردية وللسوق الرأسمالية على ما عداه من معايير التحرر. وفي المقابل، لم تعدم الساحة الوطنية – ظهور مراكز قوى ثقافية واجتماعية راغبة وقادرة على التعاون والتمرير لتلك الأجندات ودعمها والترويج لها، ناهيك عن الحكومات ذاتها التي تسعى لتأكيد اندماجها في النظام العالمي، من خلال قبول سياساته العولمية، سواء في التجارة أو حقوق الإنسان أو المرأة. وبذا، لحق بمجموعة مراكز القوى الاقتصادية والمالية التي ارتبطت بالنظام الرأسمالي العالمي منذ موجة سياسات الانفتاح والتحرير والليبرالية التي اجتاحت العالم الثالث منذ أواسط السبعينيات، لحق بها معها مجموعة أخرى من مراكز القوى الثقافية والاجتماعية التي تتحالف بدورها مع مؤسسات دولية تضع وتطبق برامج وسياسات دولية خاصة بتغير أوضاع المرأة.

ويتجلى عبر فهم وتحليل هذا الوضع أكثر من دلالة ومغزى وعاقبة.

فالدلالة المعنوية والرمزية لما يتم تشير إلى العجز؛ حيث إنه ليس بمقدورنا أن نغير أوضاعنا الداخلية بدون مساعدة من الخارج، كما يظل لهذا التدخل الخارجي من خلال التمويل الأجنبي آثار أخرى متعددة الجوانب تتلخص وتتمحور في خيط أساسي وهو انطلاق البرامج والسياسات الممولة من الخارج، وتأسيسها على مرجعية وأجندة غربية تربط التنمية والتحديث بالاقتراب من الثقافة والنموذج المادي العلماني الحداثي الغربي والمنظومة المعرفية السائلة للنظام العولمي.

كيف؟

ببساطة نجد أهم خصائص النموذج الغربي الخاص بالمرأة في المظاهر التالية للخطاب النسوي الصاعد:

– الوضعية الفلسفية (فصل الدين عن المجال العام برمته)، تقديم المادي والاقتصادي والفرداني (ونقض المعنوي والقيمي والجمعي).

– الاختزالية الجزئية (الاقتطاع من السياق العمراني الحضاري وعدم اعتبار المرأة ظاهرة اجتماعية إنسانية مركبة).

– العولمة على المثال الغربي (بعيدًا عن خصائص البيئة والتقاليد الثقافية والاجتماعية)… وهذه الخصائص يعبر عنها مضمون مفهومي الحرية والمساواة في تعريف التجربة الغربية.

فعلى سبيل المثال وليس الحصر يمكن تفكيك الخصائص السابقة في التعبيرات التالية التي يعرفها الخطاب العولمي عن المرأة:

– النظر إلى الدين كمعوق لنمو المرأة، فالحجاب بالضرورة تهميش وعزل.

– الفردية المطلقة والحرية الكاملة ورفض توصيف المرأة بنسبةً كونها أمًّا أو زوجةً أو أختًا أو ابنة.

– الحط من دور المرأة في الأسرة أو في “النشاط بدون مقابل مادي نقدي”؛ حيث أضحى العمل خارج المنزل وبأجر هو أساس تأكيد الاستقلالية وأساس المكانة؛ لأن الأبعاد المادية الاستهلاكية هي معيار الفاعلية والإنجاز، ذلك في ظل النسبية المفرطة تجاه القيم الأخلاقية والمعنوية، والوفاء بمسئولياتها عنف وانتهاك ومصادرة لـ”إنسانيتها” التي صارت أسطورة فردانية من غير المقبول مراجعتها.

– ومن ثم أيضًا وفي مقابل الاهتمام بالحلول القانونية لمشاكل المرأة، مثل حق الطلاق والخلع (مع اجتزائهما من الشريعة دون تطبيق أو تفعيل باقي النسق القيمي التي تنبني عليه)، فلا تؤخذ في الاعتبار عواقب الأزمات العائلية التي تتنامى في ظل عمليات التحديث المتسارعة على تماسك المجتمع، بل وتنامي معدلات الانحراف والعنف المجتمعي، كما لا تؤخذ في الاعتبار المسئولية المجتمعية والأسرية المحيطة بعقود الزواج؛ حيث تزايدت الاتجاهات نحو العقود المدنية التي تعكس فقدان الثقة وتراجع الجانب العاطفي المعنوي والأسري أمام الجوانب المادية والطابع الثنائي الضيق.

– المعنى الشكلي لشعار المساواة في المجتمعات الفقيرة، فكيف يمكن أن تتحقق المساواة ومع مَنْ في ظل التخلف وتدهور مستوى الحياة؟

– وبالمثل فإن المشاركة السياسية محل الاهتمام ليست إلا مفهومًا ضيقًا محدودًا، يقصر المشاركة المطلوبة للمرأة على حق الترشيح والانتحاب وتولي المناصب العليا، في حين أن مجتمعاتنا تعاني من أزمة مشاركة سياسية ليست قاصرة على المرأة، ولكن يعاني منها الرجل أيضًا وبالأساس. هذا فضلا عن أن المشاركة يمكن أن تتخذ معنى أكثر اتساعًا يمتد إلى المشاركة في المجتمع المدني والمجال العام بكل مساحاته، وليس في النظام الرسمي فقط.

– ظهور مفاهيم وخطابات جديدة مراوغة ولزجة لم يكن يعرفها الخطاب العربي والإسلامي، مثل الحقوق الإنجابية، الثقافة الجنسية، يتم كشف مغزاها رويدًا رويدًا لتعني حرية الجنس والجسد، ليس فقط للمرأة داخل الأسرة بل للمرأة كفرد، بل للمراهقين أيضًا.

وفضلا عن التعبيرات السابقة للخطاب العلماني وحركته التي تحيط ببرامج التمويل الأجنبي، والتي تعكس خصائص نموذجه المعرفي والقيمي، فإن خبرة هذا القطاع من المجتمع المدني، إنما تقدم دلالات ذات أبعاد سياسية أيضًا، فتشير هذه الأبعاد إلى قدر التحيز وعدم الديمقراطية التي صارت عليها ممارسات المجتمع المدني، وذلك في نفس الوقت الذي من المفترض فيه أن يكون هذا المجتمع المدني من دعائم التحول الديمقراطي المأمول في مجتمعاتنا. بعبارة أخرى فإن التفاعلات حول قضية المرأة وما تظهره من استقطاب حاد بين الاتجاهات والقوى المتنوعة تمثل ساحة هامة لبيان قدر تأثير السياسة على تجربة المجتمع المدني والمفهوم المنقوص عن التحول الديمقراطي والمجتمع المدني؛ حيث يظهر جليا التحيز الذي تعاني منه بعض القوى والاتجاهات، وهو الأمر الذي يمثل في حد ذاته البوصلة التي يتحرك بموجبها التمويل الأجنبي: فلمن يذهب؟ وعمن يعرض ويتحول؟

من ناحية: في مقابل علو الصوت الراديكالي النسوي الذي يلقى المساندة من الحكومات ومن المؤسسات الدولية، يغيب خطاب إسلامي فاعل لانشغاله بالدفاع ضد ما يتعرض له من انتهاكات حقوق الإنسان ولانشغاله بالبحث عن مصادر التمويل اللازمة.

ومن ناحية أخرى: وفي حين يتدعم التحالف بين الرافد النسوي العلماني وبين الحكومات، يظل القطاع المدني من التيار الإسلامي محرومًا من الدعم نظرًا لربطه من قبل النظم الحاكمة بل وأجهزتها الأمنية مع المعارضة السياسية “المحجوبة عن الشرعية” والمتهمة بالعداء للغرب. فعلى سبيل المثال رفض صندوق مؤتمر بكين تمويل جمعيات إسلامية أرادت المشاركة في المؤتمر، ولم يتوافر لها الموارد التي توافرت للدوائر “النسوية”، وكلما تزايد الهجوم على الحركات الإسلامية وحظرها بصفة عامة قلت قدرة القطاع المدني من التيار الإسلامي على المشاركة. ومن ثم تظل الساحة مفتوحة أمام “النسويات” فقط اللاتي يتصدّرن المواقع، ويشاركن في المؤتمرات الدولية بلا منافس، باعتبارهن المدافعات بمفردهن عن حقوق المرأة في مواجهة “التيارات الظلامية”، ونظرًا لهجومهن الشديد على موقف الإسلاميين من المرأة تتم مكافأتهن بالمناصب السياسية وشبه الرسمية.

وفي المقابل ، يتبلور ويتنامى -ولكن بهدوء وبعيدًا عن الأضواء والاهتمام- دور نشط لسيدات مسلمات نشطن على صعيد العمل الأهلي في مجال دعم المرأة وفقًا لمنظور حضاري إسلامي، هو دور لا يرى الحجاب رمزًا للضغط أو القهر أو العزلة أو التهميش، ولكن يمثل وسيلة للتمكين ولحرية الحركة ولتوسيع دائرة النشاط؛ لأن الإسلام في نظرهن إنما يؤكد تحرير المرأة وفعاليتها، كما أن الإسلام بأحكامه وقيمه وسننه وخبرات تاريخه إنما يقدم لهن نموذجًا معرفيًا وإطارًا مرجعيًا ينطلقن منه ويتبنين وفقًا له منظورا حضاريا إسلاميا.

وتتلخص أسس هذا المنظور فيما يلي:

* الوعي بالمرجعية الإسلامية وخصوصيتها من حيث الثابت ومن حيث المتغير.
* الهوية، والوعي بالذات المرتبط بالأمة دون انفصال عنها.
* الانفتاح على التفاعل مع الخصوصيات الأخرى دون الاستلاب أو التبعية من ناحية وفي ظل استمرار التواصل مع التراث دون تقليد أعمى أو جمود أو ضغوط.
* الجماعية كإطار لتوظيف الإبداعات الفردية والذاتية دون إفراط في الحرية الفردية ودون انسحاق في الجماعة.
* الوسطية بين الإنتاجية المادية وبين القيمة المعنوية الأخلاقية.

وعلى ضوء هذه الخصائص للأصوات الإسلامية النسائية الصاعدة يمكننا:

أولا: أن نستقرئ 4 مستويات مترابطة وفق منظومة من القيم تعرف وتحدد وضع المرأة ككيان إنساني واجتماعي في علاقة حميمة مع: الأمة والمجتمع والأسرة ومع الآخر، تنفي هذه العلاقة المفهومَ التجزيئي الانسلاخي عند تشخيص مشاكل المرأة وتحديد سبل العلاج.

ثانيًا: تعكس هذه الخصائص وتستبطن قيم العدل، والحق المقترن بالواجب، أكثر مما تستبطن مفهومي الحرية والمساواة.

ثالثًا: تقود هذه الخصائص إلى مقاصد الشريعة النابعة من الإطار المرجعي التوحيدي.

رابعًا: يتبلور كل ما سبق في الرؤية الإسلامية التجديدية عن الحجاب، التعليم، المشاركة السياسية، العمل المهني، الأحوال الشخصية، الحرية الشخصية. ففضلا عن الجدال بين المنظور النسوي العلماني والمنظور الإسلامي حول هذه القضايا، وهو الجدال الذي يعكس اختلاف الأطر المرجعية ومنظومة القيم، فإن روافد التيار الإسلامي لا تتطابق في اجتهاداتها حول وضع المرأة. وهو الأمر الذي يستغله التيار العلماني ليضيفه إلى هجومه على مواقف الإسلاميين من المرأة رغم انقسامه هو ذاته بين مدارس أيدلوجية وأجنحة شتى متنازعة ومتنافسة.

إن الجمعيات أو المراكز التي تحمل بذور وثمرات فكر هذا المنظور الحضاري الإسلامي تقوم بدورها على ساحة المرأة دون تمويل أجنبي من المؤسسات الدولية، ودون دعم أو مساندة رسمية وطنية تداني ما تلقاه نظائرها “العلمانية”، ودون أن تقدر على التأثير إلا بصعوبة شديدة، وفي أضيق الحدود (كما حاولت في مؤتمرات القاهرة وبكين وبكين+5)، ودون أن تقدر على الائتلاف والتجمع خوفًا من الاتهامات السياسية، ودون أن تتوافر لها الخطط والكوادر والموارد اللازمة لتفعيل دورها، ودون أن تسلط عليها الأضواء الإعلامية.

من نماذج الريادة للمرأة المسلمة: د. زهيرة عابدين

في مايو 2002 فقد أطباء مصر أمهم الفخرية: أ.د. زهيرة عابدين أم الأطباء والرائدة في مجال العمل الطبي الأهلي والخيري التطوعي في مصر والعالم العربي والإسلامي.

– كانت العالمة المتخصصة البارزة “ذات الحجاب” منذ وقت مبكر لم يكن قد شاع فيه الحجاب بعدُ كما حدث منذ الثمانينيات.

– كانت العالمة التي امتد علمها إلى نطاق عملها الأهلي التطوعي، فحققت الجمع بين قيمتين عظيمتين: العمل الأكاديمي والعمل الأهلي.

– كانت المصرية الوطنية الصادقة دون أن تفقد الصلة مع الأمة، فلقد كان همُّ المسلمين في كل مكان شاغلها الأساسي، بقدر ما كان يشغلها همُّ المصريين.

– كانت المحافظة على تقاليد ثقافتها بقدر انفتاحها على أرجاء العالم، حيث ذهبت هنا وهناك مكرمّة أحيانًا، وخادمة للهدف الإنساني أحيانًا كثيرة.

– كانت الأمَّ لأبنائها وبناتها.. وكانت الأم والمقصد لكل الساعين لتجميع الجهود في مجال العمل الإسلامي المتنوع.

– كانت الإنسانة الداعمة لأعمال الخير التي تلبي الاحتياجات الأساسية للفقراء، وكانت المربية الواعية لأهمية العقل والفكر أيضًا، فكانت المدارس الإسلامية إلى جانب الملاجئ والمستشفيات والمشاغل ثمرةَ سعيها.

– كانت الناشطة في تعبئة الموارد الوطنية والعربية والإسلامية اللازمة لأعمال الخير والفكر والعلم، وكانت الواقفة أموالها لهذه الأعمال داخل وخارج مصر.

– كانت كل هذا، ولم تكن تحت الأضواء التي سلطت على من هن أقل علمًا وفكرًا وحسًا ووطنية وإخلاصًا.

إنها خبرة النموذج الذي نحتته “أم الأطباء” بجدارة وإخلاص في مجال العمل الأهلي.

ولا يحضرني فقط رمز المرأة بل أيضًا ما نشهده من نشاط جماعي، مثل جمعية دراسات المرأة والحضارة بالقاهرة برئاسة أ.د. منى أبو الفضل أستاذة كرسي زهيرة عابدين للدراسات النسوية في جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بواشنطن.

ولعلي أصل للقول بأن خبرة حياة د. زهيرة عابدين تقدم النموذج لأمرين أساسيين:

الأول: إن المرأة المسلمة مدخل أساسي للتغيير في مجتمعاتها، سواء أكانت فاعلا أو مفعولا أو متفاعلا، ولقد كانت زهيرة عابدين فاعلا أساسيًا سعَى لتجديد طاقات النموذج الحضاري الذي نبت في ظل قيمه وتقاليده، فربطت بين العمل الخيري والعمل الفكري لتؤكد أهمية الربط بين القدرات المادية وغير المادية.

الثاني: إن هذا التجديد اعتمد على الجهود والموارد الوطنية المصرية والعربية والإسلامية. فأثبتت أن الزكاة والصدقة والوقف يجب ألا تتجه إلى الأعمال الخيرية “التقليدية”، ولكن يجب أن يتسع نطاقها ومداها لتمتد للأعمال الإنتاجية، وللأنشطة الفكرية والبحثية، كما أن الجهود يجب ألا تظل فردية، ولكن يجب أن تصبح جماعية، وتتخذ أطرًا مؤسسية.

هذه خواطر أردت منها أن تذكرنا بأن الواقع النسائي الإسلامي ليس راكدًا بل حي متفاعل، وما ضربت إلا نموذجا، والأمثلة كثيرة ومشرفة، لكننا نقصر في دراستها وتقديمها ودعمها بل والترويج والتسويق لها، كما يفعل الغرب ببضاعته وناسه، وليس ذلك عن عجز في الإمكانات أو الكفاءات، بل ربما -أساسا- عن عجز في الهمة، ووهن في التدبير..

نشر في موقع إسلام أون لاين بتاريخ الإثنين, 04 أغسطس 2003

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى