ثمار شد الأطراف: سياسة إسرائيل تجاه أفريقيا

مقدمة

أدَّى الجوار والتداخل الجغرافي بين المنطقة العربية والقارة الأفريقية إلى جعل الساحة الأفريقية (أرضًا وبشرًا) مجالًا للتنافس بين طرفي الصراع العربي-الإسرائيلي الرئيسيَّيْن (العرب/إسرائيل)، ومرآة عاكسة لتطورات الصراع العربي-الإسرائيلي، وشاهدًا رئيسًا على توازنات القوى الشاملة بين الطرفين.
وإجمالًا حظيت أفريقيا بأهمية لصانعى القرار اليهود والحركة الصهيونية منذ ما قبل قيام دولة إسرائيل عام 1948م لأسباب عديدة سيرد ذكرها. وشهدت العلاقات الإسرائيلية-الأفريقية منذ قيام دولة الكيان الصهيوني عام 1948م إلى الوقت الراهن موجات من المدِّ والجزر، ارتبطت شدَّةً وضعفًا –في جانب كبير منها- بمدى ثقل الوجود العربي وقدرته على الحفاظ على تماسك نواته الصلبة من ناحية، وتحصينها ضدَّ مساعي الالتفاف حولها أو جذب أطرافها من ناحية أخرى.
ويسعى هذا التقرير إلى التعريف بسياسة شدِّ الأطراف الإسرائيلية على الساحة الأفريقية ودوافعها، والوقوف على الخطوط العريضة والملامح العامة لأدواتها، وصولا إلى تقييم ثمار تلك السياسة وآفاقها المستقبلية في ضوء الثابت والمتغير في تلك السياسة.

أولًا- التعريف بسياسة شد الأطراف ودوافعها

يشير اصطلاح سياسة “شد الأطراف” التي تمَّ طرحها في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين من خلال أول رئيس وزراء إسرائيلي، ديفيد بن جوريون، إلى أحد اتجاهين رئيسيَّين في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي تبلورَا مع قيام الدولة الصهيونية في أولويات مواجهة التحديات الإقليمية المحيطة بالدولة، بهدف تأمين الوجود الإسرائيلي ومواجهة تيار العروبة الذي كان سائدًا آنذاك، وتعويض المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية من جانب العالم العربي(1).
وقد استهدفت تلك السياسة مدَّ جسور التعاون الأمني والاستخباراتي مع بعض الدول والأقليات في المنطقة، التي تمثل شركاء محتملين لإسرائيل من بينها: النُّظم العربية التي رأت في تيار القومية العربية تهديدًا لها، والدول الإسلامية غير العربية في محيط الشرق الأوسط التي لم تكن إسرائيل في صراع مباشر معها، أو كانت على علاقة غير ودية مع الدول العربية وتمثَّل نموذجها الأساسي في تركيا العلمانية، وإيران الشاه، والدول غير العربية وغير الإسلامية (ونموذجها إثيوبيا هيلاسلاسي)، وكذلك مع الأقليات العرقية والدينية، مثل الموارنة في لبنان والأكراد في العراق، وقبائل وحركات جنوب السودان (إنيانيا ومن بعدها الحركة الشعبية)، والبربر في المغرب(2).
وقد واجهت سياسة شدِّ الأطراف انتقادات من الداخل منذ البداية، حيث شكَّك البعض في جدواها، باعتبار أنها تقلِّص احتمالات السلام مع دول الجوار العربية، وأن الأفضل تركيز الجهود على التوصُّل إلى سلام مع الدول العربية(3). في المقابل تمسَّك بن جوريون بسياسة شدِّ الأطراف التي مثَّلت -بالتساند مع ثلاثة أضلاع أخرى (التحالف مع قوة عظمى، والاستقطاب السريع لليهود من جميع أنحاء العالم، وتطوير رادع نووي)- ركيزة أساسية للسياسة الإسرائيلية، فيما أسماه البعض تاليًا بـ”الاستراتيجية الكبرى”(4).
ومنذ البداية ولارتباطها بالأمن القومي للدولة اليهودية أسندت مهمة القيام على تنفيذ تلك السياسة للأجهزة الأمنية وعلى رأسها جهاز المخابرات (الموساد) بإشراف مباشر من مكتب رئيس الوزراء(5).
وتجدر الإشارة، إلى أن بن جوريون وغيره من أنصار سياسته لم يعتبروا “سياسة شدِّ الأطراف” غاية بذاتها، بل استراتيجية مؤقَّتة غايتها كسر العزلة المفروضة عليها من الدول العربية، وتستمر ما استمرَّ رفض الدول العربية الاعتراف بإسرائيل وتحقيق السلام معها(6).
وإذا كان كسر العزلة المفروضة من الدول العربية على إسرائيل والحيلولة دون قيام تكتل (عربي–أفريقي) ضد إسرائيل، هو الدافع العام لمساعي إسرائيل مد جسور التواصل مع دول وأقليات الأطراف في كل من آسيا وأفريقيا، فإن دوافع الاهتمام الإسرائيلي بدول القارة الأفريقية تمثَّلت إجمالا في:
– الحاجة لاعتراف الدول الأفريقية لكسب الشرعية السياسية والقانونية، وهو ما عبَّر عنه صراحة “أبا إيبان” وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق بقوله: «لقد كانت إسرائيل في أمسِّ الحاجة إلى إنشاء علاقات مع أفريقيا تضمن منح أصوات التأييد لإسرائيل في المحافل الدولية، (……) لكي تحول دون تدهور مركزنا وعزلتنا في الجمعية العمومية للأمم المتحدة»(7). وهو ذات المعنى الذي أكَّد عليه بن جوريون من أن “الدول الأفريقية ليست غنية، ولكن أصواتها في المحافل والمؤسَّسات الدولية تعادل في القيمة تلك الخاصَّة بأمم أكثر قوة”(8).
– الرغبة في إيجاد موطئ قدم في الدول القريبة من مضيق باب المندب لما يعنيه من أهمية استراتيجية واقتصادية بالنسبة لحركة التجارة الإسرائيلية مع دول الشرق الأقصى وجنوب أفريقيا. وهو ما يفسِّر مركزية إثيوبيا وأهمية دول القرن الأفريقي بصفة عامَّة في سياسة “شدِّ الأطراف” الإسرائيلية(9).
– السعي إلى استقطاب دعم وتأييد الجاليات اليهودية الموجودة في بعض الدول الأفريقية العربية وغير العربية مثل: المغرب، وجنوب أفريقيا، وإثيوبيا، وزيمبابوي، وكينيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية(10).

ثانيًا- سياسة شد الأطراف: الوسائل والأدوات

لقد كان انعقاد مؤتمر “باندونج” بحضور 29 دولة أفريقية وآسيوية وعدم دعوة إسرائيل لحضور المؤتمر بمثابة جرس إنذار للسَّاسة الإسرائيليِّين بمخاطر النأي عن أقاليم ودول القارة، وقد عبَّر عن ذلك بوضوح ديفيد بن جوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي -آنذاك- بتأكيده على ضرورة كسر الطوق العدائي مع العالم العربي وبناء جسور مع الدول الناشئة في قارة أفريقيا بما يحول دون تكرار تجربة “باندونج”(11). وبناء عليه عمدت إسرائيل إلى توثيق علاقاتها بدول القارة عبر حزمة من الأدوات في إطار سياسة “شد الأطراف”، منها:
أ) الأدوات الثقافية والسياسية:
– الربط بين ظروف نشأة الدولة العبرية، والظروف التي مرَّت بها الأقطار الأفريقية(12)، وتنظيم الزيارات لوفود الدول الأفريقية للتعريف بجوانب النهضة والتحضُّر في إسرائيل والتأكيد على الروابط الثقافية والدينية بين إسرائيل والدول الأفريقية لاسيما المسيحية، بل ذهب البعض إلى القول بأن دعم إسرائيل ركن من أركان صحة العقيدة المسيحية ومحبة المسيح(13).
– مد الجسور مع أحزاب أفريقية عن طريق الأحزاب الاشتراكية الغربية والمنظمة الدولية الاشتراكية، وبخاصة الحزب الاشتراكي الفرنسي، والمسارعة إلى الاعتراف باستقلال دول القارة وتبادل التمثيل الدبلوماسي معها، الأمر الذي تسارعت وتيرته خلال مرحلة الستينيات من القرن العشرين والتي مثلت الحقبة الذهبية للسياسة الخارجية الإسرائيلية في القارة الأفريقية حيث بلغ عدد البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في القارة نحو 32 بعثة في أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات، تمثل نصف البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية الخارجية ككل(14).
– إرسال برلمانيِّين وأكاديميِّين إلى دول أفريقية مختلفة، وذلك لتعويض عدم الحضور الإسرائيلى الرسمي في الأرض في المناطق التى لا توجد فيها بعثات رسمية إسرائيلية وتفعيل دور الدبلوماسيِّين في الأمم المتحدة وواشنطن لتعويض غياب البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في بعض الأقطار الأفريقية(15).
– تحريك المنظمات غير الحكومية والتطوُّعية الإغاثية لتتعامل مع الأنواع المختلفة من الأزمات الأفريقية كالفيضانات في موزمبيق والتصحُّر في منطقة القرن الأفريقى، والعمل الدؤوب والمستمر للدبلوماسية الإسرائيلية لتنفيذ هذه الاستراتيجية(16).
– إقامة علاقات شخصية مع الحكَّام الأفارقة، من أبرزهم ليوبولد سنجور (أول رئيس للسنغال) وهوفييه بوانييه (أول رئيس لساحل العاج)، وهيلاسلاسي )إمبراطور إثيوبيا(،الذي كان يرى نفسه من سلالة اليهود، وفريدريك شيلوبا (زامبيا)، وجومو كينياتا أول رئيس لكينيا، ووليام تويبمان الرئيس الليبيري الذي يُعد رئيس أول دولة أفريقية تعترف بإسرائيل، وكان يفتخر بعلاقته مع الكيان اليهودي، وأيضًا جوزيف موبوتو رئيس زائير (الكونغو الديمقراطية) الذي وصل إلى السلطة بدعم إسرائيلي، والرئيس جناسينجبي إياديما ومن بعده ابنه فور جناسينجبي أياديما (توجو)، وكذا الحال مع أسياسي أفورقي (إريتريا). وكذلك يوري موسيفيني (أوغندا)، وأوهورو كينياتا (كينيا)، وجون جارنج ومن بعده سيلفا كير (جنوب السودان).
– تطوير العلاقات مع الحركات العمالية الأفريقية، والتي كان قيامها قد سبق استقلال الدول الأفريقية، بتوسيع شبكات الاتصالات معها، وتقديم المساعدة في تنظيم هياكل عدَّة اتحادات، منها اتحاد عمال كينيا، واتحاد عمال غانا، واتحاد عمال إثيوبيا، وتقديم المنح الدراسية للكوادر العمالية الأفريقية المتقدمة للدراسة والتدريب في إسرائيل(17).
ب) الأدوات الاجتماعية والاقتصادية:
– مد جسور الصلة مع يهود القارة، عبر تنظيم دورات تدريبية وزيارات ليهود أفريقيا إلى إسرائيل، وتوظيف ذلك الوجود بما يخدم المصالح الإسرائيلية.
– دعم العلاقات مع جماعات أفريقية منتقاة داخل دول القارة، ومساندتها إذا كانت تشكِّل قاعدة للسلطة القائمة المتعاونة معها (جماعة الأمهرة في إثيوبيا)(18). أو تقوم بمساندتها إذا كانت خارج السلطة السياسية لإشاعة حال من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي في دولة معادية لإسرائيل، (مثال دعم حركات المعارضة في جنوب السودان).
– دراسة الأسواق الأفريقية للتعرُّف على أوضاعها وطاقتها الاستهلاكية، من خلال بعثات تجارية ودراسات ميدانية، بما أسهم في تكوين قواعد بيانات عن دول القارة المعنيَّة من حيث التركيب الاقتصادي وظروفه واحتياجات أسواقه من السلع(19).
– عقد الاتفاقيات التجارية وتقديم التسهيلات المالية والقروض والائتمانات لتمكين الدول الأفريقية من استيراد السلع من إسرائيل، وإقامة المعارض والمؤتمرات التي تُنظَّم في القارة الأفريقية أو في إسرائيل من أجل الترويج للمنتجات الإسرائيلية والتجارب الإسرائيلية في المجالات الزراعية والصناعية(20).
ج) الأدوات العسكرية والأمنية:
وتتمثل في عدَّة صور، من أبرزها:
– اتفاقيات التعاون الأمني والعسكري مع الدول الأفريقية، وإيفاد البعثات العسكرية والأمنية والمستشارين بأعداد كبيرة، من أجل تدريب الجيوش الأفريقية وتنظيم بعضها واستقدام الأفارقة للتدريب والدراسة في المعاهد العسكرية الإسرائيلية.
– تصدير الأسلحة المصنوعة في إسرائيل إلى الدول الأفريقية، وما يصاحبها من اتفاقيات صيانة وتزويد بقطع الغيار وفرق التشغيل والتدريب جعل من تلك الصفقات أداة أساسية من أدوات إسرائيل في كسب ودِّ النُّظم الأفريقية المستعينة بها أو قوى المعارضة المناوئة للنُّظم المعادية لإسرائيل، أخذًا في الاعتبار تحلُّل إسرائيل في كثير من الأحيان من القيود الدولية المتعلِّقة بتصدير السلاح إلى النُّظم والجماعات المستبدة والمنتهكة لحقوق الإنسان(21).
– تدريب قوَّات الحراسات الخاصَّة ووحدات مكافحة الإرهاب، وتزويد تلك الوحدات بالأسلحة الإسرائيلية، وقد طالت تلك المساعدات والاتفاقيات دولًا من مختلف أنحاء القارة مع ثقل نسبي للتعاون مع دول شرق القارة ودول حوض النيل(22)، علاوة على مناطق التوتر في القارة (جنوب السودان في الخمسينيات، وبيافرا نيجيريا في الستينيات، ويونيتا أنجولا في الثمانينيات، والهوتو والتوتسي في البحيرات العظمى في التسعينيات)(23) وكذا الدول التي تعاني من اضطرابات داخلية أو أزمات شرعية(24).
– القواعد العسكرية ومراكز المراقبة والتي من أبرزها القواعد العسكرية في إريتريا (متمركزة في أرخبيل دهلك وميناء مصوع) بهدف رصد التحرُّكات البحرية في مدخل البحر الأحمر، علاوة على قاعدة تنصُّت على قمة أعلى جبل في إريتريا “أمبا سواره”، والتي تستهدف منع وصول السلاح إلى حركات المقاومة الفلسطينية، ومراقبة الدول المعادية لاسيما إيران(25).
– تغلغل الخبراء الإسرائيليِّين الأمنيِّين داخل المؤسَّسات الوطنية الأفريقية، كما توجد مكاتب للموساد الإسرائيلي في العديد من الدول الأفريقية، منها أوغندا وإريتريا وإثيوبيا والكنغو وكينيا ورواندا، وفق اتفاقيات مبرمة بين الجانبين.
– شركات الأمن الإسرائيلية في القارة الأفريقية، والتي غالبًا ما يسند إليها تدريب وتسليح الوحدات المسؤولة عن تأمين قيادات الدول الأفريقية، وكذلك المساعدة في النفاذ والتأثير في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية في البلاد(26).

ثالثًا- مراحل المد والجزر في العلاقات الإسرائيلية-الأفريقية

لم يكن لإسرائيل عند قيامها عام 1948م أي حضور يُذْكر على الساحة الأفريقية، ولم يكن للأخيرة مكانة واضحة في السياسة الإسرائيلية، فرغم حديث الصهاينة المؤسِّسين عن الروابط الثقافية والفكرية والتشابهات التاريخية في تجربة الطرفين، اقتصرت علاقات إسرائيل الدبلوماسية على دولتي ليبيريا، وإثيوبيا، وهو أمر يمكن تفهُّمه في السياق التاريخي لتلك المرحلة التي كانت فيها معظم دول القارة خاضعة للاستعمار من ناحية، وكانت مساعي إسرائيل الأساسية هي كسب ود القوى الكبرى الآفلة (فرنسا، بريطانيا)، والصاعدة (الاتحاد السوفيتي ثم أمريكا) لتأمين وجودها، إلا أنه في أعقاب مؤتمر “باندونج” وما كشفه من عزلة الكيان الإسرائيلي، عمدت إسرائيل إلى توثيق علاقاتها بدول القارة، الأمر الذي تسارعت وتيرته خلال مرحلة الستينيات من القرن العشرين، والتي مثَّلت الحقبة الذهبية للسياسة الخارجية الإسرائيلية في القارة الأفريقية(27)، حيث قفز عدد البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في القارة الأفريقية إلى نحو 32 بعثة في أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات، تغطي معظم دول أفريقيا جنوب الصحراء، وبلغ عدد الخبراء الإسرائيليِّين المبعوثين إلى القارة 1800 خبيرًا في مجالات الزراعة والصحة والتعليم، والتنمية الإقليمية، كما استقبلت إسرائيل الآلاف من المتدربين الأفارقة(28).
وفي أعقاب حرب يونيو 1967م، والاجتياح الإسرائيلي للأراضي العربية، وحتى مطلع الثمانينيات من القرن العشرين، شهدت العلاقات الدبلوماسية والسياسية الإسرائيلية الأفريقية تدهورًا تدريجيًّا، كانت المبادرة فيه للدول الأفريقية بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل لأسباب متفاوتة(29) أسفرت في محصِّلتها عن تقلُّص عدد الدول التي لها روابط دبلوماسية مع الدولة العبرية إلى ثلاث دول فقط هي مالاوي، ليسوتو، سوازيلاند(30). وردًّا على ذلك، اتَّجهت إسرائيل إلى تعزيز التعاون مع الجماعات والحركات المناوئة لبعض الأنظمة المعادية لها (مثال جنوب السودان)، وكذلك تعزيز علاقاتها بالنظام العنصري في جنوب أفريقيا منذ عام 1974م(31).
وجدير بالنظر، أن الحقبة من 1973 حتى 1978م والتي شهدت ذروة تراجع العلاقات الدبلوماسية الأفريقية-الإسرائيلية، شهدت في المقابل تصاعد التبادل التجاري بين إسرائيل والدول الأفريقية بنسبة 100% تقريبا، حيث زادت من 54.8 مليون دولار إلى 104.3 مليون دولار(32). وشهدت أيضًا نشاط الأجهزة والمؤسَّسات الأمنية والاقتصادية والعسكرية على الساحة الأفريقية لتعويض غياب الفرق الدبلوماسية(33)، ما يؤكِّد الطابع البرجماتي للطرفين وحفاظ إسرائيل على شعرة معاوية مع كثير من الدول الأفريقية، لا سيما تلك الغنية بالمعادن أو التى تحتل مكانة استراتيجية في أفريقيا مثل: زائير (الكونغو الديمقراطية حاليا)، وأنجولا، وإثيوبيا، وأوغندا وجنوب أفريقيا، والأقطار المحاصرة والتى تحتاج الى إمدادات عسكرية مثل ليبيريا، وتوجو، وأفريقيا الوسطى(34).
ويمكن القول، إن الفترة من عام 1982م إلى 1993م، كانت بمثابة مرحلة إعادة البعث في العلاقات الدبلوماسية والسياسية الإسرائيلية-الأفريقية، حيث حقَّقَتْ فيها السياسة الإسرائيلية نجاحًا كبيرًا في اختراق جدار الحصار الدبلوماسي المفروض عليها مستغلة في ذلك مجموعة من العوامل في مقدمتها توقيع معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية في عام 1979م، وما تلاها من اتفاقيات سلام مع كل من “منظمة التحرير” (أوسلو) والأردن(35). وتراجع العلاقات العربية-الأفريقية بفعل الخلافات العربية-العربية، وشعور كثير من الدول الأفريقية باليأس والإحباط بسبب عدم ترجمة وعود التعاون العربي-الأفريقي بالتعاون حقيقة في أرض الواقع(36)، فضلًا عن الصراعات العربية-العربية على الساحة الأفريقية ما بين مؤيدي ومعارضي معاهدة السلام مع إسرائيل، في الوقت الذي كانت فيه دول القارة في أمسِّ الحاجة للدعم، في ظلِّ الأوضاع الاقتصادية السيئة التى مرَّت بها القارة الأفريقية منذ أواخر السبعينيات وعقد الثمانينيات؛ بفعل موجات التصحُّر والجفاف التي شهدتها بعض أقاليم القارة. ومن العوامل أيضًا، رغبة بعض نظم الحكم في القارة أن تكون إعادة العلاقات مع إسرائيل جسرًا لكسب رضاء الولايات المتحدة الأمريكية ودعمها(37).
وقد شهدت حقبة منتصف الثمانينيات ومطلع التسعينيات، استعادة إسرائيل علاقاتها مع عديد من دول القارة، من بينها: إثيوبيا، وأفريقيا الوسطى، وغينيا، وكينيا، وبالتالي عاود الحضور الإسرائيلي على الساحة الأفريقية نشاطه العلني من جديد، وصولًا -مع العقد الأول من مطلع الألفية الجديدة- إلى مرحلة التبادل الدبلوماسي مع كامل دول القارة تقريبًا(38)، وهو ما لم يتحقَّق في أزهى عصور الستينيات، الأمر الذي شجَّع إسرائيل للسعي إلى اكتساب صفة العضو المراقب في الاتحاد الأفريقي(39) وبالرغم من عدم تحقُّق هذا المسعى إلا أنه كَشَفَ عن مباركة دول أفريقية له، كما شهد العام ٢٠١٧م الدعوة إلى عقد قمة إسرائيلية-أفريقية في العاصمة التوجولوية “لومي” لم يُكتب لها أيضًا الانعقاد(40).

رابعًا- سياسة شد الأطراف: النتائج والآثار

أسفرت سياسة شد الأطراف متفاعلة مع -ومستفيدة من- إخفاقات سياسات الدول العربية تجاه الدول الأفريقية، عن النتائج التالية:
– اختراق إسرائيل النُّظم الأمنية والإقليمية الخاصَّة بالقرن الأفريقي الكبير وتوظيف ذلك في توجيه ضربات للعمليات (مطار عنتيبي) والأنظمة (عيدي أمين) المعادية لها، وكذا الحيلولة دون أن يكون البحر الأحمر بحيرة عربية من خلال علاقاتها الوطيدة مع كل من إثيوبيا وإرتيريا(41) وكذا استغلال الضغوط الأمريكية على النظام السوداني للمساعدة في تهجير يهود “الفلاشا” إلى إسرائيل(42).
– النَّفاذ إلى دول منابع النيل (لا سيما إثيوبيا،وكينيا،وأوغندا، والكونغو الديمقراطية، ورواندا، وبوروندي..) من خلال الأدوات سالفة البيان أعلاه على نحو يمكِّنها أن تصبح رقمًا أساسيًّا في مساعي تسوية الخلافات بين دول المنبع ودول المصب.
وتقدِّم أزمة سد النهضة الإثيوبي نموذجًا واضحًا في هذا الشأن، من زوايا ثلاث: فمن ناحية، ساهمت إسرائيل في تقديم المساعدات الفنية والتكنولوجية اللازمة في تأمين السد، كما تقدَّمت الشركات الإسرائيلية بعطاءات للمشاركة في إدارة توزيع الكهرباء المتولِّدة منه(43)، ومن ناحية ثانية، تشير استراتيجية إثيوبيا في إدارة مفاوضات سدِّ النهضة وموقفها من الاتفاقية الإطارية لمياه النيل إلى ملامح الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على المماطلة وفرض الأمر الواقع ثم المفاوضة من نقطة الأمر الواقع الذي تمَّ فرضه؛ ما يعني احتمالا كبيرًا لدور إسرائيلي في تلك المفاوضات من خلف الستار، والزاوية الثالثة والتي لا تنفك عن سابقتها فهي طرح إسرائيل نفسها كوسيط لتسوية الأزمة بين مصر وإثيوبيا(44).
نجاح إسرائيل في استثمار علاقاتها مع الأقليَّات العرقيَّة والدينيَّة ووجودها الاستخباراتي في المنطقة العربية وأفريقيا في تفجير مناطق الأطراف داخل وحول النظام الإقليمي العربي في أفريقيا، وليس أدلَّ على ذلك-في أفريقيا- إضافة لدورها في دول منابع النيل، من الدعم الإسرائيلي للحركات الانفصالية في جنوب السودان عبر علاقاتها بكل من كينيا وأوغندا وإثيوبيا وصولًا إلى انفصال الجنوب، وكذا دورها في دارفور، وما أثير عن دورها في موريتانيا، وما لا يستبعد من دور لها فيما يحدث في سيناء.
تأمين خطوط مواصلات ثابتة لتجارتها ومشروعاتها الاستراتيجية لا سيما في مجال توليد الطاقة(45)، وتعدُّ جمهورية جنوب أفريقيا وإثيوبيا وغانا وليبيريا وتنزانيا وأوغندا وكينيا وساحل العاج وتوجو والجابون، أهم الدول الأفريقية التي تتعامل معها إسرائيل تجاريًّا.

خامسًا- سياسة شد الأطراف بين الاستمرارية والتغير

تكشف تطوُّرات وتحرُّكات السياسة الإسرائيلية على الساحة الأفريقية عن بعض ملامح استمرارية سياسة شدِّ الأطراف الإسرائيلية على الساحة الأفريقية مع تغيُّر نسبي في الأدوات والشركاء الفاعلين. ولعلَّ أحدث تلك التحرُّكات الحملة الدبلوماسية التي دشَّنها رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو (نوفمبر 2017) لتعزيز العلاقات مع دول القارة، وقيامه بزيارتين للقارة، إحداهما شرقًا، والأخرى غربًا -في أقل من عام ونصف- كشفتا عن استمرارية مركزية دول شرق القارة وحوض النيل، وكذا دول غرب القارة لاسيما نيجيريا والسنغال في السياسة الإسرائيلية، علاوة على استمرار المساعي الإسرائيلية الحثيثة لكسب أصوات الدول الأفريقية في المحافل الدولية لصالح الموقف الإسرائيلي، فأفريقيا تمتلك 54 صوتًا في الأمم المتحدة لو تمكَّنت إسرائيل من كسب غالبيتها لصفِّها أو تفكيك تلك الكتلة الضخمة(46)، لتلاشى التوجُّه المعادي لإسرائيل في الأمم المتحدة”(47). وهو الأمر الذي أكَّدت عليه تعليمات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لسفراء إسرائيل في أفريقيا بضرورة تغيير موقف الدول الأفريقية في المنظمات الدولية من المعارضة إلى التأييد، واعتبار ذلك الهدف الرئيس الذي يفوق ما عداه من أهداف(48). وعبَّر عنه صراحة أيضًا في خطابه أمام قمَّة رؤساء مجموعة “الإيكواس” حينما قال: “إنني أطلب دعمكم في مناهضة التحيُّز ضدَّ إسرائيل في الأمم المتحدة، والجمعية العامة، واليونسكو، ومجلس حقوق الإنسان”(49).
فضلًا عن توظيف العلاقات الإسرائيلية-التوجولية للدعوة إلى عقد “قمة إسرائيلية-أفريقية”، بغية النَّفاذ إلى دول القارة المختلفة، في ظلِّ شعار “عودة إسرائيل إلى أفريقيا، وعودة أفريقيا إلى إسرائيل”(50). والذي يرى البعض أن نصفه الأول يشير إلى جولة جولدا مائير وزيرة الخارجية الإسرائيلية (ورئيسة الحكومة بعد ذلك) للقارة في الستينيات من القرن العشرين، ويشير نصفه الثاني إلى الإمبراطور الإثيوبي هيلاسلاسي الذي ادَّعى انتسابه للملك (نبي الله) سليمان عليه السلام(51)، والذي كان قد أطلقة نتنياهو في “كمبالا” عاصمة أوغندا، خلال اجتماعه برؤساء دول شرق أفريقيا في يوليو 2016م. وتقوم مساعي إسرائيل في هذا الصدد على دعوى تطابق المصالح الأفريقية والإسرائيلية(52).
وعلى صعيد الأدوات يلاحظ استمرارية سعي إسرائيل للنَّفاذ إلى دول القارة ولكن عبر إعطاء ثقل أكبر للأطر التنظيمية (المنظمات القارية والإقليمية الفرعية) والجماعية (مؤتمرات القمة)، وفي هذا السياق يمكن تفهُّم السعي الدؤوب والإلحاح الإسرائيلي على استعادة صفة المراقبة في الاتحاد الأفريقي.
وتواظب إسرائيل على تسويق نفسها كدولة ذات خبرات فنية وتكنولوجية في مجالات الطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المياه والري، والزراعة ومكافحة التصحُّر، وتكنولوجيا الاتصالات، والرعاية الصحية ومواجهة الكوارث،…(53)، وكذا التركيز على أنها ذات تجربة لا تضاهى في مكافحة الإرهاب وجماعات العنف ذات الطابع الإسلامي، الذي تعاني منه بعض أقاليم القارة(54). علاوة على المساعدات العسكرية والفنية والتدريبية التي ما زالت تمثل إحدى أدواتها الأساسية في الترغيب والترهيب من أجل تحقيق هدفها الأصيل على الساحة الأفريقية وهو اكتساب دعم ومساندة الدول الأفريقية في المحافل الدولية، وهو ما يفسر رد الفعل الإسرائيلي بإلغاء برامج المساعدة والتدريب المقدَّمة للسنغال واستدعاء سفيرها، بعد تبنِّي السنغال تقديم مشروع قرار إدانة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة إلى مجلس الأمن(55).
وعلى ذات الصعيد خاصَّة، ما زالت صادرات السلاح الإسرائيلي والتي تمثل شريانًا أساسيًّا من شرايين الصناعة والاقتصاد الإسرائيليَّيْن، أداة أساسية في تنفيذ السياسات الإسرائيلية على الساحة الأفريقية، في ظل وجود دول أفريقية قادرة على دفع قيمة ما تشتريه من أسلحة وأنظمة مراقبة نقديًّا مثل نيجيريا وأنجولا(56)، واستعداد دول وجماعات أخرى لدفع الثمن سلعًا أو تسهيلات سياسية واقتصادية وعسكرية، وخلال الفترة من 2006 إلى 2010م أجْرت إسرائيل صفقات أسلحة رئيسية مع تسع دول أفريقية جنوب الصحراء هي: الكاميرون، وتشاد، وغينيا الاستوائية، وليسوتو، ورواندا، وسيشل، وجنوب أفريقيا، وأوغندا، ونيجيريا، والتي تقدَّر وارداتها من السلاح من إسرائيل بنحو 500 مليون دولار تمثل نصف واردات القارة من إسرائيل تقريبًا.
ومن الأدوات المستحدثة في التعامل مع القارة دعوات البعض لضرورة الاستفادة من اللاجئين الأفارقة إلى إسرائيل والبالغ عددهم نحو 46000، جُلُّهم من شرق أفريقيا (إريتريا وإثيوبيا)، بتدريبهم على المهن والحرف اللازمة للتنمية في الدول الأفريقية وإعادة تصديرهم للقارة بما يعود بالمصلحة على الطرفين الإسرائيلي والأفريقي(57).
ويلاحظ كذلك، استمرار التركيز على الأبعاد الثقافية والروابط التاريخية بين الدول الأفريقية وإسرائيل واليهود بصفة عامة، وهو ما تعمل إسرائيل على ترسيخه وتوظيفه بدأب من خلال تقديم نفسها الدولة النموذج في الديمقراطية والتعايش بين الديانات والأعراق(58)، ومن خلال المعاهد العلمية الأفريقية المتخصِّصة في الجامعات والجمعيات والمنظَّمات المحلية والدولية التي تستهدف شباب وقادة الدول الأفريقية والدبلوماسيِّين(59)، وما تنظِّمه من زيارات للوفود الدبلوماسية الأفريقية للمدن والمعالم الأثرية في الأراضي الفلسطينية الخاضعة للاحتلال وخاصَّة في القدس الشرقية، مع السعي ليس لمجرد ترسيخ القبول بوجود إسرائيل، بل السعي لتهيئة تلك الوفود القبول بشرعيَّة وجودها بالأراضي المحتلَّة بعد عام 1967م، وإزالة أي حواجز نفسية ودبلوماسية تجاه خضوع تلك المناطق لإسرائيل(60).

خاتمة

في ختام هذا التقرير وانطلاقا من الهدف الرئيس الذي وضعه صانعو سياسة “شدِّ الأطراف” نصب أعينهم والمتمثل في كسر حاجز العزلة الذي فرضته الدول العربية والإسلامية على إسرائيل، فإن السياسة الإسرائيلية نجحت في تحقيق غايتها بدرجة كبيرة، في ظل شبكة العلاقات الراهنة لإسرائيل مع الدول الأفريقية، التي تكاد تغطي معظم دول القارة، وجميع المجالات، من ناحية، وعدم تعارض تلك السياسة مع مساعي تحقيق السلام مع النُّظم العربية المحيطة من ناحية أخرى. بل كان كل منهما بمثابة أداة لتحقيق الآخر على نحو ما يكشف خطاب نتنياهو أمام “الإيكواس” والذي حَضَّ فيه الدول الأفريقية ألَّا تكون ملكية أكثر من الملك بالتأكيد على أن إسرائيل صارت حليفًا بل الحليف المقرَّب لكثير من النُّظم العربية في محاربة (الإرهاب)(61).
وفي المقابل، تجدر الإشارة إلى أنه، في ضوء التحوُّلات التي تشهدها المنطقة وتصاعد وتيرة العلاقات الإيجابية بين إسرائيل والدول العربية من ناحية، والهند، والصين، وكذا أذربيجان، وقبرص واليونان من ناحية أخرى، فإنه -كما سلفت الإشارة أعلاه- من المتوقَّع حدوث تغيُّرات جوهرية في تركيبة سياسة “شدِّ الأطراف” من ناحية تعريف الأطراف والحلفاء(62)، والوزن النسبي للأدوات، وهو ما قد يعني تراجع الوزن النسبي للعلاقات الإسرائيلية-الأفريقية، وازدياد طابع الانتقائية في التعامل مع الدول الأفريقية بحسب وزنها النسبي في تحقيق المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية لإسرائيل على الساحتين الإقليمية والدولية.
من المثير للاهتمام أن بعض صناع السياسة الإسرائيليِّين، بمن فيهم وزير الخارجية الإسرائيلي السابق وزعيم حزب “العمل” شلومو بن عامي، أعادوا من جديد التأكيد على ضروة التخلِّي عن سياسة “شدِّ الأطراف” (بعد استنفاد أغراضها) مؤكِّدين أن المصالح الإسرائيلية طويلة الأجل تتمثَّل في تحسين العلاقة مع مصر وبقية العالم العربي، بما في ذلك الفلسطينيون، والتخلِّي عن الوهم بأن التحالف مع تركيا سيكون بديلًا عن استراتيجية لإدماج إسرائيل في الشرق الأوسط. وقال بن عامي في مقابلة أجريت مؤخرًا مع صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن تحالف إسرائيل مع تركيا وإيران وإثيوبيا “قد تمَّ إنشاؤه في الخمسينيات كأداة لتفادي السلام مع العرب”. وأضاف “أن العودة إلى هذا التحالف تتمُّ من خلال المصالحة مع العالم العربي”، مؤكِّدًا أن “تركيا تقول لنا في الواقع: من أجل الوصول إلينا، الدائرة الثانية، عليك أن تحقق السلام في الدائرة الأولى”(63).
وأيًّا ما كان المسار الذي ستتَّخذه السياسة الإسرائيلية مستقبلا، فإن الواقع يشير إلى أن ما حقَّقَتْه إسرائيل من نجاحات على الساحة الأفريقية هو في الجانب الأكبر منه نتاج فشل وإخفاق السياسات العربية ومعاناة الدول الأفريقية ويأسها من تخبُّط وصراع السياسات العربية (والإسلامية كذلك)، أكثر منه لنجاح صانع السياسة الإسرائيلي، وإن لم يقلِّلْ ذلك من قدرة الأخير على الاستفادة من أخطاء السياسات العربية.
يؤكِّد ذلك، ما ورد على لسان مصدر مقرب من الرئيس التوجولي ردًّا على سؤال عن احتمالات ردِّ فعل دول الشمال الأفريقي والدول العربية على استضافة توجو لمؤتمر القمة الإسرائيلية-الأفريقية (أكتوبر ٢٠١٧م)(64)، حيث قال: إن “توجو بلد صغير لا يحصل على مليارات الدولارات لا من السعودية ولا من قطر. والسكَّان المسلمون في توجو قليلو العدد وغير نشطين، وبالتالي فإن خطر ردِّ الفعل السياسي منخفض”(65). وهو ما يلخِّص بإيجاز شديد أهم العوامل الرئيسة التي كان يمكن أن تعرقل السياسة الإسرائيلية على الساحة الأفريقية ولم تستثمر وهي: الإمكانات الاقتصادية والمساعدات العربية، والأغلبية السكانية الإسلامية، والأقليات الإسلامية النشطة. وما زالت الساحة مفتوحة ولكن يبدو أنه قد توارت الإرادات.
*****

الهوامش:

(*) أستاذ العلوم السياسية، بمعهد الدراسات والبحوث الأفريقية، بجامعة القاهرة.
(1) راجع رد يوسي ألفر Yossi Alpher مؤلف كتاب “شد الأطراف: إسرائيل تبحث عن حلفاء في الشرق الأوسط”، (عمل لفترة طويلة بجيش الدفاع الإسرائيلي والموساد، والمدير السابق لمركز جافي للدراسات الاستراتيجية بجامعة تل أبيب)، على السؤال الخاص بتوجُّهات القادة والباحثين الإسرائيلين نحو سياسة “شدِّ الأطراف” ومدى التوافق عليها في إطار حلقة النقاش التي نظَّمها معهد بروكنجز بالولايات المتحدة الأمريكية، لعرض ومناقشة أهم أفكار الكتاب، والمتوفر مسموعًا (الإجابة بدءًا من الدقيقة 53:50)، ومقروءًا (السؤال والإجابة ص ص 23 – 25)، في المصدر التالي:
– Israel’s periphery doctrine and search for Middle East allies, Brookings Institution, 12 March 2015, https://goo.gl/w3gHg6
(2) المرجع السابق، وانظر أيضًا:
– Yossi Alpher, Periphery Israel’s Search for Middle East Allies, (Lanham: Rowman & Littlefield Publisher,2015), p. xviii.
(3) Ibid. p. 88.
(4) Ibid, P. xix, and Bruce Riedel (Moderator), Israel’s periphery doctrine.., op. cit. p. 4.
(5) Yossi Alpher, op. cit. p. 131.
(6) Leon Hadar, op. cit.
(7) أحمد جابر، أفريقيا و”إسرائيل”.. تاريخ من الابتزاز ومواجهة متأخرة، موقع قدس، 19 أغسطس 2017م، متاح عبر الرابط التالي: https://www.qudsn.ps/article/125436
(8) حمدي عبد الرحمن، مصر وتحديات التدخل الدولي في أفريقيا، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2013)، ص 82 – 83.
(9) المرجع السابق، ص 89.
(10) المرجع السابق، ص ص 87 – 89.
(11) حمدي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 73، وراجع أيضا خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام قادة الإيكواس عام 2017م، موقع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، 4 يونيو 2017، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/2JxlDCH
(12) ارتكزت المساعي الصهيونية لكسب تعاطف الأفارقة على التأكيد على تشابه خبرة اليهود والأفارقة ورغبة كل منهما في الخلاص والتحرُّر. يقول هرتزل: “لقد كنت شاهدًا على خلاص شعبي من اليهود وأرغب في تقديم العون للعمل على خلاص الأفارقة”. وقد حاول قادة الدولة العبرية بعد تأسيسها عام 1948 تحقيق هذه المثالية السياسية من خلال تقديم إسرائيل باعتبارها نموذجًا يُحتذى في عملية بناء الدولة الوطنية الحديثة في أفريقيا”. راجع: حمدي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص ص 75 – 76.
(13) Gideon Nchinda, Relations between Israel and Africa in Biblical and Modern History, Why Israel? site, Reviewed 27 november 2017, https://goo.gl/YWp2jZ
(14) Naomi Chazan, “Israel And Africa: Challenges For A New Era”, in: Israel And Africa… Assessing The Past, Envisioning The Future, (The Africa Institute of the American Jewish Committee – The Harold Hartog School, Tel Aviv University), May 2006, p. 9. http://bit.ly/2zFyPDF
(15) Ibid. p. 11.
(16) عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج، إسرائيل وأفريقيا: الجهود الإسرائيلية لاختراق القارة الأفريقية، موقع سودانيل، 26 يوليو 2012، متاح عبر الرابط التالي: https://www.sudaress.com/sudanile/42924
(17) نجم الدين محمد عبد الله جابر، الوجود الإسرائيلي في أفريقيا: دوافعه وأدواته، موقع قراءات أفريقية، 4 مايو 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/QcddNN
(18) Michael B. Bishku, Israel and Ethiopia: From a Special to a Pragmatic Relationship, Journal of Conflict Studies, Vol. 14, No. 2, Spring 1994, pp. 40 – 52, http://bit.ly/2L3pltk
(19) نجم الدين محمد عبد الله جابر، مرجع سابق.
وللمزيد راجع: حمدي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص ص 147 – 159.
(20) استضافت إسرائيل في ديسمبر 2016م، مؤتمرًا زراعيًّا خاصًّا بدول أفريقيا الغربية للتباحث حول الإنتاج المستدام في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، وقد حضره وزراء خارجية كل من نيجيريا، وتوجو، وليبيريا، وغينيا، والرأس الأخضر، وجامبيا، وسيراليون، ومسؤولون كبار من بنين، وبوركينا فاسو، وساحل العاج، وغانا، وغينيا بيساو، والسنغال. راجع: سيدي أحمد ولد الأمير، العلاقات الإسرائيلية-الأفريقية.. الخروج من السر إلى العلن، مركز الجزيرة للدراسات، 21 أغسطس 2017، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/2LmGo5T
(21) Siemon T. Wezeman, Israel Arms Transfers To Sub-Saharan Africa, Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI), October 2011, https://goo.gl/4r9wpm
(22) Naomi Chazan, op. cit. p. 3.
(23) أحمد جابر، مرجع سابق.
(24) Siemon T. Wezeman, op. cit. pp. 7, 13 – 14.
(25) سيدي أحمد ولد الأمير، مرجع سابق.
(26) رفعت سيد أحمد، بالوثائق: إسرائيل تخترق أفريقيا “من الثقافة.. إلى الأمن مرورًا بالاقتصاد”، موقع العرب نيوز، 6 يونيو 2003، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/iDH9Yx
(27) Naomi Chazan, op. cit. p. 2.
(28) Ibid.
(29) حول تلك الدوافع والأسباب، انظر: محمد عاشور مهدي، “العلاقات العربية الأفريقية: نحو سبيل لتفعيل التعاون المشترك”، ورقة قدِّمت لندوة “آفاق التعاون العربي الأفريقي”، التي نظمتها جامعة الدول العربية، بالتعاون مع وزارة الخارجية السودانية، الخرطوم، مارس 2006، ص ص 6 – 8.
(30) Naomi Chazan, op. cit. p. 3.
(31) Ibid.
(32) حمدي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 113.
(33) Naomi Chazan, op. cit. p. 7.
(34) Ibid. pp. 5 – 6.
(35) Ibid. p. 9.
(36) حمدي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 134.
(37) حول أسباب تدهور العلاقات العربية-الأفريقية، انظر:
– Michael B. Bishku, Israel and Ethiopia, op. cit.
– محمد عاشور، مرجع سابق.
(38) Naomi Chazan, op. cit. pp. 9 – 10.
(39) Herb Keinon, Israel seeks to regain its observer status at the African Union, The Jerusalem Post, 18 February 2016, https://goo.gl/NP2Hbt
(40) راجع في ذلك: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، “التقدير الاستراتيجي (102): القمة الأفريقية-الإسرائيلية ومستقبل العلاقات المتبادلة”، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، أغسطس 2017م، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/V4QFFa
(41) Michael B. Bishku, Israel and Ethiopia, op. cit. pp. 52 – 54.
(42) Michael B. Bishku, Israel and Ethiopia, op. cit. p. 40.
(43) Israel to support Ethiopia in developing water resources: Netanyahu, Daily News Egypt, 9 July 2017, http://bit.ly/2Ll3pWH
(44) Evgeni Klauber, “The Ethiopian Dam Giving Israel and Advantage over the Palestinians”, in: The Ethiopian Dam That’s Strengthening Israel, Mosaic Magazine website, 26 july 2016, https://goo.gl/WWAhiB
(45) Tom Collins, Why is Israel Netanyahu wooing Africa?, 7 July 2017, http://bit.ly/2zGlk8T
(46) Ibid.
(47) Gabriel Rosenberg, Israel’s promising future with Africa, The Jerusalem Post, 5 July 2017, https://goo.gl/sxWRAk
(48) PM Netanyahu Meets With Israel’s Ambassadors to African Countries, Israel Ministry of Foreign Affairs website, 8 February 2017, https://goo.gl/1N8YZq
(49) خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام قمة الإيكواس، مرجع سابق.
(50) Raoul Wootliff, Landmark Israel-Africa summit canceled following boycott threats, The Times of Israel, 11 September 2017, http://bit.ly/2mkKIaT
(51) Yosef I. Abramowitz, Israel and Africa need each other, Jewish Telegraph Agency, 23 October 2017, https://goo.gl/oAMjKE
(52) مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، التقدير الاستراتيجي (102): القمة الأفريقية-الإسرائيلية ومستقبل العلاقات المتبادلة، مرجع سابق.
(53) Yosef I. Abramowitz, op. cit.
(54) Raphael Ahren, African diplomats go on rare, ‘enlightening’ Israeli tour of Old City’s Jewish sites, The Times Of Israel, 30 November 2016, https://goo.gl/KtX8d3
(55) Bethan Mckernan, Israel lashes out over UN settlements vote by withdrawing ambassadors and halting aid, Independent, 24 December 2016, https://goo.gl/Vu89vm
(56) مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، التقدير الاستراتيجي (102): القمة الأفريقية-الإسرائيلية ومستقبل العلاقات المتبادلة، مرجع سابق.
(57) Yosef I. Abrahamowitz, op. cit.
(58) من المثير للانتباه دعوة البعض أن يتولَّى “إبراهام نجويس” عضو الكنيست عن حزب “الليكود” والإثيوبي الأصل منصب وزير خارجية إسرائيل باعتباره الأقدر على تقديم الوجه الأفريقي لإسرائيل. انظر: المرجع السابق.
(59) Ibid.
(60) Raphael Ahren, op. cit.
(61) راجع خطاب نتنياهو أمام قمة “الإيكواس”، مرجع سابق.
(62) Azfar Mohammad, Israel’s changing periphery, Foreign Policy News, 15 June 2017, https://goo.gl/3ZF6Nx
(63) Leon Hadar, op. cit.
(64) تقدِّم تطوُّرات الأحداث منذ الدعوة إلى عقد القمة الإسرائيلية-الأفريقية التي كان مقرَّرًا لها الانعقاد في توجو (أكتوبر 2017) إلى إعلان إلغائها، دليلا على حقيقة الاستنتاج أعلاه، حيث بلغت تقديرات الدول التي ستحضر القمة نحو 20 – 30 دولة، أكَّدت 14 دولة منها حضورها، بينما كانت الضغوط الأكبر للرفض من بعض دول لديها التزاماتها وهواجسها الخاصَّة من الوجود الإسرائيلي على الساحة، مثل: المغرب، وموريتانيا، وجنوب أفريقيا.. إلى جانب المؤسَّسات والمنظمات الشعبية وغير الحكومية التي رأت في تلك القمة مسعى إسرائيلي للترويج لرؤيتها بشأن القضية الفلسطينية والالتفاف عليها، علاوة على تحسين صورة النظام السياسي التوجولي في مواجهة موجات المعارضة الداخلية؛ ما يعني أن الموقف الأفريقي من القمة الأفريقية-الإسرائيلية لم يكن العامل الرئيس فيه هو الترغيب أو الترهيب العربي، الذي توارى بدوره وصار عزفًا منفردًا لكل دولة حسب مصالحها وتقديراتها.
راجع: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، التقدير الاستراتيجي (102): القمة الأفريقية-الإسرائيلية ومستقبل العلاقات المتبادلة، مرجع سابق.
وانظر أيضًا:
– Conor Gaffey, Who are Israel’s allies -and enemies- in Africa?, Newsweek, 6 May 2017, https://goo.gl/kV8qvi
– Raoul Wootliff, Landmark Israel-Africa summit canceled following boycott threats, op. cit.
– Thembisa Fakude, The real reasons behind the cancellation of Israel-Africa Summit, Middle East Monitor, 13 September 2017, http://bit.ly/2NjSzkh
(65) Herb Keinon, Togo proposes hosting Israeli-African summit in its capital next year, The Jerusalem Post, 12 Augusts 2016, http://bit.ly/2msSBuU

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى