إيران وتركيا 2008: الدور الإقليمي بين تحديات الداخل والخارج

مقدمة:

يتناول هذا التقرير دولتين من دول الأركان الإسلامية وفاعلين محورين في الشرق الإسلامي؛ هما إيران وتركيا؛ وذلك على صعيدي الداخل والخارج، وأهم القضايا التي شهدها العام 2008 وكانت ذات دلالة بارزة بالنسبة للدولتين والأمة من حولهما.

إيران: المحافظون والغرب

باتت إيران أحد أهم الفاعلين الإقليميين، وثبتت مكانتها الإقليمية بخطى تدريجية -ولكن واثقة- على مدار الأعوام السابقة، وهو ما تبلور في تطور طبيعة تفاعلاتها الخارجية وكثافتها: سواء التصادمية مع الغرب أو التعاونية مع العالم الإسلامي والدول الكبرى غير الغربية مثل الصين وروسيا؛ وذلك بهدف تدعيم الدور الإيراني. أما على مستوى التفاعلات الداخلية التي ظهرت على الساحة على مدار العام، فنجد معظمها قد صبّ في مصلحة تدعيم أركان النظام وإثبات قوته. وقد كان لتحجيم القوى الإصلاحية في الداخل أثرين متناقضين: الأول إيجابي خاص بتعضيد تماسك النخبة الإيرانية، أما الثاني فله أثره السلبي على عملية تطور الديمقراطية في إيران بإقصاء نوعي ونسبي للصوت الإصلاحي من عملية صنع القرار. وهو الأمر الذي له تداعياته على محاولة إيران لترسيخ أسس نموذج ما يُعتبر “ديمقراطية إسلامية”، كأحد سبل مواجهة خارج ٍيضغط بقوة لتحجيم الدور الإيراني الخارجي ومحاصرة النموذج الإيراني الداخلي ودحضه.
وفيما يلي عرض تحليلي لتلك التفاعلات الداخلية والخارجية في إطار قضيتين رئيسيتين: الأولى خاصة بالإصلاح الداخلي سواء سياسيًّا أم اقتصاديًّا، أما الثانية فهي ملف البرنامج النووي الإيراني، مع الاعتراف بالرابطة بينهما.

1- نموذج “الديمقراطية الإسلامية” والتحديات الكبرى:

إن المدقق للوضع الداخلي الإيراني سيجد أن الغالبية العظمى من أحداث داخلية هي ناتجة عن صراع في إطار النظام الإسلامي الإيراني القائم على مذهب ولاية الفقيه. فمع أن الانقسام ما بين محافظ وإصلاحي ظل -في مجمله- خلافًا على مستوى التفسير في سياق رؤية إسلامية واحدة جامعة، إلا أن الجديد في الفترة الأخيرة هو ضيق مساحة التباين في الآراء لتعبر في النهاية عن خلاف ما بين محافظين أصوليين (متشددين) ومحافظين براجماتيين. فأضحى التنافس الرئيسي فيما بين المحافظين الداعين للحفاظ على أواصر النظام وتدعيم وتثبيت دعائمه. ومن ناحية أخرى، استمرت بعض الأصوات المعارضة والناقدة (معظمها من خارج النخبة الحاكمة إسلامية التوجه) في الإشارة إلى فساد النظام الإيراني ومدى السلطوية التي يعاني منها.
ولا شك أن مسار تطور النظام الداخلي الإيراني له انعكاس قوي وواضح، بل ورسالة موجّهة بشكل خاص إلى المحيط الخارجي وخاصة الغربي. فباتت ورقة مدى شعبية النظام وتماسك الداخل حوله هي السبيل الوحيد الذي يحول دون إنجاح المحاولات الغربية لهزّ أركان الجمهورية الإسلامية الإيرانية، علمًا بأن الأمر لم يكن دائمًا في صالح النظام، بل إن الأمر كان يشوبه أزمات داخلية سواء على المستوى الاقتصادي أو المستوى السياسي؛ لأسباب عدة منها التأثير -ولو النسبي- للعقوبات التي يفرضها الغرب، فظهر مناخ صراع فكري داخلي لتشكيل رؤية النظام السياسي في إيران يحده التيار الإصلاحي “المحاصر” من جانب والتيار المحافظ من جانب آخر. ولكن أتى التطور المهم والأكثر دلالة في الشد والجذب في داخل معسكر المحافظين ذاته.
وإذا حاولنا النظر إلى تلك الإشكالية التي يعيشها النظام السياسي الإيراني، فإنه من الجائز تقسيم التفاعلات الداخلية إلى بُعديْن: الأول سياسي، والثاني اقتصادي.

أولاً- الانتخابات البرلمانية والتنوع في خريطة المحافظين:

لقد شكلت الانتخابات التشريعية أهم حدث في الداخل الإيراني؛ حيث جرت انتخابات مجلس الشورى الإسلامي الثامن في يوم الرابع عشر من مارس ٢٠٠٨. وهو بمثابة الهيئة البرلمانية للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقد شكلت الانتخابات جدلاً واسعًا، ما بين مدافعين عن نزاهة الانتخابات ومدى القوة التي أصبح يتمتع بها النظام الإسلامي بعد ثلاثة عقود من تدشينه، وبين مشككين في الانتخابات ونزاهتها، ومدى الإقبال عليها تحت دعاوى ضعف النظام وفساده. وقد مثلت هذه الانتخابات محطة جديدة في مسار النظام السياسي الإيراني ما بعد الثورة الإسلامية لعام 1979؛ حيث أفرزت دلالات مهمة جديدة تشير إلى استمرار المحافظين في تبني خيار السيطرة المباشرة السافرة على النظام والهيمنة على الساحة السياسية والاجتماعية، ولكن في ظل بعض التحولات النوعية في شبكة العلاقات المختلفة: على مستوى القضايا ومستوى الفاعلين. وقد حقق المحافظون نصرًا كبيرًا متوقعًا إلا أن الانقسامات الداخلية حملت دلالات مهمة وعبرت عن استمرار مسار التشدد في الداخل والتصعيد المحسوب تجاه الخارج، ولكن بدرجة مختلفة وفي ظل توازنات دقيقة.
وبدت السيولة الشديدة والتداخل البيّن فيما بين القوى المختلفة: المحافظين الأصوليين من جانب والمحافظين البراجماتيين من جانب آخر، وبين الإصلاحيين من جهة والمستقلين من جهة ثانية. فقد أكدت الانتخابات التشريعية في 2008 على أن خريطة القوى الداخلية الإيرانية ابتعدت عن التصنيف الذي طال الاعتماد عليه لتوصيف الداخل الإيراني: ما بين محافظين ومعتدلين، وأضحى الآن التعدد السياسي الرئيس يدور حول التنوع في داخل المعسكر المحافظ، وذلك استمرارًا في دفع الإصلاحيين إلى منطقة الهامش السياسي وتكريسًا لواقع هيمنة المحافظين الذي أخذ شكلاً مباشرًا ومكثفًا منذ انتخابات المجلس السابع في 2004.
وقد عمل النظام منذ أولى لحظات الانتخابات على إبراز جوانب تدعم وجهة النظر القائلة بنجاح الانتخابات. حيث أكد مساعد وزير الداخلية رئيس الإدارة المركزية لفحص شكاوى الانتخابات “موسى بور” أن الانتخابات شهدت انخفاض معدل المخالفات عن الانتخابات السابقة بمعدل ٩٠%، كما أن هناك زيادة في نسبة مشاركة الشعب بنسبة ١٠%، فنسبة التصويت تعدت ٦٠% من المسجلين في القوائم الانتخابية[1]. كما أكدت الوزارة على التنافسية التي تمتعت بها الانتخابات حيث شاركت كافة التيارات والجماعات السياسية، وكان الجناحان الرئيسان في الدولة قد قدما عددًا كبيرًا من المرشحين في جميع المناطق، حيث قدم التيار المحافظ ١٧٠٠ مرشح بينما قدم التيار الإصلاحي ١١٠٠ مرشح. وقام (٥٣) ألف مفتش بتولي الرقابة على الانتخابات[2].
وقد حصل مرشحو التيار المحافظ على نسبة ٧٠% من مجمل مقاعد مجلس الشورى[3]. وتشير تلك النسبة إلى أمرين؛ هما: مدى الدعم الذي يلقاه التيار المحافظ، ومدى التمسك بقيم الثورة وعدم اهتزازها في نفوس الشعب الإيراني برغم الضغط الخارجي الذي يواجهه، بل أيضًا تجديد الثقة في الرئيس نجاد وسياساته المتشددة في التعامل مع الغرب. في حين أنه على الجانب الآخر تشير تلك النسبة إلى تساؤل مهم حول مدى وجود معارضة فعالة داخل المجلس في ظل سيطرة المحافظين عليه وانخفاض نسبة تمثيل التيار الإصلاحي، حيث تثار الشكوك حول مدى التنافسية التي يتمتع بها النظام بشكل واقعي وعملي على مستوى المؤسسات السياسية. ويصوغ البعض تلك الحجة مستندين إلى العدد الكبير من المرشحين الإصلاحيين الذين تم رفض ترشيحهم في الانتخابات نتيجة تبنيهم رؤية مختلفة رآها مجلس صيانة الدستور معارضة لمبادئ النظام.
فقد دلّت طبيعة وطريقة إدارة الانتخابات على أن النظام يمر بمرحلة تعثر وليس انفراجة ديمقراطية. فقد ظهر مزيد من التضييق لنطاق ومدى تنافسية الانتخابات. زاد معدل رفض الإصلاحيين إلى درجة خطيرة أعاقت الإصلاحيين من تقديم قائمة بالحد الأدنى من المرشحين في كثير من الدوائر الانتخابية على مستوى البلاد. ويفسر البعض التشدد في قبول الترشيحات كمحاولة لتعويض القدرة الاجتماعية الأكبر للإصلاحيين. لقد تنافس 4.500 مرشح على 290 مقعدًا برلمانيًّا، وذلك بعد أن رفض مجلس صيانة الدستور ترشيح حوالي 1.700 مرشح على أساس أنهم لا يتمتعون بالولاء الكافي للثورة الإيرانية أو إلى الإسلام، ويمثل هذا الرقم حوالي 90% من المرشحين الإصلاحيين (و40% من إجمالي المرشحين) من بينهم حوالي عشرين عضوًا في مجلس الشورى السابع وحفيد آية الله الخوميني علي إشراقي. وقد أدى ذلك إلى أن الإصلاحيين تنافسوا على تسعين مقعدًا فقط من إجمالي 290 مقعدًا – أو 102 مقعد وفق تقديرات أخرى، إلا أنهم استطاعوا التنافس على معظم مقاعد طهران الثلاثين. ومن ثم وُصِفت هذه الانتخابات بأنها منافسة بين المحافظين الداعمين للرئيس أحمدي نجاد (المحافظين المتشددين أو الأصوليين) والمحافظين الذين ينتقدون سياساته (المحافظين البراجماتيين).
ويظل التحدي الأكبر أمام مسار أكثر إيجابية وانفتاحًا على الديمقراطية هو التطور الخطير الذي بدأ يعيد تشكيل العلاقة بين العسكري والديني؛ حيث أضحى تزايد اعتماد الرئيس نجاد على ذوي الخلفية العسكرية على حساب ذوي الخلفية الفقهية محل رفض متزايد خاصة من بعض المحافظين. وبالنظر إلى تركيبة المجلس الجديد يمكن ملاحظة إحلال أعضاء الحرس الثوري المتشددين محل الجماعة الفقهية كأكبر قوة في المجلس. وقد يمثل هذا التحول إضافة إلى مصادر قوة المرشد المتنوعة، فباحتلال الجيل الجديد الأكثر شبابًا من أصحاب الولاء الشديد للخطاب الثوري مكانة أقوى في النظام ووضعًا أفضل في المجلس، يزداد نفوذ المرشد فعالية وقدرة على اختراق كافة مستويات الحكم بسهولة أكبر؛ لأن هذا الجيل الجديد ذا الخلفية العسكرية يعود في صعوده إلى المرشد. ومن ناحية أخرى، ربما يكون التمكين السياسي للعسكريين أحد وسائل نجاد لمواجهة نفوذ وسلطة الفقهاء الذين كثيرًا ما يشككون في مصداقيته الدينية، فالهدف بناء قاعدة قوة جديدة أو تقوية آلية السيطرة. إلا أن معادلة القوة تستمر في صالح المرشد أكثر من الرئيس في ظل التنوع داخل معسكر المحافظين وفوز عدد لا يستهان به من معارضي سياسات الأخير في المجلس، الأمر الذي يعني أن الرئيس قد يواجه تحديًّا من داخل المجلس يزيد من احتياجه للدعم السياسي من المرشد (بالإضافة إلى الدعم المؤسسي).
ولكن على خلاف السيطرة التي يتمتع بها التيار المحافظ وهيمنته على الساحة السياسية، نجد أن التيار في حد ذاته بدأ يحمل بذور الخلافات في داخله، هو ما تأكد بشكل صريح إثر فوز على لاريجاني برئاسة مجلس الشورى الثامن؛ حيث أصبح هناك تنافس غير معلن بين لاريجاني ونجاد استعدادًا للانتخابات الرئاسية المقبلة، فأصبح الخلاف داخل المحافظين يأخذ شكلاً أكثر علانية. ويزيد من حدة هذه المنافسة الأزماتُ التي يواجهها نجاد، والتي يروج لها على عكس المفترض عناصرُ من التيار المحافظ، كالقضايا الاقتصادية أو على صعيد الملف النووي والتصعيد مع الغرب (مع ملاحظة أن المسألة الأخيرة كانت أيضًا محل انتقادات إصلاحية عديدة). لذا فإن تلك الخلافات قد تُضعف من التيار المحافظ في المستقبل نتيجة الاختلاف الفكري الدائر حول اختلاف الرؤى في قضايا مصيرية ومهمة، على عكس المفترض من هذا التيار: أن يقوم بتوحيد صفوفه للاضطلاع بالمهمة الملقاة على كاهله التي حمّله الشعب إياها عند انتخابه بتلك الغالبية في مجلس الشورى الإسلامي.
من جانب آخر لم يكن الإقبال على الانتخابات التشريعية بذلك الشكل الذي صوره النظام الإيراني من حيث كثافته والإقبال الكبير الذي أعلنت عنه الحكومة، فقد ظهرت عدة دعوات لمقاطعة الانتخابات وجدت صدى لدى أقسام من المعارضة، كما وجدت هذا الدعوات اهتمامًا أيضًا من كثير من الإيرانيين الذي يشعرون بخيبة أمل تجاه فشل مجلس الشورى في العمل كمؤسسة فاعلة وسيطة بين الشعب والسلطة[4]. وعزز هذا الشعور فقدان المجلس لبعض من شرعيته نتيجة سيطرة مجلس صيانة الدستور على الانتخابات. كما تفتقد إيران لنظام حزبي يعزز من فرص الانتماء السياسي؛ حيث تختزل التوجهات السياسية في التيارين الرئيسيين، بل إن الأمر الخاص بقبول المرشحين هو راجع لمجلس صيانة الدستور والمرشد الأعلى، مما يحكم سيطرة المؤسسة التنفيذية.
وأما اذا انتقلنا للحديث عن مشاركة المرأة في الانتخابات، نجد أن النساء طالبت قبل بدء الانتخابات داخل كل من التيارين الإصلاحي والمحافظ بتحقيق نسبة تواجد ٣٠% في القوائم الانتخابية، إلا أن رفض الكثير من طلبات الترشيح للإصلاحيين حال دون ذلك. وقد انعكس ذلك بالتأكيد على النتائج؛ فلم تثمر الجولة الأولى من الانتخابات عن وصول غير خمس نساء فقط إلى المجلس؛ وهو ما يمثل تراجعًا عن نسبة تمثيل المرأة في المجالس السابقة؛ حيث كان تمثيل المرأة في المجلس السابع عن طريق (١٣) نائبة، وفي المجلس السادس (١٤) نائبة وفي المجلس الخامس (١٤) نائبة[5].
وإذا كان هناك ضعف في نسبة مشاركة المرأة، فإن الوضع كان سواءً بالنسبة للسُّنة الذين يمثلون ثُلث الشعب الإيراني؛ حيث يعانون من تمييز ديني من قبل النظام في إيران[6]. حيث تم رفض أغلب أوراق المرشحين السُّنة، وتكاد تنعدم فرص المشاركة السياسية والتمثيلية لتلك الطائفة بالشكل الذي يتناسب مع العدد الذي يتواجد به السُّنة على الأراضي الإيرانية.
ولم تسلم تلك الانتخابات بطبيعة الحال من العديد من الانتقادات التي تم توجيهها إليها. ولكن الأمر ليس متعلقًا بمجرد نقد للعملية الانتخابية، ولكنه نقد لكيان وهوية النظام ككل ومحاولة للتشكيك في مقدرته على إدارة شئون الحكم والتقليل من القيم الراسخ عليها. ويتساوى في ذلك جهات داخلية مع أخرى خارجية. فعلى المستوى الداخلي انتقد كلٌ من الطلاب الأحرار والاتحاد الديمقراطي الإيراني والجبهة الوطنية لإيران الانتخابات ودعوا إلى مقاطعتها. وأما القوى الوطنية الدينية فقد اختارت خيار عدم المشاركة في هذه الانتخابات. كما استندت حركة المسلمين المناضلين في بيانها الثاني الذي أصدرته بشأن الانتخابات إلى نقدها لسياسية إقصاء ورفض الإصلاحيين أصحاب الفكر المغاير. في حين قامت منظمة مجاهدي خلق (أكبر المعارضين في المنفى) بنشر دعوة عامة لمقاطعة الانتخابات والعمل على مناهضة الحكومة[7].
يحمل النظام الإيراني من التنوعات السياسية والفكرية ما يمكن أن يعتبره البعض تهديدًا “لنظام الملالي” في إيران. كما أن الأزمات الاقتصادية التي يتعرض لها تجعل لدعوات تلك الحركات صدى يدفع للقبول بها والانخراط فيها، وهو وإن كان عامل توتر إلا أنه لا يمثل تهديدًا جوهريًّا يمكن أن يضعف من النظام ككل. وعلى الجانب الآخر، لا يجب إغفال موارد قوة النظام الإيراني داخليًّا، ولعل من أهمها الآن هيمنة تيار واحد –بالرغم من خلافاته الداخلية- وهو التيار المحافظ، والذي يجتمع حول ثوابت النظام ويختلف فقط نسبيًّا حول أدوات وطرق التطبيق، فتبدو الجبهة الداخلية تتمتع بالتماسك أكثر من الفرقة خاصة في ظل تعاظم التهديدات الخارجية والالتفاف حول مشروع بناء قوة إيران النووية.
وبالطبع لم تسلم الانتخابات من النقد الدولي وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية التي تخوض صراعًا مع إيران بخصوص الملف النووي؛ حيث شككت في نزاهة الانتخابات البرلمانية مدعيّة أن الانتخابات معدة سلفًا وأن الشعب الإيراني لم تتح له الفرصة للتصويت[8]. ودعت الولايات المتحدة إلى مزيد من الشفافية من خلال حضور مراقبين مستقلين وتوسيع فرص الإعلام لتغطية الانتخابات. وتعد تلك الدعوات الأمريكية جزءًا من الحرب النفسية التي تتبعها الإدارة الأمريكية في استراتيجية تعاملها مع إيران من خلال التشكيك في نزاهة النظام ومحاولة زيادة العزلة التي يواجهها.
ولكن بخلاف المتوقع لم يكن أداء المجلس الثامن برئاسة “لاريجاني” خلال العام المنصرم بالقوة الكافية المنتظرة في مواجهة الحكومة وفي مراقبتها. وعلى الرغم من محاولات المجلس في بدايته الاضطلاع بدور أكثر تأثيرًا على أصعدة مختلفة، إلا أن تجربة الأشهر الماضية أوضحت أن المجلس الثامن إذا لم يكن قد تعامل على نحو أضعف مما كان عليه المجلس السابع فإنه لن يكن أقوى منه. فقد ظهرت اتهامات للمجلس بالضعف، من بين مؤشراتها -على سبيل المثال- أنه لم يقم بشيء حيال تجاوز الحكومة للموازنة، ولم يتم استجواب وزير التجارة على نحو جاد، كما ألغى استجواب وزير التربية والتعليم، وبالمثل ازداد أداؤه شحوبًا على مستوى السياسة الخارجية. ولكن من ناحية أخرى، يُحسب له تمكنه من إسقاط وزير الداخلية علي كردان [9]. فالمجلس الثامن مثل امتدادًا لدور مؤسسي له ثقله في إطار توازنات النظام المؤسسية، لا تجعله على قمة النظام ولكن يظل قادرًا على توفير ساحة رئيسية للرقابة وعلى فرض تحدي محسوب على الحكومة وعلى ضخ الحيوية في العمليات السياسية، من خلال استثمار المجلس (كلما أمكن) لسلطاته الدستورية أقصى استثمار ممكن، ونقلها إلى حيز التنفيذ، ولا تبقى سلطات دستورية بلا فعالية أو دلالة حقيقية كما هو الحال بالنسبة لغالبية المجالس التشريعية في النظم العربية.
وعلى صعيد آخر، مثلت التغييرات الوزارية العديدة التي شهدتها فترة حكم نجاد ثاني أهم التفاعلات السياسية على المستوى الداخلي؛ حيث شهدت ما يقرب من ثمانية تغييرات وزارية كان آخرها وزير النقل والمواصلات[10]. وترجع تلك التغييرات إلى الانتقادات التي يوجهها الإصلاحيون والمعارضون داخل التيار الأصولي لسياسات نجاد خاصة في المجال الاقتصادي؛ حيث تم ضخ دماء جديدة لدفع الحركة الاقتصادية من أجل كسب أصوات في انتخابات 2008 لمجلس الشورى، وكذلك الدفع بعناصر تستطيع الاضطلاع بالسياسة الخارجية لنجاد.
أما عن ملف الأقليات بإيران، فقد تحدثت وسائل الإعلام العربية عن تصعيد السلطات الإيرانية الإجراءات القمعية ضد السكان العرب في إقليم الأهواز الواقع غرب إيران على رأس الخليج بمحاذاة العراق، ويسكنه حوالي خمسة ملايين عربي، وكانت الدولة الصفوية قد منحت الإقليم اسم عربستان غير أن السلطات أطلقت عليه اسم خوزستان عام ١٩٣٦، وعمدت إلى إبدال أسماء المدن العربية بأسماء أخرى فارسية. وتكمن أهمية الإقليم في أنه يضم حوالي ٨٠ % من البترول والغاز الإيراني، إضافة إلى أن أراضيه هي الأكثر خصوبة بمنطقة الشرق الأوسط، وتجري فيه ثلاثة أنهار كبيرة هي: كارون والكرفة والجراحي، ويؤكد النشطاء العرب في المنطقة أن طهران تحرم العرب من خيرات الإقليم.
وكانت السلطات الإيرانية قد صعّدت إجراءاتها بالإقليم منذ عام ٢٠٠٥ بعد الاضطرابات الشعبية التي اندلعت إثر الكشف عن رسالة منسوبة إلى محمد أبطحي مساعد الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، وكانت موجَّهة إلى رئيس دائرة التخطيط والميزانية وتحتوي على توجيهات لتغيير التركيبة السكانية للإقليم؛ من خلال تقليص عدد سكانه العرب وجعلهم أقلية عبر توطين إيرانيين مهجرين من مناطق أخرى.
وعن أبرز هذه الإجراءات خلال عام ٢٠٠٨، انعقدت جلسات لمحكمة الثورة في الخامس من يونيو ٢٠٠٨ لمحاكمة أربعة من النشطاء العرب الأهوازيين بتهمة تشكيل تنظيم غير قانوني وتعريض الأمن القومي للخطر. وقد ذكر بيان لنشطاء حقوقيين إيرانيين أن هؤلاء المتهمين اعتُقلوا في عام ٢٠٠٦ واحتُجزوا في مقر المخابرات الإيرانية ثم أُطلق سراحهم بكفالة مالية. وقد حكمت محكمة إيرانية بسجن الشيخ عبدالحميد الدوسري لمدة سبع سنوات وإغلاق المسجد الوحيد لأهل السُّنة ببلدة القضبة ثانية أكبر بلدات الإقليم، إضافة إلى اعتقال عدد من المصلين فيه. واعتبرت منظمة حقوق الإنسان الأهوازية أن الهدف الأساسي للحكم هو إغلاق المسجد الوحيد للسُّنه بالبلدة [11].
وقد حاول “نجاد” استيعاب ما أثير بشأن أوضاع الأقليات في بلاده فالتقى ممثلي الأقليات الدينية بمجلس الشورى الإسلامي في أول أكتوبر مؤكدًا على أن أصحاب الديانات المختلفة مواطنون إيرانيون[12].
ولا يجب إخراج التطورات السياسية والاقتصادية (التي سيشار إليها لاحقًا) من سياق عملية الاستعداد للانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في يونيو 2009، حيث إن مهمة الرئيس القادم لن تكون سهلة بين داخل يحتقن وخارج يتحفز. واتسمت هذه الاستعدادات حتى الآن بعدم إجماع أي من التيارين الرئيسيين المحافظ والإصلاحي على مرشح واحد لكلٍ منهما. فبالنسبة للتيار المحافظ لم يعلن “أحمدي نجاد” عن نيته الترشح (إلا في أواخر يناير 2009) رغم تأييد المرشد الأعلى المبكر له. وقد ارتفع نجم شخصيات معتدلة من المحافظين البراجماتيين مثل كل من “علي لاريجاني” رئيس البرلمان، و”محسن قاليباف” رئيس مدينة طهران؛ و”محسن رضائي” القائد السابق لحراس الثورة الإسلامية والأمين العام الحالي لمجمع تشخيص مصلحة النظام، ومرشح حزب التنمية والعدالة[13]، كما ذهب فريق للدعوة إلى ضرورة الاستفادة من تنظيمات رجال الدين القوية ذات النفوذ. فدعا “أمير مجيبان” عضو حزب المفكرين الجدد الإيراني إلى إحياء مكانة كل من اتحاد مدرسي حوزة قُمّ واتحاد روحانيت مبارز (رجال الدين الأصوليين) لتوحيد الصفوف مطالبًا بعودة “ناطق نوري” إلى زعامة التيار الأصولي[14].
وبالنسبة للمعسكر الإصلاحي فإنه مع أواخر عام 2008 بدأت أسماء أخرى تتداول بقوة مثل الرئيس خاتمي (رئيس الجمهورية السابق) ومهدي كروبي (رئيس مجلس الشورى الإسلامي الأسبق) وحسين موسوي (رئيس الوزراء الأسبق). وقد حاول الإصلاحيون منذ انتهاء انتخابات مجلس الشورى الإسلامي العودة بقوة إلى الساحة الانتخابية؛ إذ قامت قياداتهم -وعلى رأسهم السيد محمد خاتمي- بنشاط منقطع النظير على المستوى الجماهيري في مختلف المحافظات. كذلك نجح رئيس البرلمان الأسبق “مهدي كروبي” زعيم حزب الثقة الوطني في بلورة توجه وسط يجلب مزيدًا من المعتدلين إلى جناحه؛ مما جعلهما أقوى مرشحيْن إصلاحيين؛ حيث سارعت الأحزاب الإصلاحية لتأييدهما. وهناك اختلاف واضح بين كل منهما في شعاراتهما وأفكارهما، كما أن بينهما اتهامات متبادلة. ورغم أن تعدد المرشحين شكل ديمقراطي يسعى الإصلاحيون لإبرازه، إلا أن ذلك في الواقع قد لا يكون في صالحهم لأنه يفتت الأصوات[15].
وهناك خطاب يُعزز من فرص “نجاد” في الانتخابات الرئاسية القادمة انطلاقًا من اعتياد الشعب الإيراني اختيار الرئيس لفترتين متتاليتين والثغرات التي يُعانيها التيار الإصلاحي، رغم الأوضاع الاقتصادية المتأزمة[16].

ثانيًا- مسار الإصلاح والتحدي الاقتصادي:

يظل التحدي الاقتصادي تحديًّا رئيسيًّا أمام النظام السياسي الإيراني الذي في حال مواجهته بنجاح تتدعم مكانة وقوة النظام الإيراني داخليًّا وإقليميًّا. ولذا تركز جل الخطاب الإيراني الداخلي حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية، بعد أن ظلت قضايا الإصلاح السياسي مركزًا لاهتمام الداخل الإيراني لفترة طويلة خلال عهد الرئيس خاتمي. وقد تمحورت كثير من أدوات السياسة الخارجية الإيرانية حول تفعيل الأداة الاقتصادية سواء على مستوى الاستثمارات الإيرانية في الخارج أو جذب الاستثمارات الأجنبية إلى الداخل.
تواجه إيران ضغوطًا اقتصادية خانقة على النظام، يتضح تأثيرها على المواطن الإيراني في الشارع، خاصة في ظل تزايد العقوبات الدولية المفروضة على إيران على إثر أزمة الملف النووي. وقد تمثل تلك الأزمة الاقتصادية شرخًا هائلاً في جدران النظام الإيراني يمكن استغلاله من قِبل المعارضين. وتعاني إيران من معدلات عالية من التضخم والفقر والبطالة وقلة الاستثمارات برغمٍ من ارتفاع سعر النفط في الآونة الأخيرة. حيث بلغ النمو النقدي في إيران ٤٠%، والتضخم ٣,٢٥% والبطالة ١٢% والاستثمار ٧% والواردات أكثر من خمسين مليار دولار، في حين أن معدل النمو الاقتصادي وصل إلى حوالي ٦%[17]. لم يكن سعر النفط -بالرغم من ارتفاعه- ذا تأثير جيد على الاقتصاد الإيراني، فقد تم ضخ كثير من الأموال العامة في الدورة الاقتصادية (بسبب ارتفاع عائدات النفط) من خلال منح عدد من القروض الصغيرة بفوائد متدنية وتمويل مشاريع للبنى التحتية.
وبالطبع ازدادت حدة الأزمة مع تراجع أسعار النفط في أكتوبر 2008، وهناك تقديرات بأن الخسائر الإيرانية قد تصل إلى (54) مليار دولار خلال خمسة أشهر من هذا الهبوط، مما يوجه جرس إنذار للحكومة الإيرانية التي تعتمد في معظم مشاريعها على أموال النفط.
كما امتدت الأزمة أيضًا إلى صعيد القطاع الزراعي؛ الذي دارت كثير من وعود أحمدي نجاد حول تحسينه من خلال عدة وسائل منها: دعم المزارعين، وتحسين القدرة البحرية لإيران للعمل على النقل البحري للمنتجات الإيرانية. حيث أعلن وزير التجارة الإيراني أن إيران ستضطر لاستيراد القمح بشكل كبير من الخارج إلى جانب السكر والزيوت خلال عام ٢٠٠٨ لعدم كفاية الإنتاج المحلي لمواجهة الاحتياجات الأساسية لهذه السلع، إضافة إلى تأكيده ضرورة استيراد ٢,١ مليون طن من الأرز بالرغم من تصدير إيران له في عام ٢٠٠٧.
وقد قام نجاد بمهاجمة عدد من الوزراء واعتبرهم من أسباب الأزمة الاقتصادية، وهو ما دعاه إلى إقالة العديد منهم. وبالمثل ركز نجاد هجومه على ما أسماه بالمافيا الاقتصادية؛ حيث بدأ الحديث عن المافيا الاقتصادية في الأدبيات الرسمية مع وصول الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى السلطة، الذي ركز دعايته الانتخابية على التصدي لها بالرغم وجودها منذ تاريخ طويل في الخطابات غير الرسمية. وقد شدد على ما يعرف بالمافيا وضرورة مواجهتها في أحد خطاباته بقُم في أبريل ٢٠٠٨ متهمًا إياها بالتسبب في عدة أزمات ومنها أزمة السكن[18].
وتراوحت التقديرات حول المافيا الاقتصادية، فاعتبر البعض أن الترويج لمقولة وجود المافيا ما هو إلا وهم تعمّده المسئولون حتى تنسب كافة المشكلات إلى هذه القوى غير المعروفة ويتنصل النظام من أية مسئولية نتيجة إخفاق سياساته. فأمام خطاب نجاد بقُم الذي أرجع فيه أزمة السكن إلى المافيا، أصدر النائب العام تقريرًا حول ارتفاع أسعار السكن أرجعه إلى ارتفاع تكلفة مواد البناء، والتضخم واتساع الفجوة بين العرض والطلب[19]، في حين اعتبر البعض الآخر أن وجود المافيا بإيران أمر حقيقي تسببت فيه جماعات المعارضة للنظام عن طريق عملائها داخل الجهاز الحكومي. ويعتقد هذا الاتجاه أن المافيا لن تكون فاعلة بدون قواعد لها داخل الحكومة، ومن ثم يصبح القضاء عليها سهلاً إذا ما توافرت إرادة حكومية لذلك، فعلى سبيل المثال يمكن للحكومة تحويل التعامل (أو بالأحرى الامتيازات التفضيلية) لسلعة معينة من شركة لأخرى بعيدًا عن المافيا. وهناك من يرى أنه من الأفضل استخدام مصطلح “الشبكات المحدودة” بدلاً من المافيا لأنه الأنسب لطبيعة الاقتصاد الإيراني، وتهدف هذه الشبكات إلى تحقيق عائدات ضخمة من الأنشطة التي تبدو ظاهريًّا قانونية أو شبه قانونية، وذلك نتيجة عدم شفافية القوانين والقواعد الاقتصادية[20].
وقد عملت الحكومة على مواجهة الأزمة الاقتصادية من خلال التأكيد على ضرورة تفعيل المادة الدستورية (٤٤) باعتبارها تسهم في جذب العديد من فرص الاستثمارات الإيرانية والأجنبية. ومن ناحية أخرى، قامت البورصة الإيرانية بتوفير مئات الملايين من الدولارات خلال الشهور الماضية للشركات الإيرانية وغيرها من خلال التعامل مع بعض مراكز البتروكيماويات[21]، كما عين “نجاد” “محمود بهمني” محافظًا للبنك المركزي الإيراني ليحل محل “طهماسب مظاهري” تحت شعار تفعيل النظام المالي والمصرفي. وتتجه الحكومة الإيرانية إلى صياغة مشروع تحت اسم “التطور الاقتصادي الكبير” وتمت مناقشته مع نشطاء اقتصاديين وشُكلت لجان لاستكماله.
ومن هنا يمكن النظر إلى البعد الاقتصادي للإصلاح باعتباره الإشكالية الرئيسية التي لم يستطع النظام الإيراني مواجهتها بفعالية ونجاح، كما اتسم تحركه على أصعدة أخرى سياسية خاصة في مجال السياسة الخارجية. فتفاقم المشاكل الاقتصادية عكس أحد أهم حلقات ضعف أداء النظام الإيراني في العام 2008. ويسهل إدراك حجم التحدي على هذا الصعيد، إذا ما قورن بالتقدم الذي أحرزه صانع القرار الإيراني على صعيد السياسة الخارجية –كما سيتم إيضاحه في الجزء التالي.

2- سياسة خارجية نشطة: تنوع الخيارات والأدوات

عملت إيران على تنشيط سياستها الخارجية على مدار العام، واتضح ذلك جليًّا من الدور النشط الذي لعبه أحمدي نجاد رئيس الجمهورية من خلال تصريحاته أو الزيارات التي يقوم بها. ويمكن إبراز عدد من الأهداف التي تسعى إيران لتأكيدها من خلال تحركاتها على المستوى الخارجي:
١- التأكيد على حق إيران في امتلاك القوة النووية ورفض أي عقوبات دولية بخصوصها.
٢- التأكيد على قوتها في مواجهة الغرب وخاصة الولايات المتحدة، وأنها على استعداد لأي مواجهة.
٣- محاولة إبراز دور إقليمي قيادي سواء في منطقة الشرق الأوسط من خلال محاولة مدّ نفوذها داخل العراق والتقارب مع دول الخليج لاحتواء التواجد الأمريكي في المنطقة، أو على مستوى الأمة الإسلامية ككل؛ من خلال تقديم نفسها كقائدة للدول الإسلامية وداعية لوحدة العالم الإسلامي، وأنها المناصِر الأقوى للقضايا الكبرى، وعلى رأسها قضية المقاومة والتي بدت جلية في دعمها لحماس وحزب الله.
4- التنويع في شبكة تحالفاتها الخارجية وسعيها لتوسيع قاعدة تحركاتها الدولية من خلال بناء جسور مع قوى دولية متعددة وأطراف إقليمية كثيرة؛ لتكتسب قوة إضافية في مواجهتها مع الغرب، ومن أمثلة ذلك علاقاتها الطيبة مع روسيا والصين والتوجه نحو الشرق الآسيوي، بل والتفاهم مع دول معادية للولايات المتحدة في مناطق بعيدة مثل فنزويلا في أمريكا اللاتينية؛ حيث تقوم باستثمار المصالح المشتركة مع تلك الدول بنجاح ملحوظ.
وهناك عدد من القضايا شكلت أهم محاور انطلاق إيران في علاقاتها الخارجية:

أولاً- البرنامج النووي الإيراني وأبعاد المواجهة مع الغرب:

أضحى الملف النووي الإيراني مرتكزًا محوريًّا لتفاعلات إيران مع العالم الخارجي، وتدور حوله معظم خريطة شبكة علاقاتها الخارجية. بل إن هناك تحركات كثيرة تقوم بها إيران لتكتسب بها دعمًا شعبيًّا ودوليًّا لإنجاز الملف النووي الإيراني. علمًا بأن الأمر ليس معناه أن الملف هو غاية نهائية فحسب، ولكنه وسيلة لتحظى باعتراف الجميع كقوة إقليمية قائدة.
وبداية تجدر الإشارة إلى أن عام 2008 شهد وحده صدور قرارين من مجلس الأمن بهذا الشأن: أولهما- هو القرار رقم (1803) في مارس 2008، وقد جاء بالحزمة الثالثة من العقوبات التي تفرض على إيران من قِبل المجلس (بعد القرارين: رقم 1737 الصادر في ديسمبر 2006، ورقم 1747 الصادر في مارس 2007). إلا أن القرار رقم 1803 هذا جاء بما يشبه الإجماع؛ حيث صدر بموافقة (14) دولة من 15 دولة هي إجمالي أعضاء مجلس الأمن.
أما القرار الثاني فهو القرار رقم 1835 الصادر في سبتمبر 2008 بالإجماع. ولم يأتِ هذا القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة بعقوبات جديدة على إيران، إنما أكد على السبل الدبلوماسية والتفاوضية؛ بسبب معارضة روسيا لفرض عقوبات جديدة. ومن ناحية أخرى، صدر أكثر من تقرير من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن ملف إيران النووي، واختلف تفسير ما جاء بها؛ لأن بعضًا منها أكد أنه مازالت هناك أسئلة لم تُجِب عنها إيران، في حين أشارت أخرى أحيانًا إلى تعاون إيران. وهو الأمر الذي إن دل على شيء، يدل على قدرة إيرانية عالية على المناورة وعلى مهارات دبلوماسية ملحوظة، استطاعت إيران من خلالها استثمار جميع الفرص التي يطرحها النظام الدولي على محدوديتها، ومواجهة جميع القيود المفروضة عليها على كثرتها.
ويمكن إبراز التطورات الحادثة في الملف النووي على شكل سيناريوهين سادا التكهنات المختلفة في معظم عام 2008، لكل منهما حجج تؤيده:
أما السيناريو الأول فهو احتمالية توجيه ضربة عسكرية لإيران، ويستند أنصار هذا الرأي إلى التصريحات الإسرائيلية المستمرة بضرورة القيام بحرب ضد إيران أو على الأقل توجيه ضربة عسكرية ضد منشآتها النووية. حيث حذر شافتاي شافيت الرئيس السابق للموساد الإسرائيلي من أن إسرائيل أمامها عام واحد لتدمير البرنامج النووي الإيراني مشيرًا إلى سهولة القرار في حالة تولي ماكين رئاسة الولايات المتحدة[22]، (وهو الأمر الذي لم يتحقق، بل إن وصول أوباما إلى سدة الحكم في العام التالي 2009 قد صعّب من مهمة الداعين إلى الحل العسكري للملف النووي الإيراني).
ولكن الأمر أيضًا لم يتوقف عند مجرد تصريحات بل توازى معها استعدادات إسرائيلية، كان أبرزها إجراء سرب من ١٠٠ طائرة عسكرية إسرائيلية تدريبات على مسافة تصل إلى السواحل التونسية في البحر المتوسط، وهي المسافة التي تعادل تلك الفاصلة بين إسرائيل ومنشأة ناتنز النووية في إيران[23]. يعود هذا التحرك الإسرائيلي إلى الشعور بأن إسرائيل ستكون الهدف الأول لإيران؛ بسبب التهديدات الإيرانية المتكررة بمحو إسرائيل، وتأكيد المخابرات الإسرائيلية على أن إيران أضحت على بُعد أقل من ستة أشهر للتوصل إلى البلوتونيوم اللازم لتصنيع القنبلة النووية؛ ومن ثم يتم قلب موازين القوة بالمنطقة بحيث ينكسر احتكار إسرائيل لامتلاك الأسلحة نووية في المنطقة. ويدعم هذا التوجه الاعتقاد بأن ساحة أي حرب متوقعة ستحدث على الأراضي الإيرانية بعيدًا عن المحيط الإسرائيلي، خاصة في ظل التقدم الإسرائيلي في مجال الصواريخ ودرعها الصاروخي المضاد للصواريخ.
وتعددت المؤشرات المساندة لتلك التحركات الإسرائيلية، منها الخطى التي تتخذها الإدارة الأمريكية والتي قد تزيد من فرص الحرب في المستقبل القريب. حيث شارك ضباط أمريكيون -بحسب بعض المصادر- في المناورات الإسرائيلية بالبحر المتوسط، كما شارك قادة أمريكيون في تقويم أداء الجيش الإسرائيلي وجاهزية سلاح الجو خلال المناورات. ويؤكد هذا الزعم ما قام به الرئيس الأمريكي بوش من زيارات لحكام المنطقة، وما بدا خلالها من حثّ أمريكي على قبول فكرة مواجهة الملف النووي مواجهة عنيفة، وكان الملف المتصدر لكل المباحثات التي أجراها بوش. حيث قام بوش بزيارة للمملكة العربية السعودية وأجرى محادثات مع الملك عبد الله أكد فيها الخطر الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني[24]. كما صاحبت جولات بوش زيارات من عناصر من داخل الإدارة الأمريكية كزيارات ديك تشيني نائب الرئيس إلى كل من السعودية وعُمان، وزيارات رايس إلى كل من إسرائيل وفلسطين والأردن التي لم يغِب عنها الملف النووي الإيراني.
وكل تلك الجولات إنما تأتي لتضييق الحلقة على إيران، حيث ذهب كثير من المحللين إلى أن تلك الزيارات حملت من مبعوثي الإدارة خططًا للتنسيق في حالة شن الحرب أو كيفية تطويق إيران واستغلال القوات الأمريكية المتواجدة في الخليج. بل إن القيادة الأمريكية قد تكون نجحت -بشكل أو بآخر- في كسب دعم زعماء المنطقة لمحاولات عزل إيران وحلفائها كما حدث في القمة العربية في دمشق. فقد غاب عديد من الزعماء العرب؛ وهو ما كان ظاهريًّا بسبب لبنان، ولكن العلاقة السورية-الإيرانية كانت حاضرة وراء ذلك الغياب، وكان الهدف وراء الكواليس هو العمل على عزل إيران وحلفائها.
ومن ناحية أخرى نجد أن التشكيل القيادي العسكري الجديد في المنطقة يرجح الاتجاه القائل بإمكانية حدوث حرب ضد إيران. فقد تغيرت رئاسة القيادة المركزية في المنطقة بعد إقالة الأدميرال وليام فالون، الذي كان له عديد من التصريحات المعارضة للحرب، وتم تعيين الأدميرال ديفيد بترايوس رئيس القيادة العسكرية في العراق ومهندس الخطط العسكرية في العراق، ومن المعروف أنه من مناصري شن الحرب على إيران. كما أحيل قائد الأسطول الخامس الأمريكي -الذي كان يشغل أيضًا منصب قائد البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط – الأدميرال كيفن كوسغريف إلى التقاعد، وعين بدلاً منه الأدميرال وليام غورتن الذي كان يشغل منصب قائد القوة الضاربة العاشرة في البحرية الأمريكية[25].
وحتى نهايات عام 2008 ظل سيناريو توجيه ضربة عسكرية إلى إيران أحد البدائل الرئيسية المطروحة على الساحة، ولكن مع انتخاب أوباما تراجعت احتمالية تحقق هذا التصور – وإن لم تختفِ على الإطلاق.
أما عن السيناريو الثاني، فيذهب مؤيدوه إلى نفي احتمال اللجوء إلى الحل العسكري، على الأقل في الوقت الراهن. ويستند هؤلاء إلى عدد من الأطروحات التي تسوغ مقولاتهم. فأولاً تمتلك إيران قدرة على الردع تحول دون إمكانية توجيه ضربة عسكرية إليها. حيث تمتلك قدرات عسكرية، أكدها كثير من المراقبين نتيجة تطور قطاع الصناعات العسكرية، الأمر الذي فرضته ودفعت إليه التهديدات الخارجية المتواصلة[26] التي تواكبت مع محاولات حصار إيران والضغط عليها. وقد عمدت إيران إلى القيام بإصلاحات هيكلية في قواتها المسلحة خاصة قوات الحرس الثوري، التي انتشرت في أنحاء البلاد عبر قوات سلاح المشاة. وكذلك أجرت طهران تجربة أطلقت خلالها صواريخ طويلة ومتوسطة المدى؛ منها صواريخ قد تصل إلى تل أبيب مثل “شهاب٣” الجديد. كذلك تعددت المناورات العسكرية الإيرانية بالخليج، من أبرزها المناورة التي سميت “الرسول الأعظم” بهدف تحسين القدرات القتالية. وقد تكررت المناورات على نطاق أوسع في أواخر عام 2008. وتزامنت مع هذه التطورات الميدانية الدالة لهجةٌ إيرانية تصعيدية، تم من خلالها تصعيد الخطاب الإيراني الرسمي، الأمر الذي بدا واضحًا في تصريحات القيادات السياسية والعسكرية التي حملت مرارًا التهديد بضرب تل أبيب والسفن الأمريكية في الخليج أو إغلاق مضيق هرمز في حال القيام بأي هجوم عليها.
وتضع تلك الإمكانيات العسكرية المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين أمام تحدٍ خطير في حالة القيام بأي ضربة عسكرية؛ نظرًا للقوة الرادعة التي أضحت تتمتع بها إيران في محيط المنطقة. هذا في ظل الأزمة العسكرية التي تواجهها الولايات المتحدة في العراق، وهو الأمر الذي قد يضع القوات الأمريكية في مدى الأسلحة الإيرانية في أكثر من موقع في الخليج.
وبجانب البُعد العسكري فإن إيران تمتلك قوة استراتيجية إضافية وهي النفط، فهي ثاني أكبر مصدِّر للنفط في الأوبك والرابع في العالم. وبالفعل تعهدت إيران مرارًا بقطع إمداداتها النفطية، بل وعرقلة الصادرات النفطية بالمنطقة عبر إغلاق مضيق هرمز؛ وهو ما سيؤثر على صادرات نفط المنطقة بشكل عام. وبالرغم من أن تلك الاحتمالية ستعود بالضرر على إيران أيضًا في ظل أزمتها الاقتصادية إلا أن التهديد الذي قد تتعرض له الدولة قد يدفعها للقيام بأي خطوات تضر أطرافًا خارجية، طالما كان هناك ضرر واقع عليها لا محالة، في كل الحالات.
ويذهب مناصرو عدم إمكانية قيام حرب ضد إيران إلى أسباب خارجة عن الداخل الإيراني مثل: عدم استعداد إسرائيل للحرب وأن التهديدات الإسرائيلية تأتي في نطاق الحرب النفسية فقط ولتأليب الشعب الإيراني ضد نظامه الحاكم. فإسرائيل تواجه أزمات داخلية تحول دون إمكانية قيامها بحرب خاصة بعد الهزيمة أمام حزب الله في عام ٢٠٠٦، وما يواجه رئيس وزرائها أولمرت من تحقيقات قضائية.
وعلى الجانب الأمريكي نجد أيضًا بوادر لاتباع نهج تصالحي مع إيران؛ حيث العمل على اتباع الطرق الدبلوماسية والتصريح بأن الحرب لن تأتي إلا بعد استنفاذ السبل الدبلوماسية. وقد تعزز هذا الاتجاه بوصول أوباما إلى البيت الأبيض. كما ظهرت مشاورات في الإدارة الأمريكية حول إمكانية فتح مكتب تمثيل دبلوماسي أو رعاية مصالح في إيران بهدف التقارب مع الشعب الإيراني. وفي نفس الوقت، أثار تقرير المخابرات المركزية حول الملف النووي الإيراني تساؤلات حول مدى المعارضة الداخلية التي يواجهها النهج العدائي مع إيران، حيث أكد التقرير على أن إيران قد أوقفت الأنشطة العسكرية لبرنامجها النووي، وأن البرنامج الآن يتسم بالطابع السلمي. ومن ناحية أخرى، قام وليام بيرينز من الجانب الأمريكي بالمشاركة في محادثات جنيف في ٢٠ يوليو ٢٠٠8 إلى جانب مسئول الملف النووي الإيراني سعيد جليلي؛ وهو ما اعتُبر تقدمًا في العلاقات بين البلدين بالنظر إلى إجراء محادثات مباشرة بين الطرفين؛ وأعطى مؤشرًا إيجابيًّا للوصول إلى حل سلمي للمسألة[27].
ويأتي رفض القوى الكبرى لضرب إيران سببًا مهمًّا في ترجيح كفة عدم ضرب إيران. فقد أكدت الصين على رفض الحل العسكري؛ حيث شدد وزير الشئون الدولية في الحزب الشيوعي الصيني على ضرورة الحل السلمي مشيرًا إلى أهمية دولة إيران وأهمية تطوير بلاده للعلاقات معها خاصة في مجالات الطاقة[28]. ومن ناحية أخرى، أعلن الاتحاد الأوروبي مجددًا رفض توجيه ضربة عسكرية لإيران، مشيرًا إلى أنه لن يدعم هذا الأمر، وأكد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أنهم يكتفون باللجوء إلى أسلوب المفاوضات لإزالة المخاوف بشأن برنامج إيران النووي[29].
وفي نفس الوقت استمر الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات جديدة؛ منها: نشر قائمة بأسماء (٢٥) شخصًا ومؤسسة إيرانية في ٢٣ يونيو ٢٠٠٨ شملتها العقوبات الاقتصادية، تضمنت بنك ملي -أكبر البنوك الإيرانية- الذي يقال إنه يدعم الشركات العاملة في البرنامج النووي الإيراني، هذا إلى جانب شركة صناعة الطيران الإيرانية. وطالت العقوبات أبرز المسئولين الإيرانيين؛ بينهم رضا أغا زاده رئيس هيئة الطاقة النووية الإيرانية، والجنرال على حسنيتاس رئيس الدائرة العامة لمجلس الأمن القومي الإيراني، ومحمد على جعفري قائد الحرس الثوري[30].
وقد استمرت الولايات المتحدة أيضًا في نهج العقوبات في ضوء استبعادها للخيار العسكري، حيث استبقت عقوبات الاتحاد الأوروبي بقانون وافقت عليه اللجنة المالية بمجلس الشيوخ في يونيو ٢٠٠٨ يقضي بتوسيع العقوبات المالية والتجارية على إيران عن طريق إحكام الحظر التجاري على السلع الإيرانية وعدم السماح باستيراد السجاد الإيراني والكافيار ومعاقبة الشركات الأمريكية إذا تعاملت فروعها الأجنبية مع إيران[31]. وفي أكتوبر 2008 وسعت واشنطن عقوباتها لتشمل مصرفًا إيرانيًّا جديدًا هو “بنك تطوير الصادرات” الذي اتهمته بتمويل البرنامج النووي الإيراني[32].
وكانت إيران قد احتاطت لهذه العقوبات؛ حيث سحبت نحو (٧٥) مليار دولار من البنوك الأوروبية خشية تجميدها عبر عقوبات جديدة وتم تحويل هذه المبالغ إلى ذهب وأسهم[33].
وحذرت أيضًا الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الحرب على إيران على خلفية التهديدات الإسرائيلية؛ لما قد يؤدي إليه ذلك من تحويل المنطقة إلى كُرة من اللهب، وقد هدد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي بالاستقالة إذا ما تم ضرب إيران[34].

ثانيًّا- الدور الإيراني ورسم خريطة إقليمية جديدة:

لعل أحد أسباب تمسك النظام الإيراني بالمضي قُدُمًا في برنامجه النووي والتفاف غالبية الشعب الإيراني حول هذا المشروع هو ما يمثله من دعم لفكرة إيران القوية إقليميًّا، وليس فقط من منطلق الدفاع عن إيران في مواجهة ما تجابهه من تهديدات أمريكية إسرائيلية. فقد اتجهت كثير من التفاعلات الخارجية للجمهورية الإيرانية إلى رسم دور مؤثر في الساحة الإقليمية على تعدد دوائرها: العربية والإسلامية والآسيوية. وبدا النفوذ الإيراني في أكثر من قضية إقليمية:
المسألة العراقية: تكاد تكون إيران هي المستفيد الأكبر من تداعيات الغزو الأمريكي للعراق، والأكثر تأثيرًا على الشأن الداخلي العراقي بعد احتلاله من قبل الولايات المتحدة. فمن خلال التواصل –بدرجات متفاوتة- مع الجماعات الشيعية وبدرجات أقل مع قوى عراقية أخرى، استطاعت إيران أن تتغلغل بنجاح على أكثر من صعيد، خاصة مع وصول عناصر شيعية موالية لإيران إلى سُدة الحكم في إيران. وقد تأكد هذا الدور في العام الحالي من خلال عدد من المؤشرات منها: استمرار العمل باتفاقية الجزائر بالرغم من تصريحات مسئولين عراقيين بعدم وجود نية لتجديد اتفاقية الجزائر وأنها أصبحت لاغية، وذلك بسبب المعارضة الإيرانية.
وقد كان من أبرز الحوادث زيارة الرئيس نجاد للعراق؛ وهي أول زيارة قام بها رئيس إيراني منذ اندلاع الثورة الإيرانية. وجاءت الزيارة في إطار تأكيد المؤسسة الرسمية الإيرانية على حسن العلاقة مع دولة العراق ودعم الحكومة العراقية والسياسات العاملة على توطيد الأمن هناك. علمًا بأن الهدف المستتر هو توجيه رسالة مفادها أن إيران قادرة على الوجود داخل العراق رغم احتلال الولايات المتحدة، بل إنها قادرة على مجابهة الولايات المتحدة في العراق من خلال العناصر الداعمة لها داخل الحكومة العراقية. وصرح المسئولون الإيرانيون أن نجاد تمكن من زيارة العراق إثر سقوط عدو إيران صدام حسين، وهو ما قد يكون درسًا لجهات أخرى يجب الاستفادة منه.
وتوجد معارضة شديدة لهذا التواجد الإيراني، اتضحت من خلال المظاهرات التي صاحبت زيارة نجاد للعراق. حيث تظاهر مئات من المواطنين في مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالي احتجاجًا على الزيارة، كما عبر عدد من المنظمات والأحزاب عن اعتراضها على الزيارة وعلى الدور الإيراني في العراق وطالبت بوقف التدخل في الشئون العراقية. وكان من بين تلك الجهات جبهة كركوك العراقية، وكذلك جبهة عشائر العراق وجبهة التوافق السنية[35].
ولكن المعارضة لإيران لا تأتي من أطراف سُنّية وكردية فقط، حيث ظهر خلاف شيعي-شيعي داخل العراق بين التيار الصدري وحكومة المالكي، وهو ما أثر على علاقة حكومة المالكي بطهران نتيجة الدعم الذي تقدمه طهران لجيش المهدي، وقام المالكي بإرسال وفد برلماني إلى إيران للبحث في إشكالية الخلافات في الداخل الشيعي[36]. وبشكل عام، تحرص إيران على تطوير علاقاتها بكافة الأطياف العراقية، وتعددت اللقاءات الدالة على ذلك منها: استقبال وفد إعلامي عراقي في أواخر أغسطس 2008، واستضافة رئيس مجلس النواب العراقي “محمود المشهداني” في أكتوبر 2008، وكذلك لقاء “نجاد” في نفس الشهر برئيس إقليم كردستان العراقي “مسعود البرزاني” الذي قدم تقريرًا عن الأوضاع في بلاده[37].
وتعتبر الساحة العراقية حلبة رئيسية للصراع الأمريكي-الإيراني، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بتطور المفاوضات حول الملف النووي. وفي الوقت الذي تقوم الولايات المتحدة بعقد الاتفاقية الأمنية مع الحكومة العراقية، أبدت إيران موقفًا رافضًا لها في البداية، واعتبر هذا التطور بمثابة التأكيد على شرعية الاحتلال الأمريكي للعراق. وفي أثر تزايد الشعور الأمريكي بزيادة النفوذ الإيراني ودوره في الميليشيات العسكرية، بدأت جولات من الحوار بين الطرفين الأمريكي والإيراني حول أمن العراق، حيث عقدت حوالي أربع جلسات حوار[38]. وهو ما يعني أن الولايات المتحدة تستوعب أن كثيرًا من مفاتيح أمن العراق في يد إيران وأن التعامل معها أصبح لا مفر منه. وعكس ذلك تحولاً نوعيًّا في سياسة إيران تجاه العراق التي بدت أقل تصادمية مع الولايات المتحدة، ولعل موقف إيران النهائي غير المندد بالاتفاقية الأمنية -التي مررت في نهاية المطاف- يأتي على رأس الدلائل الداعمة لبداية عهد من التعاون الأمريكي الإيراني النسبي في العراق.
الموقف من قوى المقاومة: تسعى الولايات المتحدة إلى الترويج للصراعات الإقليمية-الإقليمية، ونجحت نسبيًّا في تحويل الصراع الرئيسي في المنطقة من كونه صراعًا عربيًّا–إسرائيليًّا إلى تصويره كصراع عربي–إيراني، الخلاف الرئيسي فيه حول الموقف من قوى المقاومة. فانقسمت الخريطة الإقليمية إلى معتدلين يتحفظون على فكرة المقاومة ويعظمون من فوائد مهادنة الغرب وعدم تصعيد الصراع معه أو مع إسرائيل، وبين ما سُمي بمعسكر التشدد والتطرف أو الممانعة وفيه تبدو إيران متزعمة للأطراف الإقليمية سواء الدول مثل سوريا أو الحركات مثل حماس وحزب الله، التي ما زالت تؤمن بأن طريق المقاومة هو أنسب الطرق للتعامل مع إسرائيل وإجبار الغرب على عدم المساس بالمصالح الإقليمية سواء عربية أو إسلامية. وفي هذا الإطار لعبت إيران دوارًا مهمًّا على الساحتين اللبنانية والفلسطينية.
فيما يخص القضية الفلسطينية، فيأتي الدور الإيراني على إثر تزايد التصريحات التي يطلقها نجاد ومسئولون إيرانيون بمحو إسرائيل. وقد ظهر الموقف الإيراني الداعم للمقاومة من خلال مساندة حماس في ظل مقاطعة عربية شاملة للحركة، والدعم الذي تقدمه للشعب الفلسطيني المحاصر داخل قطاع غزة. وقد قام خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بزيارة طهران في مايو ٢٠٠٨. وتكسب إيران بموقفها من قوى المقاومة تعاطفًا شعبيًّا وجماهيريًّا ملحوظًا. وجاء العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة في نهاية عام 2008 ليؤكد هذا المنحى، حيث بدا الخطاب الإيراني الرسمي مؤيدًا بشدة لحماس بشكل كرَّس من استمرارية انقسام المنطقة حول ملف المقاومة.
أما بالنسبة إلى المسألة اللبنانية، فقد أضحت لبنان ساحة للتنافس بين قوى محلية لها شبكة تحالفاتها الخارجية التي تجتمع كل منها حول مشروع إقليمي تراه الأجدى بالاتباع والتنفيذ. وكانت أزمة الرئاسة اللبنانية إحدى القضايا التي وُجِّهت لإيران -بجانب سوريا- بصددها العديد من الاتهامات بشأن دورها في تأخير حلها، وذلك في إطار دعمها لعناصر كحزب الله، التي حالت دون انتخاب رئيس للبنان لفترة طويلة[39]. ويفسر البعض هذا بأنه يضع مزيدًا من الضغوط على القوى الغربية لتحقيق مكسب لإيران في المفاوضات حول الملف النووي.
علمًا بأن إيران قد رحبت بالخطوات التي تم اتخاذها في اتفاق الدوحة وانتخاب ميشيل سليمان رئيسًا للبلاد. وقد أوفدت الجمهورية الإسلامية “متقي” وزير الخارجية كمبعوث لحضور جلسة انتخاب سليمان رئيسًا للبلاد[40]. ورحب متقي فيما بعد بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة في يوليو ٢٠٠٨ عقب إعلان فؤاد السنيورة تشكيلها، معتبرًا أنها خطوة لتدعيم الوحدة الوطنية بين اللبنانيين. وقد تأكد هذا المنحى في اللقاء الذي عقده رافسنجاني مع عديد من المسئولين السعوديين للتأكيد على اتفاق الدوحة[41]، وهو اللقاء الذي تم بين الأطراف المؤثرة بشكل أو بآخر على الساحة اللبنانية، وفيه وجهت إيران رسالة بأن ما يحدث في لبنان يحظى برضاها ورضا أنصارها في لبنان، وأن دورها يزداد قوة، بدلاً من الحيادية المفترض عليها اتخاذها. وبرهنت إيران على موقفها هذا بدعوتها الرئيس اللبناني العماد “ميشال سليمان” على رأس وفد وزاري في زيارة رسمية لمدة يومين في أواخر نوفمبر 2008.
وعلى صعيد آخر، ولكن مكمل للتحركات الإيرانية الإقليمية، عملت إيران على إحداث تقارب مع دول الخليج بما يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية بالمنطقة. وكان من أبرز مظاهر هذا التقارب مشاركة إيران في اجتماعات قمة مجلس التعاون الخليجي في نوفمبر 2007 وتعدد الزيارات المتبادلة؛ منها: زيارة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات لإيران في فبراير 2008، وكذلك زيارة أمير قطر الشيخ “حمد بن خليفة آل ثاني” في أغسطس 2008، وزيارة “علي لاريجاني” رئيس مجلس الشورى الإسلامي إلى البحرين في أكتوبر 2008. إلا أن مسألة “الجزر الإماراتية” ظلت سببًا للتوتر (النسبي المحدود) في العلاقات الإيرانية-الخليجية بين الحين والآخر. حيث دائمًا ما تجدد إيران ادعاءها ملكية هذه الجزر، وقد أقدمت مؤخرًا على إنشاء مكتبين في جزيرة أبو موسى أحدهما للإنقاذ البحري والآخر لتسجيل السفن مما دفع الإمارات لمطالبة إيران بقبول الاحتكام للقضاء الدولي لتسوية الأزمة. كذلك احتجت إيران في ديسمبر 2008 على ما أسمته تصرفات مهينة من قبل السلطات الإماراتية تجاه الرعايا الإيرانيين والاعتقال العشوائي لهم. وفي ظل هذه التطورات أطلق “متقي” تصريحات محذرًا دول الخليج -خاصة الإمارات- من التحول إلى ما أسماه جسرًا لتمرير مخططات لندن وواشنطن[42].
لكن يظل ملف العلاقات الإيرانية الخليجية بلا توتر رئيسي، ويعكس درجة من استقرار التفاعلات بالرغم من القضايا الشائكة العالقة بين الطرفين، وعلى رأسها الموقف من الولايات المتحدة ومن البرنامج النووي الإيراني.
إذا ما انتقلنا إلى ملف العلاقات المصرية-الإيرانية، فقد ظهرت في بداية العام بعض مظاهر التقارب دلت عليها مؤشرات في مقدمتها قدوم الوفود الإيرانية إلى الأزهر، وكذلك تصريحات المسئولين الإيرانيين بوجود نية لفتح سفارة إيرانية فور موافقة الحكومة المصرية على ذلك، واستقبال مصر في أكتوبر 2008 للنائب الإيراني ووزير الصحة الأسبق “علي رضا ميرندي” الذي حمل رسالة من “لاريجاني” تتضمن الدعوة لمزيد من الانفتاح في العلاقات بين البلدين. إلا أن تراجعًا بدا في الأفق على إثر عرض فيلم “إعدام فرعون” والذي قيل إنه يصور الرئيس المصري الراحل أنور السادات على أنه خائن، وبدأ إنتاج جزء ثانٍ منه بعنوان “٢٤ رصاصة لفرعون”. وذكر موقع رجانيوز الإيراني أن لجنة تكريم شهداء الحركة الإسلامية العالمية ستقوم بإنتاجه. وما زال مناخ التوتر سائدًا بالرغم من تأكيد مصادر رسمية إيرانية عديدة أن الجهة المنتجة والعارضة لهذا الفيلم جهة غير حكومية (جريدة جمهوري إسلامي)، وبالرغم من اتخاذ السلطات الإيرانية إجراءات للحد من توزيع هذا الفيلم. وجدير بالذكر أن إطلاق اسم خالد الإسلامبولي (الذي اغتال الرئيس السادات) –ولو بشكل غير رسمي- على أحد شوارع طهران ما زال أحد أوجه الخلاف الأكيد بين القاهرة وطهران، ويعد تغيير اسم الشارع (فعليًّا) – بعد أن تم إعلان تغييره رسميًّا- من الشروط التي تفرضها مصر لعودة العلاقات المصرية-الإيرانية[43].
واستمر الموقف من حماس أحد محاور الخلافات الرئيسية بين مصر وإيران؛ حيث ترى مصر أن الدعم الإيراني لهذه الحركة إنما يعكس مدًا للنفوذ الإيراني في الساحة الخلفية اللصيقة للأمن القومي المصري المباشر. وطوال فترة الحصار، كثيرًا ما تكرست لحظات التوتر، منها ما جاء على إثر انتقادات رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني “هاشمي رافسنجاني” لموقف مصر فيما يتعلق بمعبر رفح وحصار غزة[44]. إلا أن الأمر تعدى مرحلة التوتر في الأيام الأخيرة لعام 2008 في أعقاب الحرب على غزة، حيث اعتُبِرت إيران في الخطابات الرسمية والإعلامية المصرية خصمًا رئيسيًّا يمتلك أجندة ضارة بالمصالح المصرية والعربية على عمومها.
بالإضافة إلى ذلك، اكتسب تأزم العلاقات المصرية-الإيرانية بعدًا مذهبيًا طائفيًّا كرَّس من مناخ الريْبة بين الدولتين. فقد تعددت المقولات المشيرة إلى أن إيران تقوم بمحاولات لمد التشيّع في مصر، حيث أكد وزير الأوقاف المصري محمود حمدي زقزوق أنه لن يسمح بأي نوع من المد الشيعي في مصر، وذلك في وقت ذكر فيه بعض الشيعة العراقيين من أن شيعة إيران يدخلون مصر بجوازات سفر عراقية ويسعون لإقامة حسينيات بمدينة السادس من أكتوبر والأماكن التي بها تجمعات شيعية عراقية. إلا أن المستشار الإعلامي بمكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة كريم عزيزي نفي أي محاولات من هذا النوع، مشيرًا إلى أنه لا يعرف هذه الجهات التي تسعي لتشويه العلاقات بين البلدين[45]. وجاءت تصريحات الشيخ “يوسف القرضاوي” عن المد الشيعي والتي أثارت حفيظة الإيرانيين على نحو اتضح من تصريحات عدة[46] لتسلط الضوء أكثر على هذا التخوف. ومن ثم يمكن اعتبار عام 2008 -خاصة ربعه الأخير- إحدى حلقات التأزم المتكرر في العلاقات المصرية-الإيرانية.

ثالًثا- إيران والاتجاه إلى آسيا

توسع إيران من شبكة علاقاتها الخارجية بتحركها النشط والمنظم شرقًا وشمالا في اتجاه دول آسيا. ففي ظل النظام الدولي الحالي أحادي القطبية (والمتجه إلى التعددية القطبية)، أرادت إيران أن توسع من خياراتها ولا تقصرها –كما كان في السابق- على التباين في داخل المعسكر الغربي ما بين ضفتي الأطلسي، خاصة بعد التقارب الأوروبي-الأمريكي في الفترة السابقة. إنما سعت لمد جسور قوية قائمة على المصالح المشتركة مع دول كبرى غير غربية مثل الصين وروسيا (وإلى حدٍّ ما الهند أيضًا). فإحدى أهم السمات المميزة للسياسة الخارجية الإيرانية عن مثيلتها لغالبية الدول العربية هو قراءتها المختلفة للواقع الدولي وإيمانها، بل وسعيها إلى بناء نظام دولي متعدد الأقطاب تقوم فيه دول مثل روسيا والصين وربما الهند بأدوار موازنة -أو على الأقل مغايرة- للأدوار الغربية. وتلعب إيران بأوراق مهمة مع دول تلك المنطقة أهمها الطاقة والسلاح.
تمثل دبلوماسية الطاقة إحدى ملامح التوجه الإيراني في آسيا، وتبلورت بوضوح مؤخرًا خاصة بعد زيارة أحمدي نجاد لكل من باكستان والهند وسريلانكا يومي ٢٨-٢٩ أبريل ٢٠٠٨. فآسيا أضحت إحدى أهم ساحات إيران في مواجهة سياسة الغرب العدائية ضدها، حيث سعت لتغيير طبيعة التنافسية لعلاقاتها مع كثير من دول آسيا إلى تعاون بنّاء، وتعد مباحثات مشروع خط أنبوب السلام لتوصيل الغاز إلى الهند عبر باكستان من أبرز الأمثلة في هذا الصدد[47]. وتهدف إيران من وراء تلك المحاولة إلى كسب مزيد من التأييد الخاص بملفها النووي، خاصة من دول تعتبر حليفة للولايات المتحدة كباكستان والهند.
من ناحية أخرى، حضر “متقي” وزير الخارجية الإيراني مؤتمر مجموعة الثمانية G8 في إندونيسيا مؤكدًا على دعم إيران للمجموعة انطلاقًا من كونها مجموعة موازية للدول الأغنى عالميًّا، وكمحاولة لمواجهة مجالات الهيمنة وتوسيع مجال نشاطها التجاري والسياحي.
وقد انتخبت إيران خلال الاجتماع السابع للمؤتمر الوزاري للحوار من أجل التعاون الآسيوي الذي عقد في العاصمة الكازاخية “أستانة” في أكتوبر بمشاركة “متقي” لاستضافة الاجتماع التاسع في عام 2010[48]. كما أبدت إيران استعدادها للعضوية الدائمة في منظمة “شنغهاي” كجزء من استراتيجيتها الإقليمية (فمن المعلوم أنها حتى الآن –عام 2008- تتمتع بصفة المراقب في داخل هذه المنظمة).
وبالنسبة إلى الوضع في أفغانستان، أعلنت إيران دعمها للمسيرة السياسية لهذا البلد من خلال الاستمرار في طريق الإعمار، خاصة أن سقوط طالبان ثم صدّام حسين مثّلا مكسبًا استراتيجيًّا لإيران. لذا، تعمل إيران على دعم النظام الموجود، وتعمل إيران على تقديم مساعدات للحكومة والشعب الأفغاني خلال استقبال عدد من اللاجئين وتقديم مساعدات للحكومة الأفغانية للقيام بمشاريع لإعمار البلاد. ولاشك أن انتقال أفغانستان إلى بؤرة اهتمام الاستراتيجية الأمريكية خلال عهد أوباما، سيعزز من مكانة وأهمية الدور الإيراني إقليميًّا بشكل عام وتجاه وسط آسيا بشكل خاص.
يبقى التنويه إلى أن حركة إيران الخارجية النشطة اتجهت أيضًا نحو أفريقيا، فالتقدم الحادث على صعيد العلاقات الإيرانية-الأفريقية لم يأتِ من فراغ وليس وليد اللحظة، ويمكن القول إن الاهتمام الإيراني بالقارة الأفريقية كان قد تضاءل في فترة ما بعد الثورة ثم عاد الاهتمام في فترة بداية التسعينيات، وكانت جولة الرئيس خاتمي في أفريقيا عام ٢٠٠٥ هي الأبرز. وقد قام وزير الخارجية الإيراني “متقي” بالمشاركة في 2008 في قمة الاتحاد الأفريقي، وأكد على إعطاء مزيد من الاهتمام بتنمية العلاقات مع أفريقيا، ودعا في هذا الإطار إلى قمة إيرانية-أفريقية من المنتظر انعقادها في عام ٢٠٠٩.
وأشارت بعض التقارير إلى وجود أهداف دينية ومذهبية لإيران من التوغل في أفريقيا، حيث تعمل إيران على تصدير الأفكار الشيعية في أفريقيا لخلق مجتمع شيعي يكون داعمًا لإيران في المستقبل. وأما عن الأهداف السياسية، فإن إيران تسعى إلى كسب مزيد من التأييد لبرنامجها النووي وحقها في امتلاك الطاقة النووية. وبالنسبة إلى الأهداف الاقتصادية تتمحور حول تعزيز علاقاتها النفطية مع الدول الأفريقية والتعاون في مجال استكشاف الموارد.
وباستقراء التطورات الحادثة خلال عام 2008 بالنسبة لإيران، يمكن ملاحظة تطوير بارز للأداء الإيراني على صعيد السياسة الخارجية، أفرز تقدمًا على صعيد أكثر من ملف وأكثر من منطقة، وهو النشاط الذي أنتج تحولاً نوعيًّا في مكانة ودور إيران في محيطها الإقليمي العربي والإسلامي والآسيوي. لم يواكب هذه الفعالية على الساحة الخارجية تقدم في الساحة الداخلية على صعيد كل من الإصلاح الاقتصادي والسياسي؛ حيث ما زالت إيران تواجه إشكاليات رئيسية فيما يخص الأداء الاقتصادي العام وفي مسار تطور نموذج الديمقراطية الإسلامية الذي تطرحه إيران.

تركيا: العثمانيون الجدد والغرب

شهد عام 2008 بؤرة الصراع حول ماهية حدود الإصلاح في تركيا وتأثيره على الهوية العلمانية للدولة وسقف التغيير المسموح به. وكان استمرار قيادات حزب العدالة والتنمية بخطًى ثابتة وواثقة في اتجاه الاندماج في الدولة ملمحًا بارزًا في هذا العام، تواكبت معه مخاوف علمانية على هوية الدولة ذاتها. وقد قدّم حزب العدالة والتنمية شكلاً مختلفًا للحركات ذات المرجعية الإسلامية؛ حيث سعى لتقديم تفسير ليبرالي للعلمانية، وعمل على استثمارها لصالح مزيد من الحريات ومن بينها حماية حرية الدين، الأمر الذي دعم من مسار الديمقراطية في تركيا.
وتعيش تركيا لحظة مهمة يتم فيها تدشين مشروع متميز يؤسس لفهم خاص للعلمانية وكيفية ربطها بإسلامية تيار داخلي رئيسي ممتد. ويمكن الحديث عن جمهورية تركية ثانية تتشكل، لا يتحدى حزب العدالة والتنمية في إطارها علمانية الدولة بل تقوم مواقفه على فكرة التعايش والدفاع عنها أو عن فهم خاص لها. وفكرة الدولة النموذج لا تنحصر فيما تطرحه تركيا من ممارسات داخلية، بل فيما تتبعه من سياسات خارجية تتجه للتوازن وبناء تحالفات تزيد من مساحة استقلالية القرار مع استمرار استقرار العلاقات مع الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وكذلك الدول الإقليمية على تنوعها.

1- قضايا الداخل وسبل مواجهة جديدة:

ما زالت قضايا داخلية مهمة مثل: الإصلاح الديمقراطي، والعلاقة بين الإسلامي والعلماني والمشكلة الكردية تحظى باهتمام المجتمع التركي وتجذب أنظار الخارج المهتم بالشأن التركي. ولعل أهم ما يميز حزب العدالة والتنمية الحاكم هو أساليب التعامل الجديدة مع تلك المشاكل القديمة، وذلك من خلال المزج بين التصعيد المحسوب والتمهل الحكيم، وبين الالتزام بالمشروعية القانونية واستثمار الشرعية الشعبية، وبين الأساليب العسكرية والدبلوماسية والسياسية كما في مواجهة المشكلة الكردية. فقدم بذلك طرقًا متنوعة ومتجددة لمواجهة تحديات تركيا المعاصرة.

أولاً- الإصلاح السياسي بين العلمانية والديمقراطية:

مثلت النظرة إلى طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة أهم إشكاليات الداخل التركي والمرتكز الرئيس في التمييز بين العلماني والإسلامي. ودخلت العلاقة بين التيارين الرئيسيين مرحلة جديدة من حيث طبيعة المواجهة ومدى التواصل وشكل واتجاه التوازن في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية. فلعل أهم ما يميز هذا الحزب عن غيره من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية -أو المحافظة حيث يعرف نفسه كحزب محافظ يحترم القيم العلمانية– أنه لا يرتكن في نشاطه إلى الديمقراطية فقط، بل إلى العلمانية التي أعلن مرارًا احترامها والعمل على حمايتها وفي سياقها. فقد تبنى الحزب الحاكم فهمًا ليبراليًّا للعلمانية يصب في مزيد من توسيع مجال الحريات العامة وحماية التطور الديمقراطي، وذلك حتى لا تكون حماية العلمانية على حساب الديمقراطية.
وقد أعيد طرح التساؤل حول كيفية الربط بين الديمقراطية والعلمانية عقب فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية في عام ٢٠٠٢ وتشكيله للحكومة. وعادت الأسئلة لتطرح بقوة بعد رفض القوى العلمانية ترشيح عبد الله جول لانتخابات الرئاسة في عام ٢٠٠٧ وعقب فوز حزبه في الانتخابات البرلمانية للمرة الثانية في عام ٢٠٠٧، في الوقت الذي فشل فيه حزب الشعب الجمهوري في تقديم بديل ديمقراطي يجذب الشعب التركي. بل وساد مناخ من التخويف والتشكيك مضاد لحزب العدالة والتنمية[49]. وفي النهاية انتصرت الديمقراطية لجول، حيث كان لفوز حزب العدالة والتنمية بأغلبية أكبر في البرلمان التركي دور كبير في حل أزمة انتخابه كرئيس لتركيا في أغسطس 2008.
وفي عام ٢٠٠٨ عاد الجدل على نحو أكثر احتدامًا بسبب التعديل الذي أقره حزب العدالة والتنمية لرفع الحظر المفروض على الحجاب منذ عام ١٩٨٠ في أعقاب انقلاب عسكري. وقد أشار أردوغان أنه أمكنه التغلب على ذلك الحظر دون انتظار صياغة مشروع الدستور الجديد ولا إلى تعديل دستوري، بل إن الأمر يمكن حله عبر الإجماع العام؛ حيث إن أردوغان يعتبر هذا الأمر متعلقًا بالحريات الشخصية، خاصة حق الجميع في التعليم. ويعتبر أردوغان أن رفع الحظر عن الحجاب هو شرط أساسي لصياغة دستور مدني[50]؛ وهو الرأي الذي عبّر عنه جول في وقت سابق مخالفًا لما اعتادت عليه مؤسسة الرئاسة. وفي فبراير ٢٠٠٨، صوَّت البرلمان التركي على رفع الحظر على ارتداء طالبات الجامعة للحجاب، وتم تعديل المادة العاشرة والمادة (٤٢) من الدستور، وجاءت التعديلات بأغلبية ٤١١ صوتًا مقابل ١٠٣ أصوات. وكان تحقيق تلك الأغلبية سهلاً في البرلمان نظرًا للأغلبية الكبيرة التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية، إضافة لأصوات حزب الحركة القومية المعارض الذي يؤيد رفع الحظر. وذلك التعديل كان سيسمح لنحو ٨٠٠ ألف طالبة جامعية من مواصلة تعليمهن الجامعي[51]، ويتطلب تعديل المادتين المذكورتين تعديل المادة (١٧) من قانون التعليم العالي الذي يحظر ارتداء أغطية للرأس.
وقد أثارت تلك التعديلات ردود فعل متعددة؛ حيث أثارت تلك التعديلات مخاوف العلمانيين وعلى رأسهم حزب الشعب الجمهوري. وقد اعتبرت تلك التعديلات بمثابة محاولة لأسلمة الدولة وتحطيم القيم العلمانية التي قامت عليها الدولة الأتاتوركية. وعلى الجانب الآخر، بدا اتجاه يرفض أي مساس بالديمقراطية ويؤكد على أن تركيا يجب أن تعمل على مزيد من تطبيق الحريات، وأن الحجاب لا يهدد علمانية الدولة، بل هو أحد حقوق الإنسان ومن الحريات الأساسية. وذلك بالرغم من حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في عام ٢٠٠٥ بأن حظر الحجاب لا يعد انتهاكًا للحريات الأساسية.
وكان الموقف الأغرب هو عدم تدخل الجيش على النحو المعهود منه لحماية القيم العلمانية للدولة خاصة بعد وضعه لدستور ٨٢ الساري حتى الآن. وربما يرجع ذلك إلى أكثر من سبب: أولها عدم رغبة الجيش في الصدام مع حزب العدالة والتنمية كما حدث في انتخابات الرئاسة التي انتهت بوصول جول إلى الحكم، وثانيها عدم رغبة الجيش في الظهور بمظهر المعارض بشكل مباشر لرغبات الشعب.
وفي مقابل تراجع نسبي للمؤسسة العسكرية في الدفاع عن العلمانية، تصدرت المؤسسة القضائية الساحة لمواجهة حزب العدالة والتنمية، وذلك باعتبارها أحد ركني القاعدة المؤسسية للدولة العلمانية. حيث كان أخطر رد فعل ظهر في إثر تلك التعديلات أن قام المدعي العام التركي بتقديم مذكرة ادعاء قضائية في ١٤ مارس ٢٠٠٨ إلى المحكمة الدستورية التركية من ١٦٢ صفحة كاملة، طالبًا إلغاء الترخيص الرسمي للحزب وتقديم (٧١) من مؤسسيه إلى المحاكمة منهم جول وأردوغان، مطالبًا بالعزل والمنع من الاشتغال بالسياسة لمدة خمس سنوات[52]. وقد وافقت المحكمة بأغلبية أعضائها الأحد عشر على قبول الدعوى في يوم ٣٠ مارس ٢٠٠٨. وكان من بين دلائل المدعي العام على اتهام حزب العدالة والتنمية بأنه تحول إلى بؤرة للأنشطة المعادية للعلمانية.
وجاء ردّ المحكمة على شكل قرارين: أحدهما خاص بمسألة الحجاب وآخر خاص بموضوع حظر حزب العدالة والتنمية. جاء القرار الأول في الخامس من يونيو بإبطال التعديلات الدستورية بشأن رفع الحظر عن الحجاب. وكان رد فعل حزب العدالة والتنمية متمثلاً في مهاجمة أردوغان للمحكمة الدستورية واتهامها بانتهاك الدستور. حيث يرى كثير من المحللين بأن المحكمة بذلك تتجاوز حدودها المفروضة في ضوء الفصل بين السلطات، حيث تعدت على سلطات البرلمان ووظيفته الأساسية في تمثيل الإرادة الشعبية. بينما عبر حزب الشعب الجمهوري الممثل للتيار العلماني عن ترحيبه بالقرار، وطالب الجيش حزب العدالة والتنمية باحترام قرار المحكمة. لكن على المستوى الشعبي كانت هناك احتجاجات ضد القرار أيضًا؛ حيث تظاهرت حوالي خمسمائة امرأة في مدينة ديار بكر الجنوبية الشرقية بعد صلاة الجمعة في اليوم التالي للحكم، كما رددت مئات أخريات من المحجبات هتافات رافضة للقرار في اسطنبول[53].
وجاء القرار الثاني الخاص بحظر الحزب، وفيه رفضت المحكمة الأمر بحظر الحزب، ولكن اكتفت المحكمة بتوجيه إنذار للحزب وحرمانه من نصف التمويل الحكومي. ويُرجح إصدار المحكمة لهذا القرار بناءً على أن أردوغان قد أجرى مفاوضات مع الجيش ليضغط على المحكمة بعدم الحظر مقابل توقيع أردوغان مرسوم التعيينات والترقيات لجنرالات الجيش في مطلع أغسطس، وقد ساهم وجود مخططات انقلابية تورط فيها جنرالات متقاعدون من الجيش في قبول الجيش لهذا القرار أو على الأقل عدم الدفع لقرار مغاير[54]. كذلك كان للخوف من تحذيرات الاتحاد الأوروبي: من أنه في حالة صدور حكم بحظر العدالة والتنمية فإن ذلك سيكون له تداعيات سلبية على محاولات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فقد عُدّ تحذير سابق في مايو ٢٠٠٨ بأن المفوضية لن تبقى حيادية في المسألة؛ لأن تركيا دولة مرشحة للعضوية في الاتحاد الأوروبي، من بين العوامل المؤثرة مدى جدية التحولات الديمقراطية في تركيا[55].
ومن الأهمية بمكان عدم إغفال الشعبية الكبيرة التي أضحى يتمتع بها الحزب الحاكم في الشارع التركي؛ الأمر الذي يؤكده طرح الثقة في الحزب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة من انتخاب الحزب للمرة الثانية على التوالي، وبأغلبية أكبر زادت من حوالي 34% من الأصوات عام 2002 إلى حوالي 47% من الأصوات عام 2007؛ مما دفع المحكمة لقراءة جديدة للواقع التركي، ومن ثم إدراكها لمدى الآثار السلبية التي قد تعود على حظر الحزب، الأمر الذي قد يجعل الشعب يبتعد عن مؤسسات الدولة العلمانية بدلاً من التمسك بها. بل إن الشعب لن يتعاطف مع الجيش في حالة القيام بأي انقلاب، وهو ما قد يهدد التماسك الديمقراطي للدولة ككل. وبالإضافة إلى ما سبق، فإنه إذا ما تم ربط الموضوع بعضوية الاتحاد الأوروبي فإن أي تحرك ضد الحزب سينسف أي آمال تركية في هذا الصدد.
ليس من السهل تهديد القيم العلمانية أو التخلي عنها، وستظل كل من المحكمة الدستورية العليا والمؤسسة العسكرية حصنيْن رئيسييْن لحماية علمانية الدولة التركية. ولذا كان من الممكن تقبل وجود حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، ولكن ليس من المقبول أن تتم الإطاحة بتلك القيم العلمانية بالتساهل في قضية كالحجاب، والتي قد تدفع الحزب بعد ذلك لاتخاذ عديد من السياسات التي تنتهي بأسلمة الدولة التركية والإطاحة بالدولة الأتاتوركية. ومن ناحية أخرى، حرص الحزب بعد قرار المحكمة على إظهار التقارب مع غيره من القوى السياسية وأخذ حكم المحكمة على نحو متزن ولم يعتبره انتصارًا مطلقًا. ولكن تزداد التوقعات بأن يجري أردوغان تعديلات دستورية ووزارية للتقارب مع العلمانيين، على أن يتم إبعاد الأسماء التي تثير قلقهم من الوزارة. وكان الحزب أكثر حذرًا في الفترة التي تلت الحكم إذ سحب مشروع قانون تقدمت به عضوة بارزة به يقضي بتخصيص أماكن للصلاة في المدارس.
إلا أن هذا لم يثنِ حزب “العدالة والتنمية” عن السعي لتعديل الدستور بدعم حزب الحركة القومية المعارض الذي صاغ الاقتراح على نحو يقلص من سلطات المحكمة الدستورية الواردة في المادتين 148 و153 فيما يتعلق بحل الأحزاب وإلغاء القوانين والتعديلات الدستورية المشروعة من قبل البرلمان ضمانًا لاستقلال السلطة التشريعية. الأمر الذي أثار الجدل مجددًا؛ حيث أكد حزب “الشعب الجمهوري” رفضه للمقترحات[56].
وكانت القضية الأكثر إلحاحًا على الأحزاب التركية في أواخر 2008 هي الاستعداد للانتخابات المحلية المنتظر انعقادها في مارس 2009، حتى إن “أردوغان” قد أعلن أنه سيتنحى عن قيادة حزبه إذا لم يكتسح هذه الانتخابات.
علمًا بأن “العدالة والتنمية” يواجه بعض المشكلات أهمها تصاعد الاتهامات للحزب بالضلوع في قضايا فساد أهمها قضية “دنيز فناري”، حيث أمر مدعي محكمة التمييز بفتح تحقيق في صلة الحزب الحاكم بهذه الجمعية الخيرية التركية بألمانيا، بعدما كشفت التحقيقات الألمانية عن قيامها بتحويل أموال بطرق غير مشروعة، وأن المسئول الأول في الجمعية له صلات وثيقة بالحزب، كما ألمحت دون أدلة دامغة إلى أنه حول أموال المتبرعين لحساب الحزب دون علم هؤلاء، الأمر الذي قد يؤدي إلى حظر الحزب في حال ثبوته.
أيضًا أثيرت قضايا متعلقة بحقوق الإنسان، فقد اتهم اتحاد العلويين حكومة العدالة والتنمية بأنها أكثر الحكومات اتجاهًا للتفرقة بين السنة والعلويين الذي قاموا بمظاهرات في أنقرة في نوفمبر الماضي رافعين شعار “من أجل المساواة في حقوق المواطنة”. كما أثيرت مؤخرًا من قِبل المؤسسات المدنية قضية تتعلق بقيام أجهزة الدولة الأمنية بالتنصت على مكالمات المواطنين التليفونية وتسجيلها، وخاصة الشخصيات البارزة منهم تأهبًا لاستخدامها في مقاضاتهم بتهم مختلفة مثلما حدث في فترات ماضية. حيث طالب الرأي العام بألا تكون مقتضيات الأمن القومي ذريعة لانتهاك حقوق الإنسان. وفي هذا السياق، وجهت تحفظات عديدة أيضا لكيفية تعامل الحكومة مع قضية تنظيم أرجينيكون الذي تم الكشف عن تخطيطه لانقلاب عسكري ضد الحكومة باهتمام كبير في الساحة التركية الداخلية.
وعلى جانب آخر، سعى حزب “الشعب” الجمهوري لاستعادة ما فقده من تأييد جماهيري على مدار السنوات الماضية، خاصة بعد أن لاقى خسارة فادحة في الانتخابات البرلمانية لعام 2008. وكانت أهم التكتيكات التي اتخذها ضم مجموعة من المحجبات في عضويته، حتى إن زعيمه “دينز بايكال” منح وسام شرف الحزب لإحداهن في مشهد فاق كل التوقعات، بينما الأغرب وجود خطط لدى الحزب الأتاتوركي لبناء مساجد داخل مقاره في خطوة تعد تغييرًا كبيرًا بسياساته[57]. إلا أنه يبقى القول إن الثقة التي يمنحها الشعب التركي لحزب “العدالة والتنمية” لا ترجع فقط لكونه حزبًا له جذور إسلامية وإنما باعتباره حزبًا له رؤية متكاملة الأركان استطاع من خلالها إدارة البلاد وإخراجها من أزماتها لاسيما الاقتصادية.
فالقضية بالنسبة لحزب العدالة الآن هي التحرك على ثلاثة محاور في الفترة المقبلة؛ حيث يقوم المحور الأول بمحاولة إرضاء القاعدة الشعبية المتفقة مع برنامجه ذي المرجعية الإسلامية، والمحور الثاني إرضاء العلمانيين، والمحور الثالث محاولة إرضاء الاتحاد الأوروبي وتقديم تركيا على أنها أهل لعضوية الاتحاد. وفي هذا الإطار سيتم العمل على المضي قُدمًا في مشروع صياغة دستور جديد.
يعتبر الجانب الاقتصادي من الإصلاح متغيرًا مهمًا في تركيا، وهو ما اهتمت به حكومة أردوغان منذ تسلمها الحكم في عام ٢٠٠٢، حيث اتجه الحزب إلى العمل على النهوض بالمستوى الاقتصادي للبلاد، من أجل تقوية قاعدته الشعبية وكسب مزيد من التأييد الجماهيرى له. وبالفعل كان لرفع المستوى المعيشي للأتراك منذ وصوله للحكم التأثير الكبير الذي أسهم في انتخاب الحزب لفترة ثانية العام الماضي، بل وانتخاب جول كرئيس للبلاد. لكن الأمر بالنسبة للحكومة التركية ليس فقط شأنًا داخليًّا بحتًا؛ حيث إن عضوية الاتحاد الأوروبي تمثل دافعًا آخر مهمًا بالنسبة لحكومة أردوغان للنهوض بالمستوى الاقتصادي حتى يمكن الوفاء بشروط الاتحاد الأوروبي للحصول على حق العضوية. حيث يفرض الاتحاد عددًا من المؤشرات الاقتصادية تتعلق بتبني نظام السوق وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية وتحقيق معدلات عالية من مستوى الدخل والناتج المحلي.
وبالفعل قامت حكومة أردوغان بعدد من الإنجازات على المستوى الاقتصادي؛ منها تخفيض معدل التضخم من 45.1% عام ٢٠٠٢ إلى 2.8% عام ٢٠٠٧ دون تعريض الاقتصاد للانكماش أو لتراجع معدلات النمو. وقد حقق الناتج المحلي التركي نموًا بلغ 9.6% سنويًا. كما نمت الصادرات بنسبة ١٣٧% بين عامي ٢٠٠٢ و٢٠٠٧، لكن الواردات نمت بمعدل أعلى ١٧٠% خلال نفس الفترة؛ مما أدى إلى رفع العجز التجاري من 5.15 مليار دولار في عام ٢٠٠٢ إلى ٥٤ مليار دولار في عام ٢٠٠٦. كما حدثت زيادة هائلة في كمّ التدفقات الهائلة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة؛ حيث نمت من نحو ٩,٢ مليار دولار في عام ٢٠٠٤ إلى نحو 20.1 مليار دولار في عام ٢٠٠٦[58]. وتضاعف متوسط دخل الفرد في أربع سنوات من ٢٥٠٠ دولار إلى ٥٠٠٠ دولار في الشهر. تشير تلك الأرقام إلى أن هناك تقدمًا ملحوظًا في الاقتصاد التركي، إلا أنه ليس كافيًا في نظر الأوروبيين، حيث مازال هناك المزيد من الإصلاحات المنتظرة من الحكومة التركية حتى تستطيع الوصول إلى معدلات النمو المطلوبة للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي. فأمام تركيا عجز هائل في الميزان التجاري وكمّ هائل من الديون عليها الوفاء به قبل التفكير في الحصول على موافقة الاتحاد الأوروبي على عضويتها.

ثانيًّا- المشكلة الكردية وجدلية الداخل والخارج:

تستمر المشكلة الكردية في احتلال مكانة مهمة على قمة أجندة الأولويات التركية؛ حيث تعد الأقلية الكردية من أكبر الأقليات في تركيا، وهي تسكن الحدود الجنوبية من تركيا. ولا تعترف تركيا إلا بالأقليات الدينية، بينما تعتبر الأكراد جزءًا لا يتجزأ من الأمة التركية ذات الأغلبية المسلمة. في حين يركز الأكراد على تميزهم الثقافي، وتتعدد أشكال الاستقلالية التي يطالبون بها. وقد تولى حزب العمال الكردستاني مهمة الدفاع عن حقوق الأكراد إثر التمييز الذي مورس ضدهم على مدار العقود. وقد أسس عبدالله أوجلان حزب العمال الكردستاني وتبنى نهجًا مسلحًا ضد الدولة. وتتتبع الحكومة عناصر هذا حزب، وقامت بسجن رئيسه عبدالله أوجلان. إلا أن تركيا اتجهت إلى اتباع نهج مختلف في تعاملها مع الحزب بدءًا من العام الماضي، فبعد تركيز مواجهة الحزب في داخل الأراضي التركية، انتقلت مع نهاية عام ٢٠٠٧ إلى خارج الأراضي التركية بالتوغل داخل الأراضي العراقية لتتبع عناصر حزب العمل. وقد بدأت الهجمات التركية على الحدود العراقية التركية في ديسمبر ٢٠٠٧. وتعكس هذه الهجمات تطورات حادثة على المستوى الداخلي والخارجي سمحت لتركيا بتنويع سبل مواجهة حزب العمال الكردستاني لتشمل أدوات عسكرية بالإضافة إلى الأدوات السياسية والدبلوماسية.
فداخليًّا، وقعت ضغوط متزايدة على الحكومة التركية من قِبل الجيش، خاصة مع تزايد الأزمة المتعلقة بالحجاب إضافة إلى الشعور بالتهديد الأمني لتركيا، فأصدر البرلمان التركي قرارًا يمنح الحكومة تفويضًا بشن عملية عسكرية عبر الحدود في أكتوبر ٢٠٠٧، ثم صوتت الحكومة بنفسها لدعم هذه الخطوة في ٢٠ نوفمبر ٢٠٠٧. أما خارجيًّا، فإقدام تركيا على الهجوم إنما يعني أنها أصبحت تضع تحالفها مع الولايات المتحدة في إطار مختلف تُعلي فيه من مصلحتها القومية، لا سيما بعد عدم قيام الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات صارمة تحول دون تهديد حزب العمال الكردستاني. بل إن الولايات المتحدة أصبحت بمأزق بعد تصاعد المواجهة بين تركيا والأكراد وكلاهما من أهم حلفائها. وكان نجاح حكومة حزب العدالة والتنمية في استغلال التعاون الأمريكي (الذي لا غنى عنه) للنجاح في شمال العراق أحد مؤشرات التحول في السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية، فقد عمد إلى إعادة صياغة العلاقة مع الغرب بحيث لا تصبح موالاة تامة بقدر ما تعبر عن تحالف تتم فيه موازنة مصالح الأطراف المتحالفة.
وقد قامت تركيا بعدد من الهجمات يمكن تتبعها، بدءًا من ديسمبر ٢٠٠٧ إلى يونيو ٢٠٠٨. بدأت أولى الهجمات حين هاجمت طائرات تركية قرى كردية في شمال العراق، دمر على أثرها عديد من البيوت. وأعقب الضربات الجوية توغل بري داخل الأراضي العراقية الشمالية من مجموعة من ٣٠٠ جندي. وقد قامت الحكومة العراقية بتسجيل اعتراضها وباستدعاء السفير التركي، معلنة أن تلك الخطوات تهدد الاستقرار في شمال العراق، وقد كانت قد وقعت اتفاقية مع تركيا في سبتمبر ٢٠٠٧ تنص على تبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن المطلوبين، تعهدت فيها بتفعيل الاتفاقية لمكافحة هذا الحزب مدفوعة بخشيتها من الاضطرابات التي يسببها حزب العمال الكردستاني[59].
أما عن الموقف الأمريكي، فقد أعلن قائد الأركان للقوات المسلحة التركية الجنرال ياشارو بويو كانيت أن الغارات تمت بمساعدة الأمريكيين الذين قدموا معلومات استخباراتية، بل الأهم أنها فتحت المجال الجوي في شمال العراق، إلا أن الولايات المتحدة لم تعلن ذلك رسميًّا[60]. وفي فبراير قامت تركيا بشن ثاني هجوم بري على شمال العراق استمر لمدة ثمانية أيام. وأرجعت تركيا سبب الهجوم إلى تعليمات أوجلان بتنفيذ عمليات داخل تركيا، ذلك في الوقت الذي تصاعدت فيه حوادث إحراق السيارات بجنوب تركيا وغربها احتجاجًا على الضربات التركية[61]. وقد طالبت الحكومة العراقية بالانسحاب الفوري، بينما كان موقف الولايات المتحدة مثيرًا للتساؤل حيث أمِلت أن تكون العمليات قصيرة دون المطالبة بالانسحاب والاقتصار على مواقع وعناصر حزب العمال الكردستاني دون المدنيين.
وقام الجيش بانسحاب مفاجئ في ٢٩ فبراير ودون أي ضغوط بعدما حقق أهدافه بتدمير عدد من المواقع الكردية. ويرجع البعض ذلك إلى وجود اتفاق أمريكي-تركي وراء قراري الهجوم والانسحاب. ويستدل على ذلك بزيارة جول وأردوغان إلى الولايات المتحدة في الخامس من نوفمبر 2007، وفيها تم الاتفاق على آليات تنسيق، وزيارة وزير الدفاع الأمريكي جيتس إلى تركيا في اليوم السابع من العمليات، وتصريحه بأن العمليات يجب ألا تتعدى خمسة عشر يومًا[62].
وأتت ثالثة الهجمات في أبريل ٢٠٠٨، حيث قامت تركيا بعمليات قصف جوي لشمال العراق اعتبرت الأقوى خلال هذا العام. واتهم حزب العمال الكردستاني تركيا بالتخطيط لتوغل جديد في شمال العراق[63]، ودعت الحكومة العراقية أصدقاء تركيا والعراق إلى ممارسة مزيد من الضغط على تركيا. ثم توالت هجمات أخرى في مايو ويونيو ويوليو وديسمبر قامت فيها القوات التركية باستهداف مواقع كردية لحزب العمال الكردستاني.
وقد تسببت تلك الهجمات في عدد من التداعيات الداخلية في تركيا. فاقتصاديًّا، تكبدت تركيا خسائر ملحوظة؛ وأمنيًّا تعددت الاعتداءات والتفجيرات، والتي توالت (بالرغم من إحباط بعضها). ولكن ما إن نجح حزب العمال الكردستاني في تنفيذ عملية عسكرية أودت بحياة (17) جنديًّا تركيًّا في الرابع من أكتوبر 2008 بمدينة شمدينلي بمحافظة هكاري جنوب شرق البلاد، حتى أعلنت تركيا عن تطوير استراتيجيتها لمواجهة إرهاب حزب “العمال الكردستاني” لتكون استراتيجية متكاملة لا تقتصر على الإجراءات الأمنية وحدها بل تمتد بفاعلية إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والدبلوماسية، فتم تخصيص مبلغ (12) مليار دولار لتدشين أكبر عملية تنموية في تركيا لتحسين منطقة الأناضول التي تقطنها غالبية كردية، كما تم إرسال وفد تركي رفيع المستوى بقيادة السفير “مراد أوزجليك” المسئول عن الملف العراقي إلى أربيل للقاء رئيس إقليم كردستان العراق “مسعود برزاني” بعد أن كانت أنقرة تتحفظ إزاء هذه الخطوة.
وهكذا، استطاعت تركيا مواجهة أكثر من ملف داخلي بنجاحات متفاوتة، فعلى الصعيد الاقتصادي عبرت المؤشرات عن استمرار معدلات مقبولة من التنمية بالرغم من بعض المشاكل، وبالمثل واجهت حكومة حزب العدالة والتنمية معركتها بنجاح مع القوى العلمانية مستثمرة سقف الحركة الذي تطرحه كل من العلمانية والديمقراطية، أما فيما يخص قضية الأكراد فقد نوعت بنجاح من أدوات سياستها لتشمل عناصر القوة الصلدة والناعمة معًا، بعد أن استطاعت استغلال التحالف مع الولايات المتحدة لصالحها في هذا الملف.

2- السياسة الخارجية التركية وتبلور العثمانية الجديدة:

ظلت إشكالية المفاضلة بين الغرب والشرق -أي بين الاتجاه إلى أوروبا أو إلى العالم الإسلامي- هي الحاكمة للسياسة الخارجية التركية لفترات طويلة. وارتبطت هذه المعضلة بالتوازنات الداخلية بين التيارات العلمانية من جانب والأخرى الإسلامية من جانب آخر. ولكن في ظل النهج الجديد غير التصادمي والساعي للتعايش والتأقلم مع علمانية الدولة الذي يتبعه حزب العدالة والتنمية، بدا أن استمرار الغرب كأولوية للتوجه التركي الخارجي لا يتعارض -بل ربما يتكامل- مع بناء علاقات تعاونية أوثق مع الدول الإقليمية الإسلامية. فنشطت السياسة الخارجية التركية للتعامل بإيجابية مع متطلبات الاتحاد الأوروبي لقبول انضمام تركيا. وفي نفس الوقت، لم يمنع ذلك تركيا من محاولات مدّ دور إقليمي أكثر تغلغلاً ونفوذًا على الصعيد الإقليمي الشرق-أوسطي. فقد تعددت الدوائر الإقليمية التي تتحرك فيها الدبلوماسية التركية، وبدا أن الدائرة العربية والإسلامية حازت مكانة أكبر في الأجندة التركية، الأمر الذي يجد مرجعيته في الرؤية الجديدة المطروحة من قِبل الساسة الأتراك والتي باتت تعرف بالعثمانية الجديدة. ووفقًا لها، فإن العمق الاستراتيجي التركي الذي يرسمه ويحدده التاريخ والجغرافيا معًا يشير إلى أهمية المنطقة العربية والإسلامية بالنسبة لتركيا، فمع زيادة الدور التركي في إطارها يمكن أن تعلو مكانة تركيا ويزداد ثقلها السياسي والاستراتيجي، ليس إقليميًّا فقط بل دوليًّا أيضًا. حيث إن التواصل الفعال والمتنوع مع الدائرة الحضارية الإسلامية والعربية يضيف للرصيد الاستراتيجي التركي، وهو إن كان دافعًا ومساندًا لمشروع الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو على الأقل ليس متناقضًا معه وفق البعض، إلا أن بعض التقديرات الأخرى تراه تحولاً نوعيًّا في التوجه الخارجي التركي، ناقلاً الدائرة العربية إلى صدارة الاهتمام التركي، ووفق هذه النظرة الأخيرة فهو تحول استراتيجي وليس تكتيكيًّا كما يعتقد أصحاب الرأي الأول.

أولاً- الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وتحدياته:

يمثل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي هدفًا أساسيًّا لدى حزب العدالة والتنمية الحاكم بتركيا، فلم تحُل جذوره الإسلامية دون ذلك وإنما جاء سعيه للانضمام للاتحاد الأوروبي تجسيدًا لرؤيته للانفتاح الحضاري. وبالرغم من تكثيف حزب العدالة لجهوده من أجل التعامل بنجاح مع المعايير الأوروبية المطلوبة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في أكثر من صعيد، إلا أنه تم وضع ذلك في إطار أوسع وأشمل لنهضة وتقدم تركيا، وظهر خطاب تركي رسمي يدافع عن التغيير من أجل إصلاح الداخل أيضًا وليس لمجرد النجاح في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، حيث كثيرًا ما تمت الإشارة إلى أن تطوير وإصلاح الداخل يظل مكسبًا أساسيًّا ومهمًّا حتى إذا ما لم تصل تركيا إلى نهاية مشوار الانضمام بنجاح. وبذلك كان الربط بين جهود الإصلاح واحتياجات الداخل مواكبًا وأحيانًا يفوق الربط بينها وبين ضغوط الخارج. بل لعل أهم ما يميز تجربة الإصلاح في تركيا عن مثيلتها في العالم الإسلامي، أنه تم توظيف الخارج بإيجابية لدفع التطور في الداخل، منتجًا شكلاً جديدًا للعلاقة يبتعد عن الثنائية المعهودة في التعامل مع قوى الخارج وهي إما التصادم أو الانصياع. حيث قدم المسلك التركي خيارًا ثالثًا توافقيًّا يهدف لاستثمار ما قد توفره الضغوط الخارجية من فرص للداخل كثيرًا ما يتم تجاهلها على حساب التركيز على فكرة التناقض الحتمي بين مصالح الداخل والخارج، وهي المقولة التي أتثبت الحالة التركية إمكانية مراجعتها في ظل ظروف وشروط بعينها على رأسها توفر قيادة بمواصفات رئيسية منها: امتلاك الإرادة مع الرؤية لإحداث التغيير الإصلاحي.
ولكن نجد في المقابل أن الاتحاد الأوروبي يتخذ عددًا من المواقف السلبية تجاه العضوية التركية، تصل في بعض الأحيان إلى إعلان بعض زعماء دوله رفض انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. ويتضح ذلك الموقف من خلال عدد من المؤشرات. فلقد أكد رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه باروسو خلال زيارته لتركيا في أبريل ٢٠٠٨ بمرافقة المفوض الأوروبي لشئون التوسيع “أولي رين” أن أمام تركيا طريقًا طويلاً إذا ما أرادت الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مطالبًا إياها بالتعجيل بإنجاز الإصلاحات الضرورية التي يشترطها الاتحاد، ذلك بالرغم من إشارته إلى أن ما حققته أنقرة من تقدم يعد مهمًّا حتى الآن[64]. وجاء في تقرير البرلمان الأوروبي حول عملية الإصلاح في تركيا: أن تركيا لم تحقق شيئًا خلال عام ٢٠٠٨ على صعيد التقدم في مجال حرية الرأي، ودعا البرلمان تركيا أيضًا إلى التسريع بعملية الإصلاح التي تقوم بها في إطار المفاوضات الجارية لنيل عضوية الاتحاد.
ومن أبرز مخاوف الاتحاد الأوروبي من انضمام تركيا ما يلي:
– إسلام تركيا: فبرغم علمانية تركيا إلا أنها تُرى باعتبارها دولة مسلمة علمانيتها غير مستقرة ومهددة، فالشعب التركي لديه حنين دائم إلى الإسلام. وذلك يتضح من خلال الدعم الشعبي لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية خلال قضية حله أمام المحكمة الدستورية، وانتخاب الحزب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وأن الشعب التركي بدأ يشعر بأن النموذج الأتاتوركي بدأ يستنفذ طاقته. هذا علمًا بأن تركيا ترى أن انضمامها للاتحاد هو إنجاح لفكرة حوار الحضارات بين الإسلام والغرب، وذلك ما أكده أردوغان في منتدى تحالف الحضارات في مدريد في يناير٢٠٠٨[65]. وتحاول تركيا دائمًا التأكيد على أن رفضها يعني أن الاتحاد تحول إلى نادٍ مسيحيّ وهو ما يتنافى مع علمانية الاتحاد.
– القول بوجود اضطهاد مذهبي في تركيا وعدم احترام حقوق الإنسان واضطهاد لأصحاب الديانات الأخرى: فهناك اضطهاد للمسلمين الشيعة وسعي لطمس خصوصيتهم. كذلك يوجد الاضطهاد التركي للأكراد والتمييز العنصري الذي تمارسه الحكومة ضدهم.
– التوجس من دور الجيش: حيث يرى الاتحاد الأوروبي الديمقراطية التركية باعتبارها ديمقراطية قسرية تتحكم فيها المؤسسة العسكرية التي تذهب بحكومات وتأتي بأخرى. وهي الصورة التي تحاول تركيا تغييرها، وقد أكد علي باباجان وزير الخارجية التركي أن دور الجيش التركي يقوم على دعم طموح الانضمام إلى الاتحاد، وأن ممثلين عنه يشاركون في المفاوضات التي تجري بهذا الشأن سواء في بروكسل أو أنقرة[66].
– التخوف من العبء الاقتصادي: فبرغم التقدم الاقتصادي الذي حققته الحكومة التركية على مدار الأعوام السابقة، لا تزال هناك أعباء اقتصادية تتمثل في الديون الهائلة المحملة على كاهل الحكومة، ومشكلة العمالة المهاجرة. كذلك هناك سوء توزيع للفوائد الاقتصادية على مختلف المناطق، فنجد أن هناك مناطق تعاني من فقر شديد وتدني أساليب الحياة فيها. ومن ناحية أخرى، يمكن اعتبار تركيا إضافة للاتحاد من حيث تزويدهم بالطاقة والعمالة الرخيصة واستقبال الاستثمارات الأوروبية.
– مشكلة قبرص: حيث ترفض تركيا فتح موانيها أمام قبرص، ويعد ذلك مطلبًا أوروبيًّا أساسيًّا. وقد حدثت بعض التحركات على المستوى القبرصي، منها قيام رئيس الوزراء اليوناني بزيارة تركيا (وهي الأولى منذ عام ١٩٥٩[67]. إلا أن هذه الزيارة لم تسفر عن أي حلول، وشهدت العديد من الخلافات حول بحر إيجة ووضع البطريركية الأرثوذوكسية في اسطنبول، ولم تسفر عن أي تقدم في القضية القبرصية. علمًا بأن الرئيس القبرصي كان قد أعلن عقب فوزه في الانتخابات ٢٤ فبراير ٢٠٠٨ عن مدّ يد الصداقة إلى المواطنين القبارصة الأتراك، الأمر الذي أعقبه عدة اجتماعات بين الرئيس القبرصي وزعيم القبارصة الأتراك في مارس ومايو ٢٠٠٨؛ حيث وافقا من حيث المبدأ على إقامة اتحاد فيدرالي مكون من منطقتين، وأن تجري المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة[68].
– مسألة إبادة الأرمن، وهي من المسائل إلى تثير الاستياء التركي الواضح، وهو ما دفع العديد من الأتراك إلى الامتعاض عقب فوز الروائي التركي أورهان باسوق بجائزة نوبل في أكتوبر الماضي، والذي أصبح محل خلاف عبر تصريحه لصحيفة سويسرية في عام ٢٠٠٥ قائلاً بأن مليون أرمني قد قتلوا فوق الأراضي التركية[69].

وبجانب تلك المؤشرات المعبرة عن الموقف السلبي الذي يتخذه الاتحاد الأوروبي تجاه تركيا، يوجد الموقف الفرنسي المتعنت تجاه مسألة انضمام تركيا. حيث اتخذ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي موقفًا متشددًا من مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي مطالبًا -كما طالبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل- بمنح تركيا شراكة متميزة بدلاً من العضوية الكاملة؛ وهو ما ترفضه تركيا تمامًا. ففي أول تصريح لساركوزي عقب اختيار حزب التجمع من أجل الحركة الشعبية له كمرشح لانتخابات الرئاسة بشأن تركيا قال إنه ليست كل دول العالم مؤهلة للانضمام للاتحاد الأوروبي بدءًا من تركيا، كما أشار في وقت سابق أن دخول تركيا هو نهاية سياسية لأوروبا؛ نظرًا للمسائل الخلافية السابق ذكرها. وفي أواخر مايو ٢٠٠٨ اقترح ساركوزي مشروع قانون يجعل الاستفتاء إلزاميًّا من أجل قبول أعضاء جدد في الاتحاد الأوروبي، وقد أدخل الحزب الحاكم هذا المشروع في إطار حزمة من التعديلات الدستورية، وأقر النواب في الجمعية الوطنية الفرنسية ومجلس الشيوخ هذا النص[70]. وجاء هذا التعديل قبل تولي فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي التي بدأت في أول يوليو 2008. ومن ناحية أخرى، يُنظَر إلى مشروع “الاتحاد من أجل المتوسط” الذي أطلقه ساركوزي، منذ بداية عهده، كمحاولة لإيجاد بديل عن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي وذلك بضمها إلى هذا الكيان الجديد.
وبالرغم من كل تلك العقبات ومن الموقف الفرنسي المتشدد، فإن تركيا تؤكد دائمًا من خلال مؤسساتها الرسمية بأنها ستظل في مسار سعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي على أساس أن تصبح عضوًا كامل العضوية، وأن موقفًا من دولة واحدة لا يعبر عن موقف الاتحاد بشكل عام، وأن تركيا قادرة على التغلب على تلك الخلافات.

ثانيًّا- الدور الإقليمي التركي: توسع وتوازن

المحور الثاني في علاقات تركيا الخارجية هو سعيها لمد دورها الإقليمي في المنطقة، وهو ما اتضح من سياساتها تجاه قضايا المنطقة والسعي لتعميق التعاون الاقتصادي مع دولها، إضافة للسعي لتأكيد مكانة تركيا الثقافية بجانب تنميتها لقدراتها العسكرية (من مؤشرات ذلك بدء تركيا محادثات مع كل من ألمانيا وبريطانيا لصناعة الغواصات لشراء ست غواصات متطورة[71]. فمع المضي قدمًا في تدعيم عناصر قوتها الصلدة، توسعت تركيا في تطوير واستخدام مصادر قوتها الناعمة في توجهاتها الإقليمية.
وتبدو محاولات مدّ النفوذ الإقليمي لتركيا في درجة ومدى وطريقة انخراط السياسة الخارجية التركية في عدد من القضايا الإقليمية الرئيسية في دول مثل: العراق وفلسطين ولبنان وإيران ودول الخليج.
على الساحة العراقية: سعت تركيا إلى تعزيز دورها في العراق كساحة من أهم الساحات التي تمارس خلالها دورها الإقليمي، بل ولما تمثله من دلالة محورية وامتداد مؤثر لإحدى مشكلات الداخل التركي: المسألة الكردية. وكانت الهجمات التركية في الشمال العراقي لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني أبرز التحولات في السياسة التركية تجاه العراق، وفيها اتجهت تركيا إلى وضع قدم لها في الداخل العراقي بشكل أكثر قوة ومباشرة. ومن مؤشرات ازدياد النفوذ التركي في العراق: قيام طالباني بزيارة إلى تركيا في مارس ٢٠٠٨، وكانت الزيارة تهدف -حسبما أعلن طالباني- إلى إقامة علاقات استراتيجية مع تركيا وتحسين العلاقات القائمة والتعاون في مجالات الطاقة والمجالات العسكرية والاقتصادية، لاسيما بعد التوتر الذي خيّم على العلاقات بسبب الغارات التركية على شمال العراق. وكانت هذه الزيارة محل انتقاد من ساسة عراقيين؛ حيث حذروا طالباني من أنه قد لا يعامل على أنه رئيس دولة واقترحوا عليه أن يؤجلها[72]. وقد أرسلت تركيا وفدًا في مايو 2008 للعراق لمتابعة نتائج هذه الزيارة.
وجاء المؤشر الثاني من قِبل رئيس الوزراء العراقي نور المالكي الذي دعا تركيا لمساعدة العراق في دعم وتدريب الجيش، وذلك في بيان أثناء استقباله مبعوث الحكومة التركية مراد أوزجليك، والذي أبدى إعجاب أردوغان بسير العملية السياسية في العراق ورغبته في زيارة العراق. وأوضح المبعوث التركي أن بلاده قررت إرسال أفضل الشركات للمساهمة في عملية الإعمار والتنمية[73].
ثم جاءت زيارة أردوغان للعراق تتويجًا لتلك الجهود التركية الساعية للتأثير في الشئون العراقية، حيث قام أردوغان بزيارة العراق في يوليو ٢٠٠٨. ولقد تركزت هذه الزيارة على موضوعات الأمن والطاقة والعملية السياسية. وأهم ما تمخضت عنه الزيارة هو إعلان قيام المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي العراقي-التركي. وأشار أردوغان إلى عزم بلاده تقديم الدعم للعراق[74]. وتم بحث الأوضاع في كركوك وأوضاع الانفصاليين، حيث تخشى تركيا أن يحصل إقليم كردستان في العراق على حقوق تصل إلى حد الانفصال، الأمر الذي يعضد من قوة أكراد تركيا، ويعزز مطالبهم بالانفصال. ومن ناحية أخرى، أشار وزير التجارة الخارجية التركي كورشات توزمان إلى أن بلاده تتوقع أن يصل حجم تجارتها مع العراق إلى ما يقرب من ثلاثين مليار دولار بمجرد عودة الاستقرار للعراق[75]. وعلى جانب آخر، وقّعت تركيا مع شركة “شل” الهولندية النفطية مذكرة تفاهم تقضي بتعاون الجانبين في مشاريع نفطية مستقبلية في العراق[76].
وعلى صعيد آخر، تخشى تركيا على وضع ومكانة قاعدة إنجرليك بعد إبرام الولايات المتحدة اتفاقًا مع العراق حول الوجود العسكري الأمريكي في عام ٢٠٠٩. فقد تؤثر الاتفاقية على هذه القاعدة الجوية بالجزء الجنوبي من البلاد، خاصة وأن الولايات المتحدة بدأت أيضًا في بناء وسائل عسكرية في رومانيا وبلغاريا. وقد حاول “المالكي” خلال زيارته إلى تركيا في ديسمبر 2008 شرح أبعاد الاتفاقية لطمأنة أنقرة عبر القول بأنها تخدم الأهداف التركية فيما يتعلق بالقضية الكردية.
وإذا ما انتقلنا إلى الدائرة الخليجية الأوسع، نجد أن تركيا تعمل على زيادة تعاونها مع دول الخليج، نظرًا للاستفادة المتوقعة من تشجيع الاستثمارات الخليجية في تركيا، ومن فتح آفاق التعاون مع العالم الإسلامي. وقد عُقد في يوليو ٢٠٠٨ اجتماع لخبراء من دول مجلس التعاون الخليجي ونظرائهم الأتراك وبمشاركة الأمانة العامة لمجلس التعاون[77]، تم خلال هذا الاجتماع استعراض العلاقات بين دول المجلس والجمهورية التركية وسبل دعمها والدفع بها إلى المزيد من التطور والنماء خاصة ما يتعلق منها بشأن إبرام اتفاقية التجارة الحرة بين دول المجلس وتركيا. وقد تم طرح العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والدفاعية والأمنية والثقافية إضافة إلى موضوع الطاقة. وكان هذا اللقاء تمهيدًا للقاء وزراء خارجية دول المجلس مع وزير الخارجية التركي في سبتمبر 2008. والذي شهد بالفعل توقيع مذكرة تفاهم تمهد لمزيد من التطوير للعلاقات الاستراتيجية سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا بين الجانين.
حرصت تركيا أيضًا على تطوير علاقاتها مع مصر رغم التنافس الإقليمي حيث استهل العام بزيارة الرئيس التركي “عبد الله جول” إلى مصر، والتي كان على رأس أهدافها تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين حيث بحث العمل في إنشاء (15) مصنعًا تركيًا جديدًا، وهناك مشروع كبير لربط خطوط الغاز المصرية بالخطوط التركية. وكانت التفاعلات الثقافية في قلب العلاقات المصرية-التركية. إذ نشط المركز الثقافي المصري باسطنبول بشكل مكثف والذي بدأ عمله فقط منذ يونيو 2007 فأقام المؤتمرات والندوات العلمية؛ كما وقّعت مصر وتركيا اتفاقًا للتعاون العلمي في ديسمبر 2008.
وعلى الساحة الفلسطينية، بدأ الاهتمام التركي يتزايد بالقضية الفلسطينية منذ عام ٢٠٠٢، خاصة مع تزايد الانتقادات الموجهة إلى الممارسات العسكرية الإسرائيلية؛ حيث وعى حزب العدالة والتنمية بضرورة العمل على التقارب مع الشعوب الإسلامية من خلال دعم قضاياه الحيوية، كمدخل لا غنى عنه لزيادة الدور الإقليمي التركي. فبدلاً من التركيز فقط على العلاقات التركية-الإسرائيلية كمرتكز لبناء تحالفات تركية إقليمية، رأت حكومة حزب العدالة والتنمية توسيع الخيارات والبدائل بالانفتاح على دول المنطقة خاصة الكبرى منها، مع محاولة الإبقاء على علاقات تركية-إسرائيلية متميزة.
ومن مظاهر هذا الاهتمام في عام ٢٠٠٨، استضافة مؤتمر سفراء فلسطين في الدول الأوروبية بأنقرة في فبراير ٢٠٠٨، وحضره وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، وانتقد أردوغان السياسات الإسرائيلية المتمثلة في إنشاء مستوطنات جديدة. ودعا باباجان إلى رفع الحصار عن قطاع غزة، وطالب خلاله المالكي الحكومة التركية بالتدخل حتى تغير إسرائيل موقفها في قضية معبر رفح[78].
كما أبدت تركيا استعدادها لاستقبال وتقديم الرعاية الطبية المجانية لجرحى ومرضى قطاع غزة المحاصر؛ حيث أكدت وزارة الصحة التركية استعدادها لتقديم الرعاية الطبية المجانية لجرحى ومرضى قطاع غزة، كذلك إمكانية منح الأطباء الفلسطينيين منحًا دراسية في الماجستير والدكتوراه للتخصصات النادرة في فلسطين[79]. وعلى صعيد الدعم الاقتصادي أرسلت الخارجية التركية وفدًا دبلوماسيًّا واقتصاديًّا لإسرائيل لبحث مشروع إقامة منطقة صناعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة لتكون بمثابة متنفس اقتصادي للضفة الغربية يسهم في توفير فرص عمل للفلسطينيين[80]. كما استضافت إسطنبول منتدى رجال الأعمال الفلسطينيين بحضور 300 رجل أعمال فلسطيني وتقرر خلاله تأسيس شركة غذاء فلسطين برأسمال قدره مئة مليون دولار وتشكيل لجنة دائمة لوضع استراتيجية للاستثمار في القدس.
ويأتي الدور الذي تلعبه تركيا في الوساطة بين سوريا وإسرئيل كأحد أهم الأدوار التي تقوم بها تركيا في المنطقة، تقدم نفسها في إطاره كقوة إقليمية كبرى تمتلك القدرة على الوساطة التي تمنحها إياها ثقة الأطراف المتفاوضة. وهي الخطوة التي اعتبرها بعض المراقبين محاولة للضغط على الحلف السوري-الإيراني ومحاولة احتواء النفوذ الإيراني. ولا تريد تركيا حدوث حروب إقليمية جديدة على حدودها تولد عراقًا جديدًا. كما أن هذا الدور قد يعزز من موقف تركيا أمام الاتحاد الأوروبي كوسيط إقليمي رئيس.
بدأت الجهود التركية في هذا الصدد لدى زيارة الأسد لأنقرة في عام ٢٠٠٤، ثم انكشفت عقب حرب لبنان في عام ٢٠٠٦، وازدادت وتيرتها عقب زيارة أولمرت لتركيا في فبراير ٢٠٠٧. وتشير كل هذه الخطوات إلى حرص أنقرة على أن تكون المفاوضات في طي الكتمان، وهو ما يحسب للدبلوماسية التركية إذ وفر هذا المناخ دافعًا لاستمرار هذه الجهود، ويشار إلى أن أحمد داوود أوغلو مستشار أردوغان للشئون الخارجية كان الراعي للمساعي الممهدة لهذه المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل وللجولات التي انعقدت حتي الآن[81].
وكانت أهم الخطوات العلنية هي زيارة أردوغان إلى سوريا في أواخر أبريل 2008 والتي أكد خلالها على أمله في التوصل إلى اتفاق، كما أعلن خلالها عن إيفاد مبعوث تركي إلى إسرائيل. وفي أوائل مايو عام ٢٠٠٨ تلقت تسيبي لفني خلال لقائها وزير الخارجية التركي علي باباجان رسائل بعثت بها سوريا لإسرائيل بشأن استئناف المفاوضات التي توقفت منذ عام ٢٠٠٠[82]. وقد أجريت أربع جولات من المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل في تركيا تناولت أربع قضايا أساسية هي: الأمن والحدود والتطبيع والمياه. وقد كانت الجولات كالآتي: الجولة الأولى في مايو ٢٠٠٨، والثانية يونيو ٢٠٠٨، والجولتان الثالثة والرابعة في يوليو ٢٠٠٨. بينما كان مقررًا انعقاد جولة خامسة في 7 سبتمبر 2008 إلا أنها أُجلت بسبب الأوضاع الداخلية في إسرائيل.
وسعت تركيا -بحسب بعض مسئوليها- إلى إجراء مفاوضات مباشرة بين الوفدين باعتبار ذلك أمرًا ضروريًّا لتيسيير الاتفاق، مع أهمية أن يشارك عسكريون في هذه المفاوضات لوضع الترتيبات الأمنية وإقامة المناطق العازلة بين الدولتين. ولقد قامت سوريا بالاشتراك في تلك المفاوضات معلقة أملاً على تركيا بتليين الموقف الإسرائيلي والضغط على أولمرت للتنازل عن الجولان. وذلك الأسلوب هو الأنسب بالنسبة لسوريا حتى لا تضطر إلى الدخول في علاقات مباشرة مع إسرائيل حتى لا تظهر وكأنها تعمل على التطبيع مع إسرائيل، مما يضعف من موقفها في المفاوضات على أنها الطرف الأضعف الذي يتلهف على عقد مثل تلك الجولات. وكذلك فإن أي فشل في المفاوضات لن يكون محسوبًا على سوريا بشكل مباشر. وفي الوقت ذاته يبين الاستعداد السوري للدخول في مفاوضات مع إسرائيل لتخفيف الضغوط الدولية وكمحاولة لتحسين صورتها أمام العالم، خاصة في ضوء مشاكلها في لبنان ومع المحكمة الدولية.
أما بالنسبة لإسرائيل، فإنها كانت تعلق آمالا كبيرة على تركيا لإحداث تغيير في الموقف السوري؛ نظرًا لما تتمتع به من تأثير في العالم الإسلامي، وبشكل خاص نتيجة العلاقة الطيبة التي تربط الأسد مع أردوغان. وفي نفس الوقت تواجه إسرائيل عديدًا من الضغوط الداخلية في ظل الاتهامات الموجهة لأولمرت وكذلك تداعيات الهزيمة من حزب الله وعلاقته بسوريا، الأمر الذي قد زاد من حاجة إسرائيل إلى السعي –أوالظهور بمظهر الساعي- للسلام وحفظ الأمن والاستقرار. وقد لاقت هذه الوساطة التركية دعمًا دوليًّا تمثل في القمة الرباعية لقادة قطر وتركيا وسوريا وفرنسا التي عقدت في دمشق في منتصف سبتمبر 2008 وركزت على كيفية دفع المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب.
إلا أن تركيا قد علقت رعايتها للمفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل في أعقاب العدوان الغاشم على غزة في 27 ديسمبر 2008 ، والذي أبرز كثيرًا من المتغيرات على رأسها الشد والجذب الحادث بين تركيا (الوسيط) وإسرائيل أحد أطراف الصراع، في أعقاب الخطاب شديد اللهجة الرافض للحرب الإسرائيلية على غزة الذي تبنته الحكومة التركية.
وفيما يخص الوضع اللبناني، فقد استكملت تركيا دورها الوسيط في إطفاء الحرائق في لبنان، وقد كشف أردوغان أن الموالاة السُنّة في بيروت اتصلوا به عندما سيطرت المعارضة على بيروت؛ ولذا يمكن تفسير الدور التركي بمحاولة أنقرة للعب دور إقليمي لموازنة (بدون مواجهة) الدور الإقليمي الإيراني المساند للمعارضة. اهتمام أردوغان بالشأن اللبناني تمثل في القيام بالعديد من الاتصالات على مدار العام مع كبار المسئولين اللبنانيين مثل الحريري والسنيورة وغيرهما من القادة اللبنانيين. وقد قام وزير الخارجية التركي باباجان بزيارة لبنان في أكتوبر ٢٠٠٧ قام خلالها بلقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري والسنيورة ووزير الخارجية المستقيل فوزي صلوخ، حيث تم البحث في العلاقات الثنائية بين البلدين وعمل قوات الطوارئ في الجنوب، وتطورات عملية السلام. فاتباعًا لنهج التواصل والبحث عن التوافق الذي قامت عليه سياسات حكومة حزب العدالة والتنمية (في الداخل والخارج)، كان المسلك التركي متوازنًا مع غالبية القوى السياسية الرئيسية (حتى لو كان توازنًا نسبيًّا وفق البعض).
وبشكل عام فدومًا ما تميزت السياسة الخارجية التركية باهتمامها وتفعيلها للأدوات الاقتصادية في توسعها وامتدادها إقليميًّا. حيث تقوم باستغلال التفوق الاقتصادي النسبي الذي تمكنت من الوصول إليه لتقوم بتقديم استثمارات ضخمة تساعدها على المرور إلى دول المنطقة والخروج أيضًا من أزمتها الاقتصادية.
وتسعى تركيا لمواجهة أزمة الغذاء العالمية عبر خطة أطلقتها تتطلب استثمارات بمليارات الدولارات ترى أنها ستوفر سلة غذاء لبلدان الشرق الأوسط. والخطة التي أعلنتها تركيا بعنوان مركز الإنتاج الزراعي وسلة الغذاء في الشرق الأوسط تتطلب استثمارات تبلغ اثني عشر مليار دولار في أربع سنوات. وتسعى فيها تركيا إلى تحويل منطقة جنوب شرق الأناضول إلى مركز لإنتاج وتوزيع المحاصيل الزراعية والغذاء على كافة بلدان المنطقة. وتقوم الخطة على ري نحو ملياري هكتار من الأراضي القابلة للزراعة وتطوير الصناعات الغذائية بها[83].
وفي هذا السياق، تعمل تركيا على الاهتمام بالملتقى التركي العربي، الذي عقدت دورته الثالثة في يونيو 2008 في اسطنبول. حيث تعمل تركيا من خلال المنتدى على توسيع فرص العمل المشترك بين تركيا والدول العربية، وتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية وكيفية تبادل المعلومات وتطوير المصالح المشتركة. وقد مثلت تركيا في السنوات الأخيرة وجهة لتدفق متزايد لرؤوس الأموال العربية، وتتوازى معها المشاريع التركية في المنطقة العربية مما يساعد في النهوض باقتصاد إقليمي[84]. لذا، فهذا المدخل الاقتصادي الذي تقوم به تركيا سوف يعزز من مكانتها في الدول العربية، خاصة في ظل الوضع التنافسي الأفضل لتركيا.
وانطلاقًا من اهتمام تركيا بتعدد دوائر سياستها الخارجية كان الاتجاه لتطوير علاقتها بدول آسيا فحرصت تركيا على توثيق علاقاتها بالهند على سبيل المثال، إذ تم الاتفاق على تكوين مجموعة عمل لبحث توقيع اتفاقية التجارة إضافة لبحث مزيد من التعاون في مجال الطاقة. وأيضًا عقدت باسطنبول في ديسمبر 2008 قمة ثلاثية بين رؤساء كل من تركيا وأفغانستان وباكستان، وتعد هذه القمة الثانية من نوعها؛ إذ عقدت الأولى في أبريل 2007 في أنقرة. كما قام “أردوغان” بجولة في وسط آسيا في أكتوبر 2008.
وتعمل تركيا على أن يكون لها دور إقليمي فاعل في آسيا على غرار المنطقة العربية؛ إذ أبدت استعدادها لبذل مزيد من الجهود في تدريب قوات الأمن الأفغانية. ووصلت المساعدات التركية لأفغانستان خلال عام 2007 إلى حوالي (72) مليون دولار، كما انتشر تعلم اللغة التركية بين العائلات التي تتلقى هذه المساعدات[85]. وتدير المنظمات التركية عددًا من المدارس شمال أفغانستان (المنطقة الأكثر سلمًا)، كما بدأت تركيا في تنفيذ مشروع بمبلغ (12) مليون دولار لبناء مدرسة ثانوية عسكرية خلال عام 2008. كذلك عرضت تركيا القيام بوساطة لتطبيع العلاقات بين الهند وباكستان والتي ازدادت توترًا بعد هجمات مومباي[86].
وفي ظل المساعي التركية لاستعادة الروابط مع العالم التركي، دأبت تركيا على توثيق علاقتها بتركمانستان، وعقد بإسطنبول في نوفمبر 2008 مؤتمر اتحاد برلمانات الدول الناطقة باللغة التركية الذي اعتبره “جول” مؤشرًا مهمًا على اتخاذ العلاقات بين هذه الدول منحى مؤسساتي. وذلك في الوقت الذي تدعو فيه تركيا أيضًا لتشكيل تحالف بين دول منطقة القوقاز لإنقاذها من تداعيات الصراع الدائر بين روسيا وجورجيا وتجنب تكراره، إلا أنه من المتوقع معارضة موسكو لهذا التوجه[87].
وتشعر تركيا بمسئولية تاريخية تجاه منطقة البلقان خاصة مسلميها؛ وهو ما بدا تحديدًا في اهتمام المنظمات التركية غير الحكومية أيضًا بهذه المنطقة، فعلى سبيل المثال نظمت هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية التركية باسطنبول مؤتمر مستقبل البلقان الأول والذي ضم رؤساء المشيخات الإسلامية وممثلين عن المؤسسات الأهلية الإسلامية بدول البلقان، والذين دعوا تركيا للقيام بدور إقليمي فاعل في حل مشكلاتهم، إلا أن مثل هذا الدور لم يكن محل ترحيب من القوى الأوروبية التي اعتبرت البلقان مجالاً أوروبيًّا بالأساس وإن سمحت لبعض النفوذ الأمريكي بالتوافق معها.
أما عن العلاقات التركية-الإيرانية، فتتميز بالخصوصية حيث لا يمكن وصفها بالعداء المطلق أو الصداقة المطلقة. ولكن بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم بدأت هذه العلاقة تأخذ منحنى إيجابيًّا على أصعدة مختلفة، ولا يمكن فصل ذلك عن توصيات منظِّر السياسة الخارجية أحمد داوود أوغلو التي قامت بضرورة إعادة تقويم العلاقات مع طهران؛ وذلك لعدد من الأسباب منها الأهمية الجيوسياسية لإيران باعتبارها تمتلك ميزة الارتباط بمناطق مختلفة وقارات مختلفة مثلها مثل تركيا، وكذلك البعد الثقافي حيث أهمية البعد التاريخي للعلاقات بين الدولتين من تعاون وتنافس. فلا يمكن إغفال حقائق استراتيجية مهمة مثل كون إيران الضفة الشرقية من الخليج حيث مصدر الطاقة الرئيسي، وأهميتها بالنسبة للوضع في العراق[88].
وقد برز التعاون التركي-الإيراني على مدار العام من خلال عدة نواحٍ: على رأسها التنسيق فيما يخص القضية الكردية، حيث كانت هناك اتهامات تركية لإيران بدعم حزب العمال الكردستاني. وفي هذا السياق اعتبرت إيران للهجمات التركية على أنها محاولة للسيطرة على الشمال العراقي الغني بالنفط. إلا أن اشتراك الدولتين في الشعور بالخطر الكردي دفعهما إلى تجاوز هذه الاتهامات والتنسيق بشكل مركز على نحو يحول دون إقامة الدولة الكردية. وفي يونيو ٢٠٠٨ تم الإعلان عن مزيد من التعاون؛ حيث أعلن قائد القوات البرية التركية أن تركيا وإيران تنفذان عمليات عسكرية متزامنة ضد المتمردين الأكراد في شمال العراق انطلاقًا من تبادل المعلومات الاستخباراتية[89].
كما اتخذت تركيا موقفًا متوازنًا من قضية البرنامج النووي، فتطوير القدرات الإيرانية العسكرية قد يعد مصدرًا لقلق تركي خاصة في ظل التعاون مع روسيا والصين. لكن في نفس الوقت صرحت أنقرة عن رفضها لأي مشاركة في أي هجمة محتملة ضد طهران حينما رفضت تركيا طلب نائب الرئيس الأمريكي تشيني في مارس 2008 بفتح المجال الجوي التركي في حال قصف إيران[90]. ويزيد هذا الموقف من التوترات بين واشنطن وأنقرة، ويدعم المساعي التركية لتعزيز استقلالية القرارات التركية وسياساتها وتطوير علاقاتها مع دول المنطقة وفقًا للمصلحة التركية، وليس كتابع للدولة الأمريكية.
ولقد قام عدد من المسئولين الإيرانيين بزيارة أنقرة على رأسهم وزير الخارجية الإيراني “متقي” قبل محادثات جنيف لبحث مستجدات ملف بلاده النووي. كذلك قام سعيد الجليلي المسئول عن الملف النووي بزيارة تركيا بعد محادثات جنيف لاستعراض ما تم التوصل إليه. وظهرت اقتراحات على مدار العام ترشح تركيا للقيام بالوساطة مع المجتمع الدولي من خلال تسهيل المفاوضات بين إيران ومجموعة الست بشأن الملف النووي إلا أنه لم يتم اتخاذ خطوات محددة بهذا الصدد. ثم مثلت زيارة أحمدي نجاد لتركيا في أغسطس 2008 ذروة مساعي تطوير العلاقات التركية-الإيرانية، رغم ما أثارته من اعتراضات داخل وخارج تركيا؛ خاصة لزيارته اسطنبول بدلاً من أنقرة تجنبًا لزيارة ضريح “أتاتورك”.
وتميزت العلاقات الاقتصادية بين البلدين بالقوة والتميز. حيث تشكل الصادرات النفطية حصة كبيرة من الصادرات الإيرانية لتركيا. وتتسم الحركة السياحية بين البلدين بالانتعاش. أما أبرز المشاكل الاقتصادية بين البلدين فهي تلك التي تتعلق بخطوط أنابيب نقل النفط من آسيا الوسطى والقوقاز. وقد زار وزير التجارة الخارجية التركي إيران في منتصف مايو ٢٠٠٨ مؤكدًا على إمكانية تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين في الفترة المقبلة[91].
وقد بدأت الدائرة الأفريقية تحتل مكانة مهمة في مجال حركة الدبلوماسية التركية، حيث مثلت أفريقيا -منذ عام ٢٠٠٥ الذي أعلنه أردوغان عام الانفتاح على أفريقيا- محورًا جديدًا في السياسة الخارجية التركية القائمة على التنوع والتعدد. ومن مؤشرات النشاط التركي في اتجاه أفريقيا: قيام الرئيس السوداني البشير بزيارة تركيا في يناير ٢٠٠٨، وهي الزيارة الأولى من نوعها منذ استقلال السودان، وقد استمرت لمدة ثلاثة أيام وتناولت تطوير العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع في السودان[92]. ومن المعروف ما قد تثيره تلك الزيارة من اعتراضات أمريكية، وهو أمر آخر يؤكد النهج الاستقلالي لتركيا بعيدًا عن الولايات المتحدة. الأمر الذي استمر وبرز بعقد قمة تركية-أفريقية في أغسطس 2008 لمناقشة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين بمشاركة الرئيس السوداني “عمر البشير” رغم الانتفادات الدولية، بسبب أزمته مع المحكمة الجنائية الدولية[93].
ومن ناحية أخرى، تم عقد اللقاء الاقتصادي الثالث بين كونفيدرالية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك مع رؤساء الغرف التجارية ورجال الأعمال الأفارقة بإسطنبول في مايو ٢٠٠٨، وهدفت تركيا إلى حضور ألف رجل أعمال للقيام بخمسين ألف لقاء تجاري مع ٢٥٠ رجل أعمال تركي[94]. كما قام وزير الخارجية التركي بحضور القمة الأفريقية التي عقدت في شرم الشيخ يونيو 2008. [95]
فإلى جانب الأهمية الاقتصادية لأفريقيا -نظرًا لما قد توفره من موارد طبيعية ونفط يساعد الاقتصاد التركي على تنويع مصادر الطاقة التي يحتاج إليها، تستهدف تركيا أيضًا أهدافًا ثقافية لا يجب إغفالها، حيث تسعى إلى الظهور بمظهر القادرة على التفاعل مع مختلف الثقافات، مما يعطيها ميزة في مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي، هذا فضلاً عن الوجود الإسلامي في أفريقيا بما يوجِد أرضية مشتركة تسمح بتفعيل النشاط التركي في هذه القارة.
أما سياسيًّا، فإلى جانب محاولة توسيع النفوذ التركي في القارة الأفريقية، فإن تركيا سعت للحصول على تأييد الدول الأفريقية في حالة ترشيحها لمقعد في مجلس الأمن العام القادم (وهو ما تحقق بالفعل لاحقًا في بدايات عام 2009). حيث دفعت السياسة الخارجية التركية النشطة تركيا للفوز بمقعد غير دائم في مجلس الأمن خلال عام 2009، حيث حصلت في انتخابات العضوية التي جرت في أكتوبر 2008 على أغلبية 151 صوتًا من أصل 192 مما يقدم المزيد من الفرص للدبلوماسية التركية، وإن كان بالتأكيد سيضعها أمام العديد من التحديات.
*****

الهوامش:

[1] د. محمد حسين يحيايي، نظرة أخرى على المشهد الانتخابي ونتائجه (أخبار روز “أخبار اليوم”، 28/3/2008)، مختارات إيرانية، العدد ٩٤، مايو ٢٠٠٨، ص ٥٨.
[2] “موسي بور: ٩٠% انخفاض في مؤشر المخالفات الانتخابية” (رسالت “رسالة”، 12/3/2008)، مختارات إيرانية، العدد ٩٤، مايو ٢٠٠٨، ص 59.
[3] الانتخابات الإيرانية… انطلاقة جديدة، www.islamonline.net، ١٧- ٣- ٢٠٠٨.
[4] أمير طاهري، “الانتخابات الإيرانية محدودة لكنها مهمة”، الشرق الأوسط اللندنية، www.elaph.com ، ١٤- ٣- ٢٠٠٨.
[5] جميلة كدبور، المرأة: النمارس الحقيقي (أمروز “اليوم”، 24/4/2008)، مختارات إيرانية، العدد ٩٥، يونيو ٢٠٠٨، ص ٥٨.
[6] أمير سعيد، “بعد النتيجة الأولية.. الثلث السني الضائع في الانتخابات الإيرانية”، www.almoslim.net/node/90268
[7] انتخابات المجلس التشريعي الثامن دون معارضين (أخبار روز “أخبار اليوم”، 13/3/2008)، مختارات إيرانية، العدد ٩٣، أبريل ٢٠٠٨، ص ٤٠-٤٣.
[8]http://ar.reuters.com ، 4/2008.
[9] ) ايرج جمشيدي، تحديات المجلس تحت رئاسة لاريجاني.. هل سيكرر نواب المجلس الحالي تجربة المجلس السابع (اعتماد ملي “الثقة الوطنية”، 16/10 /2008)، مختارات إيرانية، العدد 100، نوفمبر 2008، ص 53.
[10] وكالة الأنباء الفرنسية، ١٣- ٧- ٢٠٠٨.
[11] المصري اليوم، ١٠- ٦- ٢٠٠٨.
[12] www. President.ir/2/10/ 2008.
[13] د. محمد السعيد عبد المؤمن، مقدمات معركة الرئاسة في إيران، مختارات إيرانية، العدد 99، أكتوبر 2008، ص 17.
[14] محمد رضا يزدان، ناطق نوري يعود ويتزعم الأصوليين (بازتاب “الصدى”، 24/9/ 2008)، مختارات إيرانية، العدد 99، أكتوبر 2008، ص 21.
[15] د. محمد سعيد عبد المؤمن، المرجع السابق، ص 16-17.
[16] الجمهورية الإسلامية والتيارات المتصارعة (كيهان “دنيا”، 10/9/ 2008)، مختارات إيرانية، العدد 99، أكتوبر 2008، ص 19.
[17] نظرة على الاقتصاد الإيراني للعام الجاري، (إيران، 19/3/2008)، مختارات إيرانية، عدد ٩4، مايو ٢٠٠٨، ص 71.
[18] المافيا الإيرانية من الوهم إلى الحقيقة، (إيران، 27/4/2008)، مختارات إيرانية، العدد ٩٥، يونيو ٢٠٠٨، ص 65-66.
[19] صادق زيبا كلام، للمافيا الاقتصادية جذور في الاقتصادي الحكومي، (اعتماد على “الثقة الوطنية”، 22/4/2008)، مختارات إيرانية، العدد ٩٥، يونيو ٢٠٠٨، ص ٦٨.
[20] المافيا الإيرانية من الوهم إلى الحقيقة، مرجع سابق، ص ص 66، 67.
[21] www.mfa.gov.ir, 11/7/2008.
[22] الأهرام، ٣٠- ٦- ٢٠٠٨.
[23] وكالة الأنباء الفرنسية، ٢٩- ٧- ٢٠٠٨.
[24] www.arabicpeople.com, 16/1/2008.
[25] رياض القهوجي، التغيير في القيادة العسكرية الأمريكية ضد إيران لضمان استمرار التصعيد ضد إيران، الحياة، ٢٧-٤- ٢٠٠٨.
[26] www.mfa.gov.ir, 11/7/2008.
[27] وكالة الأنباء الفرنسية، ٢٠- ٧- ٢٠٠٨.
[28] www.mfa.gov.ir, 14/7/2008.
[29] الأهرام، ٢٣- ٧- ٢٠٠٨.
[30] رويترز، ٢٤- ٦- ٢٠٠٨.
[31] وكالة الأنباء الفرنسية، ١٩- ٦- ٢٠٠٨.
[32] الحياة، 23/10/2008.
[33] وكالة الأنباء الفرنسية، ١٦- ٦- ٢٠٠٨.
[34] www.alarabiya.net, 21/6/2008.
[35] الشرق الأوسط، ٤- ٣- ٢٠٠٨.
[36] الحياة، ٣- ٥- ٢٠٠٨.
[37]www. President. Ir./ar/ 25/10/2008.
[38] وكالة الأنباء الفرنسية، ١٨- ٧- ٢٠٠٨.
[39] www.bbcarabic.com, 13/5/2008.
[40] www.mfa.gov.ir, 11/7/2008.
[41] القدس العربي، ٥- ٢٠٠٨.
[42] وكالة الأنباء الإيرانية، 6/12/2008.
[43] الأهرام، ٢٢- ٧- ٢٠٠٨.
[44] الأهرام، 15/12/2008.
[45] المصري اليوم، ٧- ٧- ٢٠٠٨.
[46] المرجع السابق، 17/9/2008.
[47] www.mfa.gov.ir.cmscmsTehranindex.html.
[48] www.mfa.gov.ir.16/10/2008.
[49] كرم أكتم، بشاير الجمهورية التركية الثانية، إعداد عوني محمود، قراءات استراتيجية، نوفمبر ٢٠٠٧، ص٢٧-٢٩.
[50] www.islamonline.net,١٩-٩-٢٠٠٧.
[51] المرجع السابق، ٩- ٢- ٢٠٠٨.
[52] www.alarabiya.net, 21/3/2008.
[53] القدس العربي، ٧-٦- ٢٠٠٨.
[54] www.aljazeera.net, 30/7/2008.
[55] www.islamtoday.net, 7/5/2008.
[56] www. Ar. Timeturk. Com. 2 7/10/2008.
[57] أسامة عبد العزيز، علمانيون تركيا يغازلون الحجاب، الأهرام، 3/12/2008.
[58] أحمد السيد النجار، حراك اقتصادي تركي رغم مخاطر العجز، الأهرام ، ٧- ٢- ٢٠٠٨.
[59] خالد عمر عبد الحليم، العراق والأكراد وتركيا.. علاقات متشابكة تنتظر الحسم، السياسة الدولية، العدد ١٧١، يناير ٢٠٠٨، ص١١٢-١١٣.
[60] المصري اليوم، ١٨- ١٢- ٢٠٠٨.
[61] الأهرام، ٢٥- ٢- ٢٠٠٨.
[62] أسامة عبد العزيز، على خلفية زيارة جيتس لأنقرة… الصفقة الأمريكية التركية في شمال العراق، الأهرام، ١- ٣- ٢٠٠٨.
[63] www.moheet.com, 26/4/2008.
[64] www.aljazeera.net, 11/4/2008.
[65] www.islamonline.net, 15/1/2008
[66] www.islamonline.net, 27/1/2008
[67] وكالة الأنباء الفرنسية، ٢٢- ١- ٢٠٠٨
[68] الأهرام، ١١- ٥- ٢٠٠٨.
[69] سولي أوزيل، تركيا تتجه غربًا، ترجمة فرج الزهوني، الثقافة العالمية، العدد ١٤٧، مارس-أبريل ٢٠٠٨، ص٣٤.
[70] Zaman, 31/5/2008.
[71] www.ar.timeturk.com, 22/7/2008.
[72] Http://news.egypt.com, 8/3/2008.
[73] القدس العربي، ١١- ٦- ٢٠٠٨.
[74] www.timeturk.com, 11/7/2008.
[75] www.ar.timeturk.com, 14/7/2008.
[76] المرجع السابق، 24/11/2008.
[77] www.ar.timeturk.com, 20/7/2008.
[78] الأهرام، ١٧- ٢- ٢٠٠٨.
[79] www.ar.timeturk.com, 15/7/2008.
[80] Turkish daily news. 24/10/2008.
[81] الحياة، ٢٢-٥- ٢٠٠٨.
[82] وكالة أنباء الشرق الأوسط، ٣- ٥- ٢٠٠٨.
[83] www.aljazeera.net, 2/5/2008.
[84] www.xinhuanet.com, 14/6/2008.
[85] zaman, 11/8/2008.
[86] www. Ar. Timeturk.com 1/12/2008.
[87] www.islamonline.net.12/8/2008.
[88] أحمد داوود أوغلو، تركيا والديناميت الأساسية بالشرق الأوسط، شئون الأوسط، العدد ١١٦، خريف ٢٠٠٤، ص ٥٤-٦٢.
[89] القدس العربي، ٦- ٦- ٢٠٠٨.
[90] الأهرام ، ٢٦- ٤- ٢٠٠٨.
[91] www.president.ir/ar/, 15/5/2008.
[92] الأهرام، ٢١- ١- ٢٠٠٨.
[93] www.news.trendaz.com, 21/6/2008.
[94] محمد كوري ولد العربي، تركيا تنفتح على أفريقيا
– www.alkhaleej.ae, 17-6-2008.
[95] www.news.trendaz.com, 21/6/2008.

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2009

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى