المؤسسات البينية في العالم الإسلامي

محاضرة في إطار الموسم الثقافي لمركز الدراسات المعرفية لعام 2007-2008

في إطار الموسم الثقافي لمركز الدراسات المعرفية لعام 2007-2008 كانت المحاضرة الرابعة بعنوان “المؤسسات البينية في العالم الإسلامي” للأستاذة الدكتورة نادية محمود مصطفى – أستاذ العلاقات الدولية – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة، وقد عقدت المحاضرة بقاعة رواق المعرفة بمقر المركز.
ولعل السؤال الهام الذي يرد على الخاطر: هل هناك فعلاً مؤسسات بينية في العالم الإسلامي؟ وخاصة أن هذه الأمة قد خصها الله تعالى بأن عقيدتها في حد ذاتها تمثل مؤسسة بينية، فقد جمعت قبل أن تنشأ الدولة في (الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج…الخ).
وقد بدأت د. نادية محاضرتها بتنويه على عنوان المحاضرة وأضافت إليه جملة “من الفاعلية إلى التفعيل”، باعتبار أنه لو كان للأمة مؤسسات هل هناك ثمة فاعلية لها، وإذا لم يكن فكيف نعمل على تفعيل دورها في إحياء الأمة.
ورأت د. نادية أن قصر حديثها على مؤسسة بينية واحدة في العالم الإسلامي وهي على سبيل المثال “منظمة المؤتمر الإسلامي” فيه ظلم كبير للمؤسسات البينية في عالمنا الإسلامي. وقد حددت محاور المحاضرة في النقاط التالية:
– تحديد أهمية المدخل المؤسسي لأوضاع العالم الإسلامي في النظام الدولي.
– ملاحظات منهجية لتنظير التفكير في موضوع المؤسسات البينية وتحدد الإشكالات والقضايا التي تدور في صعيده.
– رسم خريطة للمؤسسات البينية للعالم الإسلامي.
– الإشكاليات والعقبات التي تواجه أنماط المؤسسات البينية.
– بعض التصورات عن ملامح للتفعيل على ضوء المشاكل والعقبات.
– ثم كيف يتم الانتقال من الفكر إلى الممارسة.

ثم أوضحت أن من أهم مداخل دراسة أوضاع العالم الإسلامي هو المدخل المؤسسي وتنبع أهميته من تعقد الأوضاع العالمية والتغير السريع في تلك الأوضاع، وكذلك المنافسة بلا حدود في ظل العولمة، كل ذلك جعل المؤسسة هامة في مسار الاستجابة للتحديات التي تواجه الأمة الإسلامية مما يؤكد على أهمية دقة وفاعلية الإدارة لتحقيق الاستمرار والتراكم والإنجاز والفاعلية ثم حدوث تحول نوعي في الواقع المعاش نتيجة للتراكمات السابقة.
وأكدت في حديثها أن أسباب التراجع والفشل وعدم الإنجاز في تاريخ الأمة التي شهدت الحديث عن حركات الإصلاح والنهضة ناتج في كثير منه إلى غياب المؤسسة أو ضعفها أو عدم فاعليتها مع وجودها.
أما الملاحظات المنهجية محددة في الآتي:
1. نمط المؤسسات (مؤسسات في الأمة) أم مؤسسات الأمة، أم مؤسسات للأمة).
– مؤسسات الأمة: هي المؤسسات الأصيلة مثل الصلاة، الزكاة، الحج، الوقف.
– المؤسسات في الأمة: المؤسسات القائمة في الأمة الأصلية، أو جزء منها منقول عن تجارب أخرى.
– أو مؤسسات يراد للأمة أن تكون لها في وضعها الراهن.
وتسألت: هل نريد استعادة ما كان كما هو؟ وأجابت بالنفي
2. هناك فارق كبير بين مؤسسات الأمة، ومؤسسات العالم الإسلامي؛ فالعالم الإسلامي هو الحقيقة الجغرافية الإستراتيجية التي تتكون من عدة دول تسمى دول إسلامية نسبة لعدد السكان، والدستور، وليس إلى طبيعة النظام السياسي، فضلاً عن المسلمون الموجودون في العالم غير الإسلامي.
3. أما مفهوم الأمة في الأساس مفهوم عقدي حضاري اجتماعي إنساني يتشكل في أشكال ومستويات متعددة في مرحلة ما كان يجمعها خلافة واحدة ثم أصبحت عدة دول وأقاليم لكن يظل للأمة اختلاف في المفهوم والدلالة عن العالم الإسلامي.
وهذا كله يجعلنا نقارن بين واقع ونسق معياري نحاول الاسترشاد به دائمًا.
4. مجال هذه المؤسسات: وحددت ثلاثة أنماط من العلاقات:
– العلاقات البينية بين مكونات الأمة دول وغير دول.
– العلاقات مع الخارج دول وغير دول.
– العلاقات الداخلية على مستوى الدولة الواحدة.
ونوهت إلى أهمية أن المجالات الثلاثة ليس فيها انفصال على الإطلاق.

5. هذا التطور من وجود مؤسسة جامعة للأمة إلى وجود حالات من التعدد والتجزئة تقتضي الحديث على أهمية وجود مؤسسات بينية في العالم الإسلامي حيث حدث انتقال من الكلية إلى تنظيمات التجزئة، وحدثت مواجهة بين التغلب الرسمي الحداثي وبين وجود معارضة إسلامية، والتحول من الوحدة والاستقلال إلى الاختراق الحضاري من الخارج، تطور من الفاعلية إلى الشكلية. وأصبحت فكرة المؤسسية ترتبط في أذهاننا بالدولة.
وأشارت د. نادية ربما أن المؤسسات البينية بين أفراد الأمة قد تكون أكثر وضوحًا واستقرارًا من مؤسسات بينية في نطاق الرسمية مثل الصلاة، والتوحيد والصوم.
ثم تحدثت د. نادية عن النقاط التالية:
– خريطة التحديات الخارجية والبينية أمام العالم الإسلامي عبر القرن العشرين لأن هذه التحديات تمثل الإطار الذي تعمل من خلاله تلك المؤسسات ومن خلاله نستطيع تحديد فاعلية أو عدم فاعلية المؤسسات ومن ثم يكمن في فهمها كيفية تفعيل هذه المؤسسات. ومن أهم هذه التحديات زيادة الاختراق الخارجي بأدوات عديدة تؤثر على السياسات الداخلية والعلاقات البينية وعلاقات العالم الإسلامي غيره.
– تحديات على صعيد البعد العقدي والثقافي والحضاري وما تفرضه على منظومة القيم.
– تحدي في سياسات الأمن العسكري متمثلة في منع حيازة العالم الإسلامي على الأسلحة المتطورة.
– التدخلات الخارجية لإعادة بناء النموذج الداخلي في الدول الإسلامية ويزيد هذا مشكلة العولمة والخصوصية والسيادة الشرعية.
– إدارة مشاكل وأزمات الأمة من الخارج.
– المشاكل الاقتصادية.
ثم تحدثت د. نادية عن أنماط المؤسسات التي نحن في حاجة لتفعيلها وتحدثت على أنها مؤسسات رسمية وغير رسمية. ورشحت د. نادية منظمة المؤتمر الإسلامي كأهم مؤسسة رسمية عامة. وعلى المستوى القومي جامعة الدول العربية. ومجلس التعاون الخليجي قائمة على أساس إقليمي.
وهناك نماذج مؤسسية على المستوى الثقافي مثل الإيسسكو والإليسكو، وعلى المستوى الاقتصادي البنك الإسلامي للتنمية…الخ، وفي مجال تسوية المنازعات هناك مشروعات لمحاكم عدل عربية أو إسلامية ولم تفعل، وغيرها من المؤسسات أما المؤسستين الغائبتين عن الوعي الإسلامي في رأي د. نادية:
– مؤسسة البحث العلمي.
– مؤسسة الأمن العسكري.
ثم أشارت إلى نمط آخر من المؤسسات الرسمية النوعية ولكن ليس جماعية بل وطنية ذات امتدادات خارجية تعمل على الخارج مثل:
– جمعية الدعوة الإسلامية العالمية في ليبيا.
– رابطة العالم الإسلامي- السعودية.
– مؤسسة وجامعة آل البيت- الأردن.
– الجامعة الإسلامية العالمية- باكستان وماليزيا.
– الأزهر.
– مؤسسة الفكر العربي.
وهناك مؤسسات أشارت إليها د. نادية تحت مظلة المؤسسات الغير رسمية وتسمى مؤسسات المجتمع المدني أو الأهلي: وهي مؤسسات تغطي مجالات حقوق الإنسان والمرأة والخدمات المجتمعية الأخرى مثل:
– هيئة الإعجاز الإسلامية.
– الجمعية الشرعية.
– جماعات التبليغ والدعوة.
– الحركات الصوفية.
– المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
– وجمعيات رجال الأعمال وسيدات الأعمال العرب.
– مجلس الأمناء الأوربي.
– إسلام أون لاين.
كل هذا يبين أننا لا نفتقد إلى المؤسسات، ولكن يبقى السؤال أي نمط من المؤسسات؟ وكيف نفعل هذه المؤسسات؟ وكيف تحقق هذه المؤسسات قفزات إنجازيه؟ أين مكمن التقصير؟.
وأحالت د. نادية الحاضرين لمن يريد تفاصيل أكثر حول هذا الأمر إلى حولية أمتي في العالم التي يصدرها مركز الحضارة للدراسات السياسية لكتابات عدد من مفكري الإسلام ورؤيتهم عن حال الأمة وقضاياها وتفسيراتهم لعثراتها المتتالية ورأت أنهم جميعًا يجمعون على عدة أمور:
أولاً: البعد المؤسسي وضعفه وضعف إنجازه.
ثانيًا: كيف أن هذه الأمة التي بينها قاسم مشترك روحي وعقيدي وتاريخي لا تستطيع أن تحول هنا إلى طاقة خدمة للمصالح عكس الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال والذي برغم ذلك يواجه مشاكل في مجال الهوية الثقافية لشعوبه.
ثالثًا: التعاون الاقتصادي غير ناجح وإخفاق التجارة البينية بين الدول الإسلامية.
ثم طرحت د. نادية السؤال التالي: هل المؤسسات الفاعلة هي مدخل لتفعيل الأمة أم مخرج من مخرجات الأمة؟ وأجابت بأن المؤسسات هي نتاج بيئاتها ومن ثم عدم فاعلية المؤسسات في إحداث اختراق نوعي هو نتاج عدة عوامل حضارية متضافرة داخلية وخارجية على حد سواء.
كذلك أثارت د. نادية سؤال هام: هل كل هذا الضعف في الجماعية هو مشكلة في ثقافة الأمة أم لا؟ وأجابت أن مشكلة الأمة أن كل فرد فيها يريد أن يحسن إسلامه، يحسنه في مجاله الخاص الضيق (الصلاة، الصوم، الحج…) دون أن يمتد ذلك إلى المجال العام والواسع، أي أن يكون -كما قال د. حامد ربيع رحمه الله- للأمة وعي بوظيفتها الحضارية على مستوى العالم. أي يجب أن تنتقل من كوننا مسلمين بالميلاد إلى كوننا مسلمين بالإيمان.
كيف نواجه تيارات العولمة المتدفقة على العالم الإسلامي وهذا في صميم عمل المؤسسات الإسلامية، لأن العولمة تمثل تحدي كبير أمام الهوية الثقافية والاقتصادية للأمة.
ونبهت إلى نقطة هامة جدًا، أنه في ظل تعدد القوميات والأعراق في الأمة الإسلامية يجب أن نسعى إلى تحقيق مصلحة الأمة ككل دون أن يكون لهذه القوميات والأعراق أثر سلبي في جماعية أداء الأمة.
ثم لخصت د. نادية في النهاية ما رصدته من أسباب ومشاكل عدم فاعلية المؤسسات على مستوياتها المختلفة:
1. تنازع التوجهات القومية والعرقية مع التوجه الإسلامي.
2. تنازع الخارج المهيمن مع التوجه نحو العلاقات البينية الإسلامية.
3. القطرية والمصلحية القومية الضيقة جدًا.
4. تنافس الأدوار الإقليمية بين الأركان (مصر، تركيا، إيران، السعودية).
5. فقدان الرابطة بين الرسمي والمدني.
6. ابتعاد التنسيق والعمل الفعال في عمل المؤسسات غير الرسمية.
7. ضعف الموارد البشرية والمادية اللازمة لدعم هذه المؤسسات.
8. افتقاد المؤسسات غير الرسمية للروابط مع مؤسسات مناظرة لها في الغرب تفهم قضايا العمل الإسلامي وتستطيع أن تساعد في حل تلك المشكلات والقضايا.
أما بعض مقترحات التفعيل فهي:
1. محاولة تجاوز الثنائيات التي لا تعكس رؤية حضارية إسلامية.
2. مؤسسات الأمة ليست المؤسسات الرسمية فقط.
3. مؤسسات الأمة ليست فقط المؤسسات الإسلامية بل كل من يوجد على أرض الوطن ويعمل لصالحه.
4. مؤسسة الأمة ليست مؤسسات الدول فقط وإنما أيضًا مؤسسات المسلمين في الغرب والعالم كله.
5. ضرورة الوعي بالتأثير الخارجي ودرجته ونوعيته.
6. ضرورة الوعي بتوظيف هذا الخارجي للديني والثقافي والحضاري لخدمة السياسي في إستراتيجيته تجاهنا.
7. ضرورة التغلب على قصور الموارد البشرية والمادية بالتنسيق الفعال بين أصحاب الأنشطة المتناظرة واستخدام أساليب الاتصال الحديثة.
8. ضرورة الانفتاح على الخارج انطلاقاً من احتياجات الداخلي والبيني.
9. ضرورة الاهتمام بالبحوث العلمية والصناعات والعسكرية الأمنية.
10. كيف يجب أن نفكر ونجتهد لتتحول الرابطة العقدية التي تجمع الأمة إلى مصالح ملموسة للخروج من الفردية إلى الجماعية.
11. كيف تولد العقلية البرامجية الإجرائية المنهجية الإدارية المنظمة؟ فالتراكم والإنجاز والتفعيل يتحقق بالمثابرة والجهد والعمل المنظم.

مركز الدراسات المعرفية
قاعة رواق المعرفة
الثلاثاء الموافق 8/1/2008م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى