الرؤية المعرفية الاسلامية وطرق الاستفادة من التراث والتاريخ

بدأ اليوم الأول في دورة المدراسات الفكرية السبت 12 يناير 2013 بمقدمة عن النموذج المعرفي الاسلامي والتراث ثم تبع ذلك شرح للنظريات الأساسية في النموذج المعرفي ومكوناته وعلاقة التاريخ بالتراث ، ثم نموذج تدريبي علي الدستور المصري وانتهي اليوم بورش عمل تدريبية عن الدستور المصري في ضوء مكونات الرؤية المعرفية الاسلامية وفيما يلي تلك المحاور:

 

1-   المقدمة المؤسسة للرؤية المعرفية الاسلامية والاستفادة من التراث والتاريخ.

يتعلق النموذج المعرفي بالمجتمع والحياة والانسانية والكون, وتتعدد النماذج المعرفية بين انساق معرفية وضعية(غربية) وبين انساق معرفية توحيدية (الاسلامية), وتتشابك النماذج المعرفية في المجالات وتتميز الرؤية المعرفية الاسلامية من حيث الرؤي والغايات والمقاصد.

          والرؤية المعرفية الاسلامية والاستفادة من التراث والتاريخ منظومة تفترض الشبكية بين موضوعاتها, والنموذج المعرفي الاسلامي هو النموذج التوحيدي وجزء لا يتجزأ من تلك المنظومة هو التراث بما يمثل من ذاكرة حضارية وانسانية ومجالات فعل وتفاعلات البشر بمرجعتيهم, وما من غرفة معرفية الإ وحضر فيها التراث – يجب ان يكون النظر للتراث معرفي اي لا يكون ايجابيا او سلبيا – وهذا التراث داخلنا واستبعاده حالة مرضية اما بفقدان الذاكرة او بتشويها وبتزيفيها, وجزء مهم من التراث هو التاريخ في إطار العبرة من مناط الاحداث المتواردة علينا أو على غيرنا, والمعني من التاريخ هو العبرة والخبرة والفكرة.

ربط الدستور بالنموذج المعرفي :الدستور ليس مجرد عقد اجتماعي , فهو تصور لبناء وبنية المجتمع وعلاقاته وبنية الدولة وعلاقاتها وعلاقة المجتمع بالدولة وتلك مفردات داخل النموذج المعرفي الكلي ويتولد منه نماذج معرفية اصغر .

ربط الدستور بأدب النصيحة –الذي يؤسس للمجتمع الأمثل ويقدم الاسس والرؤي  ومنظومة القيم والمعارف التي تؤسس لهذا المجتمع- والدستور يقدم رؤي أدب النصحية والقيم المجتمعية ويترجمها لوسط اجتماعي ومجتمعي وقيمي في هيئة مواد وقوانين تحكم المجتمع .

والدستور كعقد للشعب وخريطته وارتباطه بالنموذج المعرفي علي عهد النبي صل الله عليه وسلم , وكونه نموذج معرفي بحد ذاته تولد عن النموذج المعرفي الاسلامي وكان في ثلاث أضلاع

1- التأسيس التوحيدي( المسجد)

2-    التأسيس المجتمعي ( المؤاخاة) التوافق المجتمعي الذي نسعي إليه حاليا.

3-    التأسيس الدستوري (وثيقة المدينة) ليحكم الناس علي تنوعهم واختلافهم وتعددهم.

ولا يمكن تطبيق خرائط الدستور إلا من خلال نخبة جديدة لديها رؤية وفكرة لتقديم الدولة كما قام النبي بتمكين نخبة في المدينة الجديدة بعد فعل ثوري ( الهجرة) وتأسيس مجتمع جديد وصنع الدولة النموذج ؛ ومع بناء نخبة جديدة فلابد من استراتيجية تشبيك الصالحين في المجتمع ليجتمعوا في ادوراهم ويتكافلوا وتكون لديهم القدرة علي تقديم الأصلح فالأصلح لتكوين حياة مجتمعية تقدم منظومة القيم والمعارف لحرث الارض لتفعيل القانون.

2- النظريات الأساسية في النموذج المعرفي :

إن الربط بين تلك النظريات والتفاعل بينها عن طريق الرؤية المعرفية التوحيدية تكون منظومة التفكير والتدبير والتغيير

أ- نظرية الوجود أو الكون: وتتعلق بلماذا وجودنا ومالرسالة التي التي توديها في الكون وما علاقاتنا به وهي  النظرية التي المجال الذي يتعلق بتفاعل الكون والانسان .

ب-نظرية المعرفة : ماذا أعرف؟ ولماذا أعرف ما أعرف؟ وكيف أعرف ؟.

ج- نظرية القيم

وكل نظرية لها وظيفة فنظرية الوجود تحدد كيفية النظر للكون وكيفية النظرلدور الانسان داخله فعل سبيل المثال “جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً” والتي تعني علي الصعيد الكوني أن الانسان يجب أن يحافظ علي الأرض كأنها مسجدا طهور, والمعني الذي يتعلق بالاستخلاف مرتبط بنظرية المعرفة حيث إن أول آية نزلت إقرأ وهي بيان معرفي للجمع بين القرائتين الأولي في الكتاب المسطور ( القرآن) والثانية في الكتاب المنظور وهو الكون, وبتلك القراءتين يتحدد الاستخلاف وحمل الأمانه إلي آخر الآية ( ظلوماً جهولاً) فالبعد عن الظلم (العدل بين مكونات الكون من الانسان والحيوان والنبات والجماد) والبعد عن الجهل الذي يبدد كل عناصر المعرفة.

وتأتي (ظلوماً جهولاً) في ما يمكن تسميته المعني القيمي لانه يفقد كل أهليته لحمل الأمانة, ف لا إله إلا الله تترجم الاسس التي تتعلق بالمعني الوجودي والكوني والاسس التي تتعلق بالمعني المعرفي والا سس التي تتعلق بالمعني القيمي ليقول لا لكل شئ يتعلق بسلبية ثم ياتي بعد ذلك الإثبات؛ ويجب ترجمتها إلي عمل فلا يكتمل المعني الاستخلافي دون عمل,  ففكر دون حركة لا يفيد ولا يجب ان تكون حركة هوجاء دون فكر.

3-  مكونات النموذج المعرفي

أ‌-      رؤية العالم : فلماذا خلقنا, وماهي رؤية الانسان للحياة؟وتفاعلاتها؟ وكيفية النظر للكون؟ وماهي مفردات هذا الكون وكيف يتم التفاعل معها؟  ودور الانسان عليه فهم ذلك وتنفيذه من خلال التسخير والثمير والتعمير فالبناء صعب ويحتاج إلي رؤية وفكر وقيم, أما الهدم فلا يحتاج إلي شئ من ذلك.

ب‌-المفاهيم : إن الفعل الإنساني هو الذي يملأ الوعاء الزماني والمكاني, والسؤال المطروح هنا كيف ننظر للانسان, والزمان, والتاريخ, والمستقبل, والفكر, والمنهج, والعلم, والواقع داخل منظومة النموذج المعرفي .

التجديد ليس انقطاع عن التراث فهو تواصل واستمرار والتفعيل يستند إلي اساس سابق ويرممه , والتجديد يحدث في إطار مفاهيمي, والمفاهيم السابق ذكرها هي الاساس وليس لها علوم متخصصة بها لذلك تسمي علوم حضارية كبري و مفاهيم المظلة ثم تأتي بعد ذلك العلوم التي قسمها الغرب (سياسية- اجتماع – علم نفس…….) لتتشرب من تلك المفاهيم .

ج- الإطار التحليلي: فعلي سبيل المثال تحليل مقولات تتعلق برؤية العلاقة بين الديني والسياسي تختلف من المنظور الاسلامي حيث الدين منهج حياة عن المنظور العلماني الذي فيه الدين شأن شخصي. فالدين لدينا حافر ويرقي عناصر نشاط الانسان وفعالياته وسلوكياته.

د- قواعد التفسير: فعلي سبيل المثال إذا ما  فسرنا ثورة 25 يناير فلابد من وضع جزء كبير منها في باب الكرامات الاتية من الله وحده ولا يستطيع أي أحد بصرف النظر عن توجهه نكران ذلك؛ (فالاخذ بالاسباب نزول الشباب واخلاصهم أدت بكرامات الله أن تأتي وتنتهي بالتنحي في 18 يوما) فالله لاياتي بالمنن إلا إذا عمل الانسان بالسنن.

– ومثال أخر علي ذلك هو حديث الفسيلة والغرس , فكل ما علي الانسان  هو القيام بالغرس وليس ضمان النتائج ,فالاساس هنا هو(ماذا فعل الانسان لنجاح ذلك الغرس) وليس نتيجته.

ه- الإشكالات الأجدر بالتناول والتطوير: فالنموذج المعرفي يفرض إشكالات أجدر بالتناول وأولي بالنظر , فالميزان المهم في ذلك الأمر هو الذي يتعلق بالمقاصد فلا يجوز الذهاب إلي التحسينات قبل الضرورات.

وفيما يلي عرض لبعض اراء د عبد الوهاب المسيري عن النموذج المعرفي :

–        فقد حذر من التبعية الإدراكية واتباع النماذج المعرفية الاخري (لتتبعن سنن من كان قبلكم) وذلك يؤدي إلي تفسير الامر علي غير ماهو عليه, فالذي يصلح للغرب ليس بالضرورة يصلح تطبيقه علينا , فهناك فرق بين الصحة والصلاحية.

–       ولابد من كتابه وتجديد النموذج المعرفي, فقد كان أثناء الحضارة الاسلامية مكنون في الصدور أما الان فلابد من كتابته.

–       النموذج المعرفي الاسلامي بسيط في أدائه وارتباط الناس به, فهو صبغة الله التي صبغ الناس بها وتترجم الي صيغة لوضع القواعد ثم إلي الصياغات التي هي مقدمات للتعامل وتأهيل النموذج المعرفي لتطبيقه علي أرض الواقع في منظومات القيم ومنظومات السلوك؛ وذلك يؤثر بكل عملياته علي المنهج المتبع وعملياته التي هي ( الوصف ثم التصنيف ثم التحليل ثم النفسير ثم التعميم ثم التنبؤ ثم التقويم) والتي يقوم بها الانسان وتترب عليها كم المعارف ونوعها التي استطاع تحصيلها.

–       النموذج المعرفي هو منظومة تتعلق بالرؤية للانسان والكون والحياة يترتب عليها منظومات قيم واصلة فيما بينها ومنظومات سلوك تحركه ويجب أن تترجم إليها وتكون علي أرض الواقع, فالنموذج المعرفي جزء من العلم النافع الذي ينفع النفس والكون والبشرية وعلاقات الناس وليقوم ببناء المؤسسات.

4-  التراث والتاريخ:

ما هو موقفنا من التراث؟, فإذا رأينا أن التراث سلبي فلن نستطيع الاستفادة منه

مدخل ابن خلدون للتراث

مقولتين اساسيتن لابن خلدون الأولي ” المغلوب مولع بتقليد الغالب في عوائده وفي سائر احواله”

الثانية ” إن لأمة إذا غلبت وصارت في ملك غيرها أسرع إليها الفناء”

ولكي نفهم تلك المقولتين فيجب فهم معطيات النص كإطار منهجي للتعامل مع قضايا التراث :

1-    الخريطة الكلية للنص : و السبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال في من غلبها و انقادت إليه إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه أولما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالب فإذا غالطت بذلك و اتصل لها اعتقاداً فانتحلت جميع مذاهب الغالب و تشبهت به و ذلك هو الاقتداء و لذلك ترى المغلوب يتشبه أبداً بالغالب في ملبسه و مركبه و سلاحه في اتخاذها و أشكالها بل و في سائر أحواله و انظر ذلك في الأبناء مع آبائهم كيف تجدهم متشبهين بهم دائماً و ما ذلك إلا لاعتقادهم الكمال فيهم و انظر إلى كل قطر من الأقطار كيف يغلب على أهله زي الحامية و جند السلطان في الأكثر لأنهم الغالبون لهم حتى أنه إذا كانت أمة تجاور أخرى و لها الغلب عليها فيسري إليهم من هذا التشبه و الاقتداء حظ كبير.

أسباب الإقتداء :

 أ- الشعور بالنقص عن المغلوب

ت‌-الاعتقاد بالكمال لدي الغالب

مما يؤدء إلي * إنقياد المغلوب للغالب وينتج عنه القابلية للاستعمار(مالك بن نبي) والقابلية للاستحمار (علي شريعتي).

* تعظيم الغالب في نفس المغلوب وينتج عنه الاقتداء بأشكاله من السلاح والشعار والزي والنحلة وسائر العوائد وسائر الأحوال .

2-     إذا غلبت الأمة و صارت في ملك غيرها أسرع إليها الفناءو السبب في ذلك ما يحصل في النفوس من التكاسل إذا ملك أمرها عليها و صارت بالاستعباد آلة لسواها و عالة عليهم فيقصر الأمل و يضعف التناسل و الاعتمار إنما هو عن جدة الأمل وما يحدث  هو أن الإنسان رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له و الرئيس إذا غلب على رئاسته و كبح عن غاية عزه تكاسل حتى عن شبع بطنه و ري كبده.

الغالب والمغلوبية(مادية ومعنوية) وقانون السلطة :

وللسلطة تصنيف أوسع من السلطان وتشمل كل من له سلطة وقوة علي الأخر حيث توجد أشكال أخري من السلطة التي تولد الاستبداد؛ فمن الممكن أن يتولد الاستبداد داخل الأسرة وفي المدرسة نتيجة لنظام التعليم واحيانا يزرع الاستبداد من الثقافة ومن الشارع.

والتحليل المفاهيمي للعلاقة بين الغالب والمغلوبية مفهوم منظومة يتولد منه عدة مفاهيم منها النفس والكمال والولع والانقياد والاستبداد والتشبه ويتولد لدي المغلوب قابلية لكل تلك المفاهيم.

والمفهوم المفتاحي لفهم تلك المنظومة من المفاهيم هو مفهوم “الولع” فإذا لم يحدث لا يتم الاقتداء بل يمكن أن يؤدي إلي مقاومة, والولع هو شرط القابلية لدي المغلوب وهو حالة نفسية وعقلية ومعرفية وحضارية وإدراكية ومرجعية وثقافية واجتماعية وسلوكية ومادية.

وتنشأ آله الولع في الحالة بين الغالب والمغلوبية والسنن الشرطية وتوثر علي عالم الأفكار وعالم المفاهيم وعالم السلوك وعالم الأشخاص وعالم الأشياء.

وصناعة الولع تحدث في كيان الإنسان وهي حالة وهي قابليات وهي سياسات عند الغالب للمغلوب؛ ويجب علينا خلق الحالة المضادة لخلق مقاومة لحالة المغلوب لدينا وخلق مقاومة لحالة الكمال لدي الغالب, وقابليات الولع كثيرة مثل الكسل حتى في الفكر والاجتهاد, الجهل, الاستبداد, الانبهار, الامعية؛ والولع يتوغل في الحالة النفسية حتى يصل إلي الحالة الثقافية والعقل الجمعي للمجتمع.

أما فيما يتعلق بالتاريخ وأخذ العبرة منه فعلي سبيل المثال ( الفتنة الكبرى ) وأهميتها في التاريخ وأخذ العبرة منها, وقد كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه رؤية حول عدم الافتتان, فعندما خاف علي الناس الافتتان بالصحابة جعلهم يقيمون في المدينة وعندما خاف علي الناس الافتتان بخالد بن الوليد عزله رغم قدراته, وعندما علم اتساع رقعة الدولة الإسلامية رغب في الإقامة لفترات من الزمن في الأمصار.

وهناك مقوله لابن خلدون تقول ( للدولة حصة من الاتساع) أي إن لكل دولة نصيب من الاتساع تستطيع فيه السيطرة علي أطرافها وعندما يزيد يصبح من السهل أن تتفكك حيث تقل السيطرة علي الأطراف وذلك هو السبب الرئيسي في حدوث الفتنه الكبرى, والعبرة من ذلك انه لا يجب أن نتغافل عن الثغور لأنها تحافظ علي أمان الدولة.

4-الدستور

الدستور من حيث نموذجه المعرفي هو عقد الشعب وله استحقاقاته التي تُلزم السلطة للقيام بها وهي :

حزمة التشريعات والمفاصل والأولويات التي يجب تجهيزها قبل أن يأتي البرلمان ومن أهمها لائحة عمل مجلسي الشعب والشورى حتى يتم تفعيل المجلسين للقيام بدوريهما, فهناك حزمة المؤسسات الجديدة التي نص الدستور علي إنشاءها حيث يجب وضع تصور واليات لتلك المؤسسات, حزم العلاقات بين السلطات الثلاث( التشريعية- التنفيذية-القضائية), خريطة العلاقة بين المدني والعسكري, خريطة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني, خريطة المواطنة وتشريعاتها والمؤسسات والآليات المطلوبة لتفعيلها , وكذلك باقي الحزم والخرائط المتواجدة في الدستور التي تتطلب تجهيزها والعمل عليها وذلك بدلا من الصراع حول الدستور في حد ذاته ولنترك الرغبة في تعديله أو إلغاءه للمعارضة, فتثبيت الدستور لا يتم ترجمته إلا بواقع من الحزم التشريعية المحققة والمفعلة له.

التقرير الأول – دورة المدارسات الفكرية

إعداد أ.مروة يوسف

 باحثة بمركز الحضارة للدراسات السياسية
 28-4-2013 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى